الأزمة الثالثة : التضليل المعرفي :
من أساسيات الوعي الفكري التي يمثل المساس بها انخراماً خطيراً في البنية التحتية : احترام الفكرة نفسها وصدق التعامل معها , وتقدير عقل المتلقي لها , ومتى ما حدث تجاوز لهذه المبادئ فإن الفكر يتوجه مباشرة إلى التضليل والتزييف والتلاعب والانحطاط والتشويه.
والمتابع للمنتج الليبرالي والمطلع على العملية التفكيرية التي يمارسها في تعاطيه مع القضايا التي يسعى إلى تكريسها ونشرها في الوسط الثقافي السعودي يجد أن لديه انزلاقات خطيرة في تصوير الحالة الفكرية، وفي منهجية التعامل معها، وفي طريقة تركيب النتائج واستخلاصها.
وقد تسببت هذه الانزلاقات في تضليل الوعي المجتمعي، وإبعاده عن الحقيقة، وإقامة حواجز غليظة تحول دون الرؤية الناضجة للواقع.
فالمتابع الواعي يجد أن أكثر التيار الليبرالي لا يفرق بين الغلو والتطرف وبين مظاهر التدين الصحيحة , فيبدو للعيان أنه لا يفرق تفريقاً واضحاً بين من يتبنى فكر التطرف والغلو والتكفير وبين المتدين المتمسك بالشعائر الظاهرة, وأخذ يدخل في التطرف قضايا شرعية صحيحة لا علاقة لها بالتطرف , وأخذ ينقد المتطرفين والغلاة في مسائل شرعية ليست هي سبب حصول الغلو والتطرف لديه , وهذا كله تسبب في تضليل مفتعل لا حقيقة له.
ويجد أيضا أن التيار الليبرالي لا يفرق بين التقدم والتطور والارتقاء الحضاري وبين منتجه الفكري والصحفي , وبالتالي فكل من ينتقد منتجه أو يتحفظ عليه سواء في قضايا المرأة أو غيرها فإنه يُصَوَّر على أنه مخالف للتقدم والتطور، وأنه معاد للمعاصرة ويدعوا إلى التخلف والعيش في الظلام، وأنه محارب للعدالة والمساواة، ولديه أزمة في علقه وقلبه! , وكل هذا نوع من التضليل الفكري المفتعل.
وإذا حاول المتابع أن يقوم بعملية استقرائية للصحافة الليبرالية ليتعرف من خلالها على الهموم المسيطرة على منتجها سيجد أنها في أغلبها منصبة على موضوعات محدودة جدا كموضوع عمل المرأة، والإرهاب، وآراء بعض الدعاة , وهذا الطرق المكثف والتناول المركز يؤدي إلى التضليل الفكري بشكل ظاهر ؛ لأنه يوجه المشهد الثقافي إلى خانات محددة لا تمثل كل إشكالياته الحقيقية ولا كل أزماته الملحة.
وإذا استمر تجوال المتابع في ساحات المنتج الليبرالي سيجد نوعا آخر من التضليل المعرفي , سيجد أن الخطاب الليبرالي انتقى نوعا من العلماء وطلبة العلم ممن يتوافق مع بعض أطروحاته وجعلهم الممثلين للنضج الشرعي , وصور للقراء بأنهم هم الذين يمثلون الاعتدال والعلم الحقيقي , وأنهم المنقذ للأمة مما تعانيه من تخلف , وسعى إلى إبرازهم وإظهارهم , بل وصل الحال إلى عقد تراجم شخصية لبعضهم.
وإذا حاول المتابع أن يتعرف على أسباب ذلك لا يجدها ترجع إلى التمكن العلمي، ولا إلى النضج الاستدلالي، ولا إلى الخبرة في الاستنباط، ولا إلى الإتقان في الملكة العلمية , ولا إلى الثراء في النتاج العلمي , وإنما إلى أنه قال قولا يوافق الخطاب الليبرالي , أليس هذا تضليلا للفكر وتلبيسا على المتلقي ؟!
وتتبدى عليمة التضليل المعرفي في مجال آخر , فإن الخطاب الليبرالي حين أراد أن يبحث عن المؤيدات الشرعية لمواقفه , قام بحملة تشريعية كبيرة , ولكنه وقع في أخطاء بحثية عديدة، نتيجةً لضعف المعرفة بالعلوم الشرعية، ونقص الأدوات البحثية لديه, من أفتكها : الانتقائية الاستدلالية , بحيث إنه لا يستقرئ النصوص الشرعية ليستخرج من مجملها حقيقة ما تدل عليه , وإنما انتقى منها ما يراه يدل على قوله.
ولأجل هذا لما اقتنع بعض الخطاب الليبرالي بأن النص الشرعي منفتح على كل الدلالات وأنه قابل لكل التأويلات , وأراد أن يشرعن لهذه النظرية ويبحث لها عن مستند في التراث , انتقى مقولة علي رضي الله عنه للخوارج , حين قال لهم : " إن القرآن لا ينطق وإنما يتكلم به الرجال " , وتوصل من خلالها إلى أن علياً يقول بنظرية انفتاح الدلالة , ونسي أن عليا رضي الله عنه أرسل ابن عباس ليناظر الخوارج فيما فهموه من القرآن وليبين لهم أخطاءهم , ونسي أن علياً قاتل الخوارج لما كفروا المسلمين بناء على ما فهموه من القرآن , نسي كل ذلك وتوقف عن تلك المقولة فقط.
أليس هذا تضليلا للفكر وتلبيسا على المتلقي ؟!.
ويجد المتابع تضليلا آخر لدى الخطاب الليبرالي , فإنه يجد في المنتج الليبرالي زيادة طافحة في جرعة التضخيم للأمور إلى درجة الخروج بها عن الواقع والتصادم مع المحسوس , فقد مارس عدد من التيار الليبرالي تضخيماً موسعاً لبعض الأفكار التي دعى إليها بعض الدعاة والشرعيين – بغض النظر عن القول بصحته أو خطئه – حتى وصل إلى درجة التمويه على عقلية القارئ والاستخفاف به , وأقرب مثال على ذلك : التشويه المفتعل الذي مورس على الدعوة إلى هدم الحرم وبنائه على شكل يحقق فك الاختلاط بين الرجال والنساء , فقد أصر الخطاب الليبرالي على تصوير هذه الدعوة على أنها دعوة لهدم الكعبة نفسها !!
ومن مشاهد التضليل المعرفي التي يجد لها المراقب حضوراً مكثفاً في الخطاب الليبرالي : السعي إلى تحويل عدد من الشعائر والعبادات الدينية إلى عادات اجتماعية وتفريغها من البعد الديني وربطها بالأوضاع التاريخية والمحلية ؛ حتى يسهل تجاوزها والقدح فيها , كما هو الحال في تصوير الحجاب على أنه عادة من العادات الاجتماعية وليس من الشعائر الدينية.
وهذه العملية التضليلية مارسها الخطاب العلماني العربي في قضايا كثيرة كقضية الميراث، وقضية الحجاب، وقضية الحدود الشرعية، وقضية الطلاق، وقضية القوامة، وقضية تعدد الزوجات، وغيرها , وهاهو الخطاب الليبرالي السعودي يعيد تلك التجربة ولكن بجرعة مخففة.
وإذا تابع المراقب توصيف الخطاب الليبرالي للمشاريع النقدية التي ظهرت في الفكر العربي كمشروع محمد أركون، ومشروع حسن حنفي، ومشروح محمد الجابري، ومشروع نصر حامد أبو زيد، فإنه سيقف على تضليل معرفي من نوع آخر , فبعض الخطاب الليبرالي السعودي وصف أصحاب تلك المشاريع بالأوصاف الاطرائية العالية , وصفهم بأنهم أكبر المجددين في الإسلام وأنهم من حكماء المسلمين الكبار , وأن مشاريعهم تمثل فتحا جديدا للفكر الإسلامي , وهو بذلك كله يمارس تضليلا معرفيا على عقلية القارئ ؛ لأنه لم يراع مقدار الوعي الذي وصل إليه العقل العربي ولا مقدار الحاسة النقدية التي استطاع الارتقاء إليها , ولم يلتفت إلى كمية الجهود البحثية التي قام بها الخطاب العربي بجميع أطيافه – سواء العلمانية أو الإسلامية – في نقد تلك المشاريع.
فالمستقرئ للساحة الفكرية يجد أن تلك المشاريع النقدية قُدِّمت حولها بحوث علمية جادة أظهرت ما فيها من الخلل المنهجي الغائر في البنية المعرفية والبحثية لديها , وأبرزت ما احتوت عليه من الأخطاء التاريخية والتراثية , وأبانت ما فيها من المخالفة الصريحة لقطعيات الإسلام , وما تضمنته من الانزلاقات الاستدلالية والنتائجية , وكشفت مقدار التحريف الذي وقعت فيه سواء في التراث العربي أو الغربي , وبينت آثارها الفكرية المدمرة للفكر والمعرفة , ولكن الخطاب الليبرالي يتعالى على كل هذه الجهود وكأنه ليس لها وجود!
إن شيوع هذه الممارسات التضليلية في الساحة الفكرية له آثار سلبية مميتة , فهي من أقوى الأسباب التي تؤدي إلى حدوث القلق والفوضى بأنواعها , فوضى في تصوير أقوال الآخرين، وفوضى في موزين النقد والتقييم، وفوضى في بناء المواقف وتركيب النتائج.
الأزمة الرابعة : القطيعة المتصلبة :
تحتاج المناهج الإصلاحية في مسيرتها إلى أساسات متينة تبنى عليها , وإلى ركائز قوية تستند إليها , سواء كانت دينية أو اجتماعية أو تاريخية أو فكرية , ومتى ما فقدت شيئا من هذه الركائز فإنها منتهية على السقوط والفشل.
والمتابع للخطاب الليبرالي السعودي بهدوء والمتلمس للأبعاد النفسية والفكرية التي تكمن في مظاهره , يجد أنه فاقد لكل تلك الأساسات , فهو يعاني من قطيعة شعورية متصلبة مع المجتمع , لأنه يعيش حالة انعزال مع بعض أصوله الدينية، وحالة انعزال مع تاريخه وتراثه، وانعزال مع بعض رموزه وقيادته الفكرية , وقطيعة مع كثير من قيمه.
وهناك مؤشرات عديدة تؤكد هذه الحالة الانعزالية :
ومن تلك المؤشرات : أن الخطاب الليبرالي ظهر للمتابعين بالقدح في الرموز الدينية في المجتمع , ومارس معها حالة نقدية واعتراضية عارمة , وزاول عمليات اعتراضية على الحالة الدينية بشكل مكثف , وأظهر الاستخفاف بالعلماء وبموافقهم ووصفهم بأوصاف قاسية , وبذل جهودا في محاولة إسقاط منزلة العلماء واخفاء دورهم.
وقد قامت الأقلام الليبرالية بتوجيه حملات نقدية وإسقاطية متتالية على عدد كبير من علماء الاتجاه الشرعي لما أبدى ما يخالف قولهم , كل ذلك مع فقر شديد في المستندات الشرعية وضعف بـيـِّن في اللغة الشرعية.
وهذه الحملات أدت إلى حدوث القطيعة بين التيار الليبرالي وبين المجتمع ؛ لأن كل مجتمع في الوجود لا بد أن يكون لديه رموز يتعلق بهم ويصغي إليهم.
ونوعية تلك الرموز تختلف باختلاف طبيعة المجتمعات , فالمجتمعات التي تغلب عليها الحالة المادية تتخذ رموزا تمثل هذه الحالة, يعد المساس بها قدحا في مشاعر المجتمع واستخفافا بعقله وذوقه, والمجتمعات التي تغلب عليها الحالة الدينية تتخذ رموزا تمثل هذه الحالة ,يعد المساس بها قدحا في مشاعر المجتمع واستخفافا بعقله وذوقه.
ومن المؤشرات الدالة على القطيعة الشعورية لدى التيار الليبرالي مع المجتمع : غياب الاهتمام بأعقد المشكلات التي يعشها المجتمع , وتهم قطاع عريض منه , فالمتابع للصحافة الليبرالية يجد فيها خفوتا كبيرا في التحدث عن ظواهر تعد من أكبر الهموم التي يتحدث فيها الناس , ويمثل وجودها خللا دينا ومجمعيا كبيرا , كمشكلة الفقر وارتفاع معدلات البطالة في الشباب , وارتفاع معدلات الجريمة والسرقة والسطو وجرائم الزنا , وزيادة معدلات الطلاق , والتلاعب بالمال العام والحقوق المشتركة , واستشراء الفاسد الإداري والرشوة وغيرها من الإشكاليات التي تفاجئنا الصحافة اليومية بمعدلاتها المرتفعة.
والمتابع للخطاب الليبرالي لا يجد حضورا يتناسب مع ضخامة هذه الإشكاليات , وإنما يجده يتمحور غالباً حول إشكاليات عمل المرأة ومواجهة الإرهاب , إلى درجة الإملال , وهذا التمحور يشعر المتابع المدرك للوضع الاجتماعي أن التيار الليبرالي يعاني من الانتقائية الشديدة فيما يطرح ويناقش , وأنه ليس مهموما بالارتقاء بمجتمعه وحل ما يعانيه من أمراض وأزمات حقيقية.
ومن مؤشرات القطيعة الشعورية لدى التيار الليبرالي مع المجتمع : أن الخطاب الليبرالي معرض إعراضا تاما عن التعايش مع الأحداث المؤلمة التي تمر بالأمة الإسلامية , فقد عاشت المجتمعات الإسلامية حالات محزنة , ومواقف مبكية , جراء الأحداث الأليمة التي مرت بإخوانهم المسلمين في فلسطين والعراق وفي غزة وغيرها , وتألموا على ذلك غاية التألم , بينما نجد بعض الخطاب الليبرالي يتغافل عما يحدث وكأنه يعيش في كوكب آخر , ولا يجده الناس إلا في التعليق على فتوى بعض العلماء، أو في التحريض على مظهر من مظاهر التدين في المجتمع , أو في النقد لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , أو في التطبيل لقرار سياسي ولو كان استبداديا , أو في التلميع لمفكر علماني ناقد للفكر الإسلامي.
وحين حزن المسلمون لنبيهم صلى الله عليه وسلم لما تطاول عليه الرسامون , وصوروه بصور لا تليق به , وأظهروا تألمهم وحزنهم عليه , ظهرت من بعض التيار لليبرالي مواقف تقلل من شناعة هذا الحدث الذي هز كيان الأمة , وتنكر على الأمة بأنها أعطت الأمر أكبر مما يستحق , بل حمل بعضهم المسلمين مسؤولية تلك الشناعة , وظهر لدى البعض الآخر ركودا كتابيا كبيرا في التعامل مع هذه الحادثة الأليمة، فهل تحمس الخطاب الليبرالي لنقد تلك الممارسات كما تحمس لنقد بعض الدعاة والعلماء لما أظهورا بعض أقوالهم؟!
إن المراقب الذي يمتلك قدراً بسيطاً من الوعي لا يكاد يجد في مثل هذه الممارسة إلا أنها دليل على مقدار القطيعة التي يعيشها التيار الليبرالي مع مجتمعه.
كان المجتمع يتمنى أن يجد تلك الحماس في التصدي لمن أساء إلى وحي ربهم، وقدح في نبيهم صلى الله عليه وسلم , كان المجتمع يتمنى أن يجد حرفا واحدا في نقد من دعا إلى ضرب الكعبة بقنبلة نووية , ولكنه تفاجأ بأن حماسة التيار الليبرالي ليست موجهة إلا إلى الداخل والشأن الديني فقط!
ومن آخر الأحداث المؤلمة التي زاد فيها بعض الخطاب الليبرالي من القطيعة بينه وبين المجتمع : ما حصل من إغلاق حلقات تحفيظ القرآن في مكة وجدة , فقد مثّل هذا الفعل جرحا عميقا تألم منه المجتمع , وثارت أحزانهم على كتاب ربهم , ومع هذا بادر بعض الخطاب الليبرالي إلى مباركته وتأييده , ودافع عنه ولمعه وكأنه فتح لم يقع للأمة مثله في التاريخ!.
ويزيد من الهوة الانعزالية التي يعيشها الخطاب الليبرالي مع المجتمع : ما يلحظه المراقبون من طغيان روح التبعية للثقافة الغربية , وما يشهده المتابعون من الاستلاب المعرفي للفكر الغربي ولمن تأثر به , فإنا نشهد إطراء عاليا للحالة الغربية وحضورا مكثفا لرموزها , كمثل فوكو وهيجل وكانت وريكور ورسل وجاك دريدا , ونجد في المقابل حالة نقدية للتوجه الشرعي وتقليلا من رموزه من الدعاة والعلماء وتحقيرا بالغا للتراث.
واجتماع هذه الأنواع من القطيعة في الخطاب الليبرالي يدل أنه يعاني من فقدان الأساسات المركزية التي يقوم عليها أي مشروع فكري ناضج مثمر , لأن المشروع الذي اجتمعت فيه تلك الانعزالات يكون فاقدا للبعد الاجتماعي، وفاقدا للبعد التاريخي، خاليا من البعد الديني، وخاويا من البعد الفكري , فهو بنيان لم يقم على أساس ولم يرتكز على قواعد حقيقية.
الأزمة الخامسة : التفتت الأخلاقي :
يجد المتابع للمنتج الليبرالي حضورا طاغيا للنماذج المتنافية مع أخلاقيات الفكر الراقي , ويقف على إزهاقات للمبادئ الأخلاقية التي تمثل العمود الفقري لأي منتج ثقافي ناضج.
فقد وجدت الألفاظ الشوارعية التي يستعملها عادة المراهقون , كلفظ " اللقافة , والصفاقة والخبالة والسذاجة والنذالة " محاضن مريحة في الصحافة الليبرالية , فترعرعت هذه الألفاظ ونمت بشكل ظاهر بسبب استدعاء التيار الليبرالي لها واعتماده إياها في تداوله الصحفي والفكري.
وكم مرت على المتابع مشاهد محزنة انتهكت فيها الصحافة الليبرالية الذوق الثقافي العام وتجاوزت فيه حدود الاحترام للآخرين , ونزلت به إلى مستوى متدني جدا , فإن بعض التيار الليبرالي لا يتردد في وصف من يخالفه , ولو كان شيخا كبيرا أو عالما مشهورا أو مثقفا مرموقا , بأنه مصاب باللقافة أو الصفاقة , أو بأنه " تسيل من وجهه حماقات الدينا " أو أنه " يحمل فكرا متعفنا " أو أنه " ليس لديه إلا ثقافة الصديد والضحالة " أو بأن عقله منتن.
كل هذه الألفاظ وغيرها يقف عليها المتابع في الصحافة الليبرالية وتمر عليه بشكل مستمر.
ولو قمنا باستقراء مبسط للمنتج الليبرالي لنتحقق من الطريقة التي يفكر بها والنفسية التي يتعامل بها مع المخالفين لأطروحاته , والألفاظ التي يستعملها في التعبير عن مشاعره ومواقفه , فإنا سنصل إلى أنه يعاني من التشنج والتوتر وفقدان التوازن , وأنه يسعى غالبا إلى "شيطنة المخالف له ".
ويؤكد هذه النتيجة ما قام به بعض المتابعين من عملية استقرائية، درس من خلالها الحالة النقدية التي مارسها الخطاب الليبرالي ضد د/ سعد الشثري , حين أبدى رأيه في جامعة كاوست , وقد ظهر من خلال الدارسة بأنه أبدى في ذلك المشهد حالة انفعالية شديدة , انتهكت من خلالها كل المقومات الأخلاقية وتجاوزت فيها كل الحدود والمبادئ التي يقوم عليها الفكر الناضج.
فقد وصف د/سعد الشثري بأنه المعطل لمشروع التقدم، وأنه يسعى ضد الحياة , وأنه العاشق للركود والتخلف , والمناقض لأوامر الملك والمبدد لأحلامه! وأنه لا يعرف من الحياة إلا ذيل البعير , وأنه يسير ضمن الأفكار الضلامية , وأنه خرج ضمن سياق التطرف الذي خرجت منه الحركات الإرهابية , وأن موقفه أخطر من إنفلونزا الخنازير , وأنه بموقفه ذلك داخل ضمن دائرة شيوخ المسيار والمسفار , وأنه لا يروق له إلا نموذج الإمارة الطالبانية.
كل هذه الحالة الانفعالية حدثت في مشهد واحد فقط , وقد تكررت هذه الحالة بنفس الصورة في مشاهد فكرية أخرى.
وهذا كله يؤكد مدى الفقر الأخلاقي الذي يعيشه الخطاب الليبرالي , ويصور مقدار التفتت الذي ينخر في بنية ذلك الخطاب وفي مبادئه , ويصور للقارئ حجم الانحطاط السلوكي الذي يمارسه مع المخالفين له.
وما زال الباحثون والمثقفون يرصدون الأزمات الفكرية والسلوكية التي يعيشها التيار الليبرالي السعودي.
ومن آخر العمليات النقدية التي أحدثت حراكا فكريا كبيرا : العملية التي قام بها د/عبدالله الغذامي , فقد تناول المنتج الليبرالي بالتفكيك والنقد , وأبرز ما فيه من التناقضات مع أصول الليبرالية نفسها , وأبدى ما وقع فيه الليبراليون من خلط بينها وبين الإصلاح , وبين بأنهم ادعوا إنجازات ومبادئ قيمية ليست خاصة بهم.
وما قدمه الغذامي يمثل بلا شك حدثا كبيرا، وضربة قوية أبرزت إشكالية عميقة متجذرة في الخطاب الليبرالي , حيث إنه صادر من مفكر يتبوأ منزلة عالية في الساحة, ولديه أصول فكرية واضحة , ويمتلك إيمانا كبيرا بمبادئه.
ولكن يلحظ المراقب أن الغذامي كان متوجها في نقده لليبراليين وليس لليبرالية نفسها , فهو لم يكن ناقدا لليبرالية كفكرة ومنهج , ولم يتعرض لأصول الليبرالية ومبادئها , ولم يفكك ما تتضمنه من أفكار ومضامين معرفية , ولم يبين للقراء مدى اتساقها وصحتها في نفسها ولا مدى معارضتها لأصول الشريعة الإسلامية.
فالغذامي حين نقد الليبراليين نقدهم لأجل أنهم لم يلتزموا بأصول الليبرالية كما هي , ولم ينقدهم لأجل أنهم تبنوا أصولا خاطئة أو تمسكوا بمبادئ تخالف الشريعة , وحين غضب من الشبكة الليبرالية , لم يبن غضبه على ما فيها من شذوذ فكري وديني, إنما لأنهم حاربوا الحرية في الفكر.
ومع أن ما ذكره الغذامي عن الليبرالية صحيح , إلا أنه ليس هو كل ما عند الليبرالية , بل ليس هو أخطر وأفضع ما ظهر في منتجها الفكري.
وحين يستمع المراقب لنقد الغذامي لليبرالية يدور في ذهنه سؤال مشروع , وهو : إذا وجدت الفكرة الليبرالية الحقيقية كما هي في الفكر الغربي , ووجد من يتمثلها بشكل حقيقي وتام , فهل سيوجه الغذامي سهام نقده على هذه الحالة؟!! وهل سيكتب مقالات نقدية فيها ؟!! وهل سيسعى إلى تقويضها وتحجيمها ؟!!
إن المراقب الواعي لن يخرج بجواب واضح من خلال ما قدمه الغذامي في محاضراته ومقالاته عن هذه الأسئلة.
للإشتراك المجاني في رسائل ( جوال ناصح لمواجهة التغريب ) أرسل كلمة مشترك للرقم ( 0551915972 ) في الواتس آب لكل شرائح الجوال.
Bookmarks