النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: إعلان سيد القمنى الاعتزال: خواطر وتساؤلات ... د. إبراهيم عوض

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Dec 2004
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    361
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي إعلان سيد القمنى الاعتزال: خواطر وتساؤلات ... د. إبراهيم عوض

    د. إبراهيم عوض ـ الدوحة

    ظهر للدكتور رفعت سيد أحمد فى مجلة "كتابات" الضوئية بتاريخ 22 تموز 2005م مقالٌ عنوانه "عن سيد القمنى والتهديد بقتله"، وذلك بمناسبة الضجة التى أحدثها سيد القمنى مؤخرا بسبب إعلانه اعتزال الكتابة خوفا من أن تنفذ تهديدها الجماعة الإسلامية التى قال إنها أرسلت له رسالة مشباكية تهدده فيها بالقتل جزاء اجترائه فى كتاباته على الإسلام، وقد لفت انتباهى قولُ الدكتور رفعت عن القمنى: "بين أيدينا اليوم قصة طريفة لواحد ممَّن يسمون أنفسهم بالمفكرين الاسلاميين المستنيرين اسمه سيد القمنى، ويتردد أنه حاصل على درجة الدكتوراه (لا أدرى فى أى فرع، أو فى أى جامعة، ولا متى حصل عليها) خرج علينا برواية شديدة العجب والهزل، ولكنها لا تخلو من طرافة ودلالة، فلقد قال الرجل إنه هُدِّدَ بالقتل من قِبَل تنظيم "القاعدة فى بلاد الرافدين" برسالة جاءته على بريده الالكترونى وأمهلته الرسالة خمسة أيام لكى يعلن التوبة مما كتبه ضد الإسلام فى بعض الصحف والمجلات التى لا تُقرأ مثل "روز اليوسف"، وإنه أخذ التهديد بِجّدّية، ومن ثم فهو قد أصدر بياناً نشرته بعض الصحف ومنها "صوت الأمة" يعلن فيه التوبة والتبرؤ مما كتب طيلة حياته. لقد استوقفتنى هذه القصة التى تناولتها بعض الصحف بحيادية، والبعض الآخر صنع منها حدوتة عما أسموها بــ"الارهاب الظلامى الجديد" وأعادوا اجترار نفس "اللبانة" القديمة السخيفة التى صدعوا رؤوسنا بالحديث عنها رغم أنها وبالشكل الذى يقدمونه غير موجودة، وقد تكون كلها من ألفها الى يائها مفبركة مثل قصة الأخ سيد القمنى!! ومن هذه الصحف كانت المعالجات المبالغ فيها والتى تحمل العديد من التزيد والتطير التى قدمتها صحيفتا "القاهرة" و"الأهالى" يومى 19 و20/7/2005". وأود أن تكون وقفتى هنا عند قول د. رفعت إنه لا يدرى فى أى موضوع ولا من أية جامعة ولا متى حصل القمنى على درجة الدكتوراه، فمن الواضح الذى لا يمكن أن تخطئه العين تشكيكه فى حصول سيد القمنى على هذه الدرجة أصلا، إذ جاءت إشارته إليه بأنه "واحد ممَّن يسمون أنفسهم بالمفكرين الاسلاميين المستنيرين اسمه سيد القمنى، ويتردد أنه حاصل على درجة الدكتوراه". وهى عبارة لها ما وراءها، لأن الدكتور رفعت، فيما أعرف عنه من خلال قراءتى له أو سماعى به، ليس بالشخص الهازل ولا بالذى يلقى الكلام على عواهنه، وبخاصة فى مثل هذا السياق، اللهم إلا إذا كنت قد ضُلِّلْتُ فيما فهمتُ من شخصيته، وهو أمر وارد، وإن كنت أستبعده.
    كذلك هل يمكن أن يُقْدِم د. محمد عباس (وهو الذى له من الأعداء الكثيرون ممن ينتظرون منه زَلّةً يوقعونه بها فى شر أعمالهم) على وصف ذلك الشخص نفسه فى مقال له بموقعه على المشباك تحت عنوان عام: "ثَبِّتْ قلبى على دينك"، وعنوان جانبى: "أفاعٍ سامَّةٌ"، بأنه "زوَّر لنفسه شهادة الدكتوراه ليسبق اللقبُ اسْمَه، ... لم يركع لله ركعة ويجاهر بقصص ممارساته للزنا والفجور والمخدرات، ... لا يُجِيدُ إلا الكذب وترديد أقوال المستشرقين، ومع ذلك فإن الدولة أفردت له المجلات والصحف وتولى اليساريون الأشرارُ تلميعَه وتقديمَه كمثقف، وجاءته الأموال من حيث لا ندري ليكتب موسوعات كلها كذب وعفن وطعن في الدين تهلل لها النخبة العفنة"، هل يمكن أن يُقْدِم الدكتور عباس على وصفه بهذه الألفاظ ويشكِّك فى حصوله على الدكتوراه على هذا النحو، وبتلك اللغة القوية، دون أن يكون متأكدا من أنه لم يحصل على دكتوراه ولا يحزنون؟
    صحيح أن هناك مقالا فى ذات الوقت (ركيكا أبله يقوم على المبالغة الجامحة لواحد لم أسمع به من قبل اسمه عزت أندراوس نشره فى موقع "coptichistory" عن القمنى أيضا، وبعنوان مثير يقطر، مثل سائر المقال، كذبا وسما وحقدا لا على الرئيس مبارك وحده بل على مسلمى مصر أجمعين رغم كل ما فعله المسؤولون فى عهد مبارك لإرضاء الأقباط ومجاملتهم، هذا نصه: "قَتْل الكتّاب والصحفيين فى عصر مبارك") يقول فيه صاحبه: "وُلِدَ سيد القمنى في مدينة الواسطى محافظة "بني سويف" عام 1947م، وحاصل على ماجستير في الفلسفة من جامعة عين شمس، ثم حصل أيضاً على درجة الدكتوراه، وله العشرات من الكتب والمؤلفات التي أثارت جدلاً واسعاً في الشرق الأوسط كله هى: "موسى وآخر أيام تل العمارنة"، (3 أجزاء)، و"الحزب الهاشمي وتأسيس الدولة الإسلامية"، و"النبي إبراهيم والتاريخ المجهول"، و"رب الزمان"، و"حروب دولة الرسول"، وآخر كتبه المنشورة هو "شكراً بن لادن"، كما ينشر مقالاً أسبوعياًّ بمجلة "روز اليوسف"..."، لكن الملاحظ أنه، فى الوقت الذى عَيَّنَ فيه أندراوس الجامعةَ التى يقول إن القمنى أحرز فيها درجة الماجستير (وإن لم يعين الكلية ولا القسم ولا الموضوع الذى كتب فيه رسالته المذكورة)، فإنه لم يفعل شيئا من ذلك عند حديثه عن الدكتوراه التى يقول إنه حصل عليها، إذ كل ما ذكره هو أنه حصل عليها. فهل هذا مجرد مصادفة؟ أم هل هو تعمية مقصودة بغية التلبيس على القارئ المسكين؟ إن الكرة الآن فى ملعب سيد القمنى، ومن ثم فبيده إذا أراد أن يضع حدا لهذا اللغط وذلك الاختلاف، إن لم يكن من أجل تبرئة ساحته والنَّأْى بسمعته عن أن تكون محلا للتشكيك من قِبَل المخالفين أو للمزايدة من جانب المشايعين، فعلى الأقل من أجل تجلية الحقيقة، تلك الحقيقة التى يعلن دائما أنه إنما يتجشم ما يتجشم فى الكتب التى تحمل اسمه من أجل إظهارها! فهل تراه يفعل وينهى هذا الخلاف الذى أذكر أنه قد ثار من قبل منذ وقت غير قريب، ولم يحاول من يومها فى حدود علمى أن يحسمه، مع أن حسمه فى منتهى السهولة، إذ كل ما هو مطلوب منه أن يحدد القسم والكلية والجامعة التى درس فيها وحصل منها على درجة الدكتوراه، والموضوع الذى كتب فيه رسالته، والمشرف الذى كان يدرس على يديه طوال تلك الفترة، والمكتبة الجامعية التى يمكن المتشككين أن يراجعوها ليَرَوْا نسخ الرسالة التى حصل بها على الدرجة المذكورة، والتاريخ الذى تم فيه ذلك، والزملاء الذين كانوا يدرسون معه تحت توجيه المشرف ذاته، ومدى أهلية الجامعة التى حصل منها على الدكتوراه لإعطاء مثل تلك الشهادة إن كان حقًّا وصدقًا قد حصل عليها، ولماذا لم يطبع رسالته حتى الآن يا ترى؟ بل لماذا لا نرى له مؤلَّفا واحدا فى تخصصه، وهو الفلسفة، فى الوقت الذى نرى عدة مؤلفات (عدة مؤلفات لا عشرات فيما أعلم) تحمل اسمه، كلُّها فى الإسلاميات، وهى ليست من تخصصه ولا هو منها فى شىء؟... مما يستطيع أن يجُبّ به عن نفسه الغِيبَة ويُلْقِم المتَّهِمين له حجرا يُسْكِتهم بل يُخْرِسهم، وفى نفس الوقت يريح ضمائر الباحثين عن الحق والحقيقة، ولا شىء غير الحق والحقيقة؟
    إن الأمر، كما نرى، فى منتهى السهولة واليسر، ولا يحتاج لوقت أو جهد أو بحث أو مال أو أى شىء آخر سوى أن يجيب سيد القمنى على الأسئلة السالفة، وكان الله يحب المحسنين! وبغير ذلك فللقارئ الحق فى تصديق اتهام المتَّهِمين للقمنى بأنه لم يحصل على الدكتوراه على الأقل، وبخاصة أنه من غير المفهوم أن يبقى واحد كسيد القمنى له عشرات المؤلفات كما يزعم أندراوس، الذى يعرف تماما مثلما أعرف أن الكلام ليس عليه ضريبة ولا جمرك ولا جزية، على الأقل لأن المسلمين الآن فى أهون حالاتهم وأذل فترات تاريخهم، فهم لا يستطيعون أن يفرضوا شيئا حتى ولا على قطة جرباء (فما بالكم بإنسان يزعم أن القمنى قد وضع عشرات المؤلفات، لا آحادها فقط كما هو الواقع فى حدود ما أعرف؟ على الأقل هناك عدة كتب تحمل اسمه)، أقول إنه من غير المعقول أن يبقى عبقرى مثله خارج الجامعة دون أن يحاول على أهون تقدير أن يتقدم لشَغْل وظيفة مدرس فى إحدى الجامعات المصرية مادام حاصلا على جواز المرور الذى يخوِّل له العبور من بوابة الجامعة إلى حيث يكون دكتورا فيها بدل بقائه دون شغل ثابت فيما أفهم طوال هذا الوقت، أو على الأقل فى وظيفة أقل مستوى من شهادته وخبرته! والطريف أن سيد القمنى يكتب تحت اسمه فى بعض المواقع أنه "باحث أنثروبولوجى وأستاذ جامعى من مصر". فأما "باحث أنثروبولوجى" فنفوّتها له، لكن متى كان سيادته أستاذا فى الجامعة؟ ليس الأستاذ الجامعى بالتمنى، ولكن ما وقر فى كشوف أعضاء هيئة التدريس، وصدّقه العمل فى المحاضرات وقبض المرتبات، "أو كما قال. ادعوا الله"! ومع هذا فالأمانة تقتضينى أن أذكر هنا الآن، وبعد أن كنت قد فرغت من هذا المقال، أن الأستاذ مجدى عبد اللطيف الصحفى بجريدة "آفاق عربية" قد أخبرنى أن واحدا من بلد سيد القمنى أكد له أنه حاصل فعلا على درجة الدكتوراه، ثم أضاف الصديق الصحفى أنه قد اشتغل فترة فى الجامعة. فإن كان هذا صحيحا لقد اقتربنا إذن من حسم المسألة لصالح سيد القمنى، لكن الوثائق بطبيعة الحال هى الفيصل ما دام هناك على الجانب الآخر من يشكك فى كل هذا. ولا شك أن الرجل سيقدم خدمة كبيرة للتاريخ العلمى فى مصرنا الحبيبة لو أجاب على الأسئلة التى طرحتُها عليه فى هذا المقال والتى خطرت لى من خلال ما قرأتُه فى هذا الموضوع!
    ومما له مغزاه فى هذا السبيل أيضا أن الدكتور كمال حبيب، فى مقاله الذى نشره مؤخَّرًا فى موقع "المسلم" بعنوان "المشروع العلماني يعلن فشله في صورة القمنى"، لم يستخدم قط لسيد القمنى لقب "دكتور". لقد جاء على لسان ابنة سيد القمنى فى مقال يحمل اسمها (وإن لم يكن بالضرورة من تأليفها) فى نشرة "سورية الغد" الضوئية عنوانه: "فى مجتمع اللئام، الصمت أبلغ من الكلام: حكاية والدى مع روز اليوسف " أن حبيب قد حاز هزيمة منكرة أمام والدها فى برنامج "الاتجاه المعاكس" بقناة "الجزيرة" القطرية، وهو ما يمكن أن يلقى بشىء من ظلال الريبة على موقف حبيب. بيد أننى (لحسن الحظ، لا أدرى، أو لسوئه!) كنت أحد من شاهدوا هذا السجال بين الرجلين، وأشهد أن حبيب كان مهذبا دمثا غاية الدماثة والتهذيب، ولم يحاول على أى نحو أن ينزل إلى السوقية فيلجأ إلى التراقص والتقصع وتلعيب الحواجب والأذرع كما تصنع النسوان البلدى، بَلْهَ الشماتة الرخيصة بالإسلام والمسلمين، فى الوقت الذى كان كلامه مؤيَّدًا بالحجة الناصعة الدامغة المفحمة، ومن ثم لم يكن بحاجة إلى الزعيق العصبى المتوتر الذى يدل على إفلاس صاحبه وشعوره بالخطر وأنه على شفا جُرُفٍ هارٍ يمكن أن ينهار به فى أى حين فى نار جهنم: جهنم الهزيمة فى "الاتجاه المعاكس" على أقل تقدير، إن لم يكن فى جهنم الحمراء التى نعرفها نحن المؤمنين!
    قد يقول بعض الناس الطيبين (من أمثالى قبل أن ترينى الحياة بعض عجائبها التى لا تُصَدَّق) أنه من غير المتصور إقدام أحد على تزوير شهادة دكتوراه، لكننى كنت شاهدا فى السنوات الأخيرة على حادثة من هذا النوع بل أشد فجورا، إذ لم يكتف صاحبها بالقول بأنه حاصل على درجة الدكتوراه وكفى، بل قدم لإحدى الجامعات الخليجية شهادة تقول إنه أستاذ مساعد، على حين أنه لم يحصل إلا على الدكتوراه فحسب، ولم يسبق له أن ترقى إلى الدرجة التى تليها. وقد ظل عامين يقبض بكل بجاحة مرتبًا أعلى من المرتب الذى يستحقه دون أن يطرف له جفن، ثم لم يكتف بذلك بل فكر، بعد أن اطمأنّ إلى أنه قد قَرْطَسَ المسؤولين بالجامعة الخليجية المذكورة، فى أن يخطو الخطوة التالية فتَقَدَّم للكلية التى يعمل بها بطلبٍ يعلن فيه عن رغبته فى التقدم لوظيفة "أستاذ" حِتَّةً واحدةً، وأعد لذلك مجموعة من الأبحاث السريعة لا علاقة بينها وبين تخصصه على الإطلاق. وكان من الممكن أن ينجح فى تدليسه هذا أيضا لولا مصادفة عارضة لا مجال هنا للحديث فى تفصيلاتها كشفتْ أمره فاتصلت الجامعة بليبيا حيث كان يشتغل قبل قدومه إليها وتأكدتْ أنه لا يزال مدرسا وأنه لم يسبق له أن ترقى إلى وظيفة "أستاذ مساعد"، وأنه لجأ إلى حيلة خبيثة فى خداع المسؤولين بتلك الجامعة، إذ لعب على الاختلاف فى مسمَّيات الدرجات الجامعية بين الدول العربية، فأوهمهم أن "أستاذ مساعد" الليبية (ومعناها "مدرس") هى هى نفسها "الأستاذ المساعد" فى جامعتهم (وهو اللقب التى يعنى فى ليبيا وفى بعض الدول الأخرى أن صاحبه "أستاذ مشارك"). وقد انتهى أمره إلى الطرد من الجامعة، لكن الأيدى التى تهتم بأمثاله لم تدعه يسقط، بل امتدت فى حنان فانتشلته من الطين وعينته فى الحال، وفى ذات الدولة أيضا، فى وظيفة لا تقل مرتبا عن وظيفته الأولى. وقد كنت فى البداية متعاطفا معه ظنًّا منى أن ما يشيعه فى كل مكان عن اضطهاد بعض زملائه المصريين له ممن كانوا قد سبقونى إلى تلك الجامعة واتهامهم إياه بالإلحاد ظلمًا هو كلام صحيح، وبالذات لأنى كنت أراه حتى بعد معرفتنا بإنهاء الجامعة عقده يمشى فى تؤدة وثقة ورباطة جأش شأن من لم يرتكب مثل هذه الخيانة الخسيسة، أو هكذا كنت أظن بخبرتى الحياتية الضيقة، وإن كان بعض زملائنا ممن يفهمون النفس البشرية أفضل منى كانوا يعلقون على ذلك بقولهم: "مياه مالحة، ووجوه كالحة!"، إلى أن جمعتنى الظروف على انفراد بأحد المسؤولين فى الجامعة، فسألته عن حقيقة الأمر، فأكد لى تأكيدا قاطعا ما حكيته هنا، فسقط الرجل من اعتبارى، إذ أحسست بعد تعاطفى المتسرع معه وكأنه قد خدعنى أنا شخصيًّا قبل أن يخدع الجامعة المذكورة. واسم هذا الزميل، سامحه الله، هو عبد الله إبراهيم، وهو للأسف الشديد من العراق الحبيب بلد البطولة والأبطال والتصدى المُذِلّ لمغول العصر المتوحشين الهمج.
    أقول هذا حتى يبادر الزميل المذكور رغم ذلك كله إلى تصحيح ما كتبته هنا إن كان الأمر كما يصوره هو وليس كما يقول الآخرون مما تأكدت بنفسى منه، كما أبادر أيضا على الفور للاعتذار إلى عراق الكرامة ممرّغ أنوف أبناء العم سام فى الأوحال والزفت والقطران وقاهرهم وكاسر شوكتهم ومحطّم أسطورتهم وجاعل الذى لا يشترى يتفرج على خيبتهم القوية والذى ستكون هزيمتهم على أيدى أبطاله بمشيئة الله سببا فى انهيار أمريكا واندحار إمبراطوريتها الشيطانية! ولقد جعلتنى هذه الحادثة أعيد النظر فيما صنعه الإنجليز معى فى المجلس الثقافى البريطانى بالقاهرة حين تقدمت منذ عدة أعوام بطلب لتوثيق شهادة الدكتوراه التى أحرزْتُها من جامعة أوكسفورد، إذ ضاق صدرى ضيقا كبيرا حين أخبرونى أن الأمر سيستغرق عدة أيام قبل توثيق الشهادة لأنهم سوف يرجعون إلى جامعة أوكسفورد لسؤالهم فى الأمر، وكان ظنى أنهم سوف يوثِّقونها فى الحال اعتمادا على خاتم الجامعة الذى لم أكن أظن أن بإمكان أحد الشك فيه، ولم أقتنع بقولهم إنهم قد اكتشفوا أن بعض الأشخاص يزوِّرون أمثال هذا الخاتم. ولكن ها هو ذا أحد الدكاترة المحترمين يصنع ما هو أشنع من هذا وأضلّ سبيلا! ومن يدرى؟ فقد يكتشف أحدهم يوما أن الدكتوراه التى معه مضروبة هى أيضا. ولم لا؟ ألم يُقْدِم ببرودة قلب على تزوير درجته الجامعية؟ ترى هل هناك فرق؟ ألا يمكن أن يكون قد خدع الليبيين من قبل كما خدع القطريين فيما بعد؟ إننى، على المستوى شخصى، أميل إلى استبعاد ذلك رغم ما ظهر لى من أمره، لكن الأيام، كما تَعَلَّمْنا منها هى نفسها، قادرة على أن تذهلنا بين الحين والحين بما فى جَعْبَتها مما تتفوق به حتى على أكثر المؤلفين شطحات خيال! ومما تقدم يرى القارئ كيف أن الباحث سوف يظل حيران مبلبلا فى مسألة سيد القمنى ما لم يتقدم الرجل بما يدل على صدق دعاواه هو ومحبيه ومشجعيه وأن ما يشيعه عنه خصومه كَذِبٌ مائةً فى المائة. ولسوف يستحق حينئذ شكر الباحثين لاهتمامه بتجلية هذه القضية الشائكة ووضعه إياهم على المحجّة البيضاء التى ليلها كنهارها والتى لا يزيغ عنها إلا هالك، وهو ما لا نريد له ولا لنا أن نكونه!
    لكن المسألة التى لا يمكن حسمها تماما وإلى غير رجعة ولا مَثْنَوِيّة هى طبيعة الإعلان الذى أذاعه سيد القمنى عن نيته فى اعتزال الكتابة: ترى هل أعلن الرجل ذلك بعد أن تبين له أنه كان على خطإ فيما كتبه عن دين الله فأراد أن يبين للقراء أنه قد كان على ضلال فيما كتب عن سيد الأنبياء ودينه، وها هو ذا الآن يتوب عما جنت يداه؟ لقد قرأت مثلا لكاتب من كتّاب صحيفة "آفاق عربية"، هو الأستاذ عامر شماخ فى عدد الخميس 28 يونيه 3005م تحت عنوان "القمنى يفضح العلمانيين"، حديثه عن سيد القمنى على أساس أنه قد تاب فعلا توبةً نصوحًا وأن هذا هو السبب فى أن عشرات الضالين والملاحدة ممن يعادون الإسلام قد هاجموه هجوما شرسًا، ومن ثم رأينا الأستاذ شماخ يدعو سيد القمنى إلى الثبات فى توبته وألا يبالى بما يقول هؤلاء فى حقه. لكنى حين ذكرت هذا الرأى لبعض من خاطبونى فى الموضوع لم يأخذوا تفسير الأستاذ شماخ مأخذ الموافقة، بل استبعدوه على الفور وبقوة. أم ترى القمنى فعل ما فعل سعيًا لإحداث ضجة من أجل غرض فى نفس يعقوب، أىْ غرض فى نفس سيّدٍ ذاته؟ لكن ما هذا الغرض؟ أهو، كما جاء فى كلام بعض الكُتّاب، الترويج لكتبه التى لا يقرؤها أحد كما قالوا، وهى حيلة يلجأ إليها بعض الكتاب الذين يهاجمون الدين فكانوا، فيما قرأنا، يتفقون مع أمثالهم على أن يتهموهم فى الصحف بأنهم ملاحدة وأن الكتاب الفلانى أو العلانى فيه وفيه وفيه مما يتناقض مع دين الله الحنيف ويسىء له حتى يثيروا الرأى العام ويلفتوا إليهم وإلى كتبهم الأنظار؟ وممن شككوا فى الأمر كله، فيما أذكر، الأستاذ مجدى محرم، الذى أكد وقتها فى تعليق له بجريدة "شباب مصر" الضوئية أن القمنى سوف يلحس كلامه بعد قليل ويعود إلى الكتابة كرة أخرى حين تؤتى الضجة التى أراد إحداثها أُكُلَها فى تنبيه الناس إليه من جديد بعد أن انزلق إلى عالم النسيان. لقد كانت حجة فريق من أصحاب هذا التفسير أنهم لاحظوا على الفور قيام المكتبات التى تنشر للقمنى أو توزع كتبه بالإعلان عن تلك الكتب التى صرّح هو نفسه بتبرؤه منها! وهذه، فى الواقع، ملاحظة مهمة! أم ترى الغرض من وراء ذلك هو التشنيع على المسلمين جريا وراء البدعة الشيطانية الجهنمية السائدة فى العالم الغربى هذه الأيام والتى يتبناها فريق آبقٌ مجرمٌ ممن ينتمون لهذه الأمة مَيْنًا وزُورًا وتصويرهم إياهم هم بصورة المتوحشين الذين لا يطيقون أن يسمعوا رأيا مخالفا، وذلك بغية التغطية على الجرائم البشعة التى ترتكبها أمريكا فى حقنا نحن المسلمين والتى لن يكون المسلمون "بنى آدمين" حقيقيين إذا غفروها لأمريكا وللغرب كله، تلك الجرائم التى يُنْزِلها بنا الغرب منذ قرون دون أن تكون استجابتنا لها على المستوى الذى يليق بأمة حية كريمة عندها نخوة ودم حار يجرى فى عروقها لا ماء مثلج يتلكأ خلالها، وهى جرائم من شأنها أن تحرّك الجماد وتخلق فيه الإحساس والثورة، فما بالنا بالبشر الذين يتحولون، على العكس من ذلك للأسف، إلى جمادات بل إلى جثث هامدة بل متحللة تطيرها هبات النسيم الخفيفة ذراتٍ فى الهواء؟ وفى هذه الحالة فإن الرسالة التى يقول سيد القمنى إنه قد تلقاها على المشباك لن يكون لها أى أساس من الصحة. أم ترى للرسالة وجود حقيقى، لكن مرسلها ليس إلا شخصا عابثا أراد أن يداعب سيد القمنى مداعبة سخيفة كما خمّن أحد الكتاب؟
    كلّ ذلك علمه عند الله، الذى لا تخفى عليه خافية من الوقائع الظاهرة أو النيات المستكنة فى الصدور أو المؤامرات المَحِيكَة التى لا تريد أبدا مهما طال الزمن أن تترك المسلمين فى حالهم رغم المستنقع المنتن الذى انغرسنا وانغرزنا فيه والهوان الذى يحاصرنا من كل جانب، اللهم إلا الجانب الذى يقف على ثغره أبطال فلسطين والعراق وأفغانستان ممن لم يَبْلُهم الله بتحول دمائهم كما تحولت دماؤنا نحن إلى ماء ثلجى! يا أمة المسلمين، ما الذى جرى حتى أصبحتِ بهذا التنطع وتلك البلادة والاستكانة لسكين الجزار الغربى والأمريكى بالذات؟ أوقد فَقَدْتِ صلاحيتَك للحياة؟ فلِمَ لا تُقِرّّين بذلك إذن وتعلنين على العالم أنك خرجتِ من التاريخ وتقولين لأمريكا إنك لا تريدين بعد اليوم أن يكون لك أية صلة بمحمد ودينه وتاريخه، على الأقل حتى تتركك أمريكا فى حالك ما دمت ستتحولين إلى أمة من العبيد والإماء بدلا من زنوجها الذين شعروا بأنهم لا يقلّون عن البِيض فى شىء فثاروا لكرامتهم وتمردوا على قيودهم إلى أن أصبح من بينهم عدد من كبار المسؤولين فيها هى نفسها؟ إياك أيتها الأمة الكاذبة الخاطئة أن تزعمى أن السبب فيما أنت فيه هو حكامك! إن هؤلاء الحكام ما هم إلا جزء منك، فيهم ما فيك من حسنات وعيوب. ثم إنك أنت التى صنعتِهم وألَّهْتِهم، ولم يكونوا ليتجبروا عليك ويذيقوك ما تَشْكِين منه كذبا من إذلال ومرمطة لولا أنك على الأقل قد رَضِيتِ بما يصبّونه على دماغك من إهانة واستبداد! والله لو أن ملاكا من ملائكة البشر الأطهار تولى حكم أى بلد مسلم ثم رأى منك هذا الهوان والنفاق والجبن لاستحال فى الحال إلى جبار من أعتى الجبارين، فهذه هى طبائع البشر! إن المال السائب، كما تقولين، يعلّم السرقة، وقياسا عليه فإن الشعوب الذليلة تعلّم ولاة أمورها الاستبداد والغشم والأذى والتجبر على خلق الله المنافقين التافهين البلداء. هل هناك أحد من البشر الذين نعرفهم أو ممن لا نعرفهم يجد تدليلا ثم لا يتدلل ويمدّ قدميه فى وجوهِ بل فى عيونِ عبادِ الله؟ هاتوه لى، وأنا أصدِّقكم وأرجع عن رأيى. لهذا فإنى لم أعد أَحْمِل على الحكام بقدر ما أُحَمّل الأمة المسؤولية، إذ فَرَّطَتْ فى حقوقها، فلم يعد لها الحق فى أن تشكو من حرمانها هذه الحقوق. ثم إن السماء والأرض لا تبكيان على أحد ما دام هذا الأحد لا يبكى على حاله! وانتظرى إذن يا أمتى الذبح والإبادة من أمريكا، وفُضِّيها سيرةً من الآن، وأريحى الآذان من هذه الشكاوى التعيسة المتهافتة الضارعة الذليلة التى لا تصدر من القلب بل تلوكها الشفاه لَوْكًا متبلِّدًا كريهًا إلى أن تصبحى خبرا من أخبار التاريخ الغابر لا يثير حتى المصمصة من الشفاه لأن أصحابه لم يكونوا يستحقون أى قدر من الشفقة، ونحن معك بطبيعة الحال يصدق علينا ما يصدق عليك. ذلك أننا بَضْعَةٌ منك، ولسنا أفضل من غيرنا فتيلا!
    على كل حال لا أحب أن أهمل هذه الفرصة لأُورِد نص ما قاله الأستاذ شماخ لتميزه عن سائر الآراء كما ألمحتُ. قال: "عشرات من سيوف العلمانيين سُلَّتْ علي رفيق الأمس سيد القمني، ونسي هؤلاء أنه كان منذ يوم أو يومين سيدهم وحبرهم ورأس الحربة فيهم، فلما تاب اعتبروه خائنًا جبانًا, وهذا منطق العلمانيين –كاليهود، جهلاء، يعبدون مصالحهم، تحسبهم جميعًا وقلوبهم شتي.
    التوبة التي أعلنها القمني سببت صدمة عنيفة لهؤلاء الضالين. تلحظ ذلك فيما كتبته مجلاتهم وصحفهم, وهذا يدفعنا إلي ترجيح الرأي الذي يقول إن توبة القمني حقيقية وإنه بالفعل قد برئ مما قدم, وعاد إلي دينه وربه, وليس كما قالوا إنه أعلن توبته جبنًا وخوفًا من مضمون الرسالة التي تلقاها من إحدي المنظمات (الجهادية), خاصة أن «روز اليوسف» أكدت أنه تلقي تهديدات مماثلة من قبل... لكنه لم يتخذ قرارًا بالتراجع مثل قراره هذه المرة. ونحن لا نستغرب أن يعود علماني أو ملحد إلي ربه, بل إن هناك شواهد عدة لكتاب كبار كانوا رءوسًا للكفر والزندقة, وصاروا الآن أعمدة هدي ومفكرين مرموقين, وبالتالي لا نستغرب أن يعود القمني إلي الحق, وبنفس شجاعته وحماسه في الباطل. والمتأمل لبيان توبته لا يشك لحظة أنه صادق, بخلاف ما يدعيه بعضهم من أن هناك خلافًا بينه وبين رئيس تحرير روز اليوسف الجديد, فإنه قد انقطع عن الكتابة -حسب بيان روزا- قبل التغييرات الصحفية بأسبوعين, كما أن الكتابة في المجلات والصحف تعد جزءًا من نشاطه الفكري الذي يتوزع علي الفضائيات وتأليف الكتب والمساجلات والفعاليات الفكرية. يقول القمني في بيان توبته: «إنني أعلن براءة صحيحة من كل ما سبق وكتبته, ولم أكن أظنه كفرًا, فإذا به يُفهم كذلك. لذلك أعلن توبتي وبراءتي من كل الكفريات التي كتبتها في مجلة روزا اليوسف وغيرها براءة تامة صادقة يؤكدها عزمي علي اعتزال الكتابة نهائيًا من تاريخ نشر هذا البيان».
    العلمانيون كانوا يتمنون أن يظل القمني علي فكره المتطرف لأن في ذلك رواجًا لسلعهم البائرة ودعمًا لمصالحهم, لكن الله أخزاهم وفضح سرهم, ولمن أراد أن يعرف من هم العلمانيون فليعد قراءة بيان القمني الذي وصف ما كان يكتبه بالكفر, وهذا يضعنا أمام واقع لابد من مواجهته, فإن مرابط الخيل من صحف ومؤسسات حكومية مخصصة للشيوعيين والملاحدة, آن الأوان لتخليصها من هؤلاء الأبالسة الذين يحاربون الإسلام وأهله, ويشككون في دينه ورسالاته مستخدمين وسائل التضليل وأساليب الخداع كالذي يضع السم في العسل, كما آن الأوان كي يحترم النظام معتقدات الناس ودينهم, فلا يقدم هؤلاء الفساق ويجعلهم قادة المجتمع ورموزه, ويؤخر المسلمين الموحدين.
    وللمهتدي سيد القمني نقول: اصبر فإن وعد الله حق, ولا تيأس من رَوْح الله, فإن الإسلام يجُبّ ما قبله, وكُنْ كعُمَر, فما أقعده ما فعله في الجاهلية عن الذود عن الإسلام وحب الله ورسوله, فرزقه الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة, ولا تلتفت إلي الجاهلين الملحدين فإنما هم سدنة الشيطان وعبدته. اللهم إن كان صادقًا -وأنت تعلم ذلك منه- فثبته وارزقه اليقين والحجة, واجعله يا ربنا لسان صدق واختم له بخير. اللهم آمين".
    وقد انقسم التيار الذى على شاكلة القمنى فى أفكاره وكتاباته (على شاكلته على الأقل قبل أن يعلن اعتزاله الكتابة وندمه على ما فَرَط منه) فريقين: فريق يثنى عليه ويجد له العذر فيما أعلنه من انتواء التوقف عن الكتابة نهائيا، وربما كذلك فى التفكير فى اللجوء إلى دولة غربية حسبما قرأت فى أحد المقالات، ويشنّ على مناوئيه هجومًا طاغيًا يبدو وكأنه كان مدبَّرًا بلَيْل، لكنه ينتظر فقط المناسبة لكى ينطلق مجلجلاً بل هادرًا مصمًّا، وفريق آخر ينتقده ناعتًا إياه بأنه بئس المفكر الجبان، ويمثلهم الدكتور شاكر النابلسى، الذى كتب فى موقع "إيلاف" بتاريخ 17 يوليه 2005م تحت عنوان: "سيّد القمني: بئس المفكر الجبان أنت!" ما يلى:
    "1- الساقط في بئر الخوف
    قال الباحث والكاتب المصري سيّد القمني ، عبر مكالمة هاتفية تلقتها منه (إيلاف،16/7/2005)، أنه قرر التوقف عن الكتابة والحديث لوسائل الإعلام والنشر في الصحف، والمشاركة في الندوات. ليس هذا فحسب، بل و أعلن "براءته" من كل ما سبق له نشره من كتب ومقالات وبحوث، قائلاً إنه تلقى تهديدات جدية بقتله إذا لم يقدم على هذه الخطوة، ولأنه "ليس راغباً في الموت بهذه الطريقة"، فقد قرر الامتثال للتهديدات التي تلقاها عبر عدة رسائل في بريده الإليكتروني، ومن هنا فقد قرر أن يتوقف عن الكتابة والإدلاء بأية تصريحات صحافية، ويرجو الذين هددوه أن يقبلوا موقفه، ويعدلوا عن تهديدهم إياه.
    2- المفكر الجبان
    بمرارة وحسرة وألم شديد، نقول أنه كان بودنا، وكنا نرحب، بأن يتخلّى سيّد القمني عن افكاره السابقة عن قناعة شخصية ومعطيات فكرية جديدة تثبت لنا وله أنه كان على خطأ، لا أن يكون هذا التراجع وهذه "التوبة" تحت ضغط وتهديد الجماعات الأصولية الإرهابية. والتراجع والمراجعة الفكرية عن قناعة ونتيجة لفكر جديد وتصوّر جديد، عمل محمود ومشروع وخطوة مباركة. وعبد الخالق حسين سبق وساق عدة أمثلة على ضرورة التغير الفكري. حيث لا يتغير إلا الحجر الذي هو بدوره يتغير أيضاً بفعل عوامل الطبيعة. فالفيلسوف الألماني نيتشه يقول: "الحية التي لا تغيِّر جلدها تهلك، وكذلك البشر الذين لا يغيِّرون أفكارهم يهلكون." والفيلسوف البريطاني برتراند راسل يقول: " أنا لست مستعداً أن أموت في سبيل أفكاري لأنها قد تتغير." (يا ليت القمني غيرّ أفكاره لأنها تغيرت من ذاتها فعلاً، لا لأنه تحت تهديد الإرهاب الأصولي، لكنا رفعنا له القبعة تبجيلاً). والمفكر الاجتماعي العراقي علي الوردي يقول : "الأفكار كالأسلحة تتبدل بتبدل الأيام. والذي يريد أن يبقى على آرائه العتيقة هو كمن يريد أن يحارب الرشاش بسلاح عنترة بن شداد".
    3- سيّد القمني: بئس المفكر الجبان أنت
    سيّد القمني: لقد كنت مثالاً للمفكر الجبان، وتركت لدى الإرهابيين الأصوليين المجرمين انطباعاً كاذباً، بأنهم انتصروا على الليبراليين، ولو شددوا علينا التهديد فمن الممكن أن نتخلّى عن أفكارنا وآرائنا كما تخلّيت أنت جبناً وضعفاً وحباً في الحياة. وهذا من حقك الشخصي ومن حق عائلتك وأطفالك عليك. ولكنك بهذا نصرت الإرهاب الأصولي على الفكر العقلاني الشجاع بتصرفك هذا. لقد انتصر الإرهاب على التنوير. انتصرت الغوغاء على الفكر العربي الحر. ولكن لا بأس، فلست أول وآخر من تخلّى عن أفكاره في مصر المحروسة، تحت التهديد والوعيد الغوغائي من خفافيش الظلام، ومن كارهي التنوير، وأعداء المستقبل من السلفيين الارهابيين. الشيخ علي عبد الرازق صاحب الكتاب القنبلة المدوية ( الإسلام وأصول الحكم، 1924) الذي قطع فيه، أن لا دولة في الإسلام، قال محمد عمارة بأن عبد الرازق قد ندم على كتابة هذا الكتاب. وأن ابنه (محمد علي عبد الرازق) قد شهد أمام محمد عمارة بأن أباه كان قد قرر قبل موته 1970 أن يكتب كتاباً ينكر فيه كل ما جاء في كتابه (الإسلام وأصول الحكم) ولكن الموت لم يمهله. وهذا مثال على "عقدة الذنب الدينية" التي تميّز بها الفكر المصري في القرن العشرين. كذلك فعل طه حسين في كتابه (في الشعر الجاهلي، 1926) حين استجاب لتهديد الغوغاء من الإرهابيين السلفيين، وألغى فصلاً كاملاً من كتابه التنويري، وأعاد نشره من جديد تحت اسم (الأدب الجاهلي). وكتب بعدها مجموعة من الكتب الدينية: (الفتنة الكبرى)، (علي وبنوه)، (على هامش السيرة)، و( في مرآة الإسلام) .. الخ. تكفيراً عن "ذنبه" وإرضاءً للغوغاء وتخلصاً من شرورهم كما فعل الآن سيّد القمني. وهذا مثال ثانٍ لـ "عقدة الذنب الدينية" التي تميّز بها الفكر المصري في القرن العشرين. كذلك فعل الشيخ خالد محمد خالد حين أصدر كتابه (الدولة في الإسلام، 1981) واعتبر ذلك مراجعات وليس تراجعات، عمّا كتبه من انكار للدولة الدينية في كتابـه التنويري (من هنا نبدأ ،1950) تحت تهديد الجماعات الإسلامية التي قتلت السادات 1981، وهو نفس عام صدور (الدولة في الإسلام)، كما كان مثالا ثالثاً على "عقدة الذنب الدينية" التي تميّز بها الفكر المصري في القرن العشرين. وكنت أنت يا سيّد الرابع في هذه القائمة للأسف الشديد، ولن تكون الأخير في مصر، في ظني واعتقادي نتيجة لتحكم "عقدة الذنب الدينية" في الفكر المصري.
    4- سيّد: لست وحدك
    هل تعتقد يا سيّد بأنك أنت الوحيد، الذي يتلقى تهديدات بالقتل والسحل كل يوم. كلنا نحن معشر المفكرين الليبراليين، نتلقى كل يوم مثل هذه التهديدات. بل انهم حاولوا قتلنا فلم نخبر ولم نكتب ولم نخف ولم نتراجع. وأنا أكشف هنا سراً لأول مرة. لقد سبق للارهابيين أن كسّروا لي بيتي ليلاً على مدار يومين كاملين 3- 4/7/2003، واضطررت أن أرحل منه إلى بيت آخر. والبوليس الأمريكي في دينفر لديه سجل كامل بهذه الحادثة. وقد سبق وهُدد من قبلنا طوابير من المفكرين الليبراليين، فلم ينثنوا، ولم يخافوا، ولم يجزعوا، واستمروا في رسالتهم حتى النهاية. فرج فودة المفكر المصري، لم يتخلَّ عن أفكاره، وقضى نحبه شهيداً للفكر الليبرالي على يد الإرهابيين السلفيين.
    حسين مروة المفكر اللبناني، لم يتخلَّ عن أفكاره، وقضى نحبه شهيداً للفكر الليبرالي على يد الإرهابيين السلفيين. مهدي عامل المفكر اللبناني، لم يتخلَّ عن أفكاره وقضى نحبه شهيداً للفكر الليبرالي على يد الإرهابيين السلفيين. محمود طه المفكر السوداني، علّقه حسن الترابي على مشنقة جعفر النميري (أمير المؤمنين)، ولم يتخلَّ عن أفكاره. صادق جلال العظم المفكر السوري، لم يتخلَّ عن أفكاره، ولم ينكر ما كتبه في (نقد الفكر الديني)، ولم يستجب لتهديد الإرهابيين السلفيين.
    أحمد البغدادي المفكر الليبرالي الكويتي، لم يتخلَّ عن أفكار في (تجديد الفكر الديني) وسُجن وعوقب من قبل الإرهابيين السلفيين. العفيف الأخضر المفكر التونسي الليبرالي، لم يتخلَّ عن أفكاره، وطُرد من جريدة "الحياة"، وكاد أن يموت جوعاً ومرضاً، ويتعرض كل يوم للتهديد حتى الآن على يد الإرهابيين السلفيين ، وكان آخر تهديد جاءه من راشد الغنوشي زعيم "حركة النهضة" التونسية.
    نصر حامد أبو زيد المفكر الليبرالي المصري، لم يتخلَّ عن أفكاره وكتبه، وهرب من مصر إلى هولندا، خوفاً من تهديد الإرهابيين الأصوليين بتطبيق الحسبة عليه وعلى زوجته.
    5- لماذا لا تكون شهيداً يا سيّد؟
    لماذا لا تسير يا سيّد على خطى شهداء الفكر والرأي الحر كأبي ذر الغفاري، وابن المقفع، والجعد بن درهم، وغيلان الدمشقي، والسهروردي الإشراقي، وفرج فودة، وحسين مروة، ومهدي عامل، ومحمود طه، وأحمد البغدادي وغيرهم؟ لماذا أعدت سيرة المتراجعين عن أفكارهم التائبين عن قيمهم الليبرالية من المصريين، كعلي عبد الرازق، وطه حسين، وخالد محمد خالد، ومحمد عمارة وغيرهم؟
    كلنا يا سيّد نطلب الشهادة في سبيل فكر الحرية الآن، في هذا الزمن المالح التعيس، وفي مدن الملح القاحلة من الحرية والديمقراطية والكرامة التي نعيش فيها؟
    كلنا ينتظر الساعة التي يقطع فيها الإرهابيون السلفيون رؤوسنا جزّاً كالشياه ، كما سبق أن جزَّ الوالي خالد القسري في عهد الخليفة هشام بن عبد الملك رأس الجعد بن درهم صباح عيد الأضحى في أسفل منبر المسجد. أو الشواء في الفرن كما شوى الخليفة المنصور ابن المقفع. أو الذبح كما ذبح الملك الظاهر الأيوبي (ابن صلاح الدين الأيوبي) الفيلسوف الإشراقي السَّهْرُوَرْدِيّ في حلب. أو التعليق شنقاً على بوابة المدينة كما تمَّ تعليق غيلان الدمشقي. أو الموت في الصحراء جوعاً وعطشاً كما مات أبو ذر الغفاري في "الربذة" قرب المدينة المنورة، حين سجنه الخليفة عثمان بن عفان. كيف لنا أن نبني عصر النهضة دون هذه الشهادة، يا سيّد؟ كيف لفجر التنوير العربي أن يبزغ دون دماء المفكرين الليبراليين فداءً له، يا سيّد؟ فلننظر الى شهداء الفكر في أوروبا الذين فجروا عصر التنوير الأوروبي ماذا فعلوا، يا سيّد؟
    6- العرب الآن في القرن الثامن عشر
    يعيش العرب الآن في القرن الثامن عشر الذي عاشته أوروبا، ولكن بوجهه القبيح المظلم، وليس بوجهه الجميل المنير المشرق. فهذا القرن الذي كان عصر التنوير الأوروبي، لم يكُ طريقاً ثقافياً مفروشاً بالحرير والزهور، بل كان طريقاً شاقاً دفع فيه فلاسفته ومفكروه حياتهم ثمناً غالياً. ولا بُدَّ أن نعلم أن عدم استمرارية عصر السحرة والمشعوذين والدراويش وتكاياهم وزواياهم في أوروبا في القرن الثامن عشر (وهو العصر العربي الآن، حيث يصرف العرب مليارات الدولارات سنوياً على السحر والشعوذة) وسيادة عصر العلم والعقل، جاء نتيجة للتضحية الكبرى والمقاومة العنيفة التي أبداها رجال الفكر والعقل في عصر النهضة. فلم تكن أنوار عصر النهضة كلها أنواراً بهية مُرحباً بها. ولم تكن طرقات ومعارج هذه النهضة مفروشة بالحرير وفرو السمّور الذي كان يتدثر به شيوخ الإسلام في العهد العثماني، بل تخلل عصر النهضة هذه، دماء أُريقت، ومجازر نُصبت، وأبرياء قُتلت، وفرسان فكر سُحقت، وكل هؤلاء كانوا فداءً لعصر العقل المنير. صحيح أن الكنيسة في القرن الثامن عشر، كفّت يدها عن حرق المفكرين وشوائهم على السفود (السيخ) كما فعلت في الماضي مع جاليلو وسافونارلاو، إلا أنها لم تكُ متهاونة مع المفكرين والفلاسفة. فظلت تلاحقهم من حين لآخر (كما يفعل الأزهر الآن) وتقوم بحرق كتبهم ومصادرتها ومنع تداولها. فكانت كتب فولتير وروسو وديدرو وهلفتيوس ودولباخ وغيرهم، من أحرار الفكر في قائمة الكتب المحرمة التي لا يُسمح بقراءتها إلا بإذن من البابا نفسه (ول ديورانت، قصة الحضارة، جزء40، ص 170). ولم يقتصر الاعتداء على حرية الفكر من قبل الكنيسة والدولة، ولكن تعداه إلى المجتمع نفسه الذي كانت بعض فئاته تناصب حرية الفكر والمفكرين الأحرار العداء. ففي انجلترا اشتد الهجوم على العالم بريستلي (1733-1804) لتأييده الثورة الفرنسية. فأحرق الرعاع الانجليز بيته في برمنجهام وكسّروا مختبره، وظلوا يجوبون الشوارع ثلاثة أيام، وهم يقسمون أنهم سيقتلونه، ويقتلوا كافة الفلاسفة. إلى درجة أن أهالى برمنجهام علقوا على أبواب بيوتهم خوفاً ورعباً من الإرهابيين لافتة تقول: "لا يوجد لدينا فلاسفة"(ول ديورانت، قصة الحضارة، جزء 35، 91). وأحرقت الكنيسة في روما العالم الايطالي برونو على سيخ الشواء في العام 1600 عقاباً له على أفكاره التي كانت ضد تعاليم الكنيسة. وحاكمت الكنيسة في روما العالم الايطالي الفلكي جاليلو، وطلبت منه التخلّي عن أفكاره وسجنته وعذبته إلى أن أُصيب بالعمى. وسجن الملك هنري الثامن المفكر والفيلسوف الانجليزي توماس مـور (1478-1535) صاحب الكتاب المشهور (المدينة الفاضلة Utopia ( ثم أعدمه وعلق رأسه فوق جسر لندن،. وقتل الرعاع الفرنسيون الفيلسوف الفرنسي بيير راموس (1515-1572) في بيته رمياً بالرصاص، ثم ألقوا بجثته من نافذة مكتبه بالدور الخامس في باريس، حيث جرّها خصومه من الطلبة وألقوا بها في نهر السين، ثم أخرجه فريق آخر من النهر، وقطعوه إرباً إرباً ( ج. د. برنال، موجز العلم في التاريخ، ص90). وأعدمت محاكم التفتيش المئات من المثقفات وأحرقت الكنيسة 13 رجلاً وامرأة دفعة واحدة بتهمة الزندقة في مدينة مودينا الايطالية ، وهي التهمة الموجهة الآن لسيّد القمني، والتي قرر على إثرها الاستسلام للأصوليين الارهابيين للأسف الشديد، والسقوط في بئر الصمت والخوف، معلناً توبته عن الفكر الليبرالي وقيمه، على النحو الذي جاء في الخبر السابق".
    وبعد قراءتنا لهذا المقال لا بد لنا من وقفة نتأمل فيها بعض ما ورد به من أفكار وآراء: فأما أن المفكر ينبغى أن يتمسك بما يؤمن به ولا يتخلى عنه خوفا وجبنا، فنحن معه فى هذا، وإن كان الناس، هنا كما فى كل ميدان آخر، معادن: فمنهم من يرفع صوته لا يبالى بتهديد ولا وعيد، ومنهم من يخافت من هذا الصوت، ومنهم من يعلن التقية، ومنهم من يغير فعلا آراءه مسايرة للمخالفين واستجلابا للمصالح. والدكتور النابلسى سبق له أن غير فكره وآراءه، فبعد أن كان أيام اشتغاله فى السعودية يلعن "أبا خاش" أمريكا صباحًا ومساءً ويرى فيها هى وإسرائيل العدو الأوحد الذى لا يصلح معه إلا الجهاد الدينى كما بينتُ بالوثائق فى مقال لى سابق عنوانه "فضيحة بجلاجل للعلمانيين فى برنامج الاتجاه المعاكس" (أم تراه كان يجارى الجو العام فى السعودية؟ إذن لكانت هذه أيضا خيبة قوية!)، نقول إنه بعد ذلك قد أضحى من مناصرى أمريكا والصهيونية حينما انتقل للعيش فى بلاد العم سام وتولى بعض المناصب هناك. وكان قد كتب ذات مرة أيام موقفه القديم يمجِّد السعودية ويؤكد أنها سبقت أمريكا ذاتها (إى والله أمريكا ذاتها) فى معدل التنمية زمنا وحجما! فلماذا لا يقبل من سيد القمنى أن يغير رأيه وموقفه حتى لو كان تغييرا ظاهريا لا يمس الأعماق؟ أم تراه يظن أن له هو وحده الحق فى ذلك؟ ثم من أين له كل هذا اليقين بأن جميع الذين تراجعوا من الكتّاب المصريين عما كانوا يقولون أيام مروقهم وانحرافهم قد تراجعوا خوفا وكذبا؟ ألا يتراجع الإنسان تراجعا صادقا إلا إذا كان تراجعه عن الإيمان بالله؟ إن هذا لَتفكيرٌ غريب! أم لا بد أن يمر المتراجعون على النابلسى أوّلاً كى يأخذوا منه صكًّا بجواز التراجع، وإلا كان تراجعهم باطلا لا يستقيم ولا يصحّ؟
    كذلك قال النابلسى إن العرب الآن يعيشون فى القرن الثامن عشر. وهذا الكلام، وإن كان فيه مبالغة شديدة، فإنه صادق مع ذلك بروحه (لا بلفظه)، بمعنى أنهم لا يريدون أن يهتموا بالعلم ويعرفوا أنه لا خلاص لهم مما هم فيه، إلى جانب الإيمان بالله سبحانه وتعالى ونبيه الكريم والتمسك بكتابهم المجيد وسنة نبيهم المطهرة وقِيَمهما العبقرية الخالدة، إلا بالعلم والتفكير العلمى، وهو ما دعا إليه الإسلام وحث عليه وأعلن أن الله مُجَازٍ به خير الجزاء، وأكد أن فَضْل العالمِ على العابد كفَضْل البدر على سائر الكواكب، وأن تفكُّر ساعة خير من عبادة سَنَة، وأن طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، علاوة على أن الله لم يأمر نبيه بالاستزادة من شىء إلا من العلم: "وقل: رَبِّ، زِدْنِى علما" (طه/ 114)...إلخ. ومن هنا فإننا نضم صوتنا إلى صوت الكاتب رغم اختلافنا معه جِذْرِيًّا فيما عدا هذا ونقول للأمة إنها ما لم تُفِقْ مما هى فيه من التمسك بالخرافات والاعتقاد فى العمل والأحجبة والزار والسحر والشعوذة والفهلوة والاهتمام المرضى بالشكليات والحرص القاتل على أن يكون كل شىء تمام التمام على الورق ثم لا شىء بعد ذلك، وما لم تُقْبِل على العلم وتطلبه بكل طريق وتنفق فيه كل ما لديها من غالٍ ومُرْتَخَص ويتحول تفكيرها إلى المنهج العلمى الذى لا يرضى به الله ورسوله بديلا، فإنها ضائعة لا محالة وذاهبة إلى ما وراء الشمس كما كان المصريون يقولون إبّان حكم عبد الناصر عمن يعارضه! وهذا إن لم تكن قد ذهبت فعلا إلى ما وراء الشمس! ونحن عندما نقول: "العلم" فإننا نقصد العلم الحقيقى لا القشور والتفاهات الفارغة التى تمضى الأمة بها وقتها المتثائب البليد، العلم بكل أنواعه من علوم طبيعية وعلوم إنسانية وعلوم رياضية وعلوم دينية بحيث لا تقتصر قراءات المتديّنين منها مثلا على كتب الفقه والتوحيد (وهذا إن قرأوها كما ينبغى وفهموها حق فهمها، ولم يكن الأمر مجرد ترديد لما فى تلك الكتب دون تدبر!)، وكأن من يُلِمّ بها قد ضمن النصر المؤزَّر فى الدنيا والآخرة، مع أنها لا تعدو أن تكون لونا من التخصص العلمى يعكف عليه فريق من الدارسين والباحثين كما يعكف كل فريق على فرع من فروع العلوم يتعمق فيه ويجتهد بكل وسعه ويبحث عن الجديد، مع التنبه فى ذات الوقت إلى الأصول والأسس التى ينبغى أن نرسى نهضتنا عليها حتى لا تتشتت جهودنا أو تنحرف خُطَانا، وإن لم يمنع هذا من الأخذ من كل فرع من الفروع العلمية الأخرى بطَرَفٍ حسبما يستطيع القارئ ويحبّ! ولا شك أننا الآن أحوج ما نكون إلى التقدم فى ميدان العلوم الطبيعية والرياضية بالذات والوصول فيها إلى درجة الاجتهاد لا مجرد الترديد لما سبقَنا إليه الغرب والوقوف عنده لا نعدوه ولا نضيف إليه، وهى الدرجة التى نستطيع بها أن نسامته ونخترع كما يخترع ويكون لنا كيان مرهوب الجانب ونوقفه عند حده ولا ننتظر الكلمة دائما من فيه، وإلا شَلَّتْ إرادتنا وتوقَّفْنا بل تجمَّدْنا ومُتْنا حيث نحن. هذه خطيئة مهلكة سوف يحاسبنا الله عليها يوم القيامة كأمةٍ وكأفرادٍ معا، ولسوف يكون الحساب عليها عسيرا أشد العسر رغم أن الأمة لا تفكر فى هذا البتة وتراه أمرا تافها لا يعدو أن يكون من نافلة القول، مع أنه بكل يقين ليس كذلك على الإطلاق!
    إن الكِتَاب بالنسبة للمسلمين بوجه عام فى هذا العصر النَّكِد هو، مع الأسف المُمِضّ المزعج، من المحرَّمات الكبائر: لم تحرّمه الحكومات، بل حرّمه الناس على أنفسهم كراهيةً منهم للعلم ووجع الدماغ الذى يأتى من ورائه، مع أن الإسلام هو دين العلم بحيث إذا لم يهتم به أتباعه لم يكونوا مؤمنين صادقين وضاعوا فى لجة الحياة المتلاطمة الأمواج! لا أدرى والله ماذا يمكن أن يصنع المصلحون والعلماء والمفكرون كى ينبهوا الأمة إلى المضيق المسدود الذى انتهت أمورها إليه. كثيرا ما أقول لطلابى وطالباتى فى الجامعة: ما الذى تريدون منا أن نفعله كى تهتموا بالقراءة وتجدّوا فى الدراسة وتقدِّروا العلم حق قدره؟ لقد بُحَّتْ أصواتنا معكم فى هذا السبيل وحاولنا مرارا وتكرارا بالحسنى والتشجيع مرة، وبالشدة والتخويف مرة، وبغير ذلك من الوسائل مراتٍ ومراتٍ، ولم يبق أمامنا من وسيلة إلا أن نشعل النار فى أنفسنا أمامكم فلعلكم تفهمون. بيد أنى فى كل مرة أقول لهم فيها هذا ألاحظ أنهم يظلون فاغرى الأفواه زُجَاجِيِّى العيون كأنهم سمك ميت: لا حس ولا حركة ولا وعى ولا استجابة. ترى هل يستجيب الأموات؟ وإنى لموقن أننا لو فقدنا عقولنا وظننّا أن المسألة تستأهل وأشعلنا النار فعلا فى أنفسنا فلن يلفتهم ذلك فى شىء، بل سيظلون ماضين فى ثرثرتهم التافهة تفاهة عقولهم واهتماماتهم، فإذا خيبوا ظننا رغم ذلك والتفتوا كان رد فعلهم التنكيت والدخول فى قافية حول الأستاذ المسكين فى عقله الذى أخذ المسألة جِدًّا ولم يكبِّر دماغه!
    ثم إن الذين ضربهم النابلسى أمثلة على الفكر الحر عندنا فى العصر الحديث إنما يعملون فى الغالب لحساب المستعمر الذى يريد تدميرنا: سواء فطنوا لذلك (وهو ما نرجحه فى معظم الحالات) أو لم يفطنوا. إنهم يصوّبون مدافعهم وقنابلهم فى تاريخنا وثقافتنا وعقائدنا إلى النقاط التى يصوّب إليها هذا المستعمر المجرم مدافعه وقنابله، ألا وهى الدين ورجاله بدءا بالنبى والصحابة وانتهاء بكل عالم معاصر من علماء المسلمين، تاركين العلم والحثّ عليه، اللهم إلا حين يظنون، أو يريدون أن يوهموا القراء، أن الدين يعادى العلم، كما صنع القمنى عندما زعم أن حديث القرآن عن خلق السماوات والأرض فى ستة أيام خطأٌ لأنه يناقض ما يقوله العلماء من أنهما قد خُلِقَتا فى أحقاب سحيقة تُعَدّ بملايين السنين، غافلا عن أن اليوم عند الله ليس كاليوم عند البشر، فالله لا يسكن الأرض، بل كل الكون زمانًا ومكانًا وكائناتٍ فى قبضته سبحانه، واليوم عند الله يختلف حسب السياق، فقد يكون كألف سنة مثلا أو كخمسين ألفًا مما نعرف كما ورد فى القرآن المجيد، فضلاً عن أن الأيام بالمعنى الأرضى الذى يعرفه البشر لم يكن لها وجود قبل خلق الكون بشمسه وقمره ونجومه وأرضه، لأن اليوم البشرى يستلزم وجود الشمس والأرض أولا. ومن يقل بغير هذا فهو من العوام مهما أغدق عليه المارقون من أمثاله ألقاب العلماء والمفكرين، على عكس المعنى الذى يقصده مؤلف سفر "التكوين"، الذى نصّ نصًّا فى كلامه عن قصة الخلق أن اليوم كان يتكون من مساء وصباح كمسائنا وصباحنا، وأن الله قد استراح من تعب العمل فى اليوم السابع وقدَّسه. يقصد يوم السبت (تكوين/ الإصحاح الأول كله). فهذا هو الفرق بين فهم العوام وفهم العقلاء الراقين، ومع هذا نرى هؤلاء الخارجين المشاغبين لحساب أعداء الإسلام يشككون فى كل شىء: فى القرآن والرسول والسنّة والقيادات التاريخية والعسكرية والسياسية والعلمية المسلمة، كما يعملون بكل ما أوتوا من قوة وخبث على نشر التيئيس والتثبيط فى نفوس المسلمين، وبالذات فى مجال المقاومة والكفاح، رغبة منهم فى التمكين للمستعمرين فى بلادنا وأموالنا ومساعدتهم على حصد الأرواح واغتصاب الأعراض وتهديم البيوت والمؤسسات. والدين المستباح عندهم هو الإسلام، والإسلام وحده: يستوى فى ذلك أن يكون الكاتب من المنتمين إلى أمة محمد أو من المنتمين إلى أمة الصليب! وفضلا عن ذلك فالملاحظ أن معظمهم ذو علاقة مشبوهة بالدوائر المعادية للإسلام والمسلمين لا يستتر بها.
    وأتحدى أيا من هؤلاء المفاليك أن يجرؤ واحد منهم فيوجه نقدا ولو رقيقا كخطرات النسيم إلى النصرانية أو إلى أى من قياداتها فى بلادنا رغم أن الإسلام، لو أنهم مخلصون، كان ينبغى أن يكون أقرب إلى نزعتهم العلمية المدَّعاة حتى لو كان كفرهم به نابعا من قلوبهم وعقولهم، على الأقل باعتباره تاليا للنصرانية من الناحية التاريخية، فهو على أسوإ تقدير يمثل خطوة متقدمة عليها، علاوة على أنه لا مكان فيه للخرافات ولا للأسرار ولا لتأليه البشر العجزة الفانين الذين يبولون ويخرأون ويجوعون ويظمأون ويخافون ويقلقون ويُشتَمون ويهانون ويَسُبّون ويَلْعَنون حتى تلامذتهم، ويتبرأون حتى من أمهاتهم وإخوتهم، ويمرضون وينامون ويُضْرَبون ويُطْعَنون بالَحَرْبة فى جنوبهم وتُكْسَر رُكَبهم وتُسّمَّر أيديهم وأرجلهم فى الخشبة التى تجلب اللعنة على كل من يُعَلَّق عليها بنصّ كتابهم المقدس جِدًّا جِدًّا جِدًّا (...إلى آخر الــ"جِدَّنات" التى فى الدنيا كلها) لا بنصّ أى كتاب آخر، ويصيح المساكين من بُرَحاء العذاب فلا يجدون أبًا ولا أُمًّا يسأل عن صحتهم، ثم يموتون ويحاسَبون شأن أى عبدٍ مخلوقٍ فانٍ، ويُسْأَلون عن مدى موافقتهم على ما يزعمه أتباعهم بشأنهم فيُنْكِرون ويستنكرون ما يقولونه من كُفْرٍ ويتبرأون منه ومنهم، كما أن المعجزات لا تمثل ركنا من أركانه على عكس الحال فى تلك الديانة التى لا فكاك لها من المعجزات ولا يقوم الإيمان فيها على العقل، بل ليس للعقل فيها مكان! ومع هذا فليس هناك أى هجوم عليها أو حتى انتقاد لها. وها هو ذا الدليل: فالقرآن الكريم لم يقل، ولا يمكن أن يقول، إن الأيام الستة التى تم فيها الخلق هى كأيامنا الأرضية، بل بيَّن أن الأيام عند الله تختلف عن أيامنا هذه اختلافا تاما، على حين أن الكتاب المقدس قالها بصريح العبارة بما لا يمكن المماراة فيه أو إساءة فهمه، ومع هذا نرى سيد القمنى يترك الكتاب المقدس ويهاجم القرآن. ومن هنا نفهم لماذا ترجم واحد كمحمد أسد قوله تعالى: "فى ستة أيام" إلى "in six aeons" كما فى الآية 54 من "الأعراف" والآية 7 من "هود" مثلا. ثم يقول الأقباط عن سيد القمنى إنه مفكر كبييييييييييييييييييييييييييييييييييييير، متباكين عليه أن يسلقه خالد بن الوليد ويأكل لحمه "هَمّ النَّمّ" كما تقول عفاف راضى (أو كما نقول نحن فى قريتنا: "هَمّ يا مَمّ")، ثم يحبس بعدها بواحد سفن أب كبييييييييييييييييييييييييييييييييييييير لزوم الهضم السريع لِلَحْم المفكر الكبييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييير، ليتجشأ بعدها وهو يخبط على بطنه الكبييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييير فى رضًا وحُبُور، مطمئنا أنه خلّصنا من سيد القمنى وأراحنا من مشاغباته غير العلمية!
    كل من لم يناظر أهل الإلحاد والبدع مناظرة تقطع دابرهم لم يكن أعطى الإسلام حقه ولا وفى بموجب العلم والإيمان ولا حصل بكلامه شفاء الصدور وطمأنينة النفوس ولا أفاد كلامه العلم واليقين

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Dec 2004
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    361
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    نواصل لكم أيها القراء ما كتبناه عن إعتزال!!! سيد القمني
    وها هو ذا ما قاله سيد القمنى فى الموضوع حسبما نقلتُه من مقال كتبه من سمى نفسه: "شهيد الحق" بموقع "ساحة الإقلاع" تحت عنوان: "علماني يزعم أن بالقرآن أخطاء علمية": "يقول الدكتور القمنى معلقا على قضية الإعجاز العلمى فى القرآن: إن التلميذ يدرس فى حصة (الدين) أحكام خلق الكون فى ستة أيام ثم يدخل حصة الكيمياء والبيولوجى فيجد أنها خُلِقَتْ فى ملايين السنين، فلماذا لا نجعله محل اعتقاد وايمان وأدرس كيف تم الخلق بالطريقة العلمية حتى ولو كان بها مخالفة واضحة وصريحة لما جاء فى النصوص القرآنية؟".
    ليس ذلك فقط، بل يعرف القاصى والدانى أن المواقع النصرانية تحتفى بتلك الكتابات أيما احتفاء، ودائما ما تجعلها جزءا من برنامجها فتنشرها كاملة وتسهِّل تحميلها لمن يريد متكلفةً فى ذلك ما تتكلف من تعب ونفقات، وكأنها كتابات تبشيرية تدعو للنصرانية. كما أنها دائمة الإشادة بالقمنى والدفاع عنه وعما يَكْتُب ضد الإسلام كذلك الموقع القبطى المهجرى الذى يصف الرسول الأكرم عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام بـــ"الرسول المخنث" ويخترع سورا قرآنية هازلة تتهكم على الله ونبيه صلى الله عليه وسلم. ليس ذلك فقط، بل الملاحظ أن أولئك المارقين عادة ما ينتصرون فى كل خصومة أو جدال فكرى أو عقيدى للنصرانية والنصارى. بل إن من الكُتّاب الذين يردون على أولئك المارقين المتمردين من يكتبون فى الصحف عنهم أن فلانا أو علانا يقبض من الجهة الكنسية أو التبشيرية الترتانية دون أن نسمع أن أيًّا منهم قد فكر فى رفع دعوى ضد الذى يتهمهم بهذا! كذلك فمنهم من ليست له شغلة يتكسب منها، ومع هذا نراه يعيش فى بحبوحة من العيش يحاول التعمية عليها من خلال التباكى الكاذب من شُحّ العيش دَيْدَنَ كل لصٍّ خبيث. فعلام يدل ذلك كله؟ أترك الجواب للقارئ.
    وإنى لأهتبل هذه السانحة لأستشهد بما قاله فى الهجوم على الإسلام، أثناء دفاعه عن سيد القمنى، كاتب نصرانى اسمه جاك عطا الله كى يعرف القارئ كيف أن الغارة على الإسلام (حتى ممن بيوتهم زجاجٌ هشٌّ) والإشادة بهؤلاء الكتّاب المارقين هما وجهان لعملة واحدة. قال عطا الله فى "صفحة كتاب أقباط متحدون" بتاريخ 18 يوليه 2005م تحت عنوان: "سيد القمنى- احمد زكى يمانى و حرية القتل على الفكر بالدول العربية" فى أسلوب غبى ركيك يعج بالأخطاء التى لا يصح صدورها من تلميذ من تلاميذ المرحلة الابتدائية: "كلنا يعرف الان ان المفكر المصرى الدكتور سيد القمنى والباحث المدقق وخبير المخطوطات الاسلامية الدكتور احمد زكى يمانى السعودى المتجنس ووزير البترول الاشهر بالسعودية قد تابا الى الله توبة نصوحه لوجه الله تعالى واقلعا عن فكرهما المستنير وعادا الى حظيرة الايمان بعد كفرهما. هذا ما اعلنه كلا منهما علانية بعد النصائح الاخوية اللطيفة بالذبح الشرعى الحلال من اخوانهما بالدين، و نعرف ان الدين النصيحة، وبارك الله فى الناصح والمنصوح وما بينهما. السيد القمنى كان يرتجف وهو يعلن توبته بالتليفون وعودته عن تفكيره الشيطانى و انه قرر ان يعيد مخه الى مكانه الطبيعى (تحت السرة): لا تسألوا عن اشياء ان تبدو لكم تسوءكم، احتراما وتقديرا لنصائح الاخوة اللطيفة وانه يفضل ان يعيش بدون هذا العضو المؤذى المسمى مخ عن ان يكون المرحوم المذبوح القمنى ومخه سيتحلل وستأكله البكتريا على كل حال عند موته وكما يقول المثل المصرى الجرى نص الشجاعة. اما الدكتور الاخر احمد زكى يمانى فقد تلقى هو الاخر تهديد اخوى لطيف بالذبح بعد نشره مقالا بالصحف السعودي يقول فيه انه رأى بأم عينه رقعا مكتوبة على جلد بدون تشكيل ولا تنقيط بمكتبة الفاتيكان لنصوص قرأنية غير موجودة بالمصحف العثمانى المتداول حاليا وانه احضر خبيرا من عنده وقدر عمر الرقع بالف واربعمائة سنة او اكثر واستنتج من هذا ان القرأن الحالى ناقص وهو ما استنتجه قبله العديد من المفكرين والبحاث المسلمين وهو نفس ما اثبتته ابحاث العلماء الالمان الذين عثروا وفحصوا المخطوطات اليمنية المسماة بمخطوطات صنعاء".
    وأنا فى الواقع لا أدرى لم سكت الفاتيكان هذا السكوت الطويل فلم يعلن عن تلك النسخة التى يقال إن يمانى رآها بأم عينيه وأحضر كذلك خبراء من لدنه فأكدوا له أنها نسخة صحيحة غير مزورة. كذلك لماذا لم يذكر يمانى أسماء أولئك الخبراء المزعومين أو الوسائل التى استخدموها فى التحقق من صحة النسخة المخطوطة حبرًا وورقًا وخطًّا... أو الظروف التى تم فيها هذا؟ وحتى لو كان كل ما قيل صحيحا لا شائبة من الشك فيه، أفينبغى أن تكون تلك النسخة برهانا على أن القرآن قد سقط منه شىء؟ أليس يقتضى المنطق أن تكون تلك النسخة هى نفسها الخاطئة، بدلا من اتهام كل المصاحف والكاتبين والقارئين والحَفَظَة الذين تتابعوا على صفحات التاريخ جيلا بعد جيل على مدى الأربعة عشر قرنا بأنهم هم المخطئون؟ ثم متى كان يمانى خبيرا فى الخطوط الإسلامية؟ بل هل هناك أصلا شىء اسمه الخطوط الإسلامية؟ لو قال صاحبنا: "الخطوط الجوية السعودية" مثلا لكان لكلامه معنى. وقد قرأت فى موقع "إيلاف" بتاريخ 19 يونيه 2005م إشارةً إلى ما كتبه، فى الرد على أحمد زكى يمانى، عبد الله خياط الصحفىُّ السعودىُّ، الذى يرجِّح أن يمانى إنما أراد أن يتقرب للشيعة بعدما فشل فى النجاح عند الليبراليين. فإن كان هذا صحيحا لقد اتضحت طبيعة النقص الذى يزعمه يمانى إن كان قد قال ذلك، ألا وهو أن هناك نصوصا حُذِفَتْ من القرآن كانت تنص على حق علىٍّ وأولاده فى ولاية المسلمين. ولكاتب هذه السطور دراسة هى الأولى من نوعها عن سورة "النورين"، التى هى أكبر وأشهر نص فى هذا الصدد، واسم هذه الدراسة: "سورة النورين التى يزعم فريق من الشيعة أنها من القرآن الكريم- دراسة تحليلية أسلوبية"، وقد أثبتُّ فيها أن السورة المقصودة لا تمت للقرآن بأية صلة: سواء من جهة الأسلوب أو من جهة المعانى. وهى داسة تحليلية مستقصية تقوم على الإحصاءات والمقارنات، وليس فيها موضع للعاطفيات على الإطلاق. كما أن علماء الشيعة ينكرون إنكارا شديدا أن يكون قد حُذِف شىء من كتاب الله. ومع ذلك فهناك من يدافع عن يمانى قائلا إن كلامه قد أُسِىءَ فهمه وتفسيره واقتُطِع اقتطاعا من سياقه، إذ هو رجل شديد التدين يغار على القرآن، وله مؤسسة دينية فى لندن اسمها "الفرقان".
    وقد ظللتُ أبحث عما كتبه يمانى حتى صادفتُ فى موقع "شفّاف الشرق الأوسط" بتاريخ 22 يونيه 2005م مقالا للرجل عنوانه "من جعبة الذاكرة - البابا ومكتبة الفاتيكان" ينتهى بهذه الفقرة التى هى كل ما يهمنا فى الموضوع والتى أنقلها هنا لكى يكون القارئ على بينة مما زعمه عطا الله وما قاله يمانى فعلا: "ومن طريف ما رأيت قِطَعاً (الصواب: "قِطَعٌ") من الجلد كُتبَ عليها آيات من القرآن بحروف غير منقَّطة وقيل انه أُجريت دراسات علمية لمعرفة عمر الجلد الذي كُتبت عليه الآيات فتجاوز عمره مائتين وخمسين وألف سنة ميلادية وهذا ما قادهم إلى افتراض أن بعض كُتاب الوحي من بني أُمية لم يسلموا ما لديهم أو بعضه من آيات الكتاب الحكيم عندما جُمع المصحف في عهد الصديق رضي الله عنه وأُتلفت جميع الآيات المتفرقة التي نزلت منجمة، وأنه عندما دالت دولة الأمويين في الشام وهرب عبد الرحمن الداخل إلى الأندلس حيث أقام دولة الأمويين استطاع فيما بعد نقل الذخائر ومنها تلك القطع التي كُتب عليها آيات من القرآن أثناء نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا الافتراض مع كل قرائنه يقرب من الصحة وينبئنا أن المسلمين إذا تفككوا واختلفوا فقدوا الكثير من تراثهم بل وفقدوا كيانهم، وذلك حال ملوك الطوائف فيما مضى وهو حال دويلات الطوائف في عصرنا هذا. وآيات الكتاب الكريم التي كُتبت في حضرة رسولنا عليه السـلام هي من أعز وأثمن ما أعرف من التراث".
    ونلاحظ على الفور أن يمانى ليس هو الذى قام باختبار صحة المخطوطة كما زعم كذبًا المدعوّ: "جاك عطا الله"، بل قيل له إنهم (فى الفاتيكان طبعا) هم الذين تحققوا من صحتها. وقد انحصر دوره فى القول بأنه يعتقد أن ما قالوه صحيح! كيف؟ وعلى أى أساس؟ لا ندرى! ثم ما هى هذه النصوص التى لا وجود لها الآن فى القرآن؟ والجواب هنا أيضا: "لا ندرى"، ذلك أنه لم يذكر من تلك النصوص شيئا، بل انحصرت مهمته فى تكرار ما قال الفاتيكان وحسب! والفاتيكان لم يقل إن المخطوطة تمثل دليلا على وجود نقص فى النص القرآنى الكريم. كذلك فإن عمر المخطوطة حسب كلام الفاتيكان هو اثنا عشر قرنا ونصف تقريبا لا أربعة عشر قرنا أو أكثر كما جاء فى الكلام الأبله الذى تلفظ به عطا الله! ثم من مؤلف هذه المخطوطة؟ لقد قيل إن صفحة العنوان منزوعة، وهو ما يصعِّب التحقق من الأمر تصعيبا شديدا. وأيًّا ما يكن الأمر، هل يصحّ فى العلم أن نترك كل الدلائل والبراهين التى لا تنتهى عددًا والتى تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن نص القرآن المجيد لم يَطُلْه أى عبث، ونصدّق هذه الشبهة التى لم يقلها لا الفاتيكان ولا الوزير السعودى؟ وعلى أى حال لماذا لا يضع الفاتيكان هذه المخطوطة بين أيدى الدارسين كى يَرَوْا رأيهم فيها بدلا من قصرها على مناقشات جانبية، إن كان عند رجاله ملاحظات على جمع القرآن تختلف عما يقوله علماء المسلمين؟ ثم إن المخطوطة المذكورة، حسبما جاء فى مقاله، تبحث فى مسائل الطهارة والعبادات، والفَلَك، والآلات الموسيقية، فما علاقة ذلك كله بما يقال من أن هناك آيات قرآنية قد حُذِفَتْ؟ وما هذه الآيات؟
    وبالمثل فقد ورد فى مقال يمانى أنهم فى الفاتيكان افترضوا "أن بعض كُتَّاب الوحي من بني أمية لم يسلِّموا ما لديهم أو بعضه من آيات القرآن الحكيم عندما جُمِع المصحف في عهد الصديق رضي الله عنه وأتلفت جميع الآيات المتفرقة التي نزلت منجمة، وأنه عندما زالت دولة الأمويين في الشام وهرب عبدالرحمن الداخل إلى الأندلس حيث أقام دولة الأمويين استطاع فيما بعد نقل الذخائر، ومنها تلك القطع التي كتبت عليها آيات من القرآن أثناء نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم". فهل هذا هو ما يبنى عليه المتزيدون المشككون تشكيكاتهم؟ طيب: إذا كان بعض كُتّاب الوحى من الأمويين "طَلَعُوا ناسًا سَكَّة وأىّ كلام" ولم يسلِّموا كل ما عندهم من الوحى، فأين كان بقية المسلمين الذين لم يكن بنو أمية يمثلون أكثر من قطرة فى بحرهم الطامى؟ ألم يكن أحد منهم يحفظ شفويًّا أو كتابيًّا ما أراد الأمويون إخفاءه؟ بل أين كانت النسخة التى تركها النبى عليه السلام مكتوبة واعتمد عليها أبو بكر فى جمع القرآن فى كتاب كامل بين دفتين؟ إياكم أن تقولوا إن الأمويين قد سَقَوْا بقية المسلمين جميعا "حاجة أصفرة" حتى لا آخذ على خاطرى منكم لأن هذه قد أصبحت حجة ممجوجة! وإذا كان بنو أمية لم يسلِّموا بعض ما كان فى أيديهم من القرآن، فلِمَ ظلوا يحتفظون به، وكان الأجدر بهم أن يتخلصوا منه تماما بتدميره حتى لا يقع يومًا فى يد من لا يريدون اطلاعه عليه فيعودوا بذلك إلى المربع رقم واحد كما كان يقول المعلِّقون على مباريات كرة القدم التى كنت أُحْسِنها يوما؟ يا لطيف اللطف! كذلك إذا كان عبدالرحمن الداخل قد أخذ هذه النصوص معه، فلماذا لم يظهرها جلالته أو يتكلم عنها أى من علماء الأندلس؟ وإذا كان قد دمرها فكيف وصلتنا إذن؟ وهذا إذا كان فى كلام يمانى ما يشكك فى حفظ الله سبحانه للقرآن الكريم، وهو ما تبين لى أنه لم يحدث إذا ما قرأناه بعيدا عن التعليقات النصرانية الحاقدة. ولقد عاد الرجل بعد ذلك كله فأكد، حسبما قرأت فى موقع "المجالس الينبعاوية" فى أغسطس 2004م، أن القرآن كما هو بين أيدينا اليوم فى المصاحف هو نفسه القرآن الذى تركه لنا سيدنا رسول الله عليه السلام كاملا لم ينقص منه حرف، ولكننى مع هذا لا أستطيع أن أفهم كيف أن يمانى هذا هو الذى حَظِىَ، دون غيره من البشر، بالإهداء الذى كتبه د. محمد عبد الحى شعبان (الأستاذ المصرى الذى كان يشتغل رئيسا لقسم التاريخ الإسلامى بجامعة إكستر البريطانية) فى صدر كتابه "Islamic History" الصادر فى تلك الفترة (عام 1980م بالتحديد عن جامعة كمبردج البريطانية) والذى حمل فيه على الرسالة الإسلامية وصاحبها عليه أفضل الصلاة والسلام واتهمه بأنه لم يكن إلا تاجرا ولا علاقة له بالنبوة من قريب ولا من بعيد، وأن ما تحقق للعرب والمسلمين من نتائج بسبب دعوته وسياسته إنما تم بمحض المصادفة، ولم يكن يدور له ببال ولا بخيال. وهذه هى كلمات الإهداء أنقلها كى يتمعن فيها القارئ: "إلى صديقى الشيخ أحمد زكى يمانى، الذى أعادت سياسته إلى الحياة كثيرا من خصال أسلافه العظام"! (انظر كتابى: "ثورة الإسلام فى ضوء ظروف البيئة التى ظهر فيها"/ مكتبة زهراء الشرق/ 1419هــ- 1999م/ 40- 41 بالذات).

    وهذا الذى أثاره المسمَّى جاك عطا الله هو مجرد مثال على العقلية الحاقدة الغبية التى تحسب أن لحم الإسلام سهل المأكل طيب المذاق. لا يا أخا الصليب! أنت واهم، ولسوف أريك حالا أنكم، باتخاذكم كتابات القمنى وأشباهه سلاحا لضرب الإسلام، إنما تصوّبون الرصاص إلى صدوركم وأنتم لا تعقلون، شأنكم شأن مستعملى الأسلحة الفاسدة فى حرب 1948م. ولكن لنسمع أولا ما يقوله عزت أندراوس السالف الذكر عن سيد القمنى وعن الحكومة المصرية ومسلمى مصر وخالد بن الوليد فى هلوسة هستيرية ليس لها فى الوقاحة وقلة الأدب والعمل على إثارة الفتن وركاكة العقل وتهافت الفكر وقبح اللغة مثيل: "رحمة الله عليكى يا مصر لأنك تدوسين أبناؤك وتأكليهم، أأعدتم خالد بن الوليد إلى الحياة فى مصر هذا هو سيف الله المسلول الذى قطع رأس مسلم وسلقه وطبخه واكله، أهذا هو الإسلام؟ أم أهذا هو أمن الدولة؟ أم أهذه هى ديمقراطية النظام؟ أفيقوا يا اهل الكهف من سباتكم وأعرفوا مكانكم الحقيقى فى العالم، ألا يوجد إلا مصر فى العالم يأتى منها أخبار الإرهاب، إن ما يصلنا من أخبار يدل أنه لا يوجد بلداً أسمها مصر ولكن يوجد فقط شئ أسمه عصابات مصر الإجرامية. ثم ماذا يفعل أمن الدولة والبوليس فى مصر أهو متفق مع عصابات بن لادن العالمية الإرهابية على سفك دماء المفكر العظيم سيد القمنى، أيكفى ثلاثة من عساكر الأمن الذين اتو من وراء الجاموسة من صعيد مصر على حماية رجل له وزنه الفكرى".
    إن المذكور لا يعجبه أن تعين الدولة ثلاثة من رجال الشرطة لحماية سيد القمنى من التهديد الذى قال، صدقًا أو زورًا، إنه تلقاه على بريده المشباكى، ويصفهم بأنهم آتون من وراء الجاموسة، وكأنه (هو الآتى من وراء الخنزير وجامع روثه وآكله) أفضل حالا منهم، وهو الذى يَكْذِب ويتصور أنه بوقاحته سوف يهين المسلمين ودينهم، وما دَرَى بغبائه أنه إنما يهين نفسه وتخلفه هو وأمثاله فى العقيدة والدين! صحيح: لماذا لم تحوِّل حكومةُ مصر جيشها وشرطتها جميعا ليرابطا أمام بيت سيد القمنى وتترك حدودها دون حراسة، وللحدود ربٌّ اسمه الكريم، إذ يكفيها أن تسهر شرطتها وجيشها على راحة سيد القمنى وألا يكون لها شغلة ولا مشغلة إلا رضا سعادته! ثم ما دخل خالد بن الوليد فى هذا الموضوع؟ أترى أندراوس يريدنا أن نُقِيمه من الأموات ونُحْضِره هو أيضا ليَذُود بسيفه المسلول عن سيد القمنى ويقوم على خدمة جنابه؟ ثم كيف عرف هذا الأبله يا ترى أنه، رضى الله عنه، كان يأكل لحم البشر بعد سلقه؟ وبالمناسبة هل كان يرش عليه مِلْحًا وفُلْفُلاً حتى تكون النكهة أفضل، إذ من المعروف أن اللحم المسلوق ليست له جاذبية اللحم المحمَّر والمشمَّر؟ هذه واسعة حبتين يا عمّ أندراوس! ما كنت أعرف أن المسلمين بهذا الهوان حتى يطمع فيهم أمثال هذا الكائن! لكنى أعود فأقول إنهم يستحقون هذا وأفظع منه! فمَنْ يَهُنْ يَسْهُل الهوانُ عليه، وما لِجُرْحٍ بميّتٍ إيلام! وهم، كما سلف القول، قد ماتوا، وإن لم تُدْفَن جثتهم بعد لأن أحدا لا يفكر فى إكرامهم بالدفن!
    إن للقمنى مثلا فى موقع "شفّاف الشرق الأوسط" بتاريخ 14 يوليه 2005م مقالا بعنوان "احذروا فتنة المسيخ الدجال" يسخر فيه من أحاديث المسيح الدَّجّال والمؤمنين بها. أفلا يعلم النصارى المولَّهون بما يكتب سيد القمنى أن المسيح الدجال قد ورد ذكره فى كتبهم عدة مرات (وإن كان اسمه عندهم هو "ضد المسيح" أو "المسيح الكاذب"، مع اختلاف تصورهم له عما فى الإسلام بعد أن حرَّفوا عقائدهم)، وقال عنه يوحنا فى رسالته الأولى إنه موجود الآن فى الدنيا رغم قوله أيضا إن ميعاد مجيئه هو الساعة الأخيرة، أى قبيل يوم القيامة، كما جاء فى مواضع أخرى أنه وحش بسبع رؤوس وأنه تنين أحمر...إلخ، فضلا عن إشارة بولس إلى أنه عند إتيانه سوف يتصرف وكأنه هو الله، وأنه سوف يفتن الناس ويضلّهم من خلال عجائبه وآياته التى يساعده فيها الشيطان؟ ثم ألا يعلمون أن اليهود هم أيضا يعتقدون فى مجىء المسيح الدجّال؟ (انظر مادة "Antichrist" فى كل من "The Catholic Encyclopedia" و"The International Standard Bible Encyclopedia " و"Easton's Bible Dictionary" و"Smith's Bible Dictionary" على المشباك، و"Encyclopedie de la Bible"/ طبعة Editions Sequoia/ باريس وبروكسل). وهذا الذى أشرنا إليه متناغم مع ما ورد فى الحديث الشريف من أنه ما من نبى إلا حذّر أُمّتَه الدَّجّال؟ ألا يعلم النصارى كل هذا؟ بلى إنهم ليعلمون، لكنهم يظنون أن المسلمين لا يتنبهون له، والمسألة عندهم ليست حقا وباطلا، بل وسيلة لختل المسلمين عن دينهم بالكذب والدجل والتلون والنفاق. بل إن ورود ذكر المسيح الدجال فى العهد الجديد يختلف بطبيعة الحال عن وروده فى الأحاديث النبوية، التى لا تتمتع بما يتمتع به القرآن من يقينية مطلقة، أما عندهم فهذه العقيدة جزء من الأناجيل التى تقابل القرآن لدينا! ومع ذلك فنحن لا نقف طويلا عند هذه النقطة المفحمة مع ذلك، بل كل ما أردناه منها أن تكون فاتح شهية لما سيأتى، وأنتم يا أخا الصليب الذين فتحتم موضوع القمنى (ويمانى أيضا فوق البيعة!) وحسبتم أنكم قادرون على أن تجعلوا منه قنابل نووية فتاكة! فلتذوقوا إذن، ولا مكان هنا للغضب، فالزَّعَل ممنوع، والصراخ من حَرّ الألم مرفوع، والرزق على الله، والذى يعتدى على الآخرين بالباطل لا ينبغى أن يتوقع منهم أن يباركوا عدوانه ويُرَبِّتوا على أكتافه ولا على أردافه، وإلا كان أحمق حماقة مطلقة!
    كذلك فللقمنى كتاب بعنوان "الحزب الهاشمي وتأسيس الدولة الإسلامية" يستعين به المدعوّ زكريا بطرس فى موقعه متصورا أنه يمكنه من خلاله هو وما كان على شاكلته من الكتب كتلك التى تحمل اسم خليل عبد الكريم أو سعيد العشماوى مثلا أن يفتن ويضلل بها أبناء المسلمين، وما درى أنه إنما جلب على نفسه الخراب والدمار عاجلا غير آجل، ففى مقدمة ذلك الكتاب القمناوى مباشرة نقرأ السطور التالية: "ورغم أن كتابنا هذا كتاب في التاريخ الاجتماعي والاقتصادي وليس كتاباً في الدين أو أي من علومه، فقد تم تصنيفه تصنيفاً آخر، ولم يتسع أفق المهاجمين خارج دائرة يكن لنا غرض إطلاقاً سوي فتح نافذة أطل زمانها، إزاء رتل من المصنفات يملأ أرفف المكتبة العربية، يكرر ويزيد في تكرار وإملال لذات المقولات، بنغمة واحدة وخط واحد من تفاسير وشروح التفاسير وتفسير الشروح وتعقيبات على الشروح والتفاسير... الخ وهي النافذة التي أردنا أن نطل منها بقراءة علمية على الفرز الذي أدى إليه جدل أحداث المرحلة القبل إسلامية، وقراءة أوضاع جزيرة العرب آنذاك الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، وهو الفرز الذي كشفناه مطلباً للتوحد القومي بقيادة نبي مؤسس لدولة واحدة مركزية. ويبدو أن هذا اللون من القراءة قد صدم مقولاتهم الثابتة، حتى أنهم لم يروا فيه سوى المروق، الذي يبدو أنه كان حكماً تأسس على عدم قدرة قبول الأمر باعتباره أمراً اعتيادياً تسبقه مقدمات لابد أن تؤدي إلى نتائج يقبلها العقل ومنطق الواقع، بعد أن اعتادوا على منهج يرى أن كل شئ يجب أن يظهر فجأة من عدم، غير مرتبط إطلاقاً بواقع، لغزاً غير مفهوم، بهذا فقط يكون مرهوباً ومخيفاً ومحترماً ، المهم ألا يكون مفهوم الأصول وألا يكون منطقي أو طبيعي النشأة ، وأن معرفة جذوره وممهداته ومنابته تخلع عنه حالته الإنقطاعية، وتسحب عنه قطيعته مع ما سبقه، ومن هنا كان لابد أن تستمر معاملته في قطيعته مع كل شئ إلا الغيب ولا يمكن تصوره إلا كذلك. رغم أننا لو أتستخدمنا منهج الدين ذاته بشكل أكثر احتراماً للدين نفسه، ولله صاحب هذا الدين ، لأدركنا أن فهمنا للدين سيكون أكثر جمالاً وفهماً عندما يكون الرب متسقاً مع ذاته ، لا يخالف قوانين المفترض أنه هو واضعها ، وأنه كي يتم المراد من رب العباد وقيام نبي الإسلام بدعوته ، فإنه كان لابد من تمهيد الواقع كي يفرز نتائجه المنطقية التي تتسق مع تلك المقدمات، وتتفق مع كمال ذلك الرب، ذلك الكمال الذي يفترض اتساق قراراته مع قوانينه و سننه، ناهيك عما سيحققه مثل ذلك الفهم على المستوى التربوي للعقل، لنخرج من حالة الركود البليد الذي ينتظر بكل سقم معجزات مفاجئة تعيدنا لعصر الفتوحات تتقدمنا جيوش الملائكة. تحت قيادة جبريل على فرسه حيزوم ولأننا لا نتصور إمكان حدوث المعجز الملغز، ولا حدوث أمر جلل دون مقدمات موضوعية تماماً تؤدي إليه وتفرزه، ولأننا لا نتصور ممكنات، كسر قوانين الطبيعة الثابتة لأجل عيون أمة مترهلة، فلم يبق سوى أن نحاول إعادة قراءة ذلك التاريخ قراءة أخرى، تربط النص بواقع، وتعيد النتائج إلى مقدماتها وأصولها الحقيقية لا الوهمية، من أجل إعادة تشكيل بنية العقل ومنهجه، ومن أجل غد أفضل لأجيالنا المقبلة، ولتراثنا ذاته".
    وواضح تمام الوضوح سخرية سيد القمنى من المعجزات ومن جبريل وحيزوم والأمة المترهلة، وهى فعلا أمة مترهلة لا أختلف معه بشأنها، ومن أدلة ترهلها أن نفرا من أبنائها يخوضون، بغباءٍ قاتلٍ وخيانةٍ عاهرةٍ سافلةٍ وحُبُور مجرمٍ وشماتةٍ خسيسةٍ، معركةَ أعدائها ضدها هى نفسها حتى يريحوا هؤلاء الأعداء من بذل الجهد والتعب فينتصروا عليها دون أن يتكلفوا فى هزيمتها شيئا: "حاجة ببلاش كده!". فالرجل إذن لم يتجنَّ على الأمة فى شىء، لكن هذا لا يعفينا من أن نبين للقراء أن البندقية التى يمسك بها زكريا بطرس ويصوبها إلى صدر الإسلام سيرتدّ رصاصها إلى صدره هو. كيف؟ إننا لو جرينا على ما يريد سيد القمنى وأنكرنا المعجزات فلن يضير ذلك الإنكارُ الإسلامَ فى شىء، إذ إن المعجزات لا تحتل فى النسق العقيدى الإسلامى مكانا ذا شأن، اللهم إلا بالنسبة للأديان السابقة التى يذكر القرآن الكريم معجزات رسلها أمانةً منه عجيبةً لا مثيل لها فى العالمين، أما الإسلام فقد أعلن كتابُه المجيدُ أن عصر المعجزات التى يتعنّت بها الكفار على أنبيائهم ورسلهم فتستجيب السماء لهم وتُنْزِلها عليهم قد ولَّى. وعلى هذا فلن يُضَارّ دينُ محمد كثيرًا ولا قليلاً من جراء إنكار المعجزات، ولكن ماذا عن الدين الذى فتح زكريا بطرس دكانته لترويجه وعلق على مدخلها ملابس الأطفال والنساء مدلاةً بألوانها البلديّة الصارخة لجذب أنظار العوام من أمثاله كما يفعل الباعة فى الأحياء الشعبية؟ كيف يا ترى سنفسِّر ميلاد السيد المسيح فى هذه الحالة مثلا (أقول: مثلا)؟ الواقع أنه من غير الممكن فى هذه الحالة الاستمرار فى القول بأنه كان ميلادا إعجازيا، ولا يبقى أمامنا إلا أنه عليه السلام قد حُمِل به بالطريق الطبيعى الذى لا تعرف طريقًا سواه سُنَنُ الكون الصارمة التى لا تقبل الانكسار ولا التبديل من أجل عيون الأمة المترهلة إياها، أمة المسلمين يعنى. يعنى ماذا؟ يعنى أنه عليه السلام قد جاء من التقاء رجل بامرأة. أليس هذا ما تقتضيه قوانين الكون التى لا تقبل الانكسار ولا التبديل؟ سَمِّعُونا إذن صلاة النبى، ولا تجلسوا هكذا صامتين كأن على رؤوسكم الطير! فمن المعروف أن السيدة مريم لم تتزوج يوسف النجار، على الأقل لم تتزوجه قبل أن تنجب عيسى عليه السلام، فماذا يعنى هذا أيضا لو جرينا على مذهب سيد القمنى الذى يحتفى المدعوّ: "زكريا بطرس" به وبكتاباته، ونشر له فى موقعه الكتاب الذى نحن بصدده بمقدمته هذه التى اقتبسنا منها السطور الحاليّة؟ أترك الجواب للقراء الكرام، فهو لا يحتاج إلى كبير ذكاء! هذا، ولن نتكلم عن معجزات عيسى التى ستسقط فى الحال من تلقاء نفسها طبقا لمذهب سيد القمنى الذى ينكر المعجزات، كما لن نتكلم عن ألوهيته ولا عن نصف ألوهيتة (بما يذكرنى بقولهم: " نصف لبّة"، و"نصف كمّ" وأغنية نانسى عجرم: "نُصّ نُصّ")، فهو أمر لا يدخل عقل عاقل، وكان المظنون أن مثل هذا الاعتقاد قد ذهب فى التاريخ الأول مع العصر الحجرى، لكن ما زال هناك للأسف ناس يعتقدونه، وهو ما لا اعتراض لنا عليه، فكل إنسانٍ وكل جماعةٍ أحرارٌ فيما يعتقدون حتى لو عبدوا عِجْلاً أو جعرانًا كما كان بعض أجدادنا الأقدمين يفعلون أيام وثنيتهم، لكن الطامّة الثقيلة أن أصحابه قد جُنّوا وتفككت صواميل أمخاخهم إلى الحد الذى يرسلون فيه إلينا فى المشباك رسائل تشتم ديننا ونبينا وتدعونا فى غباء وجلافة إلى الدخول فى دين الصليب والتخلى عن دين التوحيد، مؤكدين فى حمقٍ منقطع النظير أن هذا العصر هو عصر النصرانية، وأن أمريكا والدول الغربية لن تترك الإسلام تقوم له قائمة بعد اليوم، وأنه لا خلاص لنا إلا بالإيمان بألوهية المسيح... إلى آخر هذا الخبل العقيدى!
    لقد فات الأغبياءَ من عينة زكريا بطرس وأمثاله أن الإسلام هو الدين الوحيد الذى يشهد كتابه لمريم عليها السلام بالعفة، فهل من العقل أن يأتى إنسان إلى الشاهد الوحيد الذى يملكه فيسبّه ويتطاول ويتسافه عليه ويكذِّبه ويفترى ضدَّه الأكاذيب؟ إن ذلك لهو الجنون بعينه! ومعروف ما يقوله، عن عيسى وأمه عليهما السلام، اليهود الذين يتعاون معهم الأوغاد ضدنا. إنه عندهم ابن سِفَاح، وكانوا يعرّضون به قائلين فى وجهه: "لسنا مولودين من زِنًى" (يوحنا/ 8/ 42). وبطبيعة الحال لا يمكن إبطال مثل هذه التهمة بأدلة قانونية، إذ المعروف أن المرأة لا تحمل ولا تلد إلا إذا اتصلت برجل: عن طريق الزواج أو من خلال علاقة غير شرعية. ولم تكن مريم، كما سبق القول، قد تزوَّجَتْ بعد، فلم يبق أمام الناس إلا الباب الثانى، اللهم إلا إذا ثبت بدليل غير عادى أنها لم تَزْنِ، وأين هذا الدليل إلا فى القرآن الكريم؟ لقد ذكر المولى فى كتابه أن جبريل عليه السلام قد أتاها رسولا من الله ونفخ فى جيبها فحملتْ بعيسى. لكن أحدا لم يَرَ جبريلَ وهو يفعل ذلك، فلم يبق إذن إلا تبرئة القرآن الكريم لها، فضلا عما حكاه عن كلام عيسى فى المهد دليلا على عفتها، وهو أيضا دليل إعجازى ينبغى نبذه كى نرضى السيد القمنى وزكريا بطرس! والغريب أن هذا الدليل الذى يقول به القرآن لتبرئة مريم غير موجود فى الأناجيل الموجودة فى أيدى النصارى! فما معنى هذا؟ معناه أن الحمقى المغفلين من عينة زكريا بطرس يتركون الدنيا كلها ويتفرغون للتطاول والتباذُؤ والتسافُه وإقلال الأدب والحياء على المسلمين، الذين يمثلون المخرج الوحيد لهم من ورطتهم! وهذا دليل على الخبال الذى هم فيه، وهو أمر طبيعى جدا، إذ ما الذى ننتظره لمثل هؤلاء الأباليس؟ أننتظر أن يوفقهم الله جزاء كفرهم وبغيهم على رسوله والكتاب الذى أنزله عليه نورًا للعيون وهُدًى للقلوب؟
    ولم يكن اليهود هم الوحيدين الذين ينسبون عيسى عليه السلام إلى أب من البشر، بل كان الناس جميعا يقولون إن أباه هو يوسف النجار. لا أقول ذلك من عندى، بل تذكره أناجيلهم التى نقول نحن إنها محرفة فيكذّبوننا عنادا وسفاهة! لقد كتب يوحنا فى إنجيله (1/ 5) أن الناس كانت تسميه: "ابن يوسف"، وهو نفس ما قاله متى (1/ 55) ولوقا (3/ 23، و4/ 22)، وكان عيسى عليه السلام يسمع ذلك منهم فلا ينكره عليهم. بل إن لوقا نفسه (2/ 27، 33، 41، 42) قال عن مريم ويوسف بعظمة لسانه مرارًا إنهما "أبواه". كذلك قالت مريم لابنها عن يوسف هذا إنه أبوه (لوقا/ 2/ 48). ليس ذلك فحسب، بل إن الفقرات الست عشرة الأولى من أول فصل من أول إنجيل من الأناجيل المعتبرة عندهم، وهو إنجيل متى، تسرد سلسلة نسب المسيح بادئة بآدم إلى أن تصل إلى يوسف النجار ("رجل مريم" كما وصفه مؤلف هذا الإنجيل) ثم تتوقف عنده. فما معنى هذا للمرة التى لا أدرى كم؟ لقد توقعتُ، عندما قرأت الإنجيل لأول مرة فى حياتى، أن تنتهى السلسلة بمريم لا بيوسف على أساس أن عيسى ليس لـه أب من البشر، إلا أن الإنجيل خيَّب ظنى تخييبا شديدا، فعرفت أنّ من طمس الله على بصيرته لا يفلح أبدا.
    ثم ألا يذكر كتابهم المقدس "فوق البيعة" أن داود قد رأى زوجة قائده العسكرى أوريّا وهى تستحم عارية فى فناء بيتها المجاور لقصره حين صعد ذات يوم إلى سطح هذا القصر؟ وإن كنت لا أدرى لماذا، إلا أن يكون من أولئك العَهَرة العرابيد الذين يتجسسون على نساء الجيران، وبالذات اللاتى ليس فى بيوتهن حمّامات فيُضْطَرَرْن إلى الاستحمام عاريات فى فناء البيت "على عينك يا تاجر" ، وكأننا فى فلم من أفلام الإستربتيز! ومن يدرى؟ فربما كان معه منظارٌ مقرِّب حتى تتمّ المتعة على أصولها! المهم أنها وقعت فى عينه وقلبه كما لا أحتاج أن أقول، فأرسل فأحضرها وزنى بها (بارك الله فيه!)، ثم لم يكتف بهذا العمل الإجرامى الذى يليق تماما بجدّ الرب الذى يعبده هؤلاء المتاعيس المناحيس، بل كلف رجاله فى ميدان المعركة أن يخلّصوه من الزوج المسكين بوضعه على خط التَّماسّ مع العدو فى قلب المعمعة، ونجحت مؤامرته الخسيسة وقَتَل العدوُّ أوريّا، فألحق داود زوجته بحريمه بعد أن مرت أيام المناحة والحداد طبعا (سفر الملوك الثانى/ 16 كله). انظروا إلى حرصه الجميل على التقاليد! والله فيه الخير! وبَتْشاَبَع هذه بالمناسبة هى أم سليمان النبى الملك! أَنْعِمْ وأَكْرِمْ بهذا النسب الملكى النبوى الإلهى الشريف! أى أن نسب المسيح، حسبما يقول كِتَابهم هم، هو نسبٌ عريقٌ فى الفُحْش والإجرام، وهو ما يناسب الطريقة التى لا يمكن تفسير حمله ولا ولادته بغيرها إذا ما نبذنا عقيدة المعجزات التى تتشبث بها الأمة المترهلة التى هى أمة الإسلام كما يريد منا سيد القمنى أن نفعل. أما نحن فننزّهه، عليه السلام، عن ذلك تمام التنزيه لأن أنبياء الله لا يكونون إلا من ذؤابات قومهم شرفًا وفضلاً ونبلاً. ولعل هذا هو السبب فى أن السيد المسيح، كما جاء فى "متى" (22 / 45)، قد نفى أن يكون من ذرية داود! والله معه حق، فإن مثل هذا النسب لا يشرّف أحدا، وإن كنا نحن المسلمين لا نصدّق حرفا من هذه الحكايات وأمثالها مما سطرته أيدى اليهود الفَسَقة الفَجَرة لتشويه كل قيمة نبيلة وشريفة فى الحياة!
    وهذا كله، ولم نبرح مقدمة كتاب سيد القمنى، أما ما جاء بالداخل فلا يمت للقضية التى تهمنا هنا، وهو على كل حال لا يختلف فى شىء ذى بال عما قاله خليل عبد الكريم فى الكتب التى تحمل اسمه والتى أبديت شكى الشديد فى أن يكون هو مؤلفها. ومن الواضح أنه هو والقمنى ينزعان عن قوس واحدة، ولهذا نراهما يتقارضان الثناء ويصف كلاهما الآخر بأنه كذا وكذا فى عالم البحث والتأليف مما أفضتُ فيه القول فى كتابى عن عبد الكريم: "اليسار الإسلامى وتطاولاته المفضوحة على الله والرسول والصحابة"، وهو الكتاب الذى بينت فيه بالأدلة الموثقة تهافت الكلام المنسوب لعبد الكريم فى الكتب التى تحمل اسمه وسخفه وزيفه وبطلانه، وأحيل القارئ عليه إذا أراد أن يعرف وزن ما يقوله القمنى فى كتابه الذى نحن بصدده. ثم شفعت كتابى هذا بكتاب آخر عنوانه: "لكن محمدا لا بواكى له" خصَّصْتُه للرد على قلة الأدب والعربجة التى يعج بها كتاب "فترة التكوين فى حياة الصادق الأمين"، الذى يحمل اسم عبد الكريم أيضا، وأكدت فيه أننى لا تصور أبدا أن يكون عبد الكريم هو مؤلفه.
    وقد وصل الكتابان إلى يد خليل عبد الكريم، وإذا بى أتسلم، وأنا خارج أرض الوطن منذ ثلاثة أعوام تقريبا، رسالة من أحد معارفى تتضمن صورة لمقال كتبه خليل عبد الكريم عنى وعن كتابى: "اليسار الإسلامى وتطاولاته المفضوحة على الله والرسول والصحابة" ونشره فى مجلة "أدب ونقد" فى عدد أكتوبر2001م (ص41- 43). والشاهد فى القصة أن عبد الكريم لم يحاول أن يرد على أى شىء مما بينتُ سخف منطقه وتدليسه فيه (أو بالأحرى: منطق الذين كتبوا له الكلام وتدليسهم)، وهو كثير كثرة فادحة، بل اكتفى بالثناء علىّ والقول بأنى... وأنى... مما سيطالعه القارئ الآن. وقد تعمدت أن أضع المقال كاملا بين يدى القارئ كى يعرف أن أمثال عبد الكريم لا يملكون شيئا من الحجة، وإلا لردّ على انتقاداتى له وتفنيداتى العنيفة لما جاء فى الكتب التى تحمل اسمه. بل بالعكس أَقَرَّ بأننى قد نجحت فى فهم مرامى كلامه ووضعت يدى على ما يريد أن يقوله مما لم يحن الوقت بعد للتصريح به، وهو إقرار غريب لأن أمثال عبد الكريم دائما ما يدّعون أنهم أفهم للإسلام ممن يغارون على الدين وأحرص على الدعوة إليه وانتشاره. كما أود أن ألفت القارئ إلى التدليس الذى لجأ إليه هنا أيضا والمتمثل فى تلاعبه بعنوان كتابى، إذ سماه: "اليسار الإسلامى وتطوراته.." (هكذا بالحرف والنقطة)، بدلا من "اليسار الإسلامى وتطاولاته المفضوحة على الله والرسول والصحابة" كى يضلل القارئ عن العنوان الحقيقى الذى يفضحه ويفضح مراميه ومرامى من يشجعونه على هلاكه. وهذا هو نص المقال، وعنوانه: "فى كتاب إبراهيم عوض: اليسار الإسلامى وتطوراته..":
    "سلك أ. د. إبراهيم عوض سلوكًا حضاريًّا بالغ الروعة والسموّ يليق به كأكاديمى وأستاذ جامعى بخلاف من عداه من "الإسلامويين". أصدر، مشكورًا، كتابًا يقرب من ثلاثمائة صفحة قدَّم فيه عرضًا نقديًّا لمؤلفاتى: "لتطبيق الشريعة لا للحكم"، "الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية"، "قبيلة قريش من القبيلة إلى الدولة المركزية"، "الأسس الفكرية لليسار الإسلامى"، "مجتمع يثرب: العلاقة بين الرجل والمرأة فى العهدين المحمدى والخليفى"، "شدو الربابة بأحوال مجتمع الصحابة". ويتضاعف امتنانى له لو تفضل بآخر يتناول باقيها: "الإسلام والدولة الدينية والدولة المدنية" و"العرب والمرأة" و"بصائر فى عام الوفود وفى أخباره" و"فترة التكوين فى حياة الصادق الأمين".
    ووجه الرقىّ فى منحى الأستاذ الفاضل والذى فهمتُه بعد قراءة كتابه يتمثل فى عدة أمور أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: 1- أنه لم يجنح إلى التكفير كبعضهم، ولم يعمد إلى الرمى بالردة، ولم يسارع إلى الاتهام بالخروج عن الملة، ولم يُفْتِ باستحلال الدم، ولم يحرّش على القتل، بل على العكس يدين هذه الاتجاهات. 2- وبالتالى فهو يؤكد أن الإيمان علاقة شديدة الخصوصية بين العبد والرب، وأن الله جل شأنه هو وحده الذى يحاسب عليه. 3- لم يستنفر فخامة رئيس الجمهورية (كما فعل أحدهم، ومن أعجب الأمور أن البعض حتى هذه اللحظة يعدّه مفكرا مستنيرا) ولا غيره من المسؤولين ولا حرّض أحدا منهم ضدى. 4- لا يقر اللجوء إلى القضاء، إذ يرى أن السلوك الأمثل هو الرد والتفنيد والتعقيب، ومبدؤه: "كتاب مقابل كتاب"، وهو ما حدث إبان الحضارة الإسلامية الزاهرة. وهو ذاته حقق ذلك فى هذا الكتاب الذى نقد فيه طائفة من كتبى، وأنتظر منه الآخر لتغطيةِ (أو بمعنى أدق: لنَقْدِ) باقيها، وله المنة. كما أصدر تعقيبا على كتاب د. محمود على مراد عن السيرة النبوية عنوانه: "إبطال القنبلة النووية" وغيره. 5- لم يقرأ قراءة سطحية كما يفعل البعض (هذا إذا قرأ ولم يسمع كلمة من هنا وجملة من هناك ثم يدبج مقالة)، بل تعمق فى المطالعة، ومن ثم فطن إلى ما هو مخبوء بين السطور وما جاء، تحت ضغط الظروف، تلميحا لأن الوقت لم يحن بعد، وربما لعقود قادمة، للتصريح به، وما ألغزتُ فيه ففَقِهَ ما رميتُ إليه. 6- امتلك قدرًا مُفَرْسَخًا من الفراسة جعله يدرك أن المستجِدّات المتلاحقة والمستحدثات المتوالية والتغييرات المتعاقبة قضت باستحالة استمرارية الأسلوب التفخيمى التبجيلى عند الكتابة عن الصحابة مثلما فعل العقاد وهيكل وخالد محمد خالد...إلخ أو عن غيره من المواضيع، وأنه من الحتم اللازم ظهور الأسلوب الموضوعى النقدى المتوازن مثل الذى ألزمْنا أنفسنا به، وأن من الخطإ المنهجى الفادح قَمْعَ هذا المنزع لأن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء عبث وتضييع وقت. 7- دَلَّ كتابُه الناقد أو نقدُه المكتوب على صبره وتأنِّيه، فهو لم يتسرع أو يهرول بل نقَّب وحَفَر ونقَّر، وبذا قدّم دليل الثبوت على أن مؤلفاتنا (وهذا من فضل الله علينا) شديدة التوثيق. بل إن هناك من وصفها بالمبالغة فى هذا المضمار. ولعل هذا يفسر إحجام كل من كتب عنها حتى من الهيئات العلمية عن التصدى لنقدها نقدا موضوعيا كما فعل الدكتور إبراهيم عوض. أكتفى بهذه النقاط حتى لا يطول المقال.
    أما تعدِّيه على شخصى الضعيف فى كل صفحة تقريبا فلم يؤذنى لأننى أتأسَّى بالحبيب المصطفى عليه وآله أزكى السلام، فقد خرجتُ من طول معايشتى لسيرته العطرة أنه ما غضب لنفسه قط. إنما آلمنى أنه جرَّح بسببى أخى وصديقى د. سيد محمود القمنى، ونال من الزميلتين الفاضلتين الأستاذتين فريدة وأمينة النقاش، وكنتُ آمل ألا أغدو طريقا لإيلامهم. مسألتان أَسْتَمِيحه عذرا كيما أعلِّق عليهما: الأولى- سألت الله تبارك وتعالى له أن يريح صدره مما حاك فيه بأن يوفق أحد الدارسين فى حياته لا من بعده ويثبت له أن مؤلفاتى ليست من عملى، ولكنها من تصنيف طائفة من المستشرقين (ص260)، لأنه يؤذينى كثيرا أن يظلّ هذا الخاطر يَسُوط فى صدره (فى "أساس البلاغة" للزمخشرى: سَاطَ الهريسة، وساط الأَقِط: خَلَطَه). الأخرى- أفزعنى عندما شكك فى مصريتى ونسبنى إلى الجزيرة إياها البالغة القداسة الشديدة البركة، فأنا لا يسرنى يا دكتور أن يكون عندى "حُمْر النَّعَم" كما يقول أصحابك الميامين فى أمثالهم البليغة ولغتهم الفصيحة وأن تُنْزَع عنى مصريتى! أتعرف لماذا؟ لأن مصر وحدها دون غيرها هى التى علَّمت الدنيا بأسرها أمرين: الضمير والحضارة. ختاما أ. د. إبراهيم عوض، شكرا".
    وإذا كان لى أن أُعَقِّب على هذا الكلام فهو أننى كنت قد اتهمته بالتسرع والالتواء فى قراءة النصوص والجهل بنصوص أخرى على قدر كبير من الأهمية أو التجاهل لها، فضلا عن العجز عن استخلاص النتائج الصحيحة مما يقرأ، إلى جانب تدليسه فى الاستشهاد بالنصوص هو وسيد القمنى، الذى نقل عن د. جواد على من كتابه "المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام" نصًّا طويلاً فأسقط بضعة عشر سطرا منه عامدا متعمدا دون أن يترك مكانها نقاطا كى يعرف القارئ أن هاهنا كلاما محذوفا (بغض النظر الآن عن أن هذا المحذوف لا يصح حذفه البتة لأنه يفسد المعنى ويقلبه رأسا على عقب)، ثم زاد على ذلك فلَحَمَ الكلامين بطريقة خبيثة لا يتنبه معها القارئ إلى عملية التلاعب الدنيئة التى تمت بلَيْل! والنص المذكور خاص بالكلام عن أمية بن أبى الصلت، وهل استعان بالقرآن فى نظم الأشعار المنسوبة إليه والتى تشبه آى الذكر الحكيم؟ أم هل النبى هو الذى استعان بشعر الرجل؟ أم ترى الأمر كله لا يخرج عن استقاء الاثنين من مصدر مشترك؟ وقد انتهى جواد على إلى أن أشعار أمية ذات الصبغة القرآنية الواضحة منحولة عليه بعد الإسلام، ومن ثم فلا تشابه بين شعره وبين كتاب الله على الإطلاق مما لا يعود معه مجال للحديث عن أثر شعره فى القرآن المجيد. لكن تدليس سيد القمنى يقلب القضية رأسا على عقب، إذ يُظْهِر جواد على فى صورة المشايع لما يردده ملاحدة عصرنا من أن الرسول قد استعان بشعر أمية، وهو عكس ما انتهى إليه الرجل فى كتابه. ويمكن القارئ الرجوع إلى دراسة مطولة لى فى هذا الموضوع منشورة فى بعض المواقع المشباكية عنوانها: "القرآن وأُمَيّة بن أبى الصلت: أيهما أخذ من الآخر؟"، بيَّنْتُ فيها بالدليل الصارم القائم على وقائع التاريخ وتحليل النصوص واستشفاف الجو النفسى والاجتماعى فى ذلك العصر أن من المستحيل القول باقتباس القرآن من شعر أمية، وإلا لكان قد فضح النبىَّ عليه السلام هو ومن يشايعه على موقفه من مشركين ويهود، وبخاصة قومُه بنو ثقيف الذين دخلوا جميعا الإسلام ولم نسمع من أى منهم ولا حتى من أقرب المقربين إليه كأخته أو أبنائه أن هناك تشابها (مجرد تشابه!) بين شعره وبين القرآن الكريم، وأنه إذا كان لا بد أن نقول بالتشابه بين شعره وبين كتاب الله فلا بد أن يكون هو المقتبس من القرآن لا العكس. لكن القمنى قد تلاعب بالنص الذى نقله من كتاب "المفصَّل فى تاريخ العرب قبل الإسلام" بحيث يبدو وكأن جواد على يقول بتأثر القرآن بشعر الشاعر الثقفى كما ذكرنا، وهو ما يجده القارئ مفصَّلاً فى كتابى: "اليسار الإسلامى وتطاولاته المفضوحة على الله والرسول والصحابة" (مكتبة زهراء الشرق/1420هــ- 2000م/ 72وما بعدها).
    وهذا التدليس، بالمناسبة، قد تم فى كتاب القمنى الذى بين أيدينا، وها هو ذا النص المدلَّس أضعه بين يدى القارئ: "وفي أكثر ما نسب إلى هذا الشاعر من أراء ومعتقدات ووصف ليوم القيامة والجنة والنار؛ تشابه كبير وتطابق في الرأي جملة وتفصيلاً، لما ورد عنها في القرآن الكريم، بل نجد في شعر أمية استخداما لألفاظ وتراكيب واردة في كتاب الله والحديث النبوي قبل المبعث، فلا يمكن بالطبع أن يكون أمية قد اقتبس من القرآن؛ لم يكن منزلاً يومئذ، وأما بعد السنة التاسعة الهجرية؛ فلا يمكن أن يكون قد اقتبس منه أيضاً؛ لأنه لم يكن حيّا؛ فلم يشهد بقية الوحى ، ولن يكون هذا الفرض مقبولاً في هذه الحال. ثم إن أحداً من الرواة لم يذكر أن أمية ينتحل معاني القرآن وينسبها لنفسه، ولو كان قد فعل لما سكت المسلمون عن ذلك، ولكان الرسول أول الفاضحين له". ولكى يتبين القارئ مدى التدليس هأنذا أسوق له النص المتلاعَب به على وضعه الأصلى قبل أن يتم العبث فيه: "نجد في شعر أمية استخداما لألفاظٍ وتراكيبَ واردةٍ في كتاب الله والحديث النبوي، فكيف وقع ذلك؟... هل حدث ذلك على سبيل الاتفاق أو أن أمية أخذ مادته من القرآن الكريم أو كان العكس...؟ أو أن هذا التشابه مردّه شىء آخر هو تشابه الدعوتين واتفاقهما فى العقيدة والرأى واعتماد الاثنين على مورد أقدم هو الكتابان المقدسان: التوراة والإنجيل وما لهما من شروح وتفاسير أو كتب أو موارد عربية قديمة كانت مدونة ثم بادت... أو أن كل شىء من هذا الذى نذكره ونفترضه افتراضا لم يقع وأن ما وقع ونشاهده سببه أن هذا الشعر وُضِع على لسان أمية فى الإسلام وأن واضعيه حاكَوْا فى ذلك ما جاء فى القرآن الكريم...؟ أما الاحتمال الأول، وهو فَرْض أَخْذ أمية من القرآن، فهو احتمال إن قلنا بجوازه ووقوعه وجب أن نحصره فى مدة معينة وفى فترة محددة تبتدئ بمبعث الرسول وتنتهى فى السنة التاسعة من الهجرة، وهى سنة وفاة أمية بن أبى الصلت. أما قبل المبعث فلا يمكن بالطبع أن يكون أمية قد اقتبس من القرآن"... إلى آخر ما قاله جواد على وقطع به الطريق على أى بكّاش يريد أن يشكك فى الرسول والقرآن. ومع ذلك كله فكما يرى القارئ لم يحاول خليل عبد الكريم أن يرد على كلمة واحدة من هذه الاتهامات الموثقة كلها بالبراهين والشواهد. والعجيب أن كتابى الذى فضح التدليس القمناوى قد صدر منذ أكثر من خمس سنوات، بيد أن سيد القمنى لا يزال مصرًّا على أن يبقى التدليس كما هو، إذ لم يقم بتصحيح النقل الذى أخذه من الدكتور جواد على وعبثت أصابعه فيه، فعلام يدل هذا؟ وبالمثل نجد فى بحث الأستاذ منصور أبو شافعى عن "سيد القمنى ومَرْكَسَة الإسلام" أمثلة أخرى على هذا التدليس الذى يرتكبه صاحبنا فيما يسوق من اقتباسات لتعضيد آرائه بالباطل. كذلك لا أظن القارئ إلا تنبَّه إلى ما قاله خليل عبد الكريم عن نياته ومراميه التى صرّح بكل وضوح أننى قد تنبهت لها وأنه لم يئن الأوان بعد للكشف التام عنها. ومع هذا لا نعدم بين صبيان الإلحاد الصغار من ينبرى ويهاجمنا بحجة أننا لم نقرأ كما ينبغى ما يقوله أساتذتهم!
    أما قول خليل عبد الكريم إننى قد تعديت على شخصه الضعيف...إلخ فكم كان بودى أن يقول للقراء ما صدر عنه فى حق النبى والصحابة والقرآن والإسلام والمسلمين والعلماء والفقهاء كله من غمز ولمز وتهكم واتهامات أقل ما توصف به أنها سافلة. ولكنْ للأسف هذا دَيْدَن خليل عبد الكريم وأمثاله: إنهم يشتمون ويتطاولون ويتهمون الآخرين بالغباء ويتصورون أنهم يفهمون (وهذه هى المصيبة الكبرى)، فإذا ما رددتَ عليهم بالمثل وألقمتهم بحُجَجِك أحجارا فى أفواههم تصايحوا وتباكَوْا وقالوا إنك تشتمنا، ثم هم مع ذلك كله لا يردون على حججك بشىء. وهو بالضبط ما يفعله هذه الأيام الدكتور أحمد صبحى منصور، إذ يسلِّط (هو ومن أجَّروه للهجوم على السنة النبوية بغية القضاء على الإسلام كله خطوةً خطوةً، بدعوى الغيرة على القرآن الكريم ونقائه) بعضَ اليرابيع للقيام بالشَّوْشَرة والسِّباب الذى لا يرتفع إلى مواطئ الأقدام مما لا يأبه به أحد، لكنه لا يحاول أبدا أن يجيب على الحجة بمثلها رغم ما تحدّاه به بعض القراء فى "عرب تايمز" وفى "شباب مصر" أن يرد على ما وُجِّه له من "نقد صاعق" حسب تعبير أحد الأفاضل. ولا شك أن القراء قد التفتوا إلى ما قاله خليل عبد الكريم ذاته من أننى استطعتُ أن أستشفّ مراميه وأدرك ما يهدف هو وأمثاله إليه ولا يستطيعون التصريح به الآن. أى أننى لم أظلمه ولم أسند إليه ما لم يقصده، فالحمد لله أن أنطقه بالصواب هذه المرة فلم يداور كعادته هو ومن يشاركونه طريقه الملتوى
    كل من لم يناظر أهل الإلحاد والبدع مناظرة تقطع دابرهم لم يكن أعطى الإسلام حقه ولا وفى بموجب العلم والإيمان ولا حصل بكلامه شفاء الصدور وطمأنينة النفوس ولا أفاد كلامه العلم واليقين

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Sep 2004
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    1,886
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    سيد القمني و"مركسة" الإسلام

    بقلم : منصور أبو شافعي**


    سيد القمني باحث ماركسي في التراث استطاع على مدى الخمسة عشر عاما الماضية وبأربعة عشر كتابا أن يضع مشروعه الفكري في قلب الخطاب العلماني الذي سوقه باعتباره "فتحا وكشفا كبيرا" و"اقتحاما جريئا وفذا لإنارة منطقة حرص من سبقوه على أن تظل معتمة"، بل واعتبر "بداية لثورة ثقافية تستلهم وتطور التراث العقلاني في الثقافة العربية الإسلامية ليلائم الإسلام (وليس التراث) احتياجات الثورة الاشتراكية القادمة".

    ولم يقف التسويق العلماني عند هذا الحد. ففي حين لا يتورع عن أن يرى أن القرآن (الإلهي) "يجسد نصّا تاريخيّا" لا بد من وضعه "موضع مساءلة إصلاحية نقدية"، فقد تعدى هذا الإعلام نقطة الانحياز وأغلق في وجه العقل باب مراجعة أو إمكانية نقد مشروع القمني بحجة أن محاولة نقده "نقدا موضوعيّا أمر مستحيل"!! وهو ما أراه انهيارا للعقل العلماني أمام مشروع د. القمني (الفكري - النسبي - البشري)؛ إذ القول باستحالة نقده يكاد يعني "قداسة" هذا المشروع و"تطهره من الخطأ".

    وبدا أن القمني نفسه والذي قيل عنه إنه "واحد من العلماء الصارمين الذين يعتمدون العلم لا الأساطير". يؤكد هذه القداسة ولا ينفيها حين يقول عن نفسه إنه في مشروعه الفكري عاين التراث "حيّا بلحمه وشحمه ودمه" وقدمه "كما كان حقّا".

    وعلى كل فقد مارس القمني حقه الكامل في السؤال وفي البحث وفي الإجابة في كتبه ومقالاته التي يحوم بعضها حول المناطق الحساسة في التاريخ والعقيدة. وبعضها الآخر يقتحم -بلا حذر وأحيانا بتهور- هذه المناطق تحت ضغط أيديولوجي فاقع اضطره -في أغلب كتاباته- إلى التضحية بالمعلوم بالضرورة في كتب مناهج البحث العلمي عن "نقد الأصول". وإلى اعتماد "الأساطير" سواء التراثية أو حتى الاستشراقية بحجة -كما قال وأكد- أن "مهمتنا (مهمته) أبدا ليست تدقيق معلومة يعطيها لنا علماء"، وأن "المعلومات سواء كانت خطأ أم صوابا فهي ذلك المعطى الجاهز لنا من أهل التاريخ".

    ولأن ذلك كذلك. فسأحاول -وبإيجاز شديد- إلقاء بعض الضوء على المشروع الفكري للدكتور القمني*. وكيف أعاد إنتاج الإسلام ماركسيّا "ليلائم احتياجات الثورة الاشتراكية"؟.

    مشروع مادي

    وللأهمية القصوى نبدأ بإثبات تعريف القمني لنفسه بقوله: "أنا مادي". ومن المهم كذلك إثبات حقيقة أن الفارق الجوهري (الفلسفي) بين الموقف "المثالي" والموقف "المادي" في "ألف - باء" ماركسية، يتلخص في أن:

    الأول يقول بـ"أولية الله على المادة في الوجود"، وبالتالي فهو يؤمن بوجود إله خالق للكون وللطبيعة وللإنسان، وبأن العلاقة بين الله (الخالق) والإنسان (المخلوق) يمكن أن تكون في شكل رسالة (وحي) ورسول (نبي - بشري).

    وأما الثاني فيقول بـ"أولية المادة على الله في الوجود"؛ وبالتالي فهو حسب "المادية الديالكتيكية" لا يؤمن بوجود موضوعي حقيقي لله. ومن ثَم -وهذا طبيعي- لا يذهب إلى إمكانية وجود علاقة (سواء في شكل دين أو وحي) بين إله (غير موجود عنده أصلا) وبين إنسان هو الخالق الفعلي لله. وحسب "المادية التاريخية" فـ"المادي" لا بد أن يبحث في التاريخ الاقتصادي والاجتماعي للإنسان عن وجود وتطور فكرة الله والدين.




    وهذا ما حاول القمني الالتزام به في مشروعه الفكري الذي رفض فيه ما أسماه بـ"الرؤى الأصولية" التي تقول بأن الإسلام "مفارق سماوي"؛ لتناقض هذا القول "الأصولي" أو "المثالي" مع "مادية" القمني التي تقول بـ"أنه لا شيء إطلاقا يبدأ من فضاء دون قواعد مؤسسات ماضوية يقوم عليها ويتجادل معها، بل ويفرز منها حتى لو كان دينا". والذي حاول فيه (ومن خلال دراسته للأديان عموما وللإسلام خصوصا) إثبات أن "فكرة التوحيد" هي الأخرى لا تأتي من فراغ، ولا تقفز فجأة دون بنية تحتية تسمح بها؛ لأن هذا القفز الفجائي يخالف منطق التطور وشروطه المجتمعية والاقتصادية والسياسية"، حسبما تعلم "في فلسفة التاريخ وقوانين الحراك الاجتماعي".

    تفسير ماركسي

    ولاعتقاد القمني (الماركسي - المادي) أن الإسلام مجرد "إفراز" أفرزته "القواعد الماضوية" (الجاهلية). ولأنه -حسب الرؤية المادية- لا يمكن تفسير الظهور التاريخي للإسلام (كبناء فوقي) وفقا لوعي الإسلام المثبت في قرآنه، بل ينبغي تفسيره بتناقضات الحياة المادية (كبناء تحتي)؛ لذلك فقد رجع القمني في دراساته عشرات الأعوام في عمق الحقبة الجاهلية؛ لينقب في وقائعها عن جذور "جاهلية" لمثلث (الرسول - الرسالة - الدولة).

    ولكن ليقين القمني أن اللحظة التطورية (الاقتصادية - الاجتماعية) في الزمن الجاهلي لحظة بدائية أو بدوية لن تسعفه وقائعها في "جهلنة" المثلث الإسلامي، خصوصا أن هذه الوقائع -في رأيه- قد تم "أسطرتها" بزيادة هائلة ومكثفة "عند تدوين التراث الإسلامي في سجلات الإخباريين"، فلم يبدأ القمني دراسته للقواعد الماضوية بنقد الوقائع المدونة في سجلات الإخباريين لتخليصها من النسبة الأسطورية "الهائلة والمكثفة" في معلوماتها. وإنما -وعن قصد- تخلى عن عقله النقدي، وتجنب الوقائع العقلانية في السجلات التراثية. وذلك ليوسع رقعة "الأسطرة" كضرورة أيديولوجية وليست علمية تمكنه من تفكيك المثلث الإسلامي وإعادة ترتيبه ليكون الإسلام (الرسالة) مجرد "إفراز" أرضي وليس وحيا سماويّا.

    تحت ضغط هذه الغاية اعتمد الدكتور ما أسماه بـ"المعطى الجاهز له من أهل التاريخ" عن الصراع الهاشمي الأموي قبل البعثة الإسلامية. ورغم أن سبب هذا الصراع كما سجله الطبري (مرجع القمني) أن هاشم بن عبد مناف أطعم قومه الثريد "فحسده أمية بن عبد شمس بن عبد مناف -وكان ذا مال- فتكلف أن يصنع صنيع (عمه) هاشم، فعجز عنه، فشمت به ناس من قريش، فغضب (أمية) ونال من هاشم". ورغم أن أغلب الكتب التراثية التي روت واقعة الصراع قدمت معلومات تشكك في حقيقته، منها أن "هاشم توأم عبد شمس"، و"كان لهاشم يوم مات خمس وعشرون سنة". أي وكان لعبد شمس يوم مات "توأمه" خمس وعشرون سنة. وهي معلومة -كما نرى- تثير تساؤل: كم كان سن أمية يوم مات عمه أخو أبيه وتوأمه؟ (خمس سنوات أو حتى عشرة). بل ورغم أن ابن إسحاق وابن هشام وابن سيد الناس وابن كثير سكتوا عن مجرد الإشارة إلى هذا الصراع في مؤلفاتهم التي تصنف ككتب "أصول". فقد تجاهل القمني كل ما سبق حتى لا يشك في تاريخية هذا الصراع الذي انتقاه ليكون "القاعدة الماضوية" والمحرك للمجتمع المكي على جسر "الدين" نحو "الدولة".

    أيديولوجيا تأسيس الإسلام!

    وبدون دخول في تفاصيل كثيرة. أو تعليق على عشرات الأخطاء "الطلابية" التي امتلأت بها معالجة القمني لمراحل وتطور هذا الصراع؛ فالذي يجب رصده أن "الحزب الهاشمي" في بدايات تأسيسه لم يكن فاعلا بشكل جذري؛ لأنه -في أهدافه (سواء في زمن قيادة هاشم أو في زمن قيادة شقيقه المطلب)- كان ملتزما بخط "قصي" (الجد). ويكاد يدور في دائرته؛ لذلك كان الصراع يحل سلميّا "حرصا على المصالح التجارية وما سبق أن حققه عمه "المطلب" الذي "رحل تاركا له استكمال المهمة الجليلة". فقد نقل الصراع مع أبناء عمومته (الحزب الأموي) من المناوشات المحدودة إلى المواجهة الشاملة. وبتعبير القمني "من التكتيك إلى الأيديولوجيا".

    ولأن عبد المطلب -كما يقول القمني- تربى في يثرب "حيث كان كل التاريخ الديني يتواتر هناك في مقدسات اليهود"، وحيث كانت حكايات اليهود "عن مغامرات أنبيائهم القدامى، وعن دولتهم الغابرة التي أنشأها النبي داود". فقد أتى من يثرب إلى مكة بالمشروع الإسرائيلي (اليهودي) بمثلثه (العرقي - الديني - السياسي) ليهتدي به في "مهمته الجليلة" بـ"وضع أيديولوجيا متكاملة لتحقيق أهداف حزبه الهاشمي".

    أولا: أرجع النسب العربي من نسب أسلاف القبائل المتفرقة إلى التوحد في "سلسلة النسب الإسرائيلية". وأعلن "أن العرب جميعا وقريشا خصوصا يعودون بجذورهم إلى نسب واحد، فهم برغم تحزبهم وتفرقهم أبناء لإسماعيل بن إبراهيم".

    ثانيا: بعد "قراءة" للواقع العربي المتشرذم تمكن عبد المطلب من "تحديد الداء (المكي - العربي) ووصف الدواء. والداء فرقة قبلية عشائرية. والأسباب تعدد الأرباب وتماثيل الشفعاء.

    "ومن هنا انطلق عبد المطلب يضع أسس فهم جديد للاعتقاد" و"انطلق يؤسس دينا جديدا يجمع القلوب عند إله واحد".




    ثالثا: وبإزالته أسباب "الفرقة القبلية" لم يكتف عبد المطلب -في رأي القمني- بتبشير قومه بـ"إمكان قيام وحدة سياسية بين عرب الجزيرة تكون نواتها ومركزها مكة تحديدا". لكنه عمل أيضا على ملء المساحة الفاصلة بين نقطة الوسيلة (الدين) ونقطة الغاية (الدولة) بحركة جماهيرية تكون بمثابة الجناح الديني للحزب الهاشمي. وهو ما حدث فعلا في رأي القمني "فقد آتت مخططات عبد المطلب ثمارها واتبعه كثيرون" كوّنوا حركة الحنفاء "حتى شكلوا تيارا قويّا، خاصة قبل ظهور الإسلام بفترة وجيزة". وكان عبد المطلب هو "أستاذ الحنيفية الأول" و"الرجل الأول" في هذا التيار.

    رابعا: ولأن المشروع الإسرائيلي هو المرجع، ودولته "التي أنشأها النبي والملك داود" هي النموذج، ولأن عبد المطلب التزم في "استكماله للمهمة" وفي "وضعه للأيديولوجيا" الهاشمية بخطوط التجربة الإسرائيلية. فقد انتهى إلى "أنه لا حل سوى أن يكون منشئ الدولة (العربية) المرتقبة نبيّا مثل داود".

    خامسا: بالوصول إلى حل "النبي الملك" أو "الملك النبي" كحل سبق تجريبه، وحقق توحيد "أسباط" اليهود في "دولتهم الغابرة". وليبقى أمر التنفيذ -كما في أمر التخطيط- محصورا في البيت الهاشمي. فقد ذهب د. القمني إلى أن عبد المطلب زعيم قريش وقائد الحزب الهاشمي سلّم عقله ويداه لـ"الحبر اليهودي" ليشاهد ويشهد "أن في إحدى يديه ملكا وفي الأخرى نبوة". وليرشده (بعد قراءة الكف) بحتمية زواجه من بني زهرة "لأن فيهم الملك والنبوة". وسارع عبد المطلب بالزواج -هو وابنه عبد الله- من بني زهرة في ليلة واحدة.

    بالتحول "الانقلابي" و"الثوري" للصراع الهاشمي الأموي من صراع ساذج على "إطعام قريش الثريد" -كما في الخبر التراثي- إلى صراع حضاري غير مسبوق في التاريخ. وبوضعه لـ"الأيديولوجيا" الهاشمية استطاع عبد المطلب "ذاك العبقري الفذ" أن يغير -بجذرية- ليس فقط الواقع العربي الجاهلي. وإنما أيضا كل المستقبل الإنساني بدوره "التأسيسي" للدين (الحنيفية - الإسلام) وللدولة (العربية - الإسلامية) ولنبوة حفيده محمد.

    ما بعد أخطاء المنهج

    نعم في توثيقه لدور عبد المطلب "التأسيسي" للدين "التوحيدي" قطع القمني بأن ما ذهب إليه هو نفس ما يؤكده ابن كثير بما رواه عن عبد الله بن عباس عن "ديانة أبي طالب بن عبد المطلب: هو على ملة الأشياخ. هو على ملة عبد المطلب". وبالرجوع إلى مرجع القمني ("البداية والنهاية" - جـ 3 - 170) وجدنا ابن كثير في فصل "وفاة أبي طالب" وفي تعليقه على آية (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) يروي عن عبد الله بن عباس "أنها نزلت في أبي طالب حين عرض عليه رسول الله أن يقول: لا إله إلا الله. فأبى أبو طالب أن يقولها. وقال: هو على ملة الأشياخ.. هو على ملة عبد المطلب".

    ومن سياق ما رواه ابن كثير (وأخفاه القمني بقصد) نفهم أن الحفيد (عبد الله بن عباس بن عبد المطلب) روى أن عمه (أبو طالب) رفض أن يقول "لا إله إلا لله". وتمسك (ضد هذا القول التوحيدي) بملة الأشياخ (آباء البيت - الحزب الهاشمي). وتحديدا بملة عبد المطلب التي حسب ظاهر وباطن السياق لا تقول (أي لا تؤمن) بلا إله إلا الله. ورواية الحفيد (ابن عباس) استشهد بها ابن كثير لتأكيد موقفه الذي سجله في أكثر من موضع في كتابه من أن "عبد المطلب مات على ما كان عليه من دين الجاهلية" (ج2 ص 285).

    ونضيف أن ما فعله القمني من تحريف لما رواه ابن كثير كرّر فعله مع ما نقله عن "السيرة الحلبية" (جـ1 ص73) في توثيقه لما أسماه بـ"علم عبد المطلب اليقيني بنبوة حفيده محمد" وسعيه لتحقيق هذا "اليقين" على أرض الواقع بالزواج من بني زهرة. وأيضا هذا التحريف هو ما فعله مع ما نقله عن كتاب "طوالع البعثة المحمدية" (للعقاد) في توثيقه لشرط "توحيد الأرباب" في أنه كمقدمة لازمة لـ"توحيد القبائل" في دولة، ولشرط "أن يكون منشئ الدولة المرتقبة نبيّا مثل داود".

    وكل هذه الوقائع (وهي قليل جدّا من كثير جدّا) تؤكد تدخل القمني في نصوص مراجعه "ليجبرها" (بالتحريف والتحوير) على تمكينه (كماركسي - مادي) من تخييل عبد المطلب ليس فقط كقائد لـ"الحزب الهاشمي" في صراعه (الأسطوري) مع "الحزب الأموي". إنما -أيضا والأهم- لتخييله "كمؤسس" للدين (الحنيفية - الإسلام) وللدولة (العربية - الإسلام). وكل هذا لحصر دور حفيده محمد بن عبد الله بن عبد المطلب في دائرة "التنفيذ".

    هنا نود لفت نظر القارئ إلى سكوت القمني عن تناول -أو حتى الإشارة إلى- المساحة الزمنية الفاصلة بين انتهاء التخطيط لمثلث (الدين - الرسول - الدولة) في حياة (الجد) عبد المطلب وبين بداية التنفيذ بإعلان (الحفيد) محمد نبوته. فالمعروف أن عبد المطلب مات ومحمد في الثامنة من عمره، ومحمد أعلن نبوته في سن الأربعين، أي أن المساحة الزمنية الفاصلة بين التخطيط والتنفيذ تزيد على الثلاثين سنة، وطول هذه الفترة يستنفر في عقولنا السؤال الطبيعي عن مدى فاعلية أداء "الحزب الهاشمي" أثناءها؟ وهل تلقف راية "الحزب" أحد أبناء عبد المطلب لاستكمال الكيان التنظيمي والأيديولوجي؟ أم أن عبد المطلب استكمل كل شيء؟ وهذا كان يوجب على د. القمني أن يشغل عقله بالسؤال عن الموانع التي منعت عبد المطلب من تنفيذ ما خطط له؟ أو بالسؤال عن أسباب زهد أبناء عبد المطلب في نيل شرف تنفيذ خطة "الحزب الهاشمي"؟ وهل مرور هذه الفترة الطويلة جدّا كان نتيجة فراغ قيادي؟ أم كان نتيجة تمرد أبناء عبد المطلب على "دينه" الذي "أسسه"؟ أم أنه حسب "الخطة المرسومة والمدروسة والمنظمة" كان كمونًا تكتيكيًا معلومًا ومتفقًا عليه بين قيادة وقاعدة "الحزب الهاشمي" إلى حين تهيئة الحفيد (محمد) لـ"الداودية" (النبي - الملك).

    وأستطيع القول: إن هذا هو ما حاول القمني طرحه ليس كغرض وإنما كحقيقة موثقة. فالثابت في دراسات القمني أنه كما اعتمد الجد (عبد المطلب) على التجربة الإسرائيلية (العرقية - الدينية - السياسية) في تأسيسه للدين وللدولة وفي ترويجه لنبوة حفيده. فالحفيد (محمد) في تنفيذه لـ"خطة" جده تخفف من العبء الأخلاقي. فأولا: ولتحقيق الأمان المالي تزوج "الأرملة الثرية" خديجة بنت خويلد بعد خداع والدها وتغييبه عن الوعي (بالخمر) لانتزاع موافقته التي تنكر لها بمجرد استيقاظه. ووصل الأمر بالأب إلى حد التظاهر ضد هذا الزواج في شوارع مكة. ولتأكيد هذا الخداع أشار القمني وبكل ثقة إلى نقله لهذه المعلومة عن ابن كثير.

    وبالرجوع إلى مرجع القمني وجدناها بنصها في كتاب "البداية والنهاية" جـ2 - ص 229). ولكن وجدنا أيضا (وأخفاه د. القمني بقصد) أنها رواية ضمن روايات "جمعها" ابن كثير ليرجح عليها رواية أخيرة هذا نصها "قال المؤملي: المجتمع عليه أن عم خديجة عمرو بن أسد (وليس والدها) هو الذي زوجها محمدا. وهذا -في رأي ابن كثير- هو الذي رجحه السهيلي وحكاه عن ابن عباس وعائشة قالت: وكان خويلد مات قبل (حرب) الفجار، أي قبل زواج محمد من خديجة بخمس سنوات.

    وثانيا: والمهم عند القمني- أنه بعد تحقيق الأمان المالي بدأ الحفيد (محمد) "يتابع خطوات جده" لتحقيق النبوة بالوحي. وهي خطوات قادته إلى سرقة أشعار أمية بن أبي الصلت. وادعاء أنها وحي الله إليه. وبقصد وليوهم د. القمني القارئ بأن ما قاله عن المصدر الشعري (الجاهلي) للقرآن ليس رأيا تفرد به، فقد أكد أن ما قاله كان نقلا عن عالم مشهود له بالموضوعية والدقة هو د. جواد علي. وبالرجوع إلى موسوعة د. جواد "المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام" (جـ6 من ص 490 حتى ص 498) اكتشفنا أن د. القمني قام بتحريف أقوال د. جواد ليجبره على أن يقول بما ختم به القمني دراساته.

    "لعبت هاشم بالملك فلا
    ملك جاء ولا وحي نزل"


    وهذه جزئية تناولتها بإسهاب وتفصيل في كتابين: الأول بعنوان "مركسة الإسلام" والثاني بعنوان "مركسة التاريخ النبوي" (صدر في سلسلة "التنوير الإسلامي").

    وما أوردته فيها من أدلة موثقة على تعمد القمني الكذب ليتمكن من إرجاع مثلث (الإسلام - الرسول - الرسالة) إلى منابع جاهلية ويهودية. يغنيني -الآن- عن الإطالة ويغريني بالتوسع في دراسة موقف د. القمني من القرآن (مصدره -جمعه وتدوينه- وعملية التعامل مع نصوصه). وهذا ما أحاوله الآن.

    اقرأ أيضًا:

    الفلسفة الغربية.. من معاداة الإيمان والحق إلى نسيانهما

    هل الإسلام أيديولوجيا؟

    تغيير المناهج الدينية.. لمصلحة من؟ ( ملف خاص)

    تنقيح القرآن: لعبة التأويل والنص القرآني


    --------------------------------------------------------------------------------

    ** كاتب وباحث

    * اعتمدت هذه القراءة على نقد ما طرحه سيد القمني في مؤلفاته: حروب دولة الرسول، الحزب الهاشمي، الأسطورة والتراث، السؤال الآخر، رب الزمان.

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. فى زمن التحالفات والنكبات .............الاعتصام بالله
    بواسطة فدائى مرتقب في المنتدى الصوتيات والمرئيات
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 07-16-2011, 06:19 PM
  2. سورة الكهف وتساؤلات
    بواسطة متعقل في المنتدى قسم الحوار عن الإسلام
    مشاركات: 34
    آخر مشاركة: 07-08-2010, 05:03 PM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء