باسمك اللهم.أتكلم تلك المرة وما يزال القلب يتألم، وجرح النفس لم يندمل، وصور المآسي جاثمة على صدري، وأوجاع المكلومين تتقلَّب ما بين عقلي وفكري!
ولقد كنتُ أمسكتُ عنان الأقلام منذ انبعاث تلك الثورة المصرية، والغضبة الشعبية؛ فقد وقع لي فيها ما يستحق أن يذكر في موضوع مفرد، وأنا بصدد تبيان ذلك في موضوع قادم بعنوان: ( المقامة المظفريَّة حول أحداث الثورة المصرية) أذكر فيها مشاهداتي برؤية شرعية أدبية محضة.
لكني أعجل هنا بكلمات حول هذا الموضوع، لعل فيها ما يكون مخرجًا لي من عابثات أحزاني، وترياقًا ناجعًا لما عجزت عن مداواته عقاقير أوقاتي وأيامي.
فأقول:
الحقيقة: لا أدري كيف أبدأ الكَلام الذي هو عند التحقيق أشبه بالكِلام!
لقد ساد المنتدى في الأوقات الأخيرة فوضى مُتَشذِّرة- ولا عُمَرَ لها- في تناول المسائل الشرعية الكبرى من كل من هب ودرج!
وصار عَقْدُ السلف الصالح وأعراض أئمته من السابقين واللاحقين = عَلَكةً تتقلبها أشداق هذا وذاك من كل مَنْ لو قيل له: أفصح لنا عن الفرق بين كوعك وبُوعِك وكرْسُوعك؛ لضاقت عليه الأرض بما رحبتْ!
فيا سبحان الله ربي! هذا الشيخ السني السلفي الجليل محمد سعيد رسلان صار يقال عنه:
لا أدري أضحك من هذا الهذيان أم أبكي؟ أهكذا يكون الأدب مع مشيخة أهل السنة؟ليس من حق رسلان هداه الله الحديث في هذه الأمور..ففي أسوأ مراحل الطغيان, كان تياره ينظّر على الناس في دعوى أن حسني : "ولي أمر"! وأن طاعته من صلب العقيدة..وأعجب كيف لا يراجع هؤلاء أنفسهم ولا يؤوبون..ولا هم يذّكرون..
وإذا كان مثل هذا الرجل المحترم الشريف أحد مفاخر أهل السنة في مصر والقاهرة لا يحق لمثله أن يتكلم في هاتيك الأمور؟ فمن يتكلم فيها هنا؟ أَهَيَّان بن بَيَّان؟ أم صلْعمة بن قلْعمة؟
حقا: لقد طمَّ السيل على الوادي؟ وما عدتُ أتحمل مثل هذا العدوان في حق أهل السنة بعد؟
أرى في مكان آخر من يغمز في مشايخ أهل السنة بكل وقاحة! ويزعم بلسان حاله أو مقاله أن أمثال الألباني وابن باز وابن عثيمين وغيرهم ممن لا يدري فقه ذلك الواقع البغيض الذي نعيشه؟
بل هناك من يلقبهم بــ: ( علماء المريخ ) لبعدهم عن التأصيل بما يخالف واقع الأمة في نظر هذا الزاعم النائم؟
أرأيتم كيف وصلت السخرية بأئمتنا يا كل من يزعم أنه من أهل السنة؟
منذ أيام قام أخونا الفاضل: ( طالب العفو ) بإفراد موضوع بعنوان: (الزم بيتك فانه فتنة دهماااااااااااااااااااااء ).
وعندما قامت الفاضلة: ( أخت مسلمة ) بتوضيح مذهب السلف في تلك القضية الشرعية، قام عليها الجميع على قلب رجل ليس له قلب؟ ورموها عن قوس واحدة؟ هذا يشنِّع، وغيره يسخر؟ وآخر لا يعبأ؟ ورابع يهذي بما لا يدري؟ وخامس يدجُّ بكل ما لديه بالتقليل من شأن أئمتنا للانتصار فيما هو بسبيله!
مع كوني تأملتُ كلام الجميع في هذا الموضوع فلم أر أفقه مما دبَّجَتْه يراع تلك الفتاة التي ترضى أن تصف نفسها بالتقليد! وهذا وصف مذموم أكرهه لها ولغيرها، إنما هي متبعة وحسب.
والعجب: أنْ أرى من يشهد على نفسه بالتقليد - في الموضوع المشار إليه - ثم يأبى إلا أن ينزلق بقدميه في أتون هذا المعترك الذي لا ينجو من وهيجه إلا كل من عرف قدر نفسه!
ثم لما ضاق صدر من ضاق بكلام ونقولات الفتاة المشار إليها: إذا بالقائم على الأمر يقوم بإغلاق الموضوع كالعادة؟
كأن البعض لا يريد أن يسمع كلام أئمة أهل السنة فيما أمرنا الله ورسوله؛ ويكاد يضيق بحديث هؤلاء الأئمة حتى ما يكاد يريد يسمع إلا ما يريد الانتصار له وحسب!
فما هذا بحق الله؟
إخواننا هنا يقولون بأن هذا المنتدى سلفي! وكيف يتفق هذا من تلك السياسة التي نراها هنا وهناك؟
أنا لست الآن في صدد بيان الانتصار لقضية بعينها، بقدر ما أنا بصدد الذود عن حريم أئمة أهل السنة من كل خسَّافٍ متهور؟
ليس عندنا في هذا الدين أحد معصوم بعد رسول الله.
ومثل الألباني وابن باز وابن عثيمين ومحمد سعيد رسلان وغيرهم: ممن أيقنا بالحال والمقال هفواتهم وأخطاءهم في جملة من المسائل الشرعية. وتجدهم أنفسهم يعترفون بذلك.
ولكن: ما هكذا يكون الأدب في معالجة هذه الأخطاء عند كل من يحترم نفسه؟
أكتب الآن وقلبي ينزف! فكم كنتُ أبصر كثيرًا من هذا التسافه في حق علمائنا ثم أجد نفسي مكرهًا على السكوت! أتجرَّعُه ولا أكاد أُسِيغُه؟
وكم مرة أغضَيْتُ نفسي على القَذَى، وجَرِعْتُ ريقي على الشَّجَى، وصبرتُ من كَظمِ الغيظ على أمَرَّ من العلْقم، وآلَـمَ من حَدِّ الشِّفَار!
أما الآن فقد فاض فيضي، وضاق ذرعي، وما عاد في قوس الصبر مَنْزَع!
ولن أسمح بعد الآن لأي أحد كائنًا من كان: أن يتخلل بلسانه في حق أي رجل من أئمة أهل السنة في الغابر أو اللاحق! وليسمع مني - بعد ذلك - كلُّ أحدٍ يريد أن يسمع ما يكره!
وقد علم خُلَطائي أني شديد التسامح في حق نفسي جدًا! كثير الصفح عن كل مجترم في ذاتي!
كما علموا كيف أكون إذا انتصبتُ لنصرة معالم الدين، أو نهضتُ للنفاح دون أئمة الإسلام والمسلمين.
ولستُ -ولله الحمد- ممن يُهارَشُ به!
وكلمة أقولها للجميع
من أراد أن ينتقض هفوات الأئمة فله ذلك، ومن أراد أن يعترض فله ذلك، ومن أراد أن يتنكب عن أقوال بعضهم فله ذلك!
أما من يحاول بانتقاضه أو اعتراضه أو تنكبه أن ينال منهم عامدًا أو ساهيا، أو يغمز فيهم قاصدًا أم غافلا؛ فليعلم أن الله قد خلق لهؤلاء قومًا يستطيعون أن يوقفوا كل متهور عند حده، ويقومون له بواجب التعريف بحقيقة نفسه! وليُجَرِّب كل جريء حظَّه منهم ما شاء؟
أسمع الآن والدي يناديني لقضاء بعض الحوائج، فسأذهب لتلبية ندائه؛ ثم لي عودة إلى كل من امتعض من حروف كلماتي؛ وأغضبتْه ألفاظ تصريحي وألسنة كناياتي.
فاللهم إنك تعلم أننا لا ننصر سوى كلامك وكلام رسولك، ولا نقدم عليهما أحدًا، كما تعلم أننا ممن يحفظ عهد نبيك في أصحابه وتابعيهم وتابعي تابعيهم من حملة العلم، وأساطين السنة إلى هذا اليوم، وأننا لا نخشى في ذلك بطشة كل سلطان ظالم، ولا صولة جبار غاشم!
وأننا لا نجد في أنفسنا حرجا مما قضى به نبيك ولو أسخطنا أهل الأرض وخالفناهم، وصرنا دونهم حزبا وعليهم حربا. اللهم فأعنا على ذلك، وخذ بأيدينا في تبليغ مرادنا فيما هنالك.
فإنك خير مسئول على الدوام، وأحق من يُرْتَجَى منه حُسن الختام.
Bookmarks