يقول الاسد ناصر الشريعة
جوابه أن يقال:
إن المشورة لا يحتاجها إلا المخلوق إما لنقص علم، أو رغبة في العون، أو سياسة للناس، أو تردد في أمر، وكل ذلك منتف عن الله تعالى، فما الحاجة للاستشارة إذن؟! ثم أن ما يقضي به الله خير للعبد من قضائه لنفسه، وما يضر العبد إلا عصيانه ربه وما يترتب عليه من عقوبة الله تعالى له.
وقولك ( هم كانوا في حالهم في العدم) خطأ واضح، إذ هم في العدم ليس لهم وجود ولا ذات حتى يكون لهم حال! فإن الحال لا تقوم إلا بذات، والمعدوم لا ذات له في الخارج حتى تقول أنهم كانوا في حالهم.
فإن قلت: إنما عنيت أنهم كانوا معدومين فحسب.
فنقول: كنا نظن أننا في حوار فلسفي فظهر أنه غير ذلك.
وأما مسألة إرادة العبد للمسؤولية أو عدم إرادته لها:
فإن العدل والظلم ليس متعلقا بها، وإنما العدل أن يؤتي الإنسان القدرة على الطاعة والمعصية، وتبلغه الحجة الرسالية في ذلك، فإن اختار الطاعة أثيب بالحسنى، وإن اختار المعصية أثيب بالسوأى، فهذا هو العدل والفضل، وهذا أصل المسألة وأسها، لا الكلام عن حال المعدومات المعدومة!
وبهذا يعلم الرد على قولك: ( بما أن موافقة الإنسان (أو عدمها) على خوض التجربة هي الفيصل في تحديد العدل الإلهي،) . فليس ذلك الفيصل بفيصل في شيء، إنما الفيصل ما سبق ذكره.
ومسألة المشورة التي ذكرها الزميل وبنى عليها عدة أسئلة ونقاشات مختلفة مبنية على أساس خاطئ، بيانه فيما يلي:
أولا: أن الله عز وجل ينزه عن استشارة مخلوقاته لمنافاة الشورى لكمال الله تعالى، وذلك لما سبق من القول أن المشورة لا يحتاجها إلا المخلوق إما لنقص علم، أو رغبة في العون، أو سياسة للناس، أو تردد في أمر، وكل ذلك منتف عن الله تعالى.
ولكن الله عز وجل يخير من شاء من عباده فيما شاء كيف شاء، والفرق بين الاستشارة والتخيير ليس فرقا لفظيا، وإنما فرق معنوي مؤثر كما هو واضح.
ثانيا: أن التخيير حاصل لهم في الدنيا بين الطاعة والمعصية وهذا كاف في إبطال شبهة الظلم كما سبق بيانه.
فإن قال ملحد: قصدت أن يخيرنا الله بعد أن خلقنا في أمر هذه الحياة.
فيقال له: قد كان ذلك بأن خلقنا في هذه الحياة مختارين لطريق الخير أو الشر، فإن أبى إلا التخيير بين الحياة أو الموت، قيل له: دونك الموت فمت، فما يمنعك عن ذلك ما دمت ملحدًا! أهو الخوف من النار؟!
ثالثا: أنَّ مجيء الإنسان إلى هذه الدنيا ليس باختياره، ولكنَّ أفعاله الخيرة أو الشريرة هي التي باختياره، فالأولى من مقتضى كمال ملك الله تعالى في خلقه، فيخلق ما يشاء كيف شاء متى شاء، ونفي ذلك يستلزم النقص، والله منزه عن النقص.
والثانية من كمال قدرة الله تعالى أن جعل للعبد القدرة على فعل الخير أو الشر، فأين الظلم في ذلك؟!
رابعا: أن مطالبة الزميل بأن يخير الله الإنسان بين البقاء أو العودة إلى العدم، تناقض، فإن مجرد خلق الله تعالى للإنسان يستلزم عبوديته لله تعالى، وعبوديته لله تعالى تتنافى مع رفضه خلق الله له واعتراضه عليه، بل يلزمه التسليم بخلق الله تعالى له، ويبقى عليه الإحسان في عبوديته لله تعالى لا الكفر به.
ويكون موضوع التخيير ليس الحياة في عبادة الله تعالى أو العدم!!! وإنما يكون موضوع التخيير العبودية لله تعالى بمحض الإرادة والاختيار كما هو الآن، أم بالانقياد الكوني لله تعالى كما هو حال المخلوقات الأخرى، فلا يخرج الأمر عن عبودية الإنسان لله تعالى.
ولا شك أن الحرية والاختيار الذي وهبه الله للإنسان في الدنيا ليس ظلما، وإنما الظلم ظلم العبد لنفسه حين يسيء الاختيار بعد أن بلغته الحجة الرسالية.
خامسا: أن مَثَل ما طالب به الزميل من أمر الشورى والتخيير مثل مولود قال لوالده إنك ظالم! لأنك ولدتني بدون إذني! وكان من حقي لما ولدت أن أخير بين البقاء بينكم أو العودة إلى رحم أمي!! فلو قاله ولد لأبيه لكان قائل ذلك مجنونا، لا لأن والده عاجز عن ذلك فحسب، وإنما لأن ولادته ليست ظلما له، بل لوالده عليه فضل الولادة، وهذا من أسباب بر الأبناء بوالديهم لأنهم سبب في حياتهم، ولا أعني هنا الملاحدة وأبنائهم فإن من العجب أن يكون بينهم بر مع كل هذا الكفر والمناقضة للعقل.
فكيف بمن يقول لخالقه إنك ظالم لأنك خلقتني بدون إذني ولم تخيرني بين البقاء والعدم! فأيهما أقبح اعتراضا؟ المعترض على أبيه أم على خالقه!!
سادسا: أن الله خلق الإنسان لعبادته، فإن قال: أختار العدم على عبادتك!!! ألا يكون اختياره قبحا وعصيانا؟!! فكيف يكون المخلوق مخيرا بين الطاعة والمعصية على السواء ثم يكون جزاء من أبى الطاعة وصدف عنها أن يعفى من التكليف؟!!
ثم يكون المكلف المعرض للعقاب عند التقصير هو الطائع دون من اختيار العصيان من أول الأمر؟!
Bookmarks