قال الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله :
" الأمر الثالث :
أن ينظر في التاريخ دائما على أنّ التاريخ - يعني ما تجده في كتب التاريخ - أن تقرأه دائما بثلاثة أنواع من الإحساس:
- الأول : الإحساس الشرعي والعقدي بالخصوص.
- والثاني : الإحساس بالعبرة.
- والثالث : النقد الدائم للروايات.
أما الأول: فأن تنظر مثلا إلى ما رُوي في السيرة ،أو روي في تاريخ الصحابة، أو في الوقائع، بإحساس عقدي شرعي تميِّز فيه ما يصح شرعا ولا يصح؛ لأن الذي ينقل حتى على فرض أنه صح فإنه إنما يصح في حال من وقعت له الحادثة.
ومعلوم أن من وقعت له الحادثة لا يؤخذ عنهم التشريع لأنهم مثلا من الجند كانوا يقولون كذا، وربما هذه الرواية لا يكون قالها إلا مجموعة رأوا هذا الرأي ، فلا يُحكم على الشريعة بالروايات التاريخية.
إذا اختلف الصحابة نرجع إلى السنة فيما اختلفوا فيه من المسائل الفقهية، فمسائل التاريخ أولى أن ترد إذا خالفت الشريعة ، ولهذا أدخلت أشياء على سيرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليست بصحيحة في ميزان الشرع ، ليست بصحيحة من جهة الرواية ولا من جهة المروي.
وهذا الحس النقدي العقدي والشرعي ينبغي أن يصاحب طالب العلم، بحيث أن لا يقرأ مسترسلا، بحيث أنه يقرأ ويمتلئ من التاريخ وهو لا يشعر بأنه يؤثر فيه في بعض المسائل دون أن يحصل.
*مثلا الحركات التي حصلت في تاريخ الإسلام التي فيها الخروج على بعض الولاة، إذا قرأها طالب العلم قد يتأثر بها، ويجعل هذه الحركة مقدَّمة في حصول الخروج في حصول معارضة زمان ما -في زمن بني أمية وفي زمن بعض العباسيين أو فيما بعده-
يجعل هذه مؤثرة في نفسه دون أن يرجع إلى الأصل؛ وهو ما جاء في النصوص من تحريم الخروج على الولاة ما أقاموا الصلاة أو ما لم يظهر كفر بواحا.
أولئك الذين حصل منهم حركات مختلفة في التاريخ يجب أن تنقد النقد الشرعي الصحيح، وأن توزن بميزان عقيدة السلف، وليست هي حكم على عقائد السلف، نغير عقائد السلف لأجل حركة فلان وفلان مما حصل في التاريخ ، ليس الأمر كذلك.
وهذه الحركات أثرت في أناس؛ بل أثرت في جماعات من الجماعات المعاصرة في الدعوة، وكان هذا التأثر كبيرا في رسم كثير من الاتجاهات المعاصرة في الدعوة.
وهذا مما ينبغي أن لا يكون كذلك؛ بل أن يكون السبيل الرجوع إلى العلم، إذا كان العلم مقدما على الآراء -آراء الرجال-،
لاشك أنه مقدم على ما يروي لنا من التاريخ مما لا نعلم حقيقة ظروفه ، أو قد يكون أهله أخطؤوا فيه، أو كان لهم العذر،
الله أعلم بالحقيقة فلا نترك الشريعة، فلا نترك النصوص لأجل أخبار وردت في التاريخ. "
من محاضرة بعنوان : طالب العلم والتاريخ .
منقول
Bookmarks