هذا نفس الكلام الذي رددته على أختنا الكريمة فالإستقرار الظني لا يلغي مذهب يقيني و الإستقرار ليس إجماعا بأي حال من الأحوال و الامر إن استقر حقا يحتاج الى بحث كل فترة فما أدراك أن الإستقرار باق فالنقولات متعلقة بزمن سابق كما أن اقوال الصحابة و أفعالهم متعلقة بزمن أسبق ..
كيف بالله يعتد بإجماع ظني في عصر من العصور على من بعدهم و المسألة إختلف فيها الصحابة و التابعين أنفسهم أفهم الناس للدين فالحق أنا لا أستطيع أن أفهم هذا الكلام ولا أرى له أي مستند شرعي ..
- هذا خلط لصورة المسألة فكيف هو مذهب يقيني والقوم قد اختلفوا ؟! نعم هو يقيني كونه وقع من بعض الصحابة لا أنه مقطوع بصحته، بل كيف يكون يقينياً ويأت الإجماع على خلافه ؟! ومعلوم أن كثيرا من الصحابة والتابعين اعتزلوا الفتنة ولم يخرجوا مع الخارجين فهذا مذهب ثان للسلف يضعف يقينية المذهب الآخر ويجعل من كلا المذهبين ظني من حيث الصحة. ومعلوم كذلك أن الصحابة لو اختلفوا فليس بقول أحدهم حجة على الآخر.
- أما قولك بأن الأمر لو استقر لاحتاج إلى بحث لمعرفة بقائه فهو قول شاذ مخالف لجماهير الأصوليين الذين قرروا أن إجماع أهل كل عصر من العصور حجة شرعية يجب العمل به؛ لأن الأدلة الدالة على حجية الإجماع تتناول جميع العصور، وكليةُ الأمة حاصلةٌ بالموجودين في كل عصر، وحاصل كلامك هو تعطيل حجية الإجماع لاشتراطك عدم وجود مخالف في العصور ما بعد عصر الإجماع وهذا ما لا يُتصوّر، فضلاً عن احتجاجك بوجود خلاف يسبقه وهذا طبيعي فلا يوجد إجماع ظني إلا وهو مسبوق بخلاف وإلا لما كان ظنياً والجمهور على اعتباره حجة شرعية مرجحة.
- فنحن عندنا أمران لتصور المسألة تصورا صحيحاً:
- مذهب للسلف يرى جواز الخروج على الحاكم الجائر لأدلة شرعية عامة فهموا منها جواز الخروج.
- مذهب آخر للسلف يرى وجوب اعتزال الفتنة وترك الاقتتال وعدم الخروج على الحاكم الجائر لأدلة شرعية مخصوصة فهموا منها عدم جواز الخروج.
فإن كنت ترى أن الفرق بينهما واضح فحينئذ يكون الترجيح بين ( الإجماع الظني ) وبين ( فهمهم للنصوص ) ولا شك حينئذ أن نظرتك ستختلف في الترجيح. فالصورة المتصورة هي وقوع الخلاف بين إجماع ظني وبين ظاهر نص يحتمل الخلاف في فهمه، والذين أجمعوا على المذهب الثاني للسلف استندوا إلى النصوص الشرعية المخصوصة التي هي أقوى في الاحتجاج من النصوص العامة والمطلقة كما هو معلوم، وحينئذ فالاختلاف ليس بين مذهب يقيني وإجماع ظني كما ذكرت، وإنما بين مذهبين للسلف أحدهما فيه إجماع ظني مستند إلى نصوص مخصوصة في المسألة المطلوبة والآخر ليس فيه إجماع فأيهما أولى بالترجيح ؟
- أما عن قولك " فالحق أنا لا أستطيع أن أفهم هذا الكلام ولا أرى له أي مستند شرعي" فهذه هي المشكلة التي يقع فيها كثير من طلبة العلم، وهي مجرد الاعتراض على أهل العلم الكبار الفحول الذين قضوا عشرات السنين في دراسة العلوم الشرعية بمجرد قولهم (لا دليل عليه)!! و (لا أرى له مستند شرعي)!! مع أنه لم يكلف نفسه أن يبحث بحثاً مستفيضاً، ولو فعل لانتهى إلى ما قاله هؤلاء الفحول كابن تيمية والنووي الذين نقلوا الإجماع ورأوا فيه حجة شرعية مرجحة، بل إنه أصبح من عقائد أهل السنة كما ذكر ابن تيمية.
أما عن كلام تقي الدين السبكي فهو تأصيل للمسألة من حيث العموم، وإيراد الأقوال في مقام الجدل والمحاججة لا يصلح أن يكون مستنداً لتجويز الخلاف واعتباره سائغاً فمن الخلاف ما هو معتبر ومنه ما هو غير ذلك. وقولك فيما نقلته عن السبكي: "فتلخص من هذا أن الاتفاق بعد الاختلاف في العصر الواحد حجة وإجماع على المختار وهو الذى أطلقه طوائف من الأصوليين والفقهاء".
المشاركة الأصلية بواسطة متروي: فهو متعلق بالإختلاف و الإتفاق في العصر الواحد و ليس في عصور مختلفة ؟؟؟
ليس بسديد .. فتأمله مرة أخرى بارك الله فيك فالسبكي يتكلم عن الاتفاق (بعد) الاختلاف في العصر الواحد، واعتباره حجة شرعية وهذا واضح من سياق كلامه.
فالخلاف في المسألة كما يقول ابن حزم بلغت من الشهرة أنها لا تخفى ربات الخدور
وهذا خارج محل النزاع .. فليست المسألة في كونها خلافية، فهذا معروف، بل في حجية الإجماع على رفع هذا الخلاف.
وينبغي التنبيه أن مشاركتي هنا لبحث المسألة من حيث العموم أما تحقيق مناطها في الوقائع العينية فهذا شأن آخر وأجزم أني لست له بأهل، فالمسائل الكبار ليس لها إلا الكبار، فـ"لا يزال الناس بخيرٍ ما أخذوا العلم عن أكابرهم، وعن أمنائهم وعلمائهم، فإذا أخذوه عن صغارهم وشرارهم هلكوا " كما صح عن ابن مسعود رضي الله عنه، وأولى منه وأجلّ قول النبي عليه الصلاة والسلام فيما صحّ عنه: "البركة مع أكابركم".
Bookmarks