قبل أيام قليلة من حلول شهر رمضان المبارك ، تناقلت الصحف والوكالات المصرية والعربية والدولية ، أخباراً تحت عناوين : "كاتب يسئ إلى عمرو بن العاص" ، "دعوى قضائية للتفريق بين عكاشة وزوجته" ، "أسامة أنور عكاشة يتعدى على أحد الصحابة" ، ....
قالت تفاصيل هذه الأخبار والتقارير أن كاتب المسلسلات التلفازية المعروف أدلى بتصريحات حول شخصية الصحابي عمرو بن العاص (فاتح مصر) رضي الله عنه ، ونعته بأوصاف لا تليق بأحد صحابة الرسول (صلى الله عليه وسلم) ، الأمر الذي أحدث ضجة في الأوساط الدينية .
ونقلت هذه الأخبار عن علماء في الأزهر؛ أنهم سيطرحون الأمر على اجتماع مقبل لـ"مجمع البحوث الإسلامية" ، وهو أعلى هيئة في الأزهر "لاتخاذ قرار في شأن القضية" .
وتفاعلت الأزمة أكثر، بعدما أعلن عكاشة عبر برنامج "القاهرة اليوم" الذي بثته قناة "أوربت" الفضائية بعد تصريحاته الصحفية ـ على الهواء مباشرة ـ تمسكه برأيه ، ساخراً من محاوره الداعية الإسلامي الشيخ خالد الجندي الذي فضح عكاشة من غير قصد، إذ تساءل عكاشة قائلاً باستهزاء : "هو لما يكون ده رأينا في عمرو بن العاص أبقى خرجت عن الإسلام أو أنكرت ما هو معلوم من الدين؟ " .
وأوضحت المصادر الإعلامية أن حديث عكاشة دفع متابعي البرنامج إلى التدخل عندما اتصل المحامي الإسلامي منتصر الزيات هاتفياً وعاتب الجندي على هدوئه في الرد على شخص "شتم أحد الصحابة علناً" ، واحتد الزيات وهاجم عكاشة ، فحجب القائمون على البرنامج صوته ، فما كان من عكاشة إلا أن سأل مقدم البرنامج الصحفي عمرو أديب : "إنت جايب محامي الإرهابيين اللي دافع عن اللي قتلوا أهلنا" ، ثم تدخلت إحدى المشاهدات هاتفياً أيضاً وتساءلت : " كيف يسمح لمن يكتب مسلسلات عن (سماسم) العالمة (وهي راقصة وبطلة مسلسل "ليالي الحلمية) ليتحدث في الدين" ؟
تلك هي البداية والنهاية المعتادة لهذه الزوابع التي اعتاد أن يثيرها مشتهي الشهرة وعشاق الأضواء ، أما الذي تقيأه أسامة سماسم (نسبة إلى راقصته الشهيرة) ، وتحرجت كثير من الصحف ووسائل الإعلام ووكالة رويتر من ذكره ، هو قوله الفاحش نصاً : (إن ابن العاص لا يستحق أن يمجد في عمل درامي من تأليفه) ثم قوله الأكثر فحشاً : (إنني لو قدمت شخصية عمرو بن العاص سأظهره "أفاقاً") ثم إضافته الأكثر فجوراً : (لأنه من أحقر الشخصيات في تاريخ الإسلامي) .
وفي الحقيقة أنني قبل كتابة هذا المقال ، استطلعت كل ما كتبه المسلمون في الصحف وعلى مواقع (الإنترنت) عن أسامة سماسم قبل أن يتقيأ هذا الفحش ، فعجبت أن واحداً من المسلمين الغيورين على دينهم ، لم يكتب كلمة واحدة عن أسامة وتاريخه الأسود ، لا بخير ولا بشر ، وقد يرى البعض أنه أحط من أن يهتم بشأنه أهل الإسلام ، وهذا القول إن صح من جانب أن المثقفين والدعاة المسلمين قد لا يسمع بعضهم عن هذا الكائن ، غير أنني أرى ذلك زلة كبيرة من زلات المثقفين أن يغفلوا عن متابعة شياطين الإنس من حولهم ، ويكون لهم فيهم قولاً ، وعيبٌ على الدعاة ألا يتابعوا وبدقة ما يبثه الفضاء الإعلامي من ثقافات وأفكار أولاً بأول ، وأن يتنبهوا أن أسامة سماسم ـ وغيره كثيرين ـ لم يكن ليجرؤ على هذا القول إلا بعد أن مارس هو بنفسه من قبل - في جميع أعماله - طعن الثوابت الشرعية ، والإسهام في فك عرى عديدة من عرى الإسلام التي أشار إليها المصطفى (صلى الله عليه سلم) دون أن ينتبه إليه أحد أو يؤاخذه ، حتى ظن هو أن تأليفه لروايات الفسق والفجور والدعارة ، هي جواز مرور لاستباحة حرمات الدين ، غروراً منه في غير محله ، هيئ له أن عنقه التي هي أقرب للأرض ، في ميزان الإسلام ، يمكن أن تتساوى مع نعل واحد في قدر ومكانة الصحابي الجليل عمرو بن العاص ، إذ تصور بخبل ليس غريباً عليه ، أن عمرو بن العاص انتظر أربعة عشر قرنا ًمن الزمان ، حتى يقدمه أسامة سماسم للمسلمين ، ونسي أنه أقل شأناً من أن ينال شرف الكتابة عن عمرو بن العاص ، لأن الذين تربوا على موائد الراقصات وخَبِرَ مواخير الزنا و الخَنَا والشذوذ ، لا يجوز له بل ويُمنع قسراً من أن يأتي على لسانه ذكراً لاسم صحابي جليل ، قال عنه خير ولد آدم ، وإمام الأنبياء والمرسلين ، المصطفى بختم سلسلة النبوة (صلى الله عليه وآله وسلم) : (أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص) ، ولو لم يكن لابن العاص من الدنيا غير هذه الشهادة ، لكفاه فخراً وعلوً وسمو مكانةً في نفوس وقلوب المسلمين ، ولو صدق فيه كل ما قاله رعاع الشيعة وعبدة الصليب المعاندين والمستشرقين والمستغربين ، فأين يذهب قولهم أمام قول رسول الله عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم ؟
لقد طعن أسامة سماسم في شخصية عمرو بن العاص ، سيراً على درب أهل الكفر والضلال ، أما نبي الإسلام (صلى الله عليه وسلم) فقد اتخذه سفيراً أول له في دولة الإسلام الأولى ، وجعله ممثلاً شخصياً لدعوته ، فابتعثه ليدعو باسمه (صلى الله عليه وسلم) إلى دين التوحيد ، ثم كان له شرف إسقاط دولة الأوثان والشرك في عُمان ، وفي فلسطين ، وبه سقطت دولة الصليب في مصر ، وتحول أهلها من عبادة الصليب والرب مثلث الوجوه والوجود ، إلى عبادة الله الواحد القهار .
فهل اختار وانتصر وزكَّى وأوفد خير البرية ، رجلاً يقول فيه أسامة ما قال ، وهو الذي يجب أن يراجع نفسه في ماله ورزقه وطعامه وطعام أولاده ، أهو من حلال أو حرام ، والعياذ بالله ؟
ونعلم أن أسامة سماسم لم يكن هو أول الوقحين ، الأفاقين ، الذين برعوا في تحقيق النجومية بمعصية الله رب العالمين ، ولن يكون هو آخرهم ، لأن الباطل قائم مادام الحق قائماً إلى يوم الدين ، وإن قصد أسامة سماسم بسوء أدبه مع صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن يقلل من قدر عمرو بن العاص ، فقد تفجرت قضايا عظيمة وأحداث مشرفة حول تاريخه ، كان كثير من الناس خواصهم وعوامهم ، يجهلونها فعرفوها اليوم بحمد الله وفضله ، ولعلها تكون مناسبة أن يطالب المثقفون المصريون من أصحاب العقل والحكمة والالتزام العقدي والأخلاقي ، بعودة اسم عمرو بن العاص ثانية إلى الشارع الذي حمل اسمه لسنوات طويلة ، وهو اليوم يعرف بشارع كورنيش النيل ، ويقول المولى سبحانه وتعالى :"وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ" .
***
وخروجاً من دائرة أسامة سماسم الشخصية ، إلى محيط الصورة الكلية لتلك الفعلة الفاحشة التي أقدم عليها ، فإنه يلزمنا الوقوف أمام هذا الحدث من جهتين ، أولاهما : كون أسامة سماسم ليس إلا قطعة شطرنج ، تحركها أصابع فوقية - خفية أو غير خفية - تحت ستائر الشعوبية العلمانية الرافضة للدين والتدين ، وثانيهما : الجانب التاريخي الذي يخص عمرو بن العاص في مصرنا الحبيبة ، كوطن نعيش فيه ويعلو بنا في سماء التوحيد .
حجر حقير على رقعة شطرنج أكثر حقارة :
إن تلازم الفكر مع العمل هو الدلالة الأولى على هوية الإنسان ، لذلك تسلط الغرب بأدواته علينا ليخطفنا من هوية الإسلام ويقذف بنا إلي هَويَّة الشيطان ، تلك الهَويَّة التي تتنازعها المذهبيات سابقة التجهيز ، التي أملاها أعداء الأمة على ضعافها من أصحاب العقول الفارغة الرافضة للثوابت ، القابلة للتحويل والتبديل والانقياد ، المضطربة وجدانياً - وإن بدوا أمامنا مكتملي الأهلية - بتلك الأضواء المبهرة التي تخفي الجوهر بجمال الشكل الخادع .
وإن دعوة الفصل الجبري للدنيا عن الدين ، ما هي إلا خدعة أراد بها خصوم الكنيسة أن يسلبوا بها حق ممارسة ضبط الناس وتقويمها، وتقييمها، فأرادوا لها أن تنشغل هي بالدين كله وتترك لهم الدنيا كلها ، خلاصاً من الكنيسة ، بعد ما طغت وتجبرت وأصبح القائمون عليها هم أرباب صغار في الأرض ، يُشَرِّعون ويحكمون ، ثم ينفذون ما شَرَّعوا و حكموا به وفقاً لما أسموه كنسياً بصكوك الغفران ، الموقعة باسم الإله الرب يسوع مثلث الأقانيم .
وتغافل هؤلاء أن المسجد ليس هو الكنيسة ، ولا الإسلام هو النصرانية ، ومن فاحش الفهم أن يربط عاقل بينهما ، فقد كانت الكنيسة - قبل ثورة الإصلاح في الغرب - هي حكومة الدنيا والآخرة ، هي الحاكم للبشر والحجر والشجر ، من يتزوج يدفع الضريبة ومن يطلق يدفع الضريبة ، ومن ينجب يدفع الضريبة ، ومن يموت يدفع عنه أهله الضريبة التي يضمن بها الملكوت .
وذلك المفهوم "الدراماتيكي" ، هو العالق بالضرورة في عقل أسامة سماسم ، مما علَّمه له شيوخه ، فأسقط كل هذه الطاغوتية بجهالة على الإسلام وأهله ، ثم عقد لنا محكمة ، وأصدر الحكم ، وتولى التنفيذ ، لذلك كره أسامة سماسم شخصية عمرو بن العاص ، وتاريخ عمرو بن العاص ، وسيرة عمرو بن العاص .
أما في الإسلام فلا كهنوت ، ولا سكرتارية خاصة للإله ، ولا مندوب سامي يتصف بالقداسة ، لأن الدستور الإلهي هو الحَكَم وهو الشاهد ، ولأنه إلهي فقد امتزجت مكوناته ، وانسجمت معطياته ، وتلازمت أوامره مع نواهيه في دقة تعلو مقامات البشر ، فالروح والمادة متكاملان ، والدنيا والآخرة متصلان ، والعلم والدين متداخلان ، لأن الدين عند المسلمين هو علم الإنسان بمبادئه وأصوله ، والعلم عند المسلمين هو حق الإنسان في فهم الدنيا ، فيكون الدين دعوة لفهم الدنيا ، والعلم هو أداة الإنسان لفهم الدين .
ومن هذه المقدمة المختزلة ، التي أصف بها حالة ، لا أُشَخِّص بها داءاً ، أنتقل مباشرة إلى حالة أسامة سماسم ، فأقول إنه ليس إلا واحداً من ضحايا الانبهار الثقافي بالآخر ، ورمز من رموز ظاهرة مرضية أصابت مجتمعنا كتبعة من تبعات الاحتلال الصليبي الذي جثم على صدر الأمة رِدْحَاً طويلاً من الزمان ، مخترقاً جدار دولة الخلافة لمدة قرن كامل من الزمان ، ومتسلطاً عليها لمدة قرن ثان ، باسم الخلافة أيضاً وتحت رايتها .
هذه الظاهرة التي وصفها البعض بالبريق الزائف ، وتقوم على رعايتها مؤسسات إعلامية ماسونية ضخمة ، تجيد فن تحويل (الفَسيخ) إلى (شربات) ، وتصور (الحَبّة) على أنها (قُبّـة) ، وتجعل من "الحقير" كياناً "معتبراً" ، فَتُعلي الصغار وتَعْمَى عن الكبار ، وتصنع من الأنصاف والأرباع نجوماً ثقافية وفنية ، تُلهي مسيرة الأدب والفن بالإثارة والشغف والأضواء وتلبية نداءات الشهوات ، حتى يظن الضحايا أنهم على الحقيقة ؛ نجوماً وكباراً ومشاهيراً يشار إليهم بالبنان .
وإذا استكثر أسامة سماسم من منتصر الزيات المحامي ، أن يدافع عن الصحابي الجليل عمرو بن العاص "متهماً" إياه بالتطرف والإرهاب ، ذلك "الاتهام" الذي كان خلال السنوات العشر الأخيرة تجارة رابحة لمن لا صنعة له ، فلا بأس أبداً من ذلك ، لأنه بذلك قد اختار لنفسه كما اختار منتصر ، المقام المناسب له والأليق به ، فاختار أسامة سماسم طابور المُنَصِّرين والمستشرقين والمدلسين وكذبة التأريخ من الشيعة والمتشيعين، وإحساناً بالظن ـ راجياً من الله الغفران ـ سأعتبره أنا من جهلة التاريخ والجاهلين بالدين ، أما منتصر الزيات ، فقد اختار طابور صحابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
ولا يلومني واحد إن قلت بالفم المليء أن أسامة سماسم بمعاداته لعروبة مصر لغةً وتاريخاً ووطناً ، وتألمه من اختيار أجداده الأوائل وأبويه اللذين ولداه رغماً عنه وعلى يد عمرو بن العاص للإسلام ديناً وعقيدة ، ومعاناته النفسية أن ينتسب أهل مصر مصاهرةً وحسباً ونسباً إلى صحابة رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) ، ومقته الشديد لهذا الصحابي الجليل على وجه التحديد ، الأمر الذي جعله يتوعد ويهدد أن يؤلف مسلسلاً لينتقم منه ويا لخزي وعار ما يؤلف وما ألف .
فأقول : إنه ـ أسامة سماسم ـ واحد من طابور الشعوبية التي ظننا خطأ أنها ماتت ، فإذا بصبي من صبيانها ـ هوـ يجهر بالسوء ، ناطقاً بالباطل ، ثم يُصِرُّ على ما قال من "الضلالة" ، مستعلناً بخصومته لعمرو بن العاص ، حبيب خاتم الأنبياء وخير البرية عليه الصلاة والسلام ، تماماً كنكرات أخرى على شاكلته([1]) .
ولا يرفع "علماني شعوبي" عقيرته ليبرىء نفسه وصاحبنا أسامة سماسم من صفة العلمنة الشعوبية ، فإنها إجمالاً سلكت سبلاً عديدة بين ظاهر ومستور ، غايتها وأتباعها :
1- إرباك العقيدة لدى المسلمين .
2- وتشوية المفاهيم .
3- وسوء التأويل .
4- وفساد العقل .
5- وسوء الظن .
6- والتشدق بثقافة أعداء الأمة .
7- وتمجيد كل ما يتعارض مع الدين .
8- والحط من حضارتنا .
9- لحساب حضارة الممولين .
فإن برىء أسامة سماسم من هذه التسع سيئات ، فالعاشرة وهي الضلالة ، لاصقة به باختياره ، ومدعاة لفخاره ، والرجل ليس له (ذقن) ليخفيها ، ولن يرفع نصفه السفلي لأعلى ليدس رأسه في الرمال كالنعامة ، فجاهر وأكد كرهه لمن أحبه رسول الله ، واحتقر من أعلى شأنه صِدِّيق أمة الإسلام وفاروقها ، رضي الله عنهما .
ذلك لأن حرب العلمانيين الشعوبيين على الإسلام ليست حرباً مكشوفة كما يظن البعض ، إنما الذي نراه في وضح النهار ليس إلا مفاتيح لخطط خفية ، لها وسائلها ومناهجها الخاصة ، بقصد الاستيلاء من الداخل على العقول والأفكار والعواطف من خلال بعض الأعمال الفنية ، حتى إن انبهر الناس بهم وتحركت مشاعرهم نحوهم ، إعجاباً بهزلهم وما يثيرون به أحاسيسهم ورغباتهم ، تسلطوا على الناس لإعادة صياغة هذه المشاعر وتشكيلها من جديد ، فتصبح مهيأة لاستقبال صيغهم الفكرية الشاذة في هدوء شديد ، بأن يكون الواحد منهم مصدراً موثوقاً به إن تكلم ، وشكلاً مألوفاً إن شوهد ، تحت مظله نجوميته كرمز من رموز المجتمع ، لكن هيهات هيهات أن تمر تلك الحوادث بهذه البساطة ، ما دامت هناك بقية من نخوة ، وبقية من تقوى ، في قلوب وصدور ومعتقدات المسلمين .
والذي يمكن أن نفهمه بجلاء ، من هذا التطاول الذي جهر به أسامة سماسم على الصحابي الجليل عمرو بن العاص ، وشتان بين الثرى والثريا ، وبين الجرذان والأسود ، إن أسامة سماسم قد أفلس ، وانحسرت من حوله الأضواء ، فأراد العودة إليها ولو أن يقذف بنفسه في نارها ، فأوكل شيطانه أن يدبر له حيلة ، وانتهى به المقام إلي سب واحد من كبار رجال الأمة والتاريخ قاطبة ليطعن فيه .
ومشكلة أسامة سماسم بالتحديد ، أنه يعيش معنا في زمن العولمة ، بينما ما زال يحمل في رأسه كل زمن الانحسار في العهود البائدة ، ذلك الزمن الذي عَمَّت فيه بلوى لغة المقاولين ، وشراء الألقاب كالباشاوية والباكوية والأفندية ، أو منحها لذوي النجابة من أصحاب المواهب والمهام الخاصة جداً ، فهذه كوكب الشرق ، وهذا عميد الأدب العربي ، وتلك سيدة الشاشة العربية ، وذلك أمير الشعراء ، وهذه سندريلا ، وذاك عندليب ... وهكذا سعى أسامة سماسم جاهداً أن يلوذ بواحد من هذه الألقاب ، لكنه فقد الوعي بأن العولمة تجاوزت هذه المرحلة من التخلف ، وأصبحنا الآن في عصر تنوير إيناس الدغيدي ودينا ولوسي وروبي ووحيد حامد وشعبان عبد الرحيم وداليدا ونانسي عجرم و ....... و أسامة سماسم ، فكلهم كما نرى نجوماًًًًًً ، لكن بدون ألقاب اكتفاءً بدلالات أسمائهم التي أصبحت بذاتها تُغني عن التعريف وبئس التعريف .
إذ يشهد الواقع على أن ثقافة أسامة سماسم وأمثاله من العلمانيين الشعوبيين ، إنما هي ثقافة التخلف عن ركب حضارة الإسلام وتاريخه العريق ، وهي ثقافة الانهزامية الذاتية التي تسقط بصاحبها في بئر الحيرة العقلية ، وتحول بينه و بين الحق وشواهده ، وتحول بينه وبين الارتباط بهويته ، فَتُحبِط سعيه ، وتضلل طريقه نحو أداء الرسالة التي خُلِقَ من أجلها ، فأنساه الله لها ، وحرمه من أن يكون من المستخلفين في الأرض وفق المنهج الرباني .
وأحذر بشدة أن يُهوِّن واحد من تلك الجريمة النكراء التي ارتكبها أسامة سماسم ، في حق ديننا ، ثم في حق كل من ينتسب إلى هذا الدين ، ثم في حق نفسه هو ذاته ، لأن خطورة ما قاله من وقاحة في حق الصحابي الجليل ، أنه بهذا القول البذيء يحاول أن يفتح باباً للرعاع ، يكون هو في مقدمته ، يتطاول من خلاله على رموز الأمة ، ويقذفون من خلفه المسلمين بالحجارة كصبيان الشوارع ، فإن سكت المسلمون زاد وطغى وبغى ، وإن حملوا عليه لهث جرياً أو ألجم ، خشية ورعباً كمن وصفهم رب العزة سبحانه وتعالى بالكلاب .
وإنني إذا ما حاولت أن ألتمس عذراً لأسامة سماسم فيما قاله - وهو أمر شاق للغاية - فلأن الدين أصبح عنده وعند أمثاله ؛ "بعبعاً" يعطل إبداعهم الشيطاني ، وأصبح المسجد "مدفناً" يحرمهم من التنوير ، أما تعاليم الإسلام فقد أصبحت عنده وعندهم "مزاميراً" لإبليس ، بعدما وضعوا الإسلام في قاموسهم محل "الشيطان" والعياذ بالله .
Bookmarks