صفحة 4 من 21 الأولىالأولى ... 2345614 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 46 إلى 60 من 301

الموضوع: الكوميديا الإلحادية

  1. #46
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    2,867
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    19

    افتراضي

    أيها الحبيب عياض,
    إن شاء الله لا خوف عليك من الإدمان حين تستقر أحوال أبي الإلحاد, فإني "وراه وراه", ومن يدري بم يختم له, لكني أخشى على نفسي الإدمان على الغوص في أغوار نفسه المتحيرة. ولست أخفيك أني نادرا ما ابتليت بتصفح منتديات إخوانه أهل "الجرب والجذام" لكن المرات القلائل كانت كافية لتشعرني أن القوم يمثلون نسخا مكررة لصاحب اليوميات. ودعني أبوح إليك بشيء: إن أحد أولئك "المجذومين" يتخذ من آية يمتن بها ربنا على عباده بتسخير الأنعام والدواب لهم, فيسخر قطع الله لسانه وشل أركانه, لكنه سيحظى من أبي الإلحاد بيومية كاملة إن شاء الله. ما أردت قوله أن هذه الفكرة التي بدأت تختمر في رأسي منذ أيام الغرفة الصوتية, سيكون لها بعون الله أثر على القوم. فهل تعلمون أن أحد الملاحدة البالتوكيين الذين دخلوا علينا يوما كان يسمى بالفعل Abu #####
    إذن شهية طيبة ومتمنياتي برحلة ممتعة مع الكوميديا الإلحادية لكل القراء, كل بحسب منطلقه وحوافزه.
    {‏ رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} إبراهيم: 41

  2. #47
    تاريخ التسجيل
    Mar 2011
    الدولة
    مصرى مقيم بالخارج
    المشاركات
    2,815
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    8

    افتراضي

    أستاذى الحبيب، وكاتبى المفضّل...
    تحيّة طيبة معطرة
    إسمح لى أن أطمع وأتجرّأ وأطلب منك كتابة شىء مستوحى من هذا الملحد الذى حاول إثبات أن الإنسان كان لايهضم الطعام، ثم تطور إلى كائن يستطيع الهضم:
    http://www.eltwhed.com/vb/showpost.p...5&postcount=14
    وحبذا أيضاً لو تتناول بأفكارك وأسلوبك الجميل شيئاً عن هذا الموضوع:
    http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=29715
    كنت أنوى أن أكتب عنهما بنفسى، لكن بصراحة أنا أفضل أن أقرأها بأسلوبك أنت
    مَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ مَا اسْتَطَاعَ
    فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الآخَرِ !

  3. #48
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    2,867
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    19

    افتراضي

    أبشر أبشر أيها الأخ المحبب مارو, ترقب معي قريبا جدا يومية جديدة من يوميات بطل الكوميديا الإلحادية:
    هل الإلحاد عسير الهضم؟
    وبعد أن يهضمها أبو الإلحاد على مضض سيتحفنا إن شاء الله برائعته:
    الإنجاز في شفاء الملحد من عقدة الإعجاز.
    {‏ رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} إبراهيم: 41

  4. #49
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    2,867
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    19

    افتراضي

    17 هل الإلحاد عسير الهضم؟

    عاد أبو الإلحاد إلى بيته متأخرا ليلة من ليالي الصيف قضاها في رفقة بعض الزملاء في مقهى "صرار الليل", كانت الساعة تشير إلى الساعة الثانية بعد منتصف الليل. دخل شقته وهو يغالب النوم والجوع, ولا يدري بأيهما يضحي, فإنه قضى الليلة الفائتة أرقا يتقلب دون أن يكتحل بنوم, وقضى طرفا من هذه الليلة في مكان يغمره الدخان وتملؤه جلبة من لا يكفون عن الثرثرة واحتساء القهوة. وهاهو الآن يشعر بأمارات النوم فيؤثر أن يستلقي في فراشه لعله ينعم بساعات سكينة تحت سلطان الكرى. فليصبر على الجوع فذاك خير له من مدافعة النوم وهو خير غائب ينتظر. أغمض عينيه فسمع شخير زوجه كأنه صوت محرك سيارة عتيقة. عجبا, إنها لم تكن تشخر أبدا قبل ذلك. حمل لحافه وقام إلى غرفة الضيوف واستلقى على الأريكة. ما أن أغمض أجفانه حتى بدأ يسمع عزف مصارينه كأنها أوتار كمان يؤدي سيمفونية حزينة, فيئس من النوم وأزمع أن يضع حدا لتلك القرقرة في بطنه, فقام ودخل المطبخ, ففتح الثلاجة فوجدها مقفرة, ثم جعل يدور في المكان يبحث عن شيء يسد جوعته في لهفة, فلم يجد إلا رغيفا محترقا وقدرا فيها بقية من عدس في إحدى زوايا المطبخ, رفع الغطاء فارتفعت رائحة غريبة إلى خياشيمه, لم يتذكر متى أعدت نوال ذلك الطبق, أقبل يومين أم ثلاثة, لكنه لم يكترث كثيرا, فجوعه الشديد سيجعل من هذه الفضلة الحقيرة وليمة فاخرة. وضع القدر على النار وانتظر قليلا ثم رش عليها بعض البهارات, وأكثر من محبوبه الفلفل الأبيض, ثم شرع يغرف العدس ويقضم الرغيف المحترق ويمضغه بجهد بالغ, أحس معه أن عظام فكه تكاد تنخلع, وشرع يبلع الطعام ولا يكاد يسيغه, ويتبعه ماء حتى أبصر قعر القدر وامتلأت بطنه, فعاد ليستجدي النوم مرة أخرى بعدما أطفأ حرقة الجوع.

    وما أن أغمض عينيه حتى أحس أن حربا بيولوجية قد نشبت في بطنه, وأن جيوشا بكامل عددها وعتادها بدأت تصطف في مصارينه مؤذنة بزحف مزلزل, ثم بدأ القصف المكثف, لقد أصبحت بطنه مختبرا كيماويا لإنتاج أنواع متطورة من الغازات. لا بد أنه أخطأ في التهام ذلك الطعام المتغير. استولى عليه ألم فظيع كأنه ابتلع رحى من حجر الصوان, لقد خيل إليه بالفعل أن رحى تدور في أحشائه. قال في نفسه: "لقد أخطأت بتناول الطعام في هذه الساعة, لو أكلت التراب والحصى لكان أيسر للهضم من هذا العدس الذي استحال في أحشائي رصاصا, ثم كيف يأكل العاقل خبزا اسود من طول مقامه في الفرن, لو كنت طعمت فحما لما اختلف الحال." قام أبو الإلحاد متثاقلا, وبدأ يذرع الغرفة جيئة وإيابا, ثم بدأ يقفز لعله يحفز جهازه الهضمي ليكمل المهمة المستحيلة, لكن يبدو أن الخلطة التي أنزلها إلى معدته صارت مثل الإسمنت المسلح, ذهب إلى الحمام وغمر رأسه في الغسالة, واستقاء حتى كادت عيناه تخرجان, لكن الوجبة المتغيرة كانت أثقل من أن تقطع ذلك الطريق الطويل إلى فيه, فانقلب إلى فراشه يتوجع ويتأوه ساعة, ثم استلقى على بطنه فخف ما به شيئا يسيرا. خطر له أن الجهاز الهضمي البشري يحتاج إلى تطوير يكفل له القيام بتصحيح ذاتي لأخطاء التغذية, مثل الحماقة التي ارتكبها لتوه, كأنه لا يميز بين مطعوم ومسموم. ونبت في رأسه هذا السؤال: "لماذا يستطيع الكبد مثلا أن يخلص الجسم من كثير من السموم, ويعجز جهازي الهضمي عن التخلص من شر بعض الخبر المتفحم؟ أليس السبب الوجيه هو تفاوت الكفاءة التطورية للأعضاء البشرية؟ مرة أخرى أحصل على البرهان القاطع أن التطور يفسر كل شيء, حتى هذا المغص الذي يقطع مصاريني الآن, دليل على أن أمامنا أشواطا قادمة من الصعود في سلم التطور".

    أغمض عينيه لينغمس أكثر في تأملاته الداروينية العميقة فرأى نفسه يمشي في عالم عجيب, لقد رأى نفسه في مراحل متقدمة من التطور الدارويني للجنس البشري, رأى قبيلة متخلفة داروينيا لم تنبت لها أسنان بعد, فكان أفرادها يحيون على السوائل فقط, خصوصا أن الغدد اللعابية لم تتطور لديهم أيضا, كانت حياتهم قاسية جدا. كانوا يكادون يموتون من الغيظ لأن جيرانهم أصحاب القواطع والأضراس المتطورة يتلذذون من دونهم بأطايب الطعام, ويلتهمون الطيور المشوية والبيض والفواكه الرطبة والجافة, فبدأ أفراد القبيلة يعانون من قرحة المعدة لأنهم كانوا يبلعون بعض قطع اللحم لفرط قرمهم إليه. وكانوا أحيانا يطبخون اللحوم طيلة اليوم حتى تذوب تماما فيحصلون على حساء ساخن بطعم لذيذ, لكنهم كانوا يتطلعون إلى ذلك اليوم العظيم الذي يحظون فيه بقضم قطع الشواء النضيج وأصناف الأسماك الطازجة.

    تخيل أبو الإلحاد كيف بدأت هذه القبيلة تعاني من الهزال وسوء التغذية حتى خشي زعيمها عليها الانقراض, وبعد أن أخفقت كل الجهود في استنبات أسنان لأفرادها بطرق الطب التقليدية, بدأ بتشجيع التزواج بين أبناء عشيرته ذوي الابتسامة الباهتة واللثة المتورمة وبين بنات العشيرة المجاورة ذوات الثنايا الناصعة والأنياب الناتئة, لكن محاولاته باءت كلها بالفشل لأن أولئك الرجال الذين نشئوا على الحساء كانوا أضعف جسوما من أولئك النسوة المتنعمات. بل إنهم كانوا يعانون من كثير من العقد النفسية بسبب نقصهم الدارويني الفظيع, عندها أحس أبو الإلحاد بانقباض شديد في عضلات بطنه ففتح عينيه, وفهم أنه نداء الطبيعة يستحثه أن أسرع, فقام مترنحا صوب الكنيف, لكن الطبيعة كانت ككل مرة أسرع منه, مر بكفه يتحسس سراويله, وخف الضغط أخيرا عن بطنه, دخل الحمام وخلع ثيابه وهو يوبخ نفسه: "في المرة القادمة ازدرد محتويات القمامة بالفحم فلا فرق بين ذلك وما فعلت الليلة." استحم بسرعة وهو يتساءل: "لماذا لم يطور أجدادنا معدة تهضم الطعام بفاعلية أكبر؟" إذا كانت الأبقار تهضم العشب والثعابين تهضم الجرذان بدون مشاكل تذكر, فلماذا نحتاج نحن إلى كل تلك الأواني والنيران والبهارات؟" تخيل كم سيقتصد سكان الأرض لو كانت لهم أجهزة هضم متطورة داروينيا.

    قرر أن يردم هذه الفجوة العلمية وأن يزيل عنه الأمية بخصوص تطور الجهاز الهضمي البشري ففتح حاسوبه وغاص في أعماق موقع جوجل. أدخل هذه الكلمات في خانة البحث: "تطور الجهاز الهضمي" فلم يظفر بشيء يشفي غليله ويشبع فضوله, فعاد فكتب: "الداروينية و الجهاز الهضمي" فانصب عليه سيل من مواضيع المتدينين يتندرون على الإمام الأكبر أبي الطفرات دارون, كانت مواضيع تنم عن استهتار بالعلم وأئمته: "الأسنان تقول لك أخطأت يا دارون." , "الداروينية هي الزائدة وليست الدودية", "إنها الأنزيمات أيها التطوري". أحس بالاحباط فاندفع إلى مواقع "الجرب والجذام" فكان كالمستجير من الرمضاء بالنار, لم يجد لدى الزملاء إلا ردودا طويلة لتفنيد مقالات الخصوم, لكنه لم يجد التسلسل العلمي المنشود لتطور الجهاز الهضمي البشري كما كان يرجو, تمنى لو يجد مقالة مقتضبة بعدما يئس أن يقع على بحث علمي يعرض للمسألة بالتفصيل الممل. تساءل: "أيعقل أن تكون في نظرية النظريات الإلحادية هذه الثغرة العظيمة؟ لا بد أنها مؤامرة دنيئة لتشويه الداروينية يقودها أنصار الأديان في العالم." أطفأ الحاسوب وهو يتساءل: "إذا تعذر تطوير الجهاز الهضمي عن طريق تحفيز آليات الداروينية, فما المانع من اللجوء إلى زراعة الأعضاء؟" تذكر أنه قرأ عن الخصائص المميزة لمعدة الضبع, وأنه يأكل الجيف المنتنة ولا يتأذى, بسبب أنزيماته المتطورة. فخطرت له فكرة غريبة جعلته يقهقه كالمجنون في جوف الليل, تساءل: "ماذا لو استطاع الأطباء أن يزرعوا له معدة ضبع؟ إذن لصارت تجربة المغص والإسهال الذي عاناه الليلة أمرا مستحيلا!" اعترف في قرارة نفسه أن أكبر ألغاز الداروينية أن يكون الإنسان الذي يفترض أن يكون على قمة هرم التطور بطيئا ضعيف السمع والبصر إذا قيس إلى غيره من الحيوانات. لكنه استطاع رغم قصوره الجزئي عن بلوغ مبلغ الضباع أن يطور آليات لتدارك بعض النقص في جهازه الهضمي, منها رد الفعل الذي خلصه من ورطته الليلة, فالإسهال وصفة طبيعية سهلة أعادت الأمور في بطنه إلى نصابها.

    لكن كيف له أن يتخلص من الشوائب غير العلمية في نظرته للحياة من حوله. إنه يشعر أن إلحاده أعسر هضما من الخبز المتفحم ومن العدس المتعفن. لقد مضت عليه عشرون عاما وهو يغلي في رأسه حتى أنتن, فيا ليت الطبيعة طورت له إسهالا فكريا يضطره إلى إفراغ الشحنة المسمومة لترشح عبر شقوق جمجمته لعله يستريح فيعود كما كان سعيدا متفائلا يضع رأسه على الوسادة فينام كأنه طفل.
    عاد إلى المطبخ وأعد لنفسه شاي البردقوش المحلى بالسكر, إنها وصفة أمه السحرية لعلاج انتفاخ البطن, شرع يرتشف من الفنجان فأحس كأنه بدأ يعود طفلا بريئا لم يتدنس قط بشك ولا إلحاد...
    التعديل الأخير تم 04-25-2011 الساعة 01:35 AM
    {‏ رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} إبراهيم: 41

  5. #50
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    2,867
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    19

    افتراضي

    18 الإنجاز في شفاء الملحد من عقدة الإعجاز


    تسلل أبو الإلحاد إلى أكبر منتديات "الجرب والجذام" خلسة, يرجو أن يجدد إلحاده وأن يزكي عناده, فقد أصبح مذبذبا يخشى على نفسه الفتنة, لفرط ما أصابه من الزلازل الفكرية والقلاقل النفسية التي صدعت بناء معتقده, وأوهت أركان دينه, فبدا مهلهلا تخترقه الشقوق. إنه يخشى أن يصبح يوما ما من دهره عاريا, ليس له من أسمال الإلحاد ما يستر عورة عقله.

    ما فتئ صاحبنا يتعرض -منذ ألغي اشتراكه في جميع منتديات "الجهاد اللاديني الإلكتروني"- لشبهات المتدينين ومغالطات الموحدين. لقد غدا كئيبا تتنازعه هواجس الإيمان, ويتأرجح بين الظن واليقين. دخل على صناديد الدعوة الإلحادية منكس الرأس متخفيا, بعدما كان يدخل عليهم بمعرفه الرنان "أبو إلحاد", جاءهم لعل قبسا من مذهب التنوير يلفح وجهه الحزين فينفض عنه العبوس, ويضفي عليه شيئا من طمأنينة الشك المنهجي وسكينة الخواء الفلسفي. ولكم كانت دهشته عظيمة حين وجد المنتدى العتيد مقفرا ولونه باهتا, ينقنق فيه "الضفدع الأبقع" وحيدا حزينا لا مؤنس لوحدته, لا يحفل أحد بنقنقته التي يرجعها الصدى الإلكتروني لجدران المنتدى الباهتة.

    والضفدع الأبقع ليس من البرمائيات كما يوحي بذلك اسمه, بل هو أحد الزملاء الأشاوس, وهذا معرفه, فللملاحدة ولع بالأسماء الطنانة, ويكفيك مطالعة أسماء المشتركين في ذلك المنتدى لتشعر بنفسك قد حللت ضيفا على الخنانيص الثائرة في مرزعة جورج أورويل الشهيرة. فهذا "جلجامش" الحكيم, وذاك "سوبر ملحد" السليط, وذلك "الخفاش البصير" صاحب المواضيع الرومانسية الحالمة. ومنهم أصحاب المعرفات الماسية مثل "صرصور الهصور" صاحب نظرية تطور الأخلاق الإنسانية, ومنهم الزميلة الرقيقة "ذبابة الفاكهة" التي تدحض النظرية القائلة بأن الإلحاد العربي ظاهرة ذكورية, وغيرها من المعرفات التي تنبئك عن روح الكوميديا الإلحادية. ولا يحسبن أحد أن أبا الإلحاد يتجنى على زملائه بعدما هجروه, فتلك بالفعل نماذج من معرفاتهم, ومن ارتاب فدونه الشبكة حتى يزداد معرفة بأحوالهم.

    لم يجد لسوء حظه موضوعا جديدا يستحق القراءة. وبدا أن سوق "الزندقة الافتراضية" تعاني من آثار الأزمة العالمية, لكن شريطا في الأرشيف استوقفه بلغت مرات قراءته الآلاف للزميل "المهرطق الأكبر" أو "قبطان المستنقعات" سابقا, عنوانه: "نقض مقالات الإعجاز العلمي". بدأ يتصفح الموضوع فقرأ عن الآيات الكونية في القرآن, فمرت به المصطلحات التالية: السماوات والأرض والنجوم والأفلاك والشمس والقمر والشهب والرجوم والليل والنهار والنور والضياء والظل والحرور والفلك والرياح والماء والنبات والنمل والنحل والعسل والشفاء والبحار والأنهار والبرزخ والبحران والسحاب والودق والولادة والرضاع, تصفح العناوين يقفز من رأس الصفحة إلى ذيلها يبحث عن النقض حتى شعر بالصداع, فلم يجد نقضا للإعجاز, بل عجزا عن النقض, لقد أصابه الموضوع بالإحباط. فبدأت خواطره تدور في رأسه: "إن كتابا ذكر هذا كله قبل ألف عام لكتاب محير بالفعل, وهذا الزميل الذي قضى كل ذلك الزمن في تجميع هذه المواضيع يستحق لقب "أبو مقص" لتفننه في أدبيات القص واللصق, فإني لم أزدد بعد اطلاعي على شذرات من ردوده إلا شكا, يا له من مخاتل يورد الآيات كأنه في سباق, ويستأصلها من السياق, ويبثها لغرض في نفسه تحيط بها علامات التعجب, ثم يبحث في التفسير عن غرائبه, ويغوص في اللسان عن عجائبه, ويتصيد من التاريخ عثراته, ويسكب على الإنصاف العلمي عبراته, ثم لا يأتي بشيء ينقض الإشكال الأعظم من أساسه, إنه لا يجيب الجواب الجامع الفصل المفحم عن السؤال الذي يصرخ في رأسي الساعة: "من أين لقوم بدو في صحراء قاحلة هذه المعارف أصلا؟" يا له من مدلس ماكر, يورد على مقالة الخصم إشكالات لغوية ومنطقية وأنتربولجية وسوسيولوجية وسايكولوجية وجيولوجية وبيولوجية لكنه يحيد عن النظر إلى جوهر المشكلة: "لماذا تحتوي هذه النصوص على مضمون علمي لا صلة له بالواقع التاريخي الذي تنتمي إليه؟ لماذا لم يجب "المهرطق الأكبر" عن هذا السؤال رغم أنه قضى سنوات يدعي فيه نقض فكرة الإعجاز العلمي؟" ما أشبه الزميل ببغل الطاحون, يدور ويدور, وعند تمام كل دورة تتاح له فرصة النظر في عين المسألة مباشرة, لكنه لا يلمسها ولا يناقشها, لأنه لا يتوقف عن الدوران, لقد أصبتني بالدوار أيها الزميل المهذار," بدأ يقلب الصحائف, فازداد تخبطا وتحيرا: "هاهو الزميل الصنديد تتقطع به السبل وتعييه الحيل فيدعي أن تلك المعارف منتحلة من كتب الإغريق. ويستدل لذلك بموسوعة "الويكي". يا له من مصدر علمي عريق كأنه إبريق ملقى على قارعة الطريق, ومن أدراني أنه هو نفسه من ألف مقالات تلك الموسوعة "العلمية" أيضا؟"

    قرأ أبو الإلحاد عشرات الصفحات فوجد الكاتب يطير به من الجزيرة العربية إلى اليونان عبر بابل ثم يعرج به على معابد فارس ثم يحط الرحال عند الفراعنة. لكن يبدو أن جميع محتويات المتاحف العالمية من ألواح ونقوش وأوراق بردي لن تفلح في إخفاء عجزه الفاضح عن الإجابة عن لب الإشكال: "عزيزي المشعوذ الأكبر, متى تنوي أن تجيب عن السؤال الذي يقطع دابر النزاع: من أين لكتاب ديني عتيق هذا المضمون العلمي الذي ذهبت كل تلك المذاهب في دحضه وما أراك أفلحت؟ متى تجيب أيها الزميل بما يشفي عقل الملحد الزنديق ويقطع وساوس اللاأدري المتحير ويذهب شكوك اللاديني المضطرب؟ لكم تمنى لو كان يستطيع المشاركة ليطرح عليه السؤال: "كيف السبيل لشفاء الملحد العليل من عقدة إعجاز التنزيل؟"

    هاهو "المهرطق الأكبر" يسعى في نقض دعوى الخصوم موافقة كتابهم لأحدث العلوم في وصفه لمراحل تكون الجنين, فهل قال المشعوذ الأكبر إن كلامهم هراء, والعلم منه براء, كلا إن المأفون يقر لهم بمطابقة حقائق علم الأجنة, ثم يستطرد لينسب الفضل في تلك العلوم إلى أبوقراط, ويرمي المسلمين بالاقتباس من متفلسفة الإغريق. يا للفضيحة, إنه يستشهد بأبوقراط الذي يظن أن لحمه وعظمه وجسمه نشأ من تجلط دم الحيض. وأين ذكر التجلط في كلام الخصم؟ إن الذي سيتجلط قريبا هو الدم الذي يفور داخل جمجمتي تحت وطأة غباء هذا المشعبذ المغرور." لقد تأكد أبو الإلحاد مرة أخرى من صدق شعاره الذي اتخذه لنفسه منذ سنوات: "ليس كافيا أن تمتلك إلحادا جيدا، بل المهم أن تستخدمه جيدا." وهذا الزميل جيد الإلحاد متينه, ولو شئت لشبهته بأناكوندا مكتنزة اللحم موفورة الشحم شديدة السم, وإنما شبهته بالأناكوندا لقدرته على الزحف والالتفاف, لكنه للأسف لا يجيد استخدام إلحاده, فهاهو يؤلف موضوعا يصيب من لا يحصون من الزملاء في مقتل. يقرؤون ثم يشكون ثم يتساءلون ثم ينتكسون فيكون وزر ذلك عليه, فيصيب بنيان مذهب التنوير ثلم لا ينجبر, فضلا عن تكثيره لسواد المتدينين وشقه لصفوف الملحدين.

    وصل إلى الصفحة الخمسين فلم تكن خيبته بها أقل منها بسابقاتها, هاهو الزميل يتهم الخصوم بلي أعناق النصوص, وهبهم فعلوا فتلك نصوصهم, وياليته اكتفى بذلك فاستوى الفريقان في مقدار اللي ودرجته وموضوعه, لكن العلامة المهرطق تعدى ذلك إلى لي عنق التاريخ والجغرافيا والمنطق واللغة والطب, إن الأبعد لم يترك علما إلا لوى عنقه وهشم عظامه ليستقيم له ما أراده.

    افتتح أبو الإلحاد صفحة جديدة في مدونته و طفق يتساءل عن سر استماتة الزملاء في التقليل من شأن الدلالات العلمية لنصوص الخصوم الدينية, فترجح لديه أن ذلك يرجع إلى أمرين. أولهما أنهم يمتعضون أشد الامتعاض من تطفل المتدينين على ميدان هم فرسانه, وعلى مضمار هم حملة أعلامه, إنهم دون سواهم أصحاب العقول الراجحة والفهوم الثاقبة والعلوم الباهرة, فكيف يجرؤ معمم أن يدنو من حمى العلم المادي وهو لم يتحرر بعد من الإيمان الغيبي؟ لا ريب أن هذا هو السبب الأول.

    أما الثاني فهو ما يعانيه هو نفسه, إنه الشك الذي يأكل خلايا مخه, ويحفر فيها السؤال المخيف: "ماذا لو كنت مخطئا؟" إنه يتساءل الآن حين تجتمع كل هذه المادة الدينية أمام ناظريه: "ماذا لو كان هذا بالفعل كلام من خلق هذه الأكوان وسير أفلاكها وكور أرضها وشق أنهارها وأجرى بحارها؟" إنه الإشكال الذي تمنى أنه يلقى البروفيسور "دونكي" ليسمع منه شخصيا الجواب الكافي عنه, فلعله يصف له -لتبحره وسعة إلحاده- الدواء الشافي الذي يحل عقدة الإعجاز العلمي عند ملاحدة العرب الإنترنيتيين.

    لكنه سيكتفي الآن بوضع رؤوس أقلام بحسب ما تجود به قريحته يلخص فيها رؤيته لحل هذه المعضلة العويصة. كتب صاحبنا ما يلي:
    "لا يشك متنور عربي اليوم أن الزملاء يعانون بدرجات متفاوتة من عقدة شديدة يمكن وصفها ب"متلازمة أعراض الإعجاز" اختصارا "معجز". فهم في الجملة يفضلون في جدالهم للمسلمين لزوم الجعجعة الفلسفية والبقبقة الكلامية حيث تكثر فرص الانسحابات التكتيكية تحت غطاء أساليب الاستدلال السوفسطائية الماكرة, لكن الخصوم درجوا في العقود الأخيرة على ذم الكلام وأهله وابتدعوا في دينهم بدعة انتحال نتائج البحوث العلمية بعد إخضاعها لعلمية إعادة تقييم منظمة, بآليات تأويلية تضفي عليها صفة الإعجازية. وحسب تقديري للوضع الراهن, فإن محاولاتنا لثني الموحدين عن هذه المسالك المبتكرة الماكرة, بالتشويه والسخرية قد باءت بفشل ذريع. ويجب أن نقر بأننا نعاني مشكلة بل عقدة حقيقية هي "عقدة الإعجاز العلمي". وسأبدأ في بلورة تصور أولي لسبل التغلب على تغلغل متلازمة "معجز" في الأوساط الإلحادية العربية.

    ورأيي أن نشرع في تبني خطة من شقين لإعادة التوازن إلى الصراع التاريخي الجاري بين مذهب النور ومذهب الظلام. شق دفاعي وآخر هجومي. وهذه أبرز بنودها:
    1. تتلخص الخطة الهجومية في التالي: يبدأ الملاحدة بالاتفاق على كتاب إلحادي معجز, فيضعون له نظرية إعجازية إلحادية متكاملة, ويتحدون المتدينين أن يأتوا بمثل ذلك الكتاب, وبهذا نكون قد بدأنا المعركة. ومن الكتب المقترحة: "كتاب أصل الأنواع" لإمام المذهب دارون و "كتاب صانع الساعات الأعمى" للبروفيسور المجدد "دونكي".
    2. نقوم بصياغة تصور شامل عن إعجاز الصدفة التراكمية التي لا تنقطع عن الابداع. فبها ولد النظام من رحم "اللانظام" وبها خرجت القوانين من شرنقة الفوضى.
    3. نقوم باختيار بقعة تكون مركز الإلحاد العالمي وكعبته ونقترح أنها مركز العالم, وأقترح أن تكون جزر جالاباجوس لقيمتها الروحية البالغة لدى الملاحدة.
    4. أما الشق الدفاعي الذي سنسعى من ورائه لدحض دعاوى الإعجاز العلمي التي يلوح بها الخصوم فأيسر السبل المقترحة أن نقوم بنسبة كل معلومة علمية في كتب المتدينين توافق العلم الحديث إلى الكائنات الفضائية التي ألقت في الأرض شيفرتنا الجينية كما هو مشهور في مذهب القسيس "دونكي" في أحد قوليه. فالربط بين معارف أرضية وبين حضارة فضائية تفسير له وجاهته من الناحية العلمية إذا قيس بالتفسيرات الميتافيزيقية الغيبية. ولا يضيرنا أن تكون حقيقة هذا الأمر غائبة عن إدراكنا في الزمن الراهن, لأن الغيب غيبان كما هو مقرر في مذهب الإلحاد, "غيب ميتافيزيقي عتيق" و"غيب علمي مستقبلي". وهنا مربط الفرس الذي سنمتطيه في حملتنا لبيان وسائل شفاء الملحد من عقدة الإعجاز, ويبقى للزملاء أن يعلفوه ويسرجوه ويجلبوا به على حصون العلم ليخلصوها من تطفل المتدينين." ختم أبو الإلحاد تأملاته بهذه الجملة الشاعرية, قرأها مرات فتملكه الإعجاب, وتنهد وهو يحدث نفسه: "لو يعلم الزملاء أي فتى أضاعوا بإلغاء عضويتي في منتدياتهم, سيعرفونني حين يهتز إلحادهم, وفي الضحوة البيضاء يفتقد الليل...
    التعديل الأخير تم 04-28-2011 الساعة 01:11 AM
    {‏ رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} إبراهيم: 41

  6. #51
    تاريخ التسجيل
    Mar 2011
    الدولة
    مصرى مقيم بالخارج
    المشاركات
    2,815
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    8

    افتراضي

    الله الله يابن الزبير...
    أفضل وأروع بكثير مما تخيّلتها !
    إستمر يا هشام... وروح القدس معك
    مَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ مَا اسْتَطَاعَ
    فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الآخَرِ !

  7. #52
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    2,867
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    19

    افتراضي

    19 أبو الإلحاد في بلاد العجائب

    حل الربيع فاكتست الطبيعة أزهى الحلل, أبو الإلحاد ملحد رومانسي يجل الطبيعة أيما إجلال, وهو لا يتحدث عن أخطائها وعيوبها إلا لإفحام المؤمنين, لكنه في قرارة نفسه متيم بها معجب أيما إعجاب. خرج ليقضي يوم عطلته الأسبوعية في إحدى المنتزهات العامة. أخذ صاحبنا مكانه على بساط العشب الأخضر يلتحف السماء ويتملى فيها كأنها البحر الخضم في زرقته وبهائه. وفجأة حطت على أنفه دعسوقة فاكتملت فرحته فهي أحب الحشرات إليه, فاجتهد أن يسكن كيلا تطير, نظر إليها وقال في نفسه: "إني أغبطك أيتها الدعسوقة الحمراء الزاهية, فلو علمت كم أعاني من تطور هذه الخلايا الرمادية في جمجمتي لعلمت أنك أسعد مني وأحسن حالا..."
    "آه يا دعسوقتي الحمراء المبرقشة, أنت تطيرين في خفة ورشاقة وأنا أدب على الأرض أنوء بهمي, فيا ليت لي حياتك فإني قد شارفت الجنون." عندها أحس بدغدغة في أنفه, واجتهد أن يتمالك نفسه كيلا يعطس, لكن الأمر كان أكبر منه, ارتج المكان بصوت عطاسه وطارت الدعسوقة واعتدل أبو الإلحاد جالسا ونظر حواليه متفكرا: "ما الذي ينقصني كي أكون سعيدا؟ كل ما حولي ينطق بالجمال, فلم تنخرني التعاسة؟" تساءل في نفسه: "ما سبب سعادة الدعسوقة وهي أدنى مني في سلم التطور؟" طفق يتأمل الناس حتى وقع في نفسه أن سر السعادة يكمن في بناء مجتمع على غرار المجتمع الدعسوقي, فهو مجتمع متفتح كما توحي بذلك ألوانه النضرة, وهو مجتمع لا يعاني من الفكر الخرافي, لأنه لا يعاني الفكر أصلا, إنه مجتمع يستحق الدراسة بحق. إنه يحلم بيوم ينطلق فيه المجتمع البشري نحو السعادة فيرفرف بأجنحة العلم في فضاء التنوير. تأمل الفرق الشاسع بين الخنفساء السوداء البغيضة إلى قلبه وبين الدعسوقة ذات الألوان الزاهية, وتساءل: "لماذا أخفقت الخنافس السوداء في تطوير التفاعلات الكيميائية المناسبة لتلتحق برفيقاتها الحمراء الفاتنة؟ بدأ يقرأ مقالا حول مراحل تطور الحمير, قرأ فيه أن آخر الأبحاث ترجح أن الحمير طورت الحوافر حتى تتغلب على عدو لدود في فترة متأخرة من الزمن الكمبري. يقول البروفيسور هانس إيزل إن نوعا من القنافذ البدائية كان يملأ الموطن الأصلي لأسلاف الحمر الموجودة اليوم, وينغص عيشها, فقد كان يتخفى بين الأعشاب بأشواكه المدببة التي كانت في صلابة الفولاذ, فكانت تخترق قوائم أسلاف الحمر البائدة وتنفد أحيانا إلى مخ سوقها. وبعد معاناة دامت أجيالا متعاقبة منكوبة, يتعرض عدد كبير منها إلى العاهات وبتر الأطراف, اكتشفت بعض الحمير المتفوقة داروينيا آليات الانتخاب الطبيعي, فقامت -بطريقة لا تزال مجهولة لنا- بتيبيس أطراف قوائمها, مما أدى إلى ظهور الحوافر. وقامت بتوريث هذه الأحذية العملية إلى الأجيال اللاحقة. أما الحمير التي لم تستوعب ضرورات المرحلة فإنها انقرضت غير مأسوف عليها بعدما عاشت عرجاء مشوهة.

    قرأ كذلك عن سر جلود الحمر الوحشية المخططة. لقد سره كثيرا أن يقرأ أنها كانت تتعرض باستمرار لأشعة الشمس المحرقة, فكانت تلوذ في فترة الظهيرة بظلال الأشجار, فكانت الأجزاء التي تتسلل إليها أشعة الشمس -عبر الأغصان التي قامت الزرافات بتعريتها من أوراقها- تتحول تدريجيا من السمرة إلى السواد, والأخرى المظللة تبيض شيئا فشيئا حتى اكتست الحمر الوحشية بتلك الحلل الزاهية التي نراها اليوم. إن الحمر المخططة تدين بجلودها الجذابة إلى ولع أسلافها بالحفاظ على القيلولة اليومية. أما الحمر الأهلية التي التحقت بالإنسان في الحقول والبيادر, فإنها حافظت على جلودها الأصلية, لأنها حظيت بظروف عازلة للحرارة في الزرائب المسقوفة. صاحب المقال يؤكد أن هذا التطور استغرق ملايين السنين. تفكر أبو الإلحاد في هذه النقطة المحورية, واستغرب من استصغار المتدينين للقدرات الخلاقة التي يتحلى بها الزمن واستخفافهم بآليات الانتخاب الطبيعي والنتائج التراكمية للصدفة العلمية. بالنسبة له فالقضية محسومة لكنها لسوء حظ المتدينين لا تفهم إلا من داخل شرنقة الإلحاد الضيقة. تذكر حين رد على متدين في إحدى مناظراته قائلا: "عزيزي, أنتم تؤمنون بالخلق, وتعتقدون أن الكون وما يعج به من أشكال الحياة خرج للوجود طفرة واحدة, وهذا أمر عجيب, ثم إنكم تنكرون نظرية التطور وهي أرقى ما توصل إليه العقل البشري, إنها تدرس في أرقى جامعات العالم, وأنا أقول لك: أعطني قليلا من الهليوم وشيئا من الهيدروجين و قدرا معقولا من الطاقة وأعطني كثيرا من الوقت لتختمر هذه المكونات المادية في أتون الصدفة التراكمية التي تقوم بعملية انتخاب طبيعي مستمرة, وسترى أن نشأة الكون مسألة مفهومة نسبيا, كل ما هنالك أنها تحتاج لبلايين السنين, لذا يا عزيزي لن يكون هنا أحد حتى يشهد على عبقرية وإعجاز الطبيعة." غاص أبو الإلحاد في تأملاته الداروينية وأغمض عينيه لتنفتح صفحة عالمه الداخلي العجيب.

    وصل إلى مرج خصيب تنعكس أشعة الشمس على صفحته اليانعة, فتتلألأ الأزهار الملونة كأنها مصابيح كاشفة, أحس بالتعب, فسار إلى جدول قريب وانتصب على أربع وكرع كالدابة ماء لم يعرف لمذاقه مثيلا, بحث عن ظل فرأى تلا بارزا قرمزي اللون تظلله الأشجار, عجب للونه ثم صعد إليه وجلس يستغرب مما يراه. ندم أنه لم يأخذ معه الكاميرا, إن جزر جالاباجوس تبدو بالقياس إلى هذا المكان كالصحراء القاحلة, نظر حوله فرأى مخلوقات غريبة, رأى حيوانا نصفه دب ونصفه حوت, لا بد أنه الدب اللبيب الذي ذكره أبو الطفرات دارون, ذلك الدب الألمعي الذي فطن للمخزون الاستراتيجي الهائل الذي تتمتع به المحيطات, فقرر القيام بعملية تحول داروينية بطيئة ومعقدة, ترى هل كان يعلم أننا نعيش فوق كوكب أزرق تغمره المياه إلا قليلا, فترجح لديه أن الماء خير من الطين؟ لست أدري لكنه هناك ما أجمله, إن لوحات سالفادور دالي تبدو باهتة تافهة كخربشات الأطفال قياسا إلى هاته التحفة الداروينية اليتيمة.

    رأى مخلوقا غريبا يشبه الغزال ويفوقه حجما يعدو بأقصى سرعة ليفر من سبع ضار له رأس أسد وجسم ضبع, فقفز الغزال الضخم ولم ينتبه إلا و عنقه معلق بين أغصان شجرة ملتفة الفروع فظل هكذا متدليا يتأرجح, حتى يئس المطارد من الطريدة, فانسل خائبا حزينا, حينها شرع الحيوان الغريب يتأرجح يمنة ويسرة, وبدأ عنقه يتمدد حتى صار ثلاثة أضعاف حجمه, ثم احتال حتى خلص نفسه. الآن تبين أبو الإلحاد هذا الصنف, إنها زرافة, "لقد أخطأت يا عم دارون, إن عنقها تطور فطال, لكن الأمر بخلاف ما توهمت, يا ليتني حملت معي ما أدون به هذه المعلومات العلمية الباهرة."

    بدأ يسير فوق ذلك التل القرمزي ويتأمل محيطه العجيب, فكان يرى كل مرة عجائب تفوق قدرته على التخيل, وبينما هو كذلك شاردا متفكرا إذ أحس بالأرض تهتز تحت أقدامه فجثا على أربع مستمسكا بذلك العشب الذي لم ير للونه مثيلا, ثم شعر أن التل يعدو به في سرعة هائلة, ثم أبصر أمامه رأسا عظيمة تهتز, حينها كاد يغشى عليه, إنه انطلق لتوه في جولة سياحية أسطورية على متن تورياساوروس عملاق, حاول أن ينظر أسفل منه فأصيب بالدوار, خيل إليه أنه يطل من الطابق الثاني من العمارة التي يسكنها, لا مجال لمغادرة هذا المركب الهائج, فليستمسك بأقصى قوته. مضت ساعة والديناصور الضخم يقطع به الأرض, لم يتصور أن دابة بهذا الحجم تقوى على العدو بهذه السرعة, كان يرفع بصره في كل مرة فيرى أغصان الأشجار كأنها رماح مصوبة إلى رأسه, فيخفيه مرة أخرى في وبر المركب القرمزي. وفجأة بدت له جبال شاهقة, تتخللها الشقوق والمغارات, فخطر بباله أنه يوشك أن يصبح وجبة عشاء دسمة دافئة لصغار التورياساوروس, إن الديناصور يعدو بالفعل كأنه سائق أحد مطاعم البيتزا يحاذر أن تبرد بضاعته. شعر بالرعب الشديد, فهو لا يريد مثل هذه الموتة, صحيح أنه فكر مرات كثيرة بالانتحار, لكن تصوره للديناصورات الصغيرة تحيط به وتقضم أطرافه بأسنانها الحادة جعله ينتفض في مكانه جزعا. فهو يريد أن يموت يوم يموت موتة رحيمة.

    التفت حوله وجرظ بريقه وودّ لو أنه كان مؤمنا فيستغيث بإله يدعوه ويتضرع إليه لينجيه, لكن الإلحاد حرمه من الإيمان بإله لا يدرك بالحس, لكنه في ورطة, وقد بان ضعفه واشتدت فاقته, إنه لم ير إلها حقيقيا يعتد به الزملاء المتنورون سوى "وحش السباجيتي الطائر" فاستجمع قلبه وأغمض عينيه وانبطح على بطنه ودعا بصوت خافت منكسر: "مولاي وعدتي, عبدك المتنور لم يبق له سواك, سيدي وحش السباجيتي الطائر, انقطعت حيلتي وظهر لك فقري, فأدركني..." حين فتح عينيه لم يصدق أن وحش السباجيتي جاء بالفعل يحلق في هيبة يكاد يسد الأفق بأجنحته البيضاء, إن الزملاء كانوا على حق, اقترب منه حتى كاد يلمسه, وظن أن الفرج قد جاءه, ومد يده ليتعلق بإله الزملاء ليطير به بعيدا عن فكي هذا الوحش الكاسر. لكن الديناصور لم يعبأ به, بل فتح فاه كأنه يتثاءب فخرج منه دخان كثيف كريه الريح, فشرع وحش السباجيتي يذوب كأنه قطعة زبدة فوق المقلاة, وبدأت أطرافه تسقط كأنها قطع من عجين, تذكر أبو الإلحاد آلهة اليونان التي كان يقاتل بعضها بعضا كما تتقاتل الوحوش الكاسرة, وشعر بالصدمة لعجزه وعجز إلهه المعجون, ماذا يفعل الآن هل يدعو الديناصور ويتضرع إليه بعدما قهر إلهه الإلحادي؟ عندها أحس بنفسه كأنه يسبح في بركة من ماء, لقد عرق كأنه ملاكم في الجولة الأخيرة, بعدما قضى زمان حلمه على ظهر ديناصور عداء, لقد عاد أبو الإلحاد من رحلة إلى العصور الغابرة, تجول فيها بين الأشجار الغريبة الباسقة, ورأى الحشرات والطيور والحيوانات قبل أن تتطور, لقد ازداد يقينا بصدق نظرية التطور, وفهم صدق العلماء المتنورين في تأكيدهم أن الإنسان لم يعاصر الديناصورات أبدا, لقد استيقن ذلك, فمن من البشر يطيق جوار تلك الشياطين العملاقة؟ بدأ تنفس صاحبنا ينتظم وبدأت أفكاره تهدأ فاعتدل قائما, نظر حوله في المتنزه فلم ير أحدا, كانت الشمس توشك على المغيب, فمضى إلى بيته يجر أقدامه...
    التعديل الأخير تم 04-30-2011 الساعة 08:27 PM
    {‏ رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} إبراهيم: 41

  8. افتراضي

    ماشاء الله تبارك الرحمن ,
    أسلوبٌ بديع وحرفٌ منيع ,
    ليتك تسعى لنشرها في كل مكان يُعنى بالأدب الهادف الساخر , كموقع الساخر مثلاً .
    بارك الله فيك وزاد كلماتك مدداً ,
    مُتابعة ..
    قال الله سُبحانه وتعالى { بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ } الأنبياء:18


    تغيُّب

  9. #54
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    2,867
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    19

    افتراضي

    أخي مارو, أحمد الله أن صياغتي لمقولات الزملاء قد راقت لك, وإن كنت كثيرا ما أقلب النظر في بعض الأمور كمن يمشي على حبل ويخشى السقوط. لذا فأنا أرحب بالنقد سلبا وإيجابا, فلا أخفيك أني أكتب بسرعة, ولا يتاح لي الكثير من الوقت للتنقيح.

    أختي عربية, شكر الله لك اهتمامك وتقديرك, وأنا أدعو كل من يقدر أن ينقل هذه الباقة من يوميات صاحبنا إلى بقية المنتديات, أما من يفلح في إيصالها إلى منتديات الزملاء بحيث تبقى ولا تحذف, فهذا يستحق بالفعل جائزة.
    {‏ رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} إبراهيم: 41

  10. افتراضي

    وأنا أدعو كل من يقدر أن ينقل هذه الباقة من يوميات صاحبنا إلى بقية المنتديات
    إذاً هذه إجازة من صاحب الموضوع , ودعني أُنّصب نفسي محامية لأعمالك وأقول هذا وفق الشروط التالية :
    - يجوز نقل هذه المقالات بشرط نسبِها إلى صاحبها " أ. هشام بن الزبير " من غيْر تعديل أو إضافة أو قص .
    - من الجيد ذكر المصدر وهو " منتدى التوحيد : www.eltwhed.com " إذا كان الموقع ( المنقول إليه ) لا يمنع
    وضع روابط خارجية .
    وفقكم الله أستاذنا وجزى الله خيراً كل من ينشر هذه الدرر .
    التوقيع : م/عَرَبِيّة .
    قال الله سُبحانه وتعالى { بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ } الأنبياء:18


    تغيُّب

  11. #56

    افتراضي

    يا اخي والله فنان........ ثق .... ما قرأت شيئا بهذا الاسلوب في حياتي كلها.....جزاك الله خيرا....استحلفك بالله بأن تدعوا لي بالثبات
    الكُفْرُ يُعْمي و يُصِم

  12. #57

    افتراضي

    رفع ................
    الكُفْرُ يُعْمي و يُصِم

  13. #58

    افتراضي

    اخي هشام....لا اعلم ماذا اقول غير جزاك الله الجنة.....
    كان يدور في خلدي ان اكتب شيئا عن مشكلة الملحدين مع سجل المتحجرات الذي يفضحهم....لكن قلت اسلوبي لا يرتقي لأكتب شيئا مفحما كوميديا.....فأتمنى ات سنحت لك فرصة ان تنورنا بمقال عن ((عقدة ابو الالحاد مع سجل المتحجرات
    ))
    الكُفْرُ يُعْمي و يُصِم

  14. #59
    تاريخ التسجيل
    Dec 2010
    الدولة
    كندا
    المشاركات
    750
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    الأخ اهشام له 5 ايام غائب
    خير ان شاء الله

  15. افتراضي

    الأخ اهشام له 5 ايام غائب
    خير ان شاء الله
    بالفعل افتقدنا الأخ هشام لعله خير .

صفحة 4 من 21 الأولىالأولى ... 2345614 ... الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 2 (0 من الأعضاء و 2 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. الكوميديا الألحادية
    بواسطة شهرزاد في المنتدى قسم الحوار العام
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 04-24-2014, 10:01 PM
  2. إعلان: الكوميديا الإلحادية السابعة بين الإلحاد الإفتراضي والارضي - فيديو -
    بواسطة محمود المغيربي في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 03-21-2014, 08:42 PM
  3. إعلان: الكوميديا الإلحادية، الحلقة الخامسة - نحو تنوير النحو - بالصوت ..
    بواسطة محمود المغيربي في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 01-15-2014, 09:46 PM
  4. إعلان: برومو للحلقة القادمة - نحو تنوير النحو - من الكوميديا الإلحادية
    بواسطة محمود المغيربي في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 01-13-2014, 09:12 PM
  5. لأول مرة الكوميديا الإلحادية بالصوت - بصوتي - ..
    بواسطة محمود المغيربي في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 18
    آخر مشاركة: 11-26-2013, 08:25 PM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء