صفحة 9 من 21 الأولىالأولى ... 789101119 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 121 إلى 135 من 301

الموضوع: الكوميديا الإلحادية

  1. #121

    افتراضي

    جزاك الله خيرا استاذ هشام

    اتمنى منك ان تكتب يومية اهتدى فيها احد اصدقاء صديقنا الرقمي وتتناول فيها ردة فعله
    حتى إذا جاءوا قال أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علما أم ماذا كنتم تعملون

    http://hamzatzortzis.blogspot.com/

  2. #122
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    2,867
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    19

    افتراضي

    أخي الكريم,
    جزاك الله خيرا, قد كنت عرضت لشيء مشابه في اليومية الثالثة (أبو الإلحاد في زمن الصحوة), لكن مثلك يأمر كما يقول المصريون, فترقب معي يومية جديدة يتعرض فيها صاحبنا لهزة عنيفة, ويأتيه ما لا قبل له بتحمله.

    أخوك هشام
    {‏ رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} إبراهيم: 41

  3. #123

    افتراضي

    جزاك الله خيرا استاذي هشام
    بالفعل قد تناولتها في (أبو الإلحاد في زمن الصحوة)
    فربما لم الحظها لانها من اولى اليوميات

    بارك الله فيك
    وكما يفعل الاستاذ عياض دائما
    لك مني باقة ورود
    حتى إذا جاءوا قال أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علما أم ماذا كنتم تعملون

    http://hamzatzortzis.blogspot.com/

  4. #124

    افتراضي


    أخي الحبيب هشام ..
    أستأذنك في نشر هذه الكوميديا الإلحادية في قسم القصص الدعوية
    باسمك في مدونتي التي أنشئها حاليا ً......... !
    مع الإشارة لمنتدى التوحيد أيضا ً...

    فهل توافق ؟!!..
    < سوف أقوم بتلوينها لك مجانا ً--- عرض مغري يعني >

  5. #125
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    2,867
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    19

    افتراضي

    هذا يشرفني أخي الحبيب, فافعل كما تحب أيها الأخ الفاضل.
    {‏ رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} إبراهيم: 41

  6. #126
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    2,867
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    19

    افتراضي

    31 تعديل المزاج الإلحادي

    ما فتئ صاحبنا يدور في بيادر الإلحاد المقفرة كما يدور بغل الطاحون, وكلما أكمل دورة عاد ليستأنف مسيرة التيه من حيث بدأها أول مرة. صار كثيرا ما يتوقف في مفترق طرق حياته المظلمة ليحك جبينه قائلا: "تبا, لقد مررت من هنا من قبل!" وأحيانا تتلاطم من حوله أمواج أحداث يكاد يرى تفاصيلها المقبلة, ويلمس ما تؤول إليه من الخسار والخيبة. خطر بباله أنه عثر للتو على تفسير وجيه لظاهرة "ديجافو", ليس للأمر علاقة بالعقل الباطن إذن, ولا بهمس ذكريات بعيدة, كل ما في الأمر أنها ثمرة حياة تعيسة خسيسة تنخرها الرتابة, تتكرر فيها المشاهد كأنها سلسلة تلفزيونية سخيفة, إنها صدى حياة تحياها دابة متطورة تجر رجليها على تربة تكاد تحفظ عدد ذراتها. قضى فارس التنوير سنوات عجافا يجتر المهانة ويلتحف الملل, ويقلب صحائف حياته في لهفة يبحث لها عن معنى. ما أشقى هذا القرد بتطوره! يا ليته بقي محتفظا بكامل (قرديته), يا ليته لم يفكر يوما في ارتقاء درجات هذا السلم الخادع, سلم التطور, تخيل أبو الإلحاد بني عمومته وذوي رحمه الدارويني كيف يرفلون في حيوانيتهم دون أن تتصارعهم هواجس الحياة والموت واللفظ والمعنى والسعادة والشقاوة, إنهم حتما يقنعون بقضمة عشب وجرعة ماء ثم يتقافزون كأنهم في أطيب عيش, إنهم قطعا لا يفنون أعمارهم يقتاتون على موائد المتفلسفة من عشيرة آل (لوسي) وبني (آردي), يا لسعادتهم إذ لم يسمعوا قط لا بالمادية الجدلية ولا بالانتخاب الطبيعي ولا بالنظرية النسبية ولا بالفيزياء الكمية ولا بالأوتار الفائقة, ويا لتعاسته بمئات المصطلحات الرنانة التي يشقّقها هذا الحيوان الناطق فلا تزيده إلا حيرة وخبالا.

    اهتز إلحاد أبي الإلحاد هزات عنيفة وغاص في أوحال النفاق حتى أنكر نفسه وأظلمت الدنيا في وجهه, لم يعد يطيق أن ينظر إلى وجهه في المرآة, ولم يعد يحتمل بعد الشقة بين اسمه الرنان الذي اتخذه لنفسه في شرة شبابه, وبين ما آل إليه أمره في السنوات الماضية, إنه أبو النفاق لا أبو الإلحاد, إن مخه يكاد ينفجر, لا بد أن يضع حدا لهذه الرياح العاتية التي تعصف في رأسه, لا بد أن يسدل ستارا سميكا على هذا الشيء المزعج الذي يدعونه عقلا.

    رافق زوجته ذلك المساء لزيارة أهلها ثم عرج على حارة مظلمة حيث اعتاد أن يجد بغيته, دس ورقة نقدية في يد الشاب الملتصق بالجدار وعاد مسرورا بغنيمته, إنه يدعوها -وإن لم تكن سوداء- حبة البركة, فإن من بركتها أنها تخفف ضجيج الكتلة الرمادية في جمجمته رغم أنها في حجم حبة العدس, لكن بركتها العظمى أنها تنقله إلى عالم مزركش خيالي كأنه رسم بريشة سالفادور دالي.

    لم تقطع الحبة العجيبة الطريق إلى معدة أبي الإلحاد حتى انتقل إلى فضاء متعدد الأبعاد, تتراقص فيه عوالم ذات أصوات وألوان وأشكال عجيبة, تذكرك بهلوسات رواد الفيزياء الحديثة, رأى نورا يشع من أعلى, فوقع في روعه أنه معدن التنوير ومنبع الحكمة فحنت نفسه المضطربة إليه, فما كان منه إلا أن طار بلا جناح, تعلق صاحبنا بشعاع رفيع من نور واستمر في الإرتفاع, حينها تساءل في صمت: "لماذا تبحث عن خلاصك في العلو؟ لماذا لا ينبع النور تحت قدمي؟" ما أن مر هذا الخاطر في ثنايا نفسه حتى سقط في هوة سحيقة, والتف به السواد من كل جنب, رأى نفسه يسبح في بحر الزمن كأنه مبحر إلى الماضي, رأى أباه وهو يحتضر في ذلك اليوم البارد الكريه, كان أبوه يصلي إلى آخر رمق من حياته, تدحرج صاحبنا في سراديب مظلمة كأنه يتجول في تلافيف ذاكرته, رأى قردا يافعا يرمقه من خلف قضبان القفص ويقول له معاتبا: "لماذا خذلتني يا بابا؟" إنه (دريوين) مد يديه ليضمه إليه فتلاشى في الهواء, لقد ضاع مستقبل دريوين بسبب قلة حزم أبي الإلحاد, فجأة سمع أنغاما عذبة وخيل إليه أن هاتفا يدعوه: "هلم إلى الأهل والعشيرة يا فارس التنوير" ثم انفتح أمامه باب عظيم فإذا مدينة لم يسمع الملحدون بمثلها, كانت أعمدة من العاج ترتفع في جنبات ميدان فسيح من المرمر الأبيض, رأى من النعمة والثراء ما لا طاقة له بوصفه, لا بد أنها (ملحدستان), نظر حوله فإذا الملأ الإلحادي قد تجمع في صعيد واحد, كانوا في درجات ثلاث بعضها فوق بعض, اللادينيون في أدناها والملاحدة في أوسطها واللاأدريون في أعلاها. لقد كان محقا تماما في تصوره لبنية الهرم الإلحادي.

    رآهم يلبسون ثيابا رقاقا, إذ لم يبق لديهم شيء يخفونه, لكنهم يغطون رؤوسهم العبقرية بقبعات عظيمة احتفاء بها وإكراما لها وقد انتفخت طيلة حياتهم تحت وطأة الإشكالات الإلحادية القاتلة, وفي صدر المجلس رأى حبيبه البروفيسور (دونكي) يبكي, لابد أنها دموع الفرح بظهور الملة الإلحادية واجتماع شمل الشرذمة التنويرية, إنحنى أمامه في إجلال وقال له: "ثانك يو دونكي أفندي". كانت أشجار الأكاليبتوس والصبار تظلل الزملاء المتنعمين وأنهار السباجيتي والصلصلة الحمراء تجري تحتهم, فلا يشاء أحدهم أن يتزلف إلى معبوده إلا وجده أدنى إليه من شراك نعله.

    كانوا في سعادة غامرة, لا بد أنهم وجدوا الحلقات المفقودة, وفرغوا من الكشف عن أسرار الكون وتسلقوا بأبحاثهم سلم التطور درجة درجة, وأفلحوا أخيرا في فك (شيفرة) الحياة فأفحموا المؤمنين ودقوا آخر المسامير في نعش خرافات المتدينين. لابد أنهم حصلوا على تفاصيل أحداث الدقيقة الأخيرة قبل الإنفجار العظيم. لن يسخر منهم أحد بعد اليوم. كانوا جميعا يتطلعون إلى امرأة ساحرة تظهر على محياها أمارات النباهة والدهاء , إنها (الطبيعة هانم) أم الملاحدة.

    أحس بالجوع فصعد على تل قريب وقفز في نهر الصلصة فسُمعت لسقوطه رجة هائلة, تطاير على ملإ الإلحاد رشاش البِركة المقدسة, فمسحوا بها جباههم وظهورهم تبركا بإله الملحدين وحش السباجيتي الطائر. أحس أبو الإلحاد بطعم الثوم والطماطم في فمه, إنه في جنة الإلحاد بلا ريب, لقد زالت عنه الهواجس ونزلت عليه السكينة.

    غطس في النهر الأحمر فرأى أشلاء ممزقة وبقايا بشرية, رأى أسنانا وآذانا وأصابع, شعر بالفزع والإشمئزاز, وحين هم بالخروج رأى أبا شنب يسبح نحوه, يا للهول إن الزميل جوزف ستالين مرعب بالفعل! هل ينتهي أبو الإلحاد قربانا للإله الإلحادي؟ هل سيختلط دمه ولحمه بالصلصة المقدسة؟ عندها رأى سفينة فضائية تحلق فوقه كأنها نجم متوهج, رفع كلتي يديه فشعر بنفسه يُسحب بقوة كأنه يدخل في خرطوم مكنسة كهربائية, رأى المخلوقات الخضراء تحتضنه وتمسح أم رأسه في حنان, ثم تغمره في سائل الخلود, وجد نفسه مغمورا في حمام النيتروجين البارد, لم يدر هل شرعوا في تجميده ليصير مومياء تسافر عبر المجرات, أم أنها مراسيم التعميد الرائيلية؟ حين تدفق السائل الثمين في منخريه عطس عطسة عظيمة فوجد نفسه يطير في الفضاء الفسيح, تساءل: "هل تفسر نظرية التطور وجود الكائنات الفضائية؟" لا بد أن يسأل القسيس (دونكي), فهذه معضلة ليس لها سواه.

    بدأ أبو الإلحاد يذوب شيئا فشيئا حتى صار رذاذا يتطاير في الهواء, خطر له أنه في حالة فيزيائية مناسبة ليسدي خدمة جليلة للإنسانية, لماذا لا يصلح ثقب الأوزون أو يبتكر حيلة للتخفيف من آثار الإحتباس الحراري, لكنه للأسف يفتقر للكفاءة العلمية اللازمة, فليستغل الفرصة على الأقل ليقترب من معشوق الشعراء, لماذا لا يتأمل القمر عن كثب, لعله يلقي نظرة فاحصة على تراث رواد وكالة (ناسا) وآثار خطواتهم الجبارة ورايتهم المجيدة المرفرفة, حتى يخرس الألسنة المشككة ويبطل الأقاويل المضحكة التي يبثها الجاهلون حول هبوط أبناء العم سام على أرض القمر. ربما بقي له بعدها متسع من الوقت ليقوم بجولة سريعة على الكوكب الأحمر, للأسف تردد كثيرا كعادته حتى تكاثفت ذراته وعادت إلى طبيعتها الأصلية, فوجد نفسه يمشي في حقل عجيب تنبت فيه كائنات بشرية, هل هذا مشروع آخر من مشاريع كريك فينتر؟ هل يقوم باستنساخ فصيلة مختارة من الزملاء؟ فجأة رأى أبو الإلحاد كأنه ينظر في خبايا رأسه, رأى نتوءا عجيبا بين مخه ومخيخه ينبض بعنف, فترتسم في مخيلته عشرات الإشكالات الإلحادية, لا بد أنها الشريحة البيولوجية التي حبا بها التطور الفصيلة المتنورة, إنها برنامج معقد ينبت الشك ويجتث اليقين, تمنى لو كان يستطيع أن يستأصل هذا الورم المزعج قبل أن يصاب بالجنون, فجأة سمع صوتا مألوفا يناديه: "أبا الإلحاد, ماذا جرى لك, كيف تنام على أرض الحمّام؟" فتح عينيه وهو يتساءل: "النعجة دولي؟ ماذا جرى لصوفك؟" سمع دوي صفعة على خده, ثم أحس بحرارتها, رأى زوجته وهي تصرخ في وجهه غاضبة: "ألا يكفيك أن تدعوني نوال وأنا آسية حتى تسميني بأسماء النعاج؟ هل عدت لإدمان حبوب الهلوسة؟ أنت لا تصلح لشيء..." أحس أبو الإلحاد بصداع شديد فأغمض عينيه واستسلم لنوم عميق.
    {‏ رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} إبراهيم: 41

  7. #127
    تاريخ التسجيل
    Sep 2011
    الدولة
    مِنْ أَرْضِ الرِّمَـال !
    المشاركات
    1,300
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    ماشاء الله تبارك الله ....
    في الحقيقة الكتابات الأدبية كُثُر , والكتابات الكوميدية الساخرة كذلك .
    لكن يندر ان تجد من يجمع بينها بهكذا اتزان , بارك الله فيك وزادك من فضله وجوده
    السلام عليكم ..
    {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا}
    في إنتظار "ملحد حقيقي" ليعطي تفسيرات لهذه الكُبرَيات بالمنظور الإلحادي
    " الإنسانُ ليسَ مُفصّلاً على طرازِ دارون , كما أنّ الكونَ ليسَ مفصّلاً على طرازِ نيوتن " بيجوفتش

  8. افتراضي

    بارك الله فيك اخانا هشام
    الكُفْرُ يُعْمي و يُصِم

  9. افتراضي

    نرفعه
    لتوزيع الابتسامات
    الكُفْرُ يُعْمي و يُصِم

  10. #130
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    2,867
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    19

    افتراضي


    تقبل ودي ومحبتي أخي الفاضل سلمة.
    أهدي أخي عبد الرحمن الحنبلي هذه اليومية, تسلية له ولكل من أزعجته كثرة مواقع (الجرب والجذام) التي تتهجم على الإسلام.


    32 فايروسات إلحادية

    توالت العثرات والنكسات على صاحبنا حتى وجد نفسه منبطحا في حمأة النفاق. تفكر في أمره كثيرا وخلص إلى أنه أخطأ في تقليم مخالبه وتخفيف حدة إلحاده. لقد تأكد مرة أخرى -بعد أن أثخنته الجراح- أن الإلحاد العربي يموت حين يخلع لأمة الحرب ويهمّ أن يلزم خندق الدفاع. هذا فخ قاتل يا أبا الإلحاد, إن الزندقة الإفتراضية تصنف من قبل هراطقة النقاد في فنون الإلحاد الهجومي المتطرف. جلس يخاطب نفسه: "تأمل التعريف جيدا, وفكك أجزاءه أيها الزميل المنتكس كي تفهم كم تبدو بليدا في قناع الحمل الوديع."
    إن الإلحاد على وزن (إفعال) مثل (إملاق), و(إخفاق) وهو هجومي شرس متطرف لا يقبل أنصاف الحلول. فالملحد يلحد ويهجم أو يتردد ويزول, هكذا فلتكن يا أبا الإلحاد أو لتندثر إلى الأبد.

    امتلأ صدره بالحماسة, وأحس كأن روحا جديدة تدب في أوصاله فاشتاق إلى رفقة (الجرب والجذام) فأبحر إليهم في ناديهم الإلكتروني. دخل يتصفح شريطا طويلا, فخيل إليه أنه قرأ مثل هذا الكلام آلاف المرات من قبل, حاول أن يجد موضوعا أصيلا فريدا تسري فيه روحه وتتميز ملامحه, عبثا حاول أن يقنع نفسه أن ثمة ما يستحق القراءة ويستثير فيه مشاعر الفخر الإلحادي والنخوة الداروينية. وجد نفسه يسبح في مستنقع إلكتروني آسن تعلوه الرتابة وتغمره الكآبة. همّ أن يطفئ الحاسوب حين خطر له أمر عجيب, انفرجت أساريره وكشر عن أسنانه واستغرب: "لماذا لم أفكر بهذا من قبل؟ نعم نعم, هذا يفسر كل شيء, إنهم ليسوا هناك, لا أحد هناك, هل التقيت أحدا منهم قط؟ كلا, لقد كنت أحترق وأذوب في اليوم ألف مرة من أجل كائنات إلكترونية وهمية."

    لقد حل أبو الإلحاد اللغز أخيرا, إن منتديات (الجرب والجذام) تصيبه لرتابتها بالإحباط والغثيان, لأنها مجرد برامج غبية يسيرها على الأكثر زميلان أو ثلاثة, إنها فكرة تفتقت عنها العبقرية الإلحادية العربية. تصمم موقعا وتربطه ببرنامج آلي لتسجيل الزملاء والخصوم الإفتراضيين, ولتفريع المسائل وتفريخ الشبهات وتشقيق الردود. إنها بالفعل فكرة عبقرية لولا أن هذه البرامج ما زالت تحتاج لكثير من التطوير والمراجعة. الآن فقط فهمت لماذا يخيل إلي -في العالم الإفتراضي- أن الملاحدة في ديارنا بمئات الألوف ثم لا تكاد تلقى منهم بشق الأنفس إلا نفرا قلائل.

    قرر أبو الإلحاد أن يحتفظ بأصل الفكرة وأن يلتزم قاعدتها النظرية التي لاحت له, ثم يمضي في تعبيد الطريق في وجه جحافل التنوير اللادينية, سيطور مشروع الحملة اللادينية في مواجهة الملة الإسلامية, ما أسعده باكتشافه, حمد عقله أن هداه لبرنامج إلكتروني يكفي لتسعير هذه الحرب الإفتراضية الضروس.

    جلس يضع تصوره للبرنامج الخارق, ولما اجتمعت لديه صفحات من الأفكار الباهرة, صدّرها بالرسالة التالية:
    "عزيزي (الحلاج الهاكر), لقد حضرت دورتك التدريبية في البرمجة قبل عام, وأنا بحاجة لتوجيهك بخصوص تطوير البرنامج التالي "تجييش جحافل التنوير الإلكترونية"...

    كتب أبو الإلحاد عن برنامج آلي ذكي لتصميم منتديات ومدونات ومجموعات إلحادية, يحوي آلاف الأسماء الرنانة التي تستجيب لسائر الأذواق الإلحادية بنكهاتها السوفسطائية واللادينية واللاأدرية, وهذه عينة عشوائية منها: منتديات سدوم, مدونة زندقة, مجموعة كافر وأفتخر, فردوس أبي جهل, ملتقى تعداد محاسن الإلحاد, جروب من وحي الشيطان, ساحات هيا إلى الهرطقة, مدونة كل شيء بالعقل, جروب الطبيعة فقط, حدائق الداروينية الأليفة, منتديات أشباه البشر, جروب قرود ولكن, مدونة هل أنا إنسان؟ مدونة هل أنا كائن فضائي؟ منتدى طقطق لإحياء المنطق...

    وما أن تحدد اسم الموقع حتى يشرع بشكل آلي في تسجيل أسماء مئات الأعضاء الإفتراضيين, و تتفرع هذه الأسماء الغريبة إلى مجموعات كثيرة منها أسماء الحيوانات والحشرات والمستحثات وأبطال الأساطير اليونانية وأسماء الفلاسفة وغيرهم. قام صاحبنا بنسخ آلاف المعرفات الإلحادية من مواقع الشبكة ليطعم بها مشروع برنامجه. ومما سترونه لو قدر لهذا العمل الجليل أن يكتمل مواضيع مذيلة بالأسماء التالية: عبد الصدفة, نبي الحقيقة, ابن عبد هواه, خادم دارون, الراهب الملحد, الثعلب المعمم, حمار ماركس, هدهد التنوير, السلف المشترك, خطيب آردي, خنفس الفضاء, حفيد آينشتاين, جار بيغاسوس, مستر سوفوكليس...

    وما أن يتم تفعيل اشتراك الأعضاء المسجلين حتى يبدأ البرنامج في إنشاء المواضيع الإلحادية, فهو مزود بقاعدة بيانات ضخمة تضم بحرا من الشبهات والتشكيكات والمغالطات التي أنتجها العقل الإلحادي عبر تاريخه الطويل. وهذا بؤبؤ عين البرنامج, وزبدة حياة أبي الإلحاد, إنه عصارة مواقع (الجرب والجذام) انتبذها في قرص صلب حتى أنتنت, ثم صبها في ملفات مخفية, ثم حصنها بأرقام سرية, وكان يرجو أن تكتب لها حياة ثانية, وهاهو حلمه يوشك أن يتحقق, ستشتغل الآلة التنويرية قريبا لتبث خلاصة جهاد صاحبنا في أرجاء العالم الإلكتروني. وتندرج هذه الشبهات تحت أبواب متعددة, فهناك شبهات لغوية وتاريخية وجغرافية ورياضية وفلسفية وتطورية وسيكولوجية وسوسيولوجية ومنطقية وهلم جرا.

    فإذا اختار البرنامج مثلا شبهة تطورية, فإن أقساما أخرى كثيرة تندرج تحتها, فهناك شبهات متعلقة بالحشرات وأخرى بالفقريات وأخرى بالرخويات وأخرى بالصدفيات وأخرى بالحرشفيات وأخرى بالطفيليات وقس على ذلك. ولو تصورنا أن البرنامج اختار شبهة تطورية تتعلق بالحشرات, فإنه سيقوم مثلا بجرد يشمل كل أنواع النمل المعروفة قديما وحديثا, بما فيها المستحثات التي تؤرخ للفصائل النملية المنقرضة, وسيقوم بجرد لدراسات الأجهزة الحيوية للنمل, ويرفقها بنتائج تشريحها من أرقى الجامعات الغربية التي تدرّس جميعها التطور كما هو معلوم, وسيثبت بالأدلة العلمية الدامغة أن أيا من أصناف النمل المعروفة لا يمتلك حبالا صوتية, و بناء على ذك سيقوم البرنامج باختيار عنوان الموضوع: "زميلي المسلم: كلام النمل مستحيل داروينيا" عندها يتم اختيار اسم الزميل الذي سيتصدر اسمه الموضوع, ولنقل إنه (خادم دارون), ولا يبقى بعد ذلك إلا نشر الموضوع على الشبكة ليقوم البرنامج بالجزء الأهون من عمله, فيؤلف الردود العلمية الدقيقة من قبيل: "لول, تسلم يا زعيم" و "ثانك يو مستر دارون بوي" و "بصراحة, رد علمي يصلح للنشر في مجلة علمية." و "يحيا التطور" وأمثال هذه العبارات التي تملأ مواقع الزملاء.

    بعد ساعات جاء رد الزميل (الحلاج الهاكر). بدأ صاحبنا يقرأ بتركيز شديد:

    "عزيزي أبا الإلحاد, لقد فهمت فكرة مشروعك, إنك تريد تصميم فايروس متعدد الوظائف, إنك تريد شيئا يجمع بين القدرة على التناسخ وبين آليات التحليل والتأليف والترتيب, إنك تريد باختصار حصان طروادة بالغ التعقيد مجهزا بمضامين إلحادية دقيقة ومركزة. بصراحة قد أعجبت بفكرتك وقضيت بضع ساعات أبرمج نسخة تجريبية للبرنامج, يمكنك البناء عليها لو أحببت. تحياتي لك ومتمنياتي بحياة إلحادية سعيدة وحافلة بالمسرات."
    البرنامج في المرفقات.

    توقيع (الحلاج الهاكر): ما في الجبة إلا الإلحاد.

    أحس أبو الإلحاد بقلبه يتراقص في صدره من الفرح, حرك زر الفأرة بأنامل مرتعشة ونقر على أيقونة البرنامج وبدأ التنصيب. وحين بدت له واجهة البرنامج ضغط على زر التشغيل, فبدأ البرنامج عمله, فتح صفحة واثنتين وثلاثا حتى بلغ عشرات الصفحات, ثم بدأ يسجل الأسماء ويؤلف المواضيع, صارت الشاشة تهتز أمام ناظريه كأنها تئن من ثقل مئات الصفحات المتناسخة, حاول أن يغلق بعض النوافذ, لكن أضعافها حلت محلها في لمح البصر, جلس صاحبنا يحك رأسه وينظر إلى فايروس الإلحاد يفتك بحاسوبه, لم يجد بدا من فصله عن تيار الكهرباء. لقد خرب البرنامج التنويري الجهاز, وضاع تعب السنين, فكيف لو أتيح له أن ينتشر على الشبكة ليصل إلى ملايين البيوت؟ رأى صاحبنا ثمرة عقدين من نضاله الإلكتروني تذهب أدراج الرياح فحمد الصدفة أن منحته عقلا لم يفلح فايروس الإلحاد في تخريبه في سنوات طويلة كما صنع بالحاسوب في دقائق معدودة ثم خرج إلى المقهى لعل فنجان قهوة ولفافة دخان تنسيه مرارة فشله الجديد.

    {‏ رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} إبراهيم: 41

  11. #131
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    2,867
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    19

    افتراضي

    33 طواف بين الحقيقة والحلم

    رأى صاحبنا نفسه يغمره البياض من كل حدب وصوب, لم يتبين من أين يشع كل ذلك النور, لكنه مشى كأنه يخوض في قطن مندوف, شعر بانشراح عجيب وخيل إليه أن صدره يسع الكون أجمع, ثم سمع رنينا رتيبا يسري في مسامعه, مد يده إلى الجوال وأوقف المنبه وظل ممسكا به ساعة حسبها برهة, ثم حدق في شاشته لحظات كأنه يستعيد شيئا فشيئا صلته بهذا العالم, قفز فجأة من فراشه, لقد تأخر عن موعد العمل لليوم الثاني هذا الأسبوع.

    لبس ثيابه عجلان وخرج يهرول. قطع طريقه وحلمه الأبيض لا يفارق ذهنه ونشوته تكاد تطغى على غضبه من تأخره المتكرر. وصل إلى البوابة فحياه عبد الكبير ثم قال كلمة عجيبة: "عقبى لنا يا حاج!", يا له من صباح عجيب, إن عبد الكبير شيخ وقور لا يمزح معه عادة, إنه يجلس طيلة النهار في حجرته الصغيرة يراقب البوابة ولا يكاد ينطق بشيء, فما باله اليوم؟

    دخل إلى المبنى فأحس أن شيئا غريبا يسري في الهواء, ثم خيل إليه أن أبصار زملائه ترمقه بنظرات لم يعهدها من قبل, وقبل أن يفكر في تفسير يخفف دهشته ناداه سليم: "المدير يطلبك في مكتبه". شعر أبو الإلحاد بعرق بارد يتحدر بين كتفيه ونظر إلى ساعته, لقد تأخر كثيرا, لا بد أنه سيسمع توبيخا وتقريعا, تبا! لماذا لا يتوقع خيرا؟ قد يكون خبر سار ينتظره في الطابق الثاني, من يدري؟

    طرق الباب طرقا خفيفا ودخل على المدير خلف مكتبه الفخم الذي يملأ المكان, كان رجلا أنيقا يشارف الستين. "تفضل اجلس, ماذا تشرب قهوة أم شاي؟" جلس أبو الإلحاد وهو يحدث نفسه بأن هذا أول الشر, لا بد أن صاعقة ستنزل على رأسه, إن خبرا مزلزلا يحوم فوقه, لا بد إذن من تلطيف المزاج ببعض الشراب الساخن. همهم: "قهوة من فضلك." صب له فنجانا وهو يقول: "كما تعلم فإن أرباح الشركة تضاعفت في العقد الأخير, وقد حان الأوان ليقتسم الجميع نتائج النجاح..." نزلت هذه الكلمات على صاحبنا كالماء البارد, وأحس أن عبئا ثقيلا قد انزاح عن كاهله, ارتشف قليلا من القهوة, وانفرجت أساريره, قال يحدث نفسه: "لا بد أنها ترقية, لا لا, مستحيل, إن من زملائه من هو أحق منه بشيء كهذا."

    استرسل المدير في حديثه: "حان الوقت لنرد بعض الجميل للمستخدمين, لقد افتتحنا برنامجا للخدمات الإجتماعية, وبعد تشاور مع مجلس الإدارة قررنا أن نبدأ هذه السنة بإجراء قرعة سنوية لمنح رحلة إلى الحج."
    عند هذه العبارة أحس أبو الإلحاد أن الزمن قد توقف وأن عقله لم يعد يعي مما يجري حوله إلا صورة باهتة, لم يعد يسمع شيئا, كان ينظر إلى شفتي المدير تتحركان كأنه في عرض بطيء لفيلم صامت بلا ألوان, فجأة لم يعد يرى أمامه إلا أثر السجود على جبين مخاطبه, تذكر حلمه الجميل, تذكر سروره بالبياض. ثم طرقت هذه الكلمات سمعه: "أهنئك, لقد تم السحب بالأمس وحصلت على منحة سفر إلى الحج." قام المدير ومد إليه يده مصافحا. التقت كفاهما, وأحس لأول مرة في حياته أن الأرض تدور بالفعل, جلس في هدوء ثم بدأ جسمه يرتعش ويهتز, لم يتمالك نفسه ضحك كأنه طفل, ثم انخرط في بكاء خافت, لم يدر ما الذي أصابه, مد إليه المدير منديلا وقال: "أفهم شعورك يا ابني, خذ إجازة لبقية اليوم لتكمل بقية الإجراءات." أراد صاحبنا أن يقول شيئا, أراد أن يعتذر, أراد أن يعترض, لكنه كان أشبه بمن يحلم أنه في خطر داهم يريد الركض للنجاة منه, لولا أن أعضاءه لا تطاوعه, قام المدير وفتح له الباب.

    خرج من المكتب فوجد زملاءه مجتمعين في مدخل الممر, جاءه سليم وربت على كتفه قائلا: "هذه فرصتك, افتح صفحة جديدة يا صديقي." أحس بدمعة حارة تترقرق في عينه, وخرج مسرعا لا يلوي على شيء. إنه يحب الأسفار. سافر في أوج شبابه إلى أوربا. وكان يحلم بزيارة موسكو حين كانت أحلام الملاحدة حمراء بلون الدم. لو أتيح له ذلك حينها لكان زار ضريح الزميل المحنط لينين. إن لأهل الإلحاد مزارات ورموزا يعظمونها, لكن ماله ولهم؟ إنه يكاد يفقد صوابه من هول ما جرى في هذا الصباح العجيب.
    تساءل عن سبب بغض زملائه الملاحدة لمناسك الحج الإسلامي, لماذا تصرف الملايين على أفلام تمجد البوذية وتصور حجاج لاهاسا الزاحفين على بطونهم وأيديهم؟ قد يقول قائلهم: "إنها إرث حضاري قديم وثقافة عريقة." لماذا لا يسعهم أن يقولوا عن الحج مثل ذلك؟

    جلس في مقهى ليرمم شظايا نفسه, ويستعيد شريط أيامه, ويتأمل في فهرس حياته, أغمض عينيه لعله يعود ليرى بياض حلمه المشع, تذكر عبد الكبير بشعره الأبيض وملامحه الهادئة وهو يقول له: "عقبى لنا يا حاج!" أخرج جواله وأطرق يرتب أفكاره ويستجمع قواه, ثم أجرى المكالمة, رن الهاتف مرات ثم سمع رسالة العلبة الصوتية, فسره أنه يخاطب آلة لا تملك أن تراجعه في قراره وقال: "سيدي المدير, فاتني أن أشكركم, لكني اتنازل عن هذه المنحة السخية لعبد الكبير البواب, فهو أحق بها مني . شكرا لكم."
    {‏ رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} إبراهيم: 41

  12. #132
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    2,867
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    19

    افتراضي

    34 الجينوم قاهر الإلحاد

    جلس أبو الإلحاد يقرأ كتاب "وهم الإله" للقسيس دونكي ويقلب صفحاته في ملل, لم تعد مطالعاته الإلحادية تحرك كوامن نفسه الراكدة, لقد فترت حماسته, واشتدت تعاسته, وشعر أنه محبوس في نفق طويل مظلم. أغلق الكتاب ونظر إلى غلافه في شرود فقرأ: "وهم الإلحاد", فرك عينيه وهو لا يصدق ما يراه, اجتهد أن يقرأ العنوان الأصلي, فلم يفلح في طرد هذا العنوان المزيف السخيف, لا بد أن أعصابه المرهقة صمّمت هذه الخدعة البصرية الماكرة. رمى بالكتاب بعيدا وجلس إلى حاسوبه ليخط مقالة يعرض فيها لأزمة الملحد في عصر عودة الإيمان.

    كتب صاحبنا في مدونته: "يتعرض الإلحاد المعاصر لحرب ضروس ينبغي لأهل التنوير أن يخوضوا غمارها بشجاعة ورباطة جأش. والأمر في البلاد العربية أشد خطرا, إذ أن رياح الإيمان بدأت تنفخ من جديد في أشرعة أهل الإسلام, فإن تقاعسنا فسرعان ما يستفحل الخطب, ويستتب لخصومنا الأمر, فيجتثوا بذرة الإلحاد الوليدة من أرضهم, قبل أن تخرج من قشرتها الليبرالية والعلمانية الهشة.

    إن مذهبنا قائم على الكفر بالغيب, والإيمان بما كان نقدا حاضرا في الجيب, إلا أن الإلحاد لا يستغني عن النظرة الغيبيبة المستقبلية التي تستشرف المجهول المتوقع, وتحاذر المكروه قبل أن يقع, وأرى أن تسويق مذهبنا يقتضي أن نلائم بينه وبين واقعنا الشرقي وتراثنا الميتافيزيقي . لقد دوّن التاريخ أن فلاسفة التنوير واجهوا في الغرب بيئة غير بيئتنا و خصوما غير خصومنا. إننا لا نواجه كنيسة ولا فكرا لاهوتيا عاكفا في أديرة وصوامع, بل نواجه مجتمعا كاملا متراصا يتغلغل فيه التدين من ذؤابته إلى أخمص قدميه, إننا نحاول أمرا لو انبرى له مونتيسكيو وفولتير وسبينوزا لأعجزهم, ولست أدري كيف السبيل لنجتث التدين من أمة لا يحمل الفرد منها اللقمة إلى فيه, ولا يدخل, ولا يخرج, ولا يجلس, ولا يضطجع, إلا وهو يتمتم ويتعوذ؟

    إن سلفنا من فلاسفة التنوير في أوربا نجحوا لأنهم واجهوا خصما يدين بالجهل ويتنكر للعلم, فعكفوا في معاهدهم ومختبراتهم يصلون الليل بالنهار حتى تكشفت لهم نتف من حقائق العالم المادي فسرّوا واستبشروا وصرخوا في قومهم: "إن هو إلا عالم مادي يسير وفق قوانين فيزيائية ثابتة, إن الكون إلا آلة عظيمة, توشك عقولنا العبقرية أن تحيط بتفاصيل أجزائها علما, فيصير الغائب من حقائقه أمام أعيننا جليا ظاهرا."

    هكذا تم لفلاسفة النهضة ما أرادوه, لقد جعلوا العامة يكفرون بدين الكنيسة ويعتنقون دين العلم, فعظمت آمالهم وترقبوا الجولة الأخيرة من المعركة التي ستطيح برأس الدين والإيمان إلى الأبد. لقد توهم الملاحدة منذئذ أنهم يوشكون أن يثبتوا لأهل الإيمان بالدليل المادي كم كانوا مخطئين في إثباتهم خالقا مدبرا يمسك بمقاليد الكون. فلبثوا يترقبون أن يسعفهم العلم بالنظرية التي تفسر كل شيء تفسيرا ماديا يجهز على ما في الأرض من بقايا الإيمان. لكن هيهات, لقد اكتشفوا بعد حين أن الكون ليس آلة في واقع الأمر, وليس نظاما جامدا رتيبا, بل هو عوالم عجيبة متشعبة متراكبة, تتجدد فيها الحياة في كل يوم وفي كل دقيقة, بل في كل لمحة ونفس.

    أطرق أبو الإلحاد يتفكر في عظمة القوانين المادية المذهلة التي استطاعت أن تصنع هذا الكون الفسيح العجيب من مادة حقيرة تتقاذفها أمواج الصدف ويطورها كرور القرون والأحقاب, في فوضى خلاقة, وعشوائية منظمة, لا قصد لها ولا هدف ولا معنى. ثم خطر له أن التصور الإلحادي للحياة والكون أشبه شيء بحبات عقد متناثرة لا يضمها خيط, وأن لا بد للمتنورين من فك اللغز بأكمله حتى يفحموا المتدينين ويسكتوهم إلى الأبد, لا مناص إذن من تحقيق الفتح الأعظم بالكشف عن الحلقة المفقودة التي يخرس بها أساطين العلم المادي الألسنة المسبحة, ويقطعون بها حجج العقول المؤمنة, لا بد لهم من كشف السر الأعظم, سر الوجود وسر الحياة.

    أقر صاحبنا في قرارة نفسه أن العلوم الكونية كثيرا ما تلح عليه أن يراجع نفسه في مسلماته الإلحادية, التي خلخلتها النشرات العلمية, و أوهتها الحقائق العلمية التي تظافرت لترسم للكون صورة مذهلة غير الصورة الرتيبة التي تصورها ملاحدة القرن التاسع عشر. إن أعظم ما يعكر صفوه ويحز في نفسه حال المسلمين عند كل كشف علمي جديد, فإنهم يزدادون ثباتا على إيمانهم, بدل أن يلحدوا مثله, ويسبحون خالقا لا يرونه, بدل أن يعجبوا بالمادة التي يلمسونها, ويثنون على علم إله لا يسمعونه, بدل أن يتغنوا بعبقرية الطبيعة وهم يحيون في أحضانها.

    تذكر حاله يوما حين دعا مسلما إلى اتخاذ الموقف الإلحادي الشجاع بطرح الدين والتنصل من الإيمان, فأجابه: "أيها الزميل في جسمي 100 ترليون خلية, في كل خلية قاعدة بيانات مفقلة متناهية في الصغر, كتيب ميكروسكوبي قوامه ثلاثة بلايين من الحروف الكيميائية, لو صفت لامتدت على مسافة ثلاثة آلاف كيلومتر, إنها حروف رتبت لتؤدي معنى, وأنا ذلك المعنى, فقد تضمنت جنسي ولون شعري وبشري وصفاتي الخِلقية التي تميزني, فهل أنا مجنون حتى تقنعني أنها نشأت وتجمعت بمحض الصدفة؟ إنه "الدي إن إي" أيها الزميل, وقد زادني استمساكا بديني, إنه الجينوم قاهر الإلحاد يا عزيزي, فهل تملك الصدفة حقوق تأليفه؟"

    تحميل الجزء الأول من يوميات أبي الإلحاد
    التعديل الأخير تم 12-01-2011 الساعة 11:44 AM
    {‏ رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} إبراهيم: 41

  13. #133
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    2,867
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    19

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حفيد مشاهدة المشاركة
    ماشاء الله تبارك الله ....
    في الحقيقة الكتابات الأدبية كُثُر , والكتابات الكوميدية الساخرة كذلك .
    لكن يندر ان تجد من يجمع بينها بهكذا اتزان , بارك الله فيك وزادك من فضله وجوده
    السلام عليكم ..
    أخي الحبيب حفيد:
    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته, وجزاك الله خيرا على ثنائك الجميل. هذه اليوميات هي ردي على ركام البذاء الذي يقذفنا به زملاء أبي الإلحاد هداهم الله, وأبشرك ان هذه اليوميات تؤدي دورها بحمد الله, وحسبي أن أحدا منهم لم يجرؤ أن يعارضها أو يرد عليها, وقد قام بعض الفضلاء بنقلها إلى مواقعهم, فأثبتوا أنهم لا يجيدون إلا السب الفاحش, وأنهم عاجزون عن فهم شيء يدعى الأدب الساخر.
    {‏ رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} إبراهيم: 41

  14. #134
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    2,867
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    19

    افتراضي

    35 هل وراء كل ملحد عظيم قرد؟

    ظل صاحبنا يجر رجليه على أرض تعاسته, ويفقد مع مرّ الأيام حماسته, لم يبق في حياته الباهتة شيء ذو بال, إلا عمله الممل الذي ينجزه في شرود مستمر, أما ساحات (الجرب والجذام) الإلكترونية فقد خبا بريقها في عينيه. تخيل نفسه ركاما مرميا على قارعة طريق الحياة, والناس يمرون به فلا يناله منهم إلا بعض نظرات الشفقة, تخيل أحدهم يسأل صاحبه: "المسكين, ماله؟" فيجيبه: "لا شيء, لقد دهسه الإلحاد." جلس في بيته يقلب فهرس نكساته المتتالية, ويتأمل تفاصيل فشله وإخفاقه, ويتساءل عن السبيل إلى افتتاح فصل جديد.

    وجد مقالا في مجلة تنويرية عنوانه: "كيف ترمم حياتك في خمسة أيام", قرأه مرارا وأعجب بأفكاره المدهشة, فعزم على تطبيقها في حياته لقهر الرتابة التي تخنقه. لكن حالته مستعصية فماذا عساه يصنع؟ فليبدأ ببعث الحياة في مسكنه, لا بد أن يضفي شيئا من الجمال على هذه الجدران الباهتة, نظر إلى صورة العم دارون التي تزين الجدار, تأمل لحيته التي تضفي عليه الوقار, اقترب منه ونظر في عينيه ونفخ بفمه ليزيل عن صفحة وجهه الغبار, ثم قرر أن يحيطه بصور تذكره بأصوله البعيدة وبأسلافه الأولين, بحث عن عدد قديم لمجلة ناشيونال جيوجرافيك فاقتطع منه صور أسلافه الأقدمين كالأسترالوبيثيكس والهومو إيريكتس والهومو هابيليس وجعلهم يحيطون بأبي التطور دارون. نظر إلى ظهورهم المقوسة ووجوهم البشعة فشعر بشيء من الإرتياح, عليه ألا يبالغ في تشاؤمه, فهو يملك على الأقل أن يمشي منتصب القامة مرفوع الهامة, لكنه يدين لأولئك الرواد بالفضل, إنهم من وهبه كل ما يملكه الآن من ميزات بيولوجية رائعة. تذكر مثله الأعلى البروفيسور "دونكي" في حوار له مع رجل إفريقي, تذكر كيف قال له في تواضع دارويني جم: "إني قرد إفريقي, وأنا فخور بذلك." لكن أبا الإلحاد لا يقنع بهذا النسب المقتضب, إنه يحب أن يعرف شجرة نسبه كاملة بجذورها وفروعها وأغصانها, الإلحاد يوشك أن يفسر كل شيء, فما المانع من وجود علم أنساب إلحادي يستند إلى شجرة التطور؟

    جلس إلى مكتبه يتفكر في هذه المسألة العظيمة, أغمض عينيه مجتهدا أن يمسك بخيوط فكرته الجديدة, لا بد أنها ستقربه من فهم لغز تحول الأنواع, فإن عقله لم يتخلص قط من شكوكه في صحة نسبه الدارويني. إن نظرية التطور صحيحة لأن الإلحاد صحيح, لقد أصبحت أسّه وركنه الأعظم, لذا يسعى الخصم جاهدا لنقضها وإبطالها. كيف استطاع أجداده الأوائل أن يحفزوا مواهبهم التطورية؟ هل كانت مسيرتهم الداروينية جهدا بيولوجيا واعيا؟ هل كانوا يفهمون معنى الإنتخاب الطبيعي؟ هل تكفي غريزة حب البقاء لتفسير هذا التحول الباهر من قرد لإنسان؟ لماذا عجزت القرود الأخرى عن تحقيق هذه المعجزة الداروينية؟ لماذا أخفقت جهود الزملاء في تحفيز القدرات اللغوية لقريبهم الشمبانزي؟ من هم أولئك القرود الرواد الذين نجحوا في تطوير أنفسهم إلى هذه الصورة الإنسانية الفريدة؟

    انثال عليه سيل من الأسئلة وهو يتأمل ألبوم الصور العائلية فخطر له أن القرود التي استوعبت آليات التطور والإنتخاب الطبيعي قرود فريدة بلا شك, وأنه لو عاد بعجلة الزمان إلى الخلف, لتشرف بلقاء سلفه الأول, أغمض عينيه كأنه يتمنى أن يرى ذلك القرد المثابر الذي يدين له بهذه النقلة النوعية العظيمة, من كائن يكسوه الشعر ويتبعه ذيل, إلى إنسان وسيم ذي جلد حسن وصورة طيبة. تخيل جده الأكبر يتسلق شجرة باسقة قبيل الغروب ويتأمل قرص الشمس وهو يختفي في الأفق شيئا فشيئا, ترى هل أدى به انعزاله عن بني جنسه للتأمل, إلى تحفيز خلاياه العصبية ليتطور دماغه, وليكتسب رويدا رويدا خاصية التفكير التجريدي؟ هل استطاع القرد اللبيب أن يخترع التفكير؟ هل خطر بباله أن يطمح لحياة غير حياته, وأن يتفكر في مستقبل أحفاده؟ هل بدأت بعض الخلايا العصبية المتطورة بتهييء بقية أجزاء الآلة الداروينية لرحلتها التطورية؟ هل تعرضت بعض القرود "المؤنسنة" إلى نكسات داروينية مفاجئة؟ هل المسخ الذي يذكره المتدينون دليل على أن بعض القرود تطورت من الإنسان؟

    أحس أبو الإلحاد برأسه تدور, ولم يفض به التفكير المضني إلى شيء يذكر, لكنه شعر بالفخر يملأ صدره بعدما ذكر مناقب أبائه الأقدمين, وتحسر لأن أباه عاش مسلما ولم يتح له أن يطلع على جذوره الداروينية. لكن الإبن يملك أن يتدارك بعض ما فات, إن له في القرود رحماً سيبلها ببلالها, إنه يستطيع أن يرد بعض الجميل لأبناء عمومته من الفصائل القردية, تعجّب كيف يهتم البشر بالكلاب والقطط, أوَليس أولو القربى أولى بالمعروف؟

    وجد صاحبنا على الشبكة كتابا لطيفا اسمه "الرائق في تربية القرود", بدأ يتصفحه فقرأ: "عزيزي المتنور, إذا كنت تقرأ هذه المقدمة, فهذا يعني أنك تشاركنا رغبتنا في رد الإعتبار إلى أقاربنا الداروينيين, وتسعى لتربية قرد منزلي, نحن قطعا لا نملك أن نربي الغوريلا أو الأورانجوتان في عصر التكدس في المدن وأزمة الإسكان, تخيل نفسك في الحافلة أو المصعد مع غوريلا ضخم مفتول العضلات, لكن لحسن الحظ فإن هناك قرودا لطيفة المنظر خفيفة المحمل..."
    شرد صاحبنا بعيدا وهو يتخيل مزايا القرود إذا قيست بالكلاب, إنها بارعة في استعمال أيديها وتستطيع أن تقوم لك ببعض الأعمال, بل إنك تقدر أن تعلمها أن تغسل أسنانها بالفرشاة وأن تنام في السرير. حقا إن القرود زينة الحياة الإلحادية.

    {‏ رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} إبراهيم: 41

  15. #135

    افتراضي

    بسم الله ما شاء الله لا قوة الا بالله اللهم بارك فى تلك الموهبة الأدبية وصاحبها
    وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت أن شعره أشد على قريش من وقع النبال
    مجموعة ورينا نفسك على الفيسبوك
    مدونتي

صفحة 9 من 21 الأولىالأولى ... 789101119 ... الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 3 (0 من الأعضاء و 3 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. الكوميديا الألحادية
    بواسطة شهرزاد في المنتدى قسم الحوار العام
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 04-24-2014, 10:01 PM
  2. إعلان: الكوميديا الإلحادية السابعة بين الإلحاد الإفتراضي والارضي - فيديو -
    بواسطة محمود المغيربي في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 03-21-2014, 08:42 PM
  3. إعلان: الكوميديا الإلحادية، الحلقة الخامسة - نحو تنوير النحو - بالصوت ..
    بواسطة محمود المغيربي في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 01-15-2014, 09:46 PM
  4. إعلان: برومو للحلقة القادمة - نحو تنوير النحو - من الكوميديا الإلحادية
    بواسطة محمود المغيربي في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 01-13-2014, 09:12 PM
  5. لأول مرة الكوميديا الإلحادية بالصوت - بصوتي - ..
    بواسطة محمود المغيربي في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 18
    آخر مشاركة: 11-26-2013, 08:25 PM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء