صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 15 من 16

الموضوع: الغارة على الأسرة المسلمة (1) المرأة بين الكرامة والمهانة

  1. #1

    افتراضي الغارة على الأسرة المسلمة (1) المرأة بين الكرامة والمهانة

    بسم الله الرحمان الرحيم

    الحمد لله كثيرا وكفى والصلاة والسلام على المصطفى وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره إلى يوم الدين
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    يسرني ويشرفني أن أقدم لأخواتي المسلمات عموماهدية في عيدهن المزعوم بنقل هذا الموضوع النافع

    الغارة على الأسرة المسلمة (1) المرأة بين الكرامة والمهانة
    للشيخ الفاضل أبي جابر عبد الحليم توميات حفظه الله

    خطبة الجمعة ليوم
    13 محرّم 1425 هـ الموافق ليوم 5 مارس 2004 م



    الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] أمّا بعد:

    فقد روى البخاري عن أبي سعيدٍ الخدريِّ
    رضي الله عنه قال: قالت النّساءُ للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ. فوعدهنَّ يوماً لَقِيَهُنَّ فيه، فوعظهنّ، وأمرهنّ.

    ومثله ما رواه البخاري ومسلم - واللّفظ له - عن جابرِ بنِ عبد اللهِ
    رضي الله عنهما قال: شهِدتُ مع رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم الصّلاةَ يومَ العيدِ، فأمرَ بتقوَى اللهِ، وحثَّ على طاعتِهِ، ووعظَ النّاس وذكّرَهم، ثمّ مضى حتّى أتى النّساءَ، فوعظهنَّ، وذكّرهنَّ، فقال: (( تَصَدَّقْنَفَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطَبُ جَهَنَّمَ )) ... الحديث.


    " غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ "..


    هذا الحديث لفت انتباهنا إلى أن نخصّ أحيانا النّساء بالموعظة والتّذكير، مع
    أنّنا نعلم جيّداً أنّه ما من موضوع يخاطب به الرّجال، إلاّ ودخل النّساء
    فيه أيضاً، لقوله
    صلّى الله عليه وسلّم : (( النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ )).

    لكنّ الأنفس جُبِلت على حبّ الانفراد بشيء يخصّها، وبأمرٍ يرفعها وينصّها، والقرآن يشير إلى ذلك أحيانا، فمثلاً يقول الله
    جلّجلاله:{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} [الأحزاب:35].

    فآثرنا أن نقتفي اليوم أثر القرآن، وسنّة النبيّ المصطفى العدنان
    صلّى الله عليه وسلّم، فنلقي سلسلة من الخطب موضوعها، ومحورها:

    ( الغـارة على المرأة المسلمة )، فـ:
    إليها حملنا القلب خفّاقا *** وكسونا كلماتنا نورا وإشراقا



    فحديثنا اليوم مع القابضات على الجمر .. أولئك الفتيات الصّالحات، والنّساء القانتات ..

    حديثٌ إلى اللاّء شرّفهنّ الله بطاعته، وأذاقهنّ طعم محبّته .. إلى حفيدات خديجة وسميّة .. وأخوات فاطمة وعائشة ..

    حديثٌ إلى من جعلت قدوتها أمّهات المؤمنين، وغايتهنّ ربّ العالمين ..

    إلى اللاّء
    طالما دعَتْهُنّ أنفسهنّ إلى الشّهوات، ومشاهدة المحرّمات، وسماع المعازف
    والأغنيات، والبقاء أمام القنوات، ومتابعة آخر الموضات، وتقليب المجلاّت ..
    فتركن ذلك ولم يلتقتن إليه، وهنّ يقدرن عليه.


    هذه السّلسة إلى
    الفتيات العفيفات والنّساء المباركات.. إلى حبيبة الرّحمن الّتي كلّما كثر
    الفساد من حولها رفعت بصرها إلى السّماء وقالت: يا مقلّب القلوب ثبّت
    قلوبنا على طاعتك.


    حديثنا إلى تلك الصّالحة التي أصبحت غريبة بين النّساء بسبب صلاحها وفسادهنّ ..

    فسلام على الدرّة المصونة، واللّؤلؤة المكنونة ..

    إن كنت أمّا، فأنت المربّية للأجيال، وأنت الصّانعة للأبطال

    وإن كنت زوجة، فأنت السّكن... وأنت الفيئ والظّـلال

    وإن كنت بنتا، فأنت صـرح تعلّـق عليه كـلّ الآمـال

    وقد أنـزل الله فيـك قرآنا يُـتلـى إلـى يـوم المـآل
    وإن كان الحديثُ يوجّه إلى المرأة مباشرة، فليعلم الرّجل أنّه مسؤول قبلها عليها، وأنّ الحساب موجّه إليه أكثر ممّا هو موجّه إليها، فالرّجل لا يسلم من هذه الغارة، وقديما قالوا:" إيّاك أعني واسمعي يا جارة ! "..


    ألا ترى أخي المسلم أنّ الله
    تبارك وتعالى نهى كلاّ من الأبوين الكريمين آدم وحوّاء عن الأكل من الشّجرة، ثمّ عاتب آدم وحده فقال:{وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} [طـه:115]، وقال:{فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:37]، وقال:{فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} [طـه:117].


    وقد يقول قائل: ولكن ما مناسبة ذلك ؟ أهو عـيـد الـمـرأة ؟!..



    أهُو اقتقاءٌ لسبيل من لا خلاق لهم، فداسوا المرأة تحت أقدامهم، ونادوا بـ:عيـد المرأة ليحقّقوا به شيئا من أحلامهم ؟!

    كلاّ.. إنّ موضوع هذه السّلسلة هو فكرة لا تزال تنضج أعواما وأعواما، فعزمنا على طرحها لأسباب كثيرة:

    أوّلها: الغارة التي شُنّت على الأسرة المسلمة هذه الأعوام، وبخاصّة هذه الأيّام..

    ولقد
    تزايد في هذا الزّمان كيدُ الأعداء، مستهدفين ديار المسلمين، يبتغون خلخلة
    دينهم وزعزعة إيمانهم، وتدمير أخلاقهم، و إفساد سلوكهم، ونشر الفاحشة
    والرّذيلة، وإخراجهم من رياض القِيم والفضيلة، لا بلّغهم الله ما يريدون.


    ولقد كانوا سابقا يعجزون عن الوصول إلى أفكار الشّباب، وعقول الناشئة لبثّ ما
    لديهم من سموم، وعَرْضِ ما عندهم من كفر وإلحاد ومجون، أمّا الآن فقد أصبحت
    تحمل أفكارُهم الرّياح:
    إنّها رياح مهلكة، بل أعاصير مدمّرة، تقصف بالمبادئ والقيم، وتدمّر
    الأديان والأخلاق، وتقتلع جذور الفضيلة والصّلاح من جذورها، وتجتثّ عروق
    الحق من أصولها.


    إنّه غزو
    لا تشارك فيه الطّائرات ولا الدّبابات .. ولا القنابل والمدرّعات.. هذا
    الغزو يَستعمِل قوما من بني جِلدتنا، يتكلّمون بألسنتنا، وينتسبون إلى
    ملّتنا..


    غزو ليس له في صفوف الأعداء خسائر تُذْكر .. فخسائره في صفوفنا نحن المسلمين .. إنّه غزو الشّهوات .. غزو الكأس والمخدّرات .. غزو
    المرأة الفاتنة .. والرّقصة الماجنة .. والشّذوذ والفساد .. غزو الأفلام
    والمسلسلات .. والأغاني والرّقصات .. وإهدار الأعمار بتضييع الأوقات.. إنّه
    غزو لعقيدة المسلمين.


    هل تعلم ما قاله صموئيل زويمر رئيس جمعيّات "التّنصير" ؟ لقد قال في "مؤتمر القدس للمنصّرين" الذي عُقِد في القدس عام
    1935 م:

    " إنّكم إذا أعددتم نشئا لا يعرفُ الصِّلةَ بالله، ولا يريد أن يعرفَها أخرجتم المسلم من الإسلام، وجعلتموه لا يهتمّ بعظائمِ الأمور، ويحبُّ الراحةَ والكسلَ، ويسعى للحصولِ على الشّهواتِ بأيّ أسلوبٍ، حتّى تُصبِحَ الشّهواتُ هدفَه في الحياةِ، فهو إن تعلَّم فللحصولِ على الشهوات، وإذا جمع المالَ فللشهواتِ، وإذا تبوأ أسمى المراكز ففي سبيل الشهوات، إنه يجودُ بكلِّ شيءٍ للوصول إلى الشهواتِ ! لا نريداليوم أن نُدخِل المسلم إلى النّصرانيّة، ولكنّنا نكتفي بإخراجه من الإسلام ..".

    أيّها المنصّرون، إن مهمّتكم تتمّ على أكمل الوجوهِ !

    هذا ما قاله منذ أكثر من ستّين سنة، يوم كانت أساليب الشّهوات ضئيلةً جدّا، فكيف بها اليوم ؟

    السّبب الثّاني: ومن أعظم الأسلحة الفتّاكة التي يستعملها الأعداء، والّتي يبذلون قُصارى جهدهم لإخراجها من طاعة الرّحمن إلى اتّباع الشّيطان: "المرأة"..فإذا أردت هدم شيء فاهدمه من داخله، وعمود الأسرة هي المرأة..

    لذلك قال قائلهم:" كأس وغانية يفعلان في أمّة محمّد ما لا يفعله الجيوش الجرّارة "..

    فالأديب
    سخّر شعره ونثره، والكاتب أوقف قلمه، والصّحفيّ نفث سمّه .. الجميع أجلبوا
    بخيلهم ورَجِلِهم، ونزلوا بكلّ ثِقلهم ليصدّوا المرأة عن دينها الّذي هو
    عصمة أمرها.


    السّبب الثّالث:
    هذا الكيد المبين، وهذا التّكالب العظيم لضرب الأسرة، يقابله تساهل النّاس
    في شأن المرأة، فقصّروا في كثير من الأمور، حتّى كبرت المرأة وهي معتادة
    على لبس القصير، والخروج الكثير، والاختلاط بالرّجال، وغير ذلك ممّا
    سنبيّنه..


    السّبب الرّابع: أنّ المرأة ثغرة ينفذ منها العدوّ بسهولة، فلا بدّ من حراسة الفضيلة، ونبذ كلّ حبال الفُحش والرّذيلة ..

    إذا أدركت ذلك أدركت السرّ الّذي جعل النبيّ
    صلّى الله عليه وسلّم يوصِي بالمرأة، وفي الوقت نفسه يُكثر من التّحذير منها..

    وذلك لأنّ المرأة سيف ذو حدّين .. إن استُعمِلت في الخير نالت به أعظمَ الرُّتب، وبلغت أرقى المنازل، وإن انخلعت عن دينها، وتخلّفت عن ركب نبيّها
    صلّى الله عليه وسلّم، كانت شؤما على الأمّة وسببا لكلّ همّ وغُمّة.

    فمن النّصوص التي تحضّ على معرفة منزلة المرأة في الإسلام:

    1-أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّمكان من آخر وصاياه النّساء:

    روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
    رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( مَنْ
    كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِي جَارَهُ
    وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ
    )). وكان ذلك عام حجّة الوداع.

    2-وكان ميزانهصلّى الله عليه وسلّم الّذي يزن به الرّجل هو عشرته لأهله، لأنّ المرأة إذا نفرت من الرّجل فلتت منه ولن يقدر على أمرها ونهيها، فقد روى أبو داود والتّرمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْلِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي )).

    3حضّ على الاعتناء بالبنات خاصّة ورعايتهنّ:

    فقد روى البخاري ومسلم عن عائشة
    رضي الله عنها قالت: قال صلّى الله عليه وسلّم:

    (( مَنْ ابْتُلِيَ مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ كُنَّ لَهُ سِتْرًامِنْ النَّارِ )).

    4-وقد شبّه اللهتبارك وتعالىالمرأة باللّباس: فقال تعالى:{هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُن} [البقرة: من الآية187]، ومن طبيعة المرء أن يحسِن اختيار لباسه، وأن يعتني به، فإنّه زينة المرء، ومصدر دفئه، وأقرب شيء إلى العبد هو لباسه.

    وغير ذلك من النّصوص الّتي تدلّ على وجوب الاعتناء بتربية المرأة ، ورعايتها، والحفاظ عليها.

    5-أباح الله الموت للحفاظ عليها: فقد روى التّرمذي والنّسائي عن سعيدِ بنِ زيد رضي الله عنه عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( مَنْ قَاتَلَ دُونَ أَهْلِهِ فَقُتِلَ فَهُوَ شَهِيدٌ )) فنال مرتبة الشّهادة بدفاعه عن امرأة.

    وكأنّ النبيّ
    صلّى الله عليه وسلّم يعلن الحرب الطّاحنة، والهيجاء السّاخنة على من مسّ كرامة المسلم في أهله، فما بال أعراض المسلمين تُباع هنا وتعرض هناك وهم صامتون ؟!

    ها هي "حرب الفجّار"
    الّتي قامت بين قريش وهوازن، كانت بسبب أن تعَرّض شبابٌ من كِنانة لامرأة
    واحدة، أرادوا أن يكشفوا وجهها فنادت: يَا آلَ بَنِي عَامِر ! .. فأجابتها
    سيوف بني عامر ؟


    هذه النصوص تدلّ على أهمّية حراسة المرأة، لأنّها هي مركز العفاف والفضيلة.

    وفي الوقت نفسه، نرى كثرة الأحاديث الّتي تحذّر من المرأة خاصّة:

    1-فهي مصدر أعظم فتنة: ففي صحيح مسلم عن أبي سعيدٍ الخدريّ رضي الله عنه عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال:

    (( إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا، وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِبَنِي إِسْرَائِيلَكَانَتْفِي النِّسَاءِ )).

    وتأمّل كيف خصّها النبيّ
    صلّى الله عليه وسلّم بالتّحذير: حيث قال: (( فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ ))، مع أنّ النّساء من الدّنيا، ولكنّه صلّى الله عليه وسلّم خصّهنّ بالذّكر لعظم شأنهنّ.

    2-أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّمعدّ المرأة كلّها عورة، وينبغي للإنسان أن يستر عورته، وكلّ شيء يقبل التّجديد والاستعادة إلاّ شرف المرء ورجولته.

    3-أنّها أعظم وسيلة يصطاد بها الشّيطان العباد: روى التّرمذي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال:

    (( الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ، فَإِذَا خَرَجَتْ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ )).

    4-أنّها ناقصة عقل ودين: ففي الصّحيحين عن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه قال: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم فِي أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ إِلَى الْمُصَلَّى فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ:

    (( يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ ! تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ )) فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: (( تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، مَا رَأَيْتُمِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ )).

    قُلْنَ: وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: (( أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ )) قُلْنَ: بَلَى. قَالَ: (( فَذَلِكِ مِنْنُقْصَانِ عَقْلِهَا، أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ ؟ )) قُلْنَ: بَلَى. قَالَ: (( فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا )).

    وهذا الخطاب موجّه إلى الكُمَّل من نساء العالم، من رضي الله عنهنّ وأرضاهنّ، فكيف بغيرهنّ ؟

    ومعلوم
    ممّن لحظ واقع المرأة اليوم أنّ المرأة سريعة الانقياد وراء عواطفها، ممّا
    سهّل المهمّة على أعداء هذا الدّين في استغلالها لضرب تعاليم الإسلام،
    وهدم صروح الإيمان. ولو وعظتها لسمعت، ولو سمعت لنسيت، لذلك:


    5-وصفهاالنبيّصلّى الله عليه وسلّمبأنّها لا تثبت: روى الإمام أحمد عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلّى الله عليهوسلّم: (( لَا تَسْتَقِيمُ لَكَ الْمَرْأَةُ عَلَى خَلِيقَةٍ وَاحِدَةٍ، إِنَّمَا هِيَ كَالضِّلَعِ، إِنْ تُقِمْهَا تَكْسِرْهَا، وَإِنْ تَتْرُكْهَا تَسْتَمْتِعْ بِهَا وَفِيهَا عِوَجٌ )).

    وغير ذلك من الأمور الّتي تبيّن لنا أنّ المرأة لا بدّ من الاعتناء بها، وعدم التّساهل معها.

    من
    استحضر هذه النّصوص ولم يضرب بعضها ببعض، علم أنّ الإسلام يُكرِم المرأة
    إن تحرّرت من عبوديّة غير الله، ويهين المرأة إن تحرّر من العبوديّة لله،
    شأنها شأن كلّ مطيع وعاص: فهذه اليد ما أعظم قيمتها عند بارئها ! حتّى جعل
    الدّية لقطعها خمسمائة دينار ! ولكنّه
    سبحانه أمر بقطعها لو سرقت ربع دينار، فلمّا كانت أمينة كانت ثمينة، ولمّا خانت هانت.

    الخطبة الثّانية:

    فليس هناك أعظم خطرا على هذا الدّين من جهل أهله، قبل كيد أعدائه، فالله
    تعالى قد قال:{وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاًإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [آل عمران: من الآية120].

    وإنّنا سنقف في خطبنا هذه مع أصناف من النّاس هم المحرّك لهذه الفتنة العمياء، والمحنة الهوجاء:

    أوّلهم: المنفّرون. ثانيهم: المتآمرون. ثالثهم: المنهزمون.

    أمّا المنفّرون: فهم قوم أتوا الأمور من غير أبوابها، ووضعوا الأشياء في غير أيدي أصحابها، وهم قوم أساءوا إلى المرأة، وابتعدوا عن تعاليم ربّهم، ممّا جعل التّهمة توجّه إلى الإسلام لا إليهم،
    فكم من امرأة تشكو زوجها، وأخرى تشكو أخاها، وثالثة تشكو أباها: ضربٌ
    وشتم، واحتقار وإهانة .. ونسُوا الآيات البيّنات والأحاديث المشرقات التي
    تدعو إلى حسن المعاملة، وإلى الانبساط والمجاملة، قال
    تعالى:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً}[النساء: من الآية19].

    وروى التّرمذي وأحمد عن أبي هريرة
    رضي الله عنه أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ((أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ )). وسنعود إلى هؤلاء إن شاء الله.

    هذا الجهل قد أدّى إلى ظهور طائفتين من النّاس، ممّا جعل واقع المرأة يضيع بين المنهزمين، والمتآمرين..

    أمّا المتآمرونفهم: ذئاب البشر، الّذين لا همّ لهم إلاّ الوصول إلى استغلال المرأة لتحقيق أغراضهم، فنادوا بتحرير المرأة، وهم يريدونتعبيدها لأنفسهم، ونادوا بالتطوّر والتقدّم لِيطوّروا أعماهم وأرباحهم. فلا شكّ أنّ عالم اليوم عالم الموضات والشّهوات، ولو تستّرت المرأة لضاعت أرباحهم .. ونادوا بالاختلاط ومزاحمة رجال الأعمال وهم يريدون منها أن تحقق لهم كلّ الأمانيّ والآمال.

    خدعـوها بقولهـم حسناء *** والغـواني يغرّهـن الثّـناء

    نظـرة فابتسـامة فكـلام *** فسـلام، فمـوعد، فلقـاء

    فاتّقوا الله في قلوب العذارى *** إنّ العذارى قلوبهـنّ هـواء

    وهؤلاء سنقف معهم طويلا.

    أمّا المنهزمون، فأرادوا أن يدفعوا التّهم الموجّهة إلى الإسلام، فراحوا يُبيحون للمرأة ما لا يحلّ، حتّى أوشك الدّين أن يرتحل !

    وللأسف في الوقت الّذي يجب علينا أن نصدّ عدوان المعتدين، وكيد الكائدين، نسمع من هنا وهناك من يظهر على القنوات الفضائيّةيضرّ الإسلام أكثر ممّا ينفعه: ترى على وجهه مسحة انهزام، ولا ترى عليه مسحة التزام !

    ماذا يريدون ؟ عصرنة الإسلام زعموا، فلماذا تطالبون الإسلام أن يتعصرن، ولا تطالبون العصر أن يُسلم ؟!

    فنوصي أخيرا أختنا المسلمة بالصّبر والثّبات، فما هي إلاّ أنفاس قليلة وترحلين
    إلى جنّة عرضها الأرض والسّموات، واعلمي أنّ حلاوة الدّين في غربته، ولذّة
    الهدف في صعوبته، وتذكّري النبيّ صلّى الله عليه وسلّم الذي ستلقينه على
    الحوض: ((
    بدأ الإسلام غريبا، وسيعودغريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء
    )).

    الموضوع له تتمة في الجزء الثاني
    للشيخ الفاضل أبي جابر عبد الحليم توميات الجزائري حفظه اللهفانتظروه


  2. #2

    افتراضي الجزء الثاني

    بسم الله الرحمان الرحيم

    الحمد لله كثيرا وكفى والصلاة والسلام على المصطفى وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره إلى يوم الدين
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


    الغارة على الأسرة المسلمة (2) تاريخ الغارة على المرأة

    للشيخ الفاضل أبي جابر عبد الحليم توميات حفظه الله


    28 محرّم
    1425 هـ/ 19 مارس 2004 م


    الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]



    فقد شرعنا معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات في خوض هيجاءَ ساخنة، وحربٍ طاحنة ..
    حربٍ ضدّ أدعياء التحرّر والتطوّر، الّذين يريدون إبعاد الدّين عن الحياة
    بما يفوق كلّ تصوّر .. حربٍ تستوي فيها الضحيّة والسّلاح،
    فالضحيّة فيها: المرأة المسلمة، والسّلاحفيها: المرأة المسلمة.

    ونساؤنا أمام هذه الفتنة العمياء أصناف أربعة:


    -
    صنف على الفطرة، لا ترضى بالرّذيلة، وتحبّ كلّ سبل الفضيلة، ولكنّه صنفٌ لا يدري بما يُكاد له في وضح النّهار، كالرّيشة في مهبّ الرّيح ما لها من قرار.

    - وصنف منهنّ تغيّرت فطرتهنّ، والشّيطان سكنهنّ، فرضيت بالدنيّة، والخزي والرزيّة.

    - وصنف منهنّ علم بمكر الأعداء، ولكنّه اكتفى بالصّبر على المشاقّ والعناء، إن بذلت جهدا في صدّ العدوّ اكتفت بالدّعاء، وهذه ليست بمأمَنٍ على نفسها، ويوشِك أن تقع على أمّ رأسها.

    - وصنف هنّ أنفس من كلّ عزيز، وأعزّ من الكبريت الأحمر والخالص من الإبريز، لا ترضى الواحدة منهنّ إلاّ أن تقاوم، سؤالها ورجاؤها ما قالته أمّ سلمة للنبّيّ
    صلّى الله عليه وسلّم: يَا رَسُولَ اللهِ، لَا أَسْمَعُ اللهَ ذَكَرَ النِّسَاءَ فِي الْهِجْرَةِ والجهاد ؟ فَأَنْزَلَ اللهُ تعالى:{فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران:195].

    وإنّنا سنتحدّث اليوم إن شاء الله
    تعالى
    عن أساليب هؤلاء المتآمرين، وكثير من النّاس يُتعب نفسه، ويرهق حاله
    لتحديد هويّة أولئك المتآمرين، وهذا لا فائدة منه، فيكفينا أن نعلم أنّهم
    كما وصفهم ربّهم:{
    كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ}.

    نبيّن حالهم، وتاريخهم، ووسائلهم، امتثالا لقول الله
    تبارك وتعالى:{وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام:55]، وامتثالا لقوله سبحانه:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [التّحريم:9].

    ومعنى جهاد المنافقين: هو ردّ غاراتهم، وكشف مؤامراتهم، بالحجّة والبرهان، وبسلاح السنّة والقرآن.

    ولكنْ، هناك أمران اثنان أرجو توضيحهما:

    الأوّل:
    إنّنا لن نبيّن عوار الشّيوعيّة الماركسيّة، والماسونيّة الصهيونيّة،
    والعلمانيّة الإلحادية، والحملات الصّليبيّة، بقدر ما نبيّن الضّربات
    العربيّة، فهي كما قال طرفة:


    وظلم ذوي القربى أشدّ مضاضة *** على المرء من وقع الحسام المهنّد

    الثّاني:

    أنّنا لن نكون في خطبنا هذه مدافعين، كما يحلو الحديث لكثير من المنهزمين، الّذين أصيبوا بعقدة نفسيّة بسبب الضغط الغربيّ:


    فيوم اعترض الغربيّون على ما في الإسلام من أحكام الجهاد، قال المنهزمون: ما لنا وللجهاد يا سادة ؟ نعوذ بالله من هذه الهمجيّة.

    ويوم اعترضوا على الرقّ، قال المنهزمون: حرام عندنا أصلا العبوديّة.

    ويوم أطالوا لسان القدح في تعدّد الزّوجات، راح المنهزمون ينسخون بضلالهم وجهلهم آيات القرآن ويحرّفون الكلم عن مواضعه.

    ويوم اعترضوا على بعض أحكام الزّواج والطّلاق، راح المنهزمون قائلين: يحتاج الأمر إلى تعديل وإصلاح مواقعه.

    حتّى قال الغربيّون: لا بدّ من مساواة المرأة للرّجل في كلّ الأحوال، سارع المنهزمون قائلين: سبحان الله ! هذا هو ديننا فهنّ شقائق الرّجال.

    لن نكون كذلك إن شاء الله، بل علينا أن نجعل نُصب أعيننا قولَ ربّنا، وخالقنا ومليك أمورنا:{وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْوَمَنْ
    شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ
    بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ
    يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ
    مُرْتَفَقًا}
    [الكهف:29].

    وإليكم هذه الكلمات في بيان تاريخ هذه الحرب، وذلك في نقاط ثلاث:

    الأولى: تاريخ المرأة القديم. الثّانية: بداية الغزو. الثّالثة: آثار هذا الغزو.

    النّقطة الأولى: تاريخ المرأة القديم. وسترون أنّ التّاريخ يعاد من جديد.

    أمّا عند العرب: فلا يخفى على أحد أنّ المرأة قبل الإسلام الّذي جعلها خير متاع الدّنيا، كانت في نظر النّاس من سقط المتاع، إمّا أن تدفنحيّة، أو تحيامدفونة.

    أمّا أنّها كانت تُدفن حيّة، فأمر كان يفعله كثير من قبائل العرب، وهو وأد
    البنات، يرون أنّهنّ مصدر عار وشنار، فبتّوا فيهنّ أبشع قرار:{
    وَإِذَا بُشّرَ أَحَدُهُمْ بِالاْنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوء مَا بُشّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِيالتُّرَابِ أَلاَ سَآء مَا يَحْكُمُونَ}
    [النحل: 58، 59]، فيحفرون لها حفرة، ويدفِنونها وهي حيّة، إمّا مخافة الحاجة والإملاق، أو مخافة السّبي والاسترقاق.

    قال ابن عبّاس
    رضي الله عنهما:
    كانت المرأة في الجاهليّة إذا حملت حفرت حفرة، وتمخّضت على رأسها، فإن
    ولدت جارية رمت بها في الحفرة، وردّت التّراب عليها، وإن ولدت غلاما حبسته.


    وقال قتادة
    رحمه الله: كانت الجاهليّة يقتل أحدهم ابنته ويغذو كلبَه ! فعاتبهم الله على ذلك فقال تعالى في بيان أهوال القيامة:{وَإِذَاالْمَوْءودَةُ سُئِلَتْ بِأَيّ ذَنبٍ قُتِلَتْ} [التكوير: 8، 9]..

    وقوله
    تعالى: (سُئِلَتْ) سؤال الموءودة سؤال توبيخ لقاتلها، كما يقال للطّفل إذا ضُرِب: لم ضربت ؟ وما ذنبك ؟ قال الحسن: أراد الله أن يوبّخ قاتلها.

    وقرأ الضحّاك وأبو الضّحى عن جابر بن زيد وأبي صالح: (وإذا الموءودة سَأَلَتْ ) فتتعلق الجارية بأبيها فتقول: بأيّ ذنب قتلتُ ؟

    ولا تزال لوثة الجاهليّة على عقول كثير من المسلمين، إذ صاروا طائفتين: رجال
    يدفنون بناتهم دفنا معنويّا، فتعيش في كنفه حقيرة مهانة، ينظر إليها نظرة
    ازدراء، بل إنّ بعضهم لا يزال يقول إذا ذكر زوجه او بنته: حاشاك
    !

    ورجال: دفنوا شرف نسائهم، وهو ما فرّ منه أهل الجاهليّة الأولى.

    وكانوا في الجاهليّة إذا لم يقتلوا البنت في صغرها أهانونها في كبرها، وذلك من وجوه كثيرة:

    1- فكانوا لا يورّثونها من قريبها إذا مات، ويقولون: إنّما يرث من حمل السّلاح وحمى الذّمار، فأنزل الله تعالى:{لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّاتَرَكَالْوَالِدَانِ
    وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ
    وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً
    }
    [النساء:7].

    2- بل كانوا يعدّونها من جملة المتاع الّذي يورث عن الميّت، كما روى البخاري وغيره عن ابن عبّاس رضي الله عنهما
    قال: كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحقّ بامرأته، إن شاء بعضهم
    تزوّجها، وإن شاءوا زوّجوها، وإن شاءوا لم يزوّجوها، فهم أحقّ بها من
    أهلها، فنزلت:{
    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا}
    [النساء:19].

    3- وكان العرب إذا مات الرّجل وله زوجة وأولاد من غيرها كان الولد الأكبر
    أحقّ بزوجة أبيه من غيره، فهو يعتبرها إرثاً كبقيّة أموال أبيه، فعن ابن
    عبّاس
    رضي الله عنهما
    قال:" كان الرّجل إذا مات أبوه أو حموه، فهو أحقّ بامرأته، إن شاء أمسكها،
    أو يحبسها حتّى تفتدي بصداقها أو تموت فيذهب بمالها، فأنزل الله
    تعالى قوله:{وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَفَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً} [النّساء:22]، وقوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً} [النساء: من الآية19]".

    4- كان الرّجل في الجاهليّة يتزوّج العدد الكثير من النّساء من غير حصر بعدد،
    ويسيء عشرتهنّ، فلمّا جاء الإسلام حرّم الجمع بين أكثر من أربع نساء،
    واشترط العدل بينهنّ في الحقوق، قال
    تعالى:{فانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّتَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}[النساء:3].

    5- ومنهنّ من كُنّ يُزوّجن أبشع أنواع الزّواج:

    كزواج الأخذان:
    وهو أن يشترك مجموعة من الرّجال بالدّخول على امرأة واحدة، ثمّ يُعطونها
    حقّ الولد تُلحِقه بمن شاءت منهم. فتقول: إذا ولدْتُ هو ولدك يا فلان،
    فيلحق به ويكون ولده.


    ومن ذلك نكاح الاستبضاع، وهو أن يرسل الرّجل زوجته لرجل آخر من كبار القوم لكي تأتي بولد منه يتّصف بصفات ذلك الكبير في قومه !

    ومن ذلك نكاح المتعة وهو المؤقّت بأيّام معدودات.

    ومن ذلك نكاح الشّغار،
    وهو أن يزوّج الرّجل ابنتَه أو أختَه لرجل آخر على أن يزوّجه هو ابنته أو
    أختَه دون مهر، وذلك لأنّهم يتعاملون على أنّ المرأة يمتلكونها كما يمتلكون
    السلعة.


    وهذه الصّور كلّها حرّمها الإسلام، صيانة لعرض المرأة، وحفاظا على النّسل، قال
    عزّ وجلّ:{وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُالَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً} [النساء:27].

    6- وكذلك لم يكن للمرأة على زوجها أي حقّ.

    7- وليس للطّلاق عدد محدود.

    8- وقد كانت العدّة للمرأة إذا مات زوجها سنة كاملة، وتحدّ على زوجها أشدّ
    حداد وأقبحه، فتلبس شرّ ملابسها وتسكن شرّ الغرف، وتترك الطّهارة، فلا تمسّ
    ماء، ولا تقلم ظفراً، ولا تزيل شعراً، ولا تبدو للنّاس في مجتمعهم، فإذا
    انتهى العام خرجت بأقبح منظر وأنتن رائحة، فمحى الإسلام كلّ ذلك.


    وغير ذلك من الصّور التّي قد يفوتنا ذكرُها.

    أمّا عند النّصارى:
    فقد كانت المرأة ذليلة مهانة مستعبدة، فالدّين النّصراني الّذي يدين به
    العالم الغربيّ - ولا أقول الدّين المسيحيّ الّذي كان عليه عيسى
    عليه السّلام
    ومن معه - يرى أنّ المرأة ينبوع المعاصي وأصل السيّئة والفجور، ويرى أنّ
    المرأة للرّجل بابٌ من أبواب جهنّم فهي الّتي تحرّكه إلى الآثام.


    وكيف لا وهم يقولون - وجعل أبناء المسلمين يردّدون ذلك - إنّ أمّنا حواء هي من أخرج آدم من الجنّة ؟!

    فقالوا: إنّها مصدر المصائب الإنسانيّة جمعاء. وترى النصرانية أنّ العلاقة بالمرأة رجسٌ في ذاتها، وترى أنّ السّموّ لا يتحقّق إلا بالبُعد عن الزّواج !

    مجتمعٌ يدين بهذه النظرة المقيتة لا يمكن أن ينصف المرأة ويضعها في موضعها اللائق بها، ولا يمكن أن ينظر إليها نظرة احترام وتكريم.

    أمّا عند اليهود:
    فلم يقلّ الحال عمّا عليه الآخرون، فكانوا يُلقّبونها باللّعنة، لا حقّ
    لها إلاّ ما للبهائم من أكل وشرب واستمتاع، وإذا حاضت كانوا لا يؤاكلونها
    ولا يحدّثونها.


    روى البخاري ومسلم عن أنسٍ
    رضي الله عنه
    قال: كَانَتْ الْيَهُودُ إِذَا حَاضَتْ امْرَأَةٌ مِنْهُمْ لَمْ
    يُؤَاكِلُوهَا وَلَمْ يُشَارِبُوهَا وَلَمْ يُجَامِعُوهَا فِي الْبُيُوتِ،
    فَسُئِلَ النَّبِيُّ
    صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك، فَأَنْزَلَ الله تعالى:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنْالْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى}، فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم
    أَنْ يُؤَاكِلُوهُنَّ، وَيُشَارِبُوهُنَّ، وَأَنْ يَكُونُوا مَعَهُنَّ فِي
    الْبُيُوتِ، وَأَنْ يَفْعَلُوا كُلَّ شَيْءٍ مَا خَلَا النِّكَاحَ.
    فَقَالَتْ الْيَهُودُ: مَا يُرِيدُ أَنْ يَدَعَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِنَا
    إِلَّا خَالَفَنَا فِيهِ.


    هذا حال أهل الدّيانات، فلا تسَل عن حال غيرهنّ من المجوس الّذين كانوا يبيحون للرّجل أن يتزوّج ابنته وأمّه وسائر المحارم !

    ولا تتحدّث عن الإغريق والرّومان والهنود.

    ولم تزل الكنيسة تُصرّح بهوان المرأة إلى أن جاء القرن الثّامن عشر - أي: قبل 180 سنة تقريبًا فقط - فقد كان الرّجال في بريطانيا يبيعون زوجاتهم ! فصدر قانون يمنع ذلك في عام
    1830م. وبعد ذلك جاء المؤتمر المنتظر وخرج الأوروبّيون منه بقرار واكتشاف لا بدّ من التّصريح به: أنّ المرأة إنسان كالرّجل !

    وتعالوا بنا الآن إلى:

    النّقطة الثّانية: تاريخ المرأة الحديث:

    فقد اجتمع لدى أنصار تحرير المرأة أربعة أسباب حرّكت ثورتهم، وألهبت دعوتهم:

    - السّبب الأوّل:
    أنّه لا شكّ أمام هذا الهوان الّذي كان يُسلّط على المرأة، كان لزاما أن
    تُطالب بالتحرّر؛ لأنّها عبوديّة لغير الله، ومن عبد غير الله وقع في
    عبوديّة سواه.


    - السّبب الثّاني: الشّهوات المركّبة في بني البشر، فكلّ يريد أن يعيش حياة بلا قيود، وحرّية بلا حدود.

    - السّبب الثّالث:

    هدم معاقل الإسلام..


    فقد رأى هؤلاء أنّ المرأة نصف المجتمع، وهي التي تلد وتحضن وتُأوي النّصف
    الآخر، فكانت هي المجتمع كلّه .. وأنّها بمثابة القلب إذا صلحت صلح سائر
    الجسد، وإذا فسدت فسد سائر الجسد .. وهي حارسة القلاع، وحامية البقاع، فإذا
    نام الحارس أو ضاع، فقل على القلعة السّلام.


    يقول خبثاء صهيون في بروتوكولاتهم: ( علينا أن نكسب المرأة، ففي أيّ يوم مدّت إلينا يدها ربحنا القضيّة ).

    ويقول ميدروبيرغر:" إنّ المرأة المسلمة هي أقدر فئات المجتمع الإسلاميّ على جرّه إلى التحلّل والفساد ".

    ويقول أحد المصريّين في كتابه:" المرأة والحجاب":" إنّه لم يبق حائل يحول دون هدم المجتمع الإسلاميّ في المشرق إلاّ أن تتغيّر المرأة ".

    ويقول جان بوكارو في كتابه"الإسلام والغرب":" إنّ التأثير الغربيّ لا يكون له أثر مثل ما يكون على المرأة "..

    - السّبب الرّابع:
    أنّ ميدان المرأة يدرّ عليهم الأموال الطّائلة، فعالم الأزياء والموضات
    فرض نفسه، ولا يخفى أنّ أكبر الأغنياء وأثرى الأثرياء من يعمل في عالم
    الدّعارة، وهاهي شبكات الإنترنت اليوم خير دليل على ذلك، فقد بلغ عدد
    المواقع الإباحيّة
    أكثر من مليونموقع!

    وهذا عالم السّينما الّذي سيطر على العالم نرى أنّ أكثر الأفلام انتشارا هي
    الّتي تتحدّث عن علاقات الجنسين .. فهل يُمكن لهؤلاء أن يُضيّعوا فرصتهم ؟


    ما صدّهم عن الانتشار في العالم الإسلاميّ إلاّ حفاظ المرأة على عفّتها وكرامتها، فكان لا بدّ من الغزو.

    وبدأ غزو ديار الإسلام .. وبدأت حركة تحرير المرأة .. تحريرها من عبوديّة الله، لتكون لهم أَمَةً.

    الخطبة الثّانية:

    الحمد لله ربّ العالمين، والعاقبة للمتّقين، ولا عدوان إلّا على الظّالمين،
    وأشهد أن لا إله إلاّ الله وليّ الصّالحين، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله،
    إمام الأنبياء وسيّد المرسلين، صلّى الله وسلّم وبارك عليه وعلى آله وصحبه
    أجمعين، أمّا بعد:


    فإنّ حركة تحرير المرأة حركة علمانية، نشأت في مصر في بادئ الأمر، ثمّ انتشرت في أرجاء البلاد العربيّة والإسلاميّة، تدعو إلى تحرير المرأة !من الآداب الإسلاميّة،
    والأحكام الشّرعية الخاصّة بها مثل الحجاب، وتقييد الطّلاق، ومنع تعدّد
    الزّوجات، والمساواة في الميراث، وتقليد المرأة الغربيّة في كلّ أمر، ظلام
    هي حتّى مدخل القبر.


    وانتشرت دعوتها من خلال الجمعيّات ! والاتّحادات النّسائية في العالم الغربي.

    وقد سبق إنشاء هذه المنظّمات تأسيسٌ نظريّ فكريّ، ظهر من خلال كتب ثلاثة ومجلة صدرت كلّها في مصر:

    - كتاب:"المرأة في الشرق" تأليف مرقص marcus
    فهمي المحامي، دعا فيه إلى القضاء على الحجاب، وإباحة الاختلاط، وتقييد
    الطّلاق، ومنع الزّواج بأكثر من واحدة، وإباحة زواج المسلمات من النصارى.


    - كتاب:" تحرير المرأة " تأليف قاسم أمين، نشره عام
    1899م،
    بدعم من الشّيخ محمد عبده وسعد زغلول، وأحمد لطفي السيد. زعم فيه أنّ حجاب
    المرأة السّائد ليس من الإسلام، وقال: إنّ الدّعوة إلى السّفور ليست
    خروجاً عن الدين.


    - كتاب: "المرأة الجديدة" ! تأليف قاسم أمين أيضاً -نشره عام
    1900م- ويتضمّن أفكار الكتاب الأوّل، واستدلّ فيه على أقواله وادّعاءاته بآراء الغربيين.

    - "مجلة السّفور"، صدرت أثناء الحرب العالمية الأولى، من أنصار سفور المرأة، وتركز على السفور والاختلاط.

    وكان سبب إنشاء هذه المجلّة يوم دعا سعد زغلول النّساء اللّواتي تحضرن خطبته أن يُزِحْن النّقاب عن وجوههنّ ! وهو الذي نزع الحجاب عن وجه نور الهدى محمّد سلطان الّتي اشتهرت باسم: هدى شعراوي ! وهي مؤسّسة الاتّحاد النّسائي المصريّ، وكان ذلك عند استقباله في الإسكندرية بعد عودته من المنفى.

    واتبعتها النّساء فنزعن الحجاب بعد ذلك.

    ثمّ اشترك النّساء بقيادة هدى شعراوي في ثورة سنة
    1919م فدخلن غمار الثّورة بأنفسهنّ، وبدأت حركتهنّ السياسيّة بالمظاهرة الّتي قمن بها صباح 20 مارس سنة 1919م .

    ثمّ تأسّس الاتّحاد النّسائي في أفريل
    1924م بعد عودة هدى شعراوي من مؤتمر الاتّحاد النّسائي الدّولي الذي عُقِد في روما ! عام 1922م .. ونادى الاتّحاد بجميع المبادئ التي نادي بها من قبل مرقص فهمي وقاسم أمين.

    - وبعد عشرين عاماً انعقد مؤتمر الاتّحاد النّسائي العربي عام
    1944م وقد حضرته مندوبات عن البلاد العربيّة ! وقد رحبت بريطانياوالولايات المتحدة الأمريكية بانعقاد المؤتمر حتّى أنّ زوجة الرئيس الأمريكي روزفلت أرسلت برقيّة مؤيّدة للمؤتمر !.

    وبعد أربع سنوات بعد ذلك وقعت القدس في براثن اليهود الصّهاينة !

    ومن أبرز شخصيات حركة تحرير المرأة:

    - محمد عبده: كما في مقالات "الوقائع المصرية"، وفي "تفسيره لآيات أحكام النساء"
    [1].

    -سعد زغلول: زعيم "حزب الوفد المصريّ"، الّذي أعان قاسم أمين على إظهار كتبه، وشجّعه في هذا المجال.

    -لطفي السيد: الذي أطلقوا عليه اسم: أستاذ الجيل ! وظلّ يروّج لحركة تحرير المرأة على صفحات الجريدة لسان حال حزب الأمّة المصري في عهده.

    -صفية زغلول
    زوج سعد زغلول، وابنة مصطفى فهمي باشا رئيس الوزراء آنذاك وأشهر صديق للإنكليز.

    -هدى شعراوي
    ابنة محمد سلطان باشا، الذي كان يرافق الاحتلال الإنكليزي في زحفه على العاصمة، وزوجة علي شعراوي باشا أحد أعضاء حزب ( الوفد ).

    -سيزا نبراوي ( واسمها الأصلي زينب محمد مراد )، وهي صديقة هدى شعراوي في المؤتمرات
    الدولية والداخلية. وهما أوّل من نزع الحجاب في مصر بعد عودتهما من الغرب،
    إثر حضور مؤتمر الاتّحاد النسائي الدولي الذي عقد في روما
    1922م .

    -درّية شفيق: من تلميذات لطفي السّيد، رحلت وحدها إلى فرنسا لتحصل على الدّكتوراه، ثمّ
    إلى إنكلترا، وصوّرتها وسائل الإعلام الغربية بأنّها المرأة التي تدعو إلى
    التّحرّر من أغلال الإسلام وتقاليده مثل: الحجاب والطلاق وتعدد الزّوجات.


    ولمّا عادت هذه المرأة إلى مصر شكّلت حزب ( بنت النيل ) في عام
    1949م بدعم من السّفارة الإنكليزية والسّفارة الأمريكية.

    وقد قادت درية شفيق مظاهرات مشهورة، حيث أضربت النساء فيها عن الطّعام حتّى الموت إذا لم تستجب مطالبهنّ. وأجيبت مطالبهنّ.

    -سهير القلماوي: تربّت في الجامعة الأمريكية في مصر- وتخرّجت من معهد الأمريكان- وتنقّلت
    بين الجامعات الأمريكية والأوربية، ثم عادت للتدريس في الجامعة المصرية .


    -أمينة السعيد:وهي من تلميذات طه حسين، الأديب المصري الذي دعا إلى تغريب مصر، وقد ترأسّت " مجلة حواء ".

    ومن أقوالها في عهد عبد الناصر:" كيف نخضع لفقهاء أربعة وُلِدوا في عصر الظلام
    ولدينا الميثاق ؟". تقصد ميثاق عبد الناصر الذي يدعو فيه إلى الاشتراكية.


    -د: نوال السعداوي: زعيمة الاتحاد المصري حالياً.

    النّقطة الثّالثة: آثار هذا الغزو.

    لقد سقطت مصر في هذا الحضيض، فلا تسأل عن تركيا
    :

    فبمجرّد سقوط الدّولة الإسلاميّة عام
    1924م صدر قانون مدنيّ يوافق القانون السّويسري، حرّم فيه أتاتورك تعدّد الزّوجات، ومنع الحجاب، وقيّد الطّلاق، ودعا إلى التّعليم المختلط، حتّى صارت المرأة التّركيّة أشبه بالمرأة السّويسريّة.

    وقد صفها جان رو قائلا
    :" المرأة التّركيّة هي المرأة العصريّة ".

    وفي عام
    1930م صدر قانون مدنيّ تركيّ بإباحة زواج النّصراني من المسلمة !

    يقول شكيب أرسلان
    رحمه الله:" فأنت ترى أنّ المسألة ليست منحصرة في الحجاب، ولا هي مجرّد حرّية في الذّهاب والمجيء، بل هناكسلسلة طويلة ".

    وبعد سقوط مصر، سقطت الشّام، ودول الخليج، ودول المغرب العربيّ، وهم اليوم أشدّ
    شراسة من الماضي، وقد كان في الماضي مقاومون، كأمثال أعضاء جمعيّة العلماء
    المسلمين، وأتباعهم، فهل هناك من نصير هذه الأيّام ؟!


    هذه بعض الوقائع التي تدل دلالة لا ريب فيها على صلة حركة تحرير المرأة بالقوى الاستعمارية الغربية.

    رجاؤنا فيك كبير أيّتها الأخت المسلمة.. لتصدّي عن بنات المسلمين مثل هذا الطّوفان ..

    ننقل لك هذه المعلومات لنعلم جميعا أنّ ما نراه اليوم من فساد عريض، لم يكن
    وليد الصّدفة، أو وليد عمل يوم أو يومين، كلاّ.. إنّها أشواك زرع دام سنين
    وسنين .. فهل من متصدّيات لهؤلاء المفسدات ؟!

    نادوا بتحرير الفتاة وألّفوا فيه الكتاب *** رسموا طريقا للتبرّج لا يُضيّعه الشّباب


    يا أختنا هم ساقطون إلى الحضيض .. إلى التّراب



    يا أختنا صبرا تذوب ببحره كلّ الصّعاب *** يا أختنا أنت العفيفة والمصونة بالحجاب

    يا أختنا فيك العزيمة والنّزاهة والثّواب







    [1].
    انظر: التفاصيل في كتاب المؤامرة على المرأة المسلمة د. السيد أحمد فرج ص
    63 وما بعدها . دار الوفاء سنة 1985م، "كتاب عودة الحجاب" الجزء الأول
    د.محمّد أحمد بن إسماعيل المقدم
    حفظه الله.



    التعديل الأخير تم 03-14-2011 الساعة 09:22 AM

  3. افتراضي

    جزاك الله خير

  4. #4

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد التواب مشاهدة المشاركة
    جزاك الله خير
    وجزاكم الله بالمثل

    اعتذر لاني نسيت أن أكمل كل حلقات الموضوع وسأتمه غدا بإذن الله

  5. #5

    افتراضي الغارة على الأسرة المسلمة (3) كيف نصدّ هذه الغـارة ؟ للشيخ عبد الحليم

    صفر 1425هـ/ 26 مارس 2004 م

    الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

    فقد
    رأينا معًا في لقائنا الأخير تاريخ المرأة القديم .. رأينا المرأة بين
    مخالب اللِّئام وتكريم الإسلام .. بين هوان الجاهليّة وعزّة الحنيفيّة ..
    ممّا يجعلنا ندرك جليّا أنّ ما يسعى إليه دعاة التحرّر ! هو في الحقيقة
    العودة إلى الجاهليّة الأولى.


    يا دُرّةً، حُفِـظـت بالأمـس غاليـةً *** واليوم يبغونـها للّهـو واللّعـب


    يا حُـرّةً، قد أرادوا جَعْـلَهـا أمـةً *** غربيّة العقل لكنّ اسمـها عربـي



    هل يستـوي من رسـول الله قائـده *** دَوماً، وآخر هاديـه أبو لـهب

    أين من كـانت الزّهـراء أُسـوتَـها *** ممّن تقفّت خُطـا حمّـالة الحطب

    سَمَّـوا دعـارتهم: حـرّيـةً كـذباً *** باعوا الخلاعة باسم الفنّ والطّرب

    هُمُ الذّئاب وأنت الشّـاة فاحترسـي *** من كلّ مفتـرسٍ للعرض مستلب

    أختـاه، لستِ بنَبـتٍ لا جـذور له *** ولستِ مقطوعة مجهـولة النّسـب




    أنت ابنة العُرب والإسـلام عِشتِ به *** في حضن أطهـر أمٍّ من أعـزّ أبِ

    فلا تبـالي بما يُلقُـون مـن شُـبَـهٍ *** وعندك الشرع إن تدعِيه يستجِبِ

    سليه: من أنا؟ من أهلي؟ لـمن نسبي؟ *** للغرب، أم أنا للإسلام والعرب ؟

    لمن ولائـي؟ لمن حبِّي ؟ لمن عملـي ؟ *** لله، أم لدعاة الإثـم والكـذب

    سبـيـل ربّـك والقرآن منهـجـه *** نور من الله لم يُحجَب، ولم يَغِبِ


    فاستمسكي بعُـرى الإيمان واصطبري *** وصابري، واصبري لله، واحتسبي

    وإنّ موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله هو:" كيف نصدّ هذه الغارة
    ؟ "، وذلك من خلال بيان نقاط ثلاث، كلّها في تصحيح المفاهيم، وإزالة
    اللّيل البهيم، وسترون أنّ أعظم سلاح لصدّ هذا الغزو هو التسلّح بالعلم
    الصّحيح:


    1-العلم بمكانة المرأة في الإسلام. 2-معرفة المفهوم الصّحيح للمساواة. 3-العلم بالفوارق بين الرّجل والمرأة.

    أوّلا: مكانة المرأة في الإسلام.

    وهنا - إخوتي الكرام - لا بدّ أن نقول: إنّنا مع الأسف أصبحنا اليوم في وضع المُدافع
    .. نريد دوْماً أن ندفع عن ديننا التُّهَم التي يلصقها به أعداؤه، وهذا -
    والله - ضَعْفٌ وخَوَر، حدث في الأمة بسبب ترك ما أمر الله
    عزّ وجلّ به، وهو الدعوة إلى الله.

    ولو
    أنّنا قمنا بواجب الدّعوة إلى الله، وغزونا هؤلاء الكفار في عُقْر دارهم
    بدعوتنا، وبينّا محاسن ديننا، وقمنا كذلك ببيان فساد دينهم الّذي هم عليه،
    وأنّهم قد ظلموا المرأة والرّجل والطّفل معاً في تعاملهم، لو قمنا بذلك،
    لما احتجنا أن ندافع عن ديننا؛ لأنّنا أصحاب حقّ، وصاحب الحقّ قويّ بحقّه.


    ولكن نحن اليوم بحاجة إلى إصلاح داخليّ في ذواتنا وأنفسنا، قبل أن نقوم بالإصلاح في الخارج، والله المستعان.

    فإنّ
    الإسلام لم يعتبر المرأة يوما جرثومةً خبيثة كما اعتبرها الآخرون، ولم
    يعتبرها يوما سببا في خروج آدم من الجنّة كما يظنّه الجاهلون، إنّما قرّر
    ما لم يُقرّره شرع مخلوق، ولا قانون بشر.


    كما أنّ الإسلام لم يعتبر المرأة قط في يوم من الأيّام أنّها سيّدة هذا الكون، وإذا قالت كن فيكون.

    تَحدّثْنا فيما سبق عمّا يريده أعداء هذا الدّين من كيد للإسلام والمسلمين، وأنّهم لما عجزوا عن مواجهة هذا الدّين بالسّلاح، واجهوه بالغزو الفكري الثّقافي للتّشويه والتّشكيك: تشويهه صورة الإسلام عند غير المسلمين، وتشكيك المسلمين في دينهم.

    ومن أكبر أباطيلهم التي حاولوا نشرَها والترويج لها بين المسلمين مقولتهم الباطلة: بأنّ الإسلام قد ظلم المرأة وأهانها !

    فنقف مع هذه التّهمة الباطلة، والمقولة الآثمة، لنبيّن بطلانها، ونرد على قائليها ومروّجيها من أعداء الله وأعداء رسوله صلّى الله عليهوسلّم ردّاً إجمالياً، ثم ردّاً تفصيلياً بعد ذلك بعون الله.

    أمّا الردّ إجمالا: فإنّ من اعتقد أنّ الإسلام قد ظلم الإسلام وأهانها ! فقد نطق بالكفر عياذا بالله -؛ ذلك لأنّ الإسلام هو دين الله عزّوجل، رضيه لنا وأتمّ نعمته به علينا، قال تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} [المائدة:3].

    فمن يعتقد أنّ الإسلام قد ظلم المرأة أو أهانها، فهو إنّما يقول إنّ الله عزّ وجلّ قد ظلم المرأة وأهانها ! تعالى الله عمّا يقول الجاهلون الظالمون علوّاً كبيراً، يقول الله تعالى:{وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف:49]، وقال سبحانه:{إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء:40]. وقال عزّ وجلّ:{إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا} [يونس:44].

    أمّا الردّ التّفصيليّ: فلنعلَمْ أنّه لم تعرف البشريةُ ديناً ولا حضارةً عُنيت بالمرأة أجملَ عناية، وأتمَّ رعايةٍ، وأكملَ اهتمام كدين الإسلام.

    وإنّ
    المرأة لم تكن في يوم من الأيّام مثار جدل بين المسلمين، ولا قضيّة تثار
    بين المتكلّمين، فعلماؤنا تحدَّثوا عن المرأة كما تحدّثوا عن الرّجل،
    وأكّدوا على مكانتها وعِظم منزلتها كما أكّدوا على مكانة الرّجل، فجعلها
    الدّين مرفوعةَ الرأس، عاليةَ المكانة، مرموقةَ القدْر، لها في الإسلام
    الاعتبارُ الأسمى والمقامُ الأعلى، تتمتّع بشخصيةٍ محترمة، وحقوقٍ مقرّرة،
    وواجبات معتبرة. وذلك من وجوه كثيرة:


    1- فالمرأة نعمة وهبةٌ من اللهعزّ وجلّ: فقد أشاد الإسلام بفضل المرأة، ورفع شأنَها، وعدَّها نعمةً عظيمةً وهِبةً كريمة، يجب مراعاتها وإكرامُها وإعزازها، يقول المولى جل وعلا:{لِلَّهِ
    مُلْكُ السَّمَـاواتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَن يَشَاء
    إِنَـاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ أَوْ يُزَوّجُهُمْ ذُكْرَاناً
    وَإِنَـاثاً
    } [الشورى:49،50].

    فرعى حقَّها طفلةً، وحثَّ على الإحسان إليها، ففي صحيح مسلم من حديث أنس رضي الله عنه أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ ))-وضمّ أصابعه-.

    وفي صحيح مسلم أيضاً أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ((مَنْ كَانَ لَهُ ثَلاَثُ بَنَاتٍوَصَبَرَ عَلَيْهِنَّ، وَكَسَاهُنَّ مِنْ جِدَتِهِ، كُنَّ لَهُ حِجَابًامِنَ النَّارِ )).

    2- ورعى الإسلام حقَّ المرأة أمًّا، فدعا إلى إكرامها إكرامًا خاصًّا، وحثَّ على العناية بها:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّـاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسَـاناً} [الإسراء:23].

    بل جعل حقَّ الأمّ في البرّ آكدَ من حقِّ الوالد، فقد جاء رجل إلى نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، من أبرّ ؟ قال: (( أمّك ))، قال: ثم من ؟ قال: (( أمّك ))، قال: ثم من ؟ قال: (( أمّك ))، قال: ثم من ؟ قال: (( أبوك )) [متفق عليه].

    3- ورعى الإسلامُ حقَّ المرأة زوجةً، وجعل لها حقوقاً عظيمة على زوجها، من المعاشرة بالمعروف والإحسان والرفق بها والإكرام، قال صلّى الله عليه وسلّم: (( أَلاَ وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْراً، فَإِنَّهُنَّ عَوَانٍ عِنْدَكُمْ )) [متفق عليه].

    وقال صلّى الله عليه وسلّم في حديث آخر: (( أكملُ المؤمنين إيماناً أحسنُهم خُلُقاً، وخيارُكم خياركم لنسائه )).

    4- ورعى الإسلامُ حقَّ المرأة أختًا وعمَّةً وخالةً، فعند الترمذي وأبي داود قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( وَلاَ يَكُونُ لِأَحَدٍ ثَلاَثُ بنَاتٍأَوْ أَخَوَاتٍ فيُُحْسِنَ إِلَيْهِنَّ إِلاَّ دَخَلَ الجَنَّةَ )).

    5- وفي حال كونِها أجنبيةً فقد حثَّ على عونها ومساعدتها ورعايتها، ففي الصّحيحين قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( السَّاعِي عَلَىالأَرْمَلَةِ وَالمِسْكِينِ كَالمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ، أَوْ كَالقَائِمِ الَّذِي لاَ يَفْتُرُ، أَوْ كَالصَّائِمِ الَّذِي لاَ يُفْطِِرُ )).

    6- وأعطاها الإسلام حقَّ الاختيار في حياتها، والتصرّف في شؤونها، وفقَ الضوابط الشرعية والمصالح المرعية، فقال جلّ وعلا:{وَلاَتَعْضُلُوهُنَّ} [النساء:19]، وقال صلّى الله عليه وسلّم: (( لا تُنكح الأيم حتى تُستأمَر، ولا البكر حتى تستأذَن في نفسها )).

    7- والمرأةُ في نظر الإسلام أهلٌ للثقة ومحلٌّ للاستشارة:
    فهذا رسول الله أكملُ الناس علما، وأتمُّهم رأيًا، يشاور نساءَه
    ويستشيرهنّ في مناسبات شتّى ومسائل عظمى، وكيف لا وهو يصفها بالسيّدة، فقد
    روى ابن السنّي
    رحمه الله في " عمل اليوم واللّيلة " عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( كُلُّ نَفْسٍ مِنْ بَنِي آدَمَ سَيِّدٌ، فَالرَّجُلُ سَيِّدٌ، وَالمَرْأَةُ سَيِّدَةُ بَيْتِهَا )) [صحيح الجامع].

    8- بل إنّ الإسلامَ يفرض للمرأة مبدأ الأمن الاقتصادي: وهذا لم يسبق له مثيلٌ، ولم يجاره بديل:

    ذلك
    حينما كفل للمرأة النفقةَ أمًّا، أو بنتاً، أو أختاً، أو زوجةً، وحتّى
    أجنبية، لتتفرّغ لرسالتها الأسمى وهي فارغةُ البال من هموم العيش ونصب
    الكدح والتكسُّب.


    9- والمرأةُ في تعاليم الإسلام كالرجل في المطالبة بالتكاليف الشرعية، وفيما يترتّب عليها من جزاء وعقوبة، قال الله جلّ وعلا:{وَمَن
    يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ
    فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرا
    } [النساء:124].

    فهي
    كالرّجل في حمل الأمانة في مجال الشّؤون كلّها، إلاّ ما اقتضت الضرورةُ
    البشريّة والطبيعة الجِبليّة التفريقَ فيه، وهذا هو مقتضى مبدأ التكريم في
    الإسلام لبني الإنسان:{
    وَلَقَدْ
    كَرَّمْنَا بَنِى ءادَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِى الْبَرّ وَالْبَحْرِ
    وَرَزَقْنَاهُمْ مّنَ الطَّيّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مّمَّنْ
    خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [الإسراء:70].

    وروى التّرمذي عَنْ أمِّ سلمةَ قالت: يا رَسُولَ اللهِ، لَا أَسْمَعُ اللَّهَ ذَكَرَ النِّسَاءَ فِي الْهِجْرَةِ ؟ فَأَنْزَلَ اللهُ تعالى:{فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ}، وأكّد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذلك بقوله: (( النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ )).

    لذلك قطع الله كلّ كلام، وأبطل كلّ الأحلام الّتي قد يدّعيها الرّجل أو المرأة، وجعل الميزان هو التّقوى:{يَا
    أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى
    وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ
    عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ
    } [الحجرات:13].

    معاشر المؤمنين، هذه بعضُ مظاهر التكريم للمرأة في الإسلام، وذلك غيْضٌ من فيض، وقبضةٌ من بحر.

    أيها
    المسلمون، إن أعداءَ الإسلام تُقلقهم تلك التوجيهاتُ السامية، وتقضّ
    مضاجعهم هذه التعليمات الهادفة، لذا فهم لا يقصّرون في بثّ دعواتٍ تهدف
    لتحرير المسلمة من دينها ! والمروق من إسلامها !


    ثانيا: تصحيح مفهوم العدل والمساواة.

    إنّ المطالِبَ بالمساواة بين الرّجل والمرأة إمّا أنّه مجنون مخبول، وإمّا جاهل لا يدري ما يقول، وإمّا كافرٌ مخذول.

    فلا بدّ أنْ نفرّق -أيّها المسلمون- بين مفهوم العدل، ومفهوم المساواة، فالله أمر بالعدل بين الرّجال والنّساء، ولم يأمر قط بالمساواة:

    ألا
    ترون أنّه يجب العدل بين الصّغير والكبير، ولكن لا يقول أحدٌ إنّ الكبير
    يأكل ما يأكله الصّغير، فهذا يُعطى ما يناسبه، وذاك يُعطى ما يناسبه، وهذا
    هو العدل. فمن العدل ألاّ تسوّي بين الرّجل والمرأة في كلّ شيء، من العدل
    أن يعمل الرّجل ويكدّ ويتعب وينفق، وتعمل المرأة في بيتها وتتعب وتكدّ،
    ولكن لا نُسوّي بينهما.


    من العدل أن يجاهد الرّجل لأنّه يناسبه، ولا تجاهد المرأة لأنّ هذا لا يُناسبها، وليس من العدل أن نوجب الجهاد عليها..

    فلا بدّ أن نفرّق بين هذا وذاك..وهذا ما يُظهر جيّدا الفوارق بين الرّجل والمرأة..


  6. #6

    افتراضي الغارة على الأسرة المسلمة (3) كيف نصدّ هذه الغـارة ؟ للشيخ عبد الحليم

    ا

    الخطبة الثّانية.

    الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

    ثالثا: الفوارق بين الرّجل والمرأة.

    يقول الله تباك وتعالى:{وَلا
    تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ
    لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا
    اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ
    بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً
    } [النساء:32].

    فكما خصّ المرأة بأمور تناسب طبعها، ونشأتها، أسقط عنها كثيرا من الواجبات التي أُلزم بها الرّجل، وحرّم عليها أمورا لا تليق بطبعها، وأباح لها أشياء تناسب طبعها.

    فينهى الله تعالى كلاّ من الجنسين أن يتمنّى ما خصّ وفضّل به أحدهما عن الآخر، وذلك فيه من المفاسد ما لا يخفى:

    - منها
    الاعتراض على قدر الله وقضائه وعدم الرّضى عنه، ومتى حدث ذلك ذهبت
    القناعة، وحلّ مكانها السّخط، وحاول كلّ منهما أن يلبس لباس الآخر؛ فتزلّ
    به قدمه، وتندكّ عنقه.


    - وفيه عدم تعظيم حكمته سبحانه، وهو القائل:{أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف:من الآية54]، فلا يمكن أن يخالف أمرُه خلقه، وخلقه أمره.

    ولأجل ذلك قال تعالى في أوّل سورة النّساء:{وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً} [النساء: من الآية1]، فإنّ لفظ (منها) رسالة إلى كلا الجنسين، فالرّجل يترفّق بشيء هو منه، والمرأة عليها أن تتذكّر أنّها فرعٌ منه، وبذلك تتّزن الأمور.

    فهناك فوارق كونيّة، وفوارق شرعيّة، ومن رام لباس الآخر يكون قد صادم الشِّرعة، وخالف الفطرة، قال ابن عبّاس رضي الله عنهما: (( لَعَنَ رَسُولُ اللهِصلّى الله عليه وسلّمالْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ )).

    واالنّساء القانتات يقُلْن كما قالت امرأة عمران:{وَلَيْسَ الذّكّرُ كَالأُنْثَى}، والمارقات يقلن: ( هما سواء ).

    والله تعالى يقول:{وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}، والخارجون عن طاعته يقولون: ( درجتهما سواء ).

    الله تعالى يقول:{وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ}، والمتمرّدة على الله تقول: بل نتمنّى ما فضّل الله به بعضنا على بعض.

    ذلك
    لأنّ الذّكورة كمال خلقيّ، وقوّة طبيعيّة وذاك شرف الرّجل، والأنوثة نقص
    وضعف، وذاك شرف المرأة، والله تعالى قد أشار إلى ذلك بقوله:{
    أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [الزخرف:18]، قال ابن كثير رحمه الله:

    "
    أي: المرأة ناقصة، يكمل نقصها بلبس الحليّ منذ تكون طفلة، وإذا خاصمت فلا
    عبارة لها، بل هي عييّة، أو من يكون هكذا يُنسب إلى جناب الله ؟! فالأنثى
    ناقصة الظّاهر والباطن، في الصّورة والمعنى، فيكمل نقص ظاهرها وصورتها
    بلبسها الحليّ وما في معناه، ليجبر ما فيها من نقص، كما قال بعض شعراء
    العرب:


    وما الحلي إلاّ زينة من نقيصة *** يُتمّم من حُسنٍ إذا الحُسن قصّرا

    وأمّا إذا كان الجمال موفّـرا *** كحُسنك لم يحتج إلى أن يزوّرا "

    وقال الشّنقيطي رحمه الله:"
    ألا ترى أن الضّعف الخِلْقيّ والعجز عن الإبانة في الخِصام عيب ناقص في
    الرّجال، مع أنّه يُعدّ من جملة محاسن المرأة التي تجذب إليها القلوب، قال
    جرير:


    إنّ العيون التي في طرفـها حَـوَرٌ *** قتلنـنا ثمّ لم يحييـن قتـلانا

    يصرعْن ذا اللّب حتّى لا حِراك به *** وهنّ أضعف خلق الله أركانا "

    وإليك أيّتها المرأة الفوارق بينك وبين الرّجل:

    1- تخصيص النبوّة والرّسالة بالرّجل: قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} [يوسف: من الآية109].وذلك لأنّ الرّسالة تقوم على مخالطة الرّجال، والسفر وشدّ الرّحال، وملاقاة الأعداء وأذاهم، وما يتبع ذلك من السّجن والتّعذيب.

    2- تخصيص الرّجل بالإمامة والإمارة: فقد روى البخاري وغيره عن أبي بكرةَ رضي الله عنه قال: قال رَسُول اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً )).

    وذلك
    لأنّ الحاكم عند المسلمين ليس مجرّد لوحة فنّية، أو زينة رسميّة للتّوقيع
    والتّرقيع، وإنّما قائد مجتمع في الحرب والسّلم، يتفقّد الرّعية، ويخاطبهم،
    يشاورهم.


    قال تعالى وهو يبيّن المسخ الّذي وصل إليه بعض بني آدم:{أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [لأعراف: من الآية179]؛ وذلك لأنّ الحيوان قد يُدرك ما لا يدركه الإنسان، استمعوا إلى الهدهد وهو ينكر أن تتولّى المرأة أمر العامّة:{فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23)} [النمل].

    3- تخصيص فرضيّة الجهاد بالرّجل: فقد روى البخاري عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسولَ اللهِ ! أَلَا نَغْزُو وَنُجَاهِدُ مَعَكُمْ ؟ فَقَالَ: (( لَكِنَّ أَحْسَنَ الْجِهَادِ وَأَجْمَلَهُ الْحَجُّ حَجٌّ مَبْرُورٌ )).

    4- جعل شهادتها على النّصف من شهادة الرّجل: قال تعالى:{وَاسْتَشْهِدُوا
    شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ
    وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ
    إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى
    } [البقرة:من الآية282]،
    والحديث معروف في تقرير ذلك، وذلك لأنّ المرأة ملازمة للبيت، ويقلّ
    خروجها، فتكون قليلة الاستيعاب للمعاملات التجارية، ممّا قد يوقعها في
    الخطأ، والحقوق لا تقبل ذلك.


    ولهذا
    المعنى، ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ شهادة المرأة لا تُقبل في الجنايات،
    لأنّ قلّة خروجها، يمنعها من حضور الجنايات، ولو حضرتها فإنّها يطير جأشها،
    بل إنّها إن لم تقدر على الفرار فإنّها تغمّض عينيها وتصرخ وغير ذلك ممّا
    يمنع من قبول شهادتها، وصدق القائل:


    كتب القتل والقتال علينا *** وعلى الغانيات جرّ الذّيول

    ومن
    المسلّم أنّ الحدود تدرأ بالشّبهات، وهذا هو المعنى الملاحظ، لا إهانتها،
    بدليل أنّ الشّرع أمر بقبول شهادتها وحدها فيما هو من اختصاصها كالولادة،
    والثّيوبة والبكارة، وفي العيوب الجسديّة لدى المرأة، وفي الرّضاع، فقد روى
    البخاري عن عقبَةَ بنِ الحارثِ أنّهُ تَزَوَّجَ أُمَّ يَحْيَى بِنْتَ
    أَبِي إِهَابٍ، قال: فَجَاءَتْ أَمَةٌ سَوْدَاءُ، فَقَالَتْ: قَدْ
    أَرْضَعْتُكُمَا
    ! فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم فَأَعْرَضَ عَنِّي، قال: فَتَنَحَّيْتُ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، قال: (( وَكَيْفَ وَقَدْ زَعَمَتْ أَنْ قَدْ أَرْضَعَتْكُمَا ؟!)) فَنَهَاهُ عَنْهَا.

    5- ومنها أنّ ميراثها على النّصف من ميراث الرّجل غالبا: أقول غالبا لأنّ هناك حالتين يمكن أن يستوي فيها الذّكر والأنثى:

    أ) الإخوة لأمّ. ب) وفي حالة ما إذا ترك الميّت أبا وأمّا وفرعا، فلكلّ واحد منهما السّدس.

    6- أنّ هبتها على النّصف من هبة الذّكر: وإنّ العدل المأمور به بين الأولاد هو الجاري على أصول الشّريعة.

    7- جعل الطّلاق بيد الرّجل: وهو ما يدلّ عليه قوله تعالى:{أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة:من الآية237]؛
    وذلك لأنّه هو الذي يطلب الزّواج عادة، ويبذل المهر، ويُعِدّ سكن
    الزّوجيّة، وهو من يملك شؤون الأهل وتنظيم البيت، وهو المنفق أثناء العدّة،
    والمنفق على الأولاد مرحلة الحضانة، والمنفق على المرضع، ولا يمكن أن
    يُترك هذا بيد المرأة لأنّه يضرّه.


    كذلك أنّ من شأن الزّوج التريّث والنّظر في عواقب الأمور، بخلاف المرأة التي تنساق وراء انفعالاتها.

    8- ومنها أنّ دية المرأة على النّصف من دية الرّجل في القتل الخطأ: أمّا القتل العمد فالقصاص واحد والنّفوس متساوية.

    ولا
    ريب أنّ البيت الذي يفقد الذّكر ليس كالبيت الذي يفقد الأنثى، فالزّوجة
    التي تفقد زوجها، ليست كالزّوج الذي يفقد زوجته، والأولاد الذين يفقدون
    أباهم ليسوا كمن فقدوا أمّهاتهم، ففقدان الأنثى فيه خسارة معنويّة، وفقدان
    الذّكر فيه خسارة مادّية ومعنويّة.


    9- ومنها إباحة تعدّد الزّوجات للرّجل دون تعدّد الأزواج للمرأة، والحكمة ظاهرة من ذلك جدّا.

    10- ومنها إباحة الاستمتاع للرّجل بملك اليمين.

    11- تحريم السّفر على المرأة دون محرم: فقد روى البخاري ومسلم عن ابنِ عبّاسٍ رضي الله عنه قال: قال النّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم: (( لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ
    )) فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي
    جَيْشِ كَذَا وَكَذَا، وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ ؟ فقال: ((
    اخْرُجْ مَعَهَا )).

    12- تحريم صوم المرأة وبعلها شاهد إلاّ بإذنه، والحديث في الصّحيحين.

    13- ومن الفوارق في الصّلاة: ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرةَ رضي الله عنه عن النّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِوَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ )). أي في الصّلاة.

    14- وفي الحجّ:ما رواه أبو داود عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ حَلْقٌ، إِنَّمَا عَلَى النِّسَاءِ التَّقْصِيرُ )). أي في التحلّل من الإحرام.

    15- وجوب الطّاعة للزّوج: فقد روى التّرمذي وأبو داود وابن ماجه عن أبي هريرةَ رضي الله عنه عن النّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا )).

    16- وفي صفوف الصّلاة: قال رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا، وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِآخِرُهَا، وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا )).

    17- ومن ذلك: ما رواه الإمام أحمد عن أمّ سلمة أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( خَيْرُ مَسَاجِدِ النِّسَاءِ بُيُوتُهُنَّ )).

    18- ومنها: ما رواه أبو داود وغيره عن طارقِ بنِ شهابٍ عن النّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍإِلَّاأَرْبَعَةً: عَبْدٌ مَمْلُوكٌ، أَوْ امْرَأَةٌ، أَوْ صَبِيٌّ، أَوْ مَرِيضٌ )).

    19- ومنها: ما رواه التّرمذي وابن ماجه عن عائشةَ أنّ رسول اللهِ صلّى الله عليه وسلّمأَمَرَهُمْ عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ مُكَافِئَتَانِ وَعَنْ الْجَارِيَةِشَاةٌ.

    وغير ذلك من الأمور التي من أجلها جعل الله القِوامة للرّجل على المرأة، كما قال:{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْعَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: من الآية34].

    لذلك يقول عزّ وجلّ:{وَلا تَتَمَنَّوْا
    مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ
    مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ
    وَاسْأَلُوااللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: من الآية32].

    فمجرّد التمنّي نهى الله تعالى عنه، فكيف بالمطالبة به كما تدّعيه بعض المبادئ الهدّامة المعاصرة، فالإسلام قائم على المواساة لا المساواة.

    والله الموفّق لا ربّ سواه، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

    والله الموفّق لا ربّ سواه، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

  7. #7

    افتراضي الغارة على الأسرة المسلمة (4) الحـجـاب، للشيخ عبد الحليم توميات

    الغارة على الأسرة المسلمة (4) الحـجـاب، للشيخ عبد الحليم توميات




    الغارة على الأسرة المسلمة (4) الحـجـاب



    12 صفر 1425هـ / 2 أفريل 2004م

    الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

    فهذا
    لقاؤنا الرّابع في هذه السّلسلة المباركة إن شاء الله، نحاول من خلالها
    الوقوف أمام غزو الغربيّين والمستغربين، وزحف الملحدين والمعاندين.


    وكان آخر لقاءٍ معكم قد تضمّن الحديث عن تصحيح كثير من المفاهيم: مكانة المرأة في الإسلام، والمفهوم الصّحيح للعدل، والفوارقبين الرّجل والمرأة. وتبيّن لنا جليّا معنى قول المولى تبارك وتعالى:{وَلا
    تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ
    لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا
    اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ منْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ
    شَيْءٍ عَلِيماً
    } [النساء:32]، فقد نهى الله جلّ جلاله عن مجرّد التمنّي، فكيف بمن أنكر الفوارق بين الرّجل والمرأة ؟!

    وإنّ من أهمّ وأعظم وأكبر الفوارق بين الرّجل والمرأة الحـجـاب.. فمبنى المرأة على السّتر وأن تبقى في الخدور، ومبنى الرّجل على البدوّ والظّهور.

    ولم
    تكن هذه القضيّة مثار جدل بين المسلمين على مدى العصور، إلاّ في منتصف
    القرن الرّابع عشر عند انحلال الدّولة الإسلاميّة إلى دويلات، وتحوّلها إلى
    لقيمات هزيلات.


    فما معنى الحجاب ؟ وما أنواع الحجاب ؟



    ألا فاعلموا أنّ الحجاب عند العرب هو السّتر، والتّغطية والمنع، قال
    تعالى:{وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَاباً مَسْتُوراً} [الإسراء:45]،
    فهو ساتر لك، ومانع من أن تصل أيدي الكافرين إليك، ومنه سمّت العرب حارس
    الملك: حاجبا، لأنّه يمنع النّاس من الدّخول إلى الملك إلاّ بإذنه.


    أمّا الحجاب في الشّريعة الإسلاميّة، فإنّه أنواع ثلاثة:

    الحجاب بمعنى القرار في البيوت.

    والحجاب بمعنى التستّر أمام المحارم.

    والحجاب بمعنى التستّر أمام الأجانب.

    أمّا النّوع الأوّل: وهو القرار في البيوت.
    ولا بدّ لنساء المسلمين أن يعلمن أنّ قرارهنّ في البيت عزيمة شرعيّة،
    وخروجها منه رخصة لا بدّ أن تُقدّر بقدرها، فهو بمثابة الوضوء للصّلاة،
    والقيام فيها، لا تنتقل إلى التيمّم وإلى الجلوس في الصّلاة إلاّ من عذر
    عذرها الله فيه، كذلك لا تخرج المرأة إلاّ لضرورة أو حاجة.


    قال الله تعالى:{وَقَرْنَ
    فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى
    وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
    } [الأحزاب: منالآية33].

    ولا بدّ أن نتأمّل هذه الآية، ونوليها كثيرا من العناية:

    - فلم يقل الله عزّ وجلّ ( وامكُثن في بيوتكنّ ) أو( ابقين ) أو (اجلسن )، وإنّما أتى بلفظ القرار الّذي يشبه عدم التحرّك، كلّ ذلك مبالغة في الأمر بملازمة البيوت.

    - وإنّ هذا الخطاب موجّه لأمّهات المؤمنين ابتداء، والمقصود به نساء المؤمنين جميعهنّ، من باب قول العرب:" إيّاك أعني واسمعي يا جارة "، ومن باب قول الله تعالى:{لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: من الآية65]، فالخطاب للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم والمقصود غيره.

    - أمّهات المؤمنين، اسم سمّى الله به أزواج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال:{النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: من الآية6]، وحرّمهنّ على المؤمنين على التّأبيد، فلا يحلّ لأحدٍ أن يتزوّج واحدة منهنّ قال تعالى:{وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُمِنْبَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً} [الأحزاب: من الآية53]. فهنّ أطهر النّساء قلوبا، وأصفاهنّ أفئدة، وأرجحنّ عقولا، وأخشاهنّ لله، وأكثرهنّ طاعةً لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ويقول الله لهنّ:{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}!

    وفي هذا الحكم عدّة فوئد ومصالح تناسب فطرتها أوّلا، وتناسب شرعها ثانيا:

    1- منها أنّ ذلك من تمام العدل بين الجنسين، فعمل الرّجل خارج البيت، وعملها داخل البيت، فناسب الشّرع الفطرة.

    2- منها أنّ المرأة لها مجتمعها الخاصّ بها البعيد عمّا يُذهبُ أنوثتها وكرامتها وعفّتها، وللرّجل مجتمعه الخاصّ به.

    3-
    أنّ حال الرّجل قائم على الظّهور، فلذلك أوجب الله عليه الشّعائر
    الظّاهرة، كحضور الجمع والجماعات، والخروج إلى الجهاد، والأمر بالمعروف
    والنّهي عن المنكر، وغير ذلك، ولو ترك ذلك لكان من المُذنِبين. بخلاف حال
    المرأة الّتي لم يوجِب الله تعالى عليها شيئا من ذلك.


    4-
    أنّ المرأة لا يحلّ لها أن تترك مكان عملها، كما أنّ الرّجل لا يحلّ له أن
    يترك مكان عمله، فعي في بيتها أمّ، أو زوجة أو أخت، ترعى حقوق وليّها،
    فتربّي له أولاده، وتهيّئ له طعامه وشرابه وملبسه، فها يجوز لأيّ مخلوق أن
    يترك مكان عمله ؟! لذلك روى ابن السنّي
    رحمه الله في "عمل اليوم واللّيلة" عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( كُلُّ نَفْسٍ مِنْ بَنِي آدَمَسَيِّدٌ، فَالرَّجُلُ سَيِّدٌ، وَالمَرْأَةُ سَيِّدَةُ بَيْتِهَا )) [صحيح الجامع]. والسيّد لا بدّ أن يُسأل في الدّنيا والآخرة (( وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَاوَمَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا )).

    لأجل هذا كلّه، ولمّا كانت المرأة سيّدةً في بيتها، أعطى المولى تبارك وتعالى المرأة أمورا لم تحظَ به امرأة في العالم:

    الاحترام والتّقدير، والعطف والحنان، ففي بيتها حقوق لا بدّ أن تُصان، لأنّ به أميرةً لا ينبغي أن تُهان..

    أمّا الاحترام: فيظهر لنا في وجوب الاستئذان، والاستئذان هو طلب الإذن، قال الله تعالى:{يَا
    أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ
    حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ
    لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
    } [النور:27].

    خاطبهم بوصف الإيمان ابتغاء الامتثال، فهو سبحانه يشرّع لهم ما يُسعدهم في الدّنيا والآخرة، ويحقّق لهم الحياة الطيّبة.

    وهذا الحكم لا يخصّ الأجانب فحسب، بل ينطبق أيضا على المحارم، وفي ذلك آثار عدّة:

    ما رواه ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال: ( عليكم أن تستأذنوا على أمّهاتكم وأخواتكم ).

    وفي "الأدب المفرد" أيضا أنّ رجلا سأل عبد اله بن مسعود رضي الله عنه:" أأستأذن على أمّي ؟ " فقال:" ما على جميع أحيانها تريدأن تراها ".

    و روى ابن أبي حاتم عن عطاء بن أبي رباح قال: قلت لابن عبّاس رضي الله عنه: أستأذن على أخواتي أيتام في حجري معي في بيت واحد ؟ قال: نعم ! فرددت عليه ليرخّص لي فأبى، فقال: أتحبّ أن تراها عُريانة ؟ قلت: لا ! قال: فاستأذِنْ. قال: فراجعته أيضا، فقال: أتحبّ أن تطيع الله ؟ قال: قلت: نعم ! قال: فاستأذِن.

    وروى البخاري في "الأدب المفرد" عن نافع قال: كان ابن عمر رضي الله عنه لا يسمح لأحد أن يدخل عليه إلاّ باستئذان.

    وعن حذيفة قال: إن لم يستأذن على محارمه رأى ما يكره.

    وعن موسى بن طلحة بن عبيد الله قال: " دخل أبي على أمّي فتبعته، فضرب في صدري، وقال: أتدخل بغير استئذان ؟! ".

    قال ابن جريج وأخبرني ابن طاووس عن أبيه قال:" ما من امرأة أكرهَ إليّ أن أرى عورتها من ذات محرم" قال: "وكان يشدّد في ذلك.

    وعن ابن مسعود رضي الله عنه يقول:" عليكم الإذن على أمّهاتكم ".

    أورد هذه الآثار ابن حجر في "الفتح" وقال: أسانيدها صحيحة.

    وهي تفيد الوجوب، قال الشّنقيطي في "أضواء البيان": " الأمر الذي لا ينبغي العدول عنه الاستئذان على المحارم ".

    أمّا زوجته، فالأولى أن يُعلِمها بدخوله ولا يفاجئها به لاحتمال أن تكون على هيئة لا تحب أن يراها عليها.

    لذلك روى الطّبري عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود رضي الله عنها قالت: كان عبد الله إذا جاء من حاجة فانتهى إلى البابتنحنح وبزق كراهة أن يهجم منا على أمر يكرهه. قال ابن كثير: إسناده صحيح.

    وقال ابن أبي حاتم عن أبي عبيدة قال:" كان عبد الله إذا دخل الدار استأنس تكلّم ورفع صوته".

    لذلك قال الحافظ ابن حجر: قال الحافظ: فإذا طرأ ما يُوجب الاستئذان وجب، قال العلماء: كما لو كان في البيت محارمه.

    وربّما أيضا كان في البيت من يجب عليها التستّر منه.

    ويجب على الرّجل أن يُعلمها بقدومه إذا كان عائدا من سفر، روى البخاري ومسلم عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: (( نَهَى النَّبِيُّصلّىالله عليه وسلّمأَنْ يَطْرُقَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ لَيْلًا )).

    كلّ هذا حفاظا على حرمة المسلمات، فهنّ في بيوتهنّ سيّدات.

    أمّا من خالف هذا الهديَ،
    ولم يُراعِ حرمة المرأة في بيتها، فقد ارتكب ذنبا عظيما، وفقأت عينه لما
    كان عليها شيء، فالعين الّتي أوجب للواحدة منهما نصف الدّية، تسقط ديتها
    لأنّها هانت بمعصيتها، روى البخاري ومسلم عن سهل بن سعد
    رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً اطَّلَعَ مِنْ جُحْرٍ فِي دَارِ النَبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم وَالنَبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم يَحُكُّ رَأْسَهُ بِالمِدْرَى فَقاَلَ: (( لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَنْظُرُلَطَعَنْتُ بِهَا فِي عَيْنِكَ، إِنَّمَا جُعِلَ الاِسْتِئْذَانُ مِنْ قِبَلِ الأَبْصَارِ )).

    وفي سنن التّرمذي عن أبي ذرّ رضي الله عنه أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( مَنْ كَشَفَ سِتْرًا فَأَدْخَلَ بَصَرَهُ فِي البَيْتِ قَبْلَ أَنْيُؤْذَنَ لَهُ فَرَأَى عَوْرَةَ أَهْلِهِ، فَقَدْ أَتَى حَدًّا لاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ، وَلَوْ أَنَّهُ حِينَ أَدْخَلَ بَصَرَهُ اسْتَقْبَلَهُ فَفَقَأَ عَيْنَهُ مَا عُيِّرْتُ عَلَيْهِ )).

    فاعجبوا
    لهذه الأحكام الطيّبة في شرعنا، ثمّ ازدادوا عجبا ممّن صارت هي من تُبدي
    شعرها وجسمها للنّاس في الشّرفات، والطّرقات، والله المستعان ! وما أردت أن
    أبيّنه من خلال هذا الحكم أنّ
    بقاء المرأة في بيتها دليل على مكانتها.

    أمّا العطف والحنان: فإنّه من تمام كرامتها وسيادتها معاملتها بالمعروف، قال تعالى:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْتَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء: من الآية19]، وقال: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: منالآية229]، ولم يجعل حلاّ ثالثا، كمن كرهها فأمسكها ضرارا: {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [البقرة: من الآية231].

    وأراد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن تعيش بهذا المفهوم، فلم ير ما يشبّه به المرأة إلاّ أن يشبّهها بالأسير العاني الّذي يجب الإحسان إليه، فقد قال صلّى الله عليه وسلّم: (( أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا ! فَإِنَّمَا هُنَّعَوَانٌ عِنْدَكُمْ )).

    أمّا الثّواب العظيم والأجر الجزيل في قرار المرأة في بيتها: فلا تسأل عن كثرة النّصوص في ذلك، وإنّما نقتصر على بعضها..

    - روى أبو داود والتّرمذي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( صَلَاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْصَلَاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا وَصَلَاتُهَا فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي بَيْتِهَا )).

    بل
    كلّما كانت أقرب من بيتها كان أفضل لها، روى الإمام أحمد وابن خزيمة عَنْ
    أُمِّ حُمَيْدٍ امْرَأَةِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهَا جَاءَتْ
    النَّبِيَّ
    صلّى الله عليه وسلّم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ! إِنِّي أُحِبُّ الصَّلَاةَ مَعَكَ ؟ قَالَ: (( قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلَاةَ مَعِي، وَصَلَاتُكِ فِيبَيْتِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي حُجْرَتِكِ، وَصَلَاتُكِ فِي حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي دَارِكِ، وَصَلَاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِفِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ، وَصَلَاتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِي
    )) فَأَمَرَتْ فَبُنِيَ لَهَا مَسْجِدٌ فِي أَقْصَى شَيْءٍ مِنْ بَيْتِهَا
    وَأَظْلَمِهِ فَكَانَتْ تُصَلِّي فِيهِ حَتَّى لَقِيَتْ اللَّهَ
    عَزَّ وَجَلَّ.

    وكيف لا وهي تعلم أنّ أجر الصّلاة في مسجد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يعدل ألف صلاة، فتكون صلاتها في بيتها خير من ألفصلاة.

    - وفي مسند الإمام أحمد عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم أَنَّهُ قَالَ: (( خَيْرُ مَسَاجِدِ النِّسَاءِ قَعْرُ بُيُوتِهِنَّ )).

    - وروى أبو داود عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ وَبُيُوتُهُنَّخَيْرٌ لَهُنَّ )).

    وتأمّلوا كلّ هذه الأحاديث جاءت في المقارنة بين المسجد وبيتها، وكأنّ الخروج إلى العمل، والسّوق، وأماكن الاختلاط بحجّة الدّراسة لا تطرح على طاولة البحث أساسا.

    إليك أيّتها الأخت ما رواه الطّبراني عن ابنِ عُمَرَ رضي الله عنه أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالَ: (( لاَ تَكُونُ المَرْأَةُ أَقْرَبَ إِلَى اللهِمِنْهَا فِي قَعْرِ بَيْتِهَا )). و(( مَا عَبَدَتْ امْرَأَةٌ رَبَّهَا مِثْلَ أَنْ تَعْبُدَهُ فِي بَيْتِهَا )).

    فالله
    الله أيّها المسلم في بناتك، ونسائك، وأخواتك، عليك أن تُعلّمهنّ مثل هذه
    النّصوص، فإنّها حارسة القلاع، وحامية البقاع، ولا تجعل بينك وبينهنّ سماءً
    ولا أرضا، وقل كما قال الصّالحون:{
    وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طـه: من84].

  8. #8

    افتراضي الغارة على الأسرة المسلمة (4) الحـجـاب، للشيخ عبد الحليم توميات

    الخطبة الثّانية:

    الحمد
    لله ربّ العالمين، والعاقبة للمتّقين، ولا عدوان إلاّ على الظّالمين،
    وأشهد أن لا إله إلاّ الله وليّ الصّالحين، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله،
    وصفيّه وخليله، إمام الأنبياء وسيّد المتّقين، أمّا بعد:


    فكما ذكرنا من قبل، أنّ الحجاب ثلاثة أنواع: حجاب بمعنى القرار في البيت، وهذا ما فصّلنا في القول، وهناك حجاب داخل البيت، وهو ما تلتزمه المرأة مع محارمها.

    والمحارم: جمع محرم وهو كلّ من يحرم على الزّوجة التزوّج به حرمة مؤبّدة، فليس الحمو - وهم أقارب الرّجل كأخيه وعمّه وخاله- من المحارم لأنّ حرمتهم ليست مؤبّدة.

    وليس زوج الأخت من المحارم لأنّ حرمته ليست مؤبّدة، إذ لو مات الزّوج لجاز لهؤلاء الزّواج منها، إنّما المحارم هم من ذكر الله تعالى في كتابه قائلا:{وَلا
    يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ
    آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ
    أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ
    أَوْ نِسَائِهِنّ
    } [النّور: من الآية31]..نصّ محكم من الله تبارك وتعالى، فهل أنتم منتهون ؟! :{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍإِذَا قَضَىاللَّهُ
    وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ
    وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً
    } [الأحزاب:36].

    (ولا يُبدين زينتهنّ)، وهي مواضع الزّينة وهي الأطراف، والشّعر والعنق،
    فيحرم على المرأة أن تظهر أمام غير المحارم كاشفة الأطراف والشّعر والعنق،
    وللأسف أنّك ترى كثيرا من أمّهاتنا وآبائنا يعترضون على هذه الآية وهذا
    الحكم بقولهم: ( واش فيها ) ( خوها )..
    !!..( دعوكم من النّقص ) !!..

    فاحذري أيّتها الأمّ ! واحذري أيّتها الأخت ! فإنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَايُلْقِي
    لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ وَإِنَّ الْعَبْدَ
    لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا
    يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ
    )) رواه البخاري وفي سنن ابن ماجه: (( تَهْوِي بِهِ فِي جَهَنَّمَ سَبْعِينَ خَرِيفًا )).

    وهنا يتفطّر القلب، ويلتهب الكبد عندما نرى بنات المسلمين يظهرن كاشفات أكثر وأكثر من كلّ ذلك أمام من ؟ أمام المحارم ؟ أمام من يزعمون أنّهم من المحارم ؟ لا .. إنّهم يكشفن عن ذلك أمام ذئاب البشر، الّذين لا همّ لهم إلاّ قضاء الوطر والنّزوات، وتلبية الرّغبات والشّهوات..

    النّوع الثّالث من الحجاب:
    إذا تقرّر لدينا أنّ مبنى المرأة على السّتر والقرار في البيت، وأنّ
    قرارها في بيتها عزيمة، وأنّ خروجها رخصة للضّرورة والحاجة، فلا بدّ أن
    تقدّر هذه الضّرورة والحاجة بقدرها، فعندئذ لا بدّ للمرأة المسلمة أن تحرص
    على معرفة الشّروط المبيحة لخروجها، وهي:


    1- أن تتحقّق من الحاجة والضّرورة،
    فهناك أمور لا بدّ أن تخرج لها المرأة، كالحرص على تعلّم دينها، وكصلة
    رحمها، وزيارة أقاربها، وكشراء ما لا يمكن غيرها شراؤه، لكن لا بدّ من أن
    تحرص أوّلا على عدم الخروج إذا كان هناك من يستطيع القيام بذلك. فكم من
    امرأة تدّعي الضّرورة وهي ليست كذلك.


    2- أن لا تخرج مبترّجةً،
    فيجب عليها ستر جميع بدنها، واختلف العلماء في ستر الوجه واليدين، وهذا
    الخلاف كان في زمن الفضيلة ومن أباح لها كشفَ وجهها قيّده بأمن الفتنة،
    وليس المقصود من الفتنة هنا الجمال، وإنّما المقصود الاعتداء عليها، كما هو
    حال كثير من ذئاب البشر، الّذين صارت أيديهم تصل إلى المتحجّبات.


    وهناك
    من تتساهل من النّساء فلا تستر رجليها، فلتعلم أنّه يجب عليها سترهما،
    حتّى إنّ القائلين بجواز كشف الوجه واليدين حرّموا أن تُبدِي شيئا من
    رجليها، روى التّرمذي وغيره عَنْ ابْنِ عُمَرَ
    رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَكَيْفَ يَصْنَعْنَ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ ؟ قَالَ: (( يُرْخِينَ شِبْرًا )) فَقَالَتْ: إِذًا تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ ؟ قَالَ: (( فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا لَا يَزِدْنَ عَلَيْهِ )).

    فلم يقل لها: لا بأس بأن تنكشف الأقدام، وإنّما قال: يرخينه ذراعا.

    وإذا كان سترهما في الصّلاة وهي واقفة أمام ربّها واجبا، فكيف بخارج الصّلاة أمام الأجانب ؟

    روى أبو داود عن أُمِّ سَلَمَةَ سُئِلَتْ: مَاذَا تُصَلِّي فِيهِ الْمَرْأَةُ مِنْ الثِّيَابِ ؟ فَقَالَتْ: تُصَلِّي فِي الْخِمَارِ، وَالدِّرْعِ السَّابِغِ الَّذِي يُغَيِّبُ ظُهُورَقَدَمَيْهَا.

    ولتحذر المرأة من الوعيد الشّديد الّذي ثبت في حقّ المتبرّجة، فقد روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم:

    (( صِنْفَانِ
    مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ
    الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ
    مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ
    رُءُوسُهُنَّ
    كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا
    يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا
    وَكَذَا
    )).

    ولا
    بدّ أن نبين هذا، لأنّ كثيرا من النّساء يحسبن أنفسهنّ متحجّبات وهنّ لسن
    كذلك، وخاصّة مع غزو الفضائيّات لبيوتنا، فتركن النّصوص الكثيرة الصّريحة
    في بيان شروط الحجاب، وتعلّقن
    ببلاوى على الهوى، وسمّوها فتاوى على الهواء ! ويتعلّقن بقوم يحسنون الكلام، ويتفنّون كأنّهم من أبطال الأفلام، يقتلون الحياء باسم صنّاع الحياة، حتّى إنّ مركز الإعلام بفرنسا أثنى عليهم فقالوا: ينبغي أن يكون كلّ داعية إسلاميّ مثلهم:{وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: من الآية120].

    ولكنّنا نقول ما قاله ربّنا:{قُلْ
    إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ
    بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ
    وَلا نَصِيرٍ
    }.

    فمثل هؤلاء النّساء كمثل المسيء صلاته الذي قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ( ارجع فصل فإنكلم تصل )،فنقول لهؤلاء النسوة:" ارجعن فاسترن أنفسكن فإنكن غير مستورات ".

    قال العلماء:تكون المرأة كاسية عارية بأحد ثلاثة أمور:

    - بأن يكون لباسها قصيرا لا يستر جميع البدن، فهذه كاسية عارية.

    - بأن يكون شفّافا غير سميك، ولو كان طويلا، فهذه كاسية عارية.

    - بأن يكون الحجاب ضيّقا غير فضفاض فيجسّد جسدها ويبين تقاسيم بدنها، فهذه كاسية عارية.

    فلا تحدّث عن هؤلاء اللاّء يُبْدِين معظم البدن ! فإنهن عاريات عاريات..

    لا يدخلن الجنّة!..

    الجنة..؟
    أمّ الأمنيات .. وأعظم المرجُوّات .. الجنّة الّتي عرضها كعرض الأرض
    والسّموات.. الجنة التي إذا تذكرتها المسلمة هان عليها كل شيء في سبيلها..


    واستمعوا إلى هذا الحديث الذي رواه البخاري عن عطاء قال: قال لي ابن عباس رضي الله عنه: ألا أريك امرأة من أهل الجنة ؟ قلت:بلى، قال: هذه المرأة السوداء، أتت النبي صلّى الله عليه وسلّم فقالت: إنّي أُصرع وإني أتكشّف، فادع الله لي ! فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( إن شئت صبرت ولك الجنّة، وإن شئت دعوت الله لك أن يعافيك ))، قالت:أصبر، ولكن ادع الله لي ألاّأتكشّف - وفي رواية قالت: إني أخاف هذا الخبيث أن يجرّدني - فدعا لها.

    أرأيتم حرص المرأة المسلمة على الجنّة .. يهون عليها صرع العفاريت ولا ترضى أن يبدو شيء من بدنها رضي الله عنها وأرضاها.

    وما أعظم ما رواه الإمام أحمد عن أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها: كانت تستحي وتقول:" كنت أدخل بيتي الذي دفن فيه رسولاللهصلّى الله عليه وسلّموأبي، فأضع ثيابي، وأقول: إنّما هو زوجي وأبي، فلمّا دفن معهما عمر بن الخطابرضي الله عنهفوالله مادخلت إلاّ وأنا مشدودة عليّ ثيابي حياء من عمر..!

    أين عمر ؟!.. تحت الأرض .. تحت الأرض وتستحي منه عائشة !

    هذا وإنّ الحديث لا يزال طويلا، نبيّن من خلاله شروط خروج المرأة من بيتها، نسأل الله تبارك وتعالى أن يقينا شرور أنفسنا، وسيّئات أعمالنا، وأن يأخذ بأيدينا إليه، وأن يُحسن إقبالنا عليه، إنّه وليّ ذلك والقادر عليه.

  9. #9

    افتراضي لقد ساهمت في هذا الموضوع الغارة على الأسرة المسلمة (5) فضائل الحجاب

    الغارة على الأسرة المسلمة (5) فضائل الحجاب وشروط خروج المرأة

    للشيخ الفاضل أبي جابر عبد الحليم توميات حفظه الله



    19 صفر 1425 هـ/ 9 أفريل 2004 م



    الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

    فإنّنا
    قد رأينا في خطبتنا الأخيرة أهمّ الأسلحة الّتي يقاوِم المسلمون بها
    المفسدين، وأعظم ما يوقِفُ زحف أدعياء التحرّر من الملحدين، ذلكم هو
    الحجاب، وما أدراك ما الحجاب ؟ شعارٌ للعفّة والثّواب، واستجابة للعزيز الوهّاب.

    وإذا رأيت الهابطات فحوقلي *** وقفي على قمم الجبال وتحجبي

    وقد تبيّن لنا أنّ الحجاب ثلاثة أنواع: قرار في البيت، وحجاب أمام المحارم، وحجاب أمام الأجانب.

    وقد تُضطرّ المرأة إلى الخروج كما سبق بيانه، وقد روى البخاري ومسلم عن عائشةَ رضي الله عنها أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ )).

    فإذا خرجت فكيف تخرج
    ؟ فإنّ قرار المرأة في بيتها عزيمة، وإنّ خروجها رخصة، فلا بدّ أن تتوفّر
    شروط لخروجها، وكان أوّل ما رأيناه: التستّر والتحجّب، بالشّروط الّتي
    ذكرناها.



    وهنا لا بدّ أن تعلم المرأة أنّ الله قد عدل في مسألة اللّباس بين الرّجل والمرأة،
    فالرّجل أيضا مكلّف بلباس خاصّ قد شرعه الله له، فيحرم عليه اللّباس الضيّق الّذي يُحجّم عورته، أو غير السّاتر من السرّة إلى الرّكبة، أو الشفّاف الّذي يُبدي شيئا من العورة، أو يكون طويلا إلى أسفل من الكعبين، أو يكون لباس شهرة يصرف به وجوه النّاس إليه، أو يكون فيه صور، وغير ذلك. فالشّريعة جاءت لتقوّم الفطرة، سواء كان العبد رجلا أو امرأة.

    ونعود إلى شروط خروج المرأة من بيتها.. المرأة الّتي قال عنها النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ، فَإِذَا خَرَجَتْ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ )) [رواه التّرمذي عن عبدِ الله بنِ مسعود رضي الله عنه].

    فزيادةً على وجوب التستّر، فإنّ هناك شروطا أخرى:

    2- ألاّ تخرج متعطّرة،
    وإن وضعت في بيتها عطرا، ثمّ طرأ عليها ما يوجب خروجَها، فإنّ عليها أن
    تُزيله، وإلاّ دخلت تحت الوعيد الشّديد الّذي جاء على لسان أشرف العبيد:
    روى أبو داود والتّرمذي وغيرهما عن أبي موسى الأشعريِّ
    رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (( أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا مِنْ رِيحِهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ )).

    3- ألاّ تخضع بالقول، قال تعالى:{فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً} [الأحزاب: من الآية32].

    هذا الخطاب وُجِّه لأمّهات المؤمنين أطهر النّساء سيرة، وأصفاهنّ سريرة، فكيف بغيرهنّ ؟!

    والخضوع بالقول نوعان:

    الأوّل: هو الكلام اللّيّن الّذي فيه تغنّج وتغنّ، فلا يحلّ للمرأة أن تخاطب الأجانب على الطّريقة الّتي تخاطب بها زوجها.

    الثّاني: هو الكلام الزّائد عن الحاجة، وللأسف فإنّك ترى المرأة تحدّث البائع في المحلاّت وكأنّه مَحْرَمٌ لها !

    فإن
    كانت نيّتك حسنةً، فاعلمي أنّ النيّة الحسنة لا تسوّغ العمل الفاسد ..
    اعلمي أنّه إن كانت نيّتك حسنة فالغابة ملأى بالذّئاب، لا تفرّق بين لحم
    صيد ولحم ميتة، فيطمع الّذي في قلبه مرض .. إن كانت نيّتك حسنة فخاطبيه على
    قدر الحاجة ..


    4- المشي بالسّكينة والوقار، وهذا أمر عامّ للرّجال والنّساء، قال تعالى:{وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} [لقمان: من الآية19]، فعلى المؤمن أن يكون من عباد الرّحمن {الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً} [الفرقان: من الآية63].

    وهذا الأمر في حقّ المرأة أوكد، فلا يحلّ لها أن تمشي وتتحدّث كما لو أنّها في بيت أهلها، ولتتذكّر قول قتادة رحمه الله في تفسير قوله تعالى:{وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب: من الآية33] قال: كانت لهنّ مِشية تخنّث وتغنّج.

    5- أمن الفتنة،
    فلا يحلّ للمرأة أن تعرِّض نفسها للسّوء، ورجال السوء، فلا تخرج إلى مكان
    لا تأمن فيه على نفسها من الأذى بالكلام واليد ونحو ذلك، فمثلها كمثل من
    وضع جوهرة أمام اللّصوص، ما أسرع أن تنالها الأيدي.


    ويزداد الأمر حُرْمَة في سفر المرأة وحدها، فقد روى البخاري ومسلم عن ابنِ عبّاسٍ رضي الله عنه قال: قال النّبيّ صلّى الله عليهوسلّم: (( لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ ))، فقال رجل: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا، وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ ؟ فَقَالَ: (( اخْرُجْ مَعَهَا )).

    خرجت تقصد بيت ربّ العباد، في أشرف صحبة عرفتها البلاد، فسقط عن زوجها لأجلها وجوب الجهاد ! لأنّه لا بدّ من المحرَم.

    ومن
    الجدير بالتّنبيه عليه، أنّ ممّا يندى له الجبين أن ترى المتحجّبة تسير مع
    المتبرّجة تبرّجا فاضحا، أو المتغنّجة في مشيتها، أو الرافعة لصوتها،
    فلتعلم أنّها بذلك قد عرّضت نفسها للفتنة، وأنّ الصّاحب ساحب، و((
    المَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ )).

    6- ترك الاختلاط بالرّجال: في الأسواق، والحافلات، وفي الطّريق، وفي الدّراسة، بل وفي المسجد.

    ولا
    نعلم أحدا نقيّ الفطرة، بعيد النّظرة يبيح الاختلاط بالرّجال، وما كان
    أحدٌ يظنّ أنّه سيصل الاختلاط إلى هذا الحدّ الّذي وصل إليه في بلاد
    المسلمين، وصاروا يتبجّحون ويجهرون وعلى اللاّفتات يكتبون:" المدرسة
    المختلطة ".


    فتعالوا بنا أيّها المؤمنون، لنُلْقِي نظرة سريعة على أحكام المرأة في أشرف البقاع، وهي المساجد:

    - بينّا فيما سبق أنّ صلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في مسجد قومها، وصلاتها في مسجد قومها أفضل من صلاتها في مسجد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وأنّه ما تقرّبت المرأة إلى الله بشيء كما تقرّبت بقرارها في بيتها.

    - عليها أن تُراعي الشّروط الّتي سبق ذكرها، فقد روى مسلم عن زينبَ الثّقفيّةَ أنّ رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم قال: (( إِذَاشَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْعِشَاءَ فَلَا تَطَيَّبْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ )).

    وروى مسلم أيضا عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (( أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَصَابَتْ بَخُورًا فَلَا تَشْهَدْ مَعَنَاالْعِشَاءَ الْآخِرَةَ )).

    - وجعل النبيّ صلّى الله عليه وسلّمبابا خاصّا للنّساء بالمسجد لا يدخل منه الرّجال، فقد روى أبو داود عن ابنِ عمرَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (( لَوْ تَرَكْنَا هَذَا الْبَابَ لِلنِّسَاءِ )). قال نافع: فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ ابْنُ عُمَرَرضي الله عنهحَتَّى مَاتَ.

    هذا في المسجد ! فلا تتحدّث عن المدارس والثّانويّات والجامعت

    - أنّه جعل خير صفوف النّساء آخرها، مع أنّ هناك فاصلا بين الرّجال والنّساء، وهم الصّبية، روى مسلم عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسول اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا، وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا، وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا )).

    - إذا ناب الإمامَ شيء فعليها التّصفيق، والتّسبيح للرّجال، ففي الصّحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبِيّ صلّى الله عليهوسلّم قال:

    (( التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ )).

    فلتتذكّر النّساء هذا الحكم .. النّساء اللاّء يتحدّثن في المسجد حتّى ترتفع أصواتُهنّ، وتصل أسماع الرّجال. والحرّ تكفيه الإشارة.

    - على النّساء أن يخرجن قبل الرّجال، وعلى الرّجال أن يمكثوا قليلا بعد كلّ صلاة حتّى ينصرف النّساء؛ لئلاّ يحدُث اختلاط بينهم.

    روى البخاري وأبو داود - واللّفظ له - عن أمّ سلمة رضي الله عنها قالت: ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِصلّى الله عليه وسلّمإِذَا سَلَّمَ، مَكَثَقَلِيلًا، وَذَلِكَ كَيْمَا يَنْفُذُ النِّسَاءُ قَبْلَ الرِّجَالِ )).

    وكثيرا ما خاطبنا الرّجال بذلك، وأنّ عليهم أن يمكثوا، ولكنّ الحقّ والحقّ أقول، أنّ هنالك مانعين:

    أكثرهم لا يمتثلون لهذا.

    وأنّ النّساء لديهنّ ما يقلنه لبعضهنّ بعضا ! ولو انتظرهنّ الرّجال لبقوا إلى صلاة العصر !

    إذا ثبت هذا، فأنصح الرّجال يوم الجمعة أن ينصرفوا من الأبواب الّتي لا تؤدّي إلى مخرج النّساء، وما علينا إلاّ البلاغ.

    كلّ هذا في المسجد، أطهر البقاع، وأفضل الأماكن، فما رأيكِ أيّتها المرأة في الأسواق ؟ ما رأيك في المدرسة ؟ ما رأيك في الحافلة ؟ ما رأيك في الطّريق ؟

    وإذا
    كنّا نقول إنّه على المرأة أن تجتنب الطّريق الّذي يزدحم فيه الرّجال
    بالنّساء، فلا تتحدّث عن أسواقنا هذه الأيّام، فإنّها مرتع للذّئاب
    اللِّئام؛ مما يؤكّد بقاء المرأة في بيتها، وأنّها لا تخرج إلاّ لحاجة
    ملحّة.


    روى أبو داود عن أبي أُسَيْدٍ الأنصاريّ أنَه سمع رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم يقول - وهو خارج من المسجد - فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ فِي الطَّرِيقِ، فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم لِلنِّسَاءِ: (( اسْتَأْخِرْنَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ، عَلَيْكُنَّبِحَافَّاتِ الطَّرِيقِ )) فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ.

    رضي الله عنهنّ وأرضاهنّ، وجعل الجنّة متقلّبهنّ ومثواهنّ.



  10. #10

    افتراضي الغارة على الأسرة المسلمة (5) فضائل الحجاب وشروط خروج المرأة

    الخطبة الثّانية:

    الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على أشرف المرسلين، محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمّا بعد:

    فقد أطلنا الحديث عن وجوب الحجاب، بأنواعه الثّلاثة، وحان أن نذكّر النّفس بما يزلف ترغيبا، ونذكّرها بما يُتلف ترهيبا.

    ألا أيّتها الأخت المسلمة، اعلمي أنّ الله تبارك وتعالى ما شرع الحجاب إلاّ رحمة بك، وصيانة لعرضك، فهو الغنيّ عن طاعتك، ولا تضرّه معصيتك:{وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً (132) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيراً (133)} [النّساء]، وقال سبحانه:{وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [لقمان: من الآية12].

    ومع
    ذلك، فنحن نعلم أنّ النّفس يصعب عليها الامتثال، إن لم تتذكّر ما يمكنها
    أن تنال .. فلا بدّ من الحديث عن فضائل الحجاب الكثيرة، ومحاسنه الثرّة
    الغزيرة، فإنّ الحجاب:


    1- استجابة لنداء الله تعالى، وشرع رسوله صلّى الله عليه وسلّم أصدق النّاس مقالا.

    وهذا ما يُحيي القلوب، ويزيل الهموم والكروب، قال علاّم الغيوب:{يَا
    أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا
    دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ
    الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
    } [الأنفال:24]. لذلك نرى أنّ الطّائعة تشعر بالأذى قبل وقوعه، والمتمرّدة غارقة في أوحال الذّنوب والمهالك، ولا تشعر بشيء من ذلك:

    من يهن يسـهـل الهـوان عليه *** مـا لجـرح بـمـيّـت إيـلام

    2- أنّه علامة على الحياء والعفاف، قال تعالى:{يَا
    أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ
    الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى
    أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً
    } [الأحزاب:59].

    ومن الطّرائف أنّ الرّاعي النّميري الشّاعر الأموي قال:

    يُخمّرن أطراف البنان من التّقى *** ويخرجن جُنح اللّيل معتجرات

    فسمعه الحجّاج فقال: وهكذا المرأة الحرّة المسلمة.

    3- وكما أنّه حياة للنّفوس، فهو أيضا طهارة للقلوب، قال تعالى:{وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: من الآية53].

    4- أنّه شعار الفضيلة وحفظ لعرض المرأة النّبيلة، قال تعالى:{ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ}.. وكثير من العلماء إذا فسّروا قوله تعالى:{وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء:32]، قالوا: أوّل ما يقرّب منه التبرّج.

    حورٌ حرائر ما هممن بريبة *** كظباء مكّة صيدهنّ حرام

    5- أنّه حفظ ودليل على للغيرة، الغيرة الّتي أوجبها الله تعالى على دين الرّجل، وعرضه، وماله.

    6- وفي هذا الزّمان خاصّة هذه الأيّام، لا نرى فضلا أعظم من أنّه ممّا يغيظ أعداء ربّ العالمين، الّذين لا يرون متجلببة إلاّ وغصّت حلوقهم، وضاقت نفوسهم:{قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [آل عمران: من الآية119].

    ولتتذكّر المرأة مثالب التبرّج وعيوبه، فإنّه على العكس من الفضائل، فهو: عكس الاستجابة لله والرّسول صلّى الله عليه وسلّم، وإنّما هو استجابة للشّيطان وأوليائه {وَمَا
    كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ
    أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ
    اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً
    } [الأحزاب:36].

    وهو عكس الحياء والعفاف، وطهارة القلب، ومدعاة إلى الرّذيلة ونبذ الفضيلة، ولكن ينبغي أن تعلم المرأة أمرين:

    1- أنّ التبرّج عودٌ إلى أكثر ممّا كانت عليه الجاهليّة الأولى، فإنّ تبرّج الجاهليّة الأولى كان إبداء لبعض النّحر والشّعر.

    2- أنّ التبرّج عقوبة من الله تعالى، وليس تقدّما، ألا تسمعين قول الله تبارك وتعالى:{فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} [الأعراف: من الآية22]..

    فاللهمّ استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، واهدنا سبل السّلام، إنّك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

  11. #11

    افتراضي الغارة على الأسرة المسلمة (6) عمل المرأة: حلول وضوابط، للشيخ عبد الحل

    الغارة على الأسرة المسلمة (6) عمل المرأة: حلول وضوابط

    للشيخ الفاضل أبي جابر عبد الحليم توميات حفظه الله



    خطبة الجمعة ليوم 4 ربيع الأوّل 1425هـ / 23 أفريل 2004 م



    الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

    فهذا
    لقاؤنا السّادس معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات للحديث عن موضوع المرأة
    المسلمة، وما يُكاد لها في وضح النّهار، وهو ما أردنا أن نسمّيه بـ"
    الغارة على المرأة المسلمة "..

    رأينا
    تاريخ هذا الغزو، وبعض أساليبه، وكيف لنا أن نقاوم هذه الأساليب ؟ وكيف
    نحمي المرأة من هذه الألاعيب ؟ وكان آخر ما رأيناه هو الحديثَ عن شروط خروج
    المرأة المسلمة، سواء كان خروجها إلى المسجد، أو إلى غيره.


    ولكنّ كثيرا من نسائنا يرون ضرورة الخروج إلى العمل، وهنّ أصناف في ذلك: من تخرج لتلبية رغباتها، أو تخرج لقضاء حاجاتها، أو تخرج لأنّها حُرمَت ممّن يغار عليها.

    فرأينا أن يكون حديثنا اليوم إن شاء الله تعالى عبارةً عن ثلاثة نداءات: نداء إلى المرأة نفسها، ونداء إلى ولاة الأمور، ونداء يوجّه إلىالرّجل.

    نسأل الله تعالى أن يرزقنا آذانا صاغية، وقلوبا واعية، وأن لا تكون هذه النّداءات كصرخة في صحراء.


    أمّا نداؤنا إلى المرأة:

    فهو قوله تبارك وتعالى:{لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197)} [آل عمران].

    فإنّ
    أعظم ما يؤثّر على القوارير، ما ترى عليه حال المرأة الغربيّة،
    والمستغرِبة، فإن كنتِ أيّتها المرأة من ذلك النّوع من النّساء فتذكّري
    أنّك تركت الاقتداء بخير البريّة، وصِرتِ تقتدين بشرّ البريّة:{
    إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَخَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} [البينة:6]..

    فإنّ من أهمّ صفات المرأة المسلمة صفتان:

    1-الالتزام بتعاليم ربّ الأنام:{فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} [النساء: من الآية 34] التي تسعد الزّوج في حياته، وتعينه على العمل لما بعد مماته.

    المرأة الّتي مدحها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيما رواه مسلم عن عبدِ اللهِ بنِ عمْرٍو رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليهوسلّم قَالَ: (( الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ )).

    يُحكى عن بعض السّلف أنّه كان كلّما دخل بيته قال:" ما شاء الله لا قوّة إلاّ بالله !".. فقيل له: لم تقول ذلك ؟ فقال: ألم يقل الله تعالى:{وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ} [الكهف:39]؟ قالوا: بلى ؟ قال: فإنّ زوجتي قد جعلت بيتي جنّة، فلذلك أقول ما شاء الله لا قوّة إلاّ بالله !

    إنّ مـن الطّـيـــور البــجــع *** والطّـيـور عـلـى أشـكـالـهـا تـقـع

    2-ثانيا: ومن صفات المرأة الصّالحة التفرّغ: التي تتفرّغ لرعاية أولادها وبناتها، ليست بخرّاجة ولاّجة، لا يشغلها عن أولادها شاغل مهما كان، فـ(( المَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا، وَهِيَ مَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا )).

    وإنّنا
    نخشى بسبب الحملة العلمانيّة على هذه البلاد أن يصيب أولادَنا ما أصاب
    أطفالَ الغرب .. واقعٌ مرٌّ فرض على أربعة ملايين طفل أميريكيّ أن يعودوا
    إلى منازلهم من المدارس آخر النّهار، حاملين مفاتيح بيت خاوٍ من الوالدين،
    وهذا من أعظم ما يسبّب الإحباط والانحراف في سلوك الأطفال.


    ليس اليتيم من انتهى أبواه من *** همّ الحياة وخلّفاه ذليـلاً

    إنّ اليتيم هـو الذي تلقـى له *** أُمّاً تخلّت، أو أباً مشغـولا

    وممّا يجدر بنا أن ننقله إليك أيّتها المرأة بعض الإحصاءات الّتي تزيدك ثباتا على مبدئك، لندرك فشل خروج المرأة للعمل:

    12 مليون حالة طلاق بسبب عمل المرأة 85 % منها في الغرب.

    80% من الأميريكيّات صرّحن بأنّه لا يمكن التّوفيق بين عمل المرأة خارج البيت وعملها في المنزل.

    40 % من دخل المرأة العاملة في العالم تنفق على المظهر والمواصلات، فهي بعد أن خرجت لتعمل، صارت تعمل لتخرج.

    60% من الّذين يعتنقون الإسلام في دول الغرب نساء، وفور إسلامهنّ يُصرّحن بضرورة بقاء المرأة في البيت.

    وإن كنت ترغبين في إلقاء نظرة على عمل المرأة في الغرب، فإليك معنى عمل المرأة في الغرب الّذي بدَّعي المساواة:

    85
    – 95 % نسبة وجود المرأة في قطاع الدّعارة ! و20 % في القطاعات الإدارية.
    و10 % في القطاعات السياسية و5 % أو أقلّ في القطاعات القضائيّة أو
    القيادات العليا.


    والّذي يندى له الجبين، أنّ 80 % من نساء السّينما العربيّة هنّ راقصات أو نساء ليل !

    هذا هو المجتمع الّذي يريدون منّا أن نتّخذه قدوة !

    دولة عربيّة صرّحت إحدى راقصاتها في التّلفاز أنّها ما نجحت في مشوارها الـ(ـعـ)فني، لو لم تهرب من بيت أهلها الّذين رفضوا عملها، فهرب في تلك اللّيلة 27 فتاة مراهقة لا تتجاوز الواحدة منهنّ 16 سنة !

    {أُولَئِكَ
    يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ
    وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ
    يَتَذَكَّرُونَ
    } [البقرة:221].

    النّداء الثّاني: إلى ولاة الأمور..

    وهذا النّداء من باب قوله تعالى:{مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأعراف: من الآية 164]..

    قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النّساء: من الآية 58]..وروى البخاري ومسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم يَقُولُ: (( كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ..: فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)).

    وليس معنى كلمة (مسؤول) أنّه السّيد والحاكم الّذي لا دخل لأحد في تصرّفه، وأنّه الذي إليه الأمر من قبل ومن بعد..{قُلْ إِنَّالأَمْرَ كُلَّهُ للهِ}.. بل معنى هذه الكلمة أخطر وأعظم بكثير ممّا يظنّه هؤلاء، معناها أنّ هناك يوما مخصّص للسّؤال،
    تساق فيه إلى الكبير المتعال، فلا يترك صغيرة ولا كبيرة، ولا شاردة ولا
    واردة إلاّ سألك عنها، وعن رعايتها، وما على العبد إلاّ إعداد الجواب،
    للملك العزيز الوهّاب.


    روى مسلم عن مَعْقَلِ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه قال: إِنَّ رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( لَا يَسْتَرْعِي اللَّهُ عَبْدًا رَعِيَّةً يَمُوتُ حِينَيَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لَهَا إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ )).

    فإنّ الواجب على ولاة الأمور
    أن يسارعوا إلى تسهيل عمل المرأة داخل بيتها، وأن يضبطوه وهي تعمل خارج
    بيتها، إن كانوا يريدون بحقٍّ الصّلاح لهذه الأمّة، فمن ثمرات ذلك:


    - التّقيلل بل قل: إزالة البِطالة الّتي تعرّض لها الرّجال، فإنّ كثيرا من مناصب العمل تشغلها النّساء.

    -أداء المرأة دورها الفعّال في بيتها، فتراقب أولادها ذكورا وإناثا.

    -محو كثير من مظاهر الانحراف في المجتمع، كالاختلاط الرّجال بالنّساء، وجرائم الاغتصاب، وغير ذلك.

    -استقرار كثير من بيوت المسلمين، والتّقليل من حوادث الطّلاق.

    ويبقى ميدان العمل للمرأة في جهتين اثنتين:

    الجهة الأولى: في المصالح النّسائيّة، كالمشافي، والعيادات الطبّية النّسائيّة، وكالتّدريس بمدارس البنات، ممّا ليس فيه محظور شرعيّ.

    الجهة الثّانية: عمل المرأة عن بُـعْـد،
    وهذا مشروع تفطّن له علماؤنا من قديم الزّمان، ولكنه لم يُلتفت إليه في
    البلاد الإسلاميّة، واستفاد منه الغربيّون الّذين تفطّنوا إلى خطر عمل
    المرأة خارج بيتها، فقد كشفت دراسة في أكتوبر
    1996
    م أنّ ما يقارب 46 ملييون من أصحاب الأعمال المنزليّة في أمريكا معظمهنّ
    من النّساء، استطعن بذلك التّوفيق بين زيادة الدّخل، وإدارة شؤون البيت.


    وقد قامت ماليزيا بدراسة هذا المشروع، ليطبّق هذه السّنة.

    فلا بأس أن تعمل المرأة في بيتها وتمارس مهنة الخياطة، والتّعليم، والحضانة، والهندسة، وغير ذلك.

    فإن لم يستجب ولاة الأمور لهذا المشروع فعلى الأقلّ على
    المؤمنين الّذين بسط الله لهم في الرّزق أن يقوموا قومة رجل واحد لا قعود
    بعدها في تشييد وبناء مدارس ومستشفيات وعيادات خاصّة بالنّساء
    ، ممّا يسدّ حاجة المحتاجة منهنّ أوّلا، ويوفّر للمسلمين خدمات كثيرة ضمن إطار الشّريعة الإسلاميّة.

    أمّا أن ننتظر {فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ} [الأعراف: من الآية 71].

  12. #12

    افتراضي الغارة على الأسرة المسلمة (6) عمل المرأة: حلول وضوابط، للشيخ عبد الحلي

    الخطبة الثّانية.

    الحمد
    لله على إحسانه، وعلى جزيل عطائه وعظيم امتنانه، وأشهد أن لا إله إلاّ
    الله وحده لا شريك له تعظيما لشانه، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله الدّاعي
    إلى سبيله ورضوانه، اللّهمّ صلِّ عليه وسلّم وبارك وزد، وعلى أصحابه وآله،
    وعلى كلّ من اتّبع سبيله وسار على منواله، أمّا بعد:


    فبعد هذا النداء الموجّه إلى المرأة وولاة الأمور، فإنّنا نوجّه:

    نداء إلى إخواننا الرّجال .. الّذين يراد لهم أن يكونوا من ربّات الحجال ..

    فإنّ للمرأة أن تقول: أنا أحرص على الفضيلة، واجتناب كلّ سبل الرّذيلة، ولكنّ الزّوج، أو الأخ، أو الأب، لم يدع لي أيّ وسيلة !

    إنّ هناك من يدفعني إلى الخروج إلى العمل !

    منهم من يصرّح بالأمر بالخروج !

    ومنهم من لا يصرّح، ولكنّه يضيّق على المرأة، ممّا يجعل الفتاة تلجأ إلى الخروج إلى العمل.

    أذكّرك أخي المسلم بقول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ )).. فلمّا بُعِثَ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم
    أقرّ ما كان عليه أهل الجاهليّة من أخلاق حسنة، وألغى ما كانوا عليه من
    أخلاق رديئة، وهذّب ما كان يحتاج إلى تهذيب، وقوّم ما كان يحتاج إلى تقويم.


    ومن تلكم المكارم: غيرة الرّجل على محارمه .. فقد كان بعضهم يشتطّ في هذا حتّى بالغ ووصل به الحدّ إلى وأد البنات، وهذا ما أطلنا في بيانه في الخطبة الأولى من هذه السّلسلة.

    فالغيرة على المحارم من شعب الإيمان، ومن مبادئ الإسلام، روى البخاري ومسلم عن عائشةَ رضي الله عنها أنّها قالت: خَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم بِالنَّاسِ، فَخَطَبَ النَّاسَ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: (( يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ! وَاللَّهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ )).

    وروى البخاري عن أَبِي هريرةَ رضي الله عنه عن النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم أنَّه قال: (( إِنَّ اللَّهَ يَغَارُ وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَاحَرَّمَ اللهُ )).

    وروى البخاري ومسلم عن المغيرةِ رضي الله عنه قال: قال سعْدُ بنُ عُبَادَةَ رضي الله عنه: لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِغَيْرَ مُصْفَحٍ ! [أي بحدّ السّيف لا بعرضه، فإنّ العرب إذا أدّبت ضربت بعرضه] فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم فَقَالَ: (( أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ ؟! لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي )).

    ولقد أكّد ذلك النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، حتّى جعل الموت في سبيل العرض من أبواب الشّهادة، روى التّرمذي والنّسائي وأحمد عن سعيد بنِ زيدٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم يقول: (( مَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ )).

    وعلى هذا جرى عمل المسلمين، من الصّحابة والتّابعين لهم بإحسان.

    وقد
    ذكر أهل السّيرة أنّ امرأة من العرب قدمت بجلَبٍ لها [وهو ما يجلب للأسواق
    ليباع]، فباعته بسوق بني قينقاع - إحدى قبائل اليهود -، وجلست إلى صائغ،
    فجعلوا
    يراودونها على أن تكشف وجهها، فأبت، فعمد الصّائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها، وهي لم تشعر، فلمّا قامت انكشف شيء من عورتها، فضحكوا بها، فصاحت، فوثب رجل من المسلمين على الصّائغ فقتله، وقام اليهود إلى المسلم فقتلوه، فسار إليهم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في جيش فحاصرهم حتّى نزلوا على حكمه، فأجلاهم إلى الشّام.

    ولكن
    .. جاء اليوم الّذي مُسِخ فيه كثير من النّاس، فصاروا لا يغارون على
    نسائهم .. أمّا النّصارى فعلمنا أنّهم يأكلون الخنزير الّذي لا يغار على
    أنثاه . .واللحم يؤثّر على الطِّبع،
    فما بال المسلمين ..؟!

    إنّ هناك صورا لا بدّ أن تعلم أيّها المسلم أنّها دليل على تفريط الرّجل في هذا الخلق العظيم:

    -تربية البنات على لبس القصير من الثّياب، بحجّة أنّها صغيرة، ونسِي أنّ من شاب على شيء شاب عليه، وهذا الكلام لم يعرفه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوم مشى مع الحسن رضي الله عنه فأكل تمرة، فقال له: (( كَخٍ كَخٍ ! لَعَلَّهَا مِنْ أَمْوَالِ الصَّدَقَةِ .. أَلاَ تَعْلَمُ أَنَّالصَّدَقَةَ لاَ تَحِلُّ لِآلِ مُحَمَّدٍ ؟!)).

    - التّساهل في اختلاط الذّكور بالإناث، وقد بلغوا سنّ التّمييز، والعجيب أنّ كثيرا منّا يسمع الحديث الّذي رواه أبو داود وأحمد عن عبد اللهِ بنِ عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ )).

    هذا حكم الفتاة مع أخيها المحرم لها، فكيف نتساهل مع غيره ؟

    - ومن مظاهر التّفريط في الغيرة: أن يتساهل المسلم مع أقاربه فتظهر زوجته أمامهم غير متستّرة، أو خاضعة بالقول، أو غير ذلك ممّا سبق بيانه.

    -ومن مظاهر التّفريط أيضا أن يترك الرّجل زوجته أو ابنته تختليبالطّبيب، أو سائق السّيارة، أو البائع، والحديث صريح في النّهي عن ذلك، روى أحمد والتّرمذي عن عامرِ بن ربيعةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( أَلَا لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍلَا تَحِلُّ لَهُ إِلاَّ كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ )).

    -ومن مظاهر التّفريط أيضا تساهل الرّجل بأن يترك زوجته تصافح الأجانب، وقد روى الطّبرانيّ عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( لأَنْ يُطْعَنَ فِي رَأْسِ أَحَدِكُمْ بِمِخْيَطٍ مِنْحَدِيدٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لاَ تَحِلُّ لَهُ )). وروى التّرمذي وأحمد عن أُمَيْمَةَ بنتِ رُقَيْقَةَ قالت: بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم فِي نِسْوَةٍ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ! بَايِعْنَا. تَعْنِي: صَافِحْنَا ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّمَا قَوْلِي لِمِائَةِ امْرَأَةٍ كَقَوْلِيلِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ )).

    وفي رواية قال: (( لاَ أثصَافِحُ النِّسَاءَ )).

    -ومن مظاهر التّفريط أيضا: خروج الرّجل بامرأته إلى التجمّعات العامّة الّتي تتعرّض فيها المرأة إلى الاختلاط بالرّجال، أو تكون عُرضة لانصراف الأبصار إليها.

    -ومن مظاهر التّفريط أيضا، ما شاع هذه الأيّام من ظاهرة سياقة المرأة للسّيارة، مع أنّ فيها مفاسدَ كثيرة، فقد تتعرّض المرأة إلى أخطار عظيمة من وراء ذلك.

    فاعلم أخي المسلم أنّ الغيرة من أعظم ما يواجه به زحف أولئك الغربيّين والمستغربين، فكونوا عونا على الخير، وليتّق اللهَ عبدٌ ولاّه الله على امرأة، وعلى الرّجل أن يُربّي أهله على الحياء:

    فلا والله ما في العيش خير *** ولا الدّنيا إذا ذهب الحياء
    يعيش المرء ما استحيا بخير *** ويبقى العود ما بقي اللّحاء

  13. #13

    افتراضي الغارة على الأسرة المسلمة (7) حصـاد الإعـلام، للشيخ عبد الحليم توميات

    الغارة على الأسرة المسلمة (7) حصـاد الإعـلام

    للشيخ أبي جابر عبد الحليم توميات حفظه الله





    يوم 18 ربيع الأوّل 1425 هـ/ 7 مـاي 2004 م

    الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

    أيّها المؤمنون والمؤمنات.. فقد سبق أن ذكرنا أنّ الحديث عن المرأة المسلمة لا بدّ أن يطول ويطول، وأنّ الجميع لديه فيه ما يقول، كيف لا، وهي حامية البقاع، وحارسة القلاع ؟ كيف لا، وهي تتعرّض لغزو الكفرة بالعشيّ والإبكار، ومخطّطات الفجرة باللّيل والنّهار ؟ كيف لا نطيل الحديثَ عنها لتستمع إلينا قليلا، وقد استمعت إلى غيرنا زمنا طويلا ؟

    ورأينا
    أن يكون موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله تعالى يتناول سلاحا من أعظم
    الأسلحة المدمّرة لبيوت المسلمين .. وسبيل من أخطر السّبل على قلوب
    المؤمنين .. سلاح تُستعْمر به العقول قبل الحقول .. وتُسلب به قلوب العباد
    قبل خيرات البلاد .. ضحيّته لا يعدّ شهيدا في سبيل الله، ولكن يعدّ طريدا
    من رحمة الله .. ذلكم هو "
    الإعـلام ".. وما أدراك ما الإعلام ؟!

    هذا ما سنبيّنه بإذن الله تعالى في نقاط مهمّات:



    -
    كيف حارب الإسلام الإعلام الفاسد قديما ؟

    - بيان خطر الإعلام.

    - هل أنت في صفوف العدوّ ؟

    النّقطة الأولى: كيف حارب الإسلام الإعلام الخبيثَ قديما ؟

    والمقصود بالإعلام الخبيث هو: ما يصدّ عن دين الله تعالى، ودعوة رسله عليهم السّلام، فالله عزّ وجلّ قال في كتابه:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْجَاءَكُمُ
    الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ
    تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ
    اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً
    } [النساء:170].

    وقال سبحانه وتعالى:{قُلْ
    يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ
    اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ
    عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ
    } [يونس:108].

    وقد كثرت نصوص الوعيد الشّديد لمن صدّ عن هذه الدّعوة، فقال جلّ وعلا:{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاًوَأَنْتُمْشُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [آل عمران:99].

    وقال سبحانه:{وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجاً} [الأعراف: من الآية86].

    لذلك كان أشدّ النّاس عذابا يوم القيامة من قتل نبيّا، روى الإمام أحمد عن عبد اللهِ بنِ مسعودٍ رضي الله عنه أنّ رسولَ اللهِ صلّى الله عليهوسلّم قال: (( أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ قَتَلَهُ نَبِيٌّ أَوْ قَتَلَ نَبِيًّا )).

    وليس ذلك لشخص النبيّ، ولكن من أجل دعوته، لأنّه منع الخير الّذي جاء به النبيّ من وصوله إلى النّاس.

    وكذا من قتل ورثة الأنبياء، قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَالنَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [آل عمران:21].

    والوسائل تتعدّد، والنّتيجة واحدة:

    ( من لم يمت بالسّيف مات بغيره *** تعدّدت الأسباب والموت واحد )

    فوسائل الإعلام الخبيثة أتت لتقتل دعوة الأنبياء والمرسلين، وذلك بنشر الشّبهات والشّهوات:

    الشّبهات الّتي تُفسد على النّاس عقائدهم، وإيمانهم، ومبادئهم، ومقوّمات شخصيّتهم.

    والشّهوات الّتي تفسد على النّاس عبادتهم، ومعاملتهم، وأخلاقهم.

    فتعالوا بنا ننظر كيف يعامل الإسلامُ دعاةَ الفساد، بلهَ الكفرَ والإلحاد.

    أوّلا: لا بدّ من سدّ أبواب الإعلام غير باب الله ورسولهصلّى الله عليه وسلّم:

    فالله تعالى قد أتمّ علينا منّته، وأسبغ علينا نعمته، بأن اصطفى لنا هذا الدّين:{الْيَوْمَ
    يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ
    الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي
    وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} [المائدة: من الآية3]..

    لذلك روى الإمام أحمد والدّارمي عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رضي الله عنه أنّ عمرَ بنَ الخطّابِ رضي الله عنه أَتَى النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم بِكِتَابٍ أَصَابَهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكُتُبِ، وفي رواية - بنسخة من التّوراة - فَقَرَأَهُ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّمفَغَضِبَ، فَقَالَ: (( أَمُتَهَوِّكُونَ [أي: متحيّرون] فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً، لَا تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ، أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى عليه السّلام كَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي )).

    هذا حكم من نظر في التّوراة الّتي جاء بها موسى عليه السّلام، والّتي يُعدّ الإيمان بها من أركان الإيمان، يلقى عمر الفاروق الّذي قال فيه النبيّ صلّىالله عليه وسلّم: (( إِنَّ الشَّيْطَانَ لَيَفْرَقُ مِنْكَ يَا عُمَرُ )) ! يلقى اللّوم والعتاب من النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.

    هذا في جانب الشّبهات..

    أمّا في جانب الشّهوات، فانظر كيف حرّم الله تعالى
    إشاعة الفاحشة، فحرّم اتّهام النّاس في أعراضهم بالزّنا، وضيّق الباب فجعل
    الشّهادة لا تتقبل إلاّ بنصاب: أربعة شهداء من العدول الأنجاب، ولو أقسم
    ثلاثة أنّهم رأوا جريمة الزّنا لنالهم من الله العقاب، وأشدّ العذاب، فقال
    الله
    تعالى بعد أن ذكر حدّ القذف وهو ثمانون جلدة:{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌأَلِيمٌفِيالدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النور:19]..

    ومعنى شيوع الفاحشة: هو التحدّث بها، وإذاعتها، بأن يردّد الناس ما يحدث من جرائم الزّنا واللّواط، وغير ذلك.

    ثانيا: الحجر على صاحب الإعلام الخبيث.

    - فلذلك كان حدّ المرتدّ القتل، لئلاّ يثير الشّبهات على عقول المؤمنين.

    - وكان حكم سابّ الدّين والمستهزئ بالدّين أنّه كافر، حلال الدّم، وخاصّة إذا تعلّق الأمر برسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

    روى البخاري ومسلم عن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم
    دَخَلَ عَامَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ، فَلَمَّا نَزَعَهُ
    جَاءَ رَجُلٌ، فَقَالَ: إِنَّ ابْنَ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ
    الْكَعْبَةِ، فَقَالَ: ((
    اقْتُلُوهُ )).

    وذلك أنّ هذا الرّجل كان يؤذي النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بنشر الأشعار الذامّة له. ولمّا كان الشّعر من أهمّ وسائل الإعلام ذلك الزّمان، أمر النبيّصلّى الله عليه وسلّمبقتل الشّعراءالّذين كانوا يتشبّبون ويتغزّلون بنساء المسلمين، ولذلك أجمع العلماء على تحريم سماع الأشعار الّتي بها وصف للنّساء، والخمور، وغير ذلك من المحرّمات.

    - ولا يخفى على أحد أنّ الّذي يجهر بالمعاصي يحدّ أو يعزّر، فكيف بمن دعا إليها، وأشاعها ؟

    ومضى
    على هذا السّبيل خير القرون، فكانوا يُشدّدون العقاب على من يشتري ويقتني
    الكتب الّتي تنشر أقوالا تخالف ما عليه شريعة الله، وسنّة رسول الله
    صلّى الله عليه وسلّم، بل مجرّد التحدّث في دين الله تعالى بغير علم كان جزاءه الضّرب الشّديد كما حدث لصبيغ الّذي ضربه عمر ثلاثة أيّام لأجل أنّه كان يتحدّث فيما لا يعنيه.

    - واتّفق علماء الإسلام على تحريم النّظر في كتب الفلسفة وعلم الكلام، ورأوا أنّ ذلك زندقة، وأنّ أصحابه أهل بدع، قال الإمام الشّافعيّ رحمه الله:"
    حكمي في أهل الكلام أن يُضربوا بالجريد والنِّعالن ويُطاف بهم في العشائر
    والقبائل، ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنّة وأقبل على علم الكلام ".


    ثمّ
    - وللأسف الشّديد - مع كثرة الفتوحات الإسلاميّة، دخل بين المسلمين
    الزّنادقة فنشروا أفكار الإغريق، والنّصارى، وغيرها، وأخرجوا كتبهم
    وترجموها على يد يحيى بن خالد بن برمك وعبد الله بن المقفّع، وأشربت قلوب
    أهل الأهواء هذه الكتب، فافترقت الأمّة بسبب ذلك إلى ما افترقت عليه ..
    وفُتح الباب ولم يغلق إلى الآن !


    هذا الكلام عن الإعلام الّذي يريد نشر الدّين من غير قناته الحقيقيّة،
    من غير القرآن والسنّة النبويّة، فإنّه سيتجرّع كلّ هذه الآلام، ويعاني
    كلّ هذه الأسقام، وقيسوا على قناة التّوراة وكتب أهل الكلام:
    القنوات الفضائيّة، والوسائل العصريّة.

    وهذا ما سنراه بعد حين إن شاء الله تعالى.

  14. #14

    افتراضي الغارة على الأسرة المسلمة (7) حصـاد الإعـلام، للشيخ عبد الحليم توميات

    الخطبة الثّانية: بيان خطر الإعلام.

    الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

    فقد
    سبق أن تحدّثنا أنّ الغزو الّذي شنّ علينا غزو جديد .. لا تشارك فيه
    الطّائرات ولا الدبّابات .. ولا القنابل والمدرّعات ..وأنّه غزو ليس له في
    صفوف الأعداء خسائر تذكر .. فخسائره في صفوفنا نحن المسلمين ..


    إنّه غزو الشّهوات: غزو الكأس والمخدّرات .. غزو المرأة الفاتنة .. والرّقصة الماجنة .. والشّذوذ والفساد .. غزو الأفلام والمسلسلات .. والأغاني والرّقصات .. وإهدار الأعمار بتضييع الأوقات ..

    إنّه
    غزو لعقيدة المسلمين في إيمانهم بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم
    الآخر، والقدر خيره وشرّه، وأمور الغيب الّتي ثبتت في كتاب الله
    عزّ وجلّ، وصحّت عن نبيّنا محمد صلّى الله عليه وسلّم.

    إنّهم استطاعوا من خلال الإعلام اقتحامَ ديارنا وبيوتنا .. وحتّى غرفَ نومِنا.. بلا مقاومةٍ منا ولا غَضَبٍ.. ولا صيحة ولا شغب !

    وإن كنّا نتحدّث عن الإعلام، فإنّنا نعني الإعلام بجميع وسائله، وكلّ مصايده وحبائله .. وخاصّة وسيلة الإعلام المرئيّة والمسموعة.

    ونخصّ هاتين الوسيلتين بالذّكر لأمرين اثنين:

    1- لانتشارها أكثر من غيرها.

    2- ولأنّ بيئتنا لا تعرف بكثرة المطالعة إمّا لأمّيتهم، أو لانعدام رغبتهم في المطالعة.

    ولا يشكّ أحدٌ أنّ صيحات الدّعاة والعلماء، ونداءات العقلاء والأدباء ما لقيت حاجزا أمامها مثل حاجز الإعلام.

    حتّى إنّ السّياسيّين ينصّون على أنّ أيّ انقلاب يحدث في العالم يبوء بالفشل إن لم يُحسن استغلال الإعلام المرئيّ والمسموع !

    وها هم أولاء "خبثاء صهيون" في اجتماعاتهم المنعقدة عام 1898 جعلت أهمّ ما يسيطرون به على المسلمين وغيرهم هو الإعلام وخاصّة عالم السّينما، وأصدروا قرارا بمنع أيّ يهوديّ من دخول السّينما ! ومن عرف عنه أنّه يرتادها كان حكمه الإعدام !

    فقاموا
    بالاستيلاء على معظم الشّركات العالميّة للسّينما، فرؤساؤها، ومؤسّسوها
    كلّهم يهود كـ: مترو جولد ماير، وكولومبيا، ووارنر بروس، وبارامونت،
    ويونيفرسال، وتوانتي فوكس، وغيرها.


    وأكبر المحطّات العالميّة اليوم بأيديهم:

    فشركة cbstv يرأسها اليهودي لارى بيتش، والّذي قام بشراء أغلب أسهم هذه المحطة وبعدها أصبح جميع العاملين بها من اليهود.

    شركة abc يملكها تيد هيربيرت، وليوناردو جولدنش.

    شركة nbcc يملكها ليوناردو جروسمان، وإيرفن سيجليش، وبراند تاتر يكوف.

    شركة disneg يرأسها مايكل آيز، ومايكل أوتفير، وكاراتى شامير.

    شركة سـوني للإنتاج الفني في أمريكا ويرأسها جون بيترز.

    شركة mtv ويملكها إمبراطور الإعلام " روبرت ميردوخ "، يملك أغلب استوديوهات التصوير في هوليود.

    فوكس tv يرأسها بارى ديلر.

    وشركة tristar وغيرها.

    ومن ثمّ كان أكبر وأشهر الممثّلين العالميّين الذين ملكوا عقول شبابنا من اليهود، بل من الصّهاينة المتطرّفين، وقداسة هذا المنبر أعظم من أن أذكر أسماءهم.

    أقول هذا لتُدرِكوا أنّ عداوة الدّول العربيّة لليهود ليست عداوة من أجل دين ووجود، وإنّما هو من أجل قطعة أرض وحدود..

    ولِتُدرِكوا أيضا كذب بعض السّياسيّين الّذين يدْعون النّاس إلى مقاطعة اليهود، ثمّ يروّجون أفلامهم ! ويحقّقون أحلامهم !

    وعلى
    هذا الدّرب سار من تشبّه باليهود والنّصارى.. فأنا لا أتكلّم فقط عن
    القنوات الفضائيّة أو الأجنبيّة، بل الحديث ينصبّ كذلك على القنوات
    المحلّية والعربيّة، فتراهم
    يريدون نشر الانحلال عن طريق الأفلام العربيّة، ولا يخفى على أحد انتشار الأفلام المدبلجة في العشرين سنة الأخيرة، وما تحويه من دعاية لقصص الحبّ والعشق والغرام، وإشهارا للألبسة الحرام، ولم يُبتل البيت الجزائريّ كما ابتُلِيبمثلهذه الأفلام..

    إنّ في مشاهدة كلّ البرامج على شاشة التّلفاز أو الدشّ، فيه من المصائب ما الله به عليم:

    1-المساس بعقائد المسلمين. 2- إضعاف عقيدة الولاء والبراء. 3- نشر الأفكار الخاطئة والمبادئ الهدّامة.

    4- نشر الفساد والرذيلة. 5- ذهاب الغيرة شيئا فشيئا. 6- ضياع الأوقات. وغير ذلك من المفاسد.

    النّقطة الثّالثة: هل أنت في صفوف العدوّ ؟

    إذا علمت حقيقة هذا الغزو، فأين أنت ؟

    لماذا
    ترضى لنفسك يا أخي أن تكون ممّن يساعدون الأعداء وينفّذون مخطّطاتهم
    الراميةِ إلى ضرب الأمّة في عقيدتها وأخلاقها في عزّتها ومجدها ؟


    يا صاحب التّلفاز ! ويا صاحب الدشّ..!

    أيّها العاكف على صنم المرئيّات والفضائيّات، متنقلاً بجهازك الصّغير من بلد إلى أخرى، ومن قناة إلى قناة، باحثاً عن المتعة الشهوانية، واللذّة البهيمية، والسّعادة الزّائفة، من أفلامٍ هابطةٍ، ومسلسلاتٍ ساقطةٍ، وخمرٍ، وقمارٍ، وعُرْيٍ ومجونٍ، وفسادٍ وفتون، وعقائد فاسدةٍ، ووثنيةٍ بائدةٍ، وجاهليةٍ حاقدة !

    أليست هذه غفلةً عن الله وذكره وعبادته ؟ وعن الموت وسكرته ؟ وعن القبر وظلمته ؟ وعن الحساب وشدته ؟

    أليس هذا تفريطاً فيما ينفعك، واهتماماً بما يضرك في العاجل والآجل ؟

    أليس هذا اتباعاً للهوى وانقياداً للشهوة ؟

    أفق أيّها الرّجل قبل أن تقول:{رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ..} ثم يأتيك جواب الواحد الأحد:{كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌهُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)}

    قد تقول: أنا أستعمله في نطاق محدود، والشرّ عنّي مسدود.

    فهل ابنك يستعمله في نطاق محدود ؟ هل زوجتكوابنتك تستعمله في نطاق محدود ؟

    ثمّ أقول لك: هل النّظر إلى المرأة الأجنبيّة بمفاتنها، وخيلها ورَجِلِها نطاق محدود ؟

    هل سماع الأغانيّ الماجنة، والرّقصة الفاتنة مجال محدود ؟

    لست أنت الّذي يعرف الحدود، إنّ الله تعالى هو الّذي وضع لك الحدود.

    يا مـــن جَلَبْت الــدشَّ رفقـاً *** إنمــا أفسدت ما في البيت من غلمانِ

    خنت الأمانةَ في الشبابِ وفي النسـاء *** وجعـلت بيتـك مـنتدى الشيطـانِ

    خُنتَ الأمانةَ في البنـات ولـن ترى *** منهن بـرًّا إنـهـــنّ عـوانــي

    ترضى لنفسٍـك أن تكـون مفـرطاً *** فـي الدّين، والأخلاقِ والإيـمــانِ

    ترضى لنفسكِ أن تكـون مزعـزعاً *** لـقـواعـدِ الإســلام، والإيمـانِ

    ترضى لنفسك أن تكون مروّجــاً *** لبضـاعــة الكفـران، والخسـرانِ

    أفسدت ما فـي البيت من أخلاقـه *** أذهبـتَ ما فـي البيـت من إحسـانِ

    أدخلتَ في البيتِ الضّلال مع الخنـا *** والفســقَ بعـد تــلاوة القــرآنِ

    يا صاحبالدش ! أكسر صنم قلبك أولاً !

    لن يسلمَ إيمانُك إلا بتكسيرِ صنم الهوى والشهوةِ في قلبِك .. ولن يكون ذلك إلا بإبعاد هذا الطبقِ الذي فوق سطحِ بيتِك ..

    اصعد الآن، وخذ مِعْولَ العزمِ، واضرب به هذا الصّنم، ليسلم لك توحيدُك .. وتصحّ توبتُك .. وتصلحَ عبوديتُك.. قال النبيّ صلّى اللهعليه وسلّم: (( حُفَّت الجنةُ بالمَكَارِه، وحُفَّت النّارُ بالشَّهَوَاتِ )) [متفق عليه].

    وقال أبو عليّ الدقاق:" من ملك شهوته في حال شبيبته، أعزه الله تعالى في حال كهولته ".

    ألا تريد أن يحفظك الله حال كهولتك وشيخوختك ؟ احفظ الله يحفظك .. احفظ الله يحفظ زوجتك وأبناءك ..

    احفظ الله يحفظ مجتمعك وأمّتك.

    أين أنت من قوله تعالى:{ قُل للمُؤمِنِينَ يَغُضوا مِن أَبصَـرِهِم وَيَحفَظُوا فُرُوجَهُم ذلِكَ أَزكَى لَهُم إِن اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصنَعُونَ} [النور:30 ]؟

    أين أنت من قوله تعالى:{يَعلَمُ خَائِنَةَ الأعيُنِ وَمَا تُخفِي الصدُورُ}[غافر:19] ؟

    أين أنت من قوله تعالى:{ يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة}[التحريم:6] ؟

    أين أنت من قوله تعالى:{إِن السمعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُل أُولـئِكَ كَانَ عَنهُ مَسؤُولاً}[الإسراء:36] ؟

    أين أنت من قوله تعالى:{وَالذِينَ هُم لِفُرُوجِهِم حَـفِظُونَ (5) إِلا عَلَى أَزوجِهِم أَو مَا مَلَكَت أَيمَـنُهُم فَإِنهُم غَيرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِابتَغَى وَرَاء ذلِكَ فَأُولَـئِكَ هُمُ العَادُونَ}[المؤمنون:5-7] ؟

    أين أنت من قوله صلّى الله عليه وسلّم: ((.. فَاتَّقُوا الدُّنْيَا، وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ )) [رواه مسلم] ؟

    أين أنت من قوله صلّى الله عليه وسلّم: (( مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ )) [متفق عليه] ؟

    أين أنت من قوله صلّى الله عليه وسلّم: (( العَيْنَانِ تَزْنِيَانِ، وَزِنَاهُمَا النَّظَرُ )) [متفق عليه] ؟

    أعلم
    أنّ هذا الكلام تراه موجِعاً مؤلما، ولكنّك تعلم أنّه حقّ، فإن عجزت عن
    الامتثال لهذه الأحكام، فقلّل ما في بيتك من الحرام، وتذكّر قول المولى
    عزّ وجلّ:{سَابِقُوا
    إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ
    وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ
    ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد:21].

  15. #15

    افتراضي الغارة على الأسرة المسلمة (8) هكذا كوني ... أو لا تكوني، للشيخ عبد الح

    الغارة على الأسرة المسلمة (8) هكذا كوني ... أو لا تكوني

    للشيخ الفاضل ابي جابر عبد الحليم توميات حفظه الله


    خطبة الجمعة ليوم 1 ربيع الثّاني 1425 هـ / 21 مـاي 2004 م



    الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

    فاليوم
    نضع رحالنا عند آخر محطّة من هذه السّلسلة المباركة في الحديث عن المرأة
    المسلمة، بعد أن رأينا أهمّ وسائل ثباتها، وأعظم ما تقاوم به أعداءها.


    اليوم نودّعك أيّتها الأخت المسلمة بكلمات نزفّها إليك، تسبغ جلباب العزّة عليك:
    إليك حملنا القلب خفّاقا *** وكسونا كلماتنا نورا وإشراقا



    نودّعك على أمل أن تكوني مرابطةً على ثغور الإسلام، مصابرة لأعداء الله اللّئام ..

    ولنجعل موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله بعنوان:" المرأة الّتي نريد "، وإن شئت فقل:" هكذا كوني ..أولا تكوني"..



    خطاب إلى من وصفها النبيّ
    صلّى الله عليه وسلّم فأعجز كلّ الشّعراء، وأخرس ألسنة كلّ الفصحاء، وأعيى كلّ كاتب وأديب، فقطعت جهيزة لسان كلّ خطيب، بقوله: (( الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِهَا المَرْأَةُ الصَّالِحَةُ )) [رواه مسلم].

    إلى من سوف تزاحم العُبّاد، وتنافس الزهّاد، وتسابق أصحاب الهمم العالية، حتّى تفتح لها أبواب الجنّة الثّمانية: (( إِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا، قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ )) [رواه أحمد].

    إلى من على الجمر قابضات .. ولرضا الرّحمن طالبات .. وعلى درب خديجة وعائشة سائرات ..

    أخبارٌ تزيد المرأة ثباتا على ثبات، شعارها: الاستقامة إلى الممات ..

    أخبارٌ تصل حاضرها بماضيها، والقلوب بناصرها وباريها ..

    قد سبقك على هذا الدّرب نساءٌ تسمعين أخبارَهم، فاتّبعي واقتفي آثارهم ..

    -أمّا في مقام الصّبر على الطّاعة: فهي لا تخشى في الله لومة لائم، قدوتها آسيا بنت مزاحم ..

    تلكم المرأة الّتي قال فيها ربّ الأنام:{وَضَرَبَ
    اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ
    رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ
    فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ
    } [التحريم:11]. والّتي قال فيها سيّد الأنام عليه الصّلاة والسّلام: (( كَمَلَ مِنْ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنْ النِّسَاءِ إِلَّا آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ )).

    تلكم
    المرأة الّتي لم يصدّها طوفان الكفر الّذي تعيش فيه عن دينها، طوفان
    أمواجه تحمل ضغط الزّوج الكافر، وضغط القصر الباهر.. ضغط المجتمعات
    الفاسدة، والحاشية الحاقدة .. ضغط المُلك الّذي يسحر الزهّاد، والجاه الّذي
    يُفسد العبّاد !


    ما كان منها إلاّ أن تبرّأت من فرعون وعمله، وقصره وخدمه وحشمه، طالبة بيتا في الجنّة ..

    رسالة موجّهة إلى كلّ من تعاني من أتباع فرعون في طغيانه، وظلمه وعصيانه: لا بدّ أن يكون الموت أحبَّ إليك ممّا يدعونك إليه .. وحسبك الله فتوكّلي عليه ..

    - أمّا في مقام الصّبر على فقد الأحباب والأولاد، وبهجة القلوب وفلذة الأكباد: فإليك خبرَ تماضر رضي الله عنها،
    من اعترف الفحول من الشّعراء بمنزلتها، وأقرّ الجميع بمرتبتها، حوّلها
    الإسلام من البكاء والرّثاء، إلى الفخر والإباء، إنّها الخنساء ..


    ملأت
    البواديَ نياحا على شقيقها، ولم تعد ترى لذّة في طريقها .. فأسلمت وحسن
    إسلامها، وأراد الله أن يختبر إيمانها، ويمحّص إسلامها وإحسانها، فقدّمت
    أربعة من الأسود من أولادها، يوم خرجوا إلى القادسيّة، قالت لهم في وصيّة:


    ( يا بَنِيّ ! إنّكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، والله الّذي لا إله إلاّ هو، إنّكم لبنو رجل واحد كما أنّكم بنو امرأة واحدة، ماهجّنت حسبكم، وما دنّست نسبكم، واعلموا أنّ الدّار الآخرة خير لكم من الدّار الفانية، فاصبروا وصابروا ورابطوا واتّقوا اللهلعلّكم تفلحون، فإذا رأيتم الحرب قد شمّرت عن ساقها، وجلّلتم نارا على أرواقها، فيمّموا وطيسها، وجالدوا رسيسها، تظفروابالغُنم والكرامة، في دار الخلد والمقامة )..

    ثمّ
    كشّرت الحرب عن نابها، وتدافع الأولاد على بابها، وكانوا عند ظنّ أمّهم
    بهم حتّى قتلوا واحدا في إثر واحد، ولمّا بلغها خبر وفاتهم لم تزد على أن
    قالت:
    الحمد لله الّذي شرّفني بقتلهم، وأرجو من الله أن يجمعني بهم في مستقرّ رحمته[1].

    وإن أردتِ مثالا عمّن جمعت بين الصّبر، والفطنة، وإيثار الله والدّار الآخرة على الفانية، فإنّ هناك من سبقك على هذا الدّرب:

    - أمّ سليم بنت ملحانرضي الله عنها ..

    أنصارية خزرجيّة من بني النجّار، تسمّى "الرّمـيـصـاء"
    أو "الغُميصاء".. وهي غصن نَضِر من شجرة طيبة المنبت، فــأخـوها: حرام بن
    ملحان، أحد القرّاء السّبعين الّذين غَدَر بهم المشركون في بئر معونة فقال
    قولته المؤمـنة:"
    فزت ورب الكعبة ".

    وأختها أمّ حرام شهيدة البحر، وابنها أنس بن مالك خادم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ..

    أمّا هـي، فقد بشّرها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالجنّة .. روى مسلم عن أنسٍ رضي الله عنه عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( دَخَلْتُ الْجَنَّةَ، فَسَمِعْتُ خَشْفَةً، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا ؟ قَالُوا: هَذِهِ الْغُمَيْصَاءُ بِنْتُ مِلْحَانَ أُمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ )).

    وقد كانت الرّميصاء رضي الله عنها تمتاز برزانة وذكاء نادرين، وخلق كريم. ومن أجل هذه الصّفات العظيمة سارع أبو طلحة رضيالله عنه رجل الغنى والسّؤدد إلى خطبتها بعد وفاة زوجها مالك بن النّضر "والد أنس".

    وعرض عليها من المهر ما لا تحلم به بنات جنسها، إلاّ أنّ المفاجأة أذهلته .. فقد رفضته رضي الله عنها بعزّة المؤمنة وكبريائها، وهي تقول له:" والله ما مثلك يا أبا طلحة يردّ، ولكنّك رجل كافر ! وأنا امرأة مسلمة، ولا يحلّ لي أن أتزوّجك، إلاّ أن تسلم، فذاكمهري، ولا أسألك غيره ".

    وكان لأمّ سليم ما أرادت، وهدى الله على يديها أبا طلحة وكان صداقها الإسلام رضي الله عنها.

    وما الذي سيختاره المتحدّث من مواقفها رضي الله عنها؟! فحياتها كلّها مواقف متميزة تستحقّ أن تكون نموذجاً طيباً لكلّ امرأة مسلمة .. بل لكلّ رجل مسلم!

    ها
    هو أحد أبنائها الصّغار، مرض، فكان أبوه أبو طلحة إذا عاد من السوق سأل عن
    صحّته، ولا يطمئنّ حتّى يراه. وخرج أبو طلحة مرّة إلى المسجد، فمات الصّبي
    .. فهيّأت أمّ سليم أمرَه، وقالت: لا تحدّثوا أبا طلحة بابنه حتّى أكون
    أنا الّتي أحدّثه.


    وجاء أبو طلحة.. فتطيّبت له، وتزيّنت، وتصنّعت، وجاءت بعشاء، فقال: ما فعل الصبيّ ؟ فقالت له: هو أسكن ما يكون.

    فتعشّى، وأصاب منها ما يصيب الرّجل من أهله، فلمّا كان آخر اللّيل قالت: يا أبا طلحة ! أرأيت لو أنّ قوماً أعاروا عاريتهم أهلبيت، فطلبوا عاريتهم، فهل لهم أن يمنعوها عنهم ؟ فقال: لا ! قالت: فما تقول إذا شقّ عليهم أن تطلب هذه العارية بعد أن انتفعوامنها ؟ قال: ما أنصفوا. قالت: فإنّ ابنك كان عارية من الله، فقبضه إليه، فاحتسب ابنك.

    فقال أبو طلحة: تركتني حتى إذا تلطّخت أخبرتني بابني ! فما زالت تذكّره حتّى استرجع وحمد الله.

    ولمّا غدا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبره بما كان، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (( بَارَكَ اللهُ لَكُمَا فِي لَيْلَتِكُمَا )).

    تأمّلي أختاه - هذه الأمّ التي ليست كسائر الأمّهات
    ! كيف ترى صغيرها وفلذة كبدها وهو يذبل كالزهرة، ويرتعش ارتعاشته الأخيرة
    كالعصفور الصّغير بين يديها، وهي تنظر إلى وجهه النّضير، كيف غدا وقد
    فارقته الحياة ! وتتفجر في قلبها ينابيع الأسى، وتنهمر دموع الشّفقة والعطف
    والرّحمة من عينها، ولكنّها
    رضي الله عنها لم تفعل إلا ما يرضي ربّها، متّجهة إليه بالاسترجاع والاستغفار والذّكر، تبغي في ظلالهما الرّاحة والصّبر والسّلوان.

    ولم تفعل كما تفعل كلّ امرأة ثكلى من أمّهات الجاهليّة من النّياحة، والعويل، ولطم الخدود، وشقّ الجيوب !

    ولم تسارع باستدعاء من يأتي بزوجها من عمله ليشاركها مصيبتها فتضيف إليه هماً جديداً إلى جانب ما يكابده ويعانيه من هموم !

    إنّما
    قامت بما تمليه عليها عقيدتها الراسخة تجاه هذا الحدث الجلل، فقامت إلى
    صغيرها الغالي فغسّلته، ثمّ كفنته، وسجته وغطّته بعد أن شمّته وطبعت على
    وجنتيه قبلة أمّ ثكلى أودعتها كلّ ما تملك من حزن وألم ودموع
    ! ثمّ التفتت إلى أهل البيت قائلة:" لا تحدثوا أباطلحةبابنه حتى أكون أنا أحدثه ".

    - أمّا الصّبر في مقام الدّعوة إلى اللهتبارك وتعالى: فإليك الطّريق القويم الّذي سلكته أمّ شريك غزيّة بنت جابر بن حكيم، فقد أسلم بصبرها من عذّبوها !

    قال ابن عبّاس رضي الله عنه: وقع في قلب أمّ شريك الإسلام بمكّة، فأسلمت، ثمّ جعلت تدخل على نساء قريش سرّا، فتدعوهنّ وترغّبهنّ في الإسلام، حتّى ظهر أمرها لأهل مكّة.

    فأخذوها وقالوا لها:" لولا قومك لفعلنا بك كذا وكذا، ولكنّنا سنردّك إليهم "..

    قالت: فحملوني على بعير ليس تحتي شيء موطأ ولا غيره، ثمّ تركوني ثلاثا، لا يُطعموني ولا يسقوني، فنزلوا منزلا، وكانوا إذا نزلوا وقفوني في الشّمس واستظلّوا ! وحبسوا عنّي الطّعام والشّراب حتّى يرتحلوا !

    فبينما أنا كذلك، إذا بأثر شيء بارد وقع عليّ منه، ثمّ عاد فتناولته، فإذا هو دلو ماء !
    فشربت منه قليلا، ثمّ نُزِع منّي، ثمّ عاد فتناولته، فشربت منه قليلا، ثمّ
    رُفع، ثمّ عاد أيضا، فصنع ذلك مرارا حتّى رويت، ثمّ أفضت سائره على جسدي
    وثيابي.


    فلمّا استيقظوا إذا هم بأثر الماء، ورأوني حسنة الهيئة، فقالوا: انحللت فأخذتِ سقاءنا فشربت منه ؟
    فقلت:" لاوالله ما فعلت ذلك، كان من الأمر كذا وكذا "، فقالوا: لئن كنت
    صادقة، فدينك خير من ديننا. فنظروا إلى الأسقية، فوجدوها كما تركوها،
    فأسلموا لساعتهم"
    [" الإصابة " 8/248].

    أختاه .. قفي قليلا أمام هذه الحادثة ..

    1- إنّها بمجرّد إسلامها أيقنت أنّ عليها رسالة يجب تبليغها (( بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً
    ))، وخاصّة أنّ الدّعاة إلى الله لا يَصِلُون إلى ما تَصِلِين إليه أنت،
    فبإمكانك الدّخول إلى أخواتك اللّاء لا يزلن أسيرات لإبليس وجنوده، فمن
    لهؤلاء النّسوة ؟!


    2-
    إذا مرّت بك ساعات من العذاب، ورأيت ألوانا من اللّوم والعتاب، على
    استقامتك، وصون ديانتك، فتذكّري أنّ هناك من هنّ أفضل منك عانَيْنَ أكثر
    منك، فأنت على طريقهنّ سائرة:


    إذا غامرت في شرف مـروم *** فلا تقنع بما دون النّجـوم

    فطعم المـوت في أمر صغـير *** كطعم الموت في أمر عظيم

    3- تذكّري جيّدا أنّ من أسماء الله تعالى "المؤمن
    ومن معانيه - زيادة على أنّه يؤَمّن عباده من كرب الدّنيا والآخرة - فإنّه
    يُصدّق دعوى عباده بالحقّ، فالذي رزق أمّ شريك ذلك الماء العذب البارد،
    قادر على أن يرزقك العيش العذب البارد،
    ولن تبلغي كرامتهحتّى تبلّغي رسالته.

    4-وإذا صدّقك ربّك عزّ وجلّ صدّقك بعدُ عباده، وما أمر الله بتصديق الرّسل حتّى صدّقهم هو {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً}..

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. كيف حاربوا الأسرة المسلمة ؟!!
    بواسطة بحب دينى في المنتدى قسم الحوار عن الإسلام
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 05-18-2014, 12:04 AM
  2. سؤال: المرأة المسلمة
    بواسطة عساف في المنتدى قسم المرأة المسلمة
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 12-09-2010, 08:49 PM
  3. زينة المرأة المسلمة ..
    بواسطة قرآن الفجر في المنتدى قسم المرأة المسلمة
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 03-03-2006, 02:20 AM
  4. الأسرة والمرأة المسلمة
    بواسطة muslimah في المنتدى المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 12-13-2005, 09:06 PM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء