النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: مصادر التاريخ...والخلافة الأموية

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jul 2010
    المشاركات
    2,207
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    5

    افتراضي مصادر التاريخ...والخلافة الأموية

    د. راغب السرجاني

    المصادر الأدبية
    لعبت كتب الأدب العربي دورًا مهمًّا في كتابة تاريخ الإسلام؛ فقد كانت مصدرًا مهمًّا من مصادر ذلك التاريخ، ويحتل تاريخ بني أمية مكانة مهمة في هذه الكتب التي لم تقصر اهتمامها على فنون الأدب المعروفة من شعر ونثر، بل تطرقت إلى ذكر لمحات من التاريخ السياسي للدولة.



    واهتمت بجوانب شتى من حياة الخلفاء والأمراء والقادة الذين أسهموا في تشكيل أحداث ذلك التاريخ. كما اهتمت بالعلاقات الاجتماعية لهؤلاء الخلفاء والقادة، وصلاتهم ببعض الشعراء والأدباء الذين لعبوا دورًا بارزًا في أحداث ذلك العصر.



    وصوَّرت الحياة الخُلُقية في المجتمع الإسلامي في العصر الأموي تصويرًا خاصً، يحقق غايات كتب الأدب التي تهدف أول ما تهدف إلى تقديم المتعة الفنية، واللذة الأدبية للقارئ. وعلى ذلك، فإن مكانة الأدب في العصر الأموي، وحركة المجتمع وتكويناته، ورقي الأخلاق وتدنيها، وتوزيع الفقر والثروة، وتحضُّر الدولة وبداوتها، كل ذلك تسعفنا فيه كتب الأدب أكثر من غيرها.



    وكتب التاريخ عادة يتداولها فريق من الناس له شغف خاص به، أو قدرة على التعامل معها، أما كتب الأدب فتشيع عند الجماهير، ويتداولها عوام الخلق ممن لا قدرة لهم على تمييز الصحيح من الزائف في أخبار هذه الكتب.. في حين تغريهم سلاسة أسلوبها وطرافة مادتها والتصاقها بالنفس، فيصدِّقون ما فيها دون نقد أو درس أو تمحيص. وبهذا تكون في بعض جوانبها أشد خطورة وأعمق أثرًا من كتب التاريخ العام، ومصادر التاريخ الأخرى.



    يحتاج القارئ لكتب الأدب إلى حذر شديد وحيطة أشمل، قبل اعتماد ما ورد فيها من أخبار وروايات تخص حقائق التاريخ وأحداثه؛ فإن القصد الأول من هذه الكتب تقديم جرعات متنوعة من الثقافة العامة، بطريقة مشوِّقة، تدفع الملل عن القارئ، وتُدخل على نفسه المتعة واللذة والمؤانسة، وتستعين على ذلك بسوق الأمثال والحكم والطرائف والنوادر متخففة في ذلك من نقد مصادرها فيختلط فيها الجد بالهزل، والحزم بالسخف، وأحاديث الرسولوأخبار الراشدين والصالحين بأخبار المجّان والمغنيين والساقطين وقصص الأدب المكشوف!! وذلك ما صرح به أصحابها، وأعلنه كُتَّابها، ولكنه غاب عن ذهن بعض القارئين والدارسين في عصرنا وغيره، مثلما فعل ابن قتيبة في مقدمة كتابه (عيون الأخبار)، وأبو الفرج الأصفهاني في بعض مواضع من كتابه (الأغاني)، وكذلك ابن عبد ربه في مقدمة كتابه (العقد الفريد).



    وإذا كان بعض الأكابر من أدبائنا القدامى يمكن تصنيفهم ضمن المتحاملين على بني أمية، مثل: الجاحظ وأبي الفرج الأصفهاني وابن أبي الحديد.. فإن تلك النبرة من العداء لبني أمية تخفُّ كثيرًا عند عدد آخر من الأدباء، حتى نراهم يفسحون في كتاباتهم بعض الشيء للروايات المعتدلة عن الأمويين، أو يقل نشاطهم في جمع المادة عن الأمويين وتاريخهم، ضمن المواد الثقافية المتعددة التي تزخر بها كتبهم، مثل: ابن قتيبة وابن عبد ربه.



    نقد الروايات التاريخية
    ومن المعروف مدى الفائدة الكبيرة التي تقدمها الدراسات الإسلامية من تفسير وحديث وفقه وغيره للتاريخ الإسلامي، وبخاصة في هذه الفترة المبكرة منه في عصر الراشدين والأمويين، وقد وجدنا ذلك عند بحث أحوال رواة التاريخ الأموي، والاستئناس بأقوال علماء الحديث والجرح والتعديل عنهم، كما سوف نجد هذه المعونة الدائمة في عديد من مواطن البحث التاريخي عن الأمويين.



    غير أن علماءنا وفقهاءنا لم يقصروا جهودهم على هذا الجانب من الدراسات، بل كان لبعضهم جهود تاريخية أصيلة، وكتب اهتمت كلها أو بعضها ببحث فترات التاريخ.. فجاء إسهام بعضهم في شكل تاريخ متصل للدولة الإسلامية حتى عصره، كما فعل ابن كثير في البداية والنهاية، وابن خلدون في كتابه (العبر)، كما تناول بعض مباحث التاريخ الأموي في (مقدمته). وجاء معظم إسهام الآخرين على شكل مسائل متفرقة في التاريخ ضمن مباحث كتبهم، فقد كتب ابن حزم الأندلسي (ت 454هـ) عن المفاضلة بين الصحابة ضمن كتابه (الفِصَل بين الملل والأهواء والنحل)، وكتب ابن العربي (ت 543هـ) "العواصم من القواصم" على صورة شبهات حول تاريخ صدر الإسلام والدولة الأموية والرد عليها، وكتب ابن تيمية (ت 728هـ) عن بعض أحداث التاريخ الأموي ضمن ردوده على أحد المعتزلة الروافض في كتابه (منهاج السنة النبوية).



    ولا شك أن الذي دفع بهؤلاء الفقهاء إلى كتابة هذه المباحث التاريخية التي اتجه معظمها إلى نواحٍ معينة في تاريخ صدر الإسلام والدولة الأموية هو ما لها من أهمية دينية؛ إذ تخص حياة الجيل الأول من رجالات الإسلام من الصحابة والتابعين، وهم موضع القدوة ومناط الأسوة للمسلمين، وعلى ذلك فقد اتجه اهتمام هؤلاء الفقهاء إلى بحث هذه الشبهات التي أثارتها بعض الفرق الإسلامية، وعلى رأسها الرافضة والمعتزلة، فبحثوا أسباب اختلاف الصحابة أثناء الفتنة الكبرى بعد مقتل عثمان t وما أدت إليه من أحداث كان أهمها قيام الدولة الأموية. كما بحثوا مكانة عدد من رجال ذلك العهد مثل: معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، ومروان بن الحكم وابنه عبد الملك، وعمر بن عبد العزيز وغيرهم، غير أن روح الإنصاف عندهم تجلت على نحو خاص عند بحث بعض المسائل التي كانت موضع طعن على الأمويين مثل: ولاية العهد، ومقتل الحسين، ومهاجمة المدينة المنورة أيام يزيد بن معاوية، واقتحام مكة أثناء فتنة ابن الزبير، وغيرها.



    وأهم ما يلاحظ على بحوث الفقهاء التاريخية السابقة هو شيوع روح الإنصاف للأمويين على نحو ملحوظ، وقد كان ذلك لعدة أسباب ترجع في مجملها إلى سببين رئيسين هما:



    التحرُّر من الحزبية السياسية والأهواء المنهجية؛ لما امتازوا به من شدة في الحق، والتزام بالوسطية الإسلامية.



    إلى جانب تأثير منهج علم الحديث على الجهد التاريخي لهؤلاء الفقهاء، ذلك التأثير المتمثل في رفضهم روايات أهل البدع والأهواء من الرافضة والموالي والخوارج وغيرهم، واعتمادهم كتب الحديث والفقه كمصدر تاريخي موثوق، وفيما مارسوه من النقد الداخلي للروايات التاريخية.



    أما كتابات المؤرخين المعاصرين فقد تأثرت بالروايات الشائعة المستقرة التي أمدتهم بها مصادرنا التاريخية القديمة عن الأمويين، والتي تتصف بالتحامل عليهم، فرددها كثير من مؤرخينا دون تمحيص ودراسة كافيين.. وفضلاً عن ذلك فقد أسهمت دراسات كثير من المستشرقين في زيادة التحامل على الأمويين متأثرة في ذلك بما حمله الاستشراق من رؤى غربية قد لا تتفهم على نحو جيد طبيعة الإسلام وتاريخه وأهله، ومتأثرة أيضًا بارتباط أغلب أو كل المستشرقين بالاستعمار الغربي والتبشير النصراني؛ مما قادهم إلى تشويه التاريخ الإسلامي جملةً لأغراض لا شأن لها بالنزاهة العلمية والمنهج الموضوعي.



    وقد تأثرت طائفة من كبار مؤرخينا العرب والمسلمين بهذه المناهج والرؤى الاستشراقية؛ مما أدى بهم إلى ذات السبيل التي سار فيها أيضًا ثلة من مفكرينا وأدبائنا من غير المتخصصين في الدراسات التاريخية.



    بينما وُجدت جماعة أخرى من المؤرخين والمفكرين -قليل عددهم- أنصفوا الأمويين متخذين من الحذر من روايات القدماء، ومناقشة شبهاتهم، وإبراز مآثر الأمويين ركائز لذلك الإنصاف.



    يبدو لنا مما سبق أننا في أمسّ الحاجة إلى إعادة قراءة تاريخ الخلافة الأموية من جديد، وأن ما يشاع عنهم بأنهم منحرفون سفاكون للدماء لا يعدو أن يكون مجموعة من الاتهامات والمفتريات التي حاكها مناوئوهم وأعداؤهم من الخوارج والشيعة ومن المنافقين الذين أرادوا التقرب من الأمراء على حساب سمعة الأمويين، وعطائهم الحضاري الخالد.
    "العبد يسير إلى اللـه بين مطالعة المنة ومشاهدة التقصير!" ابن القيم
    "عندما يمشي المرؤ على خطى الأنبياء في العفاف, يرى من نفسه القوة والعزة والكبرياء. بينما يعلم المتلوث بدنس الفحش الضعف من نفسه والضعة والتساقط أمام الشهوات"


  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2010
    المشاركات
    903
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    موضوع رائع وفي غاية الاهمية
    فعلا يا اخي الكريم التاريخ الاسلامي لم يتم نقله بكل امانة ولعل هناك مصادر اوثق مما بأيدينا ولكن تدخلت بعض الايدي فطمستها يوم كانت لها الدولة ، وقد اشار ابن العربي في كتابه ان يد الشيعة دخلت في تدوين التاريخ الاموي ، وهذا واضح وملموس ، ومن يقرأ مناظرة المامون لعلماء السنة والتي اوردها ابن عبد ربه في العقد الفريد يعلم تماما ان هذه المناظرة افتعلها الكاتب او غيره وسخر لها امكانياته الجدالية وسحر البيان حتى يعمي المرتاب عن رؤية الحقائق ، الا أن المستبصر يعلم يقينا ان اهل السنة ما كان لهم ان يكونوا بمثل هذا العي الذي ظهروا به في المناظرة لا سيما وانهم علماء وليسوا عامة ، - وللحقيقة انا حينما كنت في صغري ادهشتني هذه المناظرة وظننت ان ما قاله المأمون لا رد له على الاطلاق – وبكل تأكيد لا يعقل ان تنتهي المناظرة بالطريقة التي انتهت بها . والمشكل ان ابن عبد ربه لا يذكر أي مصدر لاي رواية ! ، قد يكون مقبولا على مضض ذكر الرواية بدون مصدر اذا كانت مشهورة وجاءت في مصادر معلومة ، ولكن ان يتفرد بالقصة ثم لا يورد مصدر !! هذا غير معقول . ربما يقول البعض ان كتابه ادبي والغاية منه اشباع الرغبة الادبية فحسب ، اقول لامانع ولكن اذهب الان الى المنتديات الشيعية فهي تنطط فرحا بهذه المناظرة وتزيلها بالمصدر (العقد الفريد ) وهذا ربما يغم على الكثير من السذج الذين يرجعون الى المصدر فيجدونها حقيقة فيذهب ظنهم الى انها الحقيقة .
    طبعا انا لا استنكر من العقد الفريد مناظرة المأمون وحدها ولكنها القصة الوحيدة التي علقت في ذاكرتي اما ما خاض فيه عن (الفتنة ) فقد اشفى صدري منه ابن العربي . وان شئتم ان نسرد المناظرة ثم نفندها ونبين ما عمي عنه الكاتب فلا مانع .
    نعم نحن في امس الحاجة الى اعادة قراءة التاريخ الاموي .
    ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً -- ويأتيك بالأخبار من لم تزودِ

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jul 2010
    المشاركات
    2,207
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    5

    افتراضي

    بارك الله فيك. وهذا شرح كتاب العواصم من القواصم لابن العربي...للشيخ المقدم:
    http://www.islamway.com/?iw_a=series...series_id=3096
    "العبد يسير إلى اللـه بين مطالعة المنة ومشاهدة التقصير!" ابن القيم
    "عندما يمشي المرؤ على خطى الأنبياء في العفاف, يرى من نفسه القوة والعزة والكبرياء. بينما يعلم المتلوث بدنس الفحش الضعف من نفسه والضعة والتساقط أمام الشهوات"


معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. الدولة الأموية للصلابي كتاب الكتروني رائع
    بواسطة Adel Mohamed في المنتدى المكتبة
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 10-24-2012, 07:45 AM
  2. قصة الدولة الأموية
    بواسطة نور الدين الدمشقي في المنتدى قسم الحوار عن الإسلام
    مشاركات: 29
    آخر مشاركة: 08-08-2011, 09:56 PM
  3. لماذا خلق الله ملايين الحيوانات المنوية و لم يكتفى بواحد-oabass
    بواسطة Doctosienz في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 11-02-2009, 12:43 PM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء