76- أمنيَةٌ حالمة من صُلبِ تعقيداتِ البشر!
أحتاجُ سُكنى بيتٍ ريفيٍّ في قريةٍ بعيدة ، نثرَ الخالقُ فيها أزهارًا من كلِّ الألوان ، وغديرٌ فيها يعكسُ سماءً صافية وضوءٌ بهيٌ على سطحِ الماءِ يكسوهُ وكأنّهُ فستانٌ من نور ، وفنجالُ قهوةٍ ساخنة مع جارٍ عجوز ، علّمهُ الله من لدُّنهُ علمًا ، يُحدثني بحكمةٍ ووقار عن فلسفةِ الحياة ، فتمتزِجُ كلماته وزقزقةِ عصفورٍ قريب ، وحفيف أوراق الشجر ، وخرير ماء ،لا يُشعرنا بحركة الكوْنِ إلاّ نسيمٌ رقيقٌ باردٌ يُنعِشُ الفؤاد ويشرحُ الرئتيْن ويفتحُ الذهن ، فأعتكفُ دروسه وأزهد عن حياةِ المدن ونفاقِ جدرانها الإسمنتية وضجيج حركتها وشرور قاطنيها! ، أو علِّ أعودُ إليها بسلاحِ المعرفةِ .. تُكسبني رأيًا راجحًا فلا أتردد ، وقولاً سديدًا فلا أتلعثم ، وذكاء إنفعاليّ وقّاد فلا يدّعي الضمير أني ظَلمتُ بتسرعٍ أو ظُلِمت من تأنٍ ، أريدُ أن أحكم وأفصل بين الأمور ، أريدُ أن لا أتعثر في المسير نحوَ القرار .. أخشى السقوط!! لأنّ السقوطُ من هاهُنا تهشُّمٌ .. فقد جُعِلتُ على إرتفاعٍ بعيدٍ جدًا عن الأرض ، ومالغفران للذاتِ إلاّ كلمة مُبهمة في قاموسي ، بل هيَ عذابٌ لا مجهول! ،
ولأنَّ ليْست كل الأمنيات الحالمة يُمكن تحقيقها في الدنيا ، فعلّها جلسةٌ مع الخضرِ عليْهِ السلام في جنّاتِ الرحمن ،كانَ ليُخبرنا عن مدى جهلنا وافتقارنا إلى فقه الحياة ، ولولا أنّ التعبَ والنصب لا يُمكن أن يكون في جنّاتِ النعيم فلن يشقّ علينا لنتتلمذ على يدهِ ، وهذا من فضلِ ربِّ فليسَ كلُّنا قادرٌ على اصطبارِ الصبر ، وإن شاء الرحيمُ أن تكون هذه الأمنية واقعًا مؤجلاً لحيواتنا؛ فيبقى تعديل بسيطٌ لابدّ أن يكون لتصحّ هذه الأمنية ، وهي حتميّة شباب جارِيَ الحكيم؛ ذلك الذي أحتاج إلى مجالستهِ كلّما مررتُ بموقفٍ يجعلُني أدركُ تعقيد النفس البشريّة وعُقدِ تفكيرها ، سلوكها وأفعالها .
Bookmarks