صفحة 1 من 4 123 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 15 من 58

الموضوع: الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Dec 2010
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    661
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان

    بسم الله الرحمن الرحيم
    بعد فشل المفاوضات السلميه ..نلجاء إلى اللف والدوران وإستغلال صغرات القانون ..
    أنا فقط أمزح ..
    ولكن هذا فقط لتلبية طلب أحد الأخوة الكرام..

    سيتم وضع الكتاب هنا كتابياً بواسطتى بنفس النمط ونفس كل ما هو موجود فى الكتاب بالظبط ..وهذا سيكون سبق لمنتدى التوحيد ..وحصرياً له بإذن الله

    ..وإيضاً حتى لا نسبب ضرراً لأحد..فالكتاب ايضاً موجود لشراءه ولم يتم تصويره حتى لايكون فى ذلك أى خرق لقوانين النشر كما ابلغتنى دور النشر..وهذه "ليست عادتى سابقاً فى احترام حقوق النشر..ولكن دينى يحتم على ذلك وإستئذان اصحاب الشىء قبل عرضه او إستخدامه "

    وارجوا من الله أن يكون هذا العمل خالصاً لوجهه ومفيداً للجميع ..

    وإن أراد أحد الأخوة مساعدتى ويملك الكتاب فمرحباً ....بالكوأوبراتشن... فى سبيل الله ..فليراسلنى فى ذلك لأعرف ما على أن أكتبه ..ونقسم المهام ...والله المستعان

    معلومات سريعه عن الكتاب
    ___________
    الطبعة الأولى :2002
    الطبعة الثانيه :2007
    إصدار دار الفكر دمشق-سوريا
    ________________
    المؤلف:
    الدكتور عبد الوهاب المسيرى
    __________
    معلومات عنه :

    متخصص بالدراسات الصهيونيه

    من مواليد دمنهور بمصر العربيه "1938"
    ____________
    الأعمال السابقة والحاليه
    ___________
    -رئيس وحدة الفكر الصهيونى وعضو مجلس الخبراء بمركز الدراسات السياسيه والإستراتيجيه بالأهرام .

    -مستشار ثقافى للوفد الدائم بجامعة الدول العربيه فى هيئة الأمم المتحده.

    -أستاذ الأدب الأنكليزى والمقارن بجامعات عين شمس والملك سعود والكويت .

    -مستشار أكاديمى للمعهد العالمى للفكر الإسلامى بواشنطن .

    -عضو مجلس الأمناء لجامعة العلوم الإسلاميه والإجتماعيه ,ليسبرج فيرجينيا .

    له مؤلفات متميزه كثيره بالعربيه والأنجليزيه تتناول بحوثاً عن اليهوديه والصهيونيه وتاريخهما وفكرهما وأزماتهما
    وإشكاليات العنف والتحيز القائمة فيهما .

    يتبع ...
    التعديل الأخير تم 06-04-2011 الساعة 10:18 PM
    وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ {الأنعام}

    ("إن انتشار الكفر في العالم يحمل نصف أوزاره متدينون بغضوا الله إلى خلقه بسوء صنيعهم وسوء كلامهم"))

    ((محمد الغزالي))

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Dec 2010
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    661
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي محتوى الكتاب

    المحتوى


    الموضوع
    *المحتوى

    *مقدمةً

    *الفصل الأول :الإنسان والمادة
    -الطبيعة البشرية
    -الفلسفة المادية
    -المادية القديمة المادية الجديدة
    -العقلانية المادية واللاعقلانية المادية
    -المرجعية النهائية :المتجاوزة والكامنة
    -الواحدية المادية

    *الفصل الثانى :إشكالية الطبيعى والإنسانى
    -الفرق بين الظاهرة الطبيعية والظاهرة الإنسانية
    -إشكالية الإنسانى والطبيعى فى العالم العربى
    -الشرح والتفسير
    -فشل النموذج المادى فى تفسير ظاهرة الإنسان
    -المساواة والتسوية
    الهجوم على الكبيعة البشرية

    *الفصل الثالث:العقل والمادة
    -العقل المادى
    -العقل الأداتى والعقل النقدى

    *الفصل الرابع المادية فى التاريخ
    -الداروينية الإجتماعية
    - الرؤية المعرفية العلمانية الإمبريالية الشاملة
    -المطلق العلمانى الشامل
    -اللحظة العلمانية الشاملة النماذجية

    *الفصل الخامس :الترشيد والقفص الحديدى
    -الترشيد فى الأطار المادى
    -الترشيد وعلمنة البنية المادية والإجتماعية
    -الترشيد وعلمنة الإنسان
    -الترشيد والقفص الحديدى

    *الفصل السادس :نهاية التاريخ
    -نهاية التاريخ الإنسانى
    -التاريخ يصل إلى نهايته عند تحقيق :فوكوياما وهنتينجتون
    -التاريخ لاهدف له ولاغاية: ما بعد الحداثة

    *الفصل السابع : العنصرية الغربية فى عصر ما بعد الحداثة
    -العنصرية الغربية فى عصر التحديث (عنصرية التفاوت)
    -العنصرية الغربية فى عصر ما بعد الحداثة (عنصرية التسوية)

    *الفصل الثامن: المادية والأبادة
    -الإبادة وتفكيك الإنسان كإمكانية كامنةً فى الحضارة الغربية الحديثة
    -تحول الإمكانية الإبادية إلى حقيقةً تاريخية
    -إشكالية إنفصال القيمة والغائية الإنسانية عن العلم والتكنولوجيا
    __________________
    إنتهى الفهرس ..والكتاب (222) صفحه ..ربنا ييسر الأحوال

    يتبع .......
    وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ {الأنعام}

    ("إن انتشار الكفر في العالم يحمل نصف أوزاره متدينون بغضوا الله إلى خلقه بسوء صنيعهم وسوء كلامهم"))

    ((محمد الغزالي))

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Dec 2010
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    661
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    مُــــقَــــــــــدَّمةً

    تشكَّل الفلسفة الماديه البنْية الفكرية التحتية او النموذج المعرفى الكامن للعديد من الفلسفات الحديثة:الماركسية والبرجماتيه والداروينية،كما انها تشكَّل الاطار المرجعى الكامن لرؤيتنا للتاريخ والتقدُّم وللعلاقات الدولية،بل وأحياناً لأنفسنا .وقد ارتبطت الفلسفة المادية فى عقول الكثيرين بالعقلانية والتقدُّم والتسامح...إلخ.وأعتقد انه حان الوقت لفتح باب الإجتهاد بخصوص هذه الفلسفة ، نظراً لأهميتها وهيمنتها على بعض أعضاء النخب الثقافية والفكرية.

    ويمكن تصنيف هذا الكتاب بإعتباره محاولةً فى هذا الإتجاه .

    وقد خُصَّص الفصل الأول ((الإنسان والمادة )) لتعريف الفلسفة المادية وسر جاذبيتها ومواطن قصورها ، كما يعرض الفصل نفسه ،فى بدايته ، للظاهرة الإنسانية وسماتها الأساسية.

    ويقوم الفصل الثانى ((إشكالية الطبيعى والإنسانى)) بتوضيح الفروق الأساسية بين الظاهرة الطبيعية والظاهرة الإنسانية ، وفشل الفلسفة المادية فى تفسير ظاهرة الإنسان ، بل ويذهب هذا الفصل إلى أن هذه الفلسفة تشكل هجوماً على الطبيعة البشرية .

    ويتناول الفصل الثالث ((العقل والمادة)) مفهوم العقل ،فيبَّين ان العقل فى حد ذاته مفهوم عائم غائم وأن المهم هو النموذج الكامن وراء العقل .وإنطلاقاً من هذا التصوُّر تحاول الدراسة حصر اهم سمات العقل المادى ، كما تحاول توضيح الفروق بين العقل الأداتى والعقل النقدى .

    ويتناول الفصل الرابع ((المادية والتاريخ )) بعض التجليات التاريخية للفلسفة المادية ، فيبَّين ان العلمانية الشاملة والإمبريالية والداروينية هى كلها تجليات متنوعة للفلسفة المادية.

    أما الفصل الخامس ((الترشيد والقفص الحديدى)) فيتناول الترشيد او العلمنة بمعنى إعادة صياغة المجتمع والإنسان فى الإطار المادى ، وكيف أن هذا يؤدى فى نهاية الامر إلى تنميط الحياة ووهم التحكُّم الكامل فيها .

    والفصل السادس هو أمتداد لهذا الفصل، فنهاية التاريخ هى ، فى واقع الامر النقطة التى يتخيل البعض أنها النقطة التى يتم التحكُّم فيها فى معظم جوانب الحياة ، بحيث يصبح المجتمع كالآلة الرشيدة.وقد ميَّزت الدراسة فى الفصل الثانى بين المساواة والتسوية على المستوى النظرى.

    والفصل السابع ((العنصرية الغربية فى عصر ما بعد الحداثة)) هو محاولةً لتطبيق هذا المفهوم على ظاهرة العنصرية الغربية .

    والفصل الثامن والأخير ((المادية والإبادة)) بيبيَّن كيف ان الرؤية المادية هى رؤيةً إبادية فى جوهرها، ويطبق الفصل هذا التصوُّر على ظاهرة الإبادة النازية لليهود وغيرهم من الأقليات .

    وهذه الدراسة، شأنها شأن معظم دراساتى فى الآونة الأخيرة ،تستخدم النموذج المعرفى أداةً تحليلة ، فتقدَّم دراسةً فى النموذج المعرفى المادى فى حد ذاته ،ثم تجلياته النظرية والتاريخية المختلفة.وبالتالى فالدراسة لا تأخذ خطاً مستقيماً تراكمياً وإنما تأذخذ شكل بؤرة(النموذج التحليلى) تتفرع منها وتعود إليها كل الموضوعات .وهذه الطريقة تبيَّن الوحدة الكامنة (المادية وتفكيك الإنسان) خلف التنوع (الدراسات المختلفة )،ولكنها قد تؤدى إلى بعض التكرار . وقد بذلت جهداً كبيراً لتحاشى ذلك أو التقليل منه.

    ومعظم مادة هذا الكتاب تُنشر لأول مرة،ولكن بعضها نُشر قبل ذلك ،إما على هيئة مقالات أو فى كتب .ولكنى وجدت أن جمعها كلها فى كتاب واحد يدور خول موضوع واحد ، مع توضيح النموذج المعرفى الكامن وراء كل الدراسات ، سيساعد كثيراً على توضيح الأطروحة الأساسية فى الكتاب ،ويبرَّر إعادة نشر هذه المادة.

    ويبقى هذا العمل إجتهاداً اولياً نرجو أن نكون قد أصبنا فى بعض نقاطه إن لم نصب فى جميعها ، وأن يكتب الله لنا أجرى الصواب ،وإلا ، فلعلنا لانحرم الأجر الواحد.

    والله من وراء القصد


    عبد الوهاب المسيرى


    دمنهور – القاهرة
    كانون الثانى (يناير) 2002م

    التعديل الأخير تم 06-05-2011 الساعة 03:16 AM
    وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ {الأنعام}

    ("إن انتشار الكفر في العالم يحمل نصف أوزاره متدينون بغضوا الله إلى خلقه بسوء صنيعهم وسوء كلامهم"))

    ((محمد الغزالي))

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Dec 2010
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    661
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    الفصل الأول

    الإنسان والمادة

    هل الإنسان كائن مادي وحسب؟ هل هو جزء لا يتجزأ من هذا العالم المادي الطبيعي خاضع لقوانينه لا يملك منها فكاكاً، لا يختلف في سماته الأساسية عن الكائنات الأخرى؟ هذه أسئلة جوهرية تحدِّد رؤيتنا للكون، ولذا لابد من الإجابة عنها إن أردنا توضيح موقفنا وتحيُّزاتنا الفكرية.

    الطبيعة البشرية

    تتسم الطبيعة البشرية في تصورنا بثنائية أساسية لا يمكن تصفيتها (هي صدى للثنائية الحاكمة الكبرى، ثنائية الخالق والمخلوق، والمتجاوز والحالّ الكامن) وهي ثنائية الجانب الطبيعي/ المادي في مقابل الجانب غير المادي، أي الروحي أو الثقافي أو المعنوي. فثمة احتياجات طبيعية/ مادية، مثل حاجة البشر إلى الطعام والهواء والنوم والتناسل وتلبية كل ما يتعلق بتركيبهم العضوي (بغض النظر عن أماكن إقامتهم أو نمط الحضارة الذي ينتمون إليه). فالإنسان هنا هو موجود مادي متجسد يشارك بقية الكائنات في بعض الصفات، فمن حيث هو جسم، يخضع الإنسان للقوانين الطبيعية وضرورات الحياة العضوية إذ تسري عليه، وعلى بقية الكائنات، مجموعة من الآليات والحتميات. ولذا يمكن رصد هذا الجانب من وجوده من خلال النماذج المستمدة من العلوم الطبيعية (ويعبِّر عن نفسه فيما نسميه النزعة الجنينية). والفلسفات المادية، منطلقة من مرجعيتها المادية ومن إيمانها بأسبقية الطبيعة/ المادة على الإنسان، تركز على هذا الجانب من الوجود الإنساني وترد كل جوانبه الأخرى إليه.

    ولكن هناك جانباً آخر للطبيعة البشرية متجاوزاً للطبيعة/ المادة وغير خاضع لقوانينها ومقصوراً على عالم الإنسان ومرتبطاً بإنسانيته، وهو يعبِّر عن نفسه من خلال مظاهر عديدة من بينها نشاط الإنسان الحضاري (الاجتماع الإنساني - الحس الخلقي - الحس الجمالي - الحس الديني). ومن المظاهر الأخرى لهذا الجانب أن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يطرح تساؤلات عما يسمَّى العلل الأولى، وهو لا يكتفي أبداً بما هو كائن وبما هو معطى ولا يرضى بسطح الأشياء، فهو دائب النظر والتدبر والبحث، يغوص وراء الظواهر ليصل للمعاني الكلية الكامنة وراءها والتي ينسبها إليها، وهو الكائن الوحيد الذي يبحث عن الغرض من وجوده في الكون. وكلها تساؤلات تجد أصلها في البنية النفسية والعقلية للكائن البشري، ولذا سمى الإنسان الحيوان الميتافيزيقي. والإنسان كائن واعٍ بذاته والكون، قادر على تجاوز ذاته الطبيعية/ المادية وعالم الطبيعة/ المادة، وهو عاقل قادر على استخدام عقله، ولذا فهو قادر على إعادة صياغة ذاته وبيئته حسب رؤيته.

    وهو كائن صاحب إرادة حرة على الرغم من الحدود الطبيعية والتاريخية التي تحده. والحرية قائمة في نسيج الوجود البشري ذاته، فإن الإنسان له تاريخ يروي تجاوزه لذاته (وتعثره وفشله في محاولاته). فالتاريخ تعبير عن إثبات الإنسان لحريته وفعله في الزمان والمكان.

    وهو كائن قادر على تطوير منظومات أخلاقية غير نابعة من البرنامج الطبيعي/ المادي الذي يحكم جسده واحتياجاته المادية وغرائزه، وهو قادر على الالتزام بها وخرقها، وهو الكائن الوحيد الذي طوَّر نسقاً من المعاني الداخلية والرموز التي يدرك من خلالها الواقع.

    وهو، أخيراً، النوع الوحيد الذي يتميَّز كل فرد فيه بخصوصيات لا يمكن محوها أو تجاهلها، فالأفراد ليسوا نسخاً متطابقة يمكن صبها في قوالب جاهزة وإخضاعها جميعاً للقوالب التفسيرية نفسها، فكل فرد وجود غير مكتمل، مشروع يتحقق في المستقبل، واستمرار للماضي، ولذا فزمن الإنسان هو زمن العقل والإبداع والتغيير والمأساة والملهاة والسقوط، وهو المجال الذي يرتكب فيه الإنسان الخطيئة والذنوب، وهو أيضاً المجال الذي يمكنه فيه التوبة والعودة، وهو المجال الذي يعبِّر فيه عن نبله وخساسته وبهيميته، فالزمان الإنساني ليس مثل الزمان الحيواني الخاضع لدورات الطبيعة الرتيبة، فهو زمان التكرار والدوائر التي لا تنتهي و((العود الأبدي)). ولكل هذا، فإن ممارسات الإنسان ليست انعكاساً بسيطاً أو مركباً لقوانين الطبيعة/ المادة، فهو مختلف كيفيًّا وجوهريًّا عنها.

    فهو ظاهرة متعددة الأبعاد ومركبة غاية التركيب ولا يمكن اختزاله في بُعد من أبعاده أو في وظيفة من وظائفه البيولوجية أو حتى في كل هذه الوظائف. ولا توجد أعضاء تشريحية أو غدد أو أحماض أمينية تشكل الأساس المادي لهذا الجانب الروحي في وجود الإنسان وسلوكه، لهذا فهو يشكل ثغرة معرفية كبرى في النسق الطبيعي/ المادي، فهو ليس جزءاً لا يتجزأ من الطبيعة وإنما هو جزء يتجزأ منها، يوجد فيها، ويعيش عليها، ويتصل بها، وينفصل عنها. قد يقترب منها ويشاركها بعض السمات، ولكنه لايُرد في كليته إليها بأية حال، فهو دائماً قادر على تجاوزها، وهو لهذا مركز الكون وسيد المخلوقات. وهو لهذا كله لا يمكن رصده من خلال النماذج المستمدة من العلوم الطبيعية.

    وبرغم أن كل إنسان فرد فريد إلا أننا نطرح ما نسميه مفهوم الإنسانية المشتركة (في مقابل الإنسانية الواحدة)، فنحن نذهب إلى أنه لا يمكن إدراك الإنسان في كل تركيبيته إلا من خلال نموذج توليدي، فنرى أن عقله مبدع خلاق، ولذا فهو يتمتع بقدر من الاستقلال عن الطبيعة، ولا يخضع لحتمياتها في بعض جوانب وجوده. وفي هذا الإطار، نذهب إلى أن ادعاء أصحاب النماذج التراكمية الآلية المادية بأن هناك إنسانية واحدة، تُرصد كما تُرصد الظواهر الأخرى، وبأن الناس كيان واحد وإنسانية واحدة خاضعة لبرنامج بيولوجي ووراثي واحد عام، هو أمر يتنافى مع العقل ومع التجربة الإنسانية ومع إحساسنا بتركيبيتنا وتنوعنا الإنساني.

    أما النموذج التوليدي، فهو ينطلق من الإيمان بإنسانية مشتركة (طبيعة بشرية) تأخذ شكل إمكانية وطاقة إنسانية كامنة لا يمكن رصدها أو ردها إلى قوانين مادية. هذه الطاقة لا يمكنها أن تتحقق في فرد بعينه أو شعب بعينه أو في جنس بعينه وإنما يتحقق بعض منها تحت ظروف وملابسات معينة ومن خلال جهد إنساني معين، ولذا فإن ما يتحقق لن يكون أشكالاً حضارية عامة وإنما أشكالاً حضارية متنوعة بتنوع الظروف والجهد الإنساني، لأن تحقق جزء يعني عدم تحقق الأجزاء الأخرى التي تحققت من خلال شعوب أخرى، وتحت ظروف وملابسات مختلفة ومن خلال درجات من الجهد الإنساني الذي يزيد وينقص من شعب لآخر ومن جماعة لأخرى.

    ومما يزيد التنوع، أن الإنسان - كما أسلفنا - قادر على إعادة صياغة ذاته وبيئته حسب وعيه الحر، وحسب ما يتوصل إليه من معرفة من خلال تجاربه. هذه الأشكال الحضارية تفصل الإنسان عن الطبيعة/ المادة، وتؤكد إنسانيتنا المشتركة، فهي تعبير عن الإمكانية الإنسانية، دون أن تلغى الخصوصيات الحضارية المختلفة. لكن الفرادة لا تعني أنه لا يوجد أنماط تجعل المعرفة ممكنة، والحرية لا تعني أن كل الأمور متساوية نسبية. فالإنسانية المشتركة، تلك الإمكانية الكامنة فينا، هذا العنصر الرباني الذي فطره الله فينا (ودعمه بما أرسله لنا من رسل ورسائل) تشكل معياراً وبُعداً نهائيّاً وكليّاً.
    التعديل الأخير تم 06-05-2011 الساعة 01:48 PM
    وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ {الأنعام}

    ("إن انتشار الكفر في العالم يحمل نصف أوزاره متدينون بغضوا الله إلى خلقه بسوء صنيعهم وسوء كلامهم"))

    ((محمد الغزالي))

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Dec 2010
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    661
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    الفلسفة المادية

    فى مقابل الإنسان والإنسانية المشتركة نضع الطبيعة /المادة .ومفهوم الطبيعة مفهوم أساسى فى الفلسفات المادية التى تدور فى أطار المرجعية الكامنة ، خصوصاً فى الغرب ، وهو تعبير مهذب يحل محل المادة.ولعل كثيراً من اللغط الفلسفى ينكشف إن أستخدمنا كلمة مادى بدلاً من كلمة طبيعى، فبدلاً من المذهب الطبيعى نقول:المذهب المادى وبدلاً من القانون الطبيعى نقول :القانون المادى وبدلاً من الإنسان الطبيعى يمكننا أن نقول : الإنسان المادى.فعبارة الإنسان الطبيعى عبارة مبهمة رومانسية تستدعى للأذهان طرزان، والنبيل الوحش،وأبطال الأدب الرومانسى،مع أن الإنسان الطبيعى فى واقع الامر شخص يعرَّف فى أطار وظائفه الطبيعية البيولوجية ويعيش حسب قوانين الحركة المادية ويُردّ إليها ولذل فهو فى براءى الذئاب،وفى تلقائية الأفعى،وفى حيادية العاصفة،وفى تسطح الأشياء وبساطتها.والطبيعة ليستهى الأحجار والأشجار والسحب والقمر.وإنما هى كيان يتسم ببعض الصفات الأساسية تشكل فى مجموعها أساس الفلسفة المادية التآ يمكن تلخيصها فيما يلى :

    1- الإيمان بوحدة الطبيعة،فالطبيعة شاملة لاإنقطاع فيها ولا فراغات،فهى الكل المتصل وما عداها مجرد جزء ناقص،فهى لا تتحمل وجود أى مسافات أو ثغرات أو ثنائيات.

    2-الإيمان بقانونية الطبيعة (لكل علة سبب).والطبيعة شىء منتظم متسق مع نفسه، فكل سبب يؤدى إلى االنتيجة نفسها فى كل زمان وفى كل مكان .

    3-الإيمان بأن الطبيعة بأسرها خاضعة لقوانين واحدة ثابتة منتظمة صارمة حتمية مطردة وآلية، وبأنها كذلك رياضية واضحة،ولذا فهى لا تقبل أى خصوصيات.

    4-الإيمان بأن الطبيعة تتحرك بشكل تلقائى وبأن الحركة أمر مادى.

    5-الإيمان بأن لا يوجد غائية فى العالم المادى (حتى ولو كانت غائية إنسانية تسحب خصوصيات النشاط البشرى على الطبيعة المادية). فالطبيعة قوة متعينة لاتكترث بالخصوصية ولا بالتفرد او بالظاهرة الإنسانية ولا بالإنسان الفرد أو إتجاهاته أو رغباته.ذلك لأن الإنسان لا مكانة خاصة له فى الكون فهو لايختلف فى تركيبه عن بقية الكائنات.والإنسان الفرد او الجزء يذوب فى الكل ذوبان الذرات فيها .

    6-الإيمان بأنه لايوجد غيبيات او تجاوز للنظام الطبيعى من أى نوع، فالطبيعة تحوى داخلها كل القوانين التى تتحكم فيها وكل ما تحتاج إليه لتفسيرها ، فهى علة ذاتها، توجد فى ذاتها ،مكتفية بذاتها وتدرك بذاتها ، وهى واجبة الوجود.

    والإيمان بالطبيعة/ المادة كسقف للوجود الإنسانى هو المادية.والفلسفة المادية هى المذهب الفلسفى الذى لايقبل سوى المادة بإعتبارها الشرط الوحيد للحياة (الطبيعية والبشرية)، ومن ثم فهى ترفض الإله كشرط من شروط الحياة،كما أنها ترفض الإنسان نفسه إن كان متجاوزاً للنظام الطبيعى/المادى،ولذا فالفلسفة المادية تَرُدّ كل شىء فى العالم (الإنسان والطبيعة) إلى مبدأ مادى واحد وهو القوة الدافعة والسارية فى الأجسام الكامنة فيها والتى تتخلل فى أثنائها وتضبط وجودها.قوة لاتتجزاء ولا يتجاوزها شىء ولا يعلو عليها أحد، وهى النظام الضرورى والكلى للأشياء، نظام ليس فوق الطبيعة وحسب،ولكنه فوق الإنسان أيضاً.وإن دخل عنصر آخر مادى على هذا المبدأ الواحد ، فإن الفلسفة تصبح غير مادية.
    وكلمة مادة قد تبدو لأمول وهلة وكأنها كلمة واضحة, ولكن الأمر أبعد ما يكون عن ذلك.فالشىء المادى هو الشىء الذى كل صفاته ماديه:حجمه،كثافته،كتلته،لونه،سرعته ،صلابته،كمية الشحنة الكهربائية التى يحملها، سرعة دورانه ،درجة حرارته ،مكان الجسم فى الزمان والمكان... إلخ.
    فالصفات المادية هى التى يتعامل معها علم الطبيعة (الفيزياء)، فالمادة ليس لها اى سمة من سمات العقل:الغاية ، الوعى، القصد، الرغبة، الأغراض والأهداف، الأتجاه، الذكار، الإرادة، المحاولة،الإدراك... إلخ.

    والمادية ترى أسبقية المادة على الإنسان وكل نشاطاته ، وتمنح العقل مكانة تالية على المادة ، ولذا فإن العقل ليس له فعالية سببية ، ووجوده ليس ضروريًّا لإستمرار حركة المادة فى العالم. فنظرية المعرفة المادية (فى مراحلها الأولى) تقر بإمكانية المعرفة، فالعالم قابل لأن يُعرَّف، لانه معطى لإحساسنا ووعينا ، بل إن مادية العالم هى شرط لمعرفته . ولمعرفة هذا العالم لا يحتاج الإنسان إلى إستعارة وسائل من خارج عالم الطبيعة/ المادة. فهناك أولاً حواسه الخمس التى ترصد المحسوسات، وهناك عقله الذى يرتب ويركب المحسوسات ، ولكنه ليس منفصلاً عن الوجود المادى الحسى، فالمعرفة هى أنعكاس الواقع الخارجى فى دماغنا عبر أحساساتنا، وتراكم المعطيات الحسية على صفحة العقل البيضاء.ويمكن للإنسان أن يكتسب المزيد من المعرفة من خلال التجريب ومراكمة المعلومات فى ذاكرته . وفى بعض أشكال المادية لا توجد حدود للمعرفة، فكل ما هو موجود قابل لأن يُعرف. أما التساؤلات الميتافيزيقية فهى ليست موجودة او ليست موضوعاً للمعرفة.

    والمادة لا تسبق العقل وحسب وإنما تسبق الأخلاق كذلك ، فإن الأخلاق تُفسَّر تفسيراً ماديًّا ووفقاً لقانون طبيعى. فمنطق الحاجة الطبيعية المباشرة هو الذى يتحكم فى الأخلاق الإنسانية تماماً مثلما تتحكم الجاذبية فى سقوط التفاحة.
    ولذا تنادى المذاهب الأخلاقية المادية بأن الشىء الوحيد الذى يجد بالإنسان ان يسعى إليه هو الخيرات المادية التى تجود بها الحياة.والشىء نفسه ينطبق على المعايير الجمالية ، فالشعور والأحساس بالجمال وكل الأحاسيس الإنسانية يمكن فهمها بردها إلى المبدأ المادى الواحد، فهى مجرد تعبير عن شىء مادى يوجد فى الواقع المادى. والمادة تسبق التاريخ ، وكذلك فإن كل تطور يتوقف على الظروف المادية والإقتصادية (على سبيل المثال :تطور أدوات الإنتاج وعلاقات الإنتاج والمصحلة الإقتصادية) ونوع الإنتاج فى الحياة المادية شرط تطور الحياة الإجتماعية والسياسية والعقلية على العموم. فالبناء الفوقى (الفكرى والعقلى والنفسى) يُردُّ فى نهاية الأمر وفى التحليل الأخير ، إلى المادة.

    ويفرق البعض بين المادية المتطرفة والمادية المعتدلة، وبين المادية السوقية والمادية الجدلية. فالمادية المتطرفة أو السوقية تذهب إلى أن العالم الحقيقى هو مجرد مادة تتغيَّر فى أحوالها وعلاقاتها المادية،وأن كل ما هو إنسانى مجرد حركة للمادة ،أما المادية المعتدلة فتحاول الوصول إلى رؤية أكثر تركيباً، ومع هذا فهى فى نهاية الأمر وفى التحليل الأخير تفترض أسبقية المادة على كل الظواهر التى تُردُّ بعد كل التركيب والتوهيم إلى المبدأً المادى الواحد. والمادية الديالكتكية والتاريخية لا تختلف فى جوهرها عن ذلك . فالمادية الديالكتيكية تصدر عن الإيمان بمفهوم المادة التى تعنى الواقع الموضوعى((المعطى للإنسان فى أحاسيسه، والذى تصوره أحاسيسنا وتعكسه، ولكن وجوده غير مرهون بها)). أما الوعى، فهو صفة المادة الرفعية التنظيم، ويظهر بظهور المجتمع. والوعى يعكس الواقع الموضوعى ويكون صورة ذاتيه منه ، وهو ما يعنى أسبقية المادة على كل شىء. ويكمن لب النظرية الديالكتيكية فى بعض القوانين العامة بحركة الطبيعة والمجتمع والفكر وأهمها: تحول التغيرات الكيفية إلى كمية وبالعكس، ونفى النفى ، ووحدة وصراع الأضداد.

    وهناك جملة من القوانين التى تكمل القوانين السابقة وتجعلها أكثر عيانية، وتعبَّر عن ترابط الماهية والظاهرة ، والمضمون والشكل ، والإمكان والفعل... إلخ. وترى المادية الديالكتيكيه أن مضمون معارفنا إنعكاس للصفات الموضوعية للأشياء. ولكن بلوغ الحقيقة الموضوعية لا يتم دفعة واحدة وبصورة مطلقة. والقوانين العامة لتطور العالم تدرسها المادية الديالكتيكيه تسرى على كل الميادين المنفردة للنشاط الإنسانى. والمادية التاريخية تسحب الموضوعات الأساسية للمادية الديالكتيكية على الظواهر الإجتماعية والتاريخية، ولذا فإن المادية التاريخية تذهب إلى أن الإنسان يظهر نتيجةً لعملية ماديه حركيه تفترض أسبقية المادة على الفكر، فحياة الإنسان تتطلب المأكل والمشرب والمسكن والملبس، وهى أشياء لا يجدها جاهزة فى الطبيعة فيضطر إلى أنتاجها. وحين ينتج البشر الأشياء الضرورية فإنهم يمارسون لوناً خاصّاً من نمو الحياة ،ويدخلون فى علاقات فيما بينهم . وفى مجرى إنتاج الخيرات المادية، يتكون الإنسان ذاته بوعيه ونظراته وتطلعاته. وبذلك يشكل الإنتاج المادى الأساس (اللوجوس أو المطلق)
    الذى يحدد ،فى نهاية المطاف وفى التحليل الأخير، نمط حياة الناس ووعيهم وفكرهم وحياتهم الروحية، بل والحياة الإجتماعية بأسرها. وفى تصورنا أن كل الماديات مهما بلغت من صقل وجدلية واعتدال ، ماديات متطرفة إن كانت متسقة مع نفسها ومع مقدماتها المعرفية، إذ يظل جوهر الأشياء ماديًّا ، وما عدا ذلك فتحولات عرضية ويظل مركز الكون كامناً فيه (المرجعية الكامنة) ومن ثم العالم المادى.

    وأى نموذج فكرى، مهما بلغ من مثالية أو غيبية، لابد أن يتبنى نموذجاً تفسيريًّا ماديًّا حين يتعامل مع بعض الظواهر ، فالواقع مركب والعناصر المادية مكون أساسى فيه. وقد حققت المادية نجااحاتها فى العصر الحديث لأن النموذج المادى عنده مقدرة تفسيرية هائلة إن نظرنا إلى الجانب المادى فى حياة الإنسان.ولكننا لو نظرنا فى الجوانب غير المادية (الأخلاقية والجمالية والروحية)، فإن مقدرته التفسيرية تضعف وتكاد تنعدم ، وتكمن الهرطقة المادية فى أن الفلسفة المادية لا تكتفى بتفسير بعض جوانب الواقع وإنما تصر على تفسير كل الواقع بما فى ذلك الإنسان فى كل جوانب وجوده، من خلال مجموعة موحده من المقولات التفسيرية مستمدة من وجودنا المادى اليومى، ثم تَـــرُد الواقع الطبيعى والإنسانى إلى مبــــدأ نهائى واحد دون الحاجة إلى إدخال مجموعة أخرى من المقولات غير المادية المختلفة عن الأولى وهو مايبسط الواقع ويختزله.
    _____________________________
    (وتعودجاذبية الفلسفات الماديه للسببين التاليين ....يتبع
    وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ {الأنعام}

    ("إن انتشار الكفر في العالم يحمل نصف أوزاره متدينون بغضوا الله إلى خلقه بسوء صنيعهم وسوء كلامهم"))

    ((محمد الغزالي))

  6. #6

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Dec 2010
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    661
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    وتعود جاذبية الفلسفات المادية للسببين التاليين :

    1-المستوى المعرفي( الإبستمولوجي)

    يمكننا أن نقول : أن التفسير المادي للظواهر سهل ، فيمكن الحصول بشكل سريع على المعلومات عن العالم المادي وقياسها ، والترابط المادي بين الظواهر أمر يمكن رصده بشكل موضوعي محسوس ، وحركة المادة نتيجتها مباشرة.
    وتجربة الطفل مع جسده ، وهو أول شيء يدركه ، يشجع على التفسيرات المادية .بل أن عاطفته تجاه أمه تأخذ في بدايتها شكلاً ماديًّا في علاقته مع بثديها ،فحبها له يأخذ شكل إطعامه . وهكذا ، فإن التفسيرات المادية راسخة في التجارب الأولى للإنسان بعد خروجه من الرحم ، ولذا فهو يجد راحة غير عادية فيها إذ لا يضطر إلى التجريد والتجاوز إذ لا مساحات ولا ثنائيات . أما العناصر غير المادية في الواقع (مثل : العقل , الخيال ، السببية غير المباشرة ، الظواهر التي لا يمكن رصدها بشكٍل متواتر ، العواطف التي لا ترتبط بالجسد بشكل مباشر) ، فإن اكتشافها بتطلب إعمال العقل والتجريد ، وهو أمر صعب على الكثير من البشر .


    2-المستوى النفسي (السيكولوجي)

    تحول الفلسفات المادية الإنسان إلى جزء من كلًّ اكبر ، فلا يوجد له هوية أو حدود أو إرادة عم هذا الكل المادي الذي تُرد إليه . وهذا يعنى إنكار الهوية الفردية المستقلة والمسؤولية الخلقية و الاختيار الحر . والواقع أن الامتزاج الكامل بالطبيعة/ المادة هو شكل من أشكال فقدان الوعي والهوية والحدود وهو ما نسميه النزعة الرحمية (و انتصار الموضوع على الذات) ، وهذا هو الإغراء الأساسي الذي يجابه كل البشر ويتهدد إنسانيتهم ، وهو جوهر كل الهرطقات المعادية للإله والإنسان ، ابتداءً بالهرطقة الغنوصية وانتهاءً إلى الهرطقات الحديثة (مثل النزعة الطبيعية).


    *ولكن الفلسفة المادية برغم إغرائها ، تواجه عدة مشاكل :


    1-تدعى الفلسفة المادية أنها ليست أيديولوجية وإنما علم طبيعي ، وهذا يفترض أن الفلسفة المادية قد قامت بحصر كل المتغَّيرات المادية والموضوعية ورصدها في علاقاتها المتشعبة وأثبتت صحة مقولاتها. وهو أمر مستحيل علميًّا.
    كما أن الواجب العلمي يتطلب ، بعد حصر كل المتغيرات والعناصر والأسباب وعلاقتها بعضها ببعض، إقرار غلبة عنصر ما على العناصر الأخرى وإعطاءه أسبقية سببية ،على أن تتم هذه العملية كل مرة ، وهذا أمر مستحيل من الناحية العلمية .ولذا فإن ما يحدث في واقع الأمر ، هو أن الفلسفة المادية تواجه الواقع مسلحة بميتافيزيقا مادية غير واعية ، فهي واعية أو تؤمن بوجود كليات وتعميمات تستند إلى الإيمان بوجود كل مادي ثابت متجاوز للأجزاء له هدف وغاية ، وبوجود عقل إنساني قادر على رصد كل هذا. وهى أطروحات نبيلة،ولكنها ميتافيزيقية. فالثبات والتجاوز والهدف ليس من صفات المادة ، ومقدرات العقل على التعميم والتجاوز من الصعب تفسيرها ماديًا. وهذا ما أدركه نيتشه من البداية، حين بَّين ان الأنطولوجيا الغربية، حتى بعد موت الإله ، أي بعد ظهور العقلانية المادية، احتفظت بظلال الإله على هيئة هذا الإيمان بالكل المادي الثابت المتجاوز ذي الهدف، وحين نادى بإزالة ظلال الإله تماماً والتخلي عن الميتافيزيقا ، التي تعني التخلي عن البحث عن الحقيقة ذاتها ، فالحقيقة تستدعى الثبات والكلية ، وعالماً متجاوزاً لعالمنا المادي، عالم الصيرورة المادية الدائمة والحلول والكمون الكامل. وبعد أن انطلقت الفلسفات المادية من إيمانها الراسخ هذا ، فإنها تعطي أولوية سببية للعناصر المادية (قوانين الحركة ). وفى حالة الإنسان ، تترجم السببية المادية الصلبة المطلقة نفسها إلي تفسير ظاهرة الإنسان في أطار عنصر مادي واحد (ماركس والعنصر الاقتصادي، فوريد والعنصر الجنسي ... إلخ). وغنى عن القول أن من يقوم بالتجريب والرصد ، في الإطار المادي، لا يعيد اختبار مقولاته كل مرة . ولذا فهو يفترض صدقها بشكل دائم ومما يجدر ذكره أن الحقيقة العملية تقريبية.
    وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ {الأنعام}

    ("إن انتشار الكفر في العالم يحمل نصف أوزاره متدينون بغضوا الله إلى خلقه بسوء صنيعهم وسوء كلامهم"))

    ((محمد الغزالي))

  8. #8

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Dec 2010
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    661
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    2- العلم التجريبي محدود ولا يستطيع أن يتعامل مع كل أنواع الخبرات وجوانبها، والطريقة التجريبية ذاتها تقريبية، وهى نتائج تنطبق في المتوسط أي على المجموعات الكبيرة ، وليس على كل مفردة بذاتها .

    3- ظهر الفكر المادي في أحضان الرؤية النيوتنية للكون، وعالم نيوتن عالم محكم مغلق يتسم بالحتمية الميكانيكية. وتفسير العالم ، حسب نيوتن ، يستند إلى ما يلي: آليات الوجود الفيزيائي للذرة (الجزئي) وقوانين الحركة. وانطلاقاً من هذا ، ظهرت الرؤية العلمية المادية التي نادت بأنه لا يمكن الحديث عن تأملات خارج معامل البحث ونتائج التجريب . وقد ظلت هذه الرؤية مسيطرة تماماً حتى نهاية القرن التاسع عشر . ومنذ ذلك ، بدأت الضربات توجه إلى هذا النظام المغلق والسببية الصلبة. وأدَّت نظرية الكم (الكوانتام) و لا تحدد هايزنبرج ونظرية النسبية إلى إضعاف قيمة الافتراضات المادية مثل: الجبرية والسببية ، و مطلقية كون الفضاء والزمان ...إلخ، وقد ظهر أن ثمة وجوداً لا مادياً للطاقة الذرية هو الوجود الموجي. والتعامل مع ظاهرة الضوء أثبت أن الضوء يتصرف في مواضع تجريبية باعتباره مكوناً من جزيئات وحزم ضوئية (فوتونات) ، وأنه في مواضع تجريبية أخرى يتصرف باعتباره مكوناً من موجات (و قد قال أحد علماء الطبيعة متهكماً: فى يوم السبت و الاثنين والأربعاء نُعرَّف الضوء بأنه جزئيات ، ثم يصبح موجات بقية الأسبوع). وقد أوصلتنا النتائج التجريبية إلى صيغة رياضية لما هو مادي بحت في المادة ، وما هو في الوقت ذاته فوق مادي في المادة نفسها (وهو ما يُطلق عليه معادلة دي بروجلى). وهذا ما يعني ببساطة أن لكل كيان مادي موجة مصاحبة له ، وأن تلك الموجة تزيد كلما صغرت كتلة ذلك الكيان ، وهى تظهر بوضوح في الأبعاد المجهرية من ذلك العالم ، أي أن اللامادي موجود فى قلب المادي.


    وقد أسقط العلم الحديث تدريجيًّا فكرة السببية الصلبة القديمة ، ولم يعد يطمح إلى معرفة الكون معرفة كاملة كما كان يطمح علماء القرن التاسع عشر.فبعد مئة عام من التجارب العلمية ، أكتشف الإنسان أنه كلما اكتشف وسيطر على شىء ما ظهرت له آلاف الأشياء الجديدة التى لايعرفها ، ولايمكنه السيرطة عليها ، من ذلك تجربتنا مع الذرة ، هذا الشىء الذى يتحرك دون قانون والذى يصعب رصده ، وكلما رصدناه اكتشفنا عناصر جديده فيه تحيرنا، ثم حطمناه لنؤسس الفردوس الأرضى ، وانتهى بنا الأمر إلى أنه قد يدمرنا وكرتنا الأرضية تماماً وها نحن نمسك بكرة اللهب ، أى العادم النووى والأسلحة النووية التى يمكنها تدمير العالم عشرات المرات، وكأننا بروميثيوس أبله سرق النار من الآلهة ولا يعرف ماذا يفعل بها بعد ذلك ، وبدلاً من الاستفادة من النار فإنها تحرق أصابعه. وقد اكتشفنا مؤخراً أيضاً حدود الحاسوب (الكومبيوتر) وأنه لن يأتى لأحد بالخلاص ، بل أننا بدأنا نكتشف مخاطره على عقل الأطفال الذين يستخدمونه وعلى عيون من يقضون سحابة (أو سواد ) يومهم يتطلعون إلى شاشته . ويقال الشيء نفسه بالنسبة إلى الهندسة الوراثية، فكثير من العلماء (من الذين حققوا أكتشافات فى هذا المجال ) يقفون ضد إجراء التجارب العلمية خوفاً من عواقبها الوخيمة. قد قال أحدهم : أن الأخطاء فى التجارب العلمية فى الماضى، كأن يحدث أنفجار أو ما شابخ ، كانت تتم داخل دورة الطبيعه لا تتحدى قوانينها ، ولهاذ يمكن أن تترك بضع سنوات لتقوم العوامل الطبيعيه بإصلاح ما أفسدت يد الإنسان . بل إن التلوث الإشعاعى قد يستمر لمدة 520 ألف سنة، ولكنه مع هذا يظل داخل الزمان ودورة الطبيعة. أما التجارب فى الهندسة الوراثية فهى قد تأتى بمخلوقات لا يمكن لدورة الطبيعة أن تتعامل معها، فهى مخلوقات تقع خارج نطاق حلقة التطور الطبيعية.
    وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ {الأنعام}

    ("إن انتشار الكفر في العالم يحمل نصف أوزاره متدينون بغضوا الله إلى خلقه بسوء صنيعهم وسوء كلامهم"))

    ((محمد الغزالي))

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Dec 2010
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    661
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    ولعل اكتشاف الثقوب (الثغرات) السوداء في الكون له دلالة علمية ورمزية في الوقت ذاته. فداخل هذه الثقوب تتحطم قوانين علم الطبيعة والأحياء ويتحطم الزمان والمكان ويتم التهام الضوء ( العنصر الثابت في الطبيعة). والثقوب السوداء يمكننا أن نرى أثرها على ما حولها ، ولكننا لا نعرف كنهها تماماً فهي موجودة و أساسية لا يمكن تفسير الظواهر دونها ، ولكنها مع هذا غير خاضعة للتحكم الإنساني ولا نفهم كنهها تماماً . وقد ظهرت مؤخراً نظرية الفوضى (كيوس chaos) وهى ضربة أخرى للعالم المادي المغلق المصمت.

    إن السببية الصلبة المطلقة التي لا يزال يتمسك بها بعض علماء الإنسانيات في القرن العشرين ، خصوصاً في عالمنا العربي ، لم يعد لها سند علمي، فهي نتاج علم القرن التاسع عشر ، الذي أكتشف الجميع كبرياءه الساذج وإدعاءه الأجوف بأن ما هو غير معروف سيتم معرفته ، وأنه في خلال ثلاثين عاماً- كما قال أحد العلماء آنذاك –سيعرف الإنسان كل شيء .ولكن الإله ستر وحمى الإنسان من الاختفاء (كما يبشر الفلاسفة الماديون من البنيويين وفلاسفة ما بعد الحداثة).

    4-أدعت الفلسفة المادية ، في البداية، أن المادي هو ما تدركه الحواس، وأن ما لا تدركه غير مادي وبالتالي غير موجود ولكن الذرات وجزيئاتها لا تُدرَك بالحواس ، وبعضها لا كتلة له ، وحركة الذرة لا تتبع نمطاً محدداً ، والثقوب السوداء تحطم قوانين الزمان والمكان . ومن ثم، أعيد تعريف المادي بأنه كل شيء يوجد وجوداً موضوعياً ، أي إنه الشيء الذي لا يعتمد في وجوده على عقلنا أو وعينا به ( وبهذا المعنى ، فإن الفلسفة المادية لا يمكنها أن تستبعد العناصر الغير مادية إن تجلت موضوعياً في واقعنا )، وهو ما يعود بنا إلى نقطة البداية .

    5- مسألة أزلية المادة أصبحت مسألة مشكوكاً فيها علميًّا . فالمادة تتحول إلى طاقة والطاقة تتحول إلى مادة . وقابليتها للتحول تعنى أن بقاءها في هيئتها المعَّينة كان معتمداً على ظروف خارجة عن ذاتها ، فلما زالت تلك الظروف زالت تلك الهيئة.إذن ، فهي ليست معتمدة في وجودها على نفسها ومن ثم تستحيل أن تكون آلية. وكل ما يتحلل ويتحول فليس بأزلي غير حادث بل هو بالضرورة حادث .فما المادة الأزلية إذن؟ أنها المادة التي لا خصائص لها ولا صفات. وهى مادة لا توجد إلا في الأذهان ، فهي مقولة فلسفية يرى أصحابها أن لها مقدرة تفسيرية عالية.

    6- خلق العالم بالصدفة هو مجرد افتراض وتخمين وليس حقيقة علمية. ومن الاعتراضات المعروفة على هذا الرأي أن تكوين كائن كالإنسان من تلك الذرات بالمصادفة أكثر بُعداً من احتمال قرد يخبط على آلة كاتبة فيخرج لنا بالمصادفة قصيدة رائعة. ولكي نصدق نظرية الخلق بالمصادفة ، لابد أن نؤمن باحتمال أن يلقى إنسان (أو قرد) بالنرد ويحالفه الحظ ويأتي 6/6 ليس مرة واحدة ولا ألف وإنما 44 ألف مرة متتالية. كما أن المصادفة وحدها لا تجدي في تفسير الخلق ، فإن تكوين الكائنات من تلك الذرات الهائمة يعنى أنها كانت مصممة بحيث أنها إذا اجتمعت بهذه الطريقة تكون منها ذهب ، وإذا اجتمعت بتلك الطريقة يتكون منها ماء ، وهكذا. أي أن التصميم يسبق الصدفة.
    وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ {الأنعام}

    ("إن انتشار الكفر في العالم يحمل نصف أوزاره متدينون بغضوا الله إلى خلقه بسوء صنيعهم وسوء كلامهم"))

    ((محمد الغزالي))

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Dec 2010
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    661
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    ويقول على عزت بيجوفيتش : أن تشارلز يوجين جاى ، عالم الطبيعة السويسري ، قد حاول أن يقوم بحساب احتمالية الحلق بالصدفة لُجزيء واحد من البروتين ، فوجد أن خلق مثل هذا الجزء قد يستغرق 34201 بليون سنة تحت ظروف 41015 اهتزازة في الثانية . وتبعاً لذلك ، لا يوجد إمكانية لأن تكون الحياة قد نشأت بالصدفة خلال 4.5 بليون سنة التي يُفترض أنها عمر الأرض.

    وقد أعاد هذا الحساب مانفريد إيجن من معهد ماكس بلانك لكيمياء الطبيعة الحيوية في جوتنجن بألمانيا ، فأثبت أن جميع المياه على كوكبنا ليست كافية لكي تنتج بطريق الصدفة جُزيئاً بروتينًّا واحداً، حتى ولو كان الكون كله مليئاً بمواد كيميائية تتحد بعضها مع بعض بصفة دائمة. فإن البلايين العشرة من السنين منذ نشأة الكون لم تكن كافية لإنتاج أي نوع من البروتين .

    وقال العالم الروسي بلاندين : (( لو أن مليون معمل على الأرض عملت لبضعة ملايين من السنين في تركيب العناصر الكيميائية ، فإن احتمال خلق حياة في أنبوبة اختبار ستكون شيئاً نادراً . وطبقاً لحساب هولدن ، فإن الفرصة هي 1310. هذا هو الأمر بالنسبة إلى التنظيم الذاتي لجُزيء واحد من البروتين الذي إذا قورن بكائن حي فإنه يشبه طوبة في مواجهة مبنى كامل . إن العلم – وخصوصاً بيولوجيا الجُزيئات – قد أستطاع أن يضيق الثغرة الهائلة بين الحياة والمادة الميتة ، ولكن الثغرة الصغيرة بقيت مستحلية العبور . ولا شك في أن الأستحفاف بهذه الثغرة يعدُّ خطأً علميًّا . ومع ذلك ، فهذا هو الموقف الرسمي للمادية)).

    وكيف يمكن تفسير التباين الظاهري التالي: إذا وجدنا في اكتشاف أثري حجرين موضوعين في نظام معين ( أو قُطِعا لغرض معين ) ، فإننا جميعاً نستنتج بالتأكيد أن هذا من عمل إنسان في الزمان القديم ،فإذا وجدنا بالقرب من الحجر جمجمة بشرية أكثر كمالاً وأكثر تعقيداً من الحجر بدرجة لا تُقارن فإن بعضاً منا لن يفكر في أنها من صنع كائن واٍعٍ، بل ينظرون إلى هذه الجمجمة الكاملة أو الهيكل الكامل كأنهما قد نشأ بذاتهما او بالصدفة- هكذا من دون تدخل عقل أو وعى .أليس في إنكار الإنسان لله هوى بيَّن ؟

    أما هؤلاء الذين يرون أن المادة (من خلال الصدفة وحدها ) قد أدَّت إلى ظهور عناصر متجاوزه للمادة مثل الإنسان والوعي والعقل والغائية، فهم في نهاية الأمر ، ينسبون للمادة مقدرات غير مادية ، ومن ثم فإنهم يكونون قد خرجوا من مقاصد الفلسفة المادية، خصوصاً وأن فرضياتهم لا تخرج عن كونها تكهنات عنيدة طفولية تضمن لهم الاستمرار في ماديتهم وتضمن لهم في الوقت ذاته تفسير ما حولهم من تركيب ووعى وغائية (ولعل هذا هو احد أشكال محاولة الإنسان العلماني الوصول إلى ميتافيزيقا دون أعباء أخلاقية، فالإصرار على أسطورة الأصل المادي هو الذي يحميهم من المسؤولية الأخلاقية)!
    وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ {الأنعام}

    ("إن انتشار الكفر في العالم يحمل نصف أوزاره متدينون بغضوا الله إلى خلقه بسوء صنيعهم وسوء كلامهم"))

    ((محمد الغزالي))

  12. #12

    افتراضي


    جزاك الله خيرا ًأخي الحبيب المرسي .......

    يبدو أنك كنت جيدا ًفي مادة (الإملاء) في الدراسة ما شاء الله ...........
    وفقك الله دوما ًإلى ما يُحب ويرضى ..
    ونفعنا وإياك بالعلم النافع ..
    ورزقنا الإخلاص في القول والعمل ..

    آميـــــــن ..


  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Dec 2010
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    661
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    7-لكن التحدي الأكبر للفلسفة المادية هو ظاهرة الإنسان بكل ما فيها من أسرار وتركيبية، والتي أخفق العلم الطبيعي تماماً في إدخالها في قفص السببية الصلبة المطلقة الحديدي.

    وفى إطار الطبيعة /المادة ظهر ما يمكن تسميته بالإنسان الطبيعي أو الإنسان الطبيعي/ المادي . وهو إنسان لا توجد مسافة تفصله عن الطبيعة ، فهو جزء عضوي لا يتجزأ منها ، لا يمكنه تجاوزها ، فضاؤه فضاؤها ، وسقفها هو سقفه، وهذا يعنى أنه يخضع تماماً لقوانينها ، تحرَّكه أينما شاءت ، لا يمكنه الفكاك من حتمياتها. ويمكن تفسيره في أطار مقولات طبيعية /مادية مستمدة من عالم الطبيعة /المادة: وظائفه البيولوجية (الهضم، التناسل، اللذة الحسية) ودوافعه الغريزية المادية( الرغبة في اللقاء المادي، القوة والضعف، الرغبة في الثروة) والمثيرات العصبية المباشرة(بيئته المادية ، غدده ، جهازه الهضمي) فهو تعبير حقيقي عن الطبيعة / المادة، ، جوهره ليس جوهراً إنسانياً وإنما جوهر طبيعي/مادي، فهو لا يختلف بشكل جوهري عن الكائنات الطبيعة الأخرى.

    ونحن نضع في المقابل الإنسان الطبيعي الإنسان الإنسان ، وهو إنسان غير طبيعي/ مادي يحوى داخله عناصر (ربانية) متجاوزة لقوانين الحركة (التي تسرى علي الإنسان والحيوان) ومتجاوزة للنظام الطبيعي/ المادي . هذه العناصر هي التي تشكل جوهر الإنسان والسمة الأساسية لإنسانيته وتفصله عن بقية الكائنات وتميَّزه بوصفه إنساناً .
    وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ {الأنعام}

    ("إن انتشار الكفر في العالم يحمل نصف أوزاره متدينون بغضوا الله إلى خلقه بسوء صنيعهم وسوء كلامهم"))

    ((محمد الغزالي))

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Dec 2010
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    661
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    *-المادية القديمة والمادية الجديدة

    يمكننا التمييز بين نوعين من المادية يرتبطان بمرحلتين تاريخيتين مختلفتين :

    المادية القديمة والمادية الجديدة. والمادية القديمة هي المادية التي تستند إلى العقلانية المادية ، أي الإيمان بأن العالم ((يحوى داخله ما يكفى لتفسيره دون الحاجة إلى وحى أو غيب))، وهذه العبارة تعنى ما يلي:

    1- أن العقل مستقل بذاته ، قادر على التفاعل مع الطبيعة (والواقع الموضوعي) بشكل فعال ، وعلى الوصول إلى القوانين الكامنة في المادة وتجريدها على هيئة قوانين عامة، وأنه يمكنه ، انطلاقا من ذلك ، أن يطور منظومات معرفية وأخلاقية ودلالية وجمالية تهديه في حياته، ويمكنه على أساسها أن يفهم الماضي والحاضر والمستقبل وأن يُرشَّد حاضره وواقعه.

    2- أن الواقع الموضوعي يحوى داخله قوانينه التي يمكن للعقل استيعابها، وهذا الواقع بالتالي ليس مجرد أجزاء غير مترابطة ، وليس مجرد حركة عشوائية, وإنما هو كل متماسك مترابطة أجزاؤه برباط السببية الصلبة، بل والمطلقة، والعقل حينما يدرك الواقع فإنه يدرك هذا الكل المتماسك الثابت المتجاوز للأجزاء المتغيرة، ويدرك أن حركة الأجزاء ليست حركة عشوائية، وإنما هي تعبير عن الكل الثابت المتجاوز، ولذا فعي حركة لها معنى وهدف ، ولها معياريتها ومعقوليتها ، فما يحدث يحدث حسب قانون وليس بالصدفة .

    -والعقلانية المادية تستند إلى افتراضين فلسفيين أساسيين:


    1- العقل القادر على إدراك الكليات .

    2- الكل المادي الثابت المتماسك المتجاوز ذو الغرض.

    فالرؤية العقلانية المادية تستند إلى افتراض وجود عقل مستقل قادر على إدراك ما نسميه الكل المادي الثابت المتجاوز ذا الهدف. فلو أن العقل قادر على الإدراك بمفرده ، دون أن يكون هناك كليات في الواقع ، لأدرك جزئيات ولما أمكنه أن يؤسس منظومات معرفية وأخلاقية عقلانية. والعكس صحيح أيضاً، فلو أن الواقع هو هذا الكل المادي الثابت المتجاوز ذي الغرض ولا يوجد عقل يدركه ، فإنه لا يمكن أن تنشأ منظومات معرفية وأخلاقية عقلانية بمفردها.

    ولكن ظهر داخل المنظومة المادية ذاتها من وجَّه سهام نقده لهذه المادية باعتبارها ميتافيزيقا مادية أو إنسانية ميتافيزيقية أو حتى مثالية مادية. فهم يقولون : ما معنى هذا العقل الكلي القادر على إدراك الكليات؟ ما الفرق بين العقل والدماغ؟ أليس العقل هو مجموعة من الخلايا المادية شأنه شأن كل ما هو مادي؟ لماذا يُنسب للعقل المقدرة على تجاوز الأجزاء والإفلات من قبضة الصيرورة؟ أليس هو ذاته جزءاً من المادة المتغيرة وما ينطبع عليه هو أحاسيس مادية متغيرة وليست ظواهر مترابطة متماسكة لها معنى؟ ولذا فهم يجدون أن المادة المتحركة المتغيرة محايدة لا تتسم بالخير أو بالشر ولا بالقبح أو الجمال. والمنظومات المعرفية والأخلاقية والجمالية التي تدعي المادية، ليس لها أي أساس مادي ، فهي من إفراز عقل إنساني يبحث عن الطمأنينة ويود أن يطبع الثبات على الواقع.

    إن ثنائية الإنسان والطبيعة (وكل الثنائيات الأخرى) داخل الإطار المادي هي تعبير عن ميتافيزيقا التجاوز من خلال المادة ،أو ميتافيزيقا التجاوز التي تدعي المادية ، وهى ليست من المادية في شيء . والكل المادي الثابت المتماسك المتجاوز ذو الغرض هو أيضاً وهم مادي ، فكيف يمكن للكل أن يكون مادياً والمادة أجزاء، وكيف يمكن أن يكون ثابتاً والمادة في حالة حركة وصيرورة، وكيف يمكن أن يكون متجاوزاً والمادة لا تعرف التجاوز ،وكيف يمكن أن يكون ذا غرض خاضع لسببية صلبة ، والمادة حركة بلا هدف ولا غاية؟ إن العقلانية المادية في تصورهم هي شكل من أشكال المرجعية المتجاوزة المادية، وهذا تناقض كامل .بل إن أي حديث عن تجاوز وثبات هو سقوط في ميتافيزيقا التجاوز برغم المادية المعلنة. بل هي إشارة للأصل الإلهي للكون، إذ لا يمكن أن يكون هناك تجاوز للصيرورة إلا بالاستناد إلى نقطة خارج الصيرورة، خارج النظام الطبيعي، أي إن الميتافيزيقا المادية تسقط لتصبح ميتافيزيقا إيمانية شاءت أم أبت.
    التعديل الأخير تم 07-06-2011 الساعة 12:50 PM
    وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ {الأنعام}

    ("إن انتشار الكفر في العالم يحمل نصف أوزاره متدينون بغضوا الله إلى خلقه بسوء صنيعهم وسوء كلامهم"))

    ((محمد الغزالي))

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    الدولة
    الاردن
    المشاركات
    150
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي تكملة الكتاب إن شاء الله

    ولذا , يصر هؤلاء الماديون الجدد ( أصحاب ما نسميه مذهب المادية الجديدة ) على ضرورة الإبتعاد عن أي تجاوز أو أثبات و الخضوع التام للمادية الحقيقية , أي للصيرورة.هذا الخضوع يعني إلغاء الثنائيات و كل الحدود و الكليات و الثوابت والسببية و أي شكل من أشكال الصلابة , و هو يعني أيضاً إنكار الأصل الإلهي , على أن يقبى الإنسان في قبضة الصيرورة و يصبح مركز العالم (كامناً فيه تماماً) لا يتمتع بأي تجاوز ومن ثم هو ليس بمركز , و إلغاء المركز يعني إلغاء الثنائيات :
    ثنائية الذات و الموضوع , و الدال و المدلول , والشكل و المضمون و الخير و الشر , و الوسائل و الغايات , و الإنسان و الطبيعة , و المقدَّس والمدَّنس , و الأزلي والزمني , ولا يبقى سوى المادة المتغيرة المتحركة التي لا هي كلية و لا ثابتة و لا متجاوزة و لا اتجاه لها ولا معنى.

    و في إطار المادية القديمة, كان ثمة بحث دائب عن نظم معرفية وأخلاقية تستند الى أساس مادي راسخ ( تماماَ مثل الميتافيزيقيا الإيمانية التي تستند الى أساس غير مادي راسخ ) , وأما المادية الجديدة فهي ترفض تماماً فكرة الأساس , ففكرة الأساس ذاتها هي جوهر الميتافيزيقيا , و المطلوب الآن هو الارتياط بالصيرورة ورفض الأساس , و التطهر تماماً من أي أثر للميتافيزيقا ,و لكن رفض الأساس لابد أن يكون جذرياً ,لذا لا يضع الماديون الجدد الوجود في مقابل العدم و المطلق في مقابل النسبي ثم يثبتون النسبية العدمية , بل إنهم يحاولون تجاوز هذه الثنائية ذاتها ويبحثون عن الثابت / المتغيَّر و المطلق النسبي ! (الذي يُذكر الإنسان بيهوه إله اليهود باعتباره إله الشعب اليهودي وحده , مطلق ذاتي !) , فهو هنا , دون شك مطلق /نسبي,ثابت/متغير, موضوعي/ذاتي .

    والمادية الجديدة ليست جديدة تماما، فقد أدركها السفطائيون منذ البداية،فقد أكدوا أن العالم في حركة دائمة وأن العقل غير قادر على الوصول إلى الواقع، وأنه لو وصل إليه فلن يمكنه التعامل معه، ولو تعامل معه فلن يمكنه التواصل مع العقول الأخرى، ولو تواصل مع العقول الأخرى فلن يجدي هذا فتيلا، فالواقع الموضوعي ذاته في حركة دائمة ولايخضع لأي قانون، أي إن العلاقة التفاعلية التبادلية بين العقل والطبيعة، التي تشكل أساس المادية القديمة، أساس غير راسخ ومنذ عصر النهضة في الغرب والاستنارة، كان هناك دائما دعاة الاستنارة المظلمة : فكان هناك هوبز ينبه الى الذئب الرابض في الإنسان والماركيز دي صاد الذي ادرك عدم اكتراث الطبيعة بالغائية الانسانية وادرك الصيرورة الكاملة ، فقرر من البداية أن يسقط في قبضتها ويدخل حديقة الحيوان الي رآها هوبز فيعذب الضحايا ويقتلها حتى يدخل على نفسه المتعة الجنسية الحقة!ومع هذا دخلت الفلسفة الغربية مرحلة عقلانية مادية تدور في إطار الكل الثابت المادي المتجاوز حى منتصف القرن التاسع عشر. وحين بدأ شوبنهاور مرحلة السيولة الشاملة ، جعل من الإرادة مطلقة النسبي، ثابة المتغير ثم جاء نيتشه بإرادة القوة وتوالت الثوابت المتغيرة، فهناك برجسون ووثبه الحياة (إيلان فيتال) والفينومنونوجيا وعالم الحياة (ليبنزفيلت)والبنيوية ومفهوم البنية، وكل هذه الفلسفات تقف بشراسة ضد الفلسفة الهيجيلية ومع هذا فإن مطلقها المتغير يشبه في كثير من الوجوه العقل الهيجلي المطلق غير المكتمل الذي يصل إلي كماله في التاريخ داخل الزمان فهو مشروع مستمر يدور حول ثابت متغيرمطلق نسبي لايصل إلى ثباته وإطلاقه الكاملين إلا في نهاية التاريخ.وهنا ظهر دريدا ليكمل مشروع المادية الجديدة فيعلن أن المطلق النسبي الثابت المتغير يسقط هو الاخر في المتافيزيقا إذ إنه ينسب لنفسه التجاوز والثبات ولذا لابد من الإصرار على الصيرورة النسبية والاحتمالية الكاملة وإنكار أي سببية، والإصرار على أسبقية اللغة على الواقع وهو مايعني أن لعب الدوال وراقصها هو الحقيقة الواحدة فيحدث تناثر للمعنى في النص والنصوص ولايبقى شئ سوى الصيرورة الحقة ورقص القلم والقصص الصغرى التي ليس لها معنى عام ويختفي الحق والحقيقة ويصبح من لغو الحديث الإشارة إلى إقامة العدل في الأرض .


    إن المادية الجديدة كامنة في المادية القديمة , و مع هذا فهي تختلف عنها جوهرياً , فالمادية الجديدة ليست ثورة ضد الميتافيزيقيا الإيمانية و حسب , و إنما هي أيضاً ضد الميتافيزيقيا المادية , بكل إيمانها بالثبات و التجاوز و الإنسانية مقدرة العقل على إدراك الواقع و تجريد قوانينه منه , بمعنى أنها ثورة على العقلانية المادية ذاتها.

صفحة 1 من 4 123 ... الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. تعليقات على كتاب (الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان)
    بواسطة الإشراف العام في المنتدى المكتبة
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 07-05-2011, 10:33 PM
  2. أورخان محمد علي: الأدلة العلمية تنقض الفلسفة المادية
    بواسطة رائد الخير في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 03-30-2009, 05:07 AM
  3. الشريط الوراثي (دي إن إيه) ينقض أسس الفلسفة المادية
    بواسطة abd_allah في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 04-28-2008, 12:46 PM
  4. الإلزام الخلقى بين الفلسفة والإسلام
    بواسطة أبو مريم في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 11-09-2007, 09:42 PM
  5. الإلزام الخلقى بين الفلسفة والإسلام
    بواسطة أبو مريم في المنتدى أبو مريم
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 01-14-2005, 03:30 PM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء