هذا حديث عظيم, لو اقتصرنا على طرف منه لأعيانا استخلاص فوائده, فكيف بالحديث كله؟
إنه من الأحاديث التي قال العلماء إن عليها مدار الإسلام.
من فوائده:
- حرص الصحابة رضي الله عنهم على حضور مجالس النبي صلى الله عليه وسلم.
- حرص عمر رضي الله عنه على حفظ العلم, فقد أعطانا صورة متكاملة عما حدث ذلك اليوم, فوصف لنا الصفة التي جاء بها جبريل, وذكر كثيرا من تفاصيل تلك الواقعة العظيمة.
- من آداب طالب العلم حسن الأدب مع معلمه في جلوسه وسؤاله وفي كل أمره.
- ومنها أن يسأل شيخه عما تمس الحاجة إليه.
- يحسن بطالب العلم التأدب عند السؤال, فيقتصد ولا يطيل ولا يجاوز ما يتم به المقصود.
- من فوائد الحديث حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم إذ بين المسائل التي عليها مدار الإسلام بألفاظ قليلة يحفظها العامي ولا يستغني عنها العالم.
- ومنها أن اختصار الكلام لا يعني إهمال تخصيص أو تقييد يحتاجه المتعلم لفهم المسألة, فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وجوب جميع أركان الإسلام ثم قيد الحج بالإستطاعة.
- ومنها أن من أدب العلم تقسيم مسائله وترتيبها حسب حاجة المتعلمين, ولعل العلماء استنبطوا تقسيمهم للعلوم إلى أبواب ومسائل من سنة النبي صلى الله عليه وسلم, كما قد يفهم من هذا الحديث العظيم.
- تعجب الصحابة من تصديق جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم فضلا عن استغرابهم من الهيئة التي دخل عليها يدل على أنهم فهموا أن للسائل شأنا, فتصديقه يوحي بأن لسؤاله غرضا آخر غير الإستفسار.
- يستفاد من الحديث أن الإسلام يشمل أعمال الجوارح وأعمال القلوب ويشمل الترقي في مراتب الإحسان مع ترقب الساعة والعمل لها.
- ويستفاد منه أن طالب العلم ينبغي له أن يسأل عن المهم فالأهم وأن يتعلم حسب منهج قويم يتدرج فيه من صغار العلم إلى كباره.
- يستفاد من ترتيب أركان الإيمان فوائد منها أن الإيمان بالله أعظم تلك الأركان, وإنما تلاه الإيمان بالملائكة لأنهم الواسطة التي يبلغ الله بها رسالاته للناس, فهم رسله إلى النبيئين, ولما كانوا يبلغون كلمات ربهم, وجب على المؤمن أن يؤمن بكتب الله عز وجل, كما ينبغي عليه أن يؤمن بالرسل الذين أنزلت عليهم الكتب, ويؤمن باليوم الآخر الذي هو يوم الجزاء والحساب, كما يجب عليه أن يؤمن بالقدر خيره وشره, ولا إيمان لمن كفر بشيء من ذلك.
- ومن فوائد الحديث أن أعمال الإسلام التي هي أعمال الجوارح لا تنفع صاحبها حتى يحقق الإيمان بأركانه. لكن الإحسان يقتضي أن يبلغ العبد مراتب المراقبة والمشاهدة, وأن يتحقق قرب الله منه واطلاعه على سره وعلانيته والله يحب المحسنين.
- ومنها أن الساعة مما اختص الله بعلمه, فإذا غاب علمها عن أفضل رسل الله من الملائكة ومن البشر, جبريل عليه السلام ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم, فكيف ينطلي على مؤمن كذب من يدعي شيئا من العلم بأمرها.
- ومن فهم هذه المسألة علم ضلال من يحاولون تنزيل أحاديث أشراط الساعة والفتن على وقائع معينة, يبتغون بذلك علم ما حجب الله عن خيرة خلقه, فكل من زعم أنه يتوقع خروج الدجال بعد كذا وكذا, أو ذهاب ماء بحيرة طبرية, أو خروج المهدي, فهو متأل على الله جاهل بجلالة هذا الحديث الذي يقطع تلك الوساوس جميعها حين يقرر النبي صلى الله عليه وسلم:
"ما المسؤول عنها بأعلم من السائل."
- من رحمة الله بهذه الأمة أن بين لنا على لسان رسوله أمارات الساعة, لنستعد لها ولنثبت إذا رأينا شيئا منها. وهذا من خصائص أخبار الغيب في هذا الدين, فالمراد منها العمل والتوكل لا القعود والتواكل, والإستعداد لا العجز. فهو إيمان إيجابي فاعل مؤثر, لا إيمان سلبي خامل, كما توهم بعض المتصوفة فتركوا العمل وتوكلوا على سابقة القدر كما زعموا.
- من علامات الساعة التطاول في البينان وهذا من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم التي تحققت.
- لم يسأل الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم عن السائل رغم تضافر القرائن على أن له شأنا, ولعلهم تهيبوا من ذلك لشدة تعظيمهم لمقامه صلى الله عليه وسلم.
- كما يستفاد منه أيضا العادة النبوية الشريفة في سؤال أصحابه لغرض التعليم إذ قال لعمر: أتدري من السائل؟
- ويستفاد منه أدب الصحابة إذ كثيرا ما كانوا يقولون: الله ورسوله أعلم. ويتأكد هذا الأدب في حقنا. فنقول فيما خفي علينا علمه الله أعلم. فإن كان من أمر الشريعة فلا ضير في أن نقول: "الله ورسوله أعلم" حتى بعد مماته صلى الله عليه وسلم كما سمعت من فتوى بعض الشيوخ.
- ومن فوائد قوله صلى عليه وسلم: "هذا جبريل اتاكم يعلمكم دينكم." أن هاته المسائل التي تضمنها الحديث هي قوام دين الإسلام: فالدين إسلام وإيمان وإحسان وترقب للساعة وعمل لها.
- ومنها أيضا أن العالم قد يسأل عما يعلمه تعليما للسامعين أو تنشيطا لهم على المذاكرة والمدارسة.
- يدل على قدر هذا الحديث نزول جبريل على تلك الصفة العجيبة ليبين هذه المسائل العظيمة التي يجدر بكل مسلم فضلا عن طلبة العلم التفقه فيها.
- ويستفاد من هذا الحديث أن جبريل كان ينزل أحيانا في صورة بشر فيراه الصحابة.
- وفيه رد على جهلة المتصوفة الذين يزعمون أنهم يرون الملائكة يقظة, فلو كان هذا يحصل لغير الأنبياء فلأي معنى كان نزول جبريل في مجلس النبي مع أصحابه في صورة بشر؟
Bookmarks