ذكر الإمام الشاطبي في آخر كتاب: الإفادات والإنشادات:

إفادة وإنشادة
نظم ابن لب في القضاء والقدر للرد على متحير


سئل شيخنا الفقيه الإمام العالم العلم الشهير أبو سعيد بن لب عن مضمون هذه الأبيات،

أيا علماء الدين ذميٌ دينكم ### تحير دلوه بأوضح حجة
إذا ما قضى ربي بكفري بزعمكم ### ولو يرضه مني فما وجه حيلتي؟
قضى بضلالٍ ثم قال ارض بالقضا ### وهل أنا راضٍ بالذي فيه شقوتي
دعاني وسد الباب دوني فهل إلى ### دخولي سبيل بينوا لي قضيتي
إذا شاء ربي الكفر منه مشيئةً ### فهل أنا راضٍ باتباع المشيئة؟
وهل لي اختيار أن أخالف حكمه ### فبالله فاشفوا بالبراهين علتي

وأجاب الأستاذ أجله الله، بعد الحمد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بما نصه

قضى الرب كفر الكافرين ولم يكن ### ليرضاه تكليفاً لدى كل ملة
نهى خلقه عما أراد وقوعه ### وإنفاذه والملك بلغ حجة
فنرضى قضاء الرب حكماً وإنما ### كراهتنا مصروفة للخطيئة
فلا ترض فعلاً قد نهى عنه شرعه ### وسلم لتدبيرٍ وحكم مشيئة
دعا الكل تكليفاً ووفق بعضهم ### فخص بتوفيقٍ وعم بدعوة
فتعصي إذا لم تنتهج طرق شرعه ### وإن كنت تمشي في طريق المشيئة
إليك اختار الكسب والرب خالقٌ ### مريد بتدبير له في الخليقة
وما لم يرده الله ليس بكائن ### تعالى وجل الله رب البرية
فهذا جواب عن مسائل سائلٍ ### جهولٍ ينادي وهو أعمى البصيرة
أيا علماء الدين ذمي دينكم ### تحير دلوه بأوضح حجة


ثم وقّع بعد ذلك ما نصه
هذه الأبيات المكتتبة تضمنت جواب الأبيات الستة المكتوبة فوق هذا. نظم هذه كاتب
هذا فرج بن لب لطف الله تعالى به وغفر له.
فالبيت الأول منها مأخوذ من قوله تعالى "ولو شاء الله ما أشركوا" ولو شاء ربك ما فعلوه"
مع قوله "ولا يرضى لعباده الكفر".
والبيت الثاني مأخوذ من قوله تعالى "قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين" يعني
بالحجة البالغة حجة الملك كما وقع في حديث مسلم حين سأل عمران بن الحصين أبا
الأسود عما قضى على الكافرين من كفرهم أفلا يكون ظلماً؟ فقال أبو الأسود كل شيء
خلق الله وملك يده لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، فقال له عمران أحسنت إنما أردت أن
أحزر عقلك، الحديث.
والبيت الثالث والرابع مأخوذ معناهما من قوله تعالى "إن الله يحكم ما يريد"، "وكره إليكم
الكفر والفسوق والعصيان".
والبيت الخامس مأخوذ من قوله تعالى "والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى
صراط مستقيم" فعم بالدعاء إلى الجنة وخص بالهداية.
السادس، مأخوذ من قوله تعالى "فليحذر الذين يخالفون عن أمره"، مع قوله تعالى "من يشإ
الله، يضلله" "ومن يضلل الله فلا هادي له ونذرهم في طغيانهم يعمهون".
والبيت السابع مأخوذ من قوله تعالى "والله خلقكم وما تعملون".
والبيت الثامن مأخوذ من قوله تعالى "وما تشاؤون إلا أن يشاء الله"، "إن تحرص على
هداهم فإن الله لا يهدي من يضل"، "إنك لا تهدي من أحببت" الآية.
والحمد لله تعالى.