النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: من لطائف كتاب : الهوامل والشوامل.

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Mar 2006
    المشاركات
    1,636
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي من لطائف كتاب : الهوامل والشوامل.

    الكتاب الذي نقتطف منه لطيفة اليوم، هو كتاب الهوامل والشوامل الذي هو عبارة عن سؤالات أبي حيان التوحيدي لأبي مسكويه، رحم الله الجميع وغفر لنا ولهم.

    مسألة طبيعية ما السبب في اشتياق الإنسان إلى ما مضى من عمره ؟

    حتى إنه ليحن حنين الإبل ويبكي بكاء المتململ ويطول فكره بتخيله ما سلف وبهذا المعنى هتف الشاعر فقال‏:‏

    رب يوم بكيت منه فلما ** صرت في غيره بكيت عليه‏.‏

    وقال الآخر‏:‏ وأرجو غدا فإذا ما أتى ** بكيت على أمسه الذاهب‏.‏

    هذا العارض يعترى إن كان الماضي من الزمان في ضيق وحاجة وكرب وشدة وما ذاك كذاك إلا لسر للنفس الإنسان غير شاعر به ولا واجد له إلا إذا طال فحصه وزال نقصه واشتد في طلب تشميره واتصل في اقتباس الحكمة رواحه وبكوره وكانت الكلمة الحسناء أشرف عنده من الجارية العذراء والمعنى المقوم أحب إليه من المال المكوم وعلى قدر عنايته يحظى بشرف الدارين ويتحلى بزينة المحلين‏.‏


    الجواب‏:‏ قال أبو مسكويه - رحمه الله - ليس يشتاق إلى الشباب والصبا إلا أحد رجلين‏:‏ إما فاقد شهواته ولذاته التي سورتها وحدتها وقت الشباب‏.‏

    وإما فاقد صحته في السمع والبصر أو بعض أعضائه التي قوتها ووفورها زمن الصبا وحين الحداثة‏.‏

    والمعنى الأول أكثر ما يتشوق فإن المكتهل والمجتمع ومن بلغ الأشد الذي لا ينكر شيئاً من حواسه - يتشوق إلى الصبا والشيخ لا يعدم من نفسه ورأيه وعقله شيئاً مما كان يجده في شبابه واللهم إلا أن يهرم ويلحقه الخرف فحينئذ لا يذكر بشيء من التشوق ولا يوصف به ولا يحتج برأيه‏.‏

    وههنا سبب ثالث يشوق إلى الصبا وهو أن الأمل حينئذ في البقاء قوي وكأن الإنسان ينتظر أمامه حياة طويلة فكلما مضى منها زمان تيقن أنه من أمده المضروب وعمره المقسوم فاشتاق إلى أن يستأنف به طمعاً في البقاء السرمدي الذي لا سبيل للجسد الفاني إليه‏.‏

    إلا المعنى الأول هو الذي ذهب إليه الشعراء فأكثروا فيه وقد صرحوا به وذكروه في أشعارهم‏.‏

    والمتشوق إلى شهواته صورته عند الحكماء صورة من أعتق فاشتاق إلى الرق أو صورة من أفلت من سباع ضارية كانت مقرونة به فاشتاق إلى معاودتها‏.‏

    وذلك أن الشاب تهيم به قوى الطبيعة عنده الشهوة وعند الغضب حتى تغمر عقله فلا يستشير لبه ولا يكاد يظهر أثر العقل عليه إلا ضعيفاً‏.‏

    فقد بان أن السن التي تضعف فيها قوى الطبيعة حتى يقتدر عليها العقل فيزمها ويجرها ذليلة طائعة غير متأبية ولا هائجة - أفضل الأسنان والرجل الفاضل الصالح لا يشتاق من أشرف أسنانه إلى أخسها‏.‏

    والدليل البين على أن الأمر على ما حكيناه - أن الشاب العفيف الضابط لنفسه القوى على قمع شهواته مسرور بسيرته وإن كان في جهد عظيم ومحكوم له بالفضل مشهود له به عند جميع أهل العقل وأنه إذا كبر وأسن لم يشتق إلى الشباب لأن ضبطه لنفسه وقمعه لشهواته أيسر عليه وأهون‏.‏

    ومن كان فلسفي الطريق شريعي المذهب لم تعرض له هذه العوارض - أعنى التلهف على نيل اللذات والأسف على ما يفوته منها والندم على ما ترك وقصر فيها - بل يعلم أن تلك انفعالات خسيسة تقتضي أفعالاً دنيئة وأن الحكماء - رضى الله عنهم - قد بينوا رذائلها وسطروا الكتب في ذمها وأن الأنبياء - صلوات الله عليهم - قد نهوا عنها وحذروا منها وكتب الله - تعالى وتقدس - ناطقة بجميع ذلك مصدقة له‏.‏

    فأي شوق يحدث للفاضل إلى النقص وللعالم إلى الجهل وللصحيح إلى المرض وإنما تلك أعراض تعرض للجهال الذين غايتهم الانهماك في الطبيعة والحواس وطلب ملاذها الكاذبة لا التماس الصحة ولا بلوغ السعادة ولا تكميل الفضيلة الإنسانية ولا معتبر بهؤلاء ولا التفات إلى أقوالهم وأفعالهم‏.‏
    التعديل الأخير تم 06-29-2011 الساعة 04:56 AM
    {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ}

    وكيف يعرف فرق ما بين حق الذمام وثواب الكفاية من لا يعرف طبقات الحق في مراتبه، ولا يفصل بين طبقات الباطل في منازله‏. [ الجاحظ ]

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Mar 2006
    المشاركات
    1,636
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    مسألة حضرت مجلساً لبعض الرؤساء

    فتدافع الحديث بأهله على جده وهزله فتحدى بعضهم الحاضرين وقال‏:‏ والله ما أدري ما الذي سوغ للفقهاء أن يقول بعضهم في فرج واحد‏:‏ هو حرام ويقول الآخر فيه بعينه‏:‏ هو حلال‏.‏

    والفرج فرج وكذلك المال مال‏.‏

    نعم وكذلك في النفس وما بعدها‏:‏ كلام‏:‏ هذا يوجب قتل هذا وصاحبه يمنع من قتله‏.‏

    ويختلفون هذا الاختلاف الموحش ويتحكمون التحكم القبيح ويتبعون الهوى والشهوة ويتسعون في طريق التأويل‏.‏

    هذا وهم يزعمون أن الله - تعالى - قد بين الأحكام ونصب الأعلام وأفرد الخاص من العام ولم يترك رطباً ولا يابساً إلا أودع كتابه وضمن خطابه‏.‏

    وهذه مسألة ليس يجب أن يكون مكانها في هذه الرسالة لأنها ترد على الفقهاء أو على المتكلمين الناصرين للدين‏.‏

    لكني أحببت أن يكون في هذا الكتاب بعض ما يدل على أصول الشريعة‏.‏

    وإن كان جل ما فيه منزوعاً من الطبيعة ومأخوذاً من علية الفلاسفة وأشياخ التجربة وذوى الفضل من كل جنس ونحلة‏.‏

    وعلى الله - تعالى - بلوغ الإرادة والسلامة من طعن الحسدة‏.‏

    الجواب‏:‏ قال أبو علي مسكويه - رحمه الله‏:‏ أما قول الفقهاء‏:‏ إن الله - تعالى - بين الأحكام ونصب الأعلام ولم يترك رطباً ولا يابساً إلا في كتاب مبين - فكلام في غاية الصدق ونهاية الصحة‏.‏

    وكيف لا يكون كذلك وأنت لا تقدر أن تأتي بحكم لا أصل له من القرآن من تأويل يرجع إليه أو نص ظاهر يقطع عليه ثم لا يخلو مع ذلك من إنباء بغيب وإخبار عما سلف من القرون ومثل لما نوعد به وإشارة إلى ما ننقلب إليه وتنبيه على ما نعمل به من سياسة دنيا ومصلحة فأما الذي سوغ للفقهاء أن يقولوا في شيء واحد إنه حلال وحرام فلأن ذلك الشيء ترك واجتهاد الناس فيه لمصلحة أخرى تتعلق على هذا الوجه بالناس وذاك أن الاجتهاد لا يكون في الأحكام متساوياً أعني أنه لا يؤدي إلى أمر واحد كما يكون ذلك في غير الأحكام من الأمور الواجبة‏.‏
    وبيان هذا أن كل من اجتهد في إصابة الحق في أن الله - تعالى - واحد فطريقه واحد وهو - لا محالة - يجده إذا وفي النظر حقه فإن عدل عن النظر الصحيح ضل وتاه ولم يجد مطلوبه واستحق الإرشاد أو العقوبة إن عاند‏.‏

    وليس كذلك الإجتهاد في الأحكام لأن بعض الأحكام يتغير بحسب الزمان وبحسب العادة وعلى قدر مصالح الناس لأن الأحكام موضوعة على العدل الوضعي‏.‏

    وربما كانت المصلحة اليوم في شيء وغداً في شيء آخر وكانت لزيد مصلحة ولعمر مفسدة‏.‏

    وعلى أن الاجتهاد الذي يجري مجرى التعبد واختيار الطاعة أو لعموم المصلحة في النظر والإجتهاد نفسه لا في الأمر المطلوب - ليس يضر فيه الخطأ بعد أن يقع فيه الإجتهاد موقعه مثال ذلك أن المراد من ضرب الكرة بالصولجان إنما هو الرياضة بالحركة فليس يضر أن يخطىء الكرة ولا ينفع أن يصيبها وإن كان الحكم قد أمر بالضرب والإصابة لأن غرضه كان في ذلك وكذلك إن دفن حكيم في برية دفيناً وقال الناس‏:‏ اطلبوه فمن جده فله كذا‏.‏

    وكان غرضه في ذلك أن يجتهد الناس مقادير اجتهادهم ليكون ذلك الطلب عائداً لهم بمنفعة أخرى غير وجود الدفين‏.‏

    فإنه لا يضر أيضاً في ذلك أن يخطىء الدفين ولا ينفع أن يصيبه‏.‏

    وإنما الفائدة في السعي والطلب وقد حصلت للطائفتين جميعاً‏.‏

    أعني الذين وجدوه والذين لم يجدوه‏.‏

    وأصناف الاجتهادات والنظر الذي يجري هذا المجرى كثيرة فمن ذلك كثير من مسائل العدد والهندسة وسائر الموضوعات ليس غرض الحكماء فيها وجود الغرض الأقصى من استخراج ثمرتها وإنما مرادهم أن ترتاض النفس بالنظر وتتعود الصبر على الروية والفكر إذا جريا على منهاج صحيح ولتصير النفس ذات ملكة وقنية للفكر الطويل ومفارقة الحواس والأمور الجسمية فإذا حصلت هذه الفائدة فقد وجد الغرض الأقصى من النظر‏.‏

    فما كان من الشرع متروكاً غير مبين فهو ما جرى منه هذا المجرى وكان الغرض فيه والمصلحة منه حصول النظر والاجتهاد حسب‏.‏

    ثم ما أدى إليه الاختلاف كله صواب وكله حكمة‏.‏

    وليس ينبغي أن يتعجب الإنسان من الشيء الواحد أن يكون حلالاً بحسب النظر الشافعي وحراماً بحسب نظر مالك وأبي حنيفة فإن الحلال والحرام في الأحكام والأمور الشرعية ليس يجري مجرى الضدين أو المتناقضين في الأمور الطبيعية وما جرى مجراها لأن تلك لا يستحيل أن يكون الشيء الواحد منها حلالاً وحراماً بحسب حالين أو شخصين أو على ما ضربنا له المثل من ضرب الكرة بالصولجان ووجود دفين الحكيم على الوجه الذي اقتصصناه‏.‏

    وإذا كان الأمر كذلك فينبغي للعاقل إذا نظر في شيء من أحكام الشرع وكان صاحب اجتهاد له أن ينظر - أعني أنه يكون عالماً بالقرآن وأحكامه وبالأخبار الصحيحة والسنن المروية والاجتماعات الصحيحة - أن يجتهد في النظر ثم يعمل بجسب اجتهاده ذلك‏.‏

    ولغيره إذا كان في مثل مرتبته من المعرفة أن يجتهد ويعمل بما يؤديه إليه اجتهاده وإن كان مخالفاً للأول واثقاً بأن اجتهاده هو المطلوب منه ولا ضرر في الخلاف اللهم إلا أن يكون ذلك الأمر المنظور فيه من غير هذا الضرب الذي حكيناه وضربنا له الأمثال‏.‏

    مثل الأصول التي غاية النظر فيها هو إصابة الحق لا غير فإن هذا مطلب آخر وله نظر لا بد أن يؤدي إليه‏.‏

    وكما أن الرياضة المطلوبة بصرب الصولجان وإصابة الكرة إنما كانت لأجل الصحة ثم لم يضر بعد حصول الرياضة التي حصلت بها الصحة كيف جرى الأمر في الكرة‏:‏ أصبناها أم أخطأناها فكذلك الحال في الوجه الآخر‏.‏

    أعني الذي لا بد من إصابة الحق فيه بعينه فإن مثله مثل الفصد الذي لا بد في طلب الصحة من إصابته بعينه وإخراج الدم دون غيره ولا ينفع منه شيء غيره‏.‏

    وإذا حصلت هذين الطريقين من النظر وأعطيتهما قسطهما من التمييز لم يعرض لك العجب فيما حكيته من مسألتك وخرج لك الجواب عنها صحيحاً إن شاء الله‏.‏
    التعديل الأخير تم 06-29-2011 الساعة 07:56 AM
    {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ}

    وكيف يعرف فرق ما بين حق الذمام وثواب الكفاية من لا يعرف طبقات الحق في مراتبه، ولا يفصل بين طبقات الباطل في منازله‏. [ الجاحظ ]

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Mar 2006
    المشاركات
    1,636
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    مسألة لم إذا عرفت العامة حال الملك في إيثار اللذة وانهماكه على الشهوة

    واسترساله في هوى النفس استهانت به وإن كان سفاكاً للدماء قتالاً للنفوس ظلوماً للناس مزيلاً للنعم وإذا عرفت منه العقل والفضل والجد هابته وجمعت أطرافها منه ما شهادة الحال في هذه المسألة فإن جوابها يشرح علماً فوق قدر المسألة‏.‏

    الجواب‏:‏ قال أبو علي مسكويه - رحمه الله‏:‏ إن الملك هو صناعة مقومة للمدنية حاملة للناس على مصالحهم من شرائعهم وسياساتهم بالإيثار وبالإكراه وحافظة لمراتب الناس ومعايشهم لتجري على أفضل ما يمكن أن تجري عليه‏.‏

    وإذا كانت هذه الصناعة في هذه الرتبة من العلو فينبغي أن يكون صاحبها مقتنياً للفضائل كلها في نفسه فإن من لم يقوم نفسه لم يقوم غيره فإذا تهرب في نفسه بحصول الفضائل له أمكن أن يهذب غيره‏.‏

    وحصول فضائل النفس يكون أولاً بالعفة التي هي تقويم القوة الشهوية حتى لا تنازع إلى ما لا ينبغي وتكون حركتها إلى ما يجب وكما يجب وعلى الحال التي تجب‏.‏

    وثانياً تقويم القوة الغضبية حتى تعتدل هذه القوة أيضاً في حركتها فيستعملها كما ينبغي وعلى من ينبغي وفي الحال التي تنبغي ويعدلها في طلب الكرامة واحتمال الأذى والصبر على الهوان بوجه وجه والنزاع إلى الكرامة على القدر الذي ينبغي وعلى الشرائط التي وصفت في كتب الأخلاق‏.‏

    وإذا اعتدلت هاتان القوتان في الإنسان فكانت حركتهما على ما يجب معتدلة من غير إفراط ولا تقصير - حصلت له العدالة التي هي ثمرة الفضائل كلها‏.‏

    وبحصول هذه الفضائل تقوى النفس الناطقة وتستمر للإنسان الصورة الكمالية التي يستحق بها أن يكون سائس مدينة أو مدير بلد‏.‏

    ومتى لم تحصل هذه له فينبغي أن يكون مسوساً بغيره مدبراً بمن يقومه ويعدله‏.‏

    فأي شيء أقبح من عكس هذه الحال وإجرائها على غير وجهها وطباع الإنسانية تأبى الاعوجاج في الأمور فكيف الانتكاس وقلب الأشياء عن جهاتها فأما قولك‏:‏ وإن كان الملك ذا بطش شديد وعسف كثير بسفك الدماء وانتهاك الحرم فهذه حال تنقصه من شروط الملك ولا تزيد فيه وهو بأن يسقط من عين رعيته أقرب إذ كانت شريطة الملك أن يستعمل هذه الأشياء على ما ينبغي وعلى جميع الشرائط التي قدمت‏.‏

    وهل هذا إلا مثل طبيب يدعى أنه يبرى من جميع العلل ويتضمن بسلامة الأبدان على اختلاف أمزجتها وحفظها على اعتدالاتها ثم إذا نظر يوجد مسقاماً مختلف المزاج بسوء التدبير‏.‏

    ولما سئل وتصفحت حاله جد من سوء البصيرة وفساد التدبير لنفسه بحيث لا ينتظر منه إصلاح مزاج بدنه فكيف لا يعرض من مثل هذا الضحك والاستهزاء وكيف لا يستهين به من ليس بطبيب ولا يدعى هذه الصناعة إلا أنه على سيرة جميلة في بدنه وسياسة صالحة لنفسه فإن اتفق لهذا المدعي أن يتغلب ويتسلط ويستدعي من الناس أن يتدبروا بتدبيره فكيف لا يزداد الناس من النفور عنه والضحك منه فهذا مثل صحيح مطابق للمثل به‏.‏

    فينبغي أن ينظر فيه فإنه كاف فيما سألت عنه إن شاء الله‏.‏

    ويحرك رأسه وربما قام وجال ورقص ونعر صرخ وربما عدا وهام‏.‏

    وليس هكذا من يخاف فإنه يقشعر ويتقبض ويواري شخصه ويغيب أثره ويخفض صوته ويقل حديثه‏.‏

    الجواب‏:‏ قال أبو علي مسكويه - رحمه الله‏:‏ هذه المسألة قد تقدم الجواب عنها كلامنا في سبب السرور والغم حيث قلنا‏:‏ إن النفس عند السرور تبسط الدم في العروق إلى ظاهر البدن وإنها عند الغم تحصره وبانحصار الحرارة إلى عمق البدن وإلى منشئها من القلب ما يكثر هناك البخار الدخاني ويبرزه إلى ظاهر البدن واشتقاق اسم الغم يدل على معناه لأن القلب يلحقه ما يلحق الشيء الحار إذا غم فيمنع ذلك الحرارة من الانتشار والظهور إلى سطح البدن ولذلك يتنفس الإنسان عند الغم تنفساً شديداً كثيراً لحاجة القلب إلى هواء يخرج عنه الفضلة الدخانية التي فيه ويجلب له هواء آخر صافياً ينمي الحرارة ويروحها كالحال في النار التي من خارج‏.‏

    وهاتان الحالتان متلازمتان أعني مزاج القلب وحركة النفس وذلك أنه عرض للنفس انقباض غارت الحرارة من أقطار البدن إلى عمقه‏.‏

    وإن اتفق لمزاج البدن غؤور من الحرارة وانحصار إلى ناحية القلب انقبضت النفس لأن أحدهما ملازم للآخر تابع له ولهذا ظن قوم أن النفس مزاج ما وظن آخرون أنها حال تابعة لمزاج البدن‏.‏

    والخمر وما يجري مجراها من الأشربة والأدوية التي تبسط الحرارة بلطفها وتنميها وتنشرها إلى ظاهر البدن - يعرض منها السرور والطرب والأدوية التي تبرد البدن وتقبض الحرارة يعرض منها ضد ذلك‏.‏

    والمزاج السودوي معه - أبداً - الغم والمزاج الدموي معه - أبداً - السرور‏.‏

    وكما أن الأدوية والأغذية يعرض منها للمزاج هذا العارض وتتبعه حركة النفس فكذلك الحديث والألحان وصوت الآلات من الأوتار والمزامير - تحرك النفس أيضاً ويتبع ذلك حركة مزاج البدن لإتصال المزاج بالنفس‏.‏

    ولأنهما متلازمان يؤثر أحدهما في الآخر ويتبع فعل أحدهما فعل الآخر‏.‏
    {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ}

    وكيف يعرف فرق ما بين حق الذمام وثواب الكفاية من لا يعرف طبقات الحق في مراتبه، ولا يفصل بين طبقات الباطل في منازله‏. [ الجاحظ ]

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. من لطائف بلاغة القرآن: ابشروا فلن يغلب عسر يسرين
    بواسطة أبو يحيى الموحد في المنتدى قسم الحوار العام
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 01-11-2012, 11:48 PM
  2. من لطائف التفسير: ما غرك بربك الكريم!!
    بواسطة نور الدين الدمشقي في المنتدى قسم الحوار عن الإسلام
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 03-21-2011, 04:24 AM
  3. من لطائف ودرر السلسلة الصحيحة؛ ما روى الإمام الألباني عن نفسه -رحمه ال
    بواسطة سليلة الغرباء في المنتدى قسم الحوار العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 03-19-2011, 08:47 AM
  4. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 08-24-2009, 03:40 PM
  5. لطائف ذهبية من بصائر ذوي التمييز
    بواسطة فخر الدين المناظر في المنتدى قسم الحوار عن الإسلام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 11-03-2008, 11:14 PM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء