فإِنْ قيل: فمادام الحجاب ليس خاصًّا بالإسلام والمسلمين فقط، فما هو الجديد الذي قدَّمه الإسلام للمرأة؟
هكذا سأل بعضهم هذا السؤال.
والجواب عليه: أن ثمة فرق شاسع بين قضية الحجاب بكل أبعادها... وبين قضية تكريم المرأة.. أو ماذا قدَّمَ لها الإسلام؟
فالثانية منهما أشمل وأعم من الأولى.
فالحجاب هو أحد الشرائع والوسائل التي أقرَّها وطوَّرها ووضع لها الضمانات الكافية لتكون أداةً فاعلة لتصل مع غيرها من تدابير ووسائل إلى مرحلة ((تكريم المرأة)).
وهذا ما لم يفهمه الكثيرون ممن تكلموا عن هذه المسألة من غير المسلمين!
فالحجاب وحده ليس كل ما شرعه الإسلام لتكريم المرأة... ولكنه ركن من أركان منظومة شاملة وعامة للوصول إلى ((تكريم المرأة وصيانتها)).
ولذلك فنحن نرى أن الإسلام قد شرع الحجاب وحثَّ عليه... ثم هو في الوقت نفسه يضع تدابيرًا أخرى ووصاية خاصة بالمرأةِ في العناية بها وبتعليمها ... وإطلاق يدها في مالها الخاص تتصرف فيه كيف شاءت بلا قيود من بني البشر... أو إهدار لحريتها واختياراتها... إلى آخر التدابير التي تصب جميعها مع الحجاب في مصبٍّ واحدٍ هو ((تكريم المرأة)).
وهذا ما لم يفهمه الكثيرون ممن تكلموا عن هذه المسألة من غير المسلمين!
فالمرأة في الإسلام لها حقوقها الواجبة لها... وعليها واجباتها الملزمة بأدائها... وليست سارحة على وجهها لا تعرف لها وجهة كما هي الآن في الغرب!
غير أنه من المناسب أن يتذكَّر القارئ معنا الآن ما كانت عليه بلاد العرب قبل الإسلام من قتل البنات لسببٍ أو لآخر... وقد أشار القرآن الكريم إلى ما يحصل لأحدهم من الاسمئزاز إذا بُشِّر بالأنثى.. كما أشار سبحانه وتعالى إلى عادتهم في قتل أولادهم.
يقول سبحانه وتعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَداًّ وَهُوَ كَظِيمٌ} [النحل: 58].
ويقول سبحانه وتعالى: {وَإِذَا المَوْءُودَةُ سُئِلَتْ . بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير: 9].
غير أننا نلمح على الجانب الآخر في أمم الأرض من يختلف في المرأة: هل لها روح أم لا؟ كما حصل في أكثر من مجمع كنسي عبر التاريخ!!
فهل بعد هذا من إهانةٍ للمرأة؟!
ولا زال يترد في أسماعنا ما ذكرتُه قبل قليل حيث يقابلنا في موضع من العهد الجديد حين نقرأ في (( رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس)):
((34لِتَصْمُتْ النِّسَاءُ فِي الْكَنَائِسِ، فَلَيْسَ مَسْمُوحاً لَهُنَّ أَنْ يَتَكَلَّمْنَ، بَلْ عَلَيْهِنَّ أَنْ يَكُنَّ خَاضِعَاتٍ، عَلَى حَدِّ ما تُوصِي بِهِ الشَّرِيعَةُ أَيْضاً. 35وَلَكِنْ، إِذَا رَغِبْنَ فِي تَعَلُّمِ شَيْءٍ مَا، فَلْيَسْأَلْنَ أَزْوَاجَهُنَّ فِي الْبَيْتِ، لأَنَّهُ عَارٌ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَتَكَلَّمَ فِي الْجَمَاعَةِ)).
فليس مسموحًا في تعاليم النصارى التي كتبوها أن تتكلم المرأة وتسأل وتتعلم! والسبيل الوحيد لها إذا هي أرادت أن تتعلم هو زوجها.... حتى ولو كان جاهلاً أو ليس متعلمًا.
وقل لي أنت كيف سيعلم الجاهل من هو أجهل منه؟!!
ولعله لهذا الخلل والتضارب بين الطبيعة الإنسانية وبين هذه السرحات القسيسية التي سرحوها حين كتبوا بأيديهم ما كتبوا.. وحرفوا ما حرفوا... لعله لهذا ثارت الطبيعة الإنسانية على السرحات المذكورة... حتى جَنَتْ أوروبا طابورًا طويلا عُرِفَ فيما بعد باسم: الخارجين على الكنيسة...وصار المبدأ السائد: دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله!
ومن هنا نشأت العلمانية والتي تعني في الترجمة الصحيحة لها: ((لا مقدس... لا ديني)).... إلخ.
وتلك إشكاليةٌ لابد منها حين يتخلى الإنسان عن أصله الذي بداخله.... وروحه التي تناديه من بين جنبيه لهتدي إلى ربه .... فيأبى ويجحد نداء الروح... فيقع فريسة سهلة لصراعٍ طويل... ربما أودى به إلى الانتحار تارةً أو التيه في الدنيا تاراتٍ... كما هو واقعٌ مشاهدٌ الآن في الغرب!
وسيأتي التفصيل في هذه المسألة إن شاء الله عز وجل فيما بعدُ بأكثر من هذا بإذن الله عز وجل.
وتحيا اللادينية العربية نفس ما يحياه الغرب لإيمانها به.... فنحن نرى أنها ترى في (الحل العلماني) نجاة للعرب جميعًا... وأنه يصلح أن يكون بديلا عن (الحل الإسلامي) ... كما نرى أن اللادينية تعتبر النموذج الغربي مثالا حيًّا للعلمانية... وعلينا أن نستورده لبلادنا مع بعض التعديلات الخفيفة التي لا تمس أصله كحل علماني.
تطيل العلمانية في الدفاع عن (حلها العلماني) و(أنموذجها الغربي) ثم تأتي اللادينية فتقول عن الحجاب في مقالها الآثم في إحدى عباراتها:
((اذا فالحجاب في أصله تشريع ذو مضمون طبقي))!
وللقارئ أن يسأل اللادينية هنا: إذا كان الحجاب ليس تشريعًا خاصًّا بالإسلام وفقط... بل هو موجود أيضًا لدى غيره من الأمم... وسبق نقل الإشارة إليه في كتب أهل الكتب (ومنهم الغرب اليهودي والنصراني بطبيعة الحال) فللقارئ أن يسأل: إذا كان الحجاب موجودًا في كتب أهل الكتاب وتشريعاتهم الكنسية ... ولا زالت الراهبات يلتزمن ببقاياه في لباسهن كما يرى الناس في زماننا هذا.... فهذا يعني أن المضمون الطبقي للحجاب (حسبما ترى اللادينية) موجودٌ لدى الغرب أيضًا.
وبطبيعة الحال: إذا كان الغرب ذا مضمون طبقي في بعض تشريعاته... وكان هو الأنموذج لتطبيق الحل العلماني... فإنه سيصبح حلاًّ مرفوضًا رفضًا تامًّا لقيامه على المضامين الطبقية ولو في بعض تشريعاته كما نرى!!
أما إذا دافعت اللادينية عن حلها العلماني وأنموذجها الغربي ونفت عنهما تهمة المضمون الطبقي.... فإنه لن يعُد أمامها حينئذٍ سوى أن تسحب اتهامها للحجاب بالطبقية... وتعتذر له من جهةٍ... ثم تعتذر للمسلمين الذين خصتهم بالإهانة دون سائر الأمم المشتركة معهم في شعيرة الحجاب.
وللقارئ أن يستبنط من هذا المثال أمثلة لا حصر لها على تضارب اللادينية مع نفسها ومع طبيعة الإنسان وحاجاته!
وسيأتي الجواب فيما بعدُ إن شاء الله عز وجل عن كثيرٍ من الإشكالات في كلام اللادينية حول هذه المسألة وغيرها.
وبهذا أكتفي الآن.
والله من وراء القصد.
Bookmarks