النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: لماذا يكره الناس السياسيين؟

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jul 2010
    المشاركات
    2,207
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    5

    افتراضي لماذا يكره الناس السياسيين؟

    مقال لأستاذي الدكتور محمد وقيع الله حفظه الله:

    لماذا يختلف الناس اختلافًا جذريًا في النظر إلى السياسة؟! ولماذا يخالفون في اتخاذ مواقفهم منها، ومن ممارسيها، ومدرسيها، على السواء؟!
    الإجابة المبدئية تقول إن السبب كامن في أن البعض ينظر إلى واقع الممارسات السياسية في الحياة، ويستخرج أحكامه التعميمية والتفصيلية منها.
    هذا بينما ينظر البعض الآخر إلى نظريات السياسة، وغاياتها الكبرى، ويستنبط تصوراته العامة منها.
    ازدراء السياسة
    والعمل السياسي هو اكثر نشاط انساني يتسم بالإثارة، ويحتشد بالآثار البعيدة المدى.
    ولذا يرمقه الناس باهتمام شديد. والمناصب السياسية هي أشد المناصب إغراء. ولذا يتنافس الناس فيها باستماتة منقطعة النظير. وفي غمار العمل السياسي تهدر أكثر المثل التي يرعاها الناس ويقدسونها، ولذا ينظر البعض إلى ممارسات العمل السياسي بمنتهى الاحتقار. ودعنا ننظر بدل الإجمال إلى بعض الأمثال، ثم نُخضعها للتحليل الموازن.
    ولنبدأ بالمتشائمين المتقززين من ممارسات العمل السياسي.وهؤلاء اختلقوا أبشع التعريفات وأشدها استهزاء وسخرية وامتهانًا للسياسة والسياسيين.
    وسخروا حتى من تصريفات الكلمة اللغوية وتعوذوا منها.
    ما دخلت في شيء إلا أفسدته، كما شاع من مقولة الإمام الأكبر محمد عبده رضوان الله تعالى عليه.
    إذ قال: قاتل الله السياسة إنها ما دخلت في شيء الا أفسدته.
    فإن شئت أن تقول إن السياسة تضطهد الفكر أو العلم أو الدين فأنا معك من الشاهدين.
    أعوذ بالله من السياسة، ومن لفظ السياسة، ومن معنى السياسة.
    ومن كل حرف يلفظ من معنى السياسة، ومن كل خيال يخطر ببالي من السياسة. ومن كل أرض تذكر فيها السياسة. ومن كل شخص يتكلم أو يتعلم، أو يجن أو يعقل في السياسة. ومن ساس ويسوس وسائس ومسوس!
    حقائق الوهم:
    ولا ريب أن مما نفر الإمام الحصيف محمد عبده عن العمل السياسي هو حسه الإنساني المرهف.
    فقد كان، رحمه الله، يحس ـ كما قال ـ في روحه أنفاس القديسين.
    ولا غرو فملهمه هو سيدنا جمال الدين!
    ولكن لما خاض محمد عبده معامع السياسة على خطى أستاذه العظيم تأذت روحه السامية، وتمزقت في الصراع الضاري داخل مؤسسة السياسة، التي رآها تتخصص في إنتاج الكراهية، وضخ الحقد، والتغافل عن حاجات الناس الحقيقية التي يطلبون من السياسيين تحقيقها.
    فالسياسة العملية، كما رآها محمد عبده، هي تلك التي عبّر عنها المؤرخ والصحفي الأمريكي هنري آدمز على أنها: عملية تجاهل الحقائق الموضوعية والسعي لإنتاج حقائق أخرى من قبيل الوهم!
    ولما كان الإمام الأعظم محمد عبده يحسب عمره الغالي بالثواني، وكل ثانية من عمره الشريف كانت تساوي عمر شخص بالكامل.
    ولما كان هذا الإمام يتبع منهج «ديكارت» في التحقيق والتدقيق في كل شأن من شؤون الحياة الدنيا وشأن السياسة بالذات.
    لذلك سحب نفسه بالكلية عن السياسة إلى مجال عملي أجدى منها بكثير ـ كما رآه ـ وهو مجال التعليم.
    فالتعليم الطيب هو إضافة طيبة إلى روح الإنسان وتنمية لها.
    هذا بينما رأى الإمام في السياسة عملية استلاب كبرى للذات!
    غاية السياسة هي إخضاع الناس
    وفي هذا المنحى كان العلامة السياسي جاك آفيرى يقرر بأن غاية العمل السياسي هي إخضاع الناس.
    وقال إن ذلك يتم عادة عن طريق الحرب.
    فالسياسة كما قال القائد السياسي الأسطوري ماوتسي تونج هي: الحرب التي لا تُسفك فيها الدماء.
    فهي الحرب اللطيفة الناعمة التي تعتمد على الذكاء والدهاء.
    وكما ذكر أوسكار أميرنجر فإن السياسة هي الفن السلوكي اللبق الذي يقوم على جلب أصوات المواطنين الفقراء، وجلب التمويل للحملات الانتخابية من المواطنين الأغنياء، مع وعد الفقراء بحمايتهم من الأغنياء، ووعد الأغنياء بحمايتهم من الفقراء، واستقطاب كل طرف منهم وتأليبه ضد الآخر!
    طموحات القوة:
    وهكذا عزفت تطهرية الإمام محمد عبده عن الانغماس في المحيط السياسي، لأنه كما رآه محيط تحكمه الطموحات وأقدار القوة، لا قواعد الأخلاق والقانون. وهكذا رأى في تسمية السياسة كما رأى من بعده إيلي غيلبرستون تسمية الدلع لقانون الغاب!
    أوالتجارة المتوحشة التي يخسر فيها التجار الورعون! كما ذكر اللورد غولدين.
    أو الفساد الذي يدمغ كل من يتعرض له! كما أفاد جيمس كوبر. أو ساحة صراع المصالح كما رأى وارين جولدبيرج. أو النشاط الذي يتعين فيه على المرء ان يحدد خياره فيه بين شرين اثنين، كل منهما شر من الآخر! كما تصور جون مورلي. أو المهنة التي لايمكن أن تكون فيها صادقًا مع جميع أصدقائك في كل الأحوال! كما قال مايكل باترين.
    التوتر والانقطاع عن عالم القيم
    إن الكثيرين من الشانئين على السياسة كانوا يتصورونها صراعًا وتوترًا وانقطاعًا عن عالم الحقائق والقيم.
    فما لم تكن هنالك حالة طوارئ معلنة، فليس ثمة سياسة، ولا حاجة الى سياسيين.
    وبما أن السياسة هي التوتر البالغ، فبالتالي لا علاج يُرتجي من هؤلاء الأطباء المتوترين.
    ويسوء حال هؤلاء الأطباء أكثر وأكثر عندما لا يلتزمون بقسم أبوقراط، فهم ليسوا معالجين إذن وانما تجار غُنم عاجل لا غير!!
    ثاني أقدم مهن التاريخ
    وقد كان الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان في أشد لحظات تألقه الفكاهي والخطابي الخلاب عندما ذكر بأنه قد صرح في مرة سابقة بأن السياسة هي ثاني أقدم مهنة في التاريخ!
    وأضاف قائلاً إنه قد نسي حينها أن يذكر بأن مهنة السياسة تشارك المهنة الأولى أشنع صفاتها وخصائصها!!





    جاءت مأساة علم السياسة الحديث من أنه أصبح أشد ولاءً للسياسة من السياسيين الممارسين.
    فإذا كان رونالد ريجان قد اعترف في لحظات تفوقه ونقائه الروحي بشناعة مهنته، فإن إسداء مثل ذلك الاعتراف ممنوع بلغة العلم السياسي.
    فالحديث بلغة الأخلاق في مجال علم السياسة حديث مضحك يجلب على صاحبه السخرية والاتهام بضعف المعرفة وعدم التضلع في العلم.
    والأسوأ من ذلك فإن نزع ذلك العلم عن مجال الدين والقداسة والبداهة والذوق والبصيرة قد أبعد السياسة عن الحكمة الى حد بعيد. مأساة علم السياسة الحديث
    إن الحكمة قد يكتسبها المرء بتجرده وتبصره حتى وإن لم يكن على تعمق في البحث والدرس.
    وفي المقابل فقد ينطوي المرء على الخبث والرعونة، ويزداد منهما بقدر ما يزداد من العلم.
    لذا فإن السياسي «الحكيم» هو أفضل دوماً من السياسي «العالم» بلا حكمة ولا تبصر ولا خلق!
    وهنا نقترب رويداً من لفظ «السياسة» العربي.
    وهو غير لفظ السياسة الدارج والمترجم عن كلمة (politics) في اللغة الانجليزية ومرادفاتها في اللغات الغربية. فالسياسة في اللغة العربية هي مصدر الفعل «ساس»، «يسوس»، أي تعهد الشيء بما يصلحه، وذلك عن طريق القيادة والتدبير الهادي الحصيف. فالسياسي في اللغة العربية «الأصلية» هو الإنسان الحكيم الثاقب. وهذا المعنى كما ترى غير ما تعنيه الكلمة «المترجمة» حيث تعني الدهاء والتقلب اللاأخلاقي في صراع القوة الذي لا يرحم. ولعل أفضل تعريف لكلمة «السياسة» بهذا المعنى الأصلي، هو تعريف الإمام أبو البقاء الحسيني الكفوي، صاحب كتاب «لكليات»، الذي يذكر أن السياسة معناها: استصلاح الخلق بإرشادهم إلى الطريق المنجي، في العاجل والآجل، وتدبير المعاش مع العموم، على سنن العدل والاستقامة.
    وهو معنى قريب من التعريف التراثي الآخر القائل بأن السياسة هي: ما كان به الناس أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد. أي هي عملية الإصلاح «الحكيم» لشؤون الناس. وهي عملية فن الحكم وفن إدارة الشؤون العامة إذا استخدمنا التعبير الحديث. لقد أصبحت السياسة (politics) في الغرب علماً، ولكنها لم تكسب الناس معنى الحكمة الذي ينطوي عليه معناها العربي.
    ولعله أمر ذو مغزى أن نلاحظ أن الذين أنشأوا علم السياسة الحديث تسعون بالمائة منهم أمريكيون.
    وستون بالمائة من هؤلاء الأمريكيين الذين أنشأوا علم السياسة علماء يهود. وهؤلاء هم الذين أفسدوا أوليات هذا العلم إفساداً مريعاً. حيث استنتجوا من ممارسات السياسة الفاسدة قواعد هذا العلم. وبذلك أبعدوا هذا العلم عن الفلسفة والأخلاق والمعايير والمثل والقيم.
    زاعمين أنهم علماء تجريبيون يهمهم تقدير الواقع على علاته (What is) لا ما ينبغي أن يكون عليه الواقع (What ought to be)!.
    ومنكرين أن العلم السياسي والممارسة السياسية كذلك، يمكن أن يشملا الجانبين معا: الواقع المرئي، وما يجب أن يكون عليه هذا الواقع.
    وقد ضيَّق هؤلاء العلماء غير الأفاضل واسعاً باقتصارهم على الجانب الأول وحده.
    وأعطوا بذلك مشروعية لأهل السياسة في ممارساتهم اللا أخلاقية. بحيث تعتمد كما هي رغم بعدها عن الأخلاق، ولا ينبري لتقويمها ناقد، معتمداً على موازين ومعايير الفلسفة والأخلاق والأعراف والأديان.
    وجلب هؤلاء العلماء بذلك على مجال السياسة كل الانتقادات البشعة السالفة، وهي غيض من فيض زاخر بالتهكمات والسخريات.
    العزوف عن التصويت: ولهذا السبب فإن الناس الذين يعيشون حياة ديمقراطية كاملة في الغرب «الولايات المتحدة كمثال» قد ملوا من ممارسات السياسة ومن أحاديثها ولغطها.
    مثلما ملوا من قبل من ممارسات رجال الدين والاستماع لمواعظهم، ويئسوا من أي أمل لإصلاح مرتجى من الطرفين، وغدت أولى إمارات الإنسان الاجتماعي المهذب، ألا يتحدث أو يجادل في الدين أو السياسة.
    بحسبانهما عند القوم مجالين عقيمين عصيين على الإصلاح!
    وأخيراً قلَّ انفعال الناس بالسياسة والمشاركة فيها، ولو بالتصويت، وصارت الديمقراطية الأمريكية أحد أقل الديمقراطيات الغربية في مجال التصويت.
    إذ أن أقل من نصف من يحق لهم التصويت هم فقط الذين يصوتون، وذلك بالرغم من المحاولات «التطفلية» الكثيرة، لإرسال بطاقات التصويت للمواطنين مع مختلف الخدمات التي ترسلها الدولة للمواطنين.
    وهي محاولات تأتي مرفقة دائماً بالاعتذار من الدولة لمواطنيها عن تدخلها في الشؤون الخاصة بهم.
    المفهوم التراثي أجدى
    هذا المصير القاتم للديمقراطيات الغربية مردُّه إلى ألوان الممارسات السياسية السائدة هناك.
    وهي ممارسات طبعت معنى السياسة في الصميم.
    وأتى علم السياسة بوضعيته المنطقية المادية الكالحة، ليسبغ عليها الصفة العلمية، ويمتنع عن تحليلها أو نقدها من منظور قيمي فلسفي أخلاقي.
    ولو شئنا في عالمنا العربي أن نسير في مسار ديمقراطي سليم راشد، فلا بد أن نتجنب هذا المنزلق الوبيل للتجربة الغربية.
    وإني وإن كنت لا أستسيغ حديث «الابستمولوجيا» فإنني أحبذه في هذا المنحنى.
    لأن مفهوم كلمة سياسة العربي التراثي، أفضل وأسمى وأنبل قيمياً بكثير من مفهوم ذات الكلمة بالإنجليزية أو اللغات الغربية الأخرى.
    فالسياسة في تراثنا هي الحكمة والحصافة، لا الانتهازية اللاأخلاقية في صراع القوى.
    وهكذا فإذا شرعنا في مشوار التنمية السياسية الحقيقية، فلا بد أن نبدأ من مفهوم عربي لا غربي لكلمة السياسة!
    "العبد يسير إلى اللـه بين مطالعة المنة ومشاهدة التقصير!" ابن القيم
    "عندما يمشي المرؤ على خطى الأنبياء في العفاف, يرى من نفسه القوة والعزة والكبرياء. بينما يعلم المتلوث بدنس الفحش الضعف من نفسه والضعة والتساقط أمام الشهوات"


  2. #2

    افتراضي

    جزاكم الله كل خير
    اللهم انك تعـلم سرنا وعلانيتنا .. فأقـبل معـذرتنا وتعـلم حاجتنا .. فاعـطِـنا سؤالنا ..وتعـلم ما في في نفـوسنا .. فاغـفِـر لنا ذنوبنا .
    اللهم اغـفـر للمسلمين والمسلمات .. والمؤمنين والمؤمنات ...الأحـياء منهم والأموات برحـمتك يا أرحم الراحمين .

    وصلى الله على نبينا محـمد وعـلى آلـه وصـحـبه وسـلم
    ---
    https://www.facebook.com/YSR.Rateb
    -
    https://twitter.com/YSRRateb
    -
    http://ask.fm/YSRRateb

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. لماذا ندعو الناس للإسلام
    بواسطة قلب معلق بالله في المنتدى قسم الحوار عن الإسلام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 06-08-2012, 04:55 AM
  2. لماذا لم يجعل الله الناس أمة واحــدة ؟
    بواسطة عبدالله الشهري في المنتدى قسم الحوار عن الإسلام
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 11-26-2011, 09:13 PM
  3. عاجل .. الافراج عن المعتقلين السياسيين فى مصر
    بواسطة حسن المرسى في المنتدى قسم الحوار العام
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 02-16-2011, 07:45 AM
  4. لماذا يربط الناس بين الإلتزام و التشدد
    بواسطة بشرى يوسف في المنتدى قسم المرأة المسلمة
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 09-07-2008, 12:42 PM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء