السلام عليكم
ورد عن النبي صلى الله عليه و سلم : (( يخرج من النار من كان فى قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان ))
و فى بعض الروايات (( .... مثقال ذرة من إيمان )) ... و المعنى واحد وهو أقل القليل من الإيمان
و الإيمان قول ( عقيدة ) و عمل , لذا نجد القرآن الكريم يقول : {{ الذين آمنوا و عملوا الصالحات }} فى أكثر من موضع بالقرآن الكريم , و هو من باب عطف الخاص على العام , أو الجزء على الكل
يعنى أن الإيمان يشمل العمل الصالح
فيكون معنى الحديث أن من لديه أقل القليل من التوحيد مع أقل القليل من العمل الصالح , و كان عاصياً مرتكباً للكبائر ( بدليل دخوله النار ) , فسوف يخرجه الله من النار
فكيف نجمع بين ذلك و بين الآيات العامة فى حكمها ( ولا دليل على تخصيصها من سبب نزول أو غيره ) و المطلقة و الصريحة الواضحة فى عبارتها ( إلا أنه يمكن تقييدها و الإستثناء منها بآيات أخرى , كما سأذكره ) ..
و فيها أن المسلم العاصى يخلد فى النار
ولا يمكن إدعاء أنها منسوخة فهى خبر عن أمور مستقبلة , و ليست حكماً شرعياً
.. و تلك الآيات مثل :
1 ) {{ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93) }} النساء
و كما قال ابن كثيرفى تفسيره لا يجوز حملها على الكفار أو غير المسلمين , إذ أن فى ذلك مخالفة للظاهر دون دليل
و إذا راجعنا سياقها سنجد تناسبها مع ما قبلها , فالآية السابقة لها مخاطبة للمسلمين فى أحكام القتل الخطأ , يليها هذه فى شأن قاتل المؤمن عمداً , فتكون هذه أيضاً للمسلمين
ملحوظة : لم أجد لها سبب نزول , و حتى لو صح لها سبب , فإن عموم لفظها يمنع تخصيصها
و ما أثبته إبن الجوزي فى كتابه فى الناسخ و المنسوخ أنه لايجوز القول بنسخها ولا يثبت ذلك
ولا يمكن التسليم لما زعمه البعض أن معناها : "جزاؤه كذا ولكن الله لن يطبقه عليه " , لأن ذكره للأفعال الماضية الملونة بالأحمر تدل على حتمية وقوع معناه , يعنى أنه قد لُعن و سيعُذَب عذاباً عظيماً
ثم أنه ليس كل من قيل فى حقه جزاؤه كذا خالداً ( وهى حال هكذا ) يكون المقصود من ذلك أنه يستحق ذلك دون أن يُنفَّذ فيه ما إستحقه , أظنها قاعدة لغوية غير عامة
2) تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13)
وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14) }} النساء ... و لم يقل " جزاؤه " أن يكون خالداً فيها , و إنما قال "يدخله " و قال " خالداً "
و قد وردت بعد الآيات التى تخاطب المسلمين فى أحكام المواريث و التى سماها الله هنا "حدود الله" , أى أنها منها , فتلك الآيات جميعاً بلا شك تخاطب المسلمين بلفظ عام و تعبير مطلق أيضاً .
و غيرها من الآيات , ولو لم يكن سوى آيتي النساء لكفى بهما دليلاً على أنه على الأقل أكثر العصاة مِن الموحدين سيخلد فى النار , أو بعضهم على أقل القليل
ليس كل العصاة و مرتكبى الكبائر خالداً فى النار ( تقييد الآيات السابقة و الإستثناء منها ) :
1) التوبة :
بدليل الآيات التى تقول إن الله يغفر الذنوب جميعاً أى لمن يتوب , و آيات التوبة كثيرة و فيها - فيما أظن هذا المعنى - أن العاصى أو مرتكب الكبيرة إذا تاب يغفر الله له , فهو إذن مُستثنَى من حكم الآيات المذكورة , و ذلك يقيد إطلاق تلك الآيات و تعميمها على كل العصاة من الموحدين
2) قاعدة هامة و أيضاً لفظها عام : {{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ }}
[ النساء :48 و تكررت : 116 ]
نلاحظ أنه تعالى لم يقل و نغفر مادون ذلك لكل من قال لا إله إلا الله , و لم يذكر ما يفيد الغفران المطلق للموحدين العصاة , و هذا يتفق تماماً مع حديث عبادة التالى ذكره .
و مادام الله سيغفر لبعضهم فهؤلاء البعض إما لن يدخلوا النار أو لن يخلدوا فيها ( يخرجون منها بعد العذاب مدة فيها)
3 ) الحدود المكفرة و مكفرات الذنوب و العقوبات المكفرة فى الدنيا :
و ذلك كما ورد بالسُنَّة مثلاً , ولا ننسى حديث عبادة - رضي - ((ومن فعل شيئاً من ذلك[ أى بعض الذنوب الشديدة مثل القتل و الزنا , كما بالحديث ] فعوقِبَ في الدنيا، فهو كفارتُه ...
ومن فعل ولم يُعاقب، فهو إلى الله تعالى إن شاء عفا عنه، وإن شاء عذبه )) وتلك الأخيرة هى التى يطلقون على صاحبها : دخل فى المشيئة , وقد دلت عليها الآية المذكورة التى تؤيد نفس المعنى .
وربما يوجد أدلة أخرى على الإستثناء و تقييد قاعدة خلود العاصى و مرتكب الكبيرة المسلم فى النار , و التى وردت فى الآيات - كما مر , و لكن لا ننسى أن هذه هى القاعدة و يُستثنى منها حسب النصوص قطعية الثبوت و الدلالة من القرآن الكريم و السنة المطهرة ( التى لا تتعارض مع أى من الآيات )
الإشكال :
هناك أحاديث تقول أنه يخرج من النار أناساً ( ولم تذكر كونهم موحدين ) ثم يدخلون الجنة و يسمون الجهنميون , وهذه لا إشكال فيها لأنها لا تزعم أن كل الموحدين سيخرجون منها
إنما الإشكال فى الأحاديث التى فيها هذا الزعم فهل الحديث المذكور أولاً فى بداية المقال هل يفهم منه أن كل الموحدين سيخرج منها ؟! .... أظنه كذلك
و كيف يكون ذلك مع وجود الآيات المذكورة : العامة فى حكمها على كل المسلمين , و المطلقة فى لفظها ؟؟
و لكن قيدنا هذا الإطلاق بالإستثناءات و الحالات المذكورة , مثل حالة التوبة و غيرها !!!!
Bookmarks