صفحة 5 من 5 الأولىالأولى ... 345
النتائج 61 إلى 73 من 73

الموضوع: مداخلاتي عن العلمانية والعلمانيين في المواقع تجميع لتسهيل الرجوع اليها

  1. #61
    تاريخ التسجيل
    Oct 2010
    الدولة
    مصري من مدينة الإسكندرية يعيش في الغرب
    المشاركات
    2,687
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    تعليقي -على استعجال-على العلماني الكبير السيد يسين ومقاله يوم الاثنين في جريدة الحياة
    مع إدانة أعمال العنف من السيد يسين في محاولة منه لتبرئة نفسه وموائمة أفكاره العنصرية مع الأوضاع المستجدة، نجد السيد يسين، الذي شارك في التعليق على الإنتخابات الأخيرة بحملة واعية وعنيفة على الحكم والدولة الحالية والإخوان ، نجده يدين احداث العنف الأخيرة، مع أنه كما أشرت كان جزءا من العملية المنظمة التي قام بها اعلاميون ومن وراءهم اصحاب المال في تهييج الرأي العام على الحكومة والرئيس وخلق الاضطرابات ، وهنا ايضا في المقال يتناول السيد يسين الإخوان والحكومة ، بنقد مثقوب، وتزوير في الحقائق ، واضح وبين،مكررا الشائعات الفجة، يقوده الى ذلك العنف الفكري العلماني والارهاب المتستر وراء مفكر تحركه رواسب الصراع الفكري بينه وبين تيار النهضة السلفية عموما، ، فالسيد يسين علماني لايؤمن بشريعة الإسلام، وقد عبر في كتابه (العالمية والعولمة) عن ذلك بالقدح في شريعة الزكاة وانها ليست عادلة ورفضه لعقائد الإسلام وعدم قناعته ببعضها مما جاء في القرآن والشيء المثير انه علق بعد ذلك-في الكتاب نفسه والصفحات الاولي نفسها- على موقفه العلماني هذا بقوله ان هذا كان سببا في اختلافه مع الاخوان والتيار الإسلامي، ولذلك استغل الإعلام امثال السيد يسين لحرق البلد بتعليقاته البشعة ضد هذا التيار،(لقاء خيري رمضان معه اثناء الانتخابات الاخيرة حول الدستور) وهذا من اسباب العنف المتحول من المادة الاعلامية وهذا الطرق البغيض على كراهية التيار الاسلامي وترويج الاشاعات الصبيانية عنه يصير مع الوقت مادة لاشتعال الأحداث التي يخوض فيها من قبل ومن بعد السيد يسين، عمرو اديب، حسنين هيكل(وله احقاد معروفة من ايام ناصر ضد الاخوان واستضافته لميس الحديدي)، ابراهيم عيسى(كتبت عنه مقال مطول عن جنونه المستمر، وضلالاته الهائلة) ومجموعة مفكرين علمانيين(عبدالمجيد ياسين في حواره مع منى الشاذلي كمثال،(انظر هنا المداخلة السابقة، في منتدى التوحيد ففيها كلام عن عبد المجيد ياسين- وقد حاولت استخدام هويدي لكنه احبط لها عملها كله وهو اسلامي ظنت من بعض تعابيره الاخيرة انه صار ضد مرسي فاستدعته بناء على مشورة ممن وراءها)) تستخدمهم القنوات ويستخدمونها لالقاء قنابل حارقة في الميدان الثقافي والسياسي لإعاقة الإسلاميين، في خصومة بغيضة- للمضي قدما في تطوير الدولة المصرية، خصوصا وهم كفاءات من مهندسين وعلميين واداريين ورؤساء جامعات وعمداء كليات،وهلم جرا... لاتهرب ياسيد يسين الى الخلف..فأنت من رموز سياسة مبارك حتى وإن كان لك نقد فيها،فقليل من النقد
    ينفع الطاغية
    http://alhayat.com/OpinionsDetails/478920




    http://www.facebook.com/profile.php?...37045756404932
    التعديل الأخير تم 02-04-2013 الساعة 09:43 AM

  2. #62
    تاريخ التسجيل
    Oct 2010
    الدولة
    مصري من مدينة الإسكندرية يعيش في الغرب
    المشاركات
    2,687
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    هناك أمران من الأهمية بمكان، أقول أنه لاشك أن الحضارة المادية الحديثة من الناحية التجريدية، لو استطعنا أن نفعل ذلك، تقوم بدرسة كل شيء، شرق،غرب، شمال ،جنوب، الإنسان، الحياة، التاريخ، الحضارات، من خلال رؤية مادية صرفة، وقد يظن ظان أن هذه الرؤية تحرك الباحثين كما لو كانوا مجردون من الأهواء والإيديولوجيات!
    وعندما تقرأ لأحد من علماء الحضارات والإناسة والحفريات ممن له فلسفة أو اخترع نظرية، فإنك تسمعه يقول إن تلك المجالات العلمية لاتخلو من الخضوع لتأويلات إيديولوجية، في غالب الأحايين.
    فالمنهج العلمي المادي هو القاعدة التي سبغت مقومات الرؤية الغربية الكونية-الخاصة-وعناصرها، وتأويلاتها وتفسيراتها، على دراسة الإنسان والمجتمع، التاريخ والجغرافيا بمختلف صنوفها وأنواعها.(هناك فرق بين البحث في الماديات والبحث في الإنسانيات، ومايرتبط به من الوحي الخاص الذي أنزله الله على خيرة مختارة من عالم الإنسان)
    ومعلوم أن المنهج المادي الغربي قاصر عن تناول شمولية التاريخ وشمولية معنى او كلية مفهوم الوحي، والغيب، والعالم الفوقي الذي يتأبى على،او لايخضع لأدوات بحثية ضيئلة التفسير، ضعيفة التأويل، وهي تحذف أغلب الأدوات البحثية الضرورية ومقومات التفسير الاصلية ومبادئها وخطوطها المتنوعة، ولذلك تأتي النتائج في كافة مجالات الحياة الإجتماعية والإنسانية والدينية قليلة الإنتاج النافع، مع الإعتراف أن فيها منافع من نواح عديدة، لكن ماأغفلته أكثر مما عرفته، ومافيها من نفع للناس هو مغمور فيما فيه مفاسد للناس.
    فحتى لو ذهبنا مع البعض بأن علوم الإنسان والمجتمع، وعلوم مقارنة الأديان المعاصرة، وعلوم الحفريات والثيولوجيا، هي علوم مجردة ، وأن كل من يندرج في عالمها إنما هو مخلص لايبتغي إلا البحث العلمي الخالص وجلب نتائج للبشرية نافعة ومفيدة، فإن ذلك ،ايضا، لايكفي، فالإخلاص ، والبحث المضني، والإستغراق في العلم وتتبع الظواهر والخلوص منها، في النهاية بنتيجة علمية ونظرية معرفية،كل ذلك، لايؤدي إلى الحقائق اللهم إلا بعد أن ينطلق من رؤية شاملة لاتحذف شيء من العناصر المعينة والتي هي غالبا ماتكون شرط في إنتاج العلم والنظريات القريبة من الصواب.
    والحضارة المادية الحديثة عندما تدرس الإنسان، والغيب، والوحي الرباني، أو عندما درسته، عزلت العناصر والأصول التي إذا عُزلت فإن نتائح البحث ستكون مشوشة تخبط خبط عشواء، وإن أتت ببعض النتائج المبهجة.
    فهذا أول نقص يشوب الحركة العلمية المعاصرة والغربية،عن التاريخ والإنسان والمجتمع، والكون والغيب والوحي.
    فإذا كان للعالم او الباحث منهج يعتمد عليه، من أنواع المناهج الإيديولوجية ، كالماركسية والوضعية والفرويدية والداروينية والتفكيكية وعلوم الحوليات الفرنسية وغيرها من العلوم التي يقودها في الغالب، بحاثة،وفلاسفة، لهم أهواء وميول سياسية وفلسفية، فلاشك أن النتائح ستكون قاصرة وملبسة بل وقد تكون نتائجها مدمرة، في أغلب الأحيان!.
    السؤال المهم في موضوعنا
    هل يختلف عالم الإستشراق الأكاديمي المعاصر عن ذلك كله؟
    فلو خلا من الأهواء والإيديولوجيات والشعور بالتفوق وخدمة المركزية الأوروبية، وكراهية الإسلام ومحاولة اختطافه، فإن الوضع سيكون على ماهو عليه،ألا وهو قصور المنهج الإستشراقي المعاصر عن الوصول إلى الحقيقة مجردة
    والأسباب كثيرة
    فأولا: انبعاثه من نظريات ونظرات ونتائج بحوث المنهج المادي ذاته الذي يتحكم في رؤية الغرب اليوم، للإنسان والحياة والمجتمع، والتاريخ والغيب والفوق والتحت!
    والسؤال التابع لهذا كله هو: هل يستعمل أغلب الأكاديميين المعاصرين ، في علم الإستشراق، نتائج العلوم المادية أو بعضها على الأقل، في حدود ماتجرأ عليه بحاثة كبار مثل نولدكه ومنتجمري وات ومكسيم رودنسون وهنري كوربان وتور اندري وغيرهم كثير ، واكتفوا بمعارف هؤلاء المستشرقين التي فيها من المادية ونظرتها أكثر مما فيها من الدينية ورواسبها؟ يبدو ان الأغلبية تقف عند هذه الحدود والتخوم لاتتعداها؟
    اذن هناك تحول في طريقة عمل كما ونظرة، الإستشراق المعاصر للإسلام، وهو وإن بحث او مازال يبحث في القضايا التي افتحها استشراق اواخر القرن التاسع عشر إلى نهاية القرن الفائت،مثل مسألة المصحف، وبيئة الإسلام الأولى، والسيرة، والصحابة، والمؤثرات القديمة، المزعومة، ومؤثرات الحضارات والفلسفات، والهجرات والثقافات، واندماج الأساطير ورواسب الوعي او مكامن او كمائن(!) اللاوعي، الا انه بقي حريصا على ان يكتفي بالنتائج التي توصل اليها هذا الاستشراق القريب، في هذه المجالات، خوفا من فقدان ادواته القديمة ومصالحه الأثيرة وضياعه في المذاهب الحديثة وتحلله وانهياره.
    ولذلك تجد محمد اركون يستصرخهم-او كان يفعل قبل ان يكتم الله صرخته الأخيرة فلم نسمع لها اليوم حسا ولاركزا ولاضجيجا -ان هلموا الينا ولن يضيركم شيء ان سلكتم سبيلنا في نقد القرآن، فقد ظهرت علوم فرنسية سوربونية،وعلا علم الحوليات الفرنسية وتقدم!، وأخرى أمريكية كلوداستراوشية وغيرها مما يدخل في مجالنا، ولكن المستشرقين مازالوا متسمرين على الأرض، لايريدون ان يوسعوا رؤية كبارهم المادية المحصورة في علم اللغة وعلم النفس وبعض العلوم المرتبطة بهما، فقد مسهم جن "المارد القديم" وتلبسته وساوسه وشهرته ومادته ولايريدون الخروج من حالتهم الدراسية المدرسية كما يقول عنها اركون، فلو تجردوا من مواقفهم القديمة واقبلوا على كاملية او جاهزية العلوم المادية الحديثة لكانت نتائجهم ايضا ضلال في ضلال كما رأيناها عند اركون الهالك.
    وإن آثروا البقاء عند حدود مادية نولدكه وواط ورودنسون وامثالهم فالمادية -ضاقت او اتسعت!-فضيحة ولاعلمية مع المادية وانما هي علوم اكاديمية افتخارية ضررها على الإنسان اكثر من نفعها، ولايجني منها الباحث الغربي، مهما على قدره، إلا الصيت الغربي، ولكن ماذا ينفع الصيت عند اول قدم(!) توضع في القبر!؟

    المصدر: http://www.tafsir.net/vb/tafsir35620/#ixzz2OvHjgP9a

  3. #63
    تاريخ التسجيل
    Oct 2010
    الدولة
    مصري من مدينة الإسكندرية يعيش في الغرب
    المشاركات
    2,687
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    اركون مرة اخرى
    لقد تكلم محمد اركون -تبعا لكافة صور النقد الفلسفية(الإجتماعية، الإنسانية، والنفسية) الغربية لشعائر الاديان، وخصوصا الإسلام-عن الخطاب الاسلامي ، الخطاب المعاصر، او الخطاب القديم.
    وتكلم عن التجييش والعامل الديني، وتكلم عن ان الخطاب المتطرف للعلماء جعل الامة تبعد عن التقدم العلمي وتحجب عمليات النقد الحديث للتراث!
    وقال بأن الاشتغال بالشعائر يؤدي الى الغياب عن الوعي الفلسفي او الحقيقي بالشرط الانساني الذي يتطور ليدخل مرحلة التنوير
    وقد حمل اركون حملة كبيرة، ومعه الأدوات المعرفية المختلفة، التي تأثر بها في الغرب المادي، على القرآن لسبب عقائده وتجييشه ،فالخطاب القرآني المتلو طقسيا أو شعائريا-بحسب لفظ اركون طبعا-يغمس الناس في الشعائر المكبلة والطقوس المعيقة ولايقدم له تحديثا علميا لعقائده.
    قد اكون-كما يبدو- قد دخلت في موضوع آخر بعيد عن موضوعنا هنا الا ان اركون وبقية العلمانيين الحداثيين لايعلمون قدر الحكمة الربانية من الشعائر الاسلامية وتقديس ازمنة معينة او اماكن خاصة مثل شعائر الحج ورمضان والجمع وغير ذلك مما تكلم عنه العلماء.
    ان مشكلة اركون انه يصنع مقارنة مستعجلة ونافقة بين شعائر الاسلام وشعائر الوثنية والاديان الوضعية او المنحرفة..
    انه يستخدم لذلك كل المنهجيات المابعد حداثية-بإنتاجها الحديث المتسارع جدا- ليخرج بنتيجة ان الاسلام دين شعائري معيق للتقدم
    هذا باختصار شديد
    اما ماجات به الثورات وليس الثورة الواحدة فهو يدل على ان شعائر الاسلام تجدد الامة يوما بعد يوم، خصوصا اذا فقه مدلولاتها والحكمة من وراءها.
    انها محركة للوعي الفطري ليتخلص من علائق الحياة وشوائب الاشتباكات اليومية بل والتي تحاول ان تخترق الوعي المسلم لحظيا!.
    فشعائر الاسلام تحمي المؤمن من الذوبان في عمليات إماتة الإنسان التي تقام جنائزها يوميا في كل ناحية من نواحي الأرض والتي تتأثر بالوباء الفلسفي الغربي الذي قتل الروح وتسبب في ازمات حادة.. وعميقة للذات الإنسانية.
    ان ايجابيات شعائر الاسلام لاتحصى.
    وكما قلت انت اخي فارتباطها بالثورات، أو بالأحرى ارتباط الثورات بها، تحتاج لدراسة علمية للكشف عن سر هذه الشعائر في تجديد الوعي الاسلامي ، وترقيته، ودفعه للنقاء الانساني ، خصوصا لو لازم ذلك وضوع في العقيدة ومعرفة قرآنية عن الكون واسباب الحياة.
    http://www.eltwhed.com/vb/showthread...872#post245872

  4. #64
    تاريخ التسجيل
    Oct 2010
    الدولة
    مصري من مدينة الإسكندرية يعيش في الغرب
    المشاركات
    2,687
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

  5. #65
    تاريخ التسجيل
    Oct 2010
    الدولة
    مصري من مدينة الإسكندرية يعيش في الغرب
    المشاركات
    2,687
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    العلمانية ماهي
    لايمكن أن يقيم الإنسان وحده، فردانيا أو جماعيا، فوكويا أو هبرماسيا، ومن قبلهما روسو-ويا، أو فولتير-اويا، نظاما عادلا من كل وجه،بل الشر فيه غالب ، مهما بلغ الخير فيه المبلغ الفاتن،لأنه ينزع عن الإنسان خصائصه ومقوماته مهما منح في ظل تلك الشعارات والتطبيقات المختلفة من حماية كحماية الإنسان، المتحيون(من الحيوان) او حريته في غابة وحشية منظمة تنظيما دقيقا/ غابة لاوجود فيها لإنسان يمكن الإشارة إليه بأنه إنسان مكرم حقيقي...نعم يوجد إنسان يعاني أزمة طاحنة مهما علاها النور الذي يجذب الفراشات!
    وكلمة شيخ الإسلام عن عدل الدولة الكافرة التي يقيمها الله لاتعني شرعيتها في الإسلام ولكن تعني إقرار عدلها المعين إقراره قدريا ،إقرار وجودي، من هذه الناحية لا موافقة أمرية شرعية...لأنها تفقد الكلية والشمولية والخيرية والربانية بل والإنسانية المكرمة.... والنتائج -ايضا-مكلفة للإنسانية، ذلك أن كليتها ، أي الدولة الكافرة(العادلة بين قوسين) شر غالب، وذلك من ناحية نظرتنا الكلية إلى مقوماتها وخصائصها ونهاية ونتيجة تخليقها لإنسانية الإنسان ،روحا وجسدا، فنحن كقوم كما جعلنا الله وسطا بين الإمم جعلنا الله ايضا حكما عدلا على الدول والفرق والأديان والجماعات، فلم يقل الله عن النصرانية مثلا ان أصل دينهم باطل(مع أن مجمل دينهم باطل وكفر وخروج عن الأصل) لم يقل ان كل ماهم عليه محض باطل او باطل محض بل عدَل في الحكم ، وأخبرنا أن أصل دينهم حق (الإيمان بالالهيات والنبوات والشريعة إلا أنهم قاموا بتحريفه ،كفروا فحرفوا في(أصول) الإلهيات والنبوات والشرائع) كما أخبرنا أن في رهبانيتهم حق وفي رهبانييهم رقة من الزهد على الرغم من أنه ذكر أنها رهبانية مبتدعة ،إبتدعوها ماكتبها الله عليهم، ولذلك أضرت الرهبانية وماأصلحت، مع أنها قد تكون من ناحية صنعت من أفراد زهادا وكفت شرورهم عن الخلق ، وأفردتهم في صوامع (العزلة الطوعية) لكن أين الخير السابغ من وراء الرهبانية؟
    وماذا أدت إليه في النهاية؟
    فكذلك العلمانيات كلها.... مهما بلغت من تنظيم الحريات وعمليات الإنتاج والإبداع. فشرها النهائي أكبر من خيرها البادي، ويمكن سماع ضجيج مستوى الشر الذي آلت إليه من كلمات نقاد عملياتها اليومية ووقائعها المخزية وصورها المتردية من روادها أنفسهم ،في الماضي القريب، والحاضر، كما يمكن رؤية ضحاياها في جولة ميدانية وإطلاعة سريعة على إحصائيات الموت والدمار الإجتماعي الذي عبر عنه كثير من فلاسفتها وعلماء الإجتماع فيها بتعبيرات مخوفة.
    مامعنى فقدان الروح وموت الإنسان وغير ذلك من كلمات؟، هل هو شعور الإنسان بأنه في حاجة إلى رهبانية يتشوق فيها إلى المطلق(!) أو هندوسية ترطب له حياته المادية التي كلها عدل ونظام ؟ أم لحظة خرساء في جماعة تعبدية علمانية تتفن في طرق لتسكين النفس كما يُرى في كثير من الجماعات التي تقيم سرادقات الفناء الجماعي للحظات تفرغ فيها صنوف الإضطراب النفسي والقلق العميق المتخفي في سراديب النفس الضعيفة.. للحظات..ثم تعود النفس منتكسة مرة أخرى.. تزداد ألما كلما رجعت إلى الحياة الواقعية من لحظات هيام مع صور جميلة(خيالية أثناء الفناء اللحظي!!) تحاول الإسترسال معها في غطة مغناطيسية جميلة الألوان والأفكار السارحة؟.
    إن فقدان الروح ليس هو ذلك فقط أو هو ذلك لكن أسبابه (عظيمة وخطيرة وغائرة)في النظام العلماني(العادل!!) نفسه؟
    لأنه يعطي المسكن والملبس ويحمي الإنسان من ظلم الإنسان في أمور تخص ماله او بعضا من حريته ،من نواح(ومن نواح أُخرى هناك ظلم في توزيع المال والثروات وهناك استغلال بشع)، لكنه يشرع له حياة فيها المسكرات ، الرخيصة، والجنس المطلق الرخيص، والمخدر الحشيش والمارجوانا وغيره من الأقراص والمخدرات، حياة تغيرت فيها صور الأسر والعلاقات، فقد فيها الإنسان النموذج الإنساني للأسرة الواحدة المعرفة في تاريخ الإنسان، والتي أخبرنا رواد الحداثة ومابعدها أنها أسرة ضيقة الحدود لاتناسب الحياة المعاصرة، لأننا تطورنا، وتغيرت أخلاقنا وقيمنا وصرنا إنسانيين أفضل ، عقلاء أفضل، شاعريين أعظم وأنقى شعرا ووجدانا وشعورا ولغة!
    طاشت الأسرة بسبب العدل والحرية، وطاشت الإنسانية بإسم الإنسانية (مازلنا -في أحكامنا-في كلمات رومانسية) لكن طاشت الأحلام بإسم الأحلام والأماني بإسم الأماني.. وماذا حدث من جراء ذلك أو تبعا له، في الواقع المادي؟
    كلمنا -يابن منينة-عن الواقع لاتحلق لنا في سماء مخيالك الديني الرومانسي؟
    لقد زادات معاناة الإنسان وحرم النوم والراحة، وحرم العلاقات الأسرية بل والإنسانية، اللهم إلا حفلة يكون الإنسان فيها فردا،في عزلة شعورية مهما كان الصخب والضجيج حوله ومهما بلغت اللحظة الجميلة فيما حوله، ويرجع إلى بيته فردا، يتجرع فيها خمر وحدته، أو حشيشة علمانيته وفردانيته، وتمتليء من جراء ذلك ومن وراء ضجيح الحفلات، العيادات النفسية ومصحاتها التي إمتلئت بها المدن والقرى، كما تزداد عمليات الإنتحار وسط الشباب المستمتع بموسيقى الحداثة وحفلاتها الصاخبة،إنه حر لكنه فقد حريته وحقه في أسرة وأم وأب وزوجة وأصدقاء ، وقد أصبح كل شيء مادي فرداني متشيئ، يرى اخته تبيع جسدها مع ملايين غيرها، في الغرب، في تجارة الرقيق الأبيض(الجنس بأنواعه،وهو جنس قانوني لاغبار عليه في مختلف العلمانيات)!
    ويرى أخوه يمتهن نفس المهنة، ويرى عيادات الموت يتردد عليها أصحاب الأمراض الجنسية المختلفة، كما يرى حتى بيوت المسنين تفتح أقسامها لمرضى الإيدز(شاهدت هذا بنفسي وعشت معهم أخدمهم وأعايش أزمتهم وأسمع قصصهم، وأواسي جراحهم...ولاحول ولاقوة إلا بالله، مساكين والله).
    نعم يأكل طعاما متعدد الألوان والطعوم، ويشرب المشروبات المتنوعة الرطبة واللذيذة، فيزداد شوقا إلى مزيد منها، وعلى الرغم من وفرة المال في حال عدم الأزمات الكبرى، (الآن يعاني الغرب من أزمة مالية ضخمة جدا تنهار على إثرها مؤسسات وأسر وإجتماعيات وإنسانيات ،اجساد وأرواح) إلا أنه يعاني في عمله أشد المعاناة، والأسباب كثيرة ومتعددة، بداية من نظام سلطوي مهيمن لايعرف الرحمة مع العمال بمختلف وظائفهم، كما أن نفس هذا النظام يسلبه حريته الخاصة، التي أعطاها له النظام (الأكبر) نفسه، لتكون ضمانا وأمانا نفسيا له، فترى أوقات العمل غير مناسبة لحالته المعيشية الحديثة،(إن السر في تحطيم الأسرة والعلاقات الكبرى في العائلة) فالمرأة مثلا لها صديق يعمل، وعندها منه أولاد، والأولاد لابد لهم من حضانة ومدرسة،(ومصاريف مكلفة جدا جدا) والمدرسة تطلب بالقانون أن يأتي الأولاد في المواعيد المحددة وإلا العقاب، ولا أسرة يمكنها أن تفعل ذلك بأمان نفسي وحرية (المدهش أن النساء اللائي لايعملن هن المحافظات على الأولاد ولايعانين في هذه الجزئية!) فصاحب العمل لايأبه لهذا الوضع، فيبدأ التلويح بالتهديد، (ومنها إذا لاتقدري على الإستمرار في هذا العمل عليك بالبحث عن عمل آخر!1) فترى الأم تصرخ من أنها لاتستطيع أن تقيم هذه الحياة بصورة كريمة، فتوقيت الذهاب الى العمل هو توقيت رعاية الأولاد صباحا لتوصيلهم إلى المدرسة، وصديقها أو زوجها أو زوجتها(!) تذهب في نفس التوقيت إلى المدرسة( لا "جيران" للمساعدة، ولا"اصدقاء" إلا نادرا، وبطلوع الروح!، والحق يقال!!، وغالبا لا أُم تساعد هذه الزوجة اليتيمة، في الصراع بين الإنسان والمسؤولية (والمجتمع فرداني في غالب حركته وفعاليته) حتى إن الأم قد تساعد إبنتها(بالمال!) والمال تقتطعه الدولة من الأم مرة أخرى، لكن الأم تعمل-عند إبنتها بمعرفة الدولة!- في نفس الوقت(العمل الإجباري، لكن هذه المرة عند إبنتها!!) وغالبا لاتجد الإبنة، لا"أم" تساعد في رعاية أولاد إبنتها لأنها مشغولة بحياتها المزدحمة علمانياأو دنيويا فردانيا أو جماعيا (فللأم جماعتها وعلاقاتها) ، وهنا تجد الإبنة نفسها في مأزق بين تلبية مطالب العمل ، وتلبية مسؤليتها تجاه الأبناء وتجاه جبروت الدولة العادلة(!) التي تضعها بين خيارات صعبة، بين العمل صباحا في نفس توقيت ذهاب الأولاد إلى المدرسة، فمن يذهب بالأولاد إلى المدرسة وهي ستذهب قبلهم إلى العمل، ولا حل غالبا في هذا، إلا أن تقعد من العمل وهذا ليس بإختيارها لأنها مجبرة على العمل وإلا لا قوت ولامال... وهذا مااراه في كل المؤسسات التي انخرطت فيها، وأسمع الشكوى من زميلات العمل، والشكوى بحرقة، وغالبيتهن لايجدن جوابا ولاحلا، فالأوضاع مأزومة، والسر في النظام الإجتماعي الجديد، وهيمنة الدولة على كل شيء، وتشيئ الإنسان فيها ، وعدم الإلتفات حتى لحريته في إقامة أسرة مستقرة، ومن هنا، ومن غيره، يحدث غالبا الطلاق، غير أن هذا الطلاق لايعدل الحالة بل يؤزمها ، لأن المرأة تصير وحيدة بعد أن كان لها زوج أو خدن أو صديق أو خدنة!، وفي ظل هذه الأزمة تزداد الأزمات النفسية والأمراض النفسية، وتمتلى العيادات ويقبل الناس على المسكنات(الأقراص، والمخدرات، والخمر، والبقاء للأقوى!)
    وأنت كقارئ يمكنك أن تجيبني بالله عليك أو بالعلمانية عليك!، إن كنت علماني، كيف يمكن للإنسان أن يهنأ في هذا الجو الموبوء بالحرية(!!) وقد إنتزعت منه حريته الأصلية في نظام يراعي إنسانيته وحاجاته الفطرية وغير ذلك مما يخطر ببال الحقوقي او الداعية!,,إنها العلمانيات جميعها مهما حاولنا التلاعب او وصف المصطلحات.(أو حتى الوصف للمعرفة العلمية وتمييز الأمور لإستخلاص نتائج)
    ومن خلف هذا النظام فلسفة إستقلال الإنسان، وهي الفلسفة العلمانية التي هي مقوم رئيس من مقومات تلك العلمانيات التي نتشدق بمصطلحاتها ونتفنن في عرضها وشرحا وكأنها لاتدل من وراء ذلك، على كل مشترك، هو استقلال الإنسان، استقلال العقل، استقلال التشريع.. بعيدا عن الدين ومقوماته في الحياة.. وتشريعاته التي تحمي الحريات والإنسانيات، وتنظم من خلال ذلك بثبات مبادئها وتغير الإجتهادات في خلق تنوع آمن وحر وعادل.
    إن العلمانية هي عزل للشريعة الربانية وأصولها وأساساتها والصلة بينها وبين المشرع الأصلي والحقيقي الرحيم والخبير العادل..
    مهما اختلفت صور العلمانيات وتصورنا ماهو العدل فيها ورأينا آثارها في التنظيم المادي إلا أنه بتصور نافذ في حركتها العميقة بل والسطحية سنجد المعاناة الإنسانية وفقدان الإنسان لحرية ضميره وتأزم حالته الداخلية التي تتعكر فيها سماء الحرية الممنوحة بسخاء، وعندما ينظر الإنسان في سقفها لايرى إلا سحابا داكنا وركاما من الأوهام وسقط الأحلام.. ومع ذلك إذا نظر حوله تراه لايرى إلا سيارة معينة ومأكل طيب ومشرب لذيذ (فيه من السموم الناتجة عن الرأسمالية الوقحة) ومسكن مريح واثات جميل، لكن ماذا يفيد ذلك كله وهو لايستطيع التحرك في حياته اليومية إلا متعثرا أو لاهثا أو مستعجلا ومتعجلا، او صارخا حانفا، زائغ العينين، طريد النفس والروح ، وحيدا في الجماعة العلمانية المنعزل بعضها عن بعض إلا في العمل او الحفلة السريعة الإنقضاء.. وبعدها الوحدة الخانقة.. ولاوجود للأسرة التي رميت في مزبلة علماء الإجتماعيات وعلماء النفس الغربيين لأنها من زمن البدائية القديمة وإنسانها الحجري.

    إن الشر في الدولة أو الجماعة الكافرة غالب في نواح أخطر من الخير الذي نراه احيانا فيها وقد يكون هذا الخير الأخير أفضل مما تقدمه دولة مسلمة ما، ظالمة لرعاياها، في الأموال والأمان.
    لماذا قال فوكو إن الإنسان قد مات في الغرب مع معرفته أن حداثته فيها مما فيها من العدل والحريات التي كتب هو نفسه فيها ، وفيها مابلغته من تعامل أفضل مع المساجين والمجانين والقتلة وأشباههم، وله كتب في تحليل تاريخ الجنون وتاريخ العقاب في الغرب وقد كان عقابا يندى له جبين الإنسان في وقت كانت حضارة الإسلام تعدل بين الناس؟
    ولماذا اعترض هابرماس وجماعة مدرسة فرانكفورت-وهي أجيال ومن الجيل الثالث اريك فروم،أليس كذلك؟- اعتراضها على الظلم الغربي للإنسان وهو مانرى آثاره في الغرب نفسه مع عدم إغفال ماهو موجود (داخليا) من العدل في أمور الجسد(من نواح أيضاّ) وإطعامه، والحرية وحمايتها، حتى حرية ممارسة الجنس مع أخس الحيوانات، وحريات يشعر الإنسان منها بالغثيان والقرف.
    إن العلمانيات نفي للإلهيات، ووأد للإنسانيات، ونفي للشرائع الربانية ومصدرها ونعمتها على الخلق، ورحمتها بهم، وحمايتها لأمانهم وحرياتهم وعقولهم وأسرهم....وذلك مهما تشدق رواد تلك الديمقراطية العلمانية(الأخيرة) بأنها نهاية التاريخ، يقول هاشم صالح إن الديمقراطية الحديثة هي نهاية التاريخ... وهو من أنصار العلمانية الناعمة!!، ودعاتها.


    المصدر: http://vb.tafsir.net/tafsir36087/#ixzz2UefRDy2w
    لايخفى عليك د عبد الرحمن الصالح ان من تستدل به علينا -عبد الله العروي-في كلامه عن مصطلح العلمانية هو علماني من نوع ديكتاتوري خاص، وافكاره تنتمي لمعسكر فاشي.، فأي علمانية ينصرها، وأي تفسير يمكن لمثل هذا ان يقدمه لنا وهو ذاته التفسيرالواقعي لما يعبر عنه!، أو التأويل الفاشي للعلمانية نفسها.
    ثم نحن لانتكلم عن المصطلح او انا على الأقل فالمصطلح حمال له حمولة وواقع ، وإنما عن ماهو تحت المصطلح من معنى ومغزى، وشيخ العلمانية الأركوني(محمد أركون) تكلم عن العلمانية المتطرفة ،وعن العلمانية الناعمة،وأراد لنا الأخيرة مع شيء من الأولى!، فأما الناعمة التي ينصرها أركون فهي فتحت حدودها الناعمة للمثليين والجنس مع الحيوانات، وهي نفسها التي يشتكي منها المسلمون في فرنسا(في الأحياء) يشتكون ايضا من(إعلام العلمانية الصلبة والناعمة في آن) فمرة تلبس الدولة الفلانية الحرير العلماني ومرة تلبس الخشن من لباس الحرب على الإسلام والمسلمين!
    أما السلطة العلمانية ناعمة او خشنة ،صلبة متطرفة ام ناعمة فالسيادة فيها للإنسان،(وعلى رأسه إنسان السلطة المهيمنة بصلابة قوانينها الثانية، ومنها المتغير!!) والإله ليس له موضع في تشريعاتهم وأوامرهم، قوانينهم ودساتيرهم، أما الحزب المسيحي الذي سمحت له العلمانية الناعمة أن يدخل دائره الديمقراطية فهو مشروط بشروطها اي يتحاكم إلى فلسفتها ونظرتها للكون وتشريعاتها المثلية وفي الحريات المطلقة وغيرها وحتى إذا أراد أن ينجر شيئا خاصا في هذا المجال التشريعي مثلا فلايستطيع بغير القانون والأحزاب والشعب عموما، (وكل ذلك واقع في حبائل الفلسفة المادية العلمانية المهيمنة بسلطاتها الكاملة) فهو من الصعوبة بمكان كما لايخفى عليك
    فماذا تغير من الصلب إلى الناعم إلا أن سمحت العلمانية الجديدة اي في ثوبها الجديد للدين في بلادها المعينة أن يستخدم الحريات نفسها الموجودة من عقد المؤتمرات وإخراج المظاهرات والإعتراض على القوانين ولكن كصوت فاتر في وسط أمواج العلمانية العاتية في ظل وظلال ومخيال احتلال الأسطول العلماني لطول البحر وعرضه، ونشر الفكرة دياله(كلمة مغربية) في كل المؤسسات، بل خضوع المؤسسات كلها لقوانينه، فالدين في عالم العلمانية الناعمة مكانه في الكنيسة لايخرج عنها اللهم الا بالمشاركة في البرلمان بأتباعه، ومنهم مثليون شواذ!(نتيجة التأويلات العلمانية المستمرة داخل الكنائس،والمتأثرة بالخارج(العلماني) وإضطرار تلك الأحزاب لقبول الشواذ وإلا خرجوا من اللعبة ولم يبق لهم إلا الدير والمعبد، والكنيسة ومكان العبادة.
    نعم تشارك الكنائس في امور انسانية كما تشارك العلمانية تماما، لكننا ننسى أهم شيء وهو السؤال الجوهري: أين الدين بالمفهوم الإسلامي، وشريعته (خليها الشريعة التي بيننا وبين معرفتها قرون وقرون كما أشرت انت!)؟ أين السيادة العليا لقوانين وثوابت هذا الدين؟، ومعلوم أن الإسلام لايقبل دور كومبارس في مسرحية هزلية بل هو جاء ليكون الدين كله لله، ومنه تتوزع الأدوار وتندرج الجماعات والفرق والأديان في عالمه وتحت ظل شريعته، كما تفعل العلمانية بسيادتها، لكن ليس الأمر(تماما) وإنما بصورة مختلفة في التأسيس والمقومات، والأصول والمفاهيم، والمبادئ والقيم..
    وفي النهاية فمهما تغير التعريف بمصطلح العلمانية فإن السيادة مازالت لها، وعزل الدين عن السيادة أصل أصيل فيها مهما تغيرت الأسماء، فالمسكر واحد، والسكير شغال ليل نهار لتأسيس خمارته الكبرى التي يسكر فيها الإنسان وقد يموت من تجرع زجاجة فينتحر من الخيبة، أو من تجرع الخمر الكثير فيقتل الناس في الشوارع والمدارس بل يقتل أولاده بدم بارد.(قال ميشيل فوكو (داعية الناعمة!:العلماني الحداثي مفلسف المثلية!!)في نهاية كتاب له معبرا عن موت الإنسان العام في الغرب ب:إن الإنسان قد مات!)
    نحن لاننفي أن الإنسان إذا أخذ بالأسباب والخبرة حتى من ليس عنده دين، أنه قد ينجح وقد يصيب في أمور ومسائل ، وترتيب بيته الداخلي، وإقامة نظام فيه من العدل مايمكن أن يفتتن به الناس، لكنه لايمكن أن يسعد الإنسان أو يوفر له ككيان مكرم مايلبي أشواقه ومطالبه الإنسانية الكبيرة، وماذا ينفع تقديم الطعام والشراب وتوفير المسكن والمنكح(وهي أمور وفرتها حواضر وبلاد الإسلام للناس جميعا) إذا نزعت منه روحه وخنقت أشواقه الفطرية.. ومنعت عنه بسيادتك وهيمنتك كل مايجعله موصولا بخالقه وبعلومه التي أنزلها وماينتج عن ذلك من حياة كريمة مطمئنة وتسامح وعلم منبضط بقيم وحياة منضبطة بقيم ومبادئ تُبقيه إنسانا له قلب الإنسان!
    ثم المسيري هاجم العلمانية واحاديتها وسلطتها فماذا بعد؟

    المصدر: http://vb.tafsir.net/tafsir36087/#ixzz2Uefeyamz

  6. #66
    تاريخ التسجيل
    Oct 2010
    الدولة
    مصري من مدينة الإسكندرية يعيش في الغرب
    المشاركات
    2,687
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    النص مع تعديل طفيف
    لايمكن أن يقيم الإنسان وحده، فردانيا أو جماعيا، فوكويا أو هبرماسيا، ومن قبلهما روسو-ويا، أو فولتير-اويا، نظاما عادلا من كل وجه،بل الشر فيه غالب ، مهما بلغ الخير فيه المبلغ الفاتن،لأنه ينزع عن الإنسان خصائصه ومقوماته مهما منح في ظل تلك الشعارات والتطبيقات المختلفة من حماية كحماية الإنسان، المتحيون(من الحيوان) او حريته في غابة وحشية منظمة تنظيما دقيقا/ غابة لاوجود فيها لإنسان يمكن الإشارة إليه بأنه إنسان مكرم حقيقي...نعم يوجد إنسان يعاني أزمة طاحنة مهما علاها النور الذي يجذب الفراشات!
    وكلمة شيخ الإسلام عن عدل الدولة الكافرة التي يقيمها الله لاتعني شرعيتها في الإسلام ولكن تعني إقرار عدلها المعين إقراره قدريا ،إقرار وجودي، من هذه الناحية لا موافقة أمرية شرعية...لأنها تفقد الكلية والشمولية والخيرية والربانية بل والإنسانية المكرمة.... والنتائج -ايضا-مكلفة للإنسانية، ذلك أن كليتها ، أي الدولة الكافرة(العادلة بين قوسين) شر غالب، وذلك من ناحية نظرتنا الكلية إلى مقوماتها وخصائصها ونهاية ونتيجة تخليقها لإنسانية الإنسان ،روحا وجسدا، فنحن كقوم كما جعلنا الله وسطا بين الإمم جعلنا الله ايضا حكما عدلا على الدول والفرق والأديان والجماعات، فلم يقل الله عن النصرانية مثلا ان أصل دينهم باطل(مع أن مجمل دينهم باطل وكفر وخروج عن الأصل) لم يقل ان كل ماهم عليه محض باطل او باطل محض بل عدَل في الحكم ، وأخبرنا أن أصل دينهم حق (الإيمان بالالهيات والنبوات والشريعة إلا أنهم قاموا بتحريفه ،كفروا فحرفوا في(أصول) الإلهيات والنبوات والشرائع) كما أخبرنا أن في رهبانيتهم حق وفي رهبانييهم رقة من الزهد على الرغم من أنه ذكر أنها رهبانية مبتدعة ،إبتدعوها ماكتبها الله عليهم، ولذلك أضرت الرهبانية وماأصلحت، مع أنها قد تكون من ناحية صنعت من أفراد زهادا وكفت شرورهم عن الخلق ، وأفردتهم في صوامع (العزلة الطوعية) لكن أين الخير السابغ من وراء الرهبانية؟
    وماذا أدت إليه في النهاية؟
    فكذلك العلمانيات كلها.... مهما بلغت من تنظيم الحريات وعمليات الإنتاج والإبداع. فشرها النهائي أكبر من خيرها البادي، ويمكن سماع ضجيج مستوى الشر الذي آلت إليه من كلمات نقاد عملياتها اليومية ووقائعها المخزية وصورها المتردية من روادها أنفسهم ،في الماضي القريب، والحاضر، كما يمكن رؤية ضحاياها في جولة ميدانية وإطلاعة سريعة على إحصائيات الموت والدمار الإجتماعي الذي عبر عنه كثير من فلاسفتها وعلماء الإجتماع فيها بتعبيرات مخوفة.
    مامعنى فقدان الروح وموت الإنسان وغير ذلك من كلمات؟، هل هو شعور الإنسان بأنه في حاجة إلى رهبانية يتشوق فيها إلى المطلق(!) أو هندوسية ترطب له حياته المادية التي كلها عدل ونظام ؟ أم لحظة خرساء في جماعة تعبدية علمانية تتفنن في طرق لتسكين النفس كما يُرى في كثير من الجماعات التي تقيم سرادقات الفناء الجماعي للحظات تفرغ فيها صنوف الإضطراب النفسي والقلق العميق المتخفي في سراديب النفس الضعيفة.. للحظات..ثم تعود النفس منتكسة مرة أخرى.. تزداد ألما كلما رجعت إلى الحياة الواقعية من لحظات هيام مع صور جميلة(خيالية أثناء الفناء اللحظي!!) تحاول الإسترسال معها في غطة مغناطيسية جميلة الألوان والأفكار السارحة؟.
    إن فقدان الروح ليس هو ذلك فقط أو هو ذلك لكن أسبابه (عظيمة وخطيرة وغائرة)في النظام العلماني(العادل!!) نفسه؟
    لأنه يعطي المسكن والملبس ويحمي الإنسان من ظلم الإنسان في أمور تخص ماله او بعضا من حريته ،من نواح(ومن نواح أُخرى هناك ظلم في توزيع المال والثروات وهناك استغلال بشع)، لكنه يشرع له حياة فيها المسكرات ، الرخيصة، والجنس المطلق الرخيص، والمخدر الحشيش والمارجوانا وغيره من الأقراص والمخدرات، حياة تغيرت فيها صور الأسر والعلاقات، فقد فيها الإنسان النموذج الإنساني للأسرة الواحدة المعرفة في تاريخ الإنسان، والتي أخبرنا رواد الحداثة ومابعدها أنها أسرة ضيقة الحدود لاتناسب الحياة المعاصرة، لأننا تطورنا، وتغيرت أخلاقنا وقيمنا وصرنا إنسانيين أفضل ، عقلاء أفضل، شاعريين أعظم وأنقى شعرا ووجدانا وشعورا ولغة!
    طاشت الأسرة بسبب العدل والحرية العلمانيين، وطاشت الإنسانية بإسم الإنسانية (مازلنا -في أحكامنا-في كلمات رومانسية) لكن طاشت الأحلام بإسم الأحلام والأماني بإسم الأماني.. وماذا حدث من جراء ذلك أو تبعا له، في الواقع المادي؟
    كلمنا -يابن منينة-عن الواقع لاتحلق لنا في سماء مخيالك الديني الرومانسي؟
    لقد زادات معاناة الإنسان وحرم النوم والراحة، وحرم العلاقات الأسرية بل والإنسانية، اللهم إلا حفلة يكون الإنسان فيها فردا،في عزلة شعورية مهما كان الصخب والضجيج حوله ومهما بلغت اللحظة الجميلة فيما حوله، ويرجع إلى بيته فردا، يتجرع فيها خمر وحدته، أو حشيشة علمانيته وفردانيته، وتمتليء من جراء ذلك ومن وراء ضجيح الحفلات، العيادات النفسية ومصحاتها التي إمتلئت بها المدن والقرى، كما تزداد عمليات الإنتحار وسط الشباب المستمتع بموسيقى الحداثة وحفلاتها الصاخبة،إنه حر لكنه فقد حريته وحقه في أسرة وأم وأب وزوجة وأصدقاء ، وقد أصبح كل شيء مادي فرداني متشيئ، يرى اخته تبيع جسدها مع ملايين غيرها، في الغرب، في تجارة الرقيق الأبيض(الجنس بأنواعه،وهو جنس قانوني لاغبار عليه في مختلف العلمانيات)!
    ويرى أخوه يمتهن نفس المهنة، ويرى عيادات الموت يتردد عليها أصحاب الأمراض الجنسية المختلفة، كما يرى حتى بيوت المسنين تفتح أقسامها لمرضى الإيدز(شاهدت هذا بنفسي وعشت معهم أخدمهم وأعايش أزمتهم وأسمع قصصهم، وأواسي جراحهم...ولاحول ولاقوة إلا بالله، مساكين والله).
    نعم يأكل طعاما متعدد الألوان والطعوم، ويشرب المشروبات المتنوعة الرطبة واللذيذة، فيزداد شوقا إلى مزيد منها، وعلى الرغم من وفرة المال في حال عدم الأزمات الكبرى، (الآن يعاني الغرب من أزمة مالية ضخمة جدا تنهار على إثرها مؤسسات وأسر وإجتماعيات وإنسانيات ،اجساد وأرواح) إلا أنه يعاني في عمله أشد المعاناة، والأسباب كثيرة ومتعددة، بداية من نظام سلطوي مهيمن لايعرف الرحمة مع العمال بمختلف وظائفهم، كما أن نفس هذا النظام يسلبه حريته الخاصة، التي أعطاها له النظام (الأكبر) نفسه، ( وفيه او انه السر في تحطيم الأسرة والعلاقات الكبرى في العائلة) لتكون ضمانا وأمانا نفسيا له، فترى أوقات العمل غير مناسبة لحالته المعيشية الحديثة،فالمرأة مثلا لها صديق يعمل، وعندها منه أولاد، والأولاد لابد لهم من حضانة ومدرسة،(ومصاريف مكلفة جدا جدا) والمدرسة تطلب "بالقانون،وإلا العقاب!) أن يأتي الأولاد في المواعيد المحددة ،ولا أسرة يمكنها أن تفعل ذلك بأمان نفسي وحرية ومساحة من الوقت متاحة في ظل نظام العلاقات الجديدة ومايرتبط بها من صورة مجتمع جديد عن الماضي المسيحي مثلا (المدهش أن النساء اللائي لايعملن هن المحافظات على الأولاد ولايعانين في هذه الجزئية!) فصاحب العمل لايأبه لهذا الوضع، فيبدأ التلويح بالتهديد، (ومنها إذا لاتقدري على الإستمرار في هذا العمل عليك بالبحث عن عمل آخر!1) فترى الأم تصرخ من أنها لاتستطيع أن تقيم هذه الحياة بصورة كريمة، فتوقيت الذهاب الى العمل هو توقيت رعاية الأولاد صباحا لتوصيلهم إلى المدرسة، وصديقها أو زوجها أو زوجتها(!) تذهب في نفس التوقيت إلى المدرسة( لا "جيران" للمساعدة، ولا"اصدقاء" إلا نادرا، وبطلوع الروح!، والحق يقال!!، وغالبا لا أُم تساعد هذه الزوجة اليتيمة، في الصراع بين الإنسان والمسؤولية (والمجتمع فرداني في غالب حركته وفعاليته) حتى إن الأم قد تساعد إبنتها(بالمال!) والمال تقتطعه الدولة من الأم مرة أخرى، لكن الأم تعمل-عند إبنتها بمعرفة الدولة!- في نفس الوقت(العمل الإجباري، لكن هذه المرة عند إبنتها!!) وغالبا لاتجد الإبنة، لا"أم" تساعد في رعاية أولاد إبنتها لأنها مشغولة بحياتها المزدحمة علمانياأو دنيويا فردانيا أو جماعيا (فللأم جماعتها وعلاقاتها) ، وهنا تجد الإبنة نفسها في مأزق بين تلبية مطالب العمل ، وتلبية مسؤليتها تجاه الأبناء وتجاه جبروت الدولة العادلة(!) التي تضعها بين خيارات صعبة، بين العمل صباحا في نفس توقيت ذهاب الأولاد إلى المدرسة، فمن يذهب بالأولاد إلى المدرسة وهي ستذهب قبلهم إلى العمل، ولا حل غالبا في هذا، إلا أن تقعد من العمل وهذا ليس بإختيارها لأنها مجبرة على العمل وإلا لا قوت ولامال... وهذا مااراه في كل المؤسسات التي انخرطت فيها، وأسمع الشكوى من زميلات العمل، والشكوى بحرقة، وغالبيتهن لايجدن جوابا ولاحلا، فالأوضاع مأزومة، والسر في النظام الإجتماعي الجديد، وهيمنة الدولة على كل شيء، وتشيئ الإنسان فيها ، وعدم الإلتفات حتى لحريته في إقامة أسرة مستقرة، ومن هنا، ومن غيره، يحدث غالبا الطلاق، غير أن هذا الطلاق لايعدل الحالة بل يؤزمها ، لأن المرأة تصير وحيدة بعد أن كان لها زوج أو خدن أو صديق أو خدنة!، وفي ظل هذه الأزمة تزداد الأزمات النفسية والأمراض النفسية، وتمتلى العيادات ويقبل الناس على المسكنات(الأقراص، والمخدرات، والخمر، والبقاء للأقوى!)
    وأنت كقارئ يمكنك أن تجيبني بالله عليك أو بالعلمانية عليك!، إن كنت علماني، كيف يمكن للإنسان أن يهنأ في هذا الجو الموبوء بالحرية(!!) وقد إنتزعت منه حريته الأصلية في نظام يراعي إنسانيته وحاجاته الفطرية وغير ذلك مما يخطر ببال الحقوقي او الداعية!,,إنها العلمانيات جميعها مهما حاولنا التلاعب او وصف المصطلحات.(أو حتى الوصف للمعرفة العلمية وتمييز الأمور لإستخلاص نتائج)
    ومن خلف هذا النظام فلسفة تهيمن وتبقع وتقع وتختبيء او تظهر فلسفة إستقلال الإنسان،(عن الله) وهي الفلسفة العلمانية التي هي مقوم رئيس من مقومات تلك العلمانيات التي نتشدق بمصطلحاتها ونتفنن في عرضها وشرحا وكأنها لاتدل من وراء ذلك، على كل مشترك، هو استقلال الإنسان، استقلال العقل، استقلال التشريع.. بعيدا عن الدين ومقوماته في الحياة.. وتشريعاته التي تحمي الحريات والإنسانيات، وتنظم من خلال ذلك بثبات مبادئها وتغير الإجتهادات في خلق تنوع آمن وحر وعادل.
    إن العلمانية هي عزل للشريعة الربانية وأصولها وأساساتها والصلة بينها وبين المشرع الأصلي والحقيقي الرحيم والخبير العادل..
    مهما اختلفت صور العلمانيات وتصورنا ماهو العدل فيها ورأينا آثارها في التنظيم المادي إلا أنه بتصور نافذ في حركتها العميقة بل والسطحية سنجد المعاناة الإنسانية وفقدان الإنسان لحرية ضميره وتأزم حالته الداخلية التي تتعكر فيها سماء الحرية الممنوحة بسخاء، وعندما ينظر الإنسان في سقفها لايرى إلا سحابا داكنا وركاما من الأوهام وسقط الأحلام.. ومع ذلك إذا نظر حوله تراه لايرى إلا سيارة معينة ومأكل طيب ومشرب لذيذ (فيه من السموم الناتجة عن الرأسمالية الوقحة) ومسكن مريح واثات جميل، لكن ماذا يفيد ذلك كله وهو لايستطيع التحرك في حياته اليومية إلا متعثرا أو لاهثا أو مستعجلا ومتعجلا، او صارخا حانفا، زائغ العينين، طريد النفس والروح ، وحيدا في الجماعة العلمانية المنعزل بعضها عن بعض إلا في العمل او الحفلة السريعة الإنقضاء.. وبعدها الوحدة الخانقة.. ولاوجود للأسرة التي رميت في مزبلة علماء الإجتماعيات وعلماء النفس الغربيين لأنها من زمن البدائية القديمة وإنسانها الحجري.

    إن الشر في الدولة أو الجماعة الكافرة غالب في نواح أخطر من الخير الذي نراه احيانا فيها وقد يكون هذا الخير الأخير أفضل مما تقدمه دولة مسلمة ما، ظالمة لرعاياها، في الأموال والأمان.
    لماذا قال فوكو إن الإنسان قد مات في الغرب مع معرفته أن حداثته فيها مما فيها من العدل والحريات التي كتب هو نفسه فيها ، وفيها مابلغته من تعامل أفضل مع المساجين والمجانين والقتلة وأشباههم، وله كتب في تحليل تاريخ الجنون وتاريخ العقاب في الغرب وقد كان عقابا يندى له جبين الإنسان في وقت كانت حضارة الإسلام تعدل بين الناس؟
    ولماذا اعترض هابرماس وجماعة مدرسة فرانكفورت-وهي أجيال ومن الجيل الثالث اريك فروم،أليس كذلك؟- اعتراضها على الظلم الغربي للإنسان وهو مانرى آثاره في الغرب نفسه مع عدم إغفال ماهو موجود (داخليا) من العدل في أمور الجسد(من نواح أيضاّ) وإطعامه، والحرية وحمايتها، حتى حرية ممارسة الجنس مع أخس الحيوانات، وحريات يشعر الإنسان منها بالغثيان والقرف.
    إن العلمانيات نفي للإلهيات، ووأد للإنسانيات، ونفي للشرائع الربانية ومصدرها ونعمتها على الخلق، ورحمتها بهم، وحمايتها لأمانهم وحرياتهم وعقولهم وأسرهم....وذلك مهما تشدق رواد تلك الديمقراطية العلمانية(الأخيرة) بأنها نهاية التاريخ، يقول هاشم صالح إن الديمقراطية الحديثة هي نهاية التاريخ... وهو من أنصار العلمانية الناعمة!!، ودعاتها.

  7. #67
    تاريخ التسجيل
    Oct 2010
    الدولة
    مصري من مدينة الإسكندرية يعيش في الغرب
    المشاركات
    2,687
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    النص مع تعديل طفيف
    لايمكن أن يقيم الإنسان وحده، فردانيا أو جماعيا، فوكويا أو هبرماسيا، ومن قبلهما روسو-ويا، أو فولتير-اويا، نظاما عادلا من كل وجه،بل الشر فيه غالب ، مهما بلغ الخير فيه المبلغ الفاتن،لأنه ينزع عن الإنسان خصائصه ومقوماته مهما منح في ظل تلك الشعارات والتطبيقات المختلفة من حماية كحماية الإنسان، المتحيون(من الحيوان) او حريته في غابة وحشية منظمة تنظيما دقيقا/ غابة لاوجود فيها لإنسان يمكن الإشارة إليه بأنه إنسان مكرم حقيقي...نعم يوجد إنسان يعاني أزمة طاحنة مهما علاها النور الذي يجذب الفراشات!
    وكلمة شيخ الإسلام عن عدل الدولة الكافرة التي يقيمها الله لاتعني شرعيتها في الإسلام ولكن تعني إقرار عدلها المعين إقراره قدريا ،إقرار وجودي، من هذه الناحية لا موافقة أمرية شرعية...لأنها تفقد الكلية والشمولية والخيرية والربانية بل والإنسانية المكرمة.... والنتائج -ايضا-مكلفة للإنسانية، ذلك أن كليتها ، أي الدولة الكافرة(العادلة بين قوسين) شر غالب، وذلك من ناحية نظرتنا الكلية إلى مقوماتها وخصائصها ونهاية ونتيجة تخليقها لإنسانية الإنسان ،روحا وجسدا، فنحن كقوم كما جعلنا الله وسطا بين الإمم جعلنا الله ايضا حكما عدلا على الدول والفرق والأديان والجماعات، فلم يقل الله عن النصرانية مثلا ان أصل دينهم باطل(مع أن مجمل دينهم باطل وكفر وخروج عن الأصل) لم يقل ان كل ماهم عليه محض باطل او باطل محض بل عدَل في الحكم ، وأخبرنا أن أصل دينهم حق (الإيمان بالالهيات والنبوات والشريعة إلا أنهم قاموا بتحريفه ،كفروا فحرفوا في(أصول) الإلهيات والنبوات والشرائع) كما أخبرنا أن في رهبانيتهم حق وفي رهبانييهم رقة من الزهد على الرغم من أنه ذكر أنها رهبانية مبتدعة ،إبتدعوها ماكتبها الله عليهم، ولذلك أضرت الرهبانية وماأصلحت، مع أنها قد تكون من ناحية صنعت من أفراد زهادا وكفت شرورهم عن الخلق ، وأفردتهم في صوامع (العزلة الطوعية) لكن أين الخير السابغ من وراء الرهبانية؟
    وماذا أدت إليه في النهاية؟
    فكذلك العلمانيات كلها.... مهما بلغت من تنظيم الحريات وعمليات الإنتاج والإبداع. فشرها النهائي أكبر من خيرها البادي، ويمكن سماع ضجيج مستوى الشر الذي آلت إليه من كلمات نقاد عملياتها اليومية ووقائعها المخزية وصورها المتردية من روادها أنفسهم ،في الماضي القريب، والحاضر، كما يمكن رؤية ضحاياها في جولة ميدانية وإطلاعة سريعة على إحصائيات الموت والدمار الإجتماعي الذي عبر عنه كثير من فلاسفتها وعلماء الإجتماع فيها بتعبيرات مخوفة.
    مامعنى فقدان الروح وموت الإنسان وغير ذلك من كلمات؟، هل هو شعور الإنسان بأنه في حاجة إلى رهبانية يتشوق فيها إلى المطلق(!) أو هندوسية ترطب له حياته المادية التي كلها عدل ونظام ؟ أم لحظة خرساء في جماعة تعبدية علمانية تتفنن في طرق لتسكين النفس كما يُرى في كثير من الجماعات التي تقيم سرادقات الفناء الجماعي للحظات تفرغ فيها صنوف الإضطراب النفسي والقلق العميق المتخفي في سراديب النفس الضعيفة.. للحظات..ثم تعود النفس منتكسة مرة أخرى.. تزداد ألما كلما رجعت إلى الحياة الواقعية من لحظات هيام مع صور جميلة(خيالية أثناء الفناء اللحظي!!) تحاول الإسترسال معها في غطة مغناطيسية جميلة الألوان والأفكار السارحة؟.
    إن فقدان الروح ليس هو ذلك فقط أو هو ذلك لكن أسبابه (عظيمة وخطيرة وغائرة)في النظام العلماني(العادل!!) نفسه؟
    لأنه يعطي المسكن والملبس ويحمي الإنسان من ظلم الإنسان في أمور تخص ماله او بعضا من حريته ،من نواح(ومن نواح أُخرى هناك ظلم في توزيع المال والثروات وهناك استغلال بشع)، لكنه يشرع له حياة فيها المسكرات ، الرخيصة، والجنس المطلق الرخيص، والمخدر الحشيش والمارجوانا وغيره من الأقراص والمخدرات، حياة تغيرت فيها صور الأسر والعلاقات، فقد فيها الإنسان النموذج الإنساني للأسرة الواحدة المعرفة في تاريخ الإنسان، والتي أخبرنا رواد الحداثة ومابعدها أنها أسرة ضيقة الحدود لاتناسب الحياة المعاصرة، لأننا تطورنا، وتغيرت أخلاقنا وقيمنا وصرنا إنسانيين أفضل ، عقلاء أفضل، شاعريين أعظم وأنقى شعرا ووجدانا وشعورا ولغة!
    طاشت الأسرة بسبب العدل والحرية العلمانيين، وطاشت الإنسانية بإسم الإنسانية (مازلنا -في أحكامنا-في كلمات رومانسية) لكن طاشت الأحلام بإسم الأحلام والأماني بإسم الأماني.. وماذا حدث من جراء ذلك أو تبعا له، في الواقع المادي؟
    كلمنا -يابن منينة-عن الواقع لاتحلق لنا في سماء مخيالك الديني الرومانسي؟
    لقد زادات معاناة الإنسان وحرم النوم والراحة، وحرم العلاقات الأسرية بل والإنسانية، اللهم إلا حفلة يكون الإنسان فيها فردا،في عزلة شعورية مهما كان الصخب والضجيج حوله ومهما بلغت اللحظة الجميلة فيما حوله، ويرجع إلى بيته فردا، يتجرع فيها خمر وحدته، أو حشيشة علمانيته وفردانيته، وتمتليء من جراء ذلك ومن وراء ضجيح الحفلات، العيادات النفسية ومصحاتها التي إمتلئت بها المدن والقرى، كما تزداد عمليات الإنتحار وسط الشباب المستمتع بموسيقى الحداثة وحفلاتها الصاخبة،إنه حر لكنه فقد حريته وحقه في أسرة وأم وأب وزوجة وأصدقاء ، وقد أصبح كل شيء مادي فرداني متشيئ، يرى اخته تبيع جسدها مع ملايين غيرها، في الغرب، في تجارة الرقيق الأبيض(الجنس بأنواعه،وهو جنس قانوني لاغبار عليه في مختلف العلمانيات)!
    ويرى أخوه يمتهن نفس المهنة، ويرى عيادات الموت يتردد عليها أصحاب الأمراض الجنسية المختلفة، كما يرى حتى بيوت المسنين تفتح أقسامها لمرضى الإيدز(شاهدت هذا بنفسي وعشت معهم أخدمهم وأعايش أزمتهم وأسمع قصصهم، وأواسي جراحهم...ولاحول ولاقوة إلا بالله، مساكين والله).
    نعم يأكل طعاما متعدد الألوان والطعوم، ويشرب المشروبات المتنوعة الرطبة واللذيذة، فيزداد شوقا إلى مزيد منها، وعلى الرغم من وفرة المال في حال عدم الأزمات الكبرى، (الآن يعاني الغرب من أزمة مالية ضخمة جدا تنهار على إثرها مؤسسات وأسر وإجتماعيات وإنسانيات ،اجساد وأرواح) إلا أنه يعاني في عمله أشد المعاناة، والأسباب كثيرة ومتعددة، بداية من نظام سلطوي مهيمن لايعرف الرحمة مع العمال بمختلف وظائفهم، كما أن نفس هذا النظام يسلبه حريته الخاصة، التي أعطاها له النظام (الأكبر) نفسه، ( وفيه او انه السر في تحطيم الأسرة والعلاقات الكبرى في العائلة) لتكون ضمانا وأمانا نفسيا له، فترى أوقات العمل غير مناسبة لحالته المعيشية الحديثة،فالمرأة مثلا لها صديق يعمل، وعندها منه أولاد، والأولاد لابد لهم من حضانة ومدرسة،(ومصاريف مكلفة جدا جدا) والمدرسة تطلب "بالقانون،وإلا العقاب!) أن يأتي الأولاد في المواعيد المحددة ،ولا أسرة يمكنها أن تفعل ذلك بأمان نفسي وحرية ومساحة من الوقت متاحة في ظل نظام العلاقات الجديدة ومايرتبط بها من صورة مجتمع جديد عن الماضي المسيحي مثلا (المدهش أن النساء اللائي لايعملن هن المحافظات على الأولاد ولايعانين في هذه الجزئية!) فصاحب العمل لايأبه لهذا الوضع، فيبدأ التلويح بالتهديد، (ومنها إذا لاتقدري على الإستمرار في هذا العمل عليك بالبحث عن عمل آخر!1) فترى الأم تصرخ من أنها لاتستطيع أن تقيم هذه الحياة بصورة كريمة، فتوقيت الذهاب الى العمل هو توقيت رعاية الأولاد صباحا لتوصيلهم إلى المدرسة، وصديقها أو زوجها أو زوجتها(!) تذهب في نفس التوقيت إلى المدرسة( لا "جيران" للمساعدة، ولا"اصدقاء" إلا نادرا، وبطلوع الروح!، والحق يقال!!، وغالبا لا أُم تساعد هذه الزوجة اليتيمة، في الصراع بين الإنسان والمسؤولية (والمجتمع فرداني في غالب حركته وفعاليته) حتى إن الأم قد تساعد إبنتها(بالمال!) والمال تقتطعه الدولة من الأم مرة أخرى، لكن الأم تعمل-عند إبنتها بمعرفة الدولة!- في نفس الوقت(العمل الإجباري، لكن هذه المرة عند إبنتها!!) وغالبا لاتجد الإبنة، لا"أم" تساعد في رعاية أولاد إبنتها لأنها مشغولة بحياتها المزدحمة علمانياأو دنيويا فردانيا أو جماعيا (فللأم جماعتها وعلاقاتها) ، وهنا تجد الإبنة نفسها في مأزق بين تلبية مطالب العمل ، وتلبية مسؤليتها تجاه الأبناء وتجاه جبروت الدولة العادلة(!) التي تضعها بين خيارات صعبة، بين العمل صباحا في نفس توقيت ذهاب الأولاد إلى المدرسة، فمن يذهب بالأولاد إلى المدرسة وهي ستذهب قبلهم إلى العمل، ولا حل غالبا في هذا، إلا أن تقعد من العمل وهذا ليس بإختيارها لأنها مجبرة على العمل وإلا لا قوت ولامال... وهذا مااراه في كل المؤسسات التي انخرطت فيها، وأسمع الشكوى من زميلات العمل، والشكوى بحرقة، وغالبيتهن لايجدن جوابا ولاحلا، فالأوضاع مأزومة، والسر في النظام الإجتماعي الجديد، وهيمنة الدولة على كل شيء، وتشيئ الإنسان فيها ، وعدم الإلتفات حتى لحريته في إقامة أسرة مستقرة، ومن هنا، ومن غيره، يحدث غالبا الطلاق، غير أن هذا الطلاق لايعدل الحالة بل يؤزمها ، لأن المرأة تصير وحيدة بعد أن كان لها زوج أو خدن أو صديق أو خدنة!، وفي ظل هذه الأزمة تزداد الأزمات النفسية والأمراض النفسية، وتمتلى العيادات ويقبل الناس على المسكنات(الأقراص، والمخدرات، والخمر، والبقاء للأقوى!)
    وأنت كقارئ يمكنك أن تجيبني بالله عليك أو بالعلمانية عليك!، إن كنت علماني، كيف يمكن للإنسان أن يهنأ في هذا الجو الموبوء بالحرية(!!) وقد إنتزعت منه حريته الأصلية في نظام يراعي إنسانيته وحاجاته الفطرية وغير ذلك مما يخطر ببال الحقوقي او الداعية!,,إنها العلمانيات جميعها مهما حاولنا التلاعب او وصف المصطلحات.(أو حتى الوصف للمعرفة العلمية وتمييز الأمور لإستخلاص نتائج)
    ومن خلف هذا النظام فلسفة تهيمن وتبقع وتقع وتختبيء او تظهر فلسفة إستقلال الإنسان،(عن الله) وهي الفلسفة العلمانية التي هي مقوم رئيس من مقومات تلك العلمانيات التي نتشدق بمصطلحاتها ونتفنن في عرضها وشرحا وكأنها لاتدل من وراء ذلك، على كل مشترك، هو استقلال الإنسان، استقلال العقل، استقلال التشريع.. بعيدا عن الدين ومقوماته في الحياة.. وتشريعاته التي تحمي الحريات والإنسانيات، وتنظم من خلال ذلك بثبات مبادئها وتغير الإجتهادات في خلق تنوع آمن وحر وعادل.
    إن العلمانية هي عزل للشريعة الربانية وأصولها وأساساتها والصلة بينها وبين المشرع الأصلي والحقيقي الرحيم والخبير العادل..
    مهما اختلفت صور العلمانيات وتصورنا ماهو العدل فيها ورأينا آثارها في التنظيم المادي إلا أنه بتصور نافذ في حركتها العميقة بل والسطحية سنجد المعاناة الإنسانية وفقدان الإنسان لحرية ضميره وتأزم حالته الداخلية التي تتعكر فيها سماء الحرية الممنوحة بسخاء، وعندما ينظر الإنسان في سقفها لايرى إلا سحابا داكنا وركاما من الأوهام وسقط الأحلام.. ومع ذلك إذا نظر حوله تراه لايرى إلا سيارة معينة ومأكل طيب ومشرب لذيذ (فيه من السموم الناتجة عن الرأسمالية الوقحة) ومسكن مريح واثات جميل، لكن ماذا يفيد ذلك كله وهو لايستطيع التحرك في حياته اليومية إلا متعثرا أو لاهثا أو مستعجلا ومتعجلا، او صارخا حانفا، زائغ العينين، طريد النفس والروح ، وحيدا في الجماعة العلمانية المنعزل بعضها عن بعض إلا في العمل او الحفلة السريعة الإنقضاء.. وبعدها الوحدة الخانقة.. ولاوجود للأسرة التي رميت في مزبلة علماء الإجتماعيات وعلماء النفس الغربيين لأنها من زمن البدائية القديمة وإنسانها الحجري.

    إن الشر في الدولة أو الجماعة الكافرة غالب في نواح أخطر من الخير الذي نراه احيانا فيها وقد يكون هذا الخير الأخير أفضل مما تقدمه دولة مسلمة ما، ظالمة لرعاياها، في الأموال والأمان.
    لماذا قال فوكو إن الإنسان قد مات في الغرب مع معرفته أن حداثته فيها مما فيها من العدل والحريات التي كتب هو نفسه فيها ، وفيها مابلغته من تعامل أفضل مع المساجين والمجانين والقتلة وأشباههم، وله كتب في تحليل تاريخ الجنون وتاريخ العقاب في الغرب وقد كان عقابا يندى له جبين الإنسان في وقت كانت حضارة الإسلام تعدل بين الناس؟
    ولماذا اعترض هابرماس وجماعة مدرسة فرانكفورت-وهي أجيال ومن الجيل الثالث اريك فروم،أليس كذلك؟- اعتراضها على الظلم الغربي للإنسان وهو مانرى آثاره في الغرب نفسه مع عدم إغفال ماهو موجود (داخليا) من العدل في أمور الجسد(من نواح أيضاّ) وإطعامه، والحرية وحمايتها، حتى حرية ممارسة الجنس مع أخس الحيوانات، وحريات يشعر الإنسان منها بالغثيان والقرف.
    إن العلمانيات نفي للإلهيات، ووأد للإنسانيات، ونفي للشرائع الربانية ومصدرها ونعمتها على الخلق، ورحمتها بهم، وحمايتها لأمانهم وحرياتهم وعقولهم وأسرهم....وذلك مهما تشدق رواد تلك الديمقراطية العلمانية(الأخيرة) بأنها نهاية التاريخ، يقول هاشم صالح إن الديمقراطية الحديثة هي نهاية التاريخ... وهو من أنصار العلمانية الناعمة!!، ودعاتها.

  8. #68
    تاريخ التسجيل
    Jan 2009
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    613
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    أستاذي الحبيب طارق، اسمح لي أن أشاركك بمقال متواضع حررته ردا على الكتاب الذي كنا تحدثنا عنه للدكتور العلماني هاشم صالح "الانتفاضات العربية على ضوء فلسفة التاريخ"، و الذي قال بأنه سيقرأ فيه ما يحصل في العالم العربي على ضوء الفلسفة التاريخية لهيجل...
    و المقال نُشر لي في جريدة هيسبريس
    http://hespress.com/writers/80763.html

    هل يمكن قراءة الواقع العربي على ضوء فلسفة التاريخ الهيجلية؟


    في سياق التفاعل الفكري مع الانتفاضات التي عرفها العالم العربي أصدر الباحث السوري مترجم أعمال المفكر محمد أركون الدكتور هاشم صالح كتابا بعنوان "الانتفاضات العربية على ضوء فلسفة التاريخ" عن دار الساقي، و هو عنوان كبير و مثير، و قراءة الواقع العربي على ضوء معطيات الماضي، استشرافا للمستقبل و استباقا لأحداثه، هي مهمة فعلا منوطة بالمفكرين، لكنها ليست بالمهمة السهلة، فإن تقديم قراءة في فلسفة التاريخ العربي، تستوجب قراءة متمعنة، لا في أحداثه السياسية فحسب، خاصة أن هاشم صالح يعد في كتابه بقراءة الواقع العربي على ضوء فلسفة التاريخية الهيجلية، بل عليه أن يعرج أولا على تاريخ الأفكار، إذ من المعلوم أن هيجل مفكر مثالي، بالمعنى الفلسفي لمفهوم "مثالية"، أي يقول بأسبقية الأفكار و تأثيرها و توجيهها للتاريخ البشري.

    في الواقع د. هاشم صالح لم يفعل شيئا من ذلك، بالعكس فإن من يقرأ كتابه هذا يصاب بالذهول و يظل مشدوها من شتات الأفكار، بحيث لا تكاد معه تجد خيطا ناظما، حتى إنه يمكن القول أن عنوان الكتاب لا يمت بصلة لمضمونه، فالكتاب في مجمله "ملحمة شتائمية" بامتياز، كال فيه كل أنواع السب و الشتم لخصومه الايديولوجيين الذين اعتلوا سدة الحكم بعد أحداث الانتفاضات العربية، و يذهب في سبه هذا إلى درجة وصف فيها ما يحدث بأنه "التاريخ يتقيأ خبائثه" تبعا لنظرية "مكر العقل" التي قال بها الفيلسوف الألماني هيجل، بمعنى أن التاريخ الآن قبل أن يفوض مفاتيحه لزملائه الليبراليين لا بد أن يتخلص من درنه و نجسه المتمثل في الإسلاميين، و هذا ما حدث الآن، و هذا من مكر التاريخ.

    وفي الحقيقة فإن د. هاشم صالح أساء فهم المفهوم الهيغلي "مكر العقل"، فالأصل أن المفهوم ديني ثيولوجي بامتياز علمنه الفيلسوف الألماني، إن الأصل في مكر العقل هو "مكر الله"، و المكر هنا كما يقصده هيغل لا يختلف في شيء عن صفة المكر التي ينسبها الله لنفسه في القرآن، بمعنى أن يكون المكر الذي يوظفه "أعداء الله" للنيل من رسالته و معارضتها شرا عليهم لا خيرا بحيث تحقق أهدافه هو سبحانه و تعالى، بالضبط كما كان المكر اليهودي ضد عيسى شرا على صاحب فكرة المكر بالنبي المسيح، و هكذا فإن المكر التاريخي كما يفهمه هيجل يعني ببساطة، تورط أعداء الحرية أنفسهم في تحقيق أهدافها، و إذا علمنا أن أصل الحرية عند هيجل هي الدولة، لزم منه أن لا يكون المستقبل حسب فلسفة التاريخ الهيجلية لليبرالية كما يفهمها هاشم صالح، الحرية المتسيبة التي يعبر عنها بقوله " أنا لست ضد رجال الدين بالمطلق بشرط أن يتركونا نشرب عرقا و ويسكي و نسمع الجاز و الموسيقى الكلاسيكية و نغازل الآنسات و السيدات.. و بقية الحريات" [1]، إن تحقيق وعي الإنسان بذاته و هي الحرية التي يقصدها هيجل لا يمكن أن تتجسد إلا من خلال قيام كيان سياسي "دولة"، هذا هو مقصود هيجل من الحرية، و ليس ما فهمه هاشم صالح، بل و الأدهى أن الدولة التي نظر لها هيجل ديكتاتورية إلى حد أن البعض ربط بين انتشار الاستبداد و الطغيان في ألمانيا النازية و فلسفة هيجل [2].

    نقد فلسفة التاريخ :

    كان سلفنا يقولون "أثبت العرش ثم انقش"، و يذكرون ذلك في إطار عدم التسليم بالأساس الذي يبني عليه الخصم حجته، و إذا أردنا أن نسقط هذا المثل على موضوعنا سنقول كان على هاشم صالح أن يثبت صحة الأساس الذي بنى عليه تصوره، أقصد أن يبين قدرة فلسفة التاريخ على احتواء الماضي و التنبؤ بالمستقبل، و إثبات موضوعية المبحث، و أنه لا تشوبه أية نزعات إيديولوجية، و بعد ذلك أن يوغل في تعميق رؤيته المنهجية فيبين جدوائية الفلسفة التاريخية المثالية التي يحمل لواءها هيجل، و ينقض الفلسفات التاريخية الأخرى، سواء تلك التي تشارك هيجل في الإيمان بالتقدم المطرد رغم اختلافها معه حول المحرك الأساسي للتاريخ، و من باب أولى أن ينسف فلسفة التاريخ التعاقبية، أي تلك التي تؤمن بالسير الدوراني للتاريخ. و د هاشم صالح لم يفعل شيئا من ذلك، بل إنما عرف فلسفة التاريخ الهيجلية في كلمات يتيمة ثم مضى يسرد النتائج التي سيؤول إليها الواقع العربي، من غير هاد أو مرشد سوى أهواء النفس.

    إن ما قد يجهله هاشم صالح أو يتجاهله – و هو ما يبدو واضحا من كتابه هذا- أن فلسفة التاريخ ليس مبحثا ينأى عن النزعات الايديولوجية التي توجه كل فيلسوف، و هو عندما يقول مثلا " البعض يخشى هيمنة الإخوان المسلمين على المرحلة المقبلة و قطف ثمار كل هذه الثورات التي انطلقت بشكل عفوي خارج إطار الإخوان و غير الإخوان .. و لكن نرجو أن تكون هذه الهيمنة مؤقتة أو مرحلية فقط، عندئذ يتحول السلب إلى إيجاب و ذلك طبقا لفلسفة التاريخ الهيجيلية التي أرتكز عليها في هذا الكتاب و التي تقول لا يمكن تجاوز المرحلة التراثية المتجذرة في أعماق الجماهير قبل المرور بها و الاكتواء بحر نارها" [3] فإنه يبدو أشد دوغمائية و إطلاقية من أولئك الذين يشتد نكيره عليهم عندما يقولون "قال ابن تيمية أو قال الغزالي" أو غيره من رموز التراث كما يسميهم.

    إن فلسفة التاريخ ليست تنأى عن النزعات الإيديولوجية التي يخضع لها كل فيلسوف و تشكل قوامه الفكري، و إنما هي مرتع خصب يفرغ فيها كل فيلسوف جملة النظريات التي يتبناها، من هنا نفهم الاختلافات التي نشبت بين من من خاض في هذه الفلسفة، و التمييزات ذات الدلالة العميقة في تأكيد هذا الخلاف، بين فلسفة تاريخ مثالية و أخرى مادية، ليس هذا فحسب بل إن تحوير و تغيير الموضوع الذي تهتم به فلسفة التاريخ من التأمل إلى النقد، لم يكن ليحصل لولا هاجس المستقبل الذي يدهس كل أسس الموضوعية و التجرد في البحث، لقد كانت الليبرالية البرجوازية في عز انتصاراتها لما كان التاريخ في صالحها تتحدث عن التطور وعن فلسفة تقدمية للتاريخ، لكن عندما ظهر ماركس و بشر بحقبة أخرى صار البحث في التاريخ من وجهة النظر فلسفية تميل إلى الهدم و التشكيك، لم يعد الحدث التاريخي مسلمة، ولا الوثيقة التي يعتمد عليها المؤرخ معطى جاهز يمكننا مباشرة أن نأخذ ما فيها من معلومات، و دافع هذا التحول هو الطعن في الدورة التاريخية التي قدمها ماركس و التي تبدأ من الشيوعية الأولى و تنتهي بالشيوعية الثانية كمرحلة لاحقة على الرأسمالية [4]، و هكذا اتجهت الأنظار من تأمل التاريخ كمسار له هدف معين، إلى نقد أدواته و ذلك من أجل الضرب في الأسس التي قامت عليها الماركسية، و ما يزكي هذا الطرح الذي يعزو الانتقال من فلسفة التاريخ التأملية إلى فلسفة التاريخ النقدية إلى دوافع إيديولوجية، عودة الليبراليين إلى تأمل التاريخ كمسار له هدف غاية بعد سقوط الاتحاد السوفييتي و انكماش إيديولوجيته، لقد تحدث الليبراليون مباشرة عن فلسفة التاريخ مستلهمين هيجل و نظرية التايموس الأفلاطونية، و تحدثوا عن الليبرالية كآخر نمط حضاري تعرفه البشرية [5].

    و فلسفة التاريخ ككل هي تحوير علماني لمبدأ ديني، و هو ما يزكي ما ذكرناه سابقا من تدخل الأهواء في نسج خيوط المبحث، يقول أحد الباحثين : "لابد من الاعتراض على فلسفة التاريخ المنقولة إلينا بجلها و دقها، ذلك أن هذه الفلسفة لم تكن –كما يظن- إبداعا عقليا مبنيا على دراسات علمية للظواهر التاريخية و إنما كانت في أصلها ثمرة صياغة علمانية لخبر له أصل في التوراة، و مضمون هذا الخبر عند جمهور اليهود هو أن المسيح لم تتم بعثته بعد و أنه لن يبعث إلا في آخر الزمان لينهي الخطيئة و يقيم الحياة الكاملة في الأرض." [6].

    و د.هاشم صالح و هو يوظف فلسفة التاريخ الهيجلية ليبشر من خلالها بالمستقبل الواعد الذي ينتظر الليبرالبية لم يلق بالا لهذه النزعات التي تتخلل فلسفة التاريخ ككل، و هو ما يفرض كخطوة منهجية الاحتفاظ بهامش الحذر في التعاطي مع هكذا مباحث، بل إنه أساء بشكل كبير للأسس التي قامت عليها فلسفة تاريخ هيجل نفسها. كيف ذلك؟

    إن هيجل إذ يصرح بأن العقل أو الروح هي التي تحكم العالم و مساره التاريخي عندما يقول : "إن العقل يسيطر على العالم، و أن تاريخ العالم بالتالي يتمثل أمامنا بوصفه مسارا عقليا" [7]، دعى إلى ضرورة قيام هذه الفلسفة المثالية -التي تعزو تحريك التاريخ و تغييره في اتجاه تقدمي مطرد إلى الفكر- على دعامات واقعية تاريخية لا متخيلة ميتافيزيقية، إن فلسفة التاريخ هي حصيلة نظرة معمقة متعالية على التاريخ، تحاول استجلاء محددين : الغاية والعلة، غاية التاريخ و علته، إنه لا بد من الوقوف على الوقائع و الأحداث التاريخية التي تخفي وراءها فلسفة التاريخ و طبيعته التقدمية من أجل تحديد فصول الديالكتيك، و هذا ما عبر عنه هيجل باختصار بقوله : " ينبغي أن نتبنى بأمانة كل ما هو تاريخي" [8]، و السؤال هنا : هل قدم هاشم صالح قراءة في تاريخ الأفكار في العالم الإسلامي؟ هل وظف قانون الديالكتيك الذي طبقه هيجل على التاريخ الغربي؟ إذا كان تاريخ الفكر يتمثل في الفكرة و نقيضها و مركب الفكرة و نقيضها، و التي تصير فيما بعد محل اعتراض فكرة أخرى مناقضة لها و هكذا، فماذا كان قبل المرحلة التراثية؟ بل و هل مجرد اعتلاء الاسلاميين سدة الحكم برهان على إسلامية الحضارة المنتشرة الآن؟ خاصة أن هيجل إذ يبرز مكونات ديالكتيكه لا يحتكم إلى التاريخ السياسي و إنما إلى تاريخ الفكر، يقول أحدهم و هو يشرح معالم الديالكتيك الهيجلي : "إن كل تغيير يمر من خلال دورة ذات مراحل ثلاث هي الفكرة و هي عملية تأكيد و توحيد و النقيض و هو يعبر عن عملية انفصال عن الفكرة و نفي لها، و المركب و هو توحيد جديد يوائم بين الفكرة و النقيض" [9].

    إن فلسفة هيجل التاريخية ليست بالبسيطة، لأنها حصيلة تأملات متعددة في الفلسفات السابقة استطاع هيجل أن يضمنها في قالب فلسفي متين، إن كل عنصر من العناصر الرئيسية في فلسفة هيجل للتاريخ –يقول كولنغوود- "مشتق من أسلافه و لكنه ألف بين آرائهم في قدرة فائقة، فخلق منها نظرية متماسكة موحدة إلى الحد الذي يتطلب دراسة كاملة بوصفها نظرية مستقلة" [10].

    واحتكام هيجل إلى الأفكار في بناء نسقه الديالكتيكي يتبين كذلك في تقسيمه للمجتمعات إلى "ما قبل تاريخي" و "تاريخي"، فالمجتمعات التاريخية هي تلك بلغت من الوعي العقلي الذي يمكنها من التعالي على الطبيعة و السيطرة عليها، صحيح أن الوعي بالذات في الفلسفة الهيجلية يرتبط بقيام تجمعات سياسية في هيأة دولة، لكن الفكر سابق على السياسة في الفلسفة الهيجلية، إن "تاريخ العالم ليس سوى صراع من جانب الروح لكي تصل إلى هذه المرحلة : مرحلة الوعي الذاتي، أعني المرحلة التي تكون فيها حرة عندما تستحوذ على العالم و التعرف عليه على أنه ملك لها". [11]

    إذا كان د.هاشم صالح أساء توظيف فلسفة التاريخ الهيجلية، باحتكامه إلى التاريخ السياسي للحظة الراهنة، تبين أن خطأه مزدوج، ذلك أن فلسفة هيجل التاريخية ليست حقيقة مطلقة، و لم تسلم من الانتقادات، فهيجل نفسه كما قال مترجم كتابه في فلسفة التاريخ "قد عرف الشيء الكثير عن المسار الذي ينبغي أن يسلكه التاريخ قبل أن يعرف وقائع تاريخية على الإطلاق" [12]، لقد آمن هيجل إيمانا بلا برهان أن التاريخ يجب أن يسير في مسار تقدمي تطوري ثم اتجه إلى التاريخ يبحث عن مشروعية لهذا الاعتقاد. كما أن فلسفة هيجل لم تكن إنسانية، بل كانت تعج بالأحكام العنصرية من تحقير للأمم الأخرى و ازرائها، و قد أشار إمام إلى أن "أحديث هيجل عن الهنود الحمر و عن الزنوج، تثير السخط و الحنق، و تمثل ظاهرة غير إنسانية على الإطلاق" [13]، كما آمن بجبرية جغرافية، و رأى أن شعوبا دون أخرى هي التي تحقق ثورات هائلة تسير بها نحو معانقة الحرية، و أما بعض الشعوب الأخرى فقدرها أن تظل متمرغة في تخلفها [14]، هذا فضلا عن الانحياز القومي للألمان و اعتباره لدول الشرق بأنها لم تعرف الحرية [15].

    ولعل من أهم الاعتراضات التي وجهت لمن يرى بأن التاريخ يسير في اتجاه واحد نحو التقدم، هي تلك التي أوردها الفيلسوف كارل بوبر، فعند الفيلسوف سعي دعاة التقدم و التطور نحو السيطرة العلمية على الطبيعة الإنسانية من أجل الوصول إلى الإنسان الأسمى إنما هو سعي انتحاري خطير لا يدرك هؤلاء مدى خطورته على مستقبل الإنسانية، ذلك أن ينبوع التطور ومصدره الأوحد كما أبرز كارل بوبر هو الغنى و الرثاء الثقافي و الحضاري الذي يصير مادة للانتخاب [16].

    في الختام، من المؤسف حقا أن يخرج مقلدة الحداثيين بعناوين براقة توحي بجدية في الطرح، لكن عندما تتوغل في مضامين ما جاؤوا به، تجدك مشدوها مذهولا، من قصور تنظيري لا مثيل له، بل و سوء فهم للفلسفة التي يتكئون عليها في مقاراباتهم الفكرية. إنهم في الحقيقة يتزينون بهذه العناوين و يتخفون وراءها ثم يطلقون العنان للسان لينطلق في سب الخصوم و كيل الشتائم لهم. إن الفلسفة لم تكن يوما مصدرا لحقيقة مطلقة، الفلسفة تقدم مجالا خصبا لتبادل الأفكار، و تتأثر بمجالها التداولي بشكل كبير، هذا إن لم تكن إفرازا مباشرا لها، من هنا لا يمكن أن نورد فلسفة انطلقت من معطيات بيئة مغايرة لنسقطها علينا إسقاطا ممسوخا لا يسلم هو الآخر من سوء توظيف.

    [1] هاشم صالح، الانتفاضات العربية على ضوء فلسفة التاريخ، دار الساقي، ط1، بيروت، 2013. ص 95.

    [2] جان هيبوليت، مكر العقل و التاريخ عند هيجل. مقال ترجمه : فؤاد بن أحمد.
    http://www.aljabriabed.net/n56_11fouad.htm

    [3] هاشم صالح، الانتفاضات العربية على ضوء فلسفة التاريخ، ص 77.

    [4] انظر تفاصيل التحول في :
    التاريخ و الفلسفة : ملاحظات حول إشكالية الأصالة و المعاصرة، ضمن :
    محمد عابد الجابري، التراث و الحداثة : دراسات و مناقشات. مركز دراسات الوحدة العربية، ط 3، بيروت، 2006. ص 95 و ما بعدها.
    البحث نفسه في :
    محمد عابد الجابري، من أجل رؤية تقدمية لبعض مشكلاتنا الفكرية، مطبعة دار النشر المغربية، ط 4. 1983. ص 83 و ما بعدها.

    (5) انظر : فرانسيس فوكوياما، نهاية التاريخ و الإنسان الأخير. ترجمة د.فؤاد شاهين و آخرون. مركز الإنماء القومي. بيروت. 1993.

    [6] طه عبد الرحمن، الحق العربي في الاختلاف الفلسفي. المركز الثقافي العربي. ط2. 2006. ص 73.

    [7] هيجل، محاضرات في فلسفة التاريخ، ترجمة إمام عبد الفتاح. بيروت. 1983. ص 78.

    [8] نفسه، ص 80.

    [9] أرمان كوفيليه، مدخل إلى علم الاجتماع، ترجمة نبيه صقر، ط 2، منشورات عويدات، بيروت، 1980، ص 54-55.

    [10] كولنجوود، فكرة التاريخ، ترجمة محمد بكر خليل، مصر، 1961. ص 211.

    [11] هيجل، محاضرات في فلسفة التاريخ، ص 48.

    [12] هيجل، محاضرات في فلسفة التاريخ، ص 58.$

    [13] نفسه، ص 59.

    [14] نفسه، ص62-63.

    [15] ويد جيري، المذاهب الكبرى في التاريخ من كونفوشيوس إلى توينبي، ترجمة ذوقان قرقوط، بيروت، 1979. ص 234.

    [16] كارل بوبر، بؤس التاريخية، ترجمة سامر عبد الجبار المطلبي، بغداد، 1988. ص 170.
    يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيم

  9. #69
    تاريخ التسجيل
    Oct 2010
    الدولة
    مصري من مدينة الإسكندرية يعيش في الغرب
    المشاركات
    2,687
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    شكرا حبيبي عادل
    اعتمد هاشم صالح على فلسفة نيتشه الإنقلابية الجدلية ، في مواضع من كتبه، في رفض الإسلام كما أنزله الله بقيمه وشرائعه وعقائده عن الإنسان والعلم والحرية وضوابطها وشروطها كما اعتمد على فلسفة هيجل في كتابه الإنتفاضات العربية في ضوء فلسفة التاريخ) ، ،مع ان هيجل هو الفيلسوف الذي برر الدكتاتورية البروسية ورفع ملك بروسيا لدرجة المسيح (الدرجة الغربية!!)، لقد أغفل هاشم صالح وهو يسرد لنا الفكر النيتشوي في سبيله لتهديم التصورات الحقيقية عن الإسلام، أغفل وحجب صرخة نيتشه-نفسه- التي كان قد اطلقها في كتابه المسمى(عدو المسيح)، والذي صرخ متألما فاقد الحيلة،محتار ضال،يرى الطريق مسدودا أمامه،صرخ صرخته المشهورة أن الكنيسة منعت عن أوروبا الحقائق عن الحضارة الإسلامية،الحضارة التي علمت الغرب العلوم!!،وخلقت فيها الفهوم .. قال نيتشه ان حضارة الاندلس أو(العالم الغرائبي لحضارة العرب في اسبانيا)اقرب الينا من اليونان والرومان والتي تتناسب مع شعورنا وذوقنا ، واضاف ان "الكنيسة حرمتنا من ثمار حضارة الاسلام" (ص179) وهو من قال ان المسلمين هم من علموا اوروبا النظافة كما مدح قرطبة الغنية بالعلم والسماحة، والنظافة والفنون (نفس الكتاب ص65) وذكر كيف ان الكنيسة كانت تقاوم حتى النظافة ومن ذلك اغلاقها حمامات قرطبة بعد طرد المسلمين ,ويقول ان الإسلام لدى احتقاره للمسيحية يمتلك الف حق ! (انظر ص 65)
    لقد أطلقها نيتشه صرخة غاضبة وهو يهدم البنيان المسيحي وأثاره وغباره -في كتابه-وأيضا وهو يقتل رب المسيحية المصلوب في فكره وأدبه (في كتابه :عدو المسيح)، نعم صرخة أطلقها نيتشه، قبل أن يموت ويُميت معه ربه المصلوب ، وهي الصرخة المدوية الصريحة الأولى في صراحتها، قبل أن يموت الإنسان،أيضا، على يد فوكو وغيره ، وهي الصرخة الثانية-موت الإنسان- التي انطلقت بعد ذلك من فرنسا الحريات!، الصرخة الأوروبية الثانية والحديثة!!، والسؤال الآن هو: لماذا ساوى العلمانيين العرب بين المسيحية التي حجبت الحضارة ومنعت النظافة وحجبت العلم الطبيعي ،وحجبت الإنسان عن عالمه وسنن كونه ، وعبدت المصلوب تاركة الدنيا خربة عطبة لاتلوي على شيء؟، لماذا ساوى هاشم صالح بينها ، وهي الظالمة لأهلها، وبين الإسلام الذي اخرج الحضارة القيمية العلمية النظيفة للعالم، والتي كان خيرها لأهلها وغير أهلها؟ لماذا ساووا بين ماصرخ منه نيتشه منكرا ومتنكرا، وبين ماصرخ من أجل إضاءاته ونظافته المحجوبة بسبب بغضاء كنسية استمرت قرونا ولوثت الأجواء ومعامل الفكر والنظر!؟ أليس في تلك الصرخة النيتشية تفرقة صارخة واضحة -فرقان -بين الإسلام وحضارته وبين إنغلاق الفكر المسيحي وديانته؟ فلماذا يرمي أركون وهاشم صالح الإسلام والمصحف بالإنغلاق مع انه هو -هو نفسه لامصحف غيره ولا قرآن غيره ولا وحي غيره ولاتنزيل غيره ولا رسالة غيره-الذي دفع الأمة للإجتهاد والإنفتاح على سنن الكون وإنشاء العلوم والتقنيات العلمية والعملية وعالم الإنتاج التكنولوجي المعلوم في التاريخ؟
    وعلماء الإسلام الذين انتجوا الحضارة العلمية الربانية الدينية التقنية بالإنغلاق؟ إن المساواة بين الإسلام والكنيسة، والإنجيل والقرآن، هو التحريف الكبير والتلبيس العظيم والفضيحة الكبرى التي وقع فيها العقل العلماني وهو الشيء الذي دفعه لإهانة القرآن ونقد القرآن وتحريف تأويل القرآن كما أوله الله نفسه وفسره النبي نفسه وبين حقيقته رب العالمين نفسه.
    إنها الجريمة الكبرى، أي رمي الإسلام بما قال نيتشه إنه برئ منه، جريمة رمي المصحف ومبادئه وثوابته بالإنغلاق وعمل الإنسداد التاريخي، إن هاشم صالح وأركون عموا عن الحقيقة لأسباب متراكمة في نفوسهم ، ومنها فراغ البيئة الشيعية -المكونة المشكلة لنفوسهم ،التي خرجوا منها ، وإبتعثوا من منظموتها الجاهلة، فراغ تلك البيئة الشيعية من آليات وعلوم حقيقية تفرق بين الإسلام والمسيحية، في الإعتقاد والشريعة والعقل والمنهج والنظرة للإنسان والكون والحياة، والعلم والسبب، والإخلاق والقيم العلمية والكونية...
    لاشك أن جريمة نيتشه هي عدم البحث عن المصدر الذي شغل العقل الإسلامي وثور الجغرافيا البشرية والأرضية في عالم المسلمين؟
    ان تنبؤات هاشم صالح الأخيرة ، المبثوثة كالخيبة بين كلماته في كتابه(الإنتفاضات العربية في ضوء فلسفة التاريخ)، أن عقائد هذا الدين ستنهزم على يد الفكر العلماني الحداثي ،هي تنبؤات خائبة متذمرة، هذا هو دافعها الأصيل وصرخها العليل، والله الأعلى وهو نعم المولى والمعز النصير
    https://www.facebook.com/tarekaboomi...67152540129900

    المصدر: http://vb.tafsir.net/forum17/thread3...#ixzz2VbDBpxeX

  10. #70
    تاريخ التسجيل
    Jan 2009
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    613
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    بارك الله فيك عزيزي طارق.
    المد العلماني على المستوى الفكري بدأ يتقلص مع وفاة أعمدة هذا الفكر كنصر حامد و أركون و الجابري و جمال البنا و غيرهم، و لم يبق إلا تلامذتهم، و هؤلاء في الحقيقة ليسوا في مستوى أساتذتهم.
    من الطرائف التي رواها لس أحد الباحثين الأصدقاء، أنه التقى بهاشم صالح في "مراكش" عند افتتاح المؤسسة العلمانية "مؤمنون بلا حدود"، فسأل هاشم عن جديده فقال له أعد دراسة جديدة عن قراءة النص ههههه، فقال لي صديقي هذا مازحا "حتى إن قام بدراسة ما فلن تكون إلا من جنس سخافته الأخيرة الانتفاضات العربية.."، ثم أضاف قائلا "هاشم انتهى بانتهاء أركون".. و فعلا فمن يرى كتبه التي ألفها ابتداء يجدها كتبا تدريسية و تعليمية عادية جدا، مثل كتابه مدخل إلى التنوير الاوروبي.
    لكن مع ذلك أعتقد أن نهاية المد العلماني فكريا لا يعني ظهور الفكر الإسلامي الأصيل، لأن هذا الأخير في الحقيقة لم يخط خطوات جادة في طريق التجديد، و لو على مستوى الخطاب فقط... مهمة المفكر الإسلامي هي تقريب الفكر الإسلامي في حلة جديدة يقبلها هذا الجيل الصاعد.
    نعم هناك دراسات تنتقد الفكر العلماني، مثل دراستك أستاذ طريق، و الدراسة التي قام بها أحمد إدريس الطعان، لكن الملاحظ أن هذه الدراسة تهدم الفكر العلماني، أما بناء فكر إسلامي، فهذا قليل، و هذه القلة للاسف غير مشهورة، مثل علي عزت بيجوفيتش و الفصل الثاني من كتابه الاسلام بين الشرق و الغرب الذي عرف فيه بالإسلام و أظهره فكرا عالميا رائعا و طه عبد الرحمن و أبو يعرب المرزوقي..
    يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيم

  11. #71
    تاريخ التسجيل
    Oct 2010
    الدولة
    مصري من مدينة الإسكندرية يعيش في الغرب
    المشاركات
    2,687
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    من المعلوم استاذ عبد الرحمن ان النعيم تلميذ لمحمود محمد طه في كتابه نحو تطوير التشريع الإسلامي ترجمة وتقديم حسين احمد امين،(انظر ص25) وقد صدر الكتاب أولا،باللغة الإنجليزية.
    وكتابه هذا اصدار مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان(سلسلة قضايا الإصلاح رقم7)
    قال عن مضمون كتابه هذا أن عرض لعمل استاذه وهو التوفيق بين التعاليم الإسلامية ، ومقتضيات المعاصرة(ص17)، وقال ايضا:" وفي هذا الكتاب الذي بين أيدينا عرض واف لهذه الفكرة ولغيرها من الأفكار التي نادى بها المرحوم الإستاذ محمود محمد طه"(ص17) وأنه بعد مقتل أستاذه كما قال وقمع حركته:" استقر عزمي وهمي الأول كأحد المنتسبين لتلك الحركة على إشاعة المعرفة على أوسع نطاق بفكرة ونموذج أستاذي الذي إغتيل.. وهكذا تيسرت لي فرصة السفر إلى الولايات المتحدة في منحة للبحث العلمي .. بدأت بكتابة عدد من المقالات حول أفكاره للنشر في الدوريات العلمية التي تصدر باللغة الإنجليزية وتداعت تلك المقالات إلى مشروع للبحث حول قضايا الحكم وحقوق الإنسان من المنظور الإسلامي المعاصر الذي تمكنت من القيام به بمعهد "ودرو ويلسون" واشنطن عام 1987-1988"(ص25)
    ومع ذلك فالرجل يشبه في كثير من تلبيساته ،جمال البنا ، في مفاجأته الفجة، الغريبة والطائشة،فهو مثلا يقول ليس هناك وجود لدولة اسمها الدولة الاسلامية -بل يقول لاداعي لتسمية الدولة بدولة اسلامية-ويقول بعلمانية اسلامية اي ان هناك داع لتسميتها بدولة علمانية!، ويطلب يضرورة الإقرار بعلمانية الدين، وأن دولة الإسلام كانت دائما علمانية!(ص10)
    وله كلام كثير ينسجه بتعقيد أو بسطحية تلفيقية معقودة!،عن الدولة والسياسة والقانون والشريعة ،فالقول بعلمانية الدولة لايعني نقل النموذج الأوروبي وإنما كواقع تاريخي يوافق طبيعة الشريعة الإسلامية (ص10) فكأنه يطبق التصور الغربي ثم يقول ان الشريعة لاتخالفه
    فالعلمانية لاتخالف الإسلام، بزعمه، وهذا الواقع التاريخي لايخالف الشريعة بل :"يحقق أهدافها أكثر مما يمكن أن يكون تحت أي نظام للحكم يدعي صفة الدولة الإسلامية"(ص10)
    فالرجل لايريد أن يرى أسماء الإسلام ولاحتى كل من يرفع شعارات إسلامية يريد أن يحقق نموذجها تحت ظل وحقيقة المعاني الإسلامية!، بل إنه يقول:" ودعاوى الإسلام السياسي عندي باطلة وخطر مستطير، ولكن لاتكون هزيمتها ورد كيدها(!) أيدا بالتنكيل...وإنما بفضح بطلان دعواها وبيان خطرها على الإسلام والمسلمين"(ص 29) ويبدو أنه يشبه المستشار العشماوي في كتاباته وايضا السيد يسين وجابر عصفور والقمني وخليل عبد الكريم.
    ويقول بأن إنحياز الدولة لدينها(!) :"إنما هو انحياز لفهم القائمين عليها لفهمهم للإسلام وللشريعة الإسلامية فإنه بالضرورة يعني حرمان عامة المسلمين من اتباع معتقداتهم الدينية في حرية كاملة من هيمنة الدولة"(ص12)
    وأغفل الرجل أن دولة الإسلام المسماة بأسماء إسلامية لم تحرم الناس أن يتسموا بأسماء أرادوها حتى لو كانوا يمثلون فرق مسيحية أو يهودية أو حتى مجوسية وغيرها.
    يزعم أيضا أن الدولة أيام ابو بكر وعمر لم تكن إسلامية(ص12) ويقول أن دولة النبي كانت استثنائية(ويبدو أن الرجل جمع مجموعة أفكار لعلي عبد الرازق وجمال البنا واستاذه طه وغيرهم وعمل كوكتيل(آسف للفظ!)
    وهو يفعل مثل حسن حنفي في بعث اليسار الإسلامي بمفاهيم غربية تماما مع خليط من اسلاميات معاصرة استعصت عليه كفكر او ثورية سيد قطب مثلا
    ففي نهاية مقدمة النعيم لكتابه يقول بأنه يسعى إلى بعث إسلامي!(المفروض أو المفترض يقول (بعث علماني إسلامي!) :" تحقيق هذا البعث الإسلامي الجديد"!!(ص16)، والغريب أنه يضع كل هذا في مقدمته الثانية للكتاب وهي تحت عنوان(حتمية علمانية لإمكانية التدين في المجتمع) !!!، وكأن الحتمية الإسلامية لو صح التعبير لاتدع للإنسان خيارا لإمكانية التدين في المجتمع أو التدين الكتابي أو الوثني كما عند المجوس مثلا، مع أن السلطات الإسلامية في التاريخ تركت أهل الملل والنحل يعيشون في ظلها في إمكانية حياتية في ظل أفكارهم ودينهم من غير طردهم من بلاد الإسلام
    بل أتذكر أني قرأت لابن القيم في زاد المعاد أنه قال أن العرب الوثنيين يمكن مساواتهم بالمجوس وأهل الكتاب في ان يعيشوا بما يؤمنون به لكن في ظل دولة الإسلام وشرائعه.
    المدهش أنه يقول:"صحيح أن هناك صورا من العلمانية المتشددة التي ترفض التعامل مع كل ماهو ديني، بل وتعادي الدين والتدين. ولكن الأعم في نظم الحكم هو تداخل المنظور الديني مع المنظور العلماني في متعقدات وسلوك الأفراد والجماعات. ومن ثمة في تعاملهم مع قضايا الحكم والقانون"(ص28)
    وفي هذا النص أمور كثيرة ففيه من كلام أركون وغيره مثل القومي العلماني عزمي بشارة الذي راح يروج لهذه الفكرة في تونس وله كتب في العلمانية الناعمة وأن الدولة العلمانية لاتنفي الدين وإنما العلمانية المتوحشة فعلت ذلك!
    لكن مايثير في هذا النص هو أنه يحاول أن يدعي أن العلمانيين متدينين وأن الغرب لم يفصل بين الشعور الديني وصناعة القانون، وعلى الرغم من أن مراعاة التدين في الحيز الذي أتاحته العلمانية أخيرا إنما هو أخيراا!، اي في مرحلة مابعد الحداثة الأوروبية، إلا أن الترويح لفكرة أن صناع القوانين في الغرب يتداخل عندهم الديني والعلماني هو كذب فاضح أو على الأقل امر يمكن تفسيره في نطاقهم وتوضيح معناه من أن التدين عندهم هو بقايا لاشعورية لاصلة لها بالإختيار الشعوري ولا بالقانون، ولا بالحياة التي يشرعوا لها او يعيشوها، وإلا فيقل لي كيف يمكن لعلماني متدين ،يتداخل عنده الديني والدنيوي(في معتقدات وسلوك!) أن يصنع قانونا للمثلية أو الدعارة والمخدرات وأمور كثيرة تنقض هذا الكلام المخدر
    ثم إن كلامه هذا يعني أننا يجب أن نكتفي من الإسلام بشعور ديني مع عزل الأسماء وثوابت الشريعة عن أن تحكم الدولة والقانون والمجتمع وأن نجعل عليها المدار ويكون منها الإنطلاق والإجتهاد وهي الأصل للحكومة الإسلامية(العلمانية عند النعيم!)
    أنا أرى أن الرجل عبارة عن خليط من الفكر اليساري لحنفي والفكر الغربي الحديث عن العلمانية التي عبر هو عنه في نصه الأخير هذا، محاولة منه كما يفعل عزمي بشارة تماما من أن يجعل من الإسلام نصرانية روحانية مع إعتبار بعض القوانين الإسلامية في القانون، ولذلك تجده ينحي الشريعة إسما ثم وصف الدولة بالإسلامية رسما، ثم يتهم التيار الإسلامي ويعلن الحرب عليه لهذا السبب تماما كما يفعل العشماوي وعصفور والسيد يسن والقمني وخليل وغيرهم كثير كثير
    فلااجد عند الرجل مشروع يمكن تناوله
    وإذا كان استاذنا عبد الرازق هرماس قد بين لنا من هو أركون بالصورة التي عرضها هنا، وأركون هو من هو، في عمق عرضه على الأقل!!، فكيف نجعل لهذا الرجل مشروع وهو شخص تلفيقي يأخذ نتفه من استاذه الشهيد!، وممن ذكرت، كلهم جميعا...
    لامانع طبعا من الحوار معه ومع أفكاره
    فكلامي ليس لمنع النقاش وإنما لبيان أنه لايستأهل -أو يستأهل لكن نحتاج مراجعه كلها-وإن حاولوا تكبيره في مترجمات جابر عصفور وسوزان مبارك!

    المصدر: http://vb.tafsir.net/tafsir37299/#po...#ixzz2dvTktW8G

  12. #72
    تاريخ التسجيل
    Oct 2010
    الدولة
    مصري من مدينة الإسكندرية يعيش في الغرب
    المشاركات
    2,687
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    تكلم هاشم صالح عن مصطلح الإسلاميات التطبيقية الأركونية بقوله :" يقصد اركون بالإسلاميات التطبيقية تلك المنهجية الجديدة التي اخترعها هو شخصيا لكي يتجاوز منهجية الإسلاميات الكلاسيكية الخاصة بالمستشرقين بعد أن يأخذ كل ماهو مفيد منها للمزيد من الإطلاع انظر بهذا الصدد كل الفصل الأول من كتاب" تاريخية الفكر العربي الإسلامي" وهو بعنوان" نحو إسلاميات تطبيقية. أي في الواقع تطبيق علوم الإنسان والمجتمع على دراسة الإسلام"(الفكر الإسلامي نقد واجتهاد(هامش) ص 193)


    أما طزاجة القرآن فهو أيضا مصطلح من إختراع ذهنية أركون نفسه، أما غموض (فكرة ماقبل نحت المصطلح) في نفسه، فقد فكر الرجل وقدر ( داخل الدائرة المادية التي يدور فيها وهي مظلمة) ثم فكر وقدر فقتل كيف قدر، "فكر وقدر أي تروى ماذا يقول في القرآن .. ففكر ماذا يختلق من المقال" ويمكن رؤية ذلك من نتيجة الإختلاق وعمليات البناء الخارجية والتركيب المتعسر، النافرة أجزاؤه بعضها عن بعض ثم استعجال القياس مع هذا الخلل ومن ثم صك او نحت المصطلح غير المناسب للحقيقة الخارجية التي يحاول المساس بها، ولاشك أن التفكير الذي ينتهي بالمرء إلى نتائج باطلة ومصطلحات قاصرة ينشأ غالبا، من خلل في التقدير أو هوى في التفكير أو غموض في التقرير وعملية القياس والتحرير ، وقد يدفع إلى ذلك أن يرتبط هذا كله بشخصية كهذه (صفات تسعة ) ذكرها الله في سورة القلم ، ومنها ان صاحبها مناع للخير ، هماز، مشاء بنميم، أو عتل بعد ذلك زنيم، وهذه الصفات رأيناها في كثير من العلمانيين، الذين فيهم شبه من ابي جهل والوليد بن المغيره، ومعروفة هي قصة الوليد هذا، وسيأتي التعليق عليها بعد قليل، غير أني أسبق إلى القول بأنه يمكن للمرء أن يكتشف طيش الباحث المتطرف في أحكامه وكلماته، وتسرعه في الأحكام من خلال مصطلحاته وتطبيقاته، في استعجاله النحت والرصف، والوصف والحكم، يمكن ذلك من خلال تتبع عمليات التلفيق والإسقاط، خصوصا إذا كانت نظرته مادية، يحذف من طريق بحثه كل الظواهر المادية والروحية، التي تجعل بحثه المعتم يتراجع ويفقد فتنته في نفسه ، غير أن عملية الكشف تحتاج إلى معرفة بأدوات المتطرف العلماني وطرقه في التلاعب أو عملياته العلمية، وسوابقه ولواحقه ، وبداياته ونهاياته، وثغراته الفارغة الفاضحة، الكاشفة، خصوصا لو علمت أنه صاحب هوى وطريقة منحرفة ، وصاحب تلوين وتلفيق ، وأركون مثال على ذلك في عمليات اختراعه لتلك المصطلحات المخترعة، والأحكام الطائشة، والأسماء الباطلة، مثل كلامه عن القرآن الشفهي الطازج المفتوح على الدلالات!،فأنت إذا تمعنت في تلفيقيته ستجد معاناته ورهقه في عسر إختلاقه ،ظاهر باد ..في كثير من محاولاته في صك المصطلح ، تلك العمليات التي لفها غموض فوق غموض، وظلمات فوق ظلمات ، وعدم وضوح الرؤية عنده في مسائل كثيرة منها مسألتنا هذه اي موضوع القرآن الممدوح، أركونيا، الطازج المفتوح على الدلالات ـ ما هو؟ وأين هو و؟ كيف حكم أنه هو كذلك وليس عنده منه آية واحدة يمكن النظر فيها، وإقامة تجربة عليها كما يزعم هو عن تجاربه الفيزيائية!!؟،(ونتكلم هنا عن الشفهي المطلق الذي اثبته وهو يتهم المكتوب!) وقد رأينا بعضا من هذا في القديم مع الفلاسفة والمتفلسفة في محاولاتهم الربط بين أفكار يونان عن العقول العشرة والملائكة وفي كثير من المتناقضات المتعارضات، والكلام في هذا الأمر يطول،إلا أن الجهل بمغزى العقول العشرة عند يونان جعل كثير منهم يقيس قياسا باطلا ويجمع بين عاطل وفاعل ، ويساوي بين ملاك وخيال، بين حكمة ربانية شاملة للعالم ورؤية وثنية فيها نزر من العلم والمنطق.
    وكذلك فعل اركون فربط بين خلاصات فيها نزر يسير من العلم مع باطل يحوطها من كل جانب (عن الإنسان البدائي(بحسب تقسيماتهم) والشفهي والمكتوب عند تلك المجتمعات القديمة ،والإيديولوجيات والسلطات، وبين القرآن المنزل الخالص، ولكي يبدو فيلسوفا في الوسط الغربي قام بصك مصطلحات مستعجلة تصف الحقيقة القرآنية بصفات مادية معتمة ثم راح من خلال ذلك يفعل فعلة العلمانية في المسيحية فقال إن قرآن محمد الشفهي منفتح كأي فكرة روحية على المطلق،(واركون لم يأتنا بهذا القرآن المخالف عنده للمكتوب المغلق كما يقول) ففرغ حقيقة القرآن في نفسه من جوهرها ثم أطلق عليها فكرة صوفية عدمية لاوجود فيها للاسماء الحقيقية الشرعية التي جاء بها الإسلام ، من العقيدة إلى الشريعة، أي أنه ألغي من الدين لبه وحكمه، غايته وحكمته، صلته بالأرض والإصلاح، والتشريع والتطوير.
    نعم، حاول أركون أن يمد للقرآن بنسب (لموضوع الشفهي-المكتوب ،عند الأمم) للنصوص التي كانت شفهية أولا ثم صارت مكتوبة عند الأمم ، وكيف تم تهجينها وأدلجتها ..كيف تربض ايديولوجية سياسية مغرضة وراء (التثبيت) أو الكتابة و(غلق النص)!، وتوسل بنتائج علم الإجتماع المادي الذي اختصر الأشياء ونفي الأسماء، والحقائق، لكي يُتم تلفيقيته وتوفيقيته ، فحاول ان يمد بسبب لهذا كله مع موضوع بكر لم ينظر فيه بدئيا، وكمثل كثير من مخترعي النظريات الباطلة ورسم مصطلحات لها ،فإننا لو تمعنا في تاريخ تطور أركون الفكري، سنجد أنه اقتنع بالفكرة الغربية المابعد حداثية، مجتمعة قبل أن يبدأ في عملية تناول القرآن أو قراءاته له ..أو بالأحرى معرفته به!!!، ثم راح يتناوله من خلالها، فكيف يتحسس أعمى الشمس وهو في ظلماته يتخبط أو كيف يأتي بقبس منها قبسا من نور او شعلة من حقيقة وهداية وهو سادر في ظلماته لايلوي على شيء؟!
    نعم جلب أركون تلك النتائج الغربية او خلاصات تلك المذاهب المادية لحقل هو أبعد مايكون عن ظلمات تلك المناهج وضلالاتها، وتصلبها وإنغلاقها، فحجر واسعا وضيق شاسعا وقاس باطلا وبدل وغير وفكر وقدر ثم فكر وقدر، ومدحه قومه فقتل كيف قدر، استعجابا منهم لفعله، مع شكهم وارتيابهم في تحليله،(هناك كتابين في حوار غربيين مع اركون،أحدهما مع وزير هولندي والآخر مع باحث هولندي، وهناك محاضرات عارضه فيها مستشرقون علمانيون وكلاسيكيون، انظر مثلا في هذه الأخيرة كتاب الفكر الإسلامي،قراءة علمية) وهو الذي حاول بتقدير مدفوع بخلل في النظر وهوى في النفس، أن يربط بين ماليس بينهما رابط، وأن يعكس نتائج تلك المعارف المادية المعتمة التصورات، الفارغة الثغرات والواسعة الفجوات ، ويقسم القرآن بحسب تقسيماتها،وماديتها الضامرة الكسيحة ، أي أنه إتخذ منهجا (ضيقا مظلما) (مُسبقا) قبل الإقبال على العمل، فمهما كان الأمر (أو الموضوع المدروس) خارج تلك الأذهان فإنه لابد أن يخضع لأحكام تلك المناهج المسبقة ، أي أن الحكم ليس قائم على نظر في العلوم كما هي ولكنه عملية قسرية أخذت من صاحبها مساحة من التركيب والتفكيك حتى يخضع الموضوع في النهاية للنتيجة المسبقة أيا كان التفاوت والتجاوز ، المفارقة والإختلاف ، وقد يوحي الأمر بوجود شبه بين الموضوع المقاس عليه والموضوع المقيس، كما فعل الوليد بن المغيرة في موضوع السحر والنبوة أو فعلت قريش في موضوع الكهانة والنبوة، أو الجنون والنبوة، أو كما يحاول أن يفعل البعض اليوم بين الملك والنبوة(خليل عبد الكريم، سيد القمني)، أو الكهانة والوحي كما فعل نصر حامد ابو زيد، وغير ذلك من عمليات الربط التقديرية الطائشة التي يحدوها الهوى والتفكير المجنون بدلا من التفكر بعلم خال من المؤثرات التي ذكرنا بعضها من قبل،والسؤال هنا هل يمكن تتبع خواطر إنسان من خلال مايلفقه، او بالأحرى هل يمكن اكتشاف عملية تفكير ما ، أو تلاعب ما من خلال نتائج مايسطره ، أنا أرى أنه يمكن ذلك، خصوصا في حالتنا هذه ، وخصوصا أن عندك الخلفية التاريخية عند، وعن الرجل وتطوره الفكري وبداية القراءة بالمناهج التي انتهجها ،(وقصدي بكلمة (عنده):أي من كلامه هو عن نفسه,,عن تطوره الفكري.. عن صلاته الأولى!) وعندك خبرة بطريقته وأدواته وتطبيقاته (وقد ذكرت نموذج لتطبيقاته على القرآن في أقطاب العلمانية(1) في الفصل المخصص له، كان ذلك عام2000م)..إلخ وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية كيف أن المتفلسفة قاموا بتلك العملية المتعسرة القسرية في نفوسهم للربط بين الملائكة والعقول العشرة السماوية المزعومة، ثم راح يفكك تلك العمليات وفضح أهلها.
    وهنا نقول، يمكن لأركون أن يدعي وينحت ، أن يصنع المصطلحات الملفقة التي تقربه (بأيقونة مصطلحه المختصرة ) من مواده المختلفة النزعات والنتائج أو يأخذها جاهزة منها(كما فعل مع مصطلح"الرأسمال الرمزي، مثلا)، لكن لبعد الشقة بين ماتتناوله مراجعه في ظلمات تصوراتها التي حذفت حقائق الموضوع المدوروس كلها، وبين القرآن كما أنزل، ، فإننا نجد ان الفشل بدا واضحا في صنع مصطلحات مناسبة وموافقة ، وحقيقية وتامة!،، أما كيف تكشف محاولته ،(غموض المصطلح) في نفسه، فكما أشرت منذ قليل، فالرجل لم يأت بدليل واحد على ماهو القرآن الطازج (الذي أخبرنا اركون بنفسه عنه) المخالف لما أسماه-هو ب- القرآن الأيديولوجي، (دليل واحد مثبت (فقط)) فإذا لم يأت بذلك،وهنا يمكن الإطلاع على ثغرة أو (فجوة) عميقة ،وثقب أسود غائر وغائم، ثم وجدته يستعجل صناعة مصطلح لما يدور في نفسه ولو تقريبي، او تلفيقي، أو بشكل فيه من الوضوح والغموض في نفسه،فإننا بدورنا يمكننا أن نكتشف من خلال ذلك ماوصفناه بعملية غموض وعدم اكتمال،(فلو كان الأمر واضحا كل الوضوح له لسبقنا إلى شرحه بنفس التفصيل الذي شرح به مصطلحات الفلاسفة أو لشرحه لنا مترجم كتبه هاشم صالح بتفصيل واضح)، يمكننا أن نكتشف عملية تفكير فيها من الثغرات والعثرات، التسرع في النتيجة والطيش في الإستخدام،بل عدم معرفة مايتكلم عنه (أي وكمثال"القرآن الطازج" الممدوح ، والمفارق للمكتوب، ماهو؟ أين هو ؟ كيف اكتشف الطزاجة فيه ؟ وهو أصلا قد نفي ليس وجوده فقط بل العثور عليه بل قال بإستحالة الحصول عليه،(وهناك نصوص لأركون في ذلك) وليس عنده مصدر قبلي أو بعدي يعرض مادته او مفهومه او علومه،(وهذا كله يؤدي إلى غموض الفكرة عنده مع وضوح الهدف وهوى الفكرة المسبقة التي تدفع إلى التسرع بأحكام غير صحيحة أو مصطلحات ضعيفة وشحيحة.. فإنك إذا رحت تستوفي فكرته من كلامه لم تجد تلك الفكرة مطبوعة في الموضوع الذي يبحث فيه (وهو هنا"القرآن") وإنما،هي أصلا وفصلا، في الموضوع الأول الذي جاء به (الأحكام المسبقة) !، كما أنك ستجد فكرة (غموض الفكرة في نفسه) في هروبه من الكلام عن أي شيء يخص ذلك القرآن الطازج الذي لايعرف هو حده ولا قده!، وإلا لأخبرنا في نص واحد، على طول كتاباته، ونشاط عملياته الذهنية، واسعة النشاط، والتحليل والتركيب، والقياس والتبويب،عن: ماهو؟ ما صك المصطلح الكبير عنه؟! ، بل في هروبه من الشرح المفصل لفكرته عن طزاجة القرآن الذي قال انه من المستحيل العثور عليه) لذلك أقول أن لذلك شبها برجل من قريش ، وإن كان أركون أخبث وأعظم حيلة وقبيلة!، حاول أن يضع تفسيرا للوحي وماعليه النبي ، بعد أن وجد حلاوته في نفسه، وعلوه في قيمه وأخلاقه، وروحه ونوره، ففكر وإعترف وأنكر، ثم فكر وتخير، ثم فكر وأنكر، و إفترى وتحير، ولكن الذي دفعه إلى ذلك هو جهله وقومه -مع صحة بعض وصفه للقرآن -ولأركون مثله في صحة وصف!!-لكن لهواه وخضوعه لمذهبية قومه واهواءهم وميولهم اختار حكما باطلا، ولفظا عائبا.. وذلك بعد تبدلات سريعة في عقله وفكره (إنه فكر وقدر[18] فقتل كيف قدر[19] ثم قتل كيف قدر[20] ثم نظر[21] ثم عبس وبسر[22] ثم أدبر واستكبر[23] فقال إن هذا إلا سحر يؤثر[24] إن هذا إلا قول البشر) فقال: فَوَاللَّهِ مَا مِنْكُمْ رَجُل أَعْلَم بِالْأَشْعَارِ مِنِّي , وَلَا أَعْلَم بِرَجَزِهِ مِنِّي , وَلَا بِقَصِيدِهِ , وَلَا بِأَشْعَارِ الْجِنّ , وَاللَّه مَا يُشْبِه الَّذِي يَقُول شَيْئًا مِنْ هَذَا , وَوَاللَّهِ إِنَّ لِقَوْلِهِ لَحَلَاوَة , وَإِنَّهُ لَيُحَطِّم مَا تَحْته , وَإِنَّهُ لَيَعْلُو وَلَا يُعْلَى ; قَالَ : وَاللَّه لَا يَرْضَى قَوْمك حَتَّى تَقُول فِيهِ , قَالَ : فَدَعْنِي حَتَّى أُفَكِّر فِيهِ ; فَلَمَّا فَكَّرَ قَالَ : هَذَا سِحْر يَأْثُرهُ عَنْ غَيْره: وفي نص آخر(وأنقل لك من تفسير الطبري):" هَذَا الْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة قَالَ : سَأَبْتَار لَكُمْ هَذَا الرَّجُل اللَّيْلَة "فَأَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَوَجَدَهُ قَائِمًا يُصَلِّي وَيَقْتَرِئ , وَأَتَاهُمْ فَقَالُوا : مَهْ ؟ قَالَ : سَمِعْت قَوْلًا حُلْوًا أَخْضَر مُثْمِرًا يَأْخُذ بِالْقُلُوبِ , فَقَالُوا : هُوَ شِعْر , فَقَالَ : لَا وَاللَّه مَا هُوَ بِالشِّعْرِ , لَيْسَ أَحَد أَعْلَم بِالشِّعْرِ مِنِّي , أَلَيْسَ قَدْ عَرَضْت عَلَى الشُّعَرَاء شِعْرهمْ نَابِغَة وَفُلَان وَفُلَان ؟ قَالُوا : فَهُوَ كَاهِن , فَقَالَا : لَا وَاللَّه مَا هُوَ بِكَاهِنٍ , قَدْ عُرِضَتْ عَلَيَّ الْكِهَانَة , قَالُوا : فَهَذَا سِحْر الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهُ , قَالَ : لَا أَدْرِي إِنْ كَانَ شَيْئًا فَعَسَى هُوَ إِذًا سِحْر يُؤْثَر " فهذه ماكسبت نفس الوليد بن المغيرة وهو يخوض مع الخائضين، وقد فعل مثله أركون ، وأيضا بتحريض من الكتابات الغربية، التي فُتن بها
    وفي تفسير التنوير والتحوير للعلامة بن عاشور يقول:" وقد وصف حاله في تردده وتأمله بأبلغ وصف. فابتدئ بذكر تفكيره في الرأي الذي سيصدر عنه وتقديره.
    ومعنى (فكر) أعمل فكره وكرر نظر رأيه ليبتكر عذرا يموهه ويروجه على الدهماء في وصف القرآن بوصف كلام الناس ليزيل منهم اعتقاد أنه وحي أو حي به إلى النبي . و)قدر( جعل قدرا لما يخطر بخاطره أن يصف به القرآن ليعرضه على ما يناسب ما ينحله القرآن من أنواع كلام البشر أو ما يسم به النبي من الناس المخالفة أحوالهم للأحوال المعتادة في الناس مثال ذلك أن يقول في نفسه، نقول: محمد مجنون، ثم يقول: المجنون يخنق ويتخالج ويوسوس وليس محمد كذلك، ثم يقول في نفسه: هو شاعر، فيقول في نفسه: لقد عرفت الشعر وسمعت كلام الشعراء، ثم يقول في نفسه: كاهن، فيقول في نفسه: ما كلامه بزمزمة كاهن ولا بسجعه، ثم يقول في نفسه: نقول هو ساحر فإن السحر يفرق بين المرء وذويه ومحمد يفرق بين الرجل وأهله وولده ومواليه، فقال للناس: نقول إنه ساحر. فهذا معنى قدر ... والمقام هنا متعين للكناية عن سوء حاله لأن ما قدره ليس مما يغتبط ذوو الألباب على إصابته إذ هو قد ناقض قوله ابتداء إذ قال: ما هو بعقد السحرة ولا نفثهم وبعد أن فكر قال(إن هذا إلا سحر يؤثر)فناقض نفسه. ... وقوله )ثم نظر ثم عبس وبسر ثم أدبر واستكبر( عطف على )وقدر( وهي ارتقاء متوال فيما اقتضى التعجيب من حاله والإنكار عليه. فالتراخي تراخي رتبة لا تراخي زمن لأن نظره وعبوسه وبسره وإدباره واستكباره مقارنة لتفكيره وتقديره. والنظر هنا: نظر العين ليكون زائدا على ما أفاده )فكر وقدر(. والمعنى: نظر في وجوه الحاضرين يستخرج آرائهم في انتحال ما يصفون به القرآن. وعبس: قطب وجهه لما استعصى عليه ما يصف به القرآن ولم يجد مغمزا مقبولا. وبسر: معناه كلح وجهه وتغير لونه خوفا وكمدا حين لم يجد ما يشفي غليله من مطعن في القرآن لا ترده العقول، قال تعالى )ووجوه يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة( في سورة القيامة.
    والإدبار: هنا يجوز أن يكون مستعارا لتغيير التفكير الذي كان يفكره ويقدره يائسا من أن يجد ما فكر في انتحاله فانصرف إلى الاستكبار والأنفة من أن يشهد للقرآن بما فيه من كمال اللفظ والمعنى.
    ... وجملة )إن هذا إلا قول البشر( بدل اشتمال من جملة )إن هذا إلا سحر يؤثر( بأن السحر يكون أقوالا وأفعالا فهذا من السحر القولي. وهذه الجملة بمنزلة النتيجة لما تقدم، لأن مقصوده من ذلك كله أن القرآن ليس وحيا من الله.
    وعطف قوله )فقال( بالفاء لأن هذه المقالة لما خطرت بباله بعد اكتداد فكره لم يتمالك أن نطق بها فكان نطقه بها حقيقا بأن يعطف بحرف التعقيب"(انتهي كلام العلامة ابن عاشور).
    وفي تفسير ابن كثير:" إِنّهُ فَكّرَ وَقَدّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدّرَ * ثُمّ قُتِلَ كَيْفَ قَدّرَ * ثُمّ نَظَرَ * ثُمّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَـَذَآ إِلاّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَـَذَآ إِلاّ قَوْلُ الْبَشَرِ * سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لاَ تُبْقِي وَلاَ تَذَرُ * لَوّاحَةٌ لّلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ"
    يقول تعالى متوعداً لهذا الخبيث الذي أنعم الله عليه بنعم الدنيا فكفر بأنعم الله وبدلها كفراً وقابلها بالجحود بآيات الله والافتراء عليها, وجعلها من قول البشر وقد عدد الله عليه نعمه حيث قال تعالى: ذرني ومن خلقت وحيداً ...ثم يطمع أن أزيد * كلا إنه كان لاَياتنا عنيداً أي معانداً وهو الكفر على نعمه بعد العلم قال الله تعالى: سأرهقه صعوداً ... وقال مجاهد سأرهقه صعوداً أي مشقة من العذاب, وقال قتادة: عذاباً لا راحة فيه, واختاره ابن جرير. وقوله تعالى: إنه فكر وقدر أي إنما أرهقناه صعوداً أي قربناه من العذاب الشاق لبعده عن الإيمان لأنه فكر وقدر أي تروى ماذا يقول في القرآن حين سئل عن القرآن ففكر ماذا يختلق من المقال وقدر أي تروى فقتل كيف قدر * ثم قتل كيف قدر دعاء عليه ثم نظر أي أعاد النظرة والتروي ثم عبس أي قبض بين عينيه وقطب وبسر أي كلح وكره ومنه قول توبة بن الحمير:
    وقد رابني منها صدود رأيته وإعراضها عن حاجتي وبسورها
    وقوله: ثم أدبر واستكبر أي صرف عن الحق ورجع القهقهرى مستكبراً عن الانقياد للقرآن فقال إن هذا إلا سحر يؤثر أي هذا سحر ينقله محمد عن غيره ممن قبله ويحكيه عنهم, ولهذا قال: إن هذا إلا قول البشر أي ليس بكلام الله, وهذا المذكور في هذا السياق هو الوليد بن المغيرة المخزومي أحد رؤساء قريش لعنه الله, وكان من خبره في هذا ما رواه العوفي عن ابن عباس قال دخل الوليد بن المغيرة على أبي بكر بن أبي قحافة فسأله عن القرآن, فلما أخبره خرج على قريش فقال يا عجباً لما يقول ابن أبي كبشة, فو الله ما هو بشعر ولا بسحر ولا بهذي من الجنون, وإن قوله لمن كلام الله فلما سمع بذلك النفر من قريش ائتمروا وقالوا: والله لئن صبأ الوليد لتصبو قريش, فلما سمع بذلك أبو جهل بن هشام قال: أنا والله أكفيكم شأنه فانطلق حتى دخل عليه بيته, فقال للوليد: ألم تر إلى قومك قد جمعوا لك الصدقة ؟ فقال: ألست أكثرهم مالاً وولداً ؟ فقال أبو جهل: يتحدثون أنك إنما تدخل على ابن أبي قحافة لتصيب من طعامه, فقال الوليد: أقد تحدث به عشيرتي ؟ فلا والله لا أقرب ابن أبي قحافة ولاعمر ولا ابن أبي كبشة, وما قوله إلا سحر يؤثر فأنزل الله على رسوله ذرني ومن خلقت وحيداً ـ إلى قوله ـ لا تبقي ولا تذر وقال قتادة: زعموا أنه قال: والله لقد نظرت فيما قال الرجل فإذا هو ليس بشعر وإن له لحلاوة, وإنه عليه لطلاوة, وإن ليعلو وما يعلى عليه وما أشك أنه سحر فأنزل الله: فقتل كيف قدر الاَية.ثم عبس وبسر قبض ما بين عينيه وكلح, وقال ابن جرير: حدثنا ابن عبد الأعلى, حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن عباد بن منصور عن عكرمة أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي فقرأ عليه القرآن, فكأنه رق له, فبلغ ذلك أبا جهل بن هشام فأتاه فقال أي عم إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالاً. قال: لِمَ ؟ قال يعطونكه فإنك أتيت محمداً تتعرض لما قبله, قال قد علمت قريش أني أكثرهم مالاً, قال: فقل فيه قولاً يعلم قومك أنك منكر لما قال وأنك كاره له, قال فماذا أقول فيه, فو الله ما منكم رجل أعلم بالأشعار مني ولا أعلم برجزه ولا بقصيده ولا بأشعار الجن, والله ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذا, والله إن لقوله الذي يقوله لحلاوة, وإنه ليحطم ما تحته وإنه ليعلو وما يعلى, وقال والله لا يرضى قومك حتى تقول فيه, قال فدعني حتى أتفكر فيه, فلما فكر قال: إنْ هذا إلا سحر يؤثره عن غيره"
    ويقول صاحب الظلال:" والخطاب للرسول - صلى اللّه عليه وسلم - ومعناه خل بيني وبين هذا الذي خلقته وحيدا مجردا من كل شيء آخر مما يعتز به من مال كثير ممدود وبنين حاضرين شهود ونعم يتبطر بها ويختال ويطلب المزيد. خل بيني وبينه ولا تشغل بالك بمكره وكيده. فأنا سأتولى حربه .. وهنا يرتعش الحس ارتعاشة الفزع المزلزل وهو يتصور انطلاق القوة التي لا حد لها .. قوة الجبار القهار .. لتسحق هذا المخلوق المضعوف المسكين الهزيل الضئيل! وهي الرعشة التي يطلقها النص القرآني في قلب القارئ والسامع الآمنين منها. فما بال الذي تتجه إليه وتواجهه! ويطيل النص في وصف حال هذا المخلوق ، وما آتاه اللّه من نعمه وآلائه ، قبل أن يذكر إعراضه وعناده.

    ...فقد كان ممن يحسدون الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - على إعطائه النبوة.
    وهنا يردعه ردعا عنيفا عن هذا الطمع الذي لم يقدم حسنة ولا طاعة ولا شكرا للّه يرجو بسببه المزيد :
    «كَلَّا!» ، وهي كلمة ردع وتبكيت - «إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً» .. فعاند دلائل الحق وموحيات الإيمان.
    ووقف في وجه الدعوة ، وحارب رسولها ، وصد عنها نفسه وغيره ، وأطلق حواليها الأضاليل.
    ويعقب على الردع بالوعيد الذي يبدل اليسر عسرا ، والتمهيد مشقة! «سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً» .. وهو تعبير مصور لحركة المشقة. فالتصعيد في الطريق هو أشق السير وأشده إرهاقا. فإذا كان دفعا من غير إرادة من المصعد كان أكثر مشقة وأعظم إرهاقا. وهو في الوقت ذاته تعبير عن حقيقة. فالذي ينحرف عن طريق الإيمان السهل الميسر الودود ، يندبّ في طريق وعر شاق مبتوت ويقطع الحياة في قلق وشدة وكربة وضيق ، كأنما يصعد في السماء ، أو يصعد في وعر صلد لا ريّ فيه ولا زاد ، ولا راحة ولا أمل في نهاية الطريق! ثم يرسم تلك الصورة المبدعة المثيرة للسخرية والرجل يكد ذهنه! ويعصر أعصابه! ويقبض جبينه! وتكلح ملامحه وقسماته .. كل ذلك ليجد عيبا يعيب به هذا القرآن ، وليجد قولا يقوله فيه :
    «إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ. فَقُتِلَ! كَيْفَ قَدَّرَ؟ ثُمَّ قُتِلَ! كَيْفَ قَدَّرَ؟ ثُمَّ نَظَرَ. ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ. ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ. فَقالَ : إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ. إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ» ..
    لمحة لمحة. وخطرة خطرة. وحركة حركة. يرسمها التعبير ، كما لو كانت ريشة تصور ، لا كلمات تعبر ، بل كما لو كانت فيلما متحركا يلتقط المشهد لمحة لمحة!!! لقطة وهو يفكر ويدبر ومعها دعوة هي قضاء «فَقُتِلَ!» واستنكار كله استهزاء «كَيْفَ قَدَّرَ؟» ثم تكرار الدعوة والاستنكار لزيادة الإيحاء بالتكرار.
    ولقطة وهو ينظر هكذا وهكذا في جد مصطنع متكلف يوحي بالسخرية منه والاستهزاء.
    ولقطة وهو يقطب حاجبيه عابسا ، ويقبض ملامح وجهه باسرا ، ليستجمع فكره في هيئة مضحكة! وبعد هذا المخاض كله؟ وهذا الحزق كله؟ لا يفتح عليه بشيء .. إنما يدبر عن النور ويستكبر عن الحق .. فيقول : «إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ. إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ»! إنها لمحات حية يثبتها التعبير القرآني في المخيلة أقوى مما تثبتها الريشة في اللوحة وأجمل مما يعرضها الفيلم المتحرك على الأنظار! وإنها لتدع صاحبها سخرية الساخرين أبد الدهر ، وتثبت صورته الزرية في صلب الوجود ، تتملاها الأجيال بعد الأجيال! فإذا انتهى عرض هذه اللمحات الحية الشاخصة لهذا المخلوق المضحك ، عقب عليها بالوعيد المفزع :
    «سَأُصْلِيهِ سَقَرَ»



    المصدر: http://vb.tafsir.net/tafsir37075/#ixzz2dvUEDpKH

  13. #73
    تاريخ التسجيل
    Oct 2010
    الدولة
    مصري من مدينة الإسكندرية يعيش في الغرب
    المشاركات
    2,687
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    قال لي مستشرق هولندي أن موضوع الختان موضوع علماني!(يُعرض بموقف الاسلام وهو موقف لايعرفه اصلا!)، ونسى أن موضوع المثلية والدعارة المنتشرة بشوارعها ، والزواج المثلي علماني بجدارة
    وتغيير شكل الأسرة البشرية إلى أشكال مثلية وغيرها لم يبق لها أثرا إلا قليلا، وهذا اعظم شأنا من الختان، لكن العلماني يمسك فيما لايعلم شأنه!!!
    المثير للتأمل أن المسيحي الغربي كان يشاهد جنة المرأة ومتاعها ومتعتها ومنه الجنسي الحلال في حواضر الإسلام في الغرب يوم كان تصيبه الغيرة من ذلك!
    واليوم يكلمنا عن الختان!

    https://www.facebook.com/tarekaboomi...09973625847791
    https://www.facebook.com/tarekaboomi...09973952514425
    https://www.facebook.com/tarekaboomi...09974935847660

صفحة 5 من 5 الأولىالأولى ... 345

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء