رؤية حول تطوير أقسام القرآن الكريم وعلومه
في الجامعات السعودية
[ورقة عمل مقدمة إلى الملتقى الأول لأقسام الدراسات القرآنية المنعقد في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في يوم 25 / 6 / 1432هـ]
مقدمة من:
أ.د. أحمد سعد محمد الخطيب
الأستاذ في قسم القرآن وعلومه بكلية أصول الدين
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ (آل عمران:102)
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ (النساء:1)
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ (الأحزاب:70-71)
أما بعد،
فإن ما تقوم به أقسام القرآن وعلومه بالجامعات السعودية ، ومنها قسم القرآن وعلومه بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية من خدمة للقرآن الكريم وعلومه، هو أمر لا ينكره إلا جاحد ، غير أن خدمة الكتاب العزيز مطلب ليس له منتهى ، وغاية يهون معها كل جهد ، ولثقتي في أن هذا الأقسام لن تألو جهدا في مواصلة هذا الخط الذي ارتسمته لنفسها وصولا إلى الغاية التي تبتغيها ، أتقدم إلى ملتقى أقسام القرآن الكريم وعلومه بالجامعات السعودية ، والذي تحتضنه جامعتنا العتيدة (جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض) أتقدم ببعض المقترحات التي يمكن أن تسهم في عملية تطوير هذه الأقسام من خلال ورقة عمل مختصرة تناسب باختصارها المقام ، آملًا بإذن الله تطويرها في مناسبات أخرى.
والواقع أن ما سأذكره من مقترحات ورؤى في هذا الشأن يتنوع إلى:
1- مقترحات على مستوى الإدارة والتنسيق بين أقسام القرآن الكريم وعلومه في الجامعات السعودية.
2- مقترحات تعمل على خدمة البحث العلمي في الدراسات القرآنية.
3- مقترحات تعمل على خدمة المشروعات العلمية المتعلقة بالدراسات العليا ، ومن ثم خدمة طلاب الدراسات العليا بالضرورة.
مقترحات لتطوير أقسام القرآن الكريم وعلومه منها
أولا – على المستوى الإداري والتنسيقي بين الأقسام المعنية:
أقترح أن يتم التنسيق بين جميع أقسام القرآن الكريم وعلومه في الأمور ذات الاهتمام المشترك وذلك مثل :
1- توحيد الخطط والمناهج بين أقسام الدراسات القرآنية في الجامعات السعودية ، وبناء عليه ، ينبغي أن تقوم شراكة في الرؤية بين هذه الأقسام عند اقتراح مقررات جديدة.
2- الاجتماع الدوري للتواصل والتباحث حول المشكلات التي تواجه الأقسام والعمل على توفير سبل حلها وعلاجها
3- العمل على تكوين قاعدة بيانات مشتركة ، تضم أسماء الهيئة التدريسية ، وتخصصاتهم الدقيقة ، وبحوثهم ومؤلفاتهم العلمية ، وتضم كذلك الرسائل العلمية المسجلة بالقسم ، لتكون عونا للباحثين إذا أرادوا الاطلاع ، على ما هو مسجل من رسائل علمية في التخصص ، في الجامعات السعودية ، أو إذا طُلِب منهم ذلك.
ثانيا – على المستوى البحثي:
أقترح ما يلي:
1- إنشاء مراكز متخصصة للدراسات المعاصرة حول القرآن الكريم
ويكون من أهدافها:
• رعاية البحوث والدراسات الجادة في أدائها الجديدة في موضوعها مما يدور رحاه حول القرآن الكريم وعلومه ومن نتائج ذلك الوقوف على علوم جديدة للقرآن يمكن أن تضاف للقديم كعلم اقتصاد القرآن وغيره مما يمكن أن تكشف عنه البحوث المعاصرة المرتبطة بالقرآن الكريم والحاجة إلى ذلك ماسة خصوصا أن علوم القرآن لم تتنام بعد عصور ازدهارها – ما قبل القرن العاشر الهجري – إلا ببطء شديد.
• متابعة الاتجاهات المعاصرة في تفسير القرآن الكريم لإقرار الصالح منها والإفادة منه والتنبيه على غير الصالح والتحذير منه.
• حماية تفسير القرآن الكريم من الأفكار الهدامة التي لا تحترم قدسية القرآن وتحاول التعامل معه على أنه مجرد نص أدبي.
• ملاحقة الأقوال التفسيرية التي تجاوزها الواقع وأثبت عدم جدواها - بما توفر لديه من وسائل البحث والعلم - والتنبيه عليها والتنصيص على المعنى المناسب بما يحمي النص المفسَّر وتفسيره من تربص المتربصين .
• التركيز على ما يمكن أن تضيفه العلوم والوسائل الحديثة إلى تفسير القرآن الكريم بما يكشف عن المواكبة الدائمة للنص المفسَّر للزمان والمكان .
• تنقية التفسير من الدخيل عليه، والتنبيه عليه بما يحمي كلام الله تعال من المعاني الباطلة.
• مواجهة من يدعون إلى عصرنة التفسير من أهل الحداثة والتغريب .
• وضع الضوابط والقيود اللازمة على بحوث كل من: الإعجاز العلمي و التفسير العلمي للقرآن الكريم بما يوازن بين الإفادة من هذه البحوث ونتائجها ، وبين حماية النص الكريم من التكلف المقيت في الربط بينه وبين نظريات العلم خصوصا غير اليقيني منها.
2- إقامة المؤتمرات والندوات العلمية
وذلك في القضايا التي تحتاج إلى وجهات نظر متعددة أو رؤى متجددة ، فقد أثبتت المؤتمرات العلمية وكذا الندوات جدواها في بلورة كثير من الرؤى حول الموضوعات العلمية المختارة لها ، والحصول على نتائج ما كانت لتظهر لولا هذه المؤتمرات ، وذلك أن تلاقح الأفكار طريق يمهد للنتائج العلمية الصحيحة ويوسّع آفاق الباحثين.
ثالثا- مقترحات تعمل على خدمة المشروعات العلمية المتعلقة بالدراسات العليا وكذا طلاب الدراسات العليا.
والكلام هنا سيكون على صعيدين أطرح رؤيتي من خلالهما:
أحدهما-إداري:
ومن خلاله أقترح أن ينظر إلى هذه الأقسام على أنها جسد واحد تتكامل وتتآزر ولا تتنافس ، ومن ثمرات ذلك ، أن يتم التعاون بين هذه الأقسام في المشروعات العلمية الكبرى ، حتى لا تقف بعض الأقسام حجر عسرة أمام بعض طلاب الدراسات العليا ، إذا ما أرادوا أن يشاركوا في مشروع علمي ، قد بدأ العمل به في جامعةٍ ما ، بأن يتيح لهم هذا التعاون المشترك بين أقسام القرآن وعلومه في الجامعات السعودية ، المشاركة فيه واعتباره واحدا من أبناء القسم صاحب المشروع.
وهذا له ثمرته التي تعود إلى المشروعات العلمية نفسها ، خصوصا تلك التي تتعثر ولا تجد لها عددا كافيا من الباحثين لإتمامها.
وله كذلك ثمرته التي تعود على الباحثين الراغبين في المشاركة في هذه المشروعات العلمية.
وثانيهما- العمل على اقتراح مشروعات علمية واسعة تشترك فيها كل الأقسام المعنية.
ولنا هنا تجربة في قسم القرآن وعلومه بجامعة الإمام محمد بن سعود ، يمكن أن تتعاون فيه جميع الأقسام المناظرة.
وذلكم هو مشروع (أثر دلالة حروف المعاني على التفسير)
فلعلنا لا نبالغ إن قلنا إن تناول التفسير على طريقة حروف المعاني وأثرها في المعنى القرآني هي طريقة جديدة يمكن أن تضاف إلى طرق التفسير المعهودة، ولنا في التنبيه إلى ذلك سلفٌ، هو فضيلة العلامة محمود شاكر فقد قال في تقديمه لكتاب "دراسات لأسلوب القرآن للشيخ محمد عبد الخالق عضيمة" : وحروف المعاني التي يتناولها هذا القسم الأول من جمهرة علم القرآن العظيم أصعب أبواب هذه الجمهرة لكثرتها وتداخل معانيها فقل أن تخلو آية من القرآن العظيم من حرف من حروف المعاني.
أما المشقة الثانية فهي في وجوه اختلاف مواقع هذه الحروف من الجمل ثم اختلاف معانيها باختلاف مواقعها ثم ملاحظة الفروق الدقيقة التي يقتضيها هذا الاختلاف في دلالته المؤثرة في معاني الآيات " ثم يقول الشيخ:" وهذا وحده أساس علم جليل من علوم القرآن العظيم "( )
عناية علماء التفسير وعلوم القرآن بها:
حروف المعاني لما لها من أثر في تفسير القرآن الكريم قد اعتنى بها علماء التفسير وعلوم القرآن وغيرهم ذكرا وبيان أثر فالزركشي في البرهان أفرد لها النوع السابع والأربعين، والسيوطي في الإتقان أفرد لها الباب الأربعين تحت عنوان "الأدوات التي يحتاج إليها المفسر" وذكرها ابن قتيبة في "تأويل مشكل القرآن" وابن هشام في "مغني اللبيب" وتناولها أيضا علماء أصول الفقه،وأفرد لها المالقي كتابه "رصف المباني في حروف المعاني" والمرادي كتابه "الجنى الداني في حروف المعاني" وهو من أفضل الكتب فيها،والزجاجي كتابه "حروف المعاني" وغيرهم.
تصنيفها والعمل فيها كمشروع علمي:
ولما كان العلماء مختلفين في طريقة ترتيب هذه الحروف ، بناء على أولويات خاصة بهم ، فقد رأينا في هذا المشروع العلمي أن يتم تقسيمها وتصنيفها ، إلى منظومات يضم فيها النظير إلى نظيره كمنظومة حروف الجر ، ومنظومة حروف العطف ، ومنظومة أدوات الشرط ، ومنظومة أدوات الاستفهام ونحو ذلك.
وقد وفقنا الله تعالى هنا في جامعة الإمام بأن تم التسجيل في المنظومة الأولى وهي "منظومة حروف الجر" ، حيث قام أحد عشر طالبا من طلاب مرحلة الماجستير باستيعاب العمل في إحدى عشرة رسالة علمية تحت عنوان (أثر دلالة حروف الجر في التفسير – دراسة نظرية تطبيقية ) والعمل يجري فيها الآن ، بناء على منهج واحد وضوابط واحدة ، تضمن تجانس العمل وعدم وقوع التمايز بين أجزائه مع اختلاف الباحثين والمشرفين.
وعلى هذا فيمكن للأقسام الأخرى في غير جامعة الإمام مشاركتنا هذا الطموح الكبير ، من خلال تبني بعض منظومات حروف المعاني الأخرى ، كمنظومة حروف العطف ، أومنظومة أدوات الشرط ، أومنظومة أدوات الاستفهام ، أو غيرها ، ونحن بدورنا يمكن أن نساعد في ضبط الموضوع واقتراح منهجيته ، لينسجم العمل كاملا ، رغم اختلاف الجامعات وتعدد الأقسام.
وبعد ، فهذا ما جادت به القريحة في ورقة العمل هذه ، ولولا ضيق المقام لكان هنالك شأن وشأن ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
أ.د. أحمد سعد محمد الخطيب
الأستاذ في قسم القرآن وعلومه بكلية أصول الدين
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض