موضوع يغفو لينشط يخمد ليتقد من جديد وهكذا شانه شأن كثير من الموضوعات التي يمكننا أن نصفها بأنها موضوعات المواقف التي يهاجم فيها التشريع ليس موضوع ختان الإناث بأولها ولن يكون آخرها فلن يقف المستغلون عند حده بل سينتهون منه ليشعلوا موضوعا آخر ولربما كان القادم " موضوع ختان الذكور " وعندها سنستمع إلى نغمة جديدة لم نسمعها من قبل تطالب بمساواة الرجال بالنساء – عكس النغمة المتفشية المطالبة بمساواة النساء بالرجال - فالكل أمام حقوق الإنسان سواء والعلل الواهية التي تقال هنا ستقال هناك وقد نشرت روز اليوسف في عام 1998 لبعضهم مقالا بعنوان «أوقفوا ختان الذكور»
وغريب أن من يتعصبون لمثل هذه الأشياء الخاصة بالمرأة هم غالبا من الرجال وكأنهم أحرص على المرأة من نفسها رغم الثقة في أن الخفاض يساعد على تعديل الشهوة وأن عدمه سبب في هيجانها ولذلك كانوا قديما يشاتمون بـ " يابن القلفاء " لأن القلفاء – أي غير المختتنة – في نظرهم تتطلع إلى الرجال أكثر، وقد علل به ابن تيمية كثرة وجود الفواحش في نساء التتر ونساء الإفرنج بما لا يوجد في نساء المسلمين.
ولهذا يحرص عملاء التجسس على استغلال العاهرات غير المختتنات في التعامل مع الزبائن المقصود التجسس عليهم وهذا ما صرح به عميل الموساد اليهودي السابق ((سترونسكي)) عندما تحدث عن نظام اختيار العاهرات اللاتي يعملن مع الموساد لاصطياد الزبائن فقد كان أهم شرط هو ألا تكون العاهرة مختتنة لأن الختان يهذب من شهوتها ولا يجعلها تتجاوب مع الزبون المراد.
إلى متى سنظل ردة فعل ؟ !!!
لقد بقي هذا الموضوع بعيداً عن التداول بمناى عن اهتمام وسائل الإعلام إلى أن عرضت شبكة التلفزيون الأمريكيّة (سي إن إن) في 7 سبتمبر 1994 فيلماً عن ختان طفلة مصريّة اسمها نجلاء في العاشرة من عمرها من قِبَل حلاّق صحّة.
ومن المعروف أن الغرب هو الذي يقود هذه الحملات تحت ستار حقوق الإنسان. مع أنه كان يمارس عندهم على مستوى ظاهر في القرن التاسع عشر واستمر حتّى أواسط القرن العشرين. ومع أن هذه الدول قد أصدرت في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن المنصرم عددا من القوانين التي تحظر ختان الإناث فإنه ما زال يمارس هناك لأسباب جماليّة أو لزيادة اللذّة ففي مقال نشرته مجلة عقيدتي بتاريخ 3 يونية 2003م للدكتورة/ نشوى عبد الحميد اخصائية النساء والتوليد بالأسكندرية ذكرت أن بعض السيدات الغربيات يقبلن على إجراء أخف درجات الختان بغرض التجميل أو قطع القلفة التي تعوق وظيفة البظر في الوصول بالمرأة إلى ذروة النشوة.

الدور اليهودي في تفعيل حملة التحذير من ختان الإناث والحد من مهاجمة ختان الذكور:
يمارس اليهود ختان الذكور ويتعصبون له لا يقبلون أي انتقاد يوجه إليه، ولذا فإن الغربيين يشعرون بالحرج تجاه التعرّض لختان الذكور الذي قد يؤدّي في أيسر حالاته إلى الاتّهام بمعاداة الساميّة. ومن اليهود المشهورين عالميا بتبني هذا الموقف «ادمون كيزر» ( مؤسس جمعية sentinelles وجمعية Tree des hommes ) ويعد كيزر من أوائل منتقدي ختان الإناث الداعين إلى مناهضته وحظره لكنه يرفض في ذات الوقت رفضاً قاطعاً التعرّض لختان الذكور
الهوة واسعة بين موقف فقهاء المذاهب المعتمدة من ختان الإناث وبين القول بتجريمه وعدم مشروعيته
لم نعهد في خلافات المجتهدين أن ينقلب الواجب عند بعضهم حراما عند آخرين فالخلاف بينهم دائما أيسر من ذلك فقد يدور حول الشيء من جهة كونه واجبا أو مندوبا ، حراما أو مكروها لكن في كونه واجبا أو حراما فالهوة واسعة ولا يمكن معها التقاء الطرفين ،ولو حدث هذا لفقدت الثقة في الطرفين المختلفين وفي قضية ختان الإناث لاحظنا أن الفقهاء المعتمدين مترددون بين وجوبيته أو سنيته واستحبابه أي هم متفقون على مشروعيته مختلفون في توصيف الحكم التكليفي الذي يندرج تحته وهذه آراؤهم:
فالأحناف والمالكية يرون أن الختان للرجال سنة، وهو من الفطرة، وهو للنساء مكرمة عند الأحناف وسنة عند المالكية.
وفي فقه الإمام أحمد الختان واجب للذكور وله روايتان في ختان النساء إحداهما أنه سنة والأخرى أنه واجب
أما الشافعية فيرون أنه واجب في حق الرجال والنساء
وهذا كلام الشافعية في وجوبه:
جاء في كتاب كشاف القناع للبهوتي: ويجب ختان ذكر وأنثى لقوله صلى الله عليه وسلم لرجل أسلم ألق عنك شعر الكفر واختتن رواه أبو داود ........ وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم إذا التقى الختانان وجب الغسل دليل على أن النساء كن يختتن ولأن هناك فضلة فوجب إزالتها كالرجل......... – إلى أن قال - وللرجل إجبار زوجته المسلمة عليه كالصلاة ( كشاف القناع 1 / 80 )
ومن أدلة وجوبه عندهم أيضا أنّ بقاء القلفة يحبس النّجاسة ويمنع صحّة الصّلاة فتجب إزالتها
وذكر النووي في المجموع نفس الرأي وأضاف أنه يستحب أن يقتصر في المرأة على شيء يسير ولا يبالغ في القطع – ولذلك يعرف ختان المرأة بالخفاض أو الخفض أي قطع الجزء الزائد دون استئصال كامل البظر - واستدلوا لذلك بحديث أم عطية التي كانت تختن بالمدينة فقال لها النبي r (( لا تنهكي فإن ذلك أحظى للمرأة وأحب إلى البعل )) ، وهذا الحديث رواه أبو داود في سننه وحسنه الحافظ ابن حجر في الفتح ج10/340 وأشار إلى بعض الشواهد التي تعضده وتؤيده وذكره الهيثمي في المجمع 5/172 بلفظ " ‏"‏إذا خفضت فأشمي ولا تنهكي فإنه أسرى للوجه وأحظى عند الزوج‏" وقال: رواه الطبراني في الأوسط واسناده حسن، وحكم عليه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة بأنه يرتقي لدرجة الحسن لمجيئه من طرق متعددة ومخارج متباينه. ومعنى الحديث : لا تبالغي في ختان المرأة بما يؤدي إلى الاستئصال
وعلى مشروعيته مضى المسلمون وفي ضوء ذلك مضت الفتاوى ففي فتاوى دار الافتاء المصرية سنة 1950 سئل الشيخ علان نصار مفتي الديار في ذلك الوقت عن ختان الإناث فقال: إن ختان الإناث من شعائر الإسلام، لا يجوز لأهل بلد الاجتماع على خلافه، وإلا وجب على ولي الأمر أن يحاربهم، وقد وردت فيه السنة النبوية، واتفقت فيه كلمة المسلمين وأئمتهم على مشروعيته مع اختلافهم في كونه واجباً أو سنة والحكمة في مشروعيته ما فيه من تلطيف الميل الجنسي في المرأة والاتجاه إلى الاعتدال الممدوح والمحمود.أ.هـ
إذا لم يكن ختان الإناث مشروعا فلماذا لم ينه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟!!
وذلك أن أقل ما يمكن أن يقال في هذا الشان: إن ختان الإناث كان موجودا في عهده صلى الله عليه وسلم كما تشير إلى ذلك الأحاديث الصحيحة المتحدثة عنه ومنها قوله r كما في صحيح مسلم: ((إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان فقد وجب الغسل)) فهو دليل على أن النساء كن يختتن،فإذا كان هذا غير مشروع فلماذا لم ينه صلى الله عليه وسلم عنه ؟ بل ثبت ما يدل على مشروعيته بالإرشاد إلى طريقته وهيئته كما في حديث أم عطية سالف الذكر الذي حسنه المحدثون.

الرأي الأمثل في التعامل مع مسألة ختان الإناث في مصر:
لندع الأرقام تتكلم ففي عملية المسح الديموجرافي الذي قامت به وزارة الصحّة برئاسة الدكتورة فاطمة الزناتي بكلّية السياسة والإقتصاد جامعة القاهرة والذي تم إجراؤه على14.799 سيّدة من محافظات الجمهوريّة وأستمر لمدّة عامين متتاليين. قد بيّنت هذه الدراسة أن نسبة المختونات في مصر تصل إلى 97%. وهذه النسبة هي 99.5% في الريف، و94% في المدن. وأن قرابة 82% من النساء ما زلن يؤيّدن ختان الإناث: 91% في الريف، مقابل 70% في المدن.
وهذه نسبة يندر أن نراها في أي إحصاءات وهي معبرة أصدق تعبير عن موقف الشعب المصري من فكرة ختان الإناث رغم الحملات التي قامت مناهضة له
ولذلك فإنه في رأيي لن ينجح أي قانون في القضاء على هذه الظاهرة المصطبغة بصبغة دينية اجتماعية وقد ترتقي في فهم البعض ليجعلها ظاهرة أخلاقية أيضا بدليل أن نسبة 3% التي لا تختتن لا تملك الشجاعة للإعلان عن نفسها بل تتوارى لئلا يكتشف أمرها.
ويمكن لهذا الاستبيان الذي أجري على المختتنات أي الـ 97% لمعرفة أسباب قناعتهن بالختان أن يوقفنا على مدى تأصل هذه الفكرة في مجتمعنا المصري بما يجعله مناهضا لأي قانون يحظر من ختان الإناث محتالا في ذات الوقت على هذا القانون لو صدر فقد جاء في هذا الاستبيان أن أسباب القناعة بالختان هي كالتالي:
أنه مطلب ديني ، عادة حسنة ، تحقيق النظافة ، إمكانيّات أكبر للزواج ، زيادة لذّة للزوج ، المحافظة على البكارة ،الحماية من الزنا.
أهم مرتكزات رفض فكرة ختان الإناث
أهم ما يرتكز عليه الرافضون للفكرة هو قولهم: إنه ضار بالصحة حيث يسبب صدمة عصبية للمختتنة لكن الواقع يشهد بعكس ذلك فمع تفشي ظاهرة الاختتان لا يلحظ ما ادعوه من الصدمات العصبية التي تصيب المختتنات ويرد هذه الدعوى أيضا هذا الإقبال المتزايد على الختان كما نطقت الأرقام ثم من الممكن أن تحدث هذه الصدمة العصبية لمن لم تختتن عندما تتكشف على زوجها فيحرجها بكلمة أو يجرحها بلمزة فقد ذكرت الدراسات أن البظر قد يصل طوله إلى بضعة سنتيمترات وإذا كانت كلمة الاطباء على المستوى النظري لم تتفق على أن الاختتان له مضار ، فإن الواقع العملي يؤكد على هذه الحقيقة ، ولا يعد من سلبيات الختان في شيء ألا يلتزم القائمون بالختان بما سمح به الشرع في أمر خفاض الإناث فنحن نطالب بحصانة طبية وقانونية تحمي المختتنات من ظلم غير المؤهلين للقيام بعملية الختان.
ويقولون ايضا: إن الختان يفوت على المختتنة اللذة الجنسية ونقول: إن اتباع الطريقة الشرعية في الختان لا تفوت عليها لذتها بل تعدل فقط من شهوتها إضافة على العديد من الفوائد المترتبة على الاختتان فليس من الشرع استئصال البظر بل خفضه فقط بما يهذبه ولا يمنع من التلذذ.

ما الحل المناسب للتعامل مع هذه الظاهرة ؟
والحل في رأيي أن نعود إلى القرار الوزاري الذي صدر في مصر حول ختان الإناث ورقمه ( 74 لعام 1959 ) ويتضمّن هذا القرار في مادته الأولى كشفا بأسماء لجنة مكوّنة من 15 عضواً من رجال الدين المسلمين والطب من بينهم وكيل وزارة الصحّة مصطفى عبد الخالق، ومفتي الديار المصريّة حسن مأمون، ومفتي الديار المصريّة سابقاً حسنين محمّد مخلوف. وقد جاء في المادّة الثانية أن تلك اللجنة قد قرّرت ما يلي:
- أن يحرّم بتاتاً على غير الأطبّاء القيام بعمليّة الختان وأن يكون الختان جزئيّاً لا كلّياً لمن أراد.
- منع عمليّة الختان بوحدات وزارة الصحّة لأسباب صحّية واجتماعيّة ونفسيّة.
- غير مصرّح للدايات المرخّصات بالقيام بأي عمل جراحي ومنها ختان الإناث.
- الختان بالطريقة المتّبعة الآن له ضرر صحّي ونفسي على الإناث سواء قَبل الزواج أو بعده. ونظراً لأن الفقهاء استنادا إلى بعض الأحاديث الصحيحة قد اختلفوا في أن خفاض الإناث واجب أو سُنّة ومنهم من ذهب إلى أنه مَكرُمَة إلاّ أنهم قد اتفقوا جميعاً على أنه من شعائر الإسلام والشريعة الإسلاميّة تنهى عن الاستئصال الكلي
وهذا في رايي أفضل قرار يمكن أن يصاغ منه قانون التعامل مع ختان الإناث أو خفاضهن

**********