صفحة 3 من 3 الأولىالأولى 123
النتائج 31 إلى 43 من 43

الموضوع: حديث (( خلق الله آدم على صورتهِ )) و الضمير في قولهِ ( صورتهِ ) ...

  1. افتراضي

    جزاكم الله خير
    هناك رأي آخر
    من دروس الحرم النبوي للشيخ العثيمين:
    معنى حديث: (إن الله خلق آدم على صورته)

    السؤال
    ما معنى الحديث: (إن الله خلق آدم على صورته) ؟

    الجواب
    يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (إن الله خلق آدم على صورته، ونهى أن يقبح الوجه أو يضرب) وقد اختلف العلماء في معنى هذا الحديث بعد أن صححوه، أما من أنكر صحته فهذا له بابٌ وجواب، لكن من أثبته اختلفوا فيه على وجهين: الوجه الأول: خلق آدم على صورته أي: على الصورة التي اختارها الله عز وجل، فتكون من باب إضافة المخلوق إلى خالقه، مثل: ناقة الله، وبيت الله، وما أشبه ذلك.
    الوجه الثاني: خلق الله آدم على صورة الرب عز وجل، ولكن لا يلزم أن يكون مماثلاً له؛ لأن الله تعالى قال في كتابه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] ، فإذا قال قائل: كيف يكون غير مماثل وقد قال على صورته؟ قلنا: لا يلزم من الصورة التماثل، ألم يكن قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في أهل الجنة: (أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر) هل يلزم أن يكونوا مماثلين للقمر؟ لا يلزم أن يكونوا مماثلين له، فلا يلزم من كون الشيء على صورة الشيء أن يكون مماثلاً للشيء، وهذا واضح، وقد ضربنا لكم مثالاً في أهل الجنة: أنهم يدخلون الجنة أول زمرة على صورة القمر، ولا يلزم التماثل.
    وجاء في مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - 1/167
    سئل فضيلة الشيخ: عما أضافه الله تعالى إلى نفسه مثل وجه الله، ويد الله ونحو ذلك؟
    فأجاب قائلا: أقسام ما أضافه الله إلى نفسه ثلاثة:
    القسم الأول: العين القائمة بنفسها، فإضافتها من باب إضافة المخلوق إلى خالقه، وهذه الإضافة قد تكون على سبيل العموم كقوله تعالى: {إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ} . وقد تكون على سبيل الخصوص لشرفيته كقوله تعالى: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} وقوله: {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} . وهذا القسم مخلوق.
    القسم الثاني: العين التي يقوم بها غيرها مثل قوله تعالى: {وَرُوحٌ مِنْهُ} . فإضافة هذه الروح إلى الله من باب إضافة المخلوق إلى خالقه تشريفا فهي روح من الأرواح التي خلقها الله، وليست جزءا من الله، إذ إن هذه الروح حلت في عيسى، عليه السلام، وهو عين منفصلة عن الله وهذا القسم مخلوق.
    القسم الثالث: أن يكون وصفا محضا يكون فيه المضاف صفة الله وهذا القسم غير مخلوق؛ لأن جميع صفات الله غير مخلوقة، ومثاله قدرة الله وعزة الله وهو في القرآن كثير.
    ومن فتاوى نور على الدرب للشيخ العثيمين رحمه الله تعالى
    ما معنى الحديث (إن الله خلق آدم على صورته) وهذه الهاء تعود على من؟
    فأجاب رحمه الله تعالى: الهاء تعود على الله عز وجل أي أن الله خلق آدم على صورته تبارك وتعالى كما جاء ذلك مفسرا في بعض الروايات (على صورة الرحمن) ولا يلزم من هذا أن يكون مماثلاً لله عز وجل لأن الله قال (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) فنقول إن الله خلق آدم على صورته دون مماثلة وهذا ليس بغريب فهؤلاء الزمرة الأولى من أهل الجنة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر بدون مماثلة فإذا جاز هذا بين المخلوقين فبين الخالق والمخلوق من باب أولى واعلم أن ما ورد في الكتاب والسنة في كتاب الله الواجب إجراؤه على ظاهره بدون تمثيل ولا يحق لنا أن نتصرف فيه بتحريفٍ عن معناه بل نقول بإثبات المعنى وننفي المماثلة وبذلك نسلم من الشر ومن تحريف الكلم عن مواضعه.
    هذا ماتيسر جمعه والله اعلم
    وكتبه اكرم غانم
    موصل / العراق
    28 اب 2013

  2. #32

    افتراضي

    موضوع مملوء بالتجسيم.. الفطرة السليمة لاتقبل مثل هذه الامور
    ومن فوض فقد سلم.

    لم يبقى الا أن تحدثونا بماقاله ابن تيمية في كتبه :ان محمدا رسول الله يجلسه ربه على العرش معه ، عقيدة النصارى في المسيح حيث قالوا أنه فوق السماء يجلس بجانب الأب .

  3. #33
    تاريخ التسجيل
    Apr 2011
    المشاركات
    2,598
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    3

    افتراضي

    الجرار لا افهمك..
    انت كنت مسلمًا ثم الحدت ثم رجعت بيومين؟ لا ادري، لو كنت مكانك لتثبت قليلاً..
    أستغفر الله العظيم و أتوب إليه

  4. #34

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة واسطة العقد مشاهدة المشاركة
    الجرار لا افهمك..
    انت كنت مسلمًا ثم الحدت ثم رجعت بيومين؟ لا ادري، لو كنت مكانك لتثبت قليلاً..
    ومن قالك لك أنني ألحدت ؟ أنا لم ألحد يوما أختي

    انما فقط علقت على التجسيم الحاصل في هذا الموضوع .

  5. افتراضي

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الاخ الجرار هل قرأت الموضوع جيدا؟؟
    هل انتبهت لقول ابن عثيمين رحمه الله تعالى :

    الهاء تعود على الله عز وجل أي أن الله خلق آدم على صورته تبارك وتعالى كما جاء ذلك مفسرا في بعض الروايات (على صورة الرحمن) ولا يلزم من هذا أن يكون مماثلاً لله عز وجل لأن الله قال (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) فنقول إن الله خلق آدم على صورته دون مماثلة وهذا ليس بغريب فهؤلاء الزمرة الأولى من أهل الجنة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر بدون مماثلة فإذا جاز هذا بين المخلوقين فبين الخالق والمخلوق من باب أولى واعلم أن ما ورد في الكتاب والسنة في كتاب الله الواجب إجراؤه على ظاهره بدون تمثيل ولا يحق لنا أن نتصرف فيه بتحريفٍ عن معناه بل نقول بإثبات المعنى وننفي المماثلة وبذلك نسلم من الشر ومن تحريف الكلم عن مواضعه.
    رُبَّ ما تَكْرَهُ النُّفُوسُ مِنَ الأَمْرِ .. لَهُ فَرْجَةٌ كَحَلِّ العِقالِ

  6. #36

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو علي الفلسطيني مشاهدة المشاركة
    بسم الله الرحمن الرحيم

    الاخ الجرار هل قرأت الموضوع جيدا؟؟
    هل انتبهت لقول ابن عثيمين رحمه الله تعالى :

    الهاء تعود على الله عز وجل أي أن الله خلق آدم على صورته تبارك وتعالى كما جاء ذلك مفسرا في بعض الروايات (على صورة الرحمن) ولا يلزم من هذا أن يكون مماثلاً لله عز وجل لأن الله قال (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) فنقول إن الله خلق آدم على صورته دون مماثلة وهذا ليس بغريب فهؤلاء الزمرة الأولى من أهل الجنة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر بدون مماثلة فإذا جاز هذا بين المخلوقين فبين الخالق والمخلوق من باب أولى واعلم أن ما ورد في الكتاب والسنة في كتاب الله الواجب إجراؤه على ظاهره بدون تمثيل ولا يحق لنا أن نتصرف فيه بتحريفٍ عن معناه بل نقول بإثبات المعنى وننفي المماثلة وبذلك نسلم من الشر ومن تحريف الكلم عن مواضعه.
    مامعنى أن تقول ان الله له يد و رجل و عين وأصابع و ساق و و و ولكن بدون تشبيه؟ حتى لو قلت بدون تشبيه فهذا تجسيم أليس الاولى بك أن تفوض خير لك فتسلم ؟ .

    فقط سؤال : هل يمكنك أن تخرج وسط الشارع وتنادي : الله له يد ورجل و..الخ؟ هل تجرؤ ؟وكيف ستكون ردة فعلهم؟ فطرتهم لن تتقبل هذا

    عليك بالتأويل وان لم تشئ فبالتفويض لتسلم أما هذه العقيدة فصعبة وخاصة قولكم أن الله ينزل الى السماء الدنيا ويجلس فوق الكرسي ويضع محمدا بجنبه ..ارحموا عقولنا !

  7. #37
    تاريخ التسجيل
    Oct 2004
    المشاركات
    715
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الجرار مشاهدة المشاركة
    مامعنى أن تقول ان الله له يد و رجل و عين وأصابع و ساق و و و ولكن بدون تشبيه؟ حتى لو قلت بدون تشبيه فهذا تجسيم أليس الاولى بك أن تفوض خير لك فتسلم ؟ .

    فقط سؤال : هل يمكنك أن تخرج وسط الشارع وتنادي : الله له يد ورجل و..الخ؟ هل تجرؤ ؟وكيف ستكون ردة فعلهم؟ فطرتهم لن تتقبل هذا

    عليك بالتأويل وان لم تشئ فبالتفويض لتسلم أما هذه العقيدة فصعبة وخاصة قولكم أن الله ينزل الى السماء الدنيا ويجلس فوق الكرسي ويضع محمدا بجنبه ..ارحموا عقولنا !
    ما هذا الجهل المدقع !
    ولو صح امتعاضك مما وصف الله تعالى به نفسه بنفسه في قرآنه من إثبات اليد والعين إلخ في ضوؤ ليس كمثله شيء لقيل لك أيضا هل تستطيع أن تخرج إلى الشارع وتقول للناس إن الله يسمع ويبصر ؟ تعلم دينك أولا ثم تكلم في العقيدة ثانيا ولا تفتن نفسك ولا غيرك بمثل هذا الجهل ! التفويض هو في الكيفية - نثبت لله يدا وعينا واستواء كما أثبتهما لنفسه ولكن نقول لهما كيفية لا نعرفها لأنه ليس كمثله شيء - فانظر هنا الفرق بين ذلك وبين من ينفي العين واليد والسمع والبصر عن الله بحجة التنزيه والتفويض !
    فأما التنزيه فكان الأولى أن ينزه الله نفسه فلا يذكرهم لو كان فيهم ما ينتقصه سبحانه - وأما التفويض فكان الله بذلك يحدث الناس بما لا يعلمون حيث تسأل أحدهم ما معنى اليد فيقول لك لا أعرف ! ما معنى السمع لا أعرف ! العين البصر الرحمة الحكمة ولله في خلقه شئون !

  8. #38
    تاريخ التسجيل
    Oct 2011
    الدولة
    مصــــــــــــــــــــــــــــر
    المشاركات
    275
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    بسم الله الرحمن الرحيم

    دراسة حديثية تثبت بالدليل أن الهاء لا تعود علي الله تبارك وتعالي

    مفهوم حديث (خلق الله آدم على صورته)
    وآثاره في الفكر الإسلامي
    تأليف
    د. مصعب الخير إدريس السيد مصطفى الإدريسي الحسني

    قسم العقيدة والفلسفة الإسلامية

    كلية أصول الدين ـ الجامعة الإسلامية العالمية

    إسلام آباد ــ باكستان
    1426هـ ــ 2005م.












    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله جل في علاه، وتنـزه في ألوهيته عن مشابـهة الخلق؛ فقال في محكم كتابه: "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير" الشورى/11.

    والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين .. سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أئمة الهدى وحماة دين الإسلام، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد؛ فإن مفهوم حديث رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ الصحيح "خلق الله آدم على صورته" قدر له أن يكون من القضايا المشكلة التي تنازعت حولها الآراء، وتعارضت فيها الأحكام قديما وحديثا. ولم يخل ذلك النـزاع الطويل من زلل تجاوز غلو العامة إلى كبوات العلماء، وهفوات المتكلمين، وشطحات الصوفية؛ فعد أقوام هذا الحديث من أخبار الصفات التي تمر كما جاءت دون أن يقال: لم، ولا كيف؟ حتى إن أحد المعاصرين قد ألف كتابا جعل عنوانه: "عقيدة أهل الإيمان في خلق آدم على صورة الرحمن"[1]؛ وفقا لبعض الروايات التي يصر بعض المعاصرين أيضا على صحتها وثبوتـها متابعة لآراء بعض العلماء المتقدمين دون التثبت الواجب ــ فيما أرى[2].

    وإني لأحسب أن قول رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ: "خلق الله آدم على صورته". قد شاع مبتورا عن سياقه في رواياته التامة، وبمعزل عن مقامه الذي يتضح فيه معناه الصحيح؛ فغدا من المشكلات عند أهل الكلام؛ فمنهم من فر إلى التأويل طلبا للتنـزيه، وزعم بعضهم أن الحديث غير مدون في كتب الصحيح[3].

    وفي الصوفية من أبعد في فهم الحديث واستلهام باطنه؛ حتى جعله أساسا لتفسير الخلق الإلهي للإنسان؛ بل العالم كله بفكرة المحبة أو "العشق الذاتي"، ومن جعل الحديث باب القول في "وحدة الوجود"، أو تمهيدا لظهور هذه النظرية في تاريخ التصوف الإسلامي.

    وهذا يعني أن لمفهوم هذا الحديث أثرا خاصا في حركة الفكر الإسلامي، هو حري بالدراسة والبيان؛ فلا يقف الأمر عند رد خطأ فلان، أو قطع تجاوز غيره، أو رفع الإشكال عن مفهوم حديث مشكل فحسب، وإن كان كل غرض من أولئك على حدة يكفي دافعا للبحث والتأليف.

    ولقد جعلت دراستي لمفهوم هذا الحديث، وبيان آثاره في الفكر الإسلامي، بعد هذه التوطئة، على ثلاثة فصول وخاتمة. أما الفصل الأول؛ فعنوانه: (روايات حديث "خلق الله آدم على صورته" ومفهومه عند علماء الحديث). وفيه مبحثان: أولهما: (روايات حديث "خلق الله آدم على صورته" .. دراسة نقدية). فمن اللازم قبل الخوض في بيان الآراء المتعلقة بمفهوم الحديث، الكلام عن أصول رواياته، وبيان مقامه الحق الذي يمكننا أن نقف معه على المعنى الصحيح، الذي تطمئن إليه النفوس، وتسكن له القلوب، وترضى به العقول. ولا يتم ذلك إلا بجمع ألفاظ الحديث وأسانيده المختلفة الطرق، وعقد المقارنة بينها؛ فإن علل الحديث لا تظهر إلا بجمع طرقه ونقدها؛ حتى نميز المضبوط سندا ومتنا مما به خلل؛ فنقبل الصحيح الثابت، ونطرح السقيم المعلّ. وهذه سبيلنا لتحديد المفهوم الصحيح لهذا الحديث.

    والمبحث الثاني: (نماذج مفهوم حديث "خلق الله آدم على صورته" عند المحدثين). وهو دراسة نقدية لنماذج منتقاة في ضوء ما انتهت إليه في المبحث الأول، مع السعي في تقديم صورة صادقة وواضحة لمواقف عدد من المحدثين المتقدمين والمتأخرين في تحديد مفهوم هذا الحديث، على تعدد هذه المواقف وتباينها؛ سواء كانت نابعة من آرائهم في الحكم على روايات الحديث، أو صادرة عن مؤثرات أخرى ربما كانت غير إسلامية في بعض الأحيان.



    أما الفصل الثاني؛ فعنوانه: (مفهوم حديث "خلق الله آدم على صورته" عند المتكلمين). وفيه ثلاثة مباحث: أولهما: (مواقف المتكلمين من الدليل النقلي). وهو معني برصد مواقف المدارس الكلامية في أطوارها المختلفة بين أهل السنة والشيعة من الأدلة النقلية؛ خاصة الحديثية، وفي ذلك تمهيد ضروري لفهم مواقف المتكلمين المتعددة من مفهوم هذا الحديث.

    والمبحث الثاني: (مواقف المتكلمين من إثبات الصورة لله تعالى).ودراسة هذه المواقف بمثابة تقديم تصور شامل لمواقف المتكلمين الجزئية في تحديد مفهوم الحديث، لاسيما أن كثيرا من المتكلمين لم يتعرضوا للكلام عن مفهوم هذا الحديث بصورة مباشرة.

    والمبحث الثالث: (نماذج مفهوم حديث "خلق الله آدم على صورته" عند المتكلمين).



    أما الفصل الثالث؛ فعنوانه: (مفهوم حديث "خلق الله آدم على صورته" عند الصوفية). وقد اخترت أن أدرس فيه ثلاثة نماذج كان لأصحابـها أثر كبير في تاريخ التصوف الإسلامي، وكان لمفهوم الحديث عند كل واحد منهم دور بارز في ظهور بعض النظريات التي دار حولها جدل طويل في تاريخ الفكر الإسلامي على وجه العموم، وما زال قائما يتنازع أطرافه أساطين الفكر المعاصر ..

    النموذج الأول: مفهوم أبي مغيث الحسين بن منصور الحلاج (ت 309هـ)، وأثره في نظرية "العشق الذاتي" في تفسير خلق الله ــ تعالى ــ لآدَمَ ــ عليه السلام ــ والعالمِ كُلِّه فيما بعد.

    والنموذج الثاني: مفهوم أبي حامد محمد بن محمد الغزالي (ت 505هـ)، وأثره في نظرية "المثال الإلهي"، التي صرح بِها في "المضنون به على غير أهله".

    والنموذج الثالث: مفهـوم الشـيخ الأكبر محيي الدين محـمد بن عربي الطـائي (ت 638هـ)، وأثره في نظريتي "الإنسان الكامل"، و"وحدة الوجود".

    ولسوف يستشرف البحث مع ذلك ــ بإذن الله تعالى ــ محاولة تقويم هذه النظريات في ضوء المفهوم الظاهر للثابت من روايات حديث "خلق الله آدم على صورته"، وأنا أزعم أن المغالاة في فهم هذا الحديث كان لها دور في نشأة هذه النظريات في تاريخ التصوف الإسلامي، أو في محاولة تأسيسها على أصول إسلامية إذا اعتبرنا شواهدها في الثقافات الأخرى ..

    أما الخاتمة؛ فتُعْنَى بتقديم رصد شامل لآثار مفهوم الحديث في الفكر الإسلامي، أعني الأنشطة الفكرية المتنوعة؛ خاصة تيارات التشبيه عند الرواة والمتكلمين والصوفية ..

    ولقد أردت من ذلك كُلِّه وجْهَ الحقِّ ــ جلَّ وعلا ــ ببيان وَجْهِ الحَقِّ في مفهوم حديث نبوي شريف، يتعلق الكلام فيه بأصول العقيدة الإسلامية، التي يجب على كل مسلم أن يدفع عنها بما يوفقه الله إليه، ويجعله في طاقته قوة لنصرة صحيح الدين.

    ولعلي ــ خلال ذلك ــ ألقي الضوء على بعض المؤثرات في حركة الفكر الإسلامي، الذي يعنى طلائع أمتنا الآن بفهمه والإفادة منه في التفاعل مع قضايا الفكر المختلفة، التي يموج بِها عالمنا المعاصر ..

    وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب ..

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


    الفصل الأول


    روايات حديث "خلق الله آدم على صورته"

    ومفهومه عند علماء الحديث


    المبحث الأول

    روايات حديث "خلق الله آدم على صورته" دراسة نقدية

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
    لقد استعنت الله ــ تعالى ــ في جمع روايات هذا الحديث من كتب السنة المطهرة ومصادرها الأولى، واستهديت في ذلك ــ قدر طاقتي ــ بالفهارس الحديثية المعروفة[4]، والمتاح من تقنيات العصر في الكشف عما في كتب السنة[5].وسأدون من ذلك في هذه الصفحات ما يناسب المقام، وما أحسب أنه يكشف اللثام عن وجه الحق الأبلج في بيان مفهوم الحديث.

    إن قول رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ: "خلق الله آدم على صورته". قد جاء صدرا وعجزا لروايات صحيحة الإسناد أخرجها البخاري ومسلم في الصحيح، وأخرجها غيرهما من أهل المسانيد والسنن عن أبي هريرة ــ رضي الله عنه ــ بأسانيد صحيحة وأخرى تقبل باعتبار الثابت المحفوظ. كما روى في غير الصحاح عجزا لرواية تُكُلِّمَ في إسنادها عن عبد الله بن عمر ــ رضي الله عنهما ــ وروي عن أبي سعيد الخدري ــ رضي الله عنه ــ أيضا.

    وروى للحديث ألفظ مختلفة منها: "على صورة نفسه"، و"على صورة وجهه"، و"على صورة وجه الرحمن"، و"على صورة الرحمن" .. روي ذلك عن أبي هريرة، وبعضه عن بن عمر ــ رضي الله عنهم. وهذه الألفاظ فيها إيهام، وفي أسانيدها ومتونـها كلام لا ترتقي معه إلى درجة الصحة في الإثبات والحجاج.

    وإنه ليمكننا بعد تتبع روايات الحديث من طرقها المختلفة التي أشار إليها أو كاد يحصرها ــ فيما يبدو لي ــ الحافظ شمس الدين الذهبي[6]. أقول: يمكننا أن نرد هذه الروايات جميعا إلى مقامين اثنين: أولهما: مقام الكلام عن هيئة آدم ــ عليه السلام ــ عند خلقه. وقد يرد فيه الكلام عن قصة سلامه على الملائكة، وأن من يدخل الجنة من ذرية آدم يدخلها على صورة آدم التي خلقه الله ــ تعالى ــ عليها.

    والثاني: مقام النهي عن ضرب وجه الإنسان وتقبيحه. وقد يرد فيه النهي عن الضرب مفردا، أو عن التقبيح، أو عنهما في آن معا.

    وألفت الأنظار إلى مجيء روايات في المقامين دون أن تشتمل على لفظ "على صورته"، وإن كانت ترجح أو تقطع أحيانا بعود الضمير الذي أضيف إليه لفظ "الصورة" إلى غير الله ــ تعالى؛ فالضمير يعود إلى آدم ــ عليه السلام ــ في المقام الأول، ويعود إلى المنهي عن ضرب وجهه أو تقبيحه في المقام الثاني. وقد روي ذلك عن أبي هريرة وابن عمر، وعن غيرهما من الصحابة ــ رضي الله عنهم.

    أ ــ مقام الكلام عن هيئة آدم ــ عليه السلام ــ عند خلقه:

    روى الإمام أحمد عاليا قال: حدثنا عبد الرزاق بن همام، ثنا معمر، عن همام بن منبه قال: هذا ما حـدثنا به أبو هريرة، فذكر أحاديث منها: قال رسـول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ … [7]. وأخرجه البخاري في الصحيح قال: حدثنا يحيى بن جعفر[8]. وأخرجه الإمام مسلم في الصحيح قال: حدثنا محمد بن رافع[9]. وأخرجه الإمام ابن خزيمة في "التوحيد" قال: حدثنا عبد الرحمن ابن بشر بن الحكم[10]. كلهم حدثه عبد الرزاق بـمثل سند الإمام أحمد، واللفظ لمسلم … قال رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ: "خلق الله ــ عز وجل ــ آدم على صورته طوله ستون ذراعا. فلما خلقه قال: اذهب فسلم على أولئك النفر، وهم نفر من الملائكة جلوس، فاستمع ما يجيبونك؛ فإنـها تحيتك وتحية ذريتك. قال: فذهب فقال: السلام عليكم. فقالوا: السلام عليك ورحمة الله. قال: فزادوه: ورحمة الله. قال: فكل من يدخل الجنة على صورة آدم وطوله ستون ذراعا، فلم يزل الخلق ينقص بعده حتى الآن".

    وروى الإمام أحمد قال: حدثنا أبو عامر، ثنا المغيرة بن عبد الرحمن، عن أبي الزناد، عن موسى بن أبي عثمان، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ قال: "إن الله ــ عز وجل ــ خلق آدم على صورته". وفي كتاب أبي "وطوله ستون ذراعا" فلا أدري حدثنا به أم لا[11].

    وهذا الحديث أخرجه ابن خزيمة عن أبي موسى بن محمد بن المثنى قال: حدثنا أبو عامر عبد الملك بن عمر، وساق الإسناد نفسه، ولفظه: "خلق الله آدم على صورته وطوله ستون ذراعا"[12].

    وأخرجه "الدارقطني في الصفات" قال: حدثنا أبو شيبة عبد العزيز بن جعفر بن بكر، ثنا المثنى أبو موسى، وساق الإسناد عن أبي عامر، ولفظه نحو لفظ ابن خزيمة[13].

    وإني لأحسب أن قراءة الرواية التامة المخرجة في صحيحي البخاري ومسلم تقطع يقينا بعود الضمير في قوله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ "على صورته". إلى آدم ــ عليه السلام .. نقل الطِّيبي في شرح الحديث بمورده من "مشكاة المصابيح" أن الإمام أبا سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي (ت 388هـ) صرح بأن قوله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ : "طوله". بيانٌ لقوله "على صورته". كأنه قيل: خلق الله آدم على ما عرف من صورته الحسنة، وهيئته من الجمال والكمال وطول القامة؛ فالضمير يعود إلى مذكور واحد في الإضافتين[14].

    وفي الحديث ملحظ آخر ــ ربما لم يلتفت إليه من قبل حسب مطالعتي لشروحه ــ يؤكد ما صرح به الإمام الخطابي، وذلك أن لفظ "الصورة " ذكر في الحديث مرتين؛ ففي صدر الحديث "خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعا". وفي عجزه "فكل من يدخل الجنة على صورة آدم وطوله ستون ذراعا".

    أقول: في صدر الحديث كان ذكر آدم ــ عليه السلام ــ قريبـا؛ فأضيف لفظ "الصورة" إلى الضمير العائد إليه؛ فآدم أقرب الأسـماء المذكورة قبل الضـمير، ولا يصرف الضمير إلى غيره إلا بقرينة. فلما ابتعد ذكر آدم ــ عليه السلام ــ أُضِيف لفظ "الصورة" إلى اسمه الصريح في عجز الحديث. وقد رويت هذه الإضافة في أحاديثَ ثابتةٍ في المقام نفسه، منها تكرار الإمام البخاري للرواية التامة من طريق عبد الله بن محمد، عن عبد الرزاق…[15]. وهذه الرواية لم تشتمل على لفظ "على صورته"، ومبدؤها: "خـلق الله آدم وطـوله سـتون ذراعا ..."، وبقيتها بنحو لفظ أحمد، ويحيى بن جعفر، ومحمد بن رافع ، وعبد الرحمن بن بشر.

    وأخرج البخاري عقب ذلك.. قال: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا جرير، عن عمارة، عن أبي زُرْعة، عن أبي هريرة ــ رضي الله عنه ــ قال: قال رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ : "إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونـهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة. لا يبولون ولا يتغوطون، ولا يتفلون ولا يمتخطون. أمشاطهم الذهب، ورشحهم المسك، ومجامرهم الأَلُوَّة ــ الأَلَنْجُوج عود الطيب ــ وأزواجهم الحور العين. على خَلْق رجل واحد، على صورة أبيهم آدم: ستون ذراعا في السماء"[16].

    وأخرجه الإمام مسلم متابعا عن قتيبة بـمثل إسناد البخاري وغيره، كما أخرجه من طرق أخرى بلفظ "على صورة أبيهم آدم: ستون ذراعا في السماء" ولفظ "على طول أبيهم آدم: ستون ذراعا"[17].

    ولعلنا ــ إذ نراعي مفهوم هذه الأحاديث جميعا ــ ندرك دلالة لفظ "الصورة"، ونعي إطلاقه في هذا المقام على هيئة الخلق أو المخلوق من الوضاءة، والطول، والعرض في روايات أخرى لم تبلغ درجة ما تقدم صحة وإثباتا[18]. وقد بُيِّنَتْ الوَضَاءةُ بوَضاءةِ القمر والكوكب الدُّرِّيِّ، والطول ستون ذراعا، والعرض سبعة أذرع. وهذه كيفيات وكميات محددة معلومة ومعقولة في صفات الخلق، والله ــ جل وعلا ــ ليس كمثله شيء، ولا لصفاته العلا حد يدركه عقل، أو يتمثلُه وَهْم.

    قال العلامة بدر الدين العيني في شرح رواية البخاري من طريق يحيى بن جعفر: "قوله على صورته". أي على صورة آدم لأنه أقرب. أي خلقه في أول الأمر بشرا سويا، كامل الخلقة، طويلا: ستين ذراعا ... ، بخلاف غيره فإنه يكون أولا نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم جنينا، ثم طفلا، ثم رجلا؛ حتى يتمَّ طوله، فله أطوار.

    وقال ابن بطال: أفاد ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ بذلك إبطال قول الدُّهْرِيَّة: إنه لم يكن قط إنسان إلا من نطفة، ولا نطفة إلا من إنسان ... "[19].

    وقال الإمام النووي في شرح رواية مسلم من طريق محمد بن رافع: "خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعا ...": "هذه الرواية ظاهرة في أن الضمير في "صورته" عائد إلى آدم، وأن المراد أنه خلق في أول نشأته على صورته التي كان عليها في الأرض وتوفي عليها، وهي طوله ستون ذراعا، ولم يتنقل أطوارا كذريته، وكانت صورته في الجنة هي صورته في الأرض لم تتغير"[20].

    وقال الحافظ ابن حجر في شرح رواية البخاري من طريق عبد الله بن محمد: "وهذه الرواية تؤيد قول من قال: إن الضمير لآدم. والمعنى أن الله ــ تعالى ــ أوجده على الهيئة التي خلقه عليها، لم ينتقل في النشأة أحوالا، ولا تردد في الأرحام أطوارا كذريته؛ بل خلقه الله رجلا كاملا سويا من أول ما نفخ فيه الروح. ثم عقب ذلك بقوله: "وطوله ستون ذراعا". فعاد الضمير أيضا على آدم"[21].

    ب ــ مقام النهي عن ضرب وجه الإنسان وتقبيحه:

    من أصح ما روي في النهي عن ضرب وجه الإنسان ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه قال: حدثنا نصر بن علي الجهضمي، حدثني أبي، حدثنا المثنى.

    وحدثني محمد بن حاتم، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن المثنى بن سعيد، عن قتادة، عن أبي أيوب، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ .

    وفي حديث ابن حاتم، عن النبي ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ قال: "إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه؛فإن الله خلق آدم على صورته"[22].

    ورواية نصر بن علي الجهضمي أخرجها الإمام ابن خزيمة بإسناد مسلم نفسه، ولفظه: "إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه؛ فإن الله خلق آدم على صورته"[23].

    وأخرجه الإمام أحمد بإسناد أعلى من طريق سليمان بن داود عن المثنى. ولفظه: "إذا قاتل أحدكم فليتق الوجه؛ فإن الله ــ عز وجل ــ خلق آدم على صورته"[24].

    وأخرجه الإمام أحمد بإسناد نزل فيه المثنى عن قتادة، فقال: حدثني عبد الرحمن بن مهدي قال: ثنا المثنى بن سعيد، وبـهز قالا: ثنا همام، وساق الإسناد نفسه عن قتادة. ولفظه نحو لفظ الجهضمي[25].

    وقد توبع أبو أيوب بما رواه الإمام أحمد أيضا. قال: حدثنا سفيان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ قال: "إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه؛ فإن الله خلق آدم على صورته"[26].

    وتوبع أيضا بما رواه ابن خزيمة قال: حدثنا الربيع بن سليمان المرادي قال: حدثنا شعيب ــ يعني ابن الليث ــ قال: ثنا الليث، عن محمد بن عجلان، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة ــ رضي الله عنه ــ ولفظه مثل لفظ أحمد السابق[27].

    وروى عبد الرزاق بإسناد مُعْضَل قال: عن معمر، عن قتادة قال: قال رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ : "إذا ضربتم فاتقوا الوجه؛ فإن الله خلق وجه آدم على صورته"[28] ولفظ قتادة هنا ــ على ظاهره ــ صريح في عود الضمير إلى الوجه المنهي عن ضربه. وهذه الرواية ــ رغم انقطاع إسنادها، وهو موصول عن قتادة في مسند أحمد وصحيح مسلم ــ تصلح بيانا وتفسيرا لروايات الإمام أحمد وابن خزيمة والآجري فيما سبق؛ ولو وَفْقَ مفهوم قتادة.

    وفي النهي عن تقبيح الوجه أخرج ابن خزيمة بإسناده السابق نفسه عن رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ قال: "لا يقولن أحدكم لأحد: قبح الله وجهك، ووجها أشبه وجهك؛ فإن الله خلق آدم على صورته"[29].

    وأخرجه ابن أبي عاصم قال: ثنا محمد بن مصفى، ثنا عثمان بن سعيد، وساق الإسناد نفسه عن الليث بن سعد، ولفظه: "لا يقولن أحدكم: قبح الله وجهك، ولا وجه من أشبه وجهك؛ فإن الله خلق آدم على صورته"[30].

    وروى النهي عن تقبيح الوجه مرفوعا من طريق الأعرج .. أخرج الآجري قال: أخبرنا إبراهيم بن الهيثم الناقد قال: حدثنا أبو معمر القطيعي قال: حدثنا سفيان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة ــ رضي الله عنه ــ قال: قال رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ: "لا تقبحوا الوجه؛ فإن الله ــ تعالى ــ خلق آدم على صورته"[31].

    وروى هذا النهي موقوفا على أبي هريرة .. أخرج البخاري في "الأدب المفرد" قال: حدثنا عبد الله بن محمد قال: حدثنا ابن عيينة، عن ابن عجلان، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة ــ رضي الله عنه ــ قال: لا تقولن: قبح الله وجهك، ووجه من أشبه وجهك؛ فإن الله ــ عز وجل ــ خلق آدم ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ على صورته[32].

    ورواه الآجري معلقا موقوفا .. قال: وقال ابن عجلان، عن سعيد، عن أبي هريرة ــ رضي الله عنه ــ قال: لا تقل: قبح الله وجهك، ولا وجه من أشبه وجهك؛ فإن الله ــ عز وجل ــ خلق آدم على صورته[33].

    ومن المرويات الجامعة بين النهي عن ضرب الوجه والنهي عن تقبيحه ما رواه الإمام أحمد عاليا قال: حدثنا يحيى بن سعيد، ثنا ابن عجلان قال: حدثني سعيد، عن أبي هريرة، عن النبي ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ قال: "إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه، ولا يقل قبح الله وجهك، ووجه من أشبه وجهك؛ فإن الله ــ عز وجل ــ خلق آدم ــ عليه السلام ــ على صورته"[34].

    وأخرجه ابن خزيمة قال: حدثنا أبو موسى محمد بن المثنَّى، وساق الإسناد عن يحيى بن سعيد، ولفظه مثل لفظ أحمد. وأخرجه من طريق بُنْدار عن يحيى أيضا، والمخالفة في لفظه: "ولا يقولن …"[35].

    وأخرجه ابن أبي عاصم قال: حدثنا أبو بكر بن خلاد الباهلي وساق الإسناد عن يحيى، ولفظه: "إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه، ولا يقولن أحدكم: قبح الله وجهك؛ فإن الله ــ تعالى ــ خلق آدم على صورته"[36].

    وأخرجه الدارقطني قال: حدثنا محمد بن سهل بن الفضل الكاتب، ثنا حميد بن الربيع، وساق الإسناد عن يحيى، والمخالفة في لفظه: "ولا يقول ..."[37]. وأخرجه بإسناد نازل أيضا فقال: حدثنا علي بن عبد الله بن بشر، حدثنا أحمد بن سنان القطان. وحدثنا أبو إسحاق نـهشل بن دارِم التميمي، ثنا عمر بن شَبَّه. قالا: حدثنا يحيى، وساق الإسناد نفسه، بلفظ مقارب[38].

    وفي مصنف عبد الرزاق: عن يحيى البجلي، عن ابن عجلان، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي هريرة مرفوعا. ولفظه مثل لفظ ابن خزيمة من طريق بُنْدار سواء بسواء[39].

    وكل هذه الروايات اشتملت على إضافة لفظ "الصورة" إلى الضمير المفرد الغائب في جملة تعليل النهي عن ضرب الوجه وتقبيحه، وروي عن أبي هريرة أيضا إضافة لفظ "الوجه" إلى الضمير نفسه؛ فروى ابن أبي عاصم قال: حدثنا محمد بن ثعلبة بن سواء، حدثني عمي محمد بن سواء، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي رافع، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ: "إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه؛ فإن الله ــ تعالى ــ خلق آدم على صورة وجهه"[40].

    وقال الألباني في تخريجه: "إسناده صحيح، رجاله رجال الشيخين غير شيخ المصنف وهو ثقة ...؛ لكني في شك من ثبوت قوله: "على صورة وجهه". فإن المحفوظ في الطرق الصحيحة "على صورته" ...، ثم إن سعيد بن أبي عروبة قد خولف في إسناده أيضا عن قتادة…"[41].

    وأقول: هذا يعني أن الحديث شاذ إسنادا ومتنا. أما شذوذ إسناده؛ ففي مخالفة سعيد بن أبي عروبة لهمام بن يحيى بن دينار العوذي البصري وهو ثقة[42]، والمثنى بن أبي سعيد الضُّبَعي أبي سعيد البصري القسام وهو ثقة أيضا[43]؛ فإنـهما رويا الحديث عن قتادة بن دعامة بن قتادة السدوسي البصري، عن أبي أيوب المراغي الأزدي، عن أبي هريرة ــ رضي الله عنه ــ كما سبق أن ذكرت. وسعيد بن أبي عروبة مهران اليشكري وهو ــ كما قال ابن حجر ــ ثقة حافظ له تصانيف، لكنه كثير التدليس واختلط، وكان من أثبت الناس في قتادة[44] ــ روى الحديث عن قتادة، عن أبي رافع المدني نفيع الصائغ، عن أبي هريرة.

    وأما شذوذ متنه؛ ففي مخالفته لجميع الروايات السابقة من حديث أبي هريرة، ولفظها جميعا "على صورته"، ولفظ سعيد "على صورة وجهه".

    وهذا الشذوذ بنوعية ينـزل بـهذه الرواية عن درجة الصحيح.

    وقد رُوِيَ عن أبي هريرة أيضا إضافة "الصورة" إلى لفظة "النفس" المضافة إلى ضمير الغائب المفرد؛ فروى القاضي أبو يعلى بإسناده إلى أبي سهل سعد بن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أخيه عبد الله، عن أبيه، عن أبي هريرة أن رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ قال: "إذا ضرب أحدكم مملوكه فليتق الوجه؛ فإن الله إنـما خلق آدم على صورة نفسه"[45].

    وهذا الحديث لا تقوم به حجة؛ فإسناده ضعيف جدا، وقد حكم ابن حجر على أبي سهل سعد بن سعيد بأنه لين الحديث، وعلى أخيه عبد الله بن سعيد بأنه متروك[46].

    وقد يغلب على قراءة رواية سعيد بن أبي عروبة على شذوذها، وعلى قراءة روايات الإمام أحمد السابقة من طريق المثنى وهمام عن قتادة، وسفيان عن أبي الزناد عن الأعرج، ورواية ابن خزيمة من طريق الليث عن ابن عجلان عن سعيد في النهي عن ضرب الوجه، وعلى قراءة رواية الآجري من طريق سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج في النهي عن تقبيح الوجه .. أقول: قد يغلب على قراءة هذه الروايات عود الضمير إلى الله ــ تعالى ــ وفق الظاهر؛ لعدم اشتمالها على ذكر المنهي عن ضرب وجهه أو تقبيحه صراحة أو بضمير ظاهر يعود إليه؛ فهو الذي بُيّنَتْ علة النهي عن ضرب وجهه أو تقبيحه بأن الله ــ تعالى ــ خلق آدم ــ عليه السلام ــ على صورته. وبناء على ذلك يمكن أن يقال: إن المذكور قبل الضمير الذي أضيف إليه لفظ "الصورة" أو لفظ "الوجه" ثلاثة ألفاظ: "الوجه" المنهي عن ضربه وتقبيحه، و"لفظ الجلالة"، و"آدم" عليه السلام. فإذا عدنا بالضمير إلى لفظ "الوجه"؛ فلا يستقيم وفق الظاهر خلق آدم ــ عليه السلام ــ على صورته إلا بتأويل وتقدير؛ ويمتنع ذلك في رواية سعيد بن أبي عروبة. وإذا عدنا بالضمير إلى"آدم"؛ فضعيف لا يستقيم معه كون تلك الجملة علة النهي. ويبقى بعد ذلك عود الضمير إلى "لفظ الجلالة" تعالى ربنا وعز، ويكون الكلام في حقيقة هذه الإضافة على المذاهب المعروفة؛ فقائل بالتفويض وترك التفسير، وذاهب إلى التأويل، ومصرح بأن الإضافة كانت للتشريف والتكريم؛ مثل: بيت الله، وناقة الله، ونظائره.

    ولكنني أشير هنا إلى دقة الإمام مسلم بن الحجاج في ضبط الرواية ومراعاة مقامها في ترتيب صحيحه؛ فإنه أخرج حديثه فيما تُرْجِم له بعد ذلك بباب النهي عن ضرب الوجه من كتاب البر والصلة والآداب، ولم يكرره جامعا بينه وبين أحاديث التوحيد والصفات. وهذا ــ في رأيي ــ يوضح موقفه من مفهوم الحديث، وأنه لا يعده من أخبار الصفات. ومما يرجح ذلك لدي ملحظ آخر يدركه من يعايش صحيح مسلم ويستشعر دقة الإمام في تدوين مروياته، وذلك أنه ذكر للحديث إسنادين: أولهما من طريق نصر بن علي الجهضمي، عن أبيه، عن المثنى. والثاني من طريق محمد بن حاتم، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن المثنى بن سعيد، عن قتادة، عن أبي أيوب، عن أبي هريرة مرفوعا. ثم ذكر لفظ ابن حاتم فقط، ولم يشر إلى موافقته أو مخالفته للفظ الجهضمي كما اعتاد في روايته للحديث الواحد من عدة طرق[47]. ولعل الإمام يشير بذلك إلى أحد أقسام العلل؛ فمنها العلة في المتن وتقدح فيه دون الإسناد[48].

    قال الإمام مسلم: وفي حديث ابن حاتم، عن النبي ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ قال: "إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه؛ فإن الله خلق آدم على صورته". وهذا المتن يشتمل على ذكر المضروب "أخاه" الذي بُيِّنَتْ علة النهي عن ضرب وجهه بأن آدم خلق على صورته. وكذلك كانت متون الروايات الخمس التي أخرجها الإمام مسلم في الباب نفسه بغير ذكر التعليل[49].

    أما متن رواية نصر الجهضمي الذي اعتبر الإمام مسـلم إسـناده ولم يعتبر ــ فيما يبدو لي ــ لفظه؛ فقد أخرجه ابن خزيمة في "التوحيد" ــ كما سبق أن بَيَّنتُ ــ بإسناد مسلم نفسه، ولفظه: "إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه؛ فإن الله خلق آدم على صورته".

    وإمام الأئمة أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة (ت 311هـ) لم يشترط في كتابه "التوحيد" إخراج الصـحيح فحسب، وليس في وسـع أحد ادعاء تحقق درجـة الصحة لجميع أحاديث ذلك الكتاب. أضف إلى ذلك أن رواية الإمام مسلم من طريق محمد بن حاتم هي الأتم والأكمل، وإنـما يكون منهج السلف الصالح في الاستشهاد بالروايات التامة، وحمل الناقص عليها، وتفسيره بـها. ويمكننا إدراك ذلك بوضوح في منهج الإمام محمد بن إسماعيل البخاري (ت 256هـ) في كتابه الجليل "خلق أفعال العباد"؛ فإنه أفسد احتجاج المقررين "خلق القرآن" بقول رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ : "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب" يزعمون أن فاتحة الكتاب في ظاهر لفظ الحديث جزء من الصلاة، والصلاة من أفعال العباد، وأفعال العباد مخلوقة.

    ورأيُ الإمام البخاري أن هذا الاستدلال فيه جهل ظاهر؛ فقد أغفل صاحبه الأخبار المفسرة المستفيضة عند أهل الحجاز والشام والعراق، وأهل الأمصار عن رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ . قال البخاري: "إنـما قال النبي ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ : "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب". وأفصح أن قراءة القارئ وتلاوته غير المقروء والمتلو، وإنـما المتلو فاتحة الكتاب لا اختلاف فيه بين أهل العلم".

    وأسند البخاري بعد ذلك حديثه من طرق أهل الأمصار المتعددة إلى الصحابي الجليل عبادة بن الصامت ــ رضي الله عنه ــ مرفوعا، ثم قال: "وروى بعضهم "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب". وهو على معنى قولـه: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب". لأنه لا صـلاة إلا بقراءة ..."[50].

    وبناء على هذا يمكننا أن نفهم الروايات المتعددة في مقام النهي عن ضرب الوجه وتقبيحه في ضوء رواية الإمام مسلم، وما وافقها من الروايات المشتملة على ذكر المنهي عن ضرب وجهه وتقبيحه صراحة كما جاء في رواية ابن خزيمة من طريق الربيع بن سليمان المرادي في النهي عن تقبيح الوجه، أو بضمير ظاهر يعود إليه كما جاء في رواية الإمام أحمد من طريق يحيى بن سعيد القطان في النهي عن ضرب الوجه وتقبيحه. وكل ذلك صحيح الإسناد.

    وروى الأمام أحمد قال حدثنا عبد الصمد، ثنا حماد، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة إن رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ قال: "إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه". وروى عن عبد الرزاق، أنا سفيان، عن الأعمش، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ مثله[51].

    وإذا اعتمدنا رواية الإمام مسلم على أنـها الأضبط والأصح، وأنـها الأتم والمفسرة لما عداها من الروايات الأخرى؛ فظاهر هذه الرواية ــ كما صرح النووي في شرحها ــ أن الضمير في قوله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ : "على صورته". يعود إلى الأخ المضروب[52]. وقال الحافظ ابن حجر عندما ذكرها في شرحه لحديث البخاري في كتاب العتق ــ باب إذا ضرب العبد فليجتنب الوجه: "فالأكثر على أنه يعود على المضروب لما تقدم من الأمر بإكرام وجهه، ولولا أن المراد التعليل بذلك لم يكن لهذه الجملة ارتباطها بما قبلها"[53].

    ومما يؤكد عود الضمير إلى المنهي عن ضرب وجهه وتقبيحه أن ذلك النهي لم يتعلق بوجه الإنسان من ولد آدم فحسب؛ بل تجاوزه إلى وجوه البهائم من الحيوان؛ فقد ثبت أن النبي ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ نـهى عن ضرب وجهها ووسمها، وأنه لعن من يفعل ذلك صراحة قبالة أمره من لطم خادمه أن يعتقه كفارة. والذنب الذي له كفارة معلومة أهون من ذنب استحق صاحبه اللعن الصريح من رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ . ألا ترى أن اليمين الغموس التي لم ينص على كفارتـها أشد وعيدا من المنعقدة المعومة الكفارة.

    أخرج الإمام مسلم في صحيحه قال: حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد، وحدثني أبي، حدثنا شعبة قال: قال لي محمد بن المنكدر: ما اسمك؟ قلت شعبة. قال محمد: حدثني أبو شعبة العراقي، عن سويد بن مقرن أن جارية له لطمها إنسان، فقال له سويد: أما علمت أن الصورة محرمة؟ فقال: لقد رأيتني وإني لسابع إخوة لي مع رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ وما لنا خادم غير واحد، فعمد أحدنا فلطمه؛ فأمرنا رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ أن نعتقه.

    قال مسلم: وحدثناه إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن المثنى، عن وهب بن جرير، أخبرنا شعبة قال: قال لي محمد بن المنكدر: ما اسمك؟ فذكر بمثل حديث عبد الصمد[54].

    وقبالة ذلك أخرج الإمام مسلمٌ قال: حدثني سلمة بن شبيب، حدثنا الحسن بن أعين، حدثنا معقل، عن أبي الزبير، عن جابر أن النبي ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ مر عليه حمار قد وُسِمَ في وجهه؛ فقال: "لعن الله الذي وسمه"[55].

    وأخرج أبو داود بإسناد له من طريق أبي الزبير عن جابر مرفوعا، ولفظه: "أما بلغكم أني [قد] لعنت من وَسم البهيمة في وجهها، أو ضربـها في وجهها"[56].

    وأخرجه البخاري في "الأدب المفرد" بإسناده عن أبي الزبير عن جابر قال: مر النبي ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ بدابة قد وُسِمَ يُدَخِّنُ مَنْخِراه. قال النبي ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ: "لعن الله من فعل هذا. لا يَسِمَنَّ أحدٌ الوجه ولا يَضْرِبَنَّه"[57].

    وأخرج الإمام مسلمٌ أيضا قال: حدثنا أحمد بن عيسى، أخبرنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، عن يزيد بن أبي حبيب، أن ناعما أبا عبد الله مولى أم سلمة حدثه أنه سمع ابن عباس يقول: ورأى رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ حمارا موسوم الوجه؛ فأنكر ذلك. قال: "فوالله لا أسِمُهُ إلا في أقصى شيء من الوجه". فأمر بحمار له فكُوِيَ في جاعرتيه؛ فكان أول من كوَى في الجاعرتين[58].

    أريد أن أخلص من ذلك إلى أن النهي عن ضـرب وجه الإنسـان لا يعلل بأن اللـه ــ تعالى ــ خلق آدم ــ عليه السلام ــ على صورته، مع عود الضمير إلى الله ــ جل وعلا ــ حتى لو قيل: إن الإضافة كانت للتشريف والتكريم؛ فلم خص الوجه، والله خلق جميع أعضاء آدم وكرمه وأبناءه جميعا؟!

    وقد ظهر لنا أيضا أن حكم النهي ليس خاصا بوجه الإنسان، وهذا يعني أنَّ هناك وجوهَ اشتراكٍ في التعليل بين النهي عن ضرب وجه الإنسان وتقبيحه والنهي عن ضرب وجه البهيمة ووسمه؛ فالاشتراك في الحكم يلزم عنه الاشتراك في العلة. والوجه من الإنسان والبهيمة لطيف أعضاؤه نفيسة بـها أكثر الإدراك، وقد يُشَوِّهُهَا الضربُ أو يَنْقُصُ منها. وفي ذلك ما فيه من الشين الذي يربأ الإسلام بأهله أن يَتَلبَّسُوا به، وفيه من العيب ما قد يُفَوِّتُ الانتفاعَ بالبهيمة.

    والوجه في الإنسـان بعد ذلك شـارة العزة، ومحل التكريم والسـجود لله ــ تعالى. ولهذا حرص الإسلام على تكريمه ومنع إهانته حتى في تأديب المرأة الناشز التي تترفع عن طاعة زوجها أو تَمتدُّ عينها إلى غيره، كما جاء في قول الله ــ عز وجل ــ : "واللاتي تَخافون نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ في المَضَاجِعِ واضْرِبُوهُن …" النساء /34. فقد أخرج أبو داود في سننه قال: حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد، أخبرنا أبو قزعة الباهلي، عن حكيم بن معاوية القشيري، عن أبيه، قال: قلت: يا رسول الله، ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: "أن تطعمها إذا طعمت، وَتَكْسُوَهَا إذا اكْتَسَيْتَ أو اكْتَسَبْتَ، ولا تَضْرِبْ الوَجْهَ ولا تُقَبِّحْ، ولا تَهْجُرْ إلا في البيت". قال أبو داود ولا تُقَبِّحْ: أن تقول قبَّحَكِ الله[59].

    وأخرجه الإمام أحمد قال: أخبرنا محمد بن بشار، قال: نا يحيى، عن بَهْز قال: حدثني أبي، عن جدي قال: قلت: يا رسول الله، نساؤنا ما نأتي منها أم ما ندع؟ قال: "حرثك أنى شئت غير أن لا تُقَبِّحَ الوجهَ ولا تَضْرِبْ، وأطْعِمْهَا إذا طَعِمْتَ، واكْسُهَا إذا اكْتَسَيْتَ، ولا تَهْجُرْهَا إلا في بيتها، كيف وقد أفضى بعضكم إلى بعض إلا بما حل عليها؟!"[60].

    وأما ذكر آدم ــ عليه السلام ــ في تعليل النهي عن ضرب وجه الإنسان وتقبيحه، وقد خلت منه بعض الروايات[61]؛ فله وجوه منها: أنه أبو البشر، والولد على صورة أبيه، لوجهه ما لوجه أبيه من الكرامة، وسب الولد لأبيه إذ يقبح وجهه عقوق ظاهر. ومنها أن آدم ــ عليه السلام ــ له خصوصية الخلق على غير مثال سابق، وإنـما خلقه الله ــ تعالى ــ وصور ذريته على شبهه. ومنها أن الله ــ تعالى ــ صور آدم وخلقه بيديه ــ جل وعلا ــ "قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين" ص ~ /75. وهذا تشريف لآدم ــ عليه السلام ــ خاصة، والله خالق كل شيء بما شاء من صفاته العلا المؤثرة في الوجود.

    وعلى هذا لا يستقيم في مرويات مقام النهي عن ضرب وجه الإنسان وتقبيحه عود الضمير في قوله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ: "فإن الله خلق آدم على صورته" إلا إلى المنهي عن ضرب وجهه وتقبيحه، كما كان عوده في مرويات المقام الأول إلى آدم ــ عليه السلام ــ نفسه؛ لكن ذهب بعض العلماء إلى القول بعود الضمير إلى الله ــ تعالى ــ وتمسكوا ببعض ما روي عن أبي هريرة وعبد الله بن عمر ــ رضي الله عنهم ــ من إضافة الصورة إلى الله ــ جل وعلا ــ أو وجهه الكريم. وهذه الروايات غير مُخَرَّجَةٍ في الصحاح، ولا في المسانيد وكتب السنة الأولى التي يعول على ما فيها؛ مثل: الموطأ، ومسند أحمد، وسنن الدارمي، ومصنفي عبد الرزاق وأبي بكر بن أبي شيبة. ولهذا دلالة لا ينبغي أن تـهمل ..

    والمروي من ذلك عن أبي هريرة ــ رضي الله عنه ــ روايتان: أخرج أولاهما ابن أبي عاصم قال: ثنا عمر بن الخطاب، ثنا ابن أبي مريم، ثنا ابن لهيعة، عن أبي يونس سليم بن جبير، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ : "من قاتل فليجتنب الوجه؛ فإن صورة وجه الإنسان على صورة وجه الرحمن"[62].

    وأخرج الثانية الدارقطني قال: حدثني إسماعيل بن العباس الوراق، ثنا علي بن الحرب، ثنا زيد بن أبي الزرقا، ثنا ابن لهيعة، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ : "إذا ضـرب أحدكم فليجتنب الوجـه؛ فإن صـورة الإنسـان على صـورة الرحمن ــ عز وجل"[63].

    أما إسناد الرواية الأولى؛ فقد حكم عليه الألباني بالضعف، وقال في تخريجه: رجاله ثقات غير ابن لهيعة؛ فإنه سيئ الحفظ. وإنـما يصح الحديث بلفظ "على صورته"[64].

    أقول: وابن لهيعة في نفسه صدوق مرضي الدين لم يتهم بتعمد الكذب؛ لكنه حدث من حفظه بعد احتراق كتبه فأخطأ، وكان حسن الظن بالناس إذا جاء إليه أحد بحديث مكتوب يزعم أنه أخذه عنه؛ قرأه وحدث به الناس .. قال الحافظ ابن حجر: "حكى الساجي عن أحمد بن صالح: كان ابن لهيعة من الثقات؛ غير أنه إذا لُقِّنَ شيئا حدَّث به …

    وقال ابن خراش: كان يُكْتَبُ حديثُه. واحترقت كتبه، فكان من جاء بشيء قرأه عليه، حتى لو وضع أحد حديثا وجاء به إليه؛ قرأه عليه. قال الخطيب: فَمِنْ ثَمَّ كُثُرَتْ المناكير في روايته لتساهله"[65].

    لكن علماء الحديث وأهل الجرح والتعديل قد اختلفوا في قبول رواية ابن لهيعة. فمنهم من قبل روايته في الاعتبار إذا تابعه عليها غيره من الثقات؛ فله في صحيح مسلم بعض شيء مقرون[66] .. قال ابن حجر: "قال حنبل عن أحمد: ما حديث ابن لهيعة بحجة، وإني لأكتب كثيرا مما أكتب أعتبر به، وهو يقوي بعضه بعضا ...

    وقال ابن خزيمة في صحيحه: وابن لهيعة لست ممن أُخْرِجُ حديثه في هذا الكتاب إذا انفرد به، وإنـما أخرجته لأن معه جابر بن إسماعيل ...

    وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي وأبا زُرْعة عن الإفريقي وابن لهيعة: أيهما أحب إليك؟ فقالا جميعا: ضعيفان، وابن لهيعة أمره مضطرب، يُكْتَبُ حديثُه على الاعتبار"[67].

    ومن العلماء من قبل حديثه برواية العبادلة عنه، وهم: عبد الله بن المبارك، وعبد الله بن وهب، وعبد الله بن يزيد المُقْرِئ. ويبدو لي أن هؤلاء العبادلة قد سمعوا عنه قبل احتراق كتبه، أو هم المدققون في الرواية عنه في ترجيح من قبل حديث ابن لهيعة بروايتهم .. قال ابن حجر: "قال نعيم بن حماد: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: لا أعتد بشيء سمعته من حديث ابن لهيعة؛ إلا سماع ابن المبارك ونحوه ...

    وقال عبد الغني بن سعيد: إذا روى العبادلة عن ابن لهيعة؛ فهو صحيح: ابن المبارك، وابن وهب، والمُقْرِئ. وذكر الساجي وغيره مثلَه"[68].

    ومن العلماء من رفض الاحتجاج بحديث ابن لهيعة على الإطلاق .. قال ابن حجر: "قال ابن معين: ضعيف لا يحتج بحديثه، كان من شاء يقول له: حدثنا ...

    قال عبد الرحمن: قلت لأبي (أي النسائي): إذا كان من يروي عن ابن لهيعة مثل ابن المبارك؛ فابن لهيعة يحتج به؟ قال: لا ...

    وقال الجوزجاني: لا يوقف على حديثه، ولا ينبغي أن يحتج به، ولا يغتر بروايته"[69].

    وذكر الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي (ت 507هـ) بإسناد له إلى الإمام الحافظ أبي الحسن علي بن عمر الدارقطني (ت 385هـ) قال: سمعت أبا طالب الحافظ يقول: من يصبر على ما يصبر عليه أبو عبد الرحمن النسائي، كان عنده حديث ابن لهيعة تَرْجَمةً ترجَمةً فما حدث بـها، وكان لا يرى أن يحدث بحديث ابن لهيعة[70].

    ومهما يكن أمر ابن لهيعة؛ فإن حديثه عن أبي يونس غير مقبول على أحد هذه الوجوه؛ إذ لم يتابعه عليه ثقة في حديث ثابت، والمحفوظ الصحيح: "خلق الله آدم على صورته". ولم يروِ هذا الحديث عن ابن لهيعة أحد العبادلة ممن يقبل حديثه بروايتهم عنه عند بعض المحدثين. والرأي الثالث يسقط حديثه ولا يحتج به على الإطلاق.

    وما قلناه في رواية ابن أبي عاصم يقال في رواية أبي الحسن الدارقطني، ونزيد عليه أن الأعرج قد روى عنه من هو أوثق من ابن لهيعة؛ فسبق أن نقلت رواية أبي الزناد عن الأعرج من مسند الإمام أحمد وغيره من طرق صحيحة.

    وأبو الزناد عبد الله بن ذكوان ثقة فقيه كما قال ابن حجر[71]، وهو أوثق من ابن لهيعة على وجه العموم، وأوثق منه ومن غيره في أسانيد أبي هريرة ــ رضي الله عنه ــ من طريق الأعرج خاصة .. نقل ابن حجر قول الإمام البخاري: "أصح أسانيد أبي هريرة: أبو الزناد عن الأعرج، عن أبي هريرة"[72].

    فلو قلنا: إن ابن لهيعة على مخالفته في هذا الحديث "صدوق" وفق اصطلاح ابن حجر في "تقريب التهذيب" وحكمه عليه[73]؛ فحديثه "شاذ" خالف فيه من هو أوثق منه. وإذا قلنا: إنه ضعيف لا يحتج به؛ فحديثه "منكر" خالف فيه الثقة. وسواء كان هذا الحديث شاذا أو منكرا؛ فقد سقط عن رتبة الصحيح، ونزل عن درجة الحجاج والإثبات. ومثل هذا لا يصلح حجة في الأعمال؛ بله أن يكوم دليلا في أبواب العقائد والإيـمان.

    أما المروي عن ابن عمر ــ رضي الله عنهما ــ مما اشتمل على ذكر "الصورة"؛ففيه إضافتها إلى ضمير الغائب المفرد بلفظ "على صـورته". وهو المحفـوظ الثابت من طريق أبي هريرة ــ رضي الله عنه ــ في تعليل النهي عن ضـرب الوجه وتقبيحه، وفيه إضافتـها إلى الله ــ جل وعلا ــ بلفظ "على صورة الرحمن". وأصل هذا اللفظ الأخير رواية حبيب بن أبي ثابت عن عطاء بن أبي رباح. يُرْوَى مُرسلا من طريق سفيان الثوري، ويُرْوَى متصلا عن ابن عمر ــ رضي الله عنهما ــ مرفوعا من طريق الأعمش. وقد جاء في مرويات هذا الأصل أيضا لفظ "على صورته" من طريق الأعمش، وكامل بن العلاء، كلاهما عن حبيب، عن عطاء، عن ابن عمر ــ رضي الله عنهما ــ مرفوعا ..

    وقد اجتمع لدي من روايات هذا الأصل بضع عشرة رواية سأُدَوِّنُها فيما يلي مبتدئا برواية سفيان المرسلة، ثُمَّ روايات الأعمش المختلفة من طريق جرير بن عبد الحميد مُقَدِّمًا فيها الإسناد العالي، ثُمَّ رواية كامل بن العلاء؛ لكنَّني أذكر قبل ذلك روايةً من غير هذا الأصل رواها الخطيب البغدادي أبو بكر أحمد بن علي (ت 463هـ) في كتابه "تاريخ بغداد" مُتصلةَ الإسنادِ من طريق نافع عن ابن عمر ــ رضي الله عنهما ــ مرفوعا ..

    قال الخطيب البغدادي في ترجمة أبي سهل محمد بن على بن سختويه المروزي: روى عنه أبو المفضل الشيباني، أخبرني أبو الحسن محمد بن عبد الواحد، حدثنا محمد بن عبد الله بن محمد الشيباني، حدثنا أبو سهل محمد بن على بن سختويه المروزي قراءة عليه في ميدان الأشنان سنة تسع عشرة قال: حدثنا محمد بن الليث أبو نصر البلخي السمسار بمرو، حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الأسلمي الكلبي قدم علينا، حدثنا عبيد الله بن عمرو أبو وهب الحرونى، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال: رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ : "لا يقولن أحَدُكُمْ لأخيه قَبَّحَ الله وَجْهَكَ، وَوَجْهَ مَنْ يُشْبِهُ وَجْهُهُ وَجْهَكَ؛ فإنَّ الله خلق آدمَ على صورته"[74].



    روايات أصل حبيب بن أبي ثابت عن عطاء بن أبي رباح:

    1 ــ أخرج ابن خزيمة (ت 311هـ) قال: حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: ثنا سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عطاء قال: قال رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ : "لا يُقَبَّح الوجه؛ فإن ابن آدم خُلِقَ على صورة الرحمن"[75].

    2 ــ وأخرج الحارث بن أبي أسامة (ت 282هـ) في مسنده قال: حدثنا زهير بن حرب، ثنا جرير، عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عمر قال: قال رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ : "لا تُقَبِّحُوا الوجه؛ فإن ابن آدم خُلِقَ على صورة الرحمن"[76].

    3 ــ وأخرج ابن أبي عاصم (ت 287هـ) قال: ثنا يوسف بن موسى، وساق الإسناد عن جرير. ولفظه: "لا تقبحوا الوجوه؛ فإن ابن آدم خُلِقَ على صورة الرحمن"[77].

    4 ــ وأخرج ابن أبي عاصم أيضا قال: ثنا أبو الربيع، وساق الإسناد عن جرير. ولفظه: "لا تقبحوا الوجوه؛ فإن الله ــ عز وجل ــ خَلَقَ آدم على صورته"[78].

    5 ــ وأخرج ابن خزيمة قال: حدثنا يوسف بن موسى، وساق الإسناد عن جرير. ولفظه مثل لفظ الحارث بن أبي أسامة سواء بسواء [79].

    6 ــ وأخرج الطبراني أبو القاسم سليمان بن أحمد (260 ــ 360هـ) قال: حدثنا علي بن عبد العزيز، ثنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني، وساق الإسناد عن جرير. ولفظه مثل لفظ الحارث سواء بسواء[80].

    7 ــ وأخرج الآجري أبو بكر محمد بن الحسين (ت 360هـ) قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن صالح البخاري قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم المروزي، وساق الإسناد عن جرير. ولفظه مثل السابق؛ غير أنه قال: "على صورة الرحمن ــ عز وجل"[81].

    8 ــ وأخرج الدار قطني أبو الحسن علي بن عمر (ت 385هـ) قال: حدثنا إسحاق بن محمد بن الفضل الزيات، ثنا يوسف بن موسى، وساق الإسناد عن جرير. ولفظه: "لا تقبحوا الوجه؛ فإن الله ــ عز وجل ــ خَلَقَ آدم على صورته"[82].

    9 ــ وأخرج الدار قطني أيضا قال: حدثنا أحمد بن محمد بن إسماعيل الطوسي، ثنا علي بن إشكاب، ثنا هارون بن معروف، وساق الإسناد عن جرير. ولفظه نحو لفظ الحارث بن أبي أسامة [83].

    10 ــ وأخرج الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله (ت 405هـ) قال: أخبرنا أبو زكريا يحيى بن محمد العنبري، ثنا محمد بن عبد السلام، ثنا إسحاق بن إبراهيم، وساق الإسناد عن جرير. ومتنه مختصر بلفظ "لا تقبحوا الوجوه". قال الحاكم: "وذكر باقي الحديث. وهذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه"[84].

    11 ــ وأخرج اللالكائي أبو القاسـم هبـة الله بن الحسـن بن منصـور الطبري (ت 418هـ) قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر قال: أخبرنا الحسين بن إسماعيل قال: ثنا يوسف بن موسى، وساق الإسناد عن جرير. ولفظه: "لا تقبحوا الوجه؛ فإن الله ــ تعالى ــ خَلَقَ آدم على صورته"[85].

    12 ــ وأخرج البيهقي أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي (المتوفى في جمادى الأولى 458هـ) قال: أخبرنا أبو نصر بن قتادة، أنا أبو عمرو بن مطر، أنا محمود بن محمد الواسطي، نا عثمان بن أبي شيبة، وساق الإسناد عن جرير. ولفظه: "لا تقبحوا الوجه؛ فإن الله خَلَقَ آدم على صورة الرحمن"[86].

    13 ــ وأخرج القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين بن محمد الفراء (المتوفى في رمضان 458هـ) قال: أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن جعفر البغدادي الزاهد قال: نا أحمد بن جعفر بن حمدان قال: نا أبو العباس البرائي، وساق الإسناد عن عثمان بن أبي شيبة. ولفظه مثل لفظ أبي بكر البيهقي سواء بسواء[87].

    14 ــ وأخرج القاضي أبو يعلى قال: حدثنا أبو القاسم قال: حدثنا أبو الحسن علي بن إبراهيم ابن موسى الموصلي السكوني قال: نا أبو مزاحم موسى بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان المقري قال: نا أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: نا أبو معمر، وساق الإسـناد عن جرير بن عبد الحمـيد ولفظه: "لا تقبحوا الوجـه؛ فإن اللـه خَـلَقَ آدم على صورته"[88].
    بَلْ يُرِيدُ الْإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ

  9. #39
    تاريخ التسجيل
    Oct 2011
    الدولة
    مصــــــــــــــــــــــــــــر
    المشاركات
    275
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    15 ــ وأخرج عبد الله بن عدي قال: حدثنا عيسى بن محمد الختلي: ثنا أبو عقيل يحيى إسماعيل بن عبد الله بن حبيب بن أبي ثابت، ثنا فردوس بن الأشعري، ثنا كامل، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عطاء، عن ابن عمر قال: قال رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ : "لا تُقَبِّحُوا الوجه؛ فإنَّ الله خَلَقَ آدم على صورته"[89].

    وهذه الروايات جميعا ترجع إلى أصل واحد هو رواية حبيب بن أبي ثابت عن عطاء بن أبي رباح، كما أشرت من قبل. وقد رَوَى عن حبيب ثلاثة رواةٍ: أولهما أبو عبد الله الكوفي سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري (ت 161هـ). والثاني أبو محمد الكوفي الأعمش سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي (المتوفى سنة سبع أو ثمان وأربعين ومائة). والثالث أبو العلاء الكوفي كامل بن العلاء التميمي.

    وإذا تأملنا موارد لفظ "على صورة الرحمن" في الروايات السابقة؛ فسنجد أنه ورد من طريقي سفيان الثوري والأعمش فقط، ولقد اختلفا في الإسناد فأرسله سفيان قال: عن حبيب، عن عطاء قال: قال رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ . ووصله الأعمش فقال: عن حبيب، عن عطاء، عن ابن عمر قال: قال رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ .

    ولما كان سفيان الثوري الثقة الحافظ الفقيه العابد الإمام الحجة [90] ــ أوثق من الأعمش وهو ثقة حافظ أيضا[91]، وكانت مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه شذوذا؛ فإن رواية الأعمش المتصلة شاذة الإسناد. وقد أعلَّ ابن خزيمة رواية الأعمش بـهذه المخالفة[92]، وأضاف إليها علتين أخريين: أولاهما: عنعنة الأعمش، وهو مدلس لم يصرح بالسماع عن حبيب. والثانية: عنعنة حبيب، وهو مدلس أيضا[93]، وقد استشهد ابن خزيمة في بيان تدليس حبيب بما سمعه من إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال: ثنا أبو بكر بن عياش، عن الأعمش قال: قال حبيب: لو حدثني رجل عنك بحديث؛ لم أبال أن أرويه عنك. يريد لم أبال أن أدلسه[94].

    وإعلال الإسناد بعنعنة الأعمش مشهور عند علماء الحديث؛ فقد روى الذهبي في ترجمة ابن راهويه من طريقه: أخبرنا عيسى بن يونس، عن الأعمش، عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ قاعدا تحت نخلة، فهامت ريح؛ فقام فزعا. فقيل له. فقال: "إني تخوفت الساعة".

    قال الذهبي: إسناده ثقات؛ لكن الأعمش مدلس، مع أنه قد رأى أنس بن مالك وحكى عنه[95].

    أما عنعنة الأعمش ــ على تدليسه ــ في الصحيحين فلقبولها اعتبارات؛ منها ثبوت سماع الأعمش من طريق آخر، أو وجود متابعة صحيحة له ... إلى غير ذلك من الوجوه المحتملة.

    ومما يقوي رواية سفيان المرسلة أن بعض علماء الحديث الكبار صرحوا بأن عطاء بن أبي رباح لم يسمع من ابن عمر ــ رضي الله عنهما. قال ابن حجر: "قال ابن أبي حاتم في "المراسيل": قال أحمد بن حنبل: لم يسمع عطاء من ابن عمر. وقال علي بن المديني: وأبو عبد الله رأى ابن عمر ولم يسـمع منه، ورأى أبا سـعيد الخُدْرِيّ يطوف بالبيت ولم يسـمع منه ..."[96].

    وإذا أخذنا بقول الإمام أحمد وابن المديني؛ فرواية الأعمش إسنادها "منقطع". ولو ذهب أحد إلى امتناع الترجيح بين سفيان الثوري والأعمش، وذلك بعيد، واستشهد بأن الإمام البخاري ذكر في "التاريخ الكبير" سماع عطاء عن عدد من الصحابة منهم عبد الله بن عمر[97]،مع صحة إسناد ابن خزيمة إلى سفيان وصحة إسناده وإسناد غيره إلى الأعمش؛ فإن في إسناد الحديث "اضطرابا" يوجب ضعفه[98].

    إن الحكم على إسناد رواية الأعمش بالصحة إنـما يكون لغلبة الظن بكون رواتـها ثِقاتٍ من مبدأ الإسناد إلى منتهاه، سمع كل راوٍ فيه عن شيخه ووعى إسناده ومتنه، ثم أداه كما سمعه؛ لكن رواية سفيان المرسلة تطعن في غلبة الظن بضبط الأعمش لإسناده، سواء كان سفيان أوثق من الأعمش أو كان مثله في الضبط والحفظ؛ لأنه إن كان الثوري أوثق؛ فقد ثبت أن الأعمش لم يضبط إسناده. وإن كان الثوري مثل الأعمش في الضبط بلا مرجح؛ فقد تطرق الاحتمال إلى دقة الإسنادين معا، وهذا ما يسميه علماء الحديث "اضطراب الإسناد"، وهو موجب للضعف، وأصل ذلك: أن الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط.

    وأما القول بأن الأعمش أوثق وأضبط في حفظه من سفيان الثوري أحد أمراء المؤمنين في رواية الحديث[99]؛ فلا أحسب أن أحدا من أهل العلم بالرجال وقدراتـهم على الحفظ وضبطه يرضى ذلك؛ بله أن يقول به ويثبته .. نقل الخطيب البغدادي بإسناده عن ابن عيينة: أصحاب الحديث ثلاثة: عبد الله بن عباس في زمانه، والشعبي في زمانه، والثوري في زمانه.

    ونقل البغدادي أيضا عن عدد من الشيوخ أن الثوري لم ير مثل نفسه. وعن يونس بن عبيد: ما رأيت أفضل من سفيان الثوري. فقيل له: يا أبا عبد الله، رأيت سعيدَ بن جُبَيْر وإبراهيمَ وعطاءً ومجاهدًا وتقول هذا؟! قال: هو ما أقول، ما رأيت أفضل من سفيان الثوري. وعن ابن المبارك: كتبت عن ألف ومائة شيخ، ما كتبت عن أفضل من سفيان الثوري[100].

    وعن الأشجعي قال: دخلت مع سفيان الثوري على هشام بن عروة، فجعل سفيان يسأل وهشام يحدثه. فلما فرغ قال: أعيدها عليك؟ قال: نعم. فأعادها عليه، ثم خرج سفيان، وأذن لأصحاب الحديث، وتخلفت معهم، فجعلوا إذا سألوه أرادوا الإملاء؛ فيقول: احفظوا كما حفظ صاحبكم. فيقولون: لا نقدر نحفظ كما حفظ صاحبنا[101].

    وقال أبو الحسن العجلي بإسناده إلى شريك قال: قدم علينا سالم الأفطس، فأتيته ومعي قرطاس فيه مائة حديث فسألته عنها؛ فحدثني وسفيان يسمع. فلما فرغ قال لي سفيان: أرني قرطاسك؟ قال: فأعطيته إياه، فخَرَّقَه. قال: فرجعت إلى مَنْزِلي فاستلقيت على قفاي، فحفظت منها سبعة وتسعين، وذهبت عني ثلاثة. قال: وحفظها سفيان كلَّها. كان سفيان ممرورا لا يخالطه شيء من البلغم، ولا يسمع شيئا إلا حفظه حتى كان يُخَافُ عليه[102].

    وقال الإمام أحمد بن حنبل: حدثنا يحيى بن أبي بكير قال: سمعت شعبة يقول: ما حدثني سفيان عن إنسان بحديث، فسألته عنه، إلا كان كما حدثني به[103]. وآية ذلك ما نقله الخطيب بإسناده عن عبد الرحمن بن مهدي قال: ما رأيت صاحب حديث أحفظ من سفيان الثوري. حدث يوما عن حماد بن أبي سليمان ، عن عمرو بن عطية، عن سلمان الفارسي قال: البصاق ليس بطاهر. فقلت: يا أبا عبد الله هذا خطأ. فقال لي: كيف؟ عمن هذا؟ قلت: حماد، عن ربعي، عن سلمان. قال: من يحدث به عن حماد؟ قلت: حدثنيه شعبة، عن حماد عن ربعي. قال: أخطأ شعبة فيه. ثم سكت ساعة ثم قال: وافق شعبةَ على هذا أحدٌ؟ قلت: نعم. قال: من؟ قلت: سعيد بن أبي عروبة، وهشام الدستوائي، وحماد بن سلمة. فقال: أخطأ حماد (يعني ابن أبي سليمان). قلت: أربعة يجتمعون على شيء واحد يقولون: عن حماد، عن ربعي!! فلما كان بعد سنة أخرى سنة إحدى وثمانين ومائة أخرج إليَّ غُنْدَر كتاب شعبة؛ فإذا فيه: عن حماد، عن ربعي. وقد قال حماد مرة: عن عمرو بن عطية. قال عبد الرحمن: فقلت: رحمك الله يا أبا عبد الله، كنت إذا حفظت الشيء لا تبالي من خالفك.

    ولهذا قال يحيى بن معين: ليس أحد يخالف سفيان الثوري إلا كان القول قول سفيان[104].

    ولقد كان سفيان الثوري من تلاميذ الأعمش، وهو أعلم الناس بحديثه كما قال يحيى بن معين؛ بل إن يحيى بن سعيد القطان ليقول: كان سفيان أعلم بحديث الأعمش من الأعمش .. ونقل الخطيب بإسناده عن زائدة قال: كنا نأتي الأعمش فنكتب عنه، ثم نأتي سفيان فنعرض عليه؛ فيقول لبعضها: ليس هذا من حديث الأعمش. فنقول: إنـما حدثناه الآن. فيقول: اذهبوا إليه فقولوا له. فيقول: صدق سفيان. فمحاه[105].

    وكان سفيان الثوري يقول: ما استودعت قلبي شيئا فخانني قط[106].

    وإذا طرحنا رواية الأعمش الشاذة الإسناد لرجحان رواية الثوري المرسلة؛ فللعلماء في قبول المرسل آراء ..

    أ ــ جمهور علماء الحديث لا يحتج بالروايات المرسلة، وقد قال الإمام مسلم بن الحجاج في مقدمة صحيحه في كلام ذكره على وجه الإيراد ولم يبطله: "والمرسل من الروايات في أصل قولنا وقول أهل العلم بالأخبار ــ ليس بحجه"[107]. وقال الإمام أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي (ت 279هـ): "الحديث إذا كان مرسلا؛ فإنه لا يصح عند أكثر أهل الحديث، وقد ضعفه غير واحد منهم"[108]. وقال الحافظ صلاح الدين العلائي: "وهو الذي عليه جمهور أهل الحديث، أو كلهم؛ فهو قول عبد الرحمن بن مهدي، ويحيى بن معين، وابن أبي شيبه، ثم أصحاب هؤلاء كالبخاري، ومسلم، وأبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن خزيمة، وهذه الطبقة. ثم من صنف في الأحكام فَقَلَّ من يدخل منهم في كتابه المراسيل إذا كان مقصورا على إخراج الحديث المرفوع ...

    قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي وأبا زُرْعة يقولان: لا يحتج بالمراسيل، ولا تقوم الحجة إلا بالأسانيد الصحاح المتصلة.

    وهذا هو قول جمهور الشافعية، واختيار إسماعيل القاضي، وابن عبد البر، وغيرهما من المالكية. والقاضي أبي بكر الباقلاني، وجماعة كثيرين من أئمة الأصول ..."[109].

    ب ــ وذهب إلى قبول المرسل بعض العلماء؛ مثل: أبي حنيفة، ومالك، وأحمد في إحدى الروايتين عنه، وأكثر المعتزلة[110].

    والظاهر لي أن رأي أئمة الفقه الثلاثة متعلق بكلامهم في مسائل الفقه والفروع؛ حيث يُقَدَّمُ المُرْسَلُ على الرأي والاجتهاد. ورأي أكثر المعتزلة مرتبط بكلامهم في الشرعيات التَعبُّدِيَّة؛ حيث لا يستطيع العقل إدراك وجوه التحسين والتقبيح على وجه التفصيل؛ فمن قسمة الواجبات عند القاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني المعتزلي (ت 415هـ) أنـها تنقسم إلى عقلي وشرعي .. قال: "فالشرعي هو ما استفيد وجوبه بالشرع، وذلك نحو: الصلاة، الصيام، والحج، وما جرى هذا المجرى"[111]. وقال في موضع آخر: "وجوب المصلحة وقبح المفسدة مُتقَرِّران في العقل، إلا أنا لمَّا لم يمكنا أن نعلم عقلا أن هذا الفعل مصلحة وذلك مفسدة؛ بعث الله إلينا الرسل ليعرفونا ذلك …"[112].

    وإذا كان المقصود بلفظ "الشرع" في كلام القاضي عبد الجبار ــ المعبر عن وجهة نظر أكثر المعتزلة كما نفهم من كلام فخر الدين الرازي[113] ــ هو دلالة السمع أو النقل؛ فيمكننا أن نُقَرِّرَ أن أكثر المعتزلة يرَوْنَ أن بيان التكاليف الدينية التَعبُّدِيَّة مما لا سبيل إليه إلا من طريق النقل، وهنا يكون قَبُولُهُمْ للروايات المُرْسَلة فيما حكاه عنهم الحافظ العلائي.

    ج ــ وذهب بعض العلماء إلى التفصيل؛ فلم يقولوا بالقَبُول المطلق ولا الرفض المطلق للروايات المرسلة، وإنـما وضعوا مجموعة من الشروط تتعلق براوي الخبر المُرْسَل؛ مثل:

    1 ــ أن لا يُعرف له رواية عن غير مقبول الرواية من مجهول أو مجروح.

    2 ــ أن لا يكون ممن يُخالِفُ الحُفَّاظَ إذا أسند الحديث فيما أسندوه.

    3 ــ أن يكون من كبار التابعين؛ فإنـهم لا يروون غالبا إلا عن صحابي أو تابعي كبير، والغالب في أحاديث هؤلاء في وقتهم الصحة. وأما من بعدهم؛ فانتشرت في أيامهم الأحاديث المستحيلة الباطلة.

    واشترطوا في مَتْن الخَبَرِ المُرْسَل أن يَعْضُدَه ما يَدُلُّ على صحته وأن له أصلا؛ مثل:

    1 ــ أن يُسنده الحفاظ المأمونون من وجه آخر عن النبي ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ بمعنى ذلك المرسل؛ فيكونَ دليلا على صحة المُرْسَل، وأنَّ الذي أرْسَلَ كان ثقة.

    قال الحافظ ابن رجب الحنبلي: هذا ظاهر كلام الشافعي ...، وكلامه إنما هو في صحة المُرْسَل وقَبوله، لا في الاحتجاج به للحكم الذي دلَّ عليه.

    2 ــ أن يُوجَدَ مُرْسَلٌ آخر موافقٌ له عن عالمٍ يروي عن غير ما يروي عنه المرسِلُ الأوَّل؛ فيكونَ ذلك دليلا على تَعَدُّدِ مخرجه، وأن له أصلا.

    3 ــ أن يوجد شيء مرفوع يوافقه لا مُسْنَدٌ ولا مُرسَلٌ؛ لكن يوجد ما يوافقه من كلام الصحابة فَيُسْتَدَلُّ به على أن للمرسَل أصلا صحيحا.

    4 ــ أن يوجد القول به عند عامة أهل العلم؛ فذلك يدلُّ على أن له أصلا، وأنـهم مُسْتَنِدُونَ في قولهم إلى ذلك الأصل[114].

    وإن لم تتوفر هذه الشروط؛ لم يقبلوا الرواية المرسلة ولم يحتَجُّوا بـها. وإمام هؤلاء محمد بن إدريس الشافعي (ت 204هـ)، الذي وَضَّحَ رأيَهُ في كتابه "الرِّسَالة". وقال بعد بيانه لشروط قبول الروايات المرسلة ــ على النحو الذي فصَّله ابن رجب ــ : "وإذا وجدت الدلائل بصحة حديثه بما وصفت أحببت أن أقبل مرسله. ولا نستطيع أن نزعم أن الحجة تثبت به ثبوتـها بالموتصل. وذلك أن معنى المُنْقَطِع مُغَيَّبٌ يحتمل أن يكون حُمِلَ عمن يُرْغَب عن الرواية عنه إذا سُمِّي ..."[115].

    والإمام الشافعي في تفصيل رأيه ــ كما يبدو لي ــ يغلب عليه نظر الفقيه المراعي للأحكام العملية، التي يمكن استنباطها وتقريرها بالقياس على الأشباه والأمثال المنصوصة، أو مما ثبت أصله عند أهل العلم. أما نَظَرُ المُحَدِّث؛ فَمصْروفٌ بالكلِّية جِهَةَ ثُبُوتِ اللفظِ مُسْندًا إلى الرسـول ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ بشـروط الصحة. ثُمَّ إنَّ توسُّـعَ الإمام الشـافعي (رحمة الله عليه) في أنواع العاضد للخَبَرِ المُرْسَلِ لا يُناسِب دِقَّةَ الاحتجاج في أبواب العقيدة؛ لا سِيَّمَا أنَّ الإمام لا يرى الحجَّة تَثْبُتُ بالخَبَر المُرْسَلِ ثبوتـها بالحديث المتصل الإسناد.

    وأيًّا ما كان الأمر في حكم المرسل؛ فإن إرسال عطاء بن أبي رباح واهٍ ضعيفٌ عند علماء الحديث والرجال؛ فقد قال علي بن المَدِينِيّ، عن يحيى بن سعيد القطان: مرسلات مجاهد أحب إلي من مرسلات عطاء بكثير .. كان عطاء يأخذ عن كل ضرب. وقال الفضل بن زياد، عن أحمد بن حنبل: مرسلات سعيد بن المُسَيَّب أصح المرسلات، ومرسلات إبراهيم النخعي لا بأس بـها، وليس في المرسلات شيء أضعف من مرسلات الحسن وعطاء بن أبي رباح؛ فإنـهما كانا يأخذان عن كل أحد[116].

    وإذا تجوّزنا في إرسال عطاء ونقلنا الكلام إلى رواية حبيب عنه؛ فسنجد في كتب العلل والرجال أن حديث حبيب بن أبي ثابت عن عطاء غير محفوظ؛ ففي كتاب "العلل ومعرفة الرجال" لأحمد بن حنبل أن يحيى بن سعيد القطان قال: حبيب بن أبي ثابت عن عطاء ليس محفوظا[117]. وقال ابن حجر: "قال القطان: له غير حديث عن عطاء لا يتابع عليه، وليست محفوظة"[118].

    نقول هذا كلَّه في بيان رأي الإمام ابن خزيمة الذي ذهب إلى أنَّ رواية سفيان الثوري هي الأقوى إسنادا إلى عطاء، وأعلَّ رواية الأعمش بالعنعنة مع التدليس وبمخالفة سفيان، وأضاف إلى ذلك عنعنة حبيب بن أبي ثابت، وهو مُدَلِّسٌ أيضا. ثُمَّ قال عن الاحتجاج بالخبر من الطريقين جميعا: "ومثل هذا الخبر لا يكاد يحتج به علماؤنا من أهل الأثر، لا سيما إذا كان الخبر في مثل هذا الجنس، فيما يُوجِبُ العلمَ لو ثبت، لا فيما يوجب العمل بـما قد يُسْتَدَلُّ على صحته وثبوته بدلائلَ من نظَرٍ، وتشبيه، وتمثيل بغيره من سنن النبي ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ من طريق الأحكام والفقه"[119].

    لكن المعترض قد يجد في دفع نقد الإمام ابن خزيمة ــ الذي بَيَّنْتُه واعتمدت عليه في إعلال رواية الأعمش بمخالفة الثوري ــ سبيلا بالاستناد إلى كلام عمدة أهل المصطلح، الشـيخ تقي الدين أبي عمرو عثمان بن الصلاح الشهرزوري (ت 643هـ)، عن الحديث الذي رواه بعض الثقات مرسلا وبعضهم متصلا؛ حيث قال: "اختلف أهل الحديث في أنه مُلْحَقٌ بِقَبِيل الموصول، أو بقبيل المُرْسَل. مثاله: "لا نكاح إلا بولي"[120]. رواه إسرائيل بن يونس في آخرين عن جده أبي إسحاق السَّبِيعي، عن أبي بُرْدةَ، عن أبيه أبي موسى الأشعري، عن رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ هكذا مُتَّصِلا .. ورواه سفيان الثوري، وشعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي بُرْدة، عن النبي ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ مُرْسَلا هكذا. فحكى " الخطيب الحافظ" أنَّ أكثر أصحاب الحديث يرون الحكم في هذا وأشباهه للمرسل. وعن بعضهم أنَّ الحكم للأكثر. وعن بعضهم أنَّ الحكم للأحفظ، فإذا كان من أرسله أحفظ ممن وصله؛ فالحكم لمن أرسله …

    ومنهم من قال: الحكم لمن أسنده إذا كان عدلا ضابطا، فيُقبل خبره وإنْ خالفه غيره، سـواء كان المخالف له واحدا أو جـماعة. قال "الخطيب": هذا القول هو الصحيح [ عندنا؛ لأنَّ إرسال الراوي للحديث ليس بجرح لمن وصله ولا تكذيب له، ولعلَّه أيضا مُسْنَدٌ عند الذين رَوَوْهُ مُرْسَلا أو عند بعضهم، إلا أنَّهم أرسلوه لغرض أو نسيان، والناسي لا يُقْضَى به على الذاكر ].

    ( قال الشيخ ابن الصلاح: ) قلت: وما صححه هو الصحيح في الفقه وأصوله. وسئل "البخاري" عن حديث "لا نكاح إلا بولي" المذكور؛ فحكم لمن وصله، وقال: الزيادة من الثقة مقبولة. فقال "البخاري" هذا، مع أنَّ من أرسله "شعبة، وسفيان" وهما جبلان لهما من الحفظ والإتقان الدرجة العالية.

    ويلتحق بـهذا ما إذا كان الذي وصله هو الذي أرسله، وصله في وقت وأرسله في وقت.وهكذا إذا رفع بعضهم الحديث إلى النبي ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ ، ووقفه بعضهم على الصحابي، أو رفعه واحد في وقت ووقفه هو أيضا في وقت آخر؛ فالحكم على الأصَحِّ في كلِّ ذلك لما زاده الثقة من الوصل والرفع؛ لأنه مثبت وغيره ساكت، ولو كان نافيا فالمُثْبِتُ مُقَدَّم عليه؛ لأنه علم ما خفي عليه. ولهذا الفصل تَعَلُّقٌ بفصل (زيادة الثقة في الحديث)[121].

    وفي الكلام عن "معرفة زيادات الثقات وحكمها" بيَّن الشيخ ابن الصلاح أن ما ينفرد به الثقة ينقسم إلى ثلاثة أنواع:

    1 ــ زيادة مُخالفة مُنافية لما رواه سائر الثقات. وحكمها الردّ.

    2 ــ زيادة ليس فيها منافاة ومخالفة أصلا لما رواه الثقات، كالحديث الذي تفرد برواية جملته ثقة، ولا تعَرُّضَ فيه لما رواه الغير بِمُخالفة أصلا؛ فهذا مقبول .. قال ابن الصلاح: "وقد ادعى "الخطيب" فيه اتفاق العلماء"[122].

    3 ــ ما يقع بين هاتين المرتبتين؛ مثل زيادة لفظة في حديث لم يذكرها سائر مَنْ روى ذلك الحديث .. قال الإمام محيي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف النووي (ت 676هـ) في "التقريب": "هذا يشبه الأول ويشبه الثاني …، والصحيح قبول هذا الأخير". ومثل له الحافظ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد السَّيُوطي (ت 911هـ) في شرحه "تدريب الراوي" بحديث الشيخين عن ابن مسعود: سألت رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ : أي العمل أفضل؟ قال: "الصلاة لوقتها"[123]. وقد زاد فيه بعض الثقات: "لأول وقتها"، في روايات صحَّحها ابن خزيمة وابن حِبَّان والحاكم[124].

    ثُمَّ قال الشيخ ابن الصلاح: "أما زيادة الوصل مع الإرسال؛ فإن بين الوصل والإرسال من المخالفة نَحْوَ ما ذكرناه، ويزداد ذلك بأنّ الإرسال نوعُ قَدْحٍ في الحديث؛ فترجيحه وتقديمه من قبيل تقديم الجرح على التعديل. ويُجاب عنه بأنّ الجرح قُدِّمَ لما فيه من زيادة العلم، والزيادة هنا مع مَنْ وَصَل"[125].

    ووافقه على ذلك السـراج البُلْقِينيّ أبو حفص عمر بن رسـلان المصري الشافعي (ت 805هـ) في كتابه "محاسن الاصطلاح وتضمين كتاب ابن الصلاح"؛ مُؤكدًا أنّ الإرسال نقص في الحفظ؛ لما جُبِل عليه الإنسان من السهو والنسيان، وأنّ زيادة العلم إنّما هي مع من أسند؛ ومُعارضًا بذلك ما قال به مثلُ أبي عبد الرحمن النَّسائي، ورجحه الإمام يحيى بن سعيد القطّان وغيرُه من كبار علماء الحديث[126].

    وإنَّني لا أنكرُ طُولَ وُقُوفِي بين يَدَيْ هذا الكلام وتأمُّلي له بعمق، كما لا أُنكرُ أنِّي تَرَدَّدت وكِدت أرجع عن نُصرةِ رأي الإمام الحافظ ابن خزيمة في إعلال حديث "صورة الرحمن" بمخالفة الأعمش للثوري في الإسناد؛ حتَّى قارَنْتُ بين كلام الشيخ ابن الصلاح في هذا الموضع وبين كلامه وكلام غيره عن "الحديث المُعَلَّل"[127]، وجمعتُ ما وسعني جمعُه من طرق الحديث وألفاظه المختلفة، ثُمَّ نظرتُ في ذلك كلِّه فانكشف لي صدقُ رأي إمام الأئمة الحافظ ابن خزيمة، وتأكَّد عندي صواب نقده ورفضه للاحتجاج بخَبَر "صـورة الرحمن" بإثبات تلك العِلَّة خاصَّة، وبـما ظهر لي في اختلاف الرواة عن جرير بن عبد الحميد الذي انفرد برواية الخبر عن سليمان بن مهران الأعمش.

    وأول شيء ألفت الأنظار إليه أنَّ هذا الرأي الذي انتصر له الشيخ ابن الصلاح في الحكم لمن أسند الحديث إذا رواه بعض الثقات مرسلا وبعضهم متصلا ــ مُخالفٌ لمذهب أكثر المحدثين، كما حكاه الخطيب البغدادي وصدقه ابن الصلاح نفسه حينما أشار إلى أن ما صحَّحه الخطيب من الحكم لمن أسند إنـما هو الصحيح في "الفقه وأصوله". والخارجون عن حد مذهب الكثرة لم يتفقوا على إطلاق قَبُول وَصْل الثقة وزيادته في هذه المسألة خاصَّةً؛ فمنهم من حكم للأكثر، ومنهم من حكم للأحفظ. وهذا يعني أنّ الجمهور الغالب من المحدثين لو نظروا إلى تَفُرُّدِ الأعمش بوصل رواية "على صورة الرحمن" قُبالة إرسال سفيان الثوري لها؛ لحكموا لإرسال سفيان كما فعل ابن خزيمة سواء بسواء.

    وقد قال الحافظ صلاح الدين العلائي في ترجيح رفض الإمام أحمد لِحُجِّيةِ الأخبار المرسلة: "وكلام الإمام أحمد بن حنبل في العلل يدل على ترجيح هذا القول؛ لأنه وكُلَّ من يَعْلم عِلْمَ عِلَلِ الحديث يعترض على ما رُوِيَ مُسـندا بالإرسال له من بعض الطرق، ويُعَلِّلُه به. فلو كان المُرْسَل حُجَّةً لازمة لما اعترض به"[128].

    ولقد اتفقت كلمة ابن الصلاح مع غيره على أنّ الحديث المعلَّل هو الذي اطُّلِعَ فيه على عِلَّةٍ تَقْدَحُ في صحّته مع أن ظاهره السلامة .. قال الشيخ: "ويَتطَرَّقُ ذلك إلى الإسناد الذي رجاله ثقات، الجامعِ شروطَ الصحة من حيثُ الظاهرُ. ويُستعان على إدراكها بتفرُّد الراوي وبمخالفة غيره له، مع قرائن تنضم إلى ذلك تُنبِّه العارفَ بـهذا الشأن على إرسال في الموصول، أو وقف في المرفوع، أو دخول حديث في حديث ...

    (قال ابن الصلاح: ) وكثيرا ما يُعَلِّلون الموصول بالمرسل؛ مثل أن يجيء الحديث بإسناد موصول، ويجيء أيضا بإسناد منقطع أقوى من إسناد الموصول. ولهذا اشتملت كتب علل الحديث على جميع طرقه. قال "الخطيب أبو بكر": السبيل إلى معرفة علة الحديث أن يُجمعَ بين طرقه، ويُنظَرَ في اختلاف رواته، ويُعتَبرَ بـمكانِهم من الحفظ ومَنْزلتِهم في الإتقان والضبط. وروي عن "علي بن المديني" قال: الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتَبَيَّنْ خطؤه"[129].

    وقد صرَّح ابن الصلاح أيضا بأن من علل الإسناد ما يقدح في صحة الإسناد والمتن جميعا كما في التعليل بالإرسال والوقف[130].

    وأما حديث "لا نكاح إلا بولي" الذي رواه إسرائيل بن يونس في آخرين، عن جده أبي إسحاق السَّبيعيّ، عن أبي بُرْدة، عن أبيه أبي موسى الأشعري مرفوعا. وذكر ابن الصلاح أنه قد رواه سفيان الثوري وشعبة بن الحجاج، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة مرسلا. ثُمَّ ذكر أن الإمام البخاري حكم لمن وصله وقال: الزيادة من الثقة مقبولة. مع أن اللذين أرسلاه جبلان لهما من الحفظ والإتقان الدرجة العالية؛ فهذه الحكاية غير مسلمة للشيخ ابن الصلاح، وقد نقل السَّيُوطي في "تدريب الراوي" أن الإمام البخاري لم يحكم بذلك لمجرد الزيادة؛ "بل لأن لحذاق المحدثين نظرا آخر، وهو الرجوع في ذلك إلى القرائن دون الحكم بحكم مطرد، وإنـما حكم البخاري لهذا الحديث بالوصل؛ لأن الذي وصله عن أبي إسحاق سبعة، منهم إسرائيل حفيده وهو أثبت الناس في حديثه؛ لكثرة ممارسته له. ولأن شعبة وسفيان سمعاه منه في مجلس واحد بدليل رواية الطيالسي في مسنده قال حدثنا شعبة قال سمعت سفيان الثوري يقول لأبي إسحاق أحدثك أبو بردة عن النبي ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ ، فذكر الحديث، فرجعا كأنَّهما واحد؛ فإن شعبة إنـما رواه بالسماع على أبي إسحاق بقراءة سفيان. وحكم الترمذي في جامعه بأن رواية الذين وصلوه أصح، قال: لأن سماعهم منه في أوقات مختلفة، وشعبة وسفيان سمعاه في مجلس واحد، وأيضا سفيان لم يقل له: ولم يُحَدِّثْك به أبو بُرْدَة إلا مُرْسلا، وكان سفيان قال له: أسمعت الحديث منه ؟ فقصده إنـما هو السؤال عن سماعه له لا كيفية روايته له"[131].

    ثُمَّ إن بعض أهل العلم قد وصل الحديث من طريق سفيان الثوري وشعبة .. ضعَّف الترمذي ذلك، وقوَّاه غيره كابن الجارود عبد الله بن علي النيسابوري (ت 307هـ) الذي أخرجه متصلا من طريق سفيان [132]، وأبي عبد الله الحاكم (ت 405هـ) الذي أخرجه متصلا من طريق النعمان بن عبد السلام، عن سفيان وشعبة في إسناد واحد، وقال: "قد جمع النعمان بن عبد السلام بين الثوري وشعبة في إسناد هذا الحديث ووصله عنهما، والنعمان بن عبد السلام: ثقة مأمون. وقد رواه جماعة من الثقات عن الثوري على حدة، وعن شعبة على حدة؛ فوصلوه …"[133].

    وقد قال أبو حاتم محمد بن حبّان (ت 354هـ): "سـمع هذا الخبر أبو بُرْدة عن أبي موسى مرفوعا، فمرة كان يحدث به عن أبيه مسـندا، ومرة يرسـله. وسمعه أبو إسحاق بن أبي بُرْدة مرسلا ومسندا معا، فمرة كان يحدث به مرفوعا، وتارة مرسلا؛ فالخبر صحيح مرسلا ومسندا معا لا شك ولا ارتياب في صحته"[134].

    و لكل ما نقلتُه لا نستطيع أن نقبل ما نسبه الشيخ ابن الصلاح للإمام البخاري؛ فقد رأينا أنّ حكم البخاري لمن وصل حديث "لا نكاح إلا بولي" يحتمل الرجوعَ إلى غير ما ذكره من قَبول زيادة الثقة، ولو كانت في الإسناد الذي يُخالفُ فيه مثل شعبة بن الحجاج وسفيان الثوري اللذين بلغا رتبة "أمير المؤمنين" في الحديث.

    أما النظر إلى ترجيح المُرسَل على المتصل باعتباره نوعا من الجَرْحِ، والجرحُ المُفَسَّر مُقَدَّم على التعديل لزيادة العلم في قواعد المُحَدِّثين؛ فباطل كما بَيَّنَ ابن الصلاح والسراجُ البُلْقِينيّ. لكنَّ بطلان الدليل لا يعني بطلان المدلول حتما، وإنَّما يكون الترجيح الحق بالنظر في حال الضبط بالحفظ أو الكثرة بين المُرْسٍل والمُتَّصِل[135].

    ولا يُقال هنا: تُقْبَلُ زيادةُ الثقة؛ لأنه لو انفرد بحديث وَجَب قَبولُه. وذلك لأنه حينما ينفرد لا يكون هناك مدخل للشك في ضبطه ما دام ثقةً،وإنما يكون الشك وتجب الموازنة والترجيح حينما يُخالفه غيره من الثقات، ومن هنا لَزِم النظر في طرق الحديث واختلاف ألفاظه؛ لاختيار الأكثر ضبطا في السند والمتن.

    وإذا رجعنا البصر كرة أخرى نتأمل الروايات المختلفة من طريق الأعمش بـمعزل عن إسناد الثوري؛ فسنجد ما يدل أيضا على ضعف روايات "صورة الرحمن" وسقوطها عن رتبة الاحتجاج لثبوت العقائد؛ فقد رواها عن الأعمش راوٍ واحدٌ هو جرير بن عبـد الحـميد بن قُـرْط الضَّـبِّي (ت 188هـ) .. قال عنه الحافظ ابن جحر العسقلاني: "ثقة صحيح الكتاب. قيل: كان في آخر عمره يَهِمُ من حفظه"[136].وقال عنه سبط ابن العجمي: "لكن البيهقي في سننه في ثلاثين حديثا لجرير بن عبد الحميد قال: قد نسب في آخر عمره إلى سوء الحفظ"[137].

    وقد روى عن جرير ــ فيما اجتمع لدي ــ ثمانية رواة:

    1 ــ إسحاق بن إسماعيل الطالقاني (ت 225هـ): ثقة تُكلِّم في سماعه من جرير وحده[138].

    2 ــ هارون بن معروف المروزي (ت 231هـ): ثقة[139].

    3 ــ أبو خيثمة زهير بن حرب بن شداد (تُوفِّي في شعبان 234هـ): ثقة ثبت، روى عنه مسلمٌ أكثر من ألف حديث[140].

    4 ــ أبو الربيع الزهراني سليمان بن داود العتكي (تُوفِّي في رمضان 234هـ): ثقة، لم يتكلم فيه أحد بحجة[141].

    5 ــ أبو معمر إسماعيل بن إبراهيم بن معمر الهذلي القطيعي (ت 236هـ): ثقة مأمون[142].

    6 ــ إسحاق بن إبراهيم الحنظلي المروزي ــ ابن راهُويه ــ (ت 238هـ): ثقة حافظ مجتهد[143].

    7 ــ عثمان بن محمد بن إبراهيم ــ أبو الحسن بن أبي شيبة ــ (ت 239هـ): ثقة حافظ شهير، وله أوهام[144].

    8 ــ يوسف بن موسى بن راشد القطان (ت 253هـ): صدوق[145].

    أما إسحاق بن إسماعيل؛ فقد ضُعِّفَتْ روايته عن جرير .. قال عبد الله بن علي بن المديني: سمعت أبي يقول: كان إسـحاق بن إسـماعيل معنا عند جرير، وكانوا ربما قالوا له ــ يعني البغداديين ــ : جئني بتراب. وجرير يقرأ، فيقوم. وضَعَّفَهُ[146].

    ولعل ذلك كان لأن السماع من جرير هو أول عهد إسحاق بن إسماعيل بطلب العلم؛ فقد قال يحيى بن معين: "لقد كلَّمني أن أُكلِّم أمَّه تأذن له بالخروج إلى جرير؛ فكلَّمتها، فأجابتني، فخرج معي اثنا عشر رجلا مشاة، ولم يكن له تلك الأيام شيء ..."[147]. ولهذا ضُعّفَتْ روايته عن جرير وحده، وهو بعد ذلك ثقة ليس به بأس، وثَّقَه ابن معين وابن حِبّان، وأخرج حديثه النسائي وابن ماجه من أصحاب الكتب الستة[148].

    وإذا طرحنا رواية إسحاق بن إسماعيل الطالقاني؛ فسيبقى لدينا سبعة رواة ثقات اتفق على إخراج حديثهم البخاري ومسلم في الصحيح؛ ما عدا يوسفَ بن راشد القطان، فقد تَفرَّد الإمام البخاري بإخراج حديثه في الصحيح[149]. وأكثرهم أخذ عن جرير في أخريات عمره، وقد تلفت أصول كتبه وكان يُحَدِّث من نسخ لها على الأمانة[150]، بالإضافة إلى أنه كان في أخريات عمره يَهِمُ من حفظه؛ فنُسِـبَ إلى سـوء الحفظ، كما سبـق أن نقلت عن البيهقي وابن حجر.

    ولهذا اختلفت الروايات عن جرير، كما سبق أن رأينا؛ فقال بعضهم: "فإن الله ــ عز وجل ــ خلق آدم على صورته". فوافق الثابت الصحيح عن أبي هريرة، وقال بعضهم: "فإن ابن آدم خُلِق على صورة الرحمن". وقال بعضهم: "فإن الله خلق آدم على صورة الرحمن".

    وقد يكون عجيبا أنَّ ممن روى لفظ "فإن الله ــ عز وجل ــ خلق آدم على صورته" الموافق للصحيح ــ أبا الربيع الزهراني، وأبا معمر القطيعي، اللذين يغلب على الظن أنـهما أقدم سماعا من جرير، وأطول صحبة له؛ فقد ولد الزهراني سنة نيف وأربعين ومائة، وتوفي سنة أربع وثلاثين ومائتين[151]. وهذا يعني أنه عاش ما بين واحد وتسعين إلى ثلاثة وتسعين عاما. عاش منها في حياة جرير ما بين خمسة وأربعين إلى سبعة وأربعين عاما.

    ورواية أبي الربيع الزهراني من أعلى الروايات إسنادا حدث بـها عنه مباشرة الحافظ أبو بكر بن أبي عاصم (ت 287هـ) ودوَّنـها في كتابه "السنة". وإذا علا إسناد الثقات؛ قَلَّ احتمال الخطأ والروايةِ بالمعنى.

    أما أبو معمر القطيعي؛ فولد سنة نيف وخمسين ومائة[152]، وهذا يعني أنه عاش في حياة جرير ما بين خمس إلى سبع وثلاثين سنة[153].

    وسأبدأ بالكلام عن يوسف بن موسى القطان من رواة لفظ "على صورة الرحمن" عن جرير بن عبد الحميد، وأنا أزعم أنه إنما أخذ عن جرير في أخريات عمره حينما نُسِب إلى سوء الحفظ؛ فقد ولد يوسف سنة نيف وستين ومائة، وتوفي سنة ثلاث وخمسين ومائتين[154]. وهذا يعني أنه ــ عاش ما بين تسعين إلى اثنين وتسعين عاما. عاش منها في حياة جرير ما بين خمسة وعشرين إلى سبعة وعشرين عاما. والغالب أنه سمع من جرير في أخريات عمره؛ فقد قال أبو يعلى الخليلي في كتابه "الإرشاد" عن جرير: "وآخر من روى عنه من الثقات يوسف بن موسى القطان"[155]. وقال الذهبي عن يوسف: "وكان من أوعية العلم، وقد كتب عنه يحيى بن معين والكبار ... وقَبِلَ يَتَّجِرُ إلى الرَّيّ فسمع من جرير"[156].

    ولا أحسب أنه يقوم على تجارة بين العراق والري في مبدأ الشباب؛ فهذا الأمر يحتاج إلى خبرة ليست بالقليلة ..

    وقد لاحظت أن الدارقطني في أعلى روايتيه إسنادا روى بواسطة عن يوسف بن موسى وروى اللالكائي بواسطتين عنه لفظا مماثلا للفظ أبي الربيع الزهراني، وأبي معمر القطيعي: "فإن الله ــ عز وجل ــ خلق آدم على صورته". بينما جاءت الرواية العالية عند ابن أبي عاصم وابن خزيمة بلفظ: "فإن ابن آدم خُلِقَ على صورة الرحمن". وهذا الاختلاف في الرواية عن يوسف قد يرجع إلى الإسناد النازل واحتمال الرواية بالمعنى، وقد يرجع إلى أنَّ يوسف نفسه قد سمع اللفظين من جرير الذي ساء حفظه في أخريات عُمُره؛ فروى الحديث على الوجهين. وهذا الاحتمال الأخير هو فرضي وسأسوق ما يُؤكده بعد قليل ــ إن شاء الله تعالى.

    أما روايات هارون بن معروف عند الدارقطني، وإسحاق بن إبراهيم عند الآجري، وعثمان بن أبي شيبة عند البيهقي وأبي يعلى، وزهير بن حرب عند الحارث؛ فالكلام فيها قريب مما سبق قوله في رواية يوسف بن موسى القطان؛ فقد كانوا جميعا من أتراب يوسف بن موسى تقريبا عند وفاة جرير .. هارون بن معروف مات في آخر شهر رمضان سنة إحدى وثلاثين ومائتين، وعاش أربعا وسبعين سنة[157]. وهذا يعني أنه كان في الحادية والثلاثين من عمره عند موت جرير.

    وأبو خيثمة زهير بن حرب وُلِد سنة ستين ومائة[158]. وهذا يعني أنه كان في الثامنة والعشرين من عمره عند موت جرير.

    وإسحاق بن راهُويه اختلف في سنة ولادته، والراجح عند البخاري والخطيب البغدادي والذهبي أنه ولد في سنة إحدى وستين ومائة[159]. أي أنه كان في السابعة والعشرين من عمره عند وفاة جرير. وقد نص الذهبي على أن ابن راهُويه ابتدأ رحلته لطلب الحديث سنة أربع وثمانين ومائة؛ فلقي الكبار وكتب عن خلق من أتباع التابعين، وسمع عدة منهم جرير بن عبد الحميد[160]. وهذا يعني أنه لقي جريرا في السنوات الأربع الأخيرة من عمره.

    وأما عثمان بن أبي شيبة (ت 239هـ)؛ فقد نص الذهبي على أنه ولد بعيد الستين ومائة[161]. وهو من أقران ابن راهويه عمرا وسماعا من جرير .. نقل الذهبي في ترجمة عثمان بن أبي شيبة: قال إبراهيم بن أبي طالب: جئته فقال لي: إلى متى لا يموت إسحاق بن راهُويه ؟! فقلت له: شيخ مثلك يتمنى هذا ! قال: دعني، فلو مات لصفا لي جرير بن عبد الحميد.

    قال الذهبي: فما عاش بعد إسحاق سوى خمسة أشهر[162].

    وهناك رواية لا أحسب أنـها تتعلق بعثمان بن أبي شيبة وحده، وإنـما تتعلق به وبأترابه أو أقرانه في الأخذ عن جرير .. "قال عبد الرحمن بن محمد: وكان عثمان يقول لأصحابنا: إنـما كتبنا عن جرير من كتبه. فأتيته فقلت: يا أبا الحسن، كتبتم عن جرير من كتبه ؟ قال: فمن أين ؟! وجعل يَروغ. قلت له: من أصول أو من نسخ ؟ فجعل يحيد ويقول: من كتبٍ. فقلت: نعم، كتبتم على الأمانة من النسخ. فقال: كان أمره على الصدق، وإنـما حدثنا أصحابنا أن جريرا قال لهم حين قدموا عليه، وكانت كتبه تَلِفَتْ: هذه نسخة أُحدّثُ بـها على الأمانة، ولست أدري لعل لفظا يخالف لفظا، وإنـما هي على الأمانة"[163].

    وقد نقل الحافظ أبو الحجاج المِزِّي أن الإمام أحمد بن حنبل رمى عثمان بن أبي شيبة بالتوَهُّم في رواية بعض الأحاديث، وقد حسب أنه تفَرَّد بروايتها عن جرير؛ منها حديث العَصَبَة الذي رواه جرير عن شيبة في أن رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ هو عَصَبَةُ أبناء فاطمة ــ عليها السلام ــ خاصة. ومنها الحديث الذي رواه جرير عن سفيان الثوري في شهادة رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ لأعياد المشركين قبل البعثة .. قال الإمام أحمد بن حنبل: هذه أحاديث موضوعة أو كأنـها موضوعة ... نسأل الله السلامة في الدين والدنيا، نراه يَتَوَهَّم هذه الأحاديث نسأل الله السلامة.

    ونقل المِزِّي عن الحافظ أبي بكر الخطيب أن حديث شيبة في العَصَبَةِ قد رواه عن جرير غيرُ عثمان، وذكر الروايات. وأما حديث الثوري فلا يعلم أن أحدا غير عثمان رواه عن جرير .. قال أبو الفتح الأزدي: تفَرَّد به جرير الرازي إن كان عثمان بن أبي شيبة حفظه فإنه لم يتابع عليه[164].

    وهذا يَدُلُّ على أن الخطأ في هذه الأحاديث لم يكن من عثمان؛ بل من جرير بن عبد الحميد، أو من نسخ كتبه التي كان يُحَدِّثُ منها على الأمانة بعد تلف الأصول.

    وأريد أن أقول بعد ذلك ــ إن جاز لي القول دون أن أُتَّهَمَ بالمصادرة على المطلوب ــ : إنَّ روايات هارون وإسحاق وعثمان وزهير، ورواية يوسف بن موسى القطان عند ابن أبي عاصم، وابن خزيمة ــ دليلٌ ظاهرٌ على تأخُّر سماعهم من جرير، وتقدُّم سماع أبي الربيع الزهراني وأبي معمر القطيعي، اللذين أذهب إلى ترجيح لفظيهما الموافق للمحفوظ الصحيح الثابت عن أبي هريرة ــ رضي الله عنه؛ إذا سلمنا بفهمه في ضوء رواية الإمام مسلم من طريق ابن حاتم في النهي عن ضرب الوجه: "إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه؛ فإن الله خلق آدم على صورته"، ورواية الإمام ابن خزيمة من طريق الربيع بن سليمان المرادي في النهي عن تقبيح الوجه: "لا يقولن أحدكم لأحد: قبح الله وجهك، ووجها أشبه وجهك؛ فإن الله خلق آدم على صورته"، ورواية الإمام أحمد بي هريرة –رضي الله عنه؛ إذا سلمنا بفت

    من طريق يحيى بن سعيد القطان في النهي عن ضرب الوجه وتقبيحه: "إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه، ولا يقل قبح الله وجهك، ووجه من أشبه وجهك؛ فإن الله ــ عز وجل ــ خلق آدم ــ عليه السلام ــ على صورته"؛ فإنـما يُقبل لفظ الزهراني وأبي معمر على ما في روايتيهما من علل الإسـناد فوق جرير باعتبار هذه الشواهد ..

    ورغم هذا كله رُوِيَ عن بعض المحدثين تصحيح رواية "صورة الرحمن"؛ مثل: الإمام أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهُويه من المتقدمين، وقد رأينا تعليق الإمام الحاكم على روايته. وذهب إلى صحتها من المتأخرين الحافظ شمس الدين الذهبي، وابن حجر العسقلاني. وقد تمسك بعض المعاصرين بـهذا التصحيح دون أن يشغلوا أنفسـهم بالبحث والتنقيب، واكتفوا بالمتابعة وترديد أن رجال رواية الأعمش ثقات من رجال الصحيحين. وفاتـهم أنه لا يلزم في كل حديث رواه رجال البخاري ومسلم أن يكون صحيحا ثابتا؛ فلتصحيح الحديث عند الشيخين اعتبارات. ومن ذا الذي يقول: إن البخاري ومسلما إذا أخرجا حديث رجل؛ كانت كل رواياته مقبولة صحيحة عند أهل الحديث ؟!‍‍‍[165].

    ومن ذلك نَقْلُ الحافظ ابن حجر: "قال حرب الكرماني في كتاب "السنة": سمعت إسحاق بن راهُويه يقول: صح أنَّ الله خلق آدم على صورة الرحمن. وقال إسحاق الكوسج: سمعت أحمد يقول: هو حديث صحيح. وقال الطبراني في كتاب "السنة": حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: قال رجل لأبي: إن رجلا قال: "خلق الله آدم على صورته" أي صورة الرجل. فقال: كذب هو قول الجهمية"[166].

    وفي ترجمة حمدان بن الهيثم قال الحافظ الذهبي: "قال يحيى بن منده في "مناقب أحمد": قال المظفر بن أحمد الخياط في كتاب "السنة": وحمدان بن الهيثم يزعم أن أحمد قال: صَوَّر الله صورةَ آدم قبل خلقه. وأبو الشيخ يُوَثِّقُه في كتاب "الطبقات". ويدل على بطلان روايته ما رواه أحمد بن علي الوراق، الذي هو أشهر من حمدان بن الهيثم وأقدم، أنه سمع أحمد بن حنبل وسأله رجل عن حديث "خلق الله آدم على صورته": على صورة آدم ؟ فقال أحمد: فأين الذي يروى عن النبي ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ أن الله خلق آدم على صورة الرحمن؟ ثم قال أحمد: وأي صورة لآدم قبل أن يخلق ؟! …

    وقيل: إن أبا عمرو بن عبد الوهاب هجر أبا الشيخ لمكان حكاية حمدان، وقال: إن أردت أن أُسَلِّمَ عليك ؛ فأخْرِجْ من كتابك حكايةَ حمدان بن الهيثم"[167].

    وأنا لا أجد غَضاضةً أو غَرابةً في ذهاب الإمام إسحاق بن راهُويه إلى تصحيح رواية خلق آدم على صورة الرحمن؛ فهو أحد رواة الحديث عن جرير، وقد سمعه خلال السنوات الأربع الأولى بعد مبدأ ارتحاله في طلب الحديث، كما سبق أن بَيَّنْتُ. وهذا يعني أن هذه الرواية كانت من معارف ابن راهُويه الأولى؛ فكانت بعض أصوله العلمية التي مَثَّلَتْ عنده العمق الثقافي الراسخ في نفسه، فهو يحتكم إليه ويقيس عليه ما يأتي بعد. وإذا أضفنا إلى ذلك أن رجال الإسناد من جرير إلى مُنتهاه ثقات عدول؛ فلا غرابة أن يُرْوَى عن إسحاق تصحيح رواية "صورة الرحمن" التي تحملها في مبدأ الطلب ..

    أما الإمام أحمد بن حنبل؛ ففي النفس شيء من ثبوت نقل تصحيحه لرواية "صورة الرحمن"؛ فالإمام صرح ــ كما نقلت من قبل ــ بأن عطاءً لم يسمع من ابن عمر، وهو لم يُخْرِجْ هذا اللفظ في مسنده رغم توسعه في تكرار رواية "خلق الله آدم على صورته" ــ في المقامين اللذين أشرت إليهما من قبل، وحَدَّدت مفهومَ الحديث في إطاريهما ــ من طرق متعددة عن أبي هريرة ــ رضي الله عنه ــ ورغم تكراره لرواية النهي عن ضرب الوجه بدون تعليل عن أبي هريرة، وجابر بن عبد الله، وأبي سعيد الخدري، وعبد الله بن عمر ــ رضي الله عنهم.

    ومما أخرجه عن ابن عمر أسوق الروايتين التاليتين:

    1 ــ قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا حنظلة، عن سالم، عن أبيه (أي عبد الله ابن عمر) قال نـهى رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ أن نضرب الصور ــ يعني الوجوه.

    2 ــ وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الله بن الحارث، حدثني حنظلة، عن سالم، عن عبد الله بن عمر أنه كان يكره العَلْمَ في الصور، وقال: نـهى رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ عن ضرب الوجه[168].

    وأنا لا أجزم بأن الإمام أحمد أخرج في مسنده كل ما صَحَّ عنده، كما لا يجزم أحدٌ بأن كل ما في المسند من أحاديث صحيح؛ ففيه الصحيح والحسن والضعيف. لكن يَبْقَى في النفس من رواية تصحيح الإمام للحديث شيء؛ إلا أن يكون حكمه على رواية الأعمش من طريق قرينة إسحاق أو غيره سابقا لمعرفته أنَّ عطاءً لم يسمع من ابن عمر، وأن يكون ذلك الحكم أيضا بمعزل عن رواية أبي الربيع الزهراني وأبي معمر القطيعي، وبمعزل عن رواية سفيان الثوري المرسلة؛ ففي كتاب "العلل ومعرفة الرجال" للإمام أحمد أمثلة للترجيح بين الروايات واختيار الأضبط والأوثق[169]، وقال الحافظ صلاح الدين العلائي في ترجيح رفض الإمام أحمد لحجية الأخبار المرسلة: "وكلام الإمام أحمد بن حنبل في العلل يدل على ترجيح هذا القول؛ لأنه وكُلَّ من يَعْلم عِلْمَ عِلَلِ الحديث يعترض على ما رُوِيَ مُسندا بالإرسال له من بعض الطرق، ويعلله به. فلو كان الُمرسل حجة لازمة لما اعترض به"[170].

    وقد أشار أبو يعلى إلى ما يدعم هذه الريبة في نفسي؛ فقال: "فإن قيل: الزيادة المذكورة في حديث ابن عمر "خلق الله آدم على صورة الرحمن" غير صحيحة، وقد قال أحمد في رواية المروزي: الأعمش يقول: عن حبيب بن أبي ثابت، عن عطاء، عن ابن عمر "إن الله خلق آدم على صورة الرحمن". وأما الثوري؛ فيوقفه ــ يعني حديث ابن عمر ــ وقد رواه أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ "على صورته" فنقول كما جاء.

    ( قال أبو يعلى ): فَبَيَّنَ أن بعضهم وقفه، وبعضهم وصله.

    قيل: هذه الزيادة صحيحة ثابتة، حدثنا بـها أبو القاسم عبد العزيز من الطريق الذي ذكرنا، وذكرها أبو الحسن الدارقطني فيما خرجه من أخبار الصفات، وذكرها أبو بكر أحمد بن سلمان النجاد (ت 348هـ) في "السنة"، وذكرها أبو عبد الله بن بطة (ت 387هـ) في كتاب "الإبانة"، ولا يجوز أن يتطابق هؤلاء الحفاظ على نقل زيادة باطلة أو ضعيفة.

    والذي حكاه أحمد عن الثوري، وأنه وقفها لا يدل على ضعفها؛ لأنه يجوز أن لا تقع له هذه الزيادة وتقع لغيره، ومثل هذا لا ترد به الأخبار"[171].

    ونَقَلَ القاضي أبو يعلى في موضع آخر عن أبي إسحاق إبراهيم بن أحمد بن عمر بن حمدان ابن شاقلا البغدادي البزار (ت 369هـ) أنه قال في رواية "صورة الرحمن": هذا الحديث يذكر إسحاق بن راهُويه أنه صحيح مرفوع. وأما أحمد؛ فذكر أن الثوري وقفه على ابن عمر.

    وكلاهما حجة؛ لأنه إن كان مرفوعا؛ فقد سقط العذر، وإن كان من قول ابن عمر؛ فهو أولى"[172].

    وهذا الكلام لا يستقيم عند أكثر أهل صناعة الحديث؛ فمِنْ عِلَلِ الحديث أن يُروى مرفوعا من وجه وموقوفا من وجه[173]. على أن رواية الثوري، كما نقلت فيما سبق عن ابن خزيمة، مرسـلة. ولعل هذا هو مراد الإمام أحمد؛ فلم تكن اصطلاحات الحديث قد اسـتقرت في عصـره على ما نطلقه بعد الشيخ أبي عمرو عثمان بن الصلاح الشهرزوري. وقد أشار الأستاذ وصي الله بن محمد عباس، محقق كتاب "العلل ومعرفة الرجال" للإمام أحمد بن حنبل، إلى أن الإمام كان يُسَمِّي المُنْقَطِعَ مُرْسَلا[174]، كما أشار في مقدمة تحقيقه إلى أن الإمام استوعب في كتابه أكثر أجناس العلل؛ فكان يذكر الأحاديث المُعَلَّة ويُبَيِّنُ نوعَ العِلَّةِ فيها من إرسال، أو اضطراب، أو إدراج، أو تصحيف ...[175].

    وإذا دَقَّقْنا في كلام الإمام أحمد الذي نقله القاضي؛ لوجدنا قوله: "فنقول كما جاء" متعلقا برواية أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة ولفظها: "على صورته"، وهي التي أخرجها الإمام أحمد في مسنده. وأقَلُّ ما يؤخذ من كلام القاضي هنا إثبات اعتراض الإمام أحمد على رواية الأعمش المتصلة الإسناد.

    وأيًّا ما كان الأمر أقول: لئن بلغنا تصحيح ابن راهُويه والإمام أحمد لرواية "صورة الرحمن" غُفْلا من البيان، وجاءنا إعلال ابن خزيمة لرواية الأعمش، أو بيان غيره لضعف رواية ابن لهيعة، وكان ذلك مفسـرا ظاهرا؛ فكلام ابن خزيمة ومن هو أقلُّ منه أولى بالقبول .. ألا يقول أهل هذا الشأن: قول من جرح مقدم على قول من عدل؛ لأن التعديل يكون عند انتفاء التهمة، والجرح عند ثبوت العلم بـها، ومن علم حجة على من لم يعلم؛ خاصة عندما يكون الجرح مفسرا ..

    أما الحافظ الذهبي أبو عبد الله محمد بن عثمان الدمشقي (ت 748هـ)؛ فجاء كلامه عن الحديث في ترجمته لأبي الزناد عبد الله بن ذكوان؛ ردا على حكاية للإمام مالك ذكرها العقيلي في كتاب "الضعفاء الكبير" .. روى العقيلي بإسناده إلى عبد الرحمن بن قاسم قال: سألت مالكا عمن يحدث بالحديث الذي قالوا: "إن الله خلق آدم على صورته". وأنكر ذلك مالك إنكارا شديدا ، ونـهى أن يتحدث به أحد. فقيل له: إن ناسا من أهل العلم يتحدثون به. فقال: من هم؟ *فقيل: محمد بن عجلان عن أبي الزناد*. فقال: لم يكن يعرف ابن عجلان هذه الأشياء، ولم يكن عالما.

    وذُكِرَ أبو الزناد؛ فقال: إنه لم يزل عاملا لهؤلاء حتى مات، كان صاحب عمال يتبعهم[176].

    وقال الحافظ الذهبي: "الحديث في أن الله خلق آدم على صورته ــ لم ينفرد به ابن عجلان؛ فقد رواه همام، عن قتادة، (عن أبي أيوب المراغي)، عن أبي هريرة. ورواه شعيب وابن عيينة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة. ورواه معمر، عن همام، عن أبي هريرة. ورواه جماعة كالليث بن سعد وغيره، عن ابن عجلان، عن المقبري، عن أبي هريرة. ورواه شعيب وغيره، عن أبي الزناد، عن موسى بن أبي عثمان (التبان، عن أبيه)، عن أبي هريرة.

    ورواه جماعة عن ابن لهيعة، عن الأعرج وأبي يونس، عن أبي هريرة.

    ورواه جرير، عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، (عن عطاء بن أبي رباح)، عن ابن عمر، عن النبي ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ .

    قلت (أي الذهبي): وهو مخرج في الصحاح. وأبو الزناد فعمدة في الدين، وابن عجلان صدوق من علماء المدينة وأجلائهم ومفتيهم، وغيره أحفظ منه.

    أما معنى حديث الصورة؛ فنرُدُّ علمَه إلى الله ورسوله، ونسكت كما سكت السلف، مع الجزم بأن الله ليس كمثله شيء"[177].

    ومن الواضح أن أصل كلام الذهبي هنا عن حديث "خلق الله آدم على صورته"، وهو الذي حكم عليه بقوله: "وهو مخرج في الصحاح". قبالة رأي الإمام مالك في الإنكار على روايتي ابن عجلان وأبي الزناد. وقد اعتبر الذهبي رواية ابن لهيعة عن الأعرج وأبي يونس، ورواية الأعمش عن حبيب من باب التوابع والشواهد في رد رأي الإمام مالك.

    والذي يؤخذ هنا على الحافظ الذهبي أنه طرد الكلام في طرق الأسانيد التي ذكرها في تعزيز ثبوت قول الرسول ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ : "خلق الله آدم على صورته". وكأنـها ترجع جميعا إلى مقام واحد يعود فيه الضمير إلى الله ــ تعالى. وهو هنا يسلك طريقا قريبا من طريق أهل "المستخرجات"؛ فيذكر اللفظ المخرج في الصحيح، ثم يورد الطرق المختلفة لرواياته ، بغض النظر عن اختلاف الألفاظ، أو اختلاف مقامات موردها عن رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ . وهذا العمل (أعني طريقة المستخرجات) إذا كان له دور في توثيق روايات الصحيح، وبيان الروابط بين كتب السنة؛ لمعرفة التام والناقص من روايات الحديث، مما له أكبر الفائدة في معرفة فقه الحديث؛ لكنه لا يفيد هذه الفائدة في حديثنا هذا لاختلاف مورده في مقامين منفصلين لكل واحد منهما مفهوم خاص يختلف عن الآخر ..

    أما الحافظ ابن حجر العسقلاني أحمد بن علي بن محمد بن علي (ت 852هـ)؛ فجاء رأيه في الكلام على رواية الإمام مسلم من طريق ابن حاتم، التي ذكرها في شرح حديث البخاري في كتاب العتق ــ باب إذا ضرب العبد فليجتنب الوجه .. قال: "واختلف في الضمير على من يعود؟ فالأكثرون على أنه يعود على المضروب …

    وقال القرطبي: أعاد بعضهم الضمير على الله متمسكا بما ورد في بعض طرقه: "إن الله خلق آدم على صورة الرحمن". قال: وكأنَّ من رواه أورده بالمعنى متمسكا بما تَوَهَّمَه؛ فغلط في ذلك.

    وقد أنكر المازَرِيُّ ومن تبعه صحة هذه الزيادة، ثم قال: وعلى تقدير صحتها فيحمل على ما يليق بالباري ــ سبحانه وتعالى.

    قلت (أي ابن حجر): الزيادة أخرجها ابن أبي عاصم في "السنة" والطبراني من حديث ابن عمر بإسناد رجاله ثقات. وأخرجها ابن أبي عاصم أيضا من طريق أبي يونس عن أبي هريرة بلفظ يرد إلى التأويل الأول. قال: "من قاتل فليجتنب الوجه؛ فإن صورة وجه الإنسان على صورة وجه الرحمن".

    فتعين إجراء ما في ذلك على ما تَقَرَّرَ بين أهل السنة من إمراره كما جاء من غير اعتقاد تشبيه، أو من تأويله على ما يليق بالرحمن جل جلاله"[178].

    ولسنا هنا بصدد بيان مفهوم الحديث عند الحافظ، وقد تردد فيه بين أكثر من رأي في مواضع متفرقة من "فتح الباري ..."؛ لكن الذي يشغلنا في هذا المقام كلامه عن روايتي "صورة وجه الرحمن" من طريق الأعمش في حديث ابن عمر، ومن طريق ابن لهيعة في حديث أبي هريرة.

    والظاهر من كلام ابن حجر الحكم بصحة إسناد رواية الأعمش عند ابن أبي عاصم من طريق يوسف بن موسى عن جرير، وعند الطبراني من طريق إسحاق بن إسماعيل الطالقاني عن جرير؛ فهو يرى أن رجال الإسنادين ثقات، وهو بعد ذلك يعتبر رواية ابن لهيعة عن أبي يونس عند ابن أبي عاصم شاهدا من حديث أبي هريرة؛ لكن سبق لنا بيان اعتلال روايات حديث جرير عن الأعمش، وكذلك بيان ضعف ابن لهيعة وحديثه عن أبي يونس، وشذوذ روايته عن الأعرج أو نكارتـها عند الدارقطني. وهذه الروايات المُعَلَّةُ بمخالفة المحفوظ الصحيح بالإضافة إلى علل الإسناد القادحة في المتن ــ لا يتقوى بعضها ببعض مع وجود الصحيح المعارض في الدلالة، وقد سبق لنا بيان تقسيم روايات حديث "خلق الله آدم على صورته" إلى مقامين: أولهما: مقام الكلام عن هيئة آدم ــ عليه السلام ــ عند خلقه، وفيه يعود الضمير إلى آدم. والثاني: مقام النهي عن ضرب الوجه وتقبيحه، وفيه يعود الضمير إلى المنهي عن ضرب وجهه وتقبيحه من بني آدم.

    وعلى هذا يكون لنا أكثر من حجة في إنكار صحة روايات "صورة الرحمن"، وفي الدلالة على بطلان الاحتجاج بـها في عود الضمير إلى الله ــ تعالى ــ في لفظ الصحيح "على صورته". ويمكننا أن نقرر في اطمئنان أن هذا الحديث لا يعد من أخبار الصفات التي يجب إمرارها كما جاءت مع الإيـمان والتسليم، ولنا أن نستأنس في ذلك بتراجم أبواب صحيح البخاري وترتيب صحيح مسلم؛ فإنـهما خرَّجاه بِمَعْزِلٍ عن أخبار التوحيد والصفات[179].

    وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أُنيب ..



    --------------------------------------------------------------------------------

    [1] - هو الشيخ حمود بن عبد الله بن حمود التويجري.

    [2] - راجع الشيخ حماد بن محمد الأنصاري : تعريف أهل الإيمان بصحة حديث "صورة الرحمن".

    [3] - راجع الجويني (إمام الحرمين) : الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد – ص163، 164.

    [4] - مثل : تحفة الأشراف، ومفتاح كنوز السنة، وفهرس ألفاظ الحديث، وموسوعة الأطراف، وبعض فهارس كتب الحديث والشروح والرجال المحققة…

    [5] - أعني تقنية برامج موسوعات الحديث النبوي.

    [6] -راجع الذهبي: ميزان الاعتدال في نقد الرجال – 2/ 419، 420.

    [7] -الإمام أحمد: المسند - 2/315. وهو بـهذا الإسناد ودرجته من العلو في مصنف عبد الرزاق: "أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هـريرة قال: قال رسـول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ... انظر "المصـنف" لأبي بكـر عبد الرزاق بن همام الصـنعاني (ت 211هـ) – 10/384- ح 19435.

    [8] - الإمام البخاري: الصحيح – كتاب الاستئذان - باب بدء السلام.

    [9] - الإمام مسلم: الصحيح – كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها – باب يدخل الجنة أقوام أفئدتـهم مثل أفئدة الطير.

    [10] - الإمام ابن خزيمة: التوحيد وإثبات صفات الرب عز وجل – 1/93،94.

    [11] - الإمام أحمد: المسند – 2/323. وراجع كلام الشيخ أحمد محمد شاكر على إسناده – 16/127.

    [12] - ابن خزيمة: التوحيد – 1/92،93.

    [13] - الدارقطني: الصفات – ص63،64 – ح47. تحيق د/ علي بن محمد بن ناصر الفقيهي. وقد يضعف إسناد هذا الحديث عند أحمد وابن خزيمة والدارقطني برواية موسى بن أبي عثمان عن أبيه التَّبان؛ فهما راويان "مقبولان" عند ابن حجر في "تقريب التهذيب" – ص 484 رقم6990، ص 579 رقم8242. والراوي المقبول في "التقريب" : ليّن إذا لم يتابع؛ لكن الحديث سبقت له متابعة صحيحة. وموسى وثقه الذهبي في "الكاشف عمن له رواية في الكتب الستة – 3/165." – 3/165. وأبو عثمان التَّبان حسنه الترمذي وذكره ابن حبان في "الثقات" كما جاء في "تـهذيب التهذيب" لابن حجر – 12/164.

    [14] - انظر الإمام شرف الدين حسين بن محمد بن عبد الله الطيبي (ت 743هـ): الكاشف عن حقائق السنن (شرح مشكاة المصابيح) – 9/6. تحقيق المفتي عبد الغفار بالاشتراك.

    [15] - البخاري : الصحيح – كتاب أحاديث الأنبياء – باب خلق آدم وذريته.

    [16] - السابق نفسه.

    [17] - مسلم: الصحيح – كتاب الجنة… - باب أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، وصفاتـهم وأزواجهم.

    [18] - من ذلك ما رواه أحمد في مسنده – 2/343. قال : حدثنا عفان، حدثنا حماد – يعني ابن سلمة – حدثنا علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ قال : "يدخل أهلُ الجنَّةِ الجنَّةَ مُرْدًا، بِيضًا، جِعَادًا، مُكَحَّلِين، أبناءَ ثلاثٍ وثلاثين، على خَلْقِ آدم : سبعون ذراعا في سبعة أذرع". وهو مكرر بإسناده ونحو لفظه في المسند – 2/415. وقد خولف عفان في بيان طول آدم بالثابت في الصحيحين، وبـما رواه أحمد في المسند – 2/535. قال : حدثنا روح، وساق الإسناد السابق نفسه عن حماد بن سلمة. ولفظه : "كان طول آدم ستين ذراعا في سبعة أذرع". قال ابن كثير في "البداية والنهاية" – 1/82 : انفرد به أحمد". والقول عندي : أن الإسناد في الروايتين ضعيف على أية حال؛ فلا يعتبر منهما إلا ما وافق الصحيح؛ لمحل علي بن زيد بن عبد الله بن زهير بن جدعان، فهو ضعيف لا يحتج بحديثه. وراجع الذهبي : الكاشف – 2/248. وابن حجر : تـهذيب التهذيب – 8/ 322:324. والتقريب – ص 340 رقم 4734.

    [19] - العلامة بدر الدين العيني : عمدة القاري شرح صحيح البخاري – 15/346.

    [20] - الإمام النووي : شرح صحيح مسلم – 17/178.

    [21] - الحافظ ابن حجر العسقلاني : فتح الباري – 11/422.

    [22] - الإمام مسلم : الصحيح – كتاب البر والصلة – باب النهي عن ضرب الوجه.

    [23] - ابن خزيمة : التوحيد – 1/84.

    [24] - الإمام أحمد : المسند - 2/519.

    [25] - السابق -2/463.

    [26] - السابق - 2/244. وقال الشيخ شاكر : "إسناده صحيح" – 13/44. وأخرجه الآجري في "الشريعة" – ص 314 بإسناده إسناده إلى سفيان، وساق إسناده عن أبي الزناد. ولفظه مثل لفظ أحمد. وأخرج له لفظا آخر : "إذا ضربتم فاجتنبوا الوجه؛ فإن الله - عز وجل - خلق آدم على صورته".

    [27] - ابن خزيمة : التوحيد – 1/82. وأخرجه الآجري في "الشريعة" – ص315 من طريق ابن عبد الحميد، عن محمد بن المثنى، عن يحيى بن سعيد، وساق الإسناد عن ابن عجلان. ولفظه مثل لفظ ابن خزيمة وأحمد بن حنبل.

    [28] - عبد الرزاق بن همام الصنعاني : المصنف – 9/444- ح 17950.

    [29] - ابن خزيمة : التوحيد – 1/81،82.

    [30] - ابن أبي عاصم : السنة – 1/229 – ح519. تخريج الألباني.

    [31] - الآجري : الشريعة – ص314. تحقيق الشيخ حامد الفقي.

    [32] - عن العلامة فضل الله الجيلاني : فضل الله الصمد في توضيح الأدب المفرد – 1/261. وهذه الرواية ذكرها ابن حجر وأشار إلى الإسناد المرفوع عند الإمام أحمد، وقال : "وهو ظاهر على عود الضمير على المقول له ذلك". انظره : فتح الباري – 5/217.

    [33] - الآجري : الشريعة – ص314.

    [34] - الإمام أحمد : المسند – 2/434. وقال الشيخ شاكر : "إسناده صحيح" – 13/152. والحديث مكرر في المسند – 2/251 بالإسناد نفسه؛ لكن معنعنا، وبخلاف يسير في اللفظ "… فليجتنب الوجه، ولا تقل …"

    [35] - ابن خزيمة : التوحيد – 1/82،83.

    [36] - ابن أبي عاصم : السنة – 1/229، 230 – ح520.

    [37] - الدارقطني : الصفات – ص55،56 –ح44.

    [38] - السابق – ص56، 57 – ح46. وروايات هذا القسم وأكثر روايات القسم الذي قبله تشتمل على لفظ "ووجه من أشبه وجهك"، وتعليل النهي بلفظ "فإن الله خلق آدم على صورته". وهنا يكون اعتقاد عود الضمير إلى الله – تعالى - تشبيها صريحا؛ إذ يكون وجهه – جل وعلا – شبيها بوجه آدم وأبنائه. وهذا خطأ فاحش على حد تعبير ابن الجوزي .. انظره : دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه – ص29.

    [39] - أبو بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني : المصنف – 9/445 – ح 17952.

    [40] - ابن أبي عاصم : السنة – 1/227،228 – ح516.

    [41] - السابق – ص228.

    [42] - انظر ابن حجر : تقريب التهذيب – ص 505 رقم 7319.

    [43] - انظر السابق – ص 452 رقم 6470.

    [44] - انظر السابق – ص 179 رقم 2365.

    [45] - انظر القاضي أبا يعلى محمد بن الحسين : إبطال التأويلات لأخبار الصفات – 1/78.

    [46] - انظر الحافظ ابن حجر : تقريب التهذيب – ترجمة سعد بن سعيد – ص171 رقم 2236. وترجمة عبد الله بن سعيد المقبري – ص248 رقم 3356. وقد حكم الأستاذ محمد بن حمد النجدي على إسـناد الحديث بأنـه ضعيف جدا لرواية المقبريين سعد وأخيه.

    [47] - انظر على سبيل المثال في صحيح مسلم – كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها – باب أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر وصفاتـها وأزواجهم – 4/2179،2180 – ح16. حدثنا أبو بكر بن شيبة وأبو كريب قالا : …

    [48] - راجع أقسام العلة وأمثلتها عند ابن حجر : النكت على كتاب ابن الصلاح – 2/746:748. تحقيق الدكتور ربيع بن هادي عمير.

    [49] - انظر الإمام مسلم : الصحيح – كتاب البر والصلة والآداب – باب النهي عن ضرب الوجه.

    [50] - انظر الإمام البخاري : خلق أفعال العباد – ص167:170. تحقيق بدر البدر.

    [51] - عن الشيخ أحمد البنا : الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد – 19/333،334. والحديث الثاني بإسناده في مصنف عبد الرزاق – 9/444 – ح17951. ولفظه : إذا قاتل أحدكم؛ فليجتنب الوجه". وقال الشيخ البنا عن حديث أبي سعيد الخدري : "قال الهيثمي : رواه أحمد والبزار بنحوه، وفيه عطية العوفي ضعفه جماعة ووثقه ابن معين، وبقية رجاله رجال الصحيح. قلت : يؤيده حديث أبي هريرة الذي قبله".. أقول : وحديث أبي هريرة أخرجه الإمام مسلم من طريق شيبان بن فروخ، عن أبي عوانة، عن سهيل. ولفظه "إذا قاتل أحدكم أخاه فليتق الوجه". وأخرجه بلفظ أحمد "إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه" من طريق عبد الله بن مسلمة، عن المغيرة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة مرفوعا، وأخرجه أيضا من طريق محمد بن المثنى، عن عبد الصمد، عن همام، عن قتادة، عن أبي أيوب، عن أبي هريرة مرفوعا. وأخرجه بلفظ "إذا ضرب أحدكم ..." من طريق عمرو الناقد وزهير بن حرب، عن سفيان بن عيينة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة مرفوعا. وأخرجه بلفظ "إذا قاتل أحدكم أخاه فلا يلطمن الوجه" من طريق عبيد الله بن معاذ العنبري، عن شعبة، عن قتادة، عن أبي أيوب، عن أبي هريرة مرفوعا. انظر صحيح مسلم – كتاب البر والصلة – باب النهي عن ضرب الوجه.

    وحديث أبي سعيد الخدري أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء" – 7/251 بسنده إلى مسعر بن كدام، عن عطية العوفي، بلفظ "إذا قاتل أحد أخاه فليتق الوجه". وهو مقبول صحيح باعتبار شواهده السابقة عن أبي هريرة.

    [52] - انظر النووي : شرح صحيح مسلم – 16/166.

    [53] - ابن حجر : فتح الباري – 5/217.

    [54] - الإمام مسلم : الصحيح – كتاب الإيـمان – باب صحبة المماليك وكفارة من لطم عبده. وفيه مثال لذكر مسلم اتفاق الرواة على الحديث الواحد (راجع ص ـ 11 ـ من هذا البحث).

    [55] - السابق – كتاب اللباس والزينة – باب النهي عن ضرب الحيوان في وجهه ووسمه فيه.

    [56] - عن الألباني : صحيح سنن أبي داود باختصار السند – 2/487.

    [57] - عن فضل الله الجيلاني : فضل الصمد في توضيح الأدب المفرد – 1/263 – ح175. وقريب من هذا اللفظ ما أخرجه عبد الرزاق في مصنفه – 9/444 – ح17949. عن الثوري، عن أبي الزبير، وفي أوله : "مر النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ بحمار قد وُسِمَ" وآخره "لا يَضْرِبَنَّ أحدٌ الوجه".

    [58] - الإمام مسلم : الصحيح – كتاب اللباس والزينة – باب النهي عن ضرب الحيوان في وجهه ووسمه فيه. وقال محققه الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي : الجاعرتان هما : حرفا الورك المشرفان مما يلي الدبر.

    [59] - أبو داود : السنن – 2/244.وابن حبان وصححه ( بترتيب ابن بلبان ) – 9/482.والحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي – 2/204. وقال الشيخ الألباني : حسن صحيح.

    [60] - الإمام أحمد : المسند – 5/365.

    [61] - من ذلك ما أخرجه البخاري في صحيحه : كتاب العتق – باب إذا ضرب العبد فليجتنب الوجه. قال : وحدثني عبد الله بن محمد، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن همام، عن أبي هريرة - رضي الله عنه، عن النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ قال : "إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه".

    وأخرج الإمام مسلم في صحيحه : (كتاب البر والصلة والآداب – باب النهي عن ضرب الوجه) أكثر من رواية بلفظ "إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه"، ولفظ "إذا ضرب أحدكم…"، ولفظ "إذا قاتل أحدكم أخاه فليتق الوجه"، ولفظ "… فلا يَلطمَنَّ الوجه"، كما سبق أن نقلته بأسانيده المتعددة.

    [62] - ابن أبي عاصم : السنة – 1/230 – ح521. وأخرجه أبو يعلى بإسناد له إلى أبي زكريا يحيى بن إسحاق، عن بن لهيعة، عن أبي يونس. ولفظه "إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه، فإن وجه ابن آدم على صورة الرحمن". إبطال التأويلات لأخبار الصفات – 1/96.

    [63] - الدارقطني : الصفات - ص65 – ح49.

    [64] - الألباني : ظلال الجنة في تخريج السنة (بذيل كتاب السنة لابن أبي عاصم) – 1/230.

    [65] - ابن حجر : تـهذيب التهذيب – 5/378.

    [66] - انظر ابن حجر : تقريب التهذيب – ص 261،262 رقم 3563.

    [67] - ابن حجر : تـهذيب التهذيب – 5/375، 377،378.

    [68] - السابق – ص375،378.

    [69] - السابق – ص378، 379.

    [70] - انظر الحافظ المقدسي : شروط الأئمة الستة – ص18.

    [71] - انظر ابن حجر : تقريب التهذيب – ص 244 رقم 3302.

    [72] - السابق : تـهذيب التهذيب – 5/204.

    [73] - السابق : تقريب التهذيب – ص 262 رقم 3563.

    [74] - الخطيب البغدادي : تاريخ بغداد – 3/75. متن الحديث محفوظ صحيح من جهة أبي هريرة – رضي الله عنه. لكنَّ هذا الإسناد لا يدخل في باب الاعتبار، ولا يُحْـتَجُّ به؛ لموضع عبد الله بن عبد الرحمن الأسلمي الكلبي، وهو كذاب وضَّاع ساقط الحديث .. انظر ترجمته في "تاريخ بغداد" – 10/ 27. وفي "لسان الميزان" لابن حجر – 3/ 379.

    [75] - ابن خزيمة : التوحيد - 1/86. وإسناده إلى عطاء صحيح.

    [76] - الحارث بن أبي أسامة : بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث – 2/831.

    [77] - ابن أبي عاصم : السنة – 1/228، 229 – ح517. إسناده ضعيف فيه علل سيأتي بيانـها، ورجاله ثقات كلهم رجال البخاري، كما قال الألباني في تخريجه والحكم عليه.

    [78] - السابق – ص229 – ح518. قال الألباني : "حديث صحيح، وإسناده ضعيف ..." وهو يعني أنه صحيح لغيره؛ لثبوت النهي عن تقبيح الوجوه، وأن الله خلق آدم على صورته، بشاهد صحيح من طريق أبي هريرة.

    [79] - ابن خزيمة : التوحيد – 1/85.

    [80] - الطبراني : المعجم الكبير – 12/430 – ح13580. تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي . وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" – 8/106: "رجاله رجال الصحيح؛ غير إسحاق بن إسماعيل الطالقاني، وهو ثقة وفيه ضعف". وبيان ذلك فيما قاله ابن حجر عن إسحاق في "تقريب التهذيب" – ص 40 رقم 341: "ثقة تكلم في سماعه من جرير وحده".

    [81] - الآجري : الشريعة – ص315.

    [82] - الدارقطني : الصفات – ص56- ح45.

    [83] - الدارقطني : السابق – ص64 – ح48.

    [84] - الحاكم : المستدرك على صحيحين في الحديث – 2/319. وتابعه الإمام الذهبي في المختصر المطبوع بـهامش الكتاب.

    [85] - اللالكائي : شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة – 2/423،424 – ح716. تحقيق د/أحمد سعد حمدان.

    [86] - البيهقي : الأسماء والصفات – ص219. نشرة الكوثري.

    [87] - القاضي أبو يعلى : إبطال التأويلات لأخبار الصفات – 1/96.

    [88] - السابق – ص 77،78.

    [89] - عبد الله بن عدي : الكامل في ضعفاء الرجال – 6/ 80. ولهذا المتن شواهد صحيحة من طريق أبي هريرة – رضي الله عنه.

    [90] - انظر ابن حجر : تقريب التهذيب – ص 184 رقم 2445.

    [91] - انظر السابق – ص 195 رقم 2615.

    [92] - وهذه العلة من الجنس الثاني من أجناس العلل العشرة التي ذكرها الحاكم في "معرفة علوم الحديث" – ص114. وذلك أن يكون الحديث مرسلا من وجه رواه الثقات الحفاظ، ويسند من وجه ظاهره الصحة. (نشرة السيد معظم حسين. وراجع أيضا السيوطي : تدريب الراوي – 1/259. تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف.

    [93] - راجع ابن حجر : تقريب التهذيب – ص 90 رقم 1084 ( ثقة فقيه جليل، كثير الإرسال والتدليس ).

    [94] - انظر ابن خزيمة : التوحيد – 1/87. وانظر الحافظ بن حجر : طبقات المدلسين - ص 37. وسبط ابن العجمي : التبيين لأسماء المدلسين – ص 59. والاستشهاد في تدليس حبيب ذكره الحافظ ابن حجر في "تـهذيب التهذيب" –2/179 من قول أبي جعفر النحاس عن حبيب.

    [95] - انظر الذهبي : سير أعلام النبلاء – 11/362.

    [96] - ابن حجر : تـهذيب التهذيب – 7/203.

    [97] - راجع البخاري: التاريخ الكبير – ق2 – ج3 – ص464.

    [98] - قال السَّيوطي في ألفية الحديث :

    ما اختـلفت وجـوهه حيث ورد من واحد أو فوق ؛ متنا أو سـند

    ولا مُرَجّـح : هـو المضـطربُ وهو لتضـعيف الحديث موجـب

    ... وليس منه حيث بعضها رجـح بل نُكْرُ ضـدٍ أو شذوذه وضـح

    ص60 من شرح الأستاذ أحمد ممد شاكر.نشر المكتبة التجارية بمكة المكرمة.

    [99] - انظر الحافظ أبا بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي : تاريخ بغداد – 9/164،165. نشر مكتبة الخانـجي بالقاهرة، والمكتبة العربية ببغداد.

    [100] - انظر السابق – 9/154: 156.

    [101] - عن السابق – ص163.

    [102] - أبو الحسن أحمد بن عبد الله بن صالح العجلي (ت 261ه) : معرفة الثقات من رجال أهل العلم والحديث ومن الضعفاء وذكر مذاهبهم وأخبارهم – 1/407. تحقيق عبد العليم عبد العظيم.

    [103] -الإمام أحمد : العلل ومعرفة الرجال – 1/156 رقم 68، 185 رقم 153. تحقيق وصي الله عباس. وذكره الخطيب : تاريخ بغداد – 9/169.

    [104] - انظر الخطيب : تاريخ بغداد – 9/168،169.

    [105] - انظر السابق – ص 167.

    [106] - عن السابق – ص168.

    [107] - الإمام مسلم : الصحيح – المقدمة – باب صحة الاحتجاج بالحديث المعنعن (1/30).

    [108] - عن الحافظ ابن رجب الحنبلي زين الدين عبد الرحمن بن أحمد (ت 795هـ) : شرح علل الترمذي – ص220. تحقيق السيد صبحي جاسم الحميد.

    [109] - الحافظ صلاح الدين أبو سعيد خليل بن كيكلدي العلائي : جامع التحصيل في أحكام المراسيل – ص30،31. تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي.

    [110] - انظر العلائي : جامع التحصيل – ص27.

    [111] - القاضي عبد الجبار : شـرح الأصـول الخمسة – ص 327. جمع الإمام الزيدي ( مانْكُـدِيم ) أحمد بن الحسـين (ت 425هـ). تحقيق د/ عبد الكريم عثمان.

    [112] - السابق – ص 565. وراجع تفصيل هذه المسألة الكلامية عند الأستاذ الدكتور/ محمد السيد الجَلَيَنْد : قضية الخير والشر في الفكر الإسلامي – ص 244 : 249.

    [113] - راجع الإمام محمد بن عمر الرازي (ت 606هـ) : اعتقادات فرق المسلمين والمشركين – ص 47،48. تحقيق الأستاذ محمد المعتصم بالله البغدادي.

    [114] - انظر الحافظ ابن رجب الحنبلي : علل الترمذي – ص 235،236.

    [115] - الإمام الشافعي : الرسالة – ص464. تحقيق الأستاذ أحمد محمد شاكر. وقال الأستاذ شاكر : "في النسخ المطبوعة "بالمتصل"، والذي في الأصل وفي نسخة ابن جماعة كما هنا، وكتب عليه ابن جماعة : وهذه لغة الحجاز".

    [116] - انظر الحافظ جمال الدين يوسف المزي : تـهذيب الكمال في أسماء الرجال – 13/53. تحقيق الشيخ علي عبيد، بالاشتراك. وانظر الحافظ ابن حجر العسقلاني : تـهذيب التهذيب – 7/202.

    [117] - انظره – 3/2189 رقم 4948. وراجع العقيلي أبا جعفر محمد بن عمرو بن موسى المكي : الضعفاء الكبير – 1/263. تحقيق عبد المعطي أمين قلعجي.

    [118] - ابن حجر : تـهذيب التهذيب – 1/158 رقم 179.

    [119] - ابن خزيمة : التوحيد – 1 /87.

    [120] - أخرجه الإمام أحمد في مسنده – 4/ 394، 413، 418. وأبو داود في سننه – 2/ 229. والترمذي – 3/ 407. وابن ماجه – 1/ 605. وابن حبان (بترتيب ابن بلبان) – 9/ 388، 391، 394، 400.

    [121] - الشيخ أبو عمرو بن الصلاح : مقدمة ابن الصلاح – ص 228، 229. تحقيق د/ عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ). وما بين المعقوفتين تتمة كلام الخطيب البغدادي من كتابه : الكفاية في علم الرواية، كما نقلته المحققة.

    [122] - ابن الصلاح : السابق – ص 251.

    [123] - أخرجه الإمام البخاري : الصحيح – كتاب مواقيت الصلاة – باب فضل الصلاة لوقتها، ولفظه : أيّ العمل أحب إلى الله ؟ قال : "الصلاة على وقتها…". وكرر نَحوَ لفظه في أول كتاب الأدب – باب البر والصلة. وكرره في أول كتاب الجهاد والسّير – باب فضل الجهاد، بلفظ : "أيّ العمل أفضل ؟ قال : "الصلاة على ميقاتـها…". وفي كتاب التوحيد – باب وسمَّى النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ الصلاة عملا، أخرجه عن ابن مسعود أن رجلا سأل النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ : "أيّ الأعمال أفضل ؟ قال : "الصلاة لوقتها…".

    وأخرجه الإمام في صحيحه باللفظ الذي ذكره السَّيوطي وبِنحو ألفاظ البخاري : كتاب الإيـمان - باب كون الإيـمان بالله تعالى أفصل الأعمال.

    [124] - انظر جلال الدين السيوطي : تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي – 1/206: 208. والروايات في صحيح ابن خزيمة – 1/169. وفي صحيح ابن حبان (بترتيب ابن بلبان) – 4/339،343. وفي مستدرك الحاكم – 1/300،301.

    [125] - الشيخ ابن الصلاح : السابق – ص 255،256.

    [126] - انظر السراج البلقيني : محاسن الاصطلاح (المطبوع بذيل مقدمة ابن الصلاح) – ص 256.

    [127] - راجع الشيخ ابن الصلاح : السابق – ص 259 : 268، وبذيله "محاسن الاصطلاح" للبُلْقيني. وراجع "تقريب النواوي" وشرحه "تدريب الراوي" للسَّيوطي – 1/210 : 225. وراجع الحافظ الذهبي : الموقظة في علم مصطلح الحديث – ص 51 : 53.

    [128] - الحافظ صلاح الدين العلائي : جامع التحصيل في أحكام المراسيل – ص30. والرأي عندي أن الاعتراض على ما روي مسندا بإرساله من طريق الحفاظ الثقات قائم سواء كان القول بثبوت حجية المرسل أو كان بانتفائها؛ لأن الاعتراض متعلق بضبط راوي المسند لإسناده، ولا يتعلق بمفهوم الحديث ودلالته على الحكم.

    [129] - ابن الصلاح : السابق – ص 259، 260. ونقلت المحققة عن مقدمة المجروحين لابن حبان – 1/ 33 "عن عباس بن محمد – الدوري – قال : سمعت يحيى بن معين يقول : لو لم نكتب الحديث من ثلاثين وجها لم نعرف ما علته".

    [130] - ابن الصلاح : السابق – ص 260.

    [131] - جلال الدين السَّيوطي : تدريب الراوي – 1/184،185. ولقد أحسن السَّيُوطي في تعقيبه تلخيصَ كلام أبي عيسى الترمذي، وأضاف إليه بعضَ الفوائد الجليلة .. قارن بِما ذكره الترمذي في سننه – 3/407.

    [132] - انظر ابن الجارود : المنتقى من السنن المسندة – ص 176.

    [133] - أبو عبد الله الحاكم : المستدرك على الصحيحين – 2/184. وللحاكم بعد ذلك كلام نفيس عن طرق الحديث وحكمه؛ فراجعه إلى ص 188.

    [134] - ابن حبّان : صحيح ابن حبّان (بترتيب ابن بلبان) – 9/394.

    [135] - راجع الحافظ العراقي : التقييد والإيضاح – ص 94.

    [136] - ابن حجر : تقريب التهذيب – ص 78 رقم 916.

    [137] - الإمام برهان الدين إبراهيم بن محمد بن خليل (سبط ابن العجمي ت841 هـ) : الاغتباط بـمن رمي بالاختلاط – ص76. حققه وزاد في تراجمه علاء الدين رضا.

    [138] - انظر ابن حجر : السابق – ص 40 رقم 341.

    [139] - انظر السابق – ص 500 رقم 7242.

    [140] - انظر السابق – ص 157 رقم 2042.

    [141] - انظر السابق – ص 191رقم 2556.

    [142] - انظر السابق – ص 44 رقم 415.

    [143] - انظر السابق – ص 39 رقم 332.

    [144] - انظر السابق – ص 326رقم 4513.

    [145] - انظر السابق – ص 541 رقم 7887.

    [146] - عن أبي الحجاج يوسف المزي : تـهذيب الكمال – 1/34.

    [147] - السابق نفسه.

    [148] - راجع الذهبي : الكاشف – 1/60. وابن حجر تـهذيب التهذيب – 1/227.

    [149] - راجع تراجمهم عند الذهبي : سـير أعـلام النبلاء – 10/676،677 – 11/69 : 71 - 11 /129،130 – 11/151:153 – 11/358:377 - 11/489 : 492 - 12/221،222. أشرف على تحقيقه شعيب الأرناؤط. وراجع تراجمهم المشار إليها سابقا في "تقريب التهذيب" لابن حجر.

    [150] - راجع الذهبي : سير أعلام النبلاء – 9/16.

    [151] - انظر السابق – 10/676، 677.

    [152] - انظر السابق – 11/69.

    [153] - يمكننا أن نستأنس أيضا في ترجيح تقدم طبقة أبي الربيع الزهراني ثمَّ أبي معمر القطيعي بترتيب تراجم هؤلاء الرواة في "سير أعلام النبلاء". وهو كتاب مرتب وفق طبقات الرواة؛ فجرير في الجزء التاسع، وأبو الربيع في العاشر، ويليه أبو معمر القطيعي في أوائل الحادي عشر، ثمَّ هارون فعثمان فإسحاق فزهير على هذا الترتيب في الحادي عشر أيضا، ثمَّ يوسف بن موسى في الجزء الثاني عشر ..

    [154] - انظر الذهبي : السابق – 10/676،677.

    [155] - نقلا عن الدكتور بشار عواد معروف : تحقيقه لتهذيب الكمال للمزي – 4/551.

    [156] - الذهبي : سير أعلام النبلاء – 12/222. ويوسف بن موسى هو صاحب الترجمة الأخيرة من تراجم الرواة الخمسة في كتاب الذهبي.

    [157] - انظر السابق – 11/130.

    [158] - انظر السابق – 11/489.

    [159] - راجع السابق – 11/359،364،377.

    [160] - انظر السابق – 11/359.

    [161] - انظر السابق – 11/151.

    [162] - انظر السابق – 11/152،153.

    [163] - السابق – 9/16. وانظر الحافظ يوسف المزي : تـهذيب الكمال – 4/548،549. تحقيق د/ بشار عواد معروف.

    [164] - انظر الحافظ يوسف المزي : تـهذيب الكمال – 19/483:485 تحقيق الدكتور بشار عواد معروف.

    [165] - راجع في ذلك الحافظ المقدسي : شروط الأئمة الستة – ص1

    [166] - ابن حجر : فتح الباري – 5/217.

    [167] - الذهبي : ميزان الاعتدال في نقد الرجال – 1/603. تحقيق علي محمد البجاوي.

    [168] - عن الشيخ أحمد البنا : الفتح الرباني – 19/333،334. وقال عن رواية الحديث الثانية : لم أقف عليه لغير الإمام أحمد من حديث ابن عمر… وسنده صحيح.

    [169] - راجع الإمام أحمد : العلل ومعرفة الرجال – 1/265 رقم 392 – 2/348،349 رقم 2543.

    [170] - العلائي : جامع التحصيل في أحكام المراسيل – ص30.

    [171] - القاضي أبو يعلى : إبطال التأويلات – 1/90،91. وقد صححت بعض الأخطاء في النص؛ مثل : "فنقول كما جـاء" وكانت في الأصـل المطبوع : "فيقول… "، "لأنه يَجـوز أن تقع هذه الزيادة". وفي الأصـل المطبوع : "لأنه لا يجوز … ".

    [172] - عن السابق - ص95.

    [173] - انظر شرح الشيخ شاكر لألفية الحديث للسيوطي - ص57.

    [174] - انظره - 4/52.

    [175] - انظر السابق - 1/111.

    [176] - أبو جعفر محمد بن عمر العقيلي المكي: الضعفاء الكبير – 2/251،252. تحقيق عبد المعطي أمين قلعجي. ودون أن أتعرض لمواقف الإمام مالك من رواية أخبار الصفات والكلام فيها، أكتفي بالإشارة إلى أنه أحد رواة حديث النهي عن ضرب الوجه في صحيح البخاري : كتاب العتق – باب إذا ضرب العبد فليجتنب الوجه. ورواية مالك لم تشتمل على زيادة التعليل الوارد في روايتي ابن عجلان وأبي الزناد.

    * * : الصواب لدي – والله أعلم – "فقيل : محمد بن عجلان، وأبو الزناد".

    [177] - الذهبي : ميزان الاعتدال – 2/419،420. وما بين القوسين من إضافتي لجبر نقص في المطبوع، أو لمجرد البيان.

    [178] - ابن حجر : فتح الباري – 5/217.

    [179] - قارن ذلك بـما جاء في مقال الشيخ حماد بن محمد الأنصاري : "تعريف أهل الإيـمان بصحة حديث صورة الرحمن". ولقد انتهى إلى نقل تصحيحه عن الإمام أحمد بن حنبل وزميله إسحاق بن راهويه، والحافظين الذهبي وابن حجر .. وقال : "كفى بـهؤلاء قدوة في هذا الشأن. وليس مع من أنكر صحة هذا الحديث حجة يُدْلي بـها إلا عدم إلفه لهذه اللفظة، كما قال ابن قتيبة".

    ومراده باللفظة في آخر قوله : "صورة الرحمن" التي خُلِقَ آدم عليها في زعمهم. وقد ضمن الدكتور الفقيهي هذا المقال تعليقات تحقيقه كتاب الصفات للدارقطني – ص58:62. وعقبه بكلام موافق للشيخ محمد تقي الدين الهلالي ..


    نقلاً عن { ملتقي أهل الحديث }
    بَلْ يُرِيدُ الْإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ

  10. #40

    افتراضي

    وهذا رابط موضوع جمعت فيه منقولات عدة في المسألة بإذن الله تعالى ..
    أرجو من الله أن يزيل اللبس وشبهة (التجسيم) التي يُرمى بها كل مَن قال الهاء تعود على الله عز وجل :
    http://www.eltwhed.com/vb/showthread...D5%E6%D1%CA%E5

    وأحسبه فيه عدة فوائد في الصفات والعقيدة والله أعلم ...
    بالتوفيق ...

  11. #41
    تاريخ التسجيل
    Apr 2011
    المشاركات
    2,598
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    3

    افتراضي

    ظننتك غيرت اسمك لهيرقل و كتبت ملحد.. ربما اخطأت او خلطت بينك و بين عضو اخر، المعذرة.
    أستغفر الله العظيم و أتوب إليه

  12. افتراضي

    دراسة عقدية لحديث (خلق الله آدم على صورته)
    إعـداد الطالب : بدر بن محمد ناضرين
    أستاذ المادة : د. عبد الله بن عمر الدميجي
    جامعة أم القرى كلية الدعوة وأصول الدين قسم العقيدة


    ـــــــــــــــــــــــ

    لما كانت العقيدة الإسلامية تتكلم عن ذات الله تعالى وصفاته, وتتحدث عن الأنبياء والرسل و عن مهامهم وأعمالهم وصفاتهم, وتتناول أعظم قضية في وجود الإنسان ألا وهي قضية الإيمان, فقد احتلت العقيدة الإسلامية لذلك المرتبة الأولى بين علوم الشريعة, ونال الباحث فيها أشرف الدرجات والمنازل, وكيف لا وهو يبحث في أشرف العلوم, ويتناول بالدراسة أعظم الفنون.

    وقد ترد بعض الأحاديث النبوية الشريفة, التي تتعلق بالقضايا العقدية, والتي تحتاج إلى بيان وشرح وتفصيل, لإزالة أي لبس أو غموض, يمكن أن ينتاب المسلم في فهمها, ضمن قواعد و أصول العقيدة الإسلامية الصحيحة, فيلزم من ذلك دراسة هذه الأحاديث وبيان توافقها مع هذه الأصول والقواعد, ومن هذه الأحاديث قوله صلى الله عليه وسلم: (خلق الله تعالى آدم على صورته) متفق عليه.

    في البداية بين الباحث معنى كلمة (الصورة) لغة, وأنها ترد بمعنى حقيقة الشيء وهيئته في الظاهر, ويراد بالصورة أيضا الوجه كما دلت عليه بعض الأحاديث, ومنه جاء تحريم ضرب الوجه ولطمه.

    وحرصا من الباحث على الدقة العلمية, فقد أورد في المطلب الأول الأحاديث المتعلقة بخلق الله تعالى آدم على صورته بالروايات المختلفة: خلق الله آدم على صورة وجهه, أو خلق الله الإنسان على صورة الرحمن, مبينا أن الرواية الأقوى والأصح من بين كل هذه الروايات هي:

    عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (خلق الله عز وجل آدم على صورته، طوله ستون ذراعاً، فلما خلقه قال اذهب فسلم على أولئك النفر وهم نفر من الملائكة جلوس فاستمع ما يجيبونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك، قال فذهب فقال السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، قال: فزادوه ورحمة الله. قال: فكل من يدخل الجنة على صورة آدم، وطوله ستون ذراعاً، فلم يزل الخلق ينقص بعده حتى الآن) متفق عليه.

    ثم يخلص الباحث بعد دراسة الأسانيد والمتون لروايات الحديث المختلفة, أن حديث (خلق الله آدم على صورته) ثابت بإطلاق, وأن حديث النهي عن ضرب الوجه لأن الله خلق آدم على صورته ثابت أيضا.

    و تبقى المشكلة الأهم في الضمير في قوله: (على صورته) وعلى من يعود؟؟ هل يعود على الله تعالى أي: على صورة الله, كما في الحديث بالرواية الأولى, أم على آدم كما في رواية ضرب الوجه, وهو ما سيتناوله الباحث في المطلب الثاني

    أقوال أهل العلم في الحديث:

    القول الأول: أن الحديث من أحاديث الصفات، وفيه إثبات الصورة لله تعالى، وإثبات أن الله خلق آدم على صورته سبحانه, وهذا قول جمهور السلف، إذ يروون الحديث في باب الصفات، ولا يؤولونه، بل يجرونه على ظاهره.

    وقد قال بهذا القول جمهور أئمة السلف, وعلى رأسهم الإمام أحمد بن حنبل, الذي قال : من قال إن الله تعالى خلق آدم على صورة آدم فهو جهمي, وأي صورة كانت لآدم قبل أن يخلق؟! وكذلك عبد الله بن محمد بن قتيبة و أبو عاصم الضحاك الشيباني و شيخ الإسلام ابن تيمية و ابن القيم وابن حجر وغيرهم كثير, مؤكدين قولهم هذا برواية (خلق الله الإنسان على صورة الرحمن).

    القول الثاني: تأويل الحديث على غير ظاهره, وقد قال بذلك عدد من المتأولين منهم:

    بشر بن غياث المريسي الذي قال: خلق الله آدم على صورته التي كان في علمه أن يخلقه عليها, أو الصورة المصطفاة المعلومة لديه سبحانه.

    وابن خزيمة قال: إن إضافة الصورة إلى الرحمن في هذا الخبر إنما هو من إضافة الخلق إليه لأن الخلق يضاف إلى الرحمن، إذ الله خلقه، وكذلك الصورة تضاف إلى الرحمن، لأن الله صورها.

    بينما كفر ابن حبان من يعيد ضمير الهاء لله تعالى, إذ ليس كمثله شيء كما يقول, وأن الضمير يعود لآدم لبيان فضله على سائر الخلق, وقد فسره بعضهم كابن مندة بأن الله لم يخلقه طفلا ثم صبيا ثم شابا فكهلا كبقية البشر, وبعضهم أول نسبة الصورة لله بالتشريف.

    وفي بداية المطلب الثالث المخصص لمناقشة أدلة القولين السابقين, يبين الباحث أننا أمام فريقين, الأول: إثبات السلف لمعنى الحديث والتوقف عن الكيفية, والثاني: تأويل الحديث وإبطال دلالته.

    القول الأول: فهو الأصح والأقوى دلالة, وهو مذهب السلف في إجراء الحديث على ظاهره, والرد على كل متأول له, ويؤيد ذلك:

    1- بعض الأحاديث التي تثبت الصورة لله تعالى, وأن المؤمنون سيرون الله تعالى يوم القيامة على صورته, إضافة إلى (على صورة الرحمن).

    2- أن قول القائل (على صورة كذا) لا تعني المماثلة, وبانتفاء المماثلة تنتفي الحاجة إلى التأويل.

    3- أن المشابهة من بعض الوجوه لا تقتضي المماثلة.

    القول الثاني: فقد وردت عليه ردود كثيرة, كان أفضلها وأكثرها قوة وفائدة, ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية, حيث ذكر 13 وجها في رد دعوى عود الضمير على غير الله تعالى, و 9 أوجه في رد عود الضمير على آدم.

    ومن أهم ردود شيخ الإسلام ابن تيمية:

    1- كون المضروب يشبه آدم من الأمور المعلومة، فلا حاجة إلى ذكره.

    2- ليس الوجه فقط للمضروب يشبه آدم، بل كل أعضائه، فلو صلح أن يكون هذا علة لمنع ضرب الوجه، لما جاز ضرب شيء من أعضاء بني آدم.

    3- لا يصلح أن يكون معنى الحديث: أن الله خلق آدم على صورة بنيه، فإنه معلوم أن خلق آدم كان أعظم من خلق بنيه بشيء كثير.

    وأجاب شيخ الإسلام ابن تيمية على التأويل الذي أورده ابن خزيمة، من أن المراد إضافة خلق، كما في: ناقة الله، وبيت الله, كما أجاب عن التأويل المذكور عن الغزالي، من أن معنى (خلق آدم على صورته) أن الإنسان ليس بجسم ولا جسماني، ولا تعلق له بهذا البدن إلا على سبيل التدبير والتصرف، ونسبة ذات آدم إلى هذا البدن كنسبة الباري إلى العالم, وأجاب أيضا عن التأويل الذي أورده ابن الجوزي، من أن المراد صورة الملك والتدبير.

    وفي الختام انتهى الباحث إلى أهم نتائج دراسته وبحثه, نذكر منها:

    1- أن مصدر إثبات العقائد: الكتاب والسنة، بفهم السلف الصالح.

    2- موافقة الحجج العقلية للأدلة النقلية، في إثبات ما تثبته.

    3- أدلة الشرع تتفق ولا تفترق، وما جاءت به من إثبات الصفات لا يتعارض مع تنزيه الله عن مماثلة شيء من المخلوقات، ومن نفي الند والكفء له سبحانه.

    4- يثبت جمهور السلف الصورة لله سبحانه، وأن الله خلق آدم على صورته تعالى.

    5- وقعت تأويلات كثيرة لحديث (خلق الله آدم على صورته) وأقوى ما يردها ثبوت الحديث بلفظ: ( على صورة الرحمن).

    كما أوصى الباحث بالعناية بدراسة أسانيد أحاديث الصفات, خاصة المختلف فيها, وكذلك أهمية إيراد الردود العقلية على شبه المأولين لتطمئن نفوس بعض الناس, والعناية دائما ببيان موقف السلف الصالح من الصفات, لكثرة الخوض فيها قديما وحديثا.

    جزى الله الباحث خير الجزاء على بحثه القيم ودراسته العقدية المفيدة, وجعل ثواب جهده وعمله في صحيفة أعماله, إنه سميع قريب مجيب.

    للتحميل : http://www.taseel.com/UploadedData/u.../khalqaadm.pdf

  13. #43
    تاريخ التسجيل
    Nov 2013
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    473
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    طيب هل يوجد تعارض مع ايه ليس كمثله شئ ؟ ‏
    فهنا صوره ادم مثل صوره الله

    الأخ الكريم : لا يوجد أي تعارض بين ( خلق الله آدم على صورته ) , ( ليس كمثله شيء )
    لأنه كما ذكر أهل الحديث في موضوعه المثلية في الصفات , وبما أن صفات آدم على صورة الصفات الربانية من سمع وبصر ويد وقدم و....................... الخ من الصفات الذاتية إلى جانب صفات الأفعال كصفة الرحمة وصفة العلم والسلم والقداسة والعفو والمغفرة والقبض والبسط والذل والعزة والقدرة والحكمة والقوة و............................... الخ
    جميعها صفات مهما كانت فهي نسبية محدودة - بدليل قول الله تعالى ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا )
    أما الصفات الإلهية غير محدودة أي مطلقة لأن ذات الله غير محدود وبالتالي صفات الذات وصفات الأفعال غير محدودة ليس كمثله شيء في الكم والكيف
    وأخيرا :
    نعم خلق آدم على صورته من الصفات الذاتية وصفات الأفعال ولكن هيهات هيهات بين هذا وذاك

صفحة 3 من 3 الأولىالأولى 123

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. العالم الشهير penfield يُثبت أن العقل ليس هو الدماغ
    بواسطة ياسين اليحياوي في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 31
    آخر مشاركة: 11-10-2013, 08:20 PM
  2. الضمير الإنساني والأعراف الاجتماعية.
    بواسطة ياسين اليحياوي في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 04-24-2009, 12:46 AM
  3. الفلكي الشهير «إدوين هابل» من دون قصد أثبت أن القرآن كلام الله
    بواسطة ياسين اليحياوي في المنتدى قسم الحوار عن الإسلام
    مشاركات: 87
    آخر مشاركة: 02-04-2009, 01:22 AM
  4. نعمة الضمير
    بواسطة ايمان نور في المنتدى قسم الاستراحة والمقترحات والإعلانات
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 05-20-2008, 02:35 PM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء