المسلمون
بسم الله الرحمن الرحيم
( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين ) / النساء 135
( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ) / المائدة 8
(ولله ما في السماوات وما في الأرض ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات وما في الأرض وكان الله غنيا حميدا) / النساء 131
الله سمى دينه في القرآن بالإسلام , وكثير من الناس مؤمنين وكفارا ومنافقين سموا أديانهم أو مذاهبهم أو فرقهم كذلك بالإسلام , ولكن قال كثير من هؤلاء المسلمين مثل ما قال من سبقهم , قالوا على أنفسهم وعلى فرقهم ليسوا على شيء وهم يتلون الكتاب , وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان مسلما من هؤلاء أو من هؤلاء ولن تمسنا النار إلا أياما معدودات , ولكن , لكن الله يقول :
( قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا إن الله غفور رحيم ) / الحجرات 14
( الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين . ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين . ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون ) / الحجر 1 2 3
( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون ) / الحديد 16
(ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا ) / النساء 123 124
(وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم عن كنتم صادقين بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) / البقرة 111 112
(وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون , بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون . والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ) / البقرة 80 81 82
(ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون . ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون . فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون ) / آل عمران 23 24 25
(وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ) / البقرة 113
(ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم ) / آل عمران 105
(ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير ) / فاطر 32
(ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد ) / البقرة 253
(وقال الرسول يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا .وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وكفى بربك هاديا ونصيرا ) / الفرقان 30 31
(وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون ) / الأنعام 112 113
ما فهمته من هذه الآيات الكريمة أن ليس كل من أسلم ظاهريا أو انتمى للمسلمين وسمى نفسه مسلما فهو دائما بمنزلة من يقول عنه الله "من أسلم وجهه لله وهو محسن" ولا يتحقق ذلك إلا بالإيمان الذي قد يؤتيه الله لبعض من أهل الأرض أيا كان انتمائهم الظاهري , فقد يفتقد الإيمان قوم مسلمون "ظاهريا" , وقد ينال الإيمان أناس لم تصلهم دعوة النبي ص وهدي القرآن كما هو عليه فيسلموا له وينطووا تحت اسمه وانتمائه , مثل من ؟ , المؤمنون الصالحون من أهل الكتاب من قبل بعثة النبي كانوا على انتمائات وجماعات ومذاهب وشرائع أخرى غير الإسلام الذي نعرفه وجمعتهم جماعاتهم وشرائعهم مع الكثير من كفارهم تحت نفس المسميات والإنتمائات , كذلك أناس آمنوا بالله وعبدوه وقدسوه بقلوبهم بما رأوا من آيات الله في كونه وفي أنفسهم وفي ما صنعت أيديهم من أمر الله وخلقه إن كانوا أميين أو في ما ورثوه من آثار عن أنبيائهم إن كانوا أهل كتاب وكانوا مثالا لحسن الخلق ولمنفعة الإنسانية ولكنهم لا يعلمون شيئا عن الإسلام الذي أنعم الله علينا بمعرفته وكلفنا بتبليغه وتبيينه للناس أو سمعوا عن الإسلام أشيائا لا تمت للإسلام الحق بصلة , هذه الأمثلة من البشر "إن وجدت" فلا نستطيع بحال أن نصنفهم كفارا أو ندعوهم كذلك , لا يحاسب الله أحدا على شيء لم يكلفه به , والذي لم يؤته الله أي علم عن الإسلام هو في الحقيقة غير مكلف به , و"لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها" . فهمت كذلك أنه تعالى لم يذكر أمثلة لأهل الكتاب من قبلنا ليكون حكم الله فيها وقوله خاص بهم فقط دون غيرهم , بل لاستسقاء العبر من تلك الأمثال ليجري علينا ما جرى عليهم من قوانين الله وسننه الثابتة والتي لا تتبدل .
نحن الذين ورثنا الكتاب لسنا بشعب الله المختار , وما أورثناه من الكتاب ما هو إلا تكليف قد يعود علينا بالخير والبركات إن عملنا به وقد يعود علينا بالنقمة والخسران واللعنات إذا نبذناه , كل حسب إيمانه وعمله وقوله ولا يؤخذ رجل بذنب أخيه الذي يجمعه به المذهب أو الجماعة , تماما كما جرى مع أهل الكتاب الذين ورثوا التوراة والإنجيل وما أنزل الله من قبل , منهم من آمن ومنهم من كفر , ولا نستطيع بحال أن نعمي أبصارنا عن هذه الحقيقة وآيات كثيرة وكثيرة توضح هذا (ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون) / آل عمران 110 وكثيرة هي الآيات التي تثبت بالدليل القاطع وجود المؤمن والكافر في عموم جماعة أهل الكتاب قبل النبي وإن انتسبت في مجملها لمن سبق من الأنبياء , وكذلك نحن على نفس السنة الإلهية نعيش في هذه الحياة الدنيا , فنحن جزء من مسيرة المجتمع البشري لا نتميز عنهم بتشريف الكتاب إلا إذا قمنا بالتكليف الذي فيه ابتداءا بنفس كل واحد فينا , فنعقل ما فيه ثم نطيع أمر الله , عندها فقط تتحقق الكرامة والعصمة واتباع الملة , أما من دون ذلك فلا نصيب في الآخرة لأحد أيا كان سوى ذلك الذي أقام الكتاب , فهل حققنا ذلك ؟ لا بد أن فريقا من المؤمنين صدقوا وفازوا بالدارين وظفروا بالتشريف الذي وعد الله به , ولا أقول بجهالة هم فرقة كذا أو مذهب كذا أو جماعة كذا , قد يكون الحق في قول هذا المذهب أو ذاك والباطل في قول غيرهم في مسألة بعينها وربما العكس في مسألة أخرى ؟ . ولكن . على مستوى الأفراد وتحقق الإيمان أو وقوع النفاق فإنه قد يكون في جماعة ما مؤمن سابق للخيرات وآخر مثله في جماعة أخرى , ونتيجة ظرف ما لا يعلمه إلا الله لم يستطع صاحب المذهب الذي يضم الكثير من المغالطات التبرؤ من المذهب ككل بالرغم من إيمانه السليم ولكنه قام بالتصحيح والتوجيه فيه وكان لإصلاحه في المذهب أثر ملموس في بعض من أهل مذهبه وفي نمط التفكير فيه , و في الجماعة نفسها قد يكون المؤمن وبجانبه المنافق , ومن الظلم أن نحكم على عالم أو داعية أو عامي من خلال انتمائه الظاهري لاسم جماعة أو مذهب من المذاهب أيا كان دون النظر بموضوعية في قوله وعمله , ولا تزر وازرة وزر أخرى , وإلا فلم قول الله تعالى ( ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ) وقوله ( بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) وقوله (وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم ) وقوله ( وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ) / مريم 95 . وقوله ( يوم يفر المرء من أخيه . وأمه وأبيه . وصاحبته وبنيه . لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ) / عبس 34 35 36 37 . (يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه . وصاحبته وأخيه . وفصيلته التي تؤويه . ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه .) / المعارج 11 12 13 14 . وقوله ( لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم والله بما تعملون بصير ) / الممتحنة 3 . وقوله في سورة فاطر عن ورثة الكتاب بما فيهم نحن ( فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ) , لم نؤمن بالله رقيبا على كل واحد فينا ؟ لا يظلم مثقال ذرة ولا يأخذ أحدا منا بذنب آخر ؟ . وهذا يعني أن الله يفصل ويفرق بين الناس بحساباته هو وليس بحساباتنا نحن , اسم الجماعة أو المذهب لوحده لن يشفع لأحد ولن يردي أحدا , لن يدخل الجنة ولن يدخل النار , بعض الناس يظن بأنه سيدخل الجنة مهما كان وكيفما فعل فقط لأنه ينتمي إلى جماعة كذا أو مذهب كذا وبأنه ينال الأمان من أهل مذهبه , فذلك في نظره كاف , فإذا اجترح أكبر الكبائر هون على نفسه بأنه سني أو شيعي أو إباضي أو حتى مسلم لدرجة أن ينسيه ذلك ذكر الله ويصده عن الرجوع والإنابة إليه والتوبة من ظلمه , فلسان حالهم فلنفعل ولنقل ما نريد "سيغفر لنا , سيشفع لنا" , "هذا ديننا ومنهجنا" فاغتروا بحلم الله ورحمته وغرهم بالله الغرور , وهذا هو ديدنهم وشقوتهم , فعوضا عن الهروع إلى التوبة أوغل المسيء في تعليق أمانيه و آماله على انتمائه لمذهبه أو جماعته أو أمته مهملا لحساب الله تعالى وغاض للطرف عنه , فأعقبه ذلك نفاقا في قلبه وظهر عليه ذلك في عصبيته وتطرفه وغلوه القبيح في الدين , فيسب هذا ويلعن ذاك ويكفر ويفسق فجورا وطغيانا وهو غافل عن نفسه ونسي ما قدمت يداه , أو يستسهل ويستهين ببقائه على ما وجد عليه الآباء والأجداد حتى وإن كان باطلا , فيحسب أن الله فرض عليه أن يتبع كل ما ورثه , حقا كان أم باطلا , لأن الله خلقه ابن فلان من بيت فلان , والله يقول (يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور) / لقمان 33 , إذا فالإيمان ليس إقرارا وقولا فقط , بل هو مقترن بالعمل ولا يتحقق الإيمان كاملا لأحد منا إلا بالصدق في العمل مع سلامة القلب وعندها فقط عسى أن يمن الله بالقبول في جنته ليس بفضل المؤمن وعمله ولكن بفضل الله ورحمته وإصلاحه لعمل المؤمن وقبوله , ومن لم يتحقق له الإيمان فلن يخرج من النار (يريدون ان يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم) / المائدة 37 . ( فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون ) / الأعراف 53 , وليس الحكم على الناس بأولوية لنا ولا بتكليف لنا , بل كلفنا بالحكم على ما أوتينا فيه علما من الأقوال والأفعال لنستبين ونبصر ماذا نقول وماذا نفعل (عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) , ودائما الله يعلم ونحن لا نعلم (والله يعلم وأنتم لا تعلمون) , أما الحكم على الناس فهو خصوصية لله وحده لا يشرك فيها أحدا , قد يؤتي الله علمه لأحد من خلقه بحكمه على فلان كما أنبأ الله أنبيائه نوحا وموسى ونبينا عليهم الصلاة والسلام بحكمه على ابن نوح وامرأته وفرعون وهامان وأبي لهب والمنافقين بالرغم من قول الله لموسى من قبل حين أرسله إلى فرعون ( فقولا له قولا لينا لعله يذكر أو يخشى ) , وقد يؤتي الله علما لأحد من عباده كذلك من غير الأنبياء عن حكمه تعالى على بعض الناس إلى يومنا هذا , أما أن يدعي أحد أن فلانا من أهل النار أو الجنة لمجرد مشاهدة واستنتاج فهذا أمر مرفوض في دين الله والله يقول (ياأيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيرا ) / النساء 94
إن ابتعدنا عن التفصيل ونظرنا إلى هذا الكلام إجمالا من حيث المبدأ
فقولوا لي بالله عليكم هل هذا الكلام باطل ؟
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا
Bookmarks