آلهة الفجوات المعرفية الجديدة
عندما ناقش ستيفن هوكين وليوناردو ملودينو في كتابهما الأخير حاجة الكون لخالق من عدمه، كانا في الحقيقة يدوران في فلك الثقافة الغربية التي تساوي بين السؤال عن وجود الله وبين السؤال عن وجود ما يسمى لديهم بـــ God of the gaps أي الإله الذي ينحصر دوره في سد الفجوات المعرفية. والمسلم غير معني بهذا الخلط الذي يرجع سببه الى العقيدة الكنسية التي نفت في الأصل خلق الله للشر. ومن يفصل بين إرادة الله وبين السنن التي تحكم الكوارث الطبيعية والأمراض.. عليه تعميم حكمه على كل ما ندركه من قوانين مادية تنفعنا تارة وتضرنا تارة أخرى، وعليه بالتالي تقليص دور معبوده كلما ازدادت معرفة الإنسان. الأمر الذي دفع المبشر هنري دروموند في القرن الــ19 ، واللوثري ديتريش بونهوفر في القرن الــ20 الى دعوة اتباعهما ترك هذا الفكر الراسخ الى يومنا هذا في أذهان الغربيين، وفي ذهن الملحد بالتحديد الذي يربط بين (تفسير الظواهر الطبيعية) وبين (عدم ضرورة وجود الله).. لأنه في الحقيقة لم يتخلص قط من الفكرة الموروثة "لإله الظواهر الغير مفسرة" الذي يتقلص دوره بتقدم المعرفة.
1- هذا التصور لا يؤسس لحجة عقلية تُلزم الجميع، ولا حتى يصلح لنفي التصور الخاطئ للإله في الغرب.. لان افتراض إمكانية سد كل الفجوات المعرفية هو مناقض لمبرهنة غودل التي تثبت استحالة تفسير العقل لكل أركان النظام بالاعتماد فقط على معطيات نفس النظام. بعض الفيزيائيين مثل د.ملودينو يردون على هذه المسألة بالقول أن "الفيزياء ليس نظاما أكسيوميا حتى يسري عليه قانون غودل". بهذا الرد نهرب من (أ) حتمية نقص المعرفة التي يثبتها قانون غودل.. الى (ب) نقص المعرفة بسبب طبيعة النظام الغير أكسيومي نفسه. فالعقل البشري لا يمكنه ادعاء معرفته الكاملة بأي نظام مادي دون أن يربطه بنظرية يُخضعها لما يسمى بــl'axiomatisation de la théorie أي إحالتها الى مجموعة من القوانين الأولية -تمثل مسلمات النظام- والتي من خلالها تتفرع كل المعادلات التي تحكم المادة. وهذه هي الغاية الأساسية من العلوم التجريبية ومن المشاهدة: البحث عن مجموعة من الـaxioms المؤسسة للنسق الفيزيائي. لكن تفسير الإنسان للنظام الفيزيائي مليء بالتناقضات والمفارقات، ولو لم ينظر العلماء الى التعارض الظاهر بين (الفيزياء الكوانتية) وبين (النظرية النسبية) كفجوة معرفية لما بحثوا عن "نظرية كل شيء" التي يُؤمل أن تربط منطقيا بين (فيزياء الأحجام الصغيرة) و(فيزياء الأحجام الكبيرة)
The primary problem in producing a TOE is that general relativity and quantum mechanics are hard to unify
الهدف من "نظرية كل شيء" ليست المعرفة المطلقة كما يتوهم بعض الملاحدة في هذا المنتدى.. بل الهدف هو حل المفرقات في تفسيرنا للكون وإعادة النظام الفيزيائي الى الطبيعة الأكسيومية! ومتى نحج الإنسان في ذلك؟ حينها يمكن تطبيق مبرهنة غودل التي تثبت حتمية نقص المعرفة من وجه آخر.. (غير نقص المعرفة الناتج عن التناقض في تفسيرنا). النتيجة: في جميع الأحوال المعرفة الكاملة لن تتحقق!
2- الهدف من الفقرة السابقة هو إثبات فساد المنطق الذي يستعمله الملحد لنفي (إله الفجوات المعرفية) الذي لا نؤمن به أصلا! أما الإله الحقيقي فالدليل على وجوده يعتمد على ما نعلمه يقينا وليس على ما نجهله. ومن يتهم المسلم بخلاف ذلك، يكفي إلزامه بدليل يعتمد على حقائق يقينية يؤمن بها كل عاقل ولا تتغير بتغير النظريات والفلسفات. أقصد المبرهنات الرياضية والقواعد المنطقية التي تحكم كل الحالات الممكن وليس فقط الواقع. ومتى أحس الملحد أن الإقرار بتلك بحقائق يقود الى ضرورة وجود عليم أزلي.. ستجده أول من يستغيث بالجهل ليرد دليلك، وستجده على استعداد تام لمسخ البديهيات الى مجرد "أوهام معرفية وافتراضات متلونة" وعلى استعداد للتشكيك في مبدأ عدم التناقض نفسه! وخير مثال على ذلك الزميلة (ملحدة عن يقين) التي تخلت عن يقينها في هذا الشريط وشككت في المنطق ككل، نفس الأمر تكرر مع الزميل بلاتو ومن بعده الزميل نيوتن في هذا الشريط ! المفارقة هنا أن الشخص الذي يتهم المسلم بالاعتماد على الجهل لإثبات وجود (إله الفجوات المعرفية) .. هو نفس الشخص الذي يتسلح بالجهل متى ألزمتَه بدليل بديهي يثبت وجود (إله المعرفة).
Bookmarks