ختان الذكور
بين الدين والعلم

علي ياسين


جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الفطرة خمس ، أو خمس من الفطرة : الختان والاستحداد ونتف الإبط وتقليم الأظفار وقص الشارب ".
في هذا الحديث يبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الختان سنة اتفقت عليها جميع الشرائع غير المحرفة ، فصارت كأنها فطرة طُبع عليها الإنسان ، فمن خالفها كان مخالفاً للفطرة ، ولا شك أن لختان الذكر فوائد دينية وصحية كثيرة ، فمن فوائده الدينية : الحفاظ على الطهارة التي هي شرط في الصلاة والطواف ونحوهما . ومن فوائده الصحية أنه يساعد على النظافة الشخصية ؛ لأن القلفة تمثل مستودعاً للإفرازات التي تولّد الرائحة الكريهة ، ثم هو يقي من الأمراض الخطيرة كسرطان الذكر وغيره ، كما أثبتت ذلك البحوث الطبية الموثوق بها ، التي أكدت أن أمراض عدوى الجهاز البولي أكثر شيوعاً في غير المختونين منها في المختونين .
ونظراً لجدوى الختان عملياً نجد أن من (80% ) إلى (90% ) من الذكور في الولايات المتحدة مختونون ؛ برغم أن الختان ممنوع حسب التعاليم النصرانية أو بالأحرى حسب تحريف بولس للشريعة النصرانية . وقد بدأ ختان الذكور في الولايات المتحدة منذ أواسط القرن التاسع عشر كإجراء وقائي ضد العادة السرية ، واعتقاداً بأنه علاج لأمراض كالصرع والإدمان والعمى . ولا تزال عمليات الختان تجري هناك إلى يومنا هذا - حتى من غير تخدير في (96% ) من الحالات - إلا أن معدل الختان بدأ يتناقص مؤخراً حتى وصل إلى (60% ) من المواليد الجدد ، وذلك نظراً للحملات الضارية التي بدأ يشنها المعارضون للختان هناك ممن قد ينخدع بهم بعض المبهورين بالغرب في عالمنا الإسلامي .

إنهم يعارضون الختان !!

ففي تقرير غريب نُشر في جريدة الرابطة الطبية الأمريكية سنة 1970م ، قام الدكتور " نويل بريستون " بتفنيد كل الحجج التي تؤيد الختان وتدعي جدواه ، وخلص "بريستون " في النهاية إلى أن كل الفوائد التي قد تتحقق بالختان يمكن تحقيقها إذا حافظ المرء على نظافته الشخصية . وقد واجه الكاتب مصاعب جمّة في التصدي للأبحاث العلمية التي تؤيد الختان حتى لجأ إلى ليّ ذراع الحقيقة في كثير من الأحيان . فمثلاً هناك بحث قدمه الدكتور "كميت" على مجموعة من المسلمين المختونين الذين يلتزمون بتعاليم الإسلام في يوغوسلافيا ، وعلى مجموعة أخرى من المسلمين المختونين الذين لا يلتزمون بالتعاليم الإسلامية ، وعلى مجموعة ثالثة من غير المسملين أي من غير المختونين ، فوجد من خلال دراسته أن سرطان الرحم بين النساء المعاشرات لغير المختونين نسبته (11) في الألف ، وأن النسبة (5.5) في الألف في حالة المسلمين غير الملتزمين ، بينما هي معدومة في حالة المسلمين الملتزمين . فهذا البحث يدل على جدوى الختان في الوقاية من نقل المرض بالمقارنة بين المجموعة المسلمة غير الملتزمة ، والمجموعة غير المختونة فالنسبة هي 5.5 : صفر ، فإذا بالدكتور "بريستون " يغض النظر عن ذلك ويقول إن المقياس هو الالتزام بالقواعد الدينية فيما يتعلق بالصحة الجنسية ، ومشروعيته المعاشرة والنظافة الشخصية ، وكأنه اقتصر على المقارنة بين المجموعتين المسلمتين المختونتين وغض الطرف عن المجموعة الأخرى غير المختونة !!
وفي مثال آخر لا يقل غرابة ، يذكر أن سرطان الذكر يقل بين الذكور المختونين عنه بين الذكور غير المختونين حسب الإحصائيات الطبية المعتبرة ، ثم يفند هذا الكلام بزعمه أن النظافة الشخصية هي المحك الرئيسي في هذا المضمار بدليل أن السويد وكل ذكورها غير مختونين لم يوجد بها عام 1960م إلا (15) حالة سرطان ذكر ، بينما هي أضعاف هذه النسبة في المجتمعات الفقيرة التي لا تعتني بالنظافة الشخصية غالباً ، رغم أن الذكور فيها مختونون . وهذا التعميم ينافي - كما لا يخفى - روح البحث العلمي النزيه إذ لو أراد الكاتب الإنصاف لعقد مقارنته بين مجموعتين تحت نفس الظروف من النظافة إحداهما مختونة والأخرى غير مختونة .
وقد تراجع الباحث في هذه النقطة بعض الشيء ، وذكر أن المجتمعات التي تضعف فيها الصحة الجنسية وتقل بها وسائل النظافة الشخصية وتكثر فيها الأمراض التناسلية ، تزيد فيها نسبة الإصابة بالسرطان البولي والتناسلي في الأوساط التي لا تمارس الختان عنها في الأوساط التي تمارسه ، ولكنه ينكص على عقبيه فجأة ليقول إن المجتمعات المتقدمة التي تقدس النظافة الشخصية ليس فيها أي مبرر لاجراء عملية الختان !!
ثم يخلص الدكتور "بريستون " في خاتمة تقريره المتحيز إلى أن ختان الطفل حديث الولادة إجراء غير ضروري ؛ لأنه يعطي فوائد مشكوكاً فيها ، بينما قد يؤدي إلى حدوث مخاطر ومضاعفات مؤكدة ، ولذا يوصي بأن يجرى الختان فقط إذا وجدت حاجة حقيقية إليه من الناحية الطبية ، لا أن يصير إجراءً عاماً لجميع الذكور .

الرد بالحقائق العلمية :
ونظراً لأن البحث بعيد كل البعد عن روح التجرد العلمي ومتحيز لفكرة مسبقة وهي إلغاء الختان ؛ ولذا فهو يلوي أعناق الحقائق بكل وسيلة معقولة أو غير معقولة ، كان لا بد من الرد عليه من خلال الحقائق العلمية الدامغة بعيداً عن الإغراض واتباع الهوى . ونظراً لأن الأبحاث المؤيدة للختان لا تكاد تُحصى فسنقتصر فقط على آخر هذه الأبحاث فيما يتعلق بجدوى الختان في الوقاية من طاعون العصر ، أو ما يسمى " بمرض الإيدز " الذي يسببه فيروس "إتش آي في " . ففي بحث قدمه الدكتور "توماس كوين " من جامعة "جون هوبكنز " في بالتيمور أمام المؤتمر السابع لعدوى الفيروسات الذي عُقد مؤخراً ، وحضره باحثون متخصصون في مرض الإيدز ، صرّح بأنه أجرى دراسة أثبتت أن الاصابة بالفيروس المسبب للإيدز لم تحدث فيمن أجرى دراسته عليهم من الرجال المختونين (جريدة الشرق القطرية بتاريخ 1/2/2000م) .

تقرير عن وقاية الختان من الإيدز
وفي بحث آخر هام أثبت فريق من الباحثين الاستراليين يرأسهم الدكتور "فاوس" أن الرجل غير المختون أكثر عرضة للإصابة بمرض نقص المناعة المكتسبة نتيجة الممارسة الطبيعية للجنس من الرجل المختون بنسبة (8 : 1) . وقد جاء هذا عقب تحليل معطيات أكثر من أربعين دراسة أجريت بهذا الصدد . وقد تبين للباحثين أن الفيروس المسبب للإيدز يستهدف خلايا "لانجرهانس" الموجودة في النسيج الداخلي لقلفة الرجل غير المختون وهذه الخلايات تحوي مجسات تستقبل الفيروس إذ تتميز بشدة الحساسية له "وللفرينيولم " مما يمثل خطراً كبيراً بالتعرض للإصابة . وقد بيّنت الدراسة أن الحشفة مغطاة بمادة قرنية كالتي تغطي السطح الخارجي لجذع القضيب مما يمثل حاجزاً واقياً ضد الإصابة .
أما مجرى البول ففيه نسبة من تلك الخلايا القابلة للإصابة ولكنها نسبة قليلة . أما مكمن الخطورة ففي السطح المخاطي الداخلي للقلفة الذي يتعرض للإفرازات المهبلية أثناء الاتصال الجنسي ، مما يجعل وصول الفيروس أمراً سهلاً .
ومن هنا أكدت الدراسة أن الختان وسيلة ممتازة للوقاية من الإيدز ، وأيضاً للتقليل من امكانية الإصابة بأمراض كالزهري والسيلان ، حيث وجد أن احتمال العدوى بها في المختون أقل منه في غير المختون بنسبة (2 : 5 ) .
وقد جاءت هذه النتائج المذهلة في دراسة أجراها فريق البحث في أوغندا على عدد من المتزوجين ممن لهم زوجات يحملن مرض الإيدز ، فعلى مدار (30 ) شهراً ، ومع المعاشرة الجنسية غير المحمية لم يصب أيٌ من (50) رجلاً مختوناً بالفيروس ، في حين تعرض (40) رجلاً من جملة ( 137) رجلاً غير مختونين للإصابة ، بالرغم من استخدامهم الواقيات الذكرية التي غالباً ما تستخدم بطريقة غير صحيحة أو ربما تتمزق أثناء الاستعمال . وهذا يعني أن نسبة الإصابة في المختونين معدومة بينما هي في غير المختونين بلغت (29% ) .

أهمية هذا التقرير

يأتي هذا التقرير في ذروة الاهتمام العالمي بمرض الإيدز الذي صار يمثل كابوساً رهيباً للبشرية ، والذي يصيب - رغم كل الجهود العالمية المبذولة على مدار (17) عاماً مضت شخصاً كل (11) ثانية ، والذي يحصد أرواح عشرات الآلاف من البشر ويهدد بإهلاك المزيد ، إذ يوجد حسب الإحصائيات الرسمية في العالم الآن (33) مليوناً من البشر يحملون الفيروس ، منهم (28) مليوناً يعيشون في الدول النامية . وهذا جدول يبين عدد الاصابات في مختلف مناطق الكرة الأرضية :


المنطقة عدد الإصابات

إفريقيا السوداء
22 مليوناً و300 ألف

جنوب وجنوب شرق آسيا
6 ملايين

أمريكا الجنوبية
مليون و 300 ألف

أمريكا الشمالية
920 ألفاً

شرق آسيا ومنطقة المحيط الهادي
530 ألفاً

أوروبا الغربية
520 ألفاً

منطقة بحر الكاريبي
360 ألفاً

أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى
360 ألفاً

شمال إفريقيا والشرق الأوسط
220 ألفاً

أستراليا
12 ألفاً


والعجيب أن الإحصائيات الرسمية التي تضمنها هذا الجدول تفيد أن خمسة ملايين وثمانمائة ألف من هذه الإصابات حدثت في عام 1999م وحده ، مما يدل على تنامي خطورة هذا المرض الذي تدل الاحصائيات غير الرسمية على أن مقدار المصابين به في العالم الآن لا يقل عن خمسين مليوناً من البشر نصفهم من الرجال . فعلى أساس التقرير السابق يكون الختان إجراءً شبه ضروري لوقف زحف هذا المرض الرهيب ؛ لأن نسبة إصابة الرجال بالإيدز حسب الدراسات العلمية تحدث عن طريق القضيب في (75%) إلى (85% ) من الحالات . ومعظم هذه تحدث عن طريق الاتصال المهبلي ، وبعضها يحدث عن طريق الاتصال الشرجي . فالختان هو أرخص وسيلة للوقاية من الإيدز الذي تصل تكلفة التداوي منه عشرات الآلاف من الدولارات للشخص الواحد مما لا يتسنى للفرد في الدول الفقيرة التي تمثل قرابة (90%) من الإصابة بهذا المرض العضال عالمياً .

تعليق على الموضوع

مما سبق تتجلى لنا فائدة الختان علمياً ، حسب ما أكدته آخر الأبحاث العلمية المتعلقة بمرض من أشد الأمراض فتكاً ، وهذا يفند كل حجة واهية تدعي عدم جدوى الختان أوحتى قلّة أهميته . وعندما نقرأ تلك الأبحاث نشعر بأن البشرية مهما بعدت عن منهج الله فستصل في النهاية إلى النقطة التي تعلم فيها يقيناً أن الحق هو ما جاء به الأنبياء . وهذا مصداق قول الله تعالى : (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد) (فصلت : 53) .


العفة قبل الختان

أما الوقاية من الإيدز فموضوع أكبر من مجرد إجراء الختان ، لأن الإيدز لم يظهر بسبب ترك الناس الختان بقدر ما طهر بسبب تعاطيهم الفاحشة وممارستهم الرذيلة ، وما لم يقلع الناس عن هذا الجرم العظيم ، فلن تنجو البشرية من كابوس الإيدز إلا على رؤية كابوس آخر أطمّ وأعظم . يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن ماجه عن عبدالله بن عمرو : "لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم " . (صحيح الجامع) فما الإيدز إلا جندي من جنود الله تعالى سلطه على من خالفوا فطرته ، وتعاطوا الفاحشة والشذوذ الذي تترفع عنه البهائم العجماء . وبنظرة سريعة على خريطة انتشار الإيدز في بقاع الأرض اليوم ، يتبين لنا أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا - حيث سيطرة قيم الإسلام وأخلاقياته - هي أقل مناطق العالم إصابة باستثناء استراليا التي يقل فيها الإيدز لقلة كثافتها السكانية . فمحاربة الإيدز تكون أول ما تكون بنشر قيم العفة والطهارة ، وليس بممارسة الختان فقط ، ولذا فمن الخطأ أن نقول للناس اختتنوا كيلا تصابوا بالإيدز وإنما الصواب أن نقول لهم عفواً كيلا تصابوا بالإيدز ولا بغير الإيدز . نسأل الله العافية .





المصدر: الشبكة الإسلامية.