التوســل

هو القيام ببعض القُرب للتقرب من المطلوب فيحصل المطلوب


والمقصود هنا بيان حقيقة التقرب الى الرب سبحانه بالطرق الشرعية


قال الخليل في العين "
وسّلتُ إلى ربي وَسِيلةً أي عَمِلت عَمَلا أتقرّب به إليه وتوسّلتُ إلى فلانٍ بكتابٍ أو قرابة أي تقربت به إليه قال لبيد
... بَلَى كل ذي لُبٍّ إلى الله واسلُ "



وذكر ابن فارس في مقاييس اللغة في الوسل "
الرَّغْبة والطَّلَب يقال وَسَلَ، إذا رَغِب. والواسِل: الراغب إلى الله عزَّ وجل، وهو في قول لبيد: بلى كلُّ ذي دينٍ إلى اللهِ وَاسِلُ

ومن ذلك القياس الوَسِيلة."




يقول الله جل جلاله " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون " المائدة 35

فالوسيلة هي القربة كما ذكر ذلك ابن عباس ( ابن كثير)

وقال جل جلاله " أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا" الإسراء 57

قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه في تفسير الآية " قال كان نفر من الجن أسلموا وكانوا يعبدون فبقي الذين كانوا يعبدون على عبادتهم وقد أسلم النفر من الجن" متفق عليه




فَالحاصل ان الوَسِيلة ما يتقرب به إلى الغير والجمع الوَسِيلُ و الوَسَائِل و التَّوْسِيل و التَّوَسُّل واحد يقال وَسَّل فلان إلى ربه وسيلة بالتشديد و تَوَسَّل إليه بوسيلة إذا تقرب إليه بعمل.( مختار الصحاح)

و في حديث الأذان [ الَّلهُمَّ آتِ محمداً الوَسِيلَة ] هي في الأصْل : ما يُتَوَصَّلُ به إلى الشَّيْء ويُتَقَرَّبُ به وجَمْعُها : وَسائِلُ . يُقال : وَسَلَ إليه وَسيلَة وتَوَسَّل .


والمُراد به في الحديث القُرْبُ من اللَّه تعالى , وقِيل هي الشَّفاعة يومَ القِيامة .( النهاية في غريب الحديث)


فالتقرب الى الله بالعمل الصالح لا بد من أن يكون على مراد الله عز وجل فلا يُعبد الله ولا يتقرب اليه الا بما شرع , وما رضي وما أحب. فهو سبيلٌ وطريقٌ واحدٌ متمثلٌ بإتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم وهو المتقرر في شهادة كل موحد بشهادة ان لا اله الا الله وان محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم

فلا بد للعمل الصالح من اخلاص لله عز وجل ولابد للعمل الخالص لله من سنة فلا يقبل الله العمل الا اذا كان خالصاً , ولا يقبل العمل الصالح الا اذا كان على السنة

وكما لا يقبل العمل الذي على السنة الا اذا كان خالصاً , كما قال تعالى " فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا " الكهف 110

فالعمل الصالح = هو ما كان على سنة النبي صلى الله عليه وسلم
ولا يشرك بعبادة ربه= أي ان يكون خالصا لله ( طبعا على التفريق فيما اذا كان الشرك اصغراً او اكبرا)



فعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "قال الله تبارك وتعالى أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه" مسلم


فإذا تقرر هذا فلابد من تبيين التوسل المشروع وتزييف التوسل المبتور كالتوسل بذوات الأنبياء أو حقهم أو حرمتهم أو جاههم أو الصالحين أو سيدي بو علم! ... نتوسل اليك يا الله بجاه فلان الفلاني ونتوسل .... الخ هذا التوسل الغير مشروع


التوسل المشروع:.

1-التوسل بأسماء الله تعالى وصفاته:.
قال الله "ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها " الأعراف 180
أي: ادعوا الله تعالى متوسلين إليه بأسمائه الحسنى

عن أنس : أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا ورجل يصلي ثم دعا اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي ياقيوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى. " رواه ابوداود وصححه الالباني


وحديث عمار بن ياسر رضي الله عنه.... قال أما إني دعوت فيها بدعاء كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو به اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيرا لي وتوفني إذا علمت الوفاة خيرا لي..."
النسائي واحمد وصححه الأرناؤوط



2-التوسل إلى الله تعالى بعمل صالح قام به الداعي:.
قال الله " الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار "آل عمران : 16

وقوله " ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين " آل عمران 53

وقوله " إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار " آل عمران 193 - 194

وقوله تعالى " إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين " المؤمنون 109



وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( انطلق ثلاثة رهط ممن كان قبلكم حتى أووا المبيت إلى غار فدخلوه فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار فقالوا إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعو الله بصالح أعمالكم

فقال رجل منهم اللهم: كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالا فناء بي في طلب شيء يوما فلم أرح عليهما حتى ناما فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين وكرهت أن أغبق قبلهما أهلا أو مالا فلبثت والقدح على يدي أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر فاستيقظا فشربا غبوقهما اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة فانفرجت شيئا لا يستطيعون الخروج

قال النبي صلى الله عليه وسلم وقال الآخر
: اللهم كانت لي بنت عم كانت أحب الناس إلي فأدرتها عن نفسها فامتنعت مني حتى ألمت بها سنة من السنين فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها ففعلت حتى إذا قدرت عليها قالت لا أحل لك أن تفض الخاتم إلا بحقه فتحرجت من الوقوع عليها فانصرفت عنها وهي أحب الناس إلي وتركت الذهب الذي أعطيتها اللهم إن كنت فعلت ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها

قال النبي صلى الله عليه وسلم وقال الثالث : اللهم إني استأجرت أجراء فأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب فثمرت أجره حتى كثرت منه الأموال فجاءني بعد حين فقال يا عبد الله أد إلي أجري فقلت له كل ما ترى من أجرك من الإبل والبقر والغنم والرقيق فقال يا عبد الله لا تستهزئ بي فقلت إني لا أستهزئ بك فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئا اللهم فإن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون
" متفق عليه


(رهط ) ما دون العشرة من الرجال ولا يكون فيهم امرأة ولا واحد له من لفظه .
( أووا المبيت ) التجؤوا إلى موضع ليبيتوا فيه .
( أغبق ) من الغبوق وهو شرب العشي .
( فناء بي ) بعد .
( أرح ) أرجع .
( فأردتها عن نفسها ) كناية عن طلب الجماع .
( ألمت بها سنة ) نزلت بها سنة من سني القحط فأحوجتها .
( الرقيق ) المملوك يطلق على الواحد والجمع والذكر والأنثى



3-التوسل إلى الله تعالى بدعاء الرجل الذي يحسب فيه الصلاح وتقوى الله :.

طبعا لمعرفة هذا الصنف من الناس ننظر هل هو من اهل المساجد وعمارها هل هو ممن يعظم حرمات الله ان تنتهك وهل يلتمس مرضاة الله عز وجل واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم فهذا هو المقياس والمعيار لكي لا يلتبس اولياء الشيطان بأولياء الرحمن , قال الله " ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون"
يونس62-63


وعن عمرو بن جرير أن عمر بن الخطاب قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم " إن من عباد الله لأناسا ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله تعالى " قالوا يارسول الله تخبرنا من هم ؟ قال " هم قوم تحابوا بروح الله ( فسروه بالقرآن . كذا قال الخطابي ) على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها فو الله إن وجوههم لنور وإنهم على نور لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس وقرأ هذه الآية " ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون" رواه ابو داود وصححه الألباني

بروح الله : أي هو الحب في الله


ودليل جواز التوسل بدعاء الرجل الصالح

ما ثبت عن أنس بن مالك قال: أصابت الناس سنة على عهد النبي صلى الله عليهه وسلم فبينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب في يوم جمعة قام أعرابي فقال يا رسول هلك المال وجاع العيال فادع الله لنا . فرفع يديه وما نرى في السماء قزعة فوالذي نفسي بيده ما وضعها حتى ثار السحاب أمثال الجبال ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته صلى الله عليه وسلم فمطرنا يومنا ذلك ومن الغد وبعد الغد والذي يليه حتى الجمعة الأخرى .
وقام ذلك الأعرابي أو قال غيره فقال يارسول الله تهدم البناء وغرق المال فادع الله لنا . فرفع يديه فقال ( اللهم حوالينا ولا علينا ) . فما يشير بيده إلى ناحية من السحاب إلا انفرجت وصارت المدينة مثل الجوبة وسال الوادي قناة شهرا ولم يجىء أحد من ناحية إلا حدث بالجود
" متفق عليه


(سنة ) شدة وجهد وقحط .
( العيال ) هم كل من يعوله الرجل ويقوم بالإنفاق عليه . ( قزعة ) قطعة غيم أو الغيم الرقيق .
( يتحادر ) ينزل ويقطر . ( حوالينا ) أنزل المطر في جوانبنا . ( الجوبة ) الفرجة المستديرة في السحاب أو أحاطت بها المياه كالحوض المستدير . ( قناة ) اسم لواد معين من أودية المدينة . ( بالجود ) المطر الغزير




و عن أنس: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا قال فيسقون" بخاري

قال الألباني" ومعنى قول عمر : إنا كنا نتوسل إليك بنبينا صلى الله عليه وسلم وإنا نتوسل إليك بعم نبينا أننا كنا نقصد نبينا صلى الله عليه وسلم ونطلب منه أن يدعو لنا ونتقرب إلى الله بدعائه والآن وقد انتقل صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى ولم يعد من الممكن أن يدعو لنا فإننا نتوجه إلى عم نبينا العباس ونطلب منه أن يدعو لنا وليس معناه أنهم كانوا يقولون في دعائهم :

اللهم بجاه نبيك اسقنا ثم أصبحوا يقولون بعد وفاته صلى الله عليه وسلم : اللهم بجاه العباس اسقنا لأن مثل هذا دعاء مبتدع ليس له أصل في الكتاب ولا في السنة ولم يفعله أحد من السلف الصالح رضوان....

وذكر ايضا" ومن ذلك أيضا ما رواه الحافظ ابن عساكر رحمه الله تعالى في ( تاريخه ) بسند صحيح عن التابعي الجليل سليم ابن عامر الحبائري :أن السماء قحطت فخرج معاوية بن أبي سفيان وأهل دمشق يستسقون فلما قعد معاوية على المنبر قال : أين يزيد بن الأسود الحرشي ؟

فناداه الناس فأقبل يتخطى الناس فأمره معاوية فصعد على المنبر فقعد عند رجليه فقال معاوية : اللهم إنا نستشفع إليك اليوم بخيرنا وأفضلنا اللهم إنا نستشفع إليك اليوم بيزيد بن الأسود الحرشي يا زيد ارفع يديك إلى الله فرفع يديه ورفع الناس أيديهم فما كان أوشك أن ثارت سحابة في الغرب كأنها ترس وهبت لها ريح فسقتنا حتى كاد الناس أن لا يبلغوا منازلهم...

وروى ابن عساكر أيضا بسند صحيح أن الضحاك بن قيس خرج يستسقي بالناس فقال ليزيد بن الأسود أيضا : قم يا بكاء ( زاد في رواية : فما دعا إلا ثلاثا حتى أمطروا مطرا كادوا يغرقون منه)

فهذا معاوية رضي الله عنه أيضا لا يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم لما سبق بيانه وإنما يتوسل بهذا الرجل الصالح : يزيد بن الأسود رحمه الله تعالى فيطلب منه أن يدعو الله تعالى ليسقيهم ويغيثهم ويستجيب الله تبارك وتعالى طلبه , وحدث مثل هذا وفي ولاية الضحاك ابن قيس أيضا.

استفيدت اكثر هذه المادة من التوسل للالباني