صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 15 من 26

الموضوع: هذا الإسلام - رياض الصالحين

  1. #1

    Exclamation هذا الإسلام - رياض الصالحين


    هذا الإسلام .. رياض الصالحين ..

    كلما قرأت كلاما ًلتائهٍ مسلم ينتقد فيه الإسلام ويصفه بالإضلال وسائر المنقصات :
    أدركت كمّ الجهل بالدين الذي انتشر للأسف في طبقات المجتمعات الإسلامية وشبابها !
    للدرجة التي بات الواحد فيهم يقرأ لكلام المستشرقين والنصارى والملاحدة في نقدهم للإسلام :
    وهو لم يقرأ القرآن نفسه في حياته ولم يكمله ولو مرة واحدة !!!..
    ولو كان قرأه :
    لكان رأى كمّ الجهالات التي تملأ رؤس القوم وكمّ السواد الذي يملأ قلوبهم !!..
    وما قيل عن القرآن : يقال عن السنة أيضا ً..
    حيث بات هؤلاء الضالين لا يقرأون منها إلا أحاديث الشبهات المُعتمدة عند أعداء الدين !!..
    والتي لو قرأوا لكلام العلماء فيها وشرحها وبيان مشتبهها : لأدركوا كمّ السفه الذي هم فيه !
    وأما التعرف على النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وتفاصيل الدين من الأحاديث :
    فلم يزل مطموسا ًلديهم للأسف ..!

    ولكم وددت أني بضغطة زر ٍواحدة :
    أنقل لكم مسلم ومسلمة ما أنعم الله تعالى عليّ بقراءته - وهو قليل - من :
    كتب السيرة والزهد والرقائق وأخلاق الإسلام ومكارمه وفضائل الصحابة والتابعين والصالحين :
    تلامذة هذا الدين الخاتم العظيم ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم !!!..

    ولكن لا بأس ...
    يُقال : أشعل شمعة : بدلا ًمن لعن الظلام ...!
    وفي ديننا العظيم : ذمٌ لليأس والاستسلام وإنما :
    حث ٌعلى العمل والاجتهاد حتى آخر لحظة من حياتك .. لا .. بل :
    حتى آخر لحظة من الدنيا لو افترضنا أنك أدركتها كمسلم !!!.. يقول رسولنا الكريم :
    " إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة : فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها :
    فليغرسها
    " !!.. رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني ..
    والفسيلة هي النخلة الصغيرة - ولاحظوا أن النخل من أطول النباتات وقتا ًحتى يكبر ! -

    ومن هنا ...
    فسأحاول بقدر الإمكان بداية هذا الطريق الشاق لمَن أراد أن يتعرف على الإسلام من داخله ..
    وبنصوصه هو : لا نصوص أعدائه وشانئيه .. ويتعرف على أخلاق وتعاليم نبيه العدنان ..
    وقد اخترت بعون الله وتوفيقه البدء بعرض كتاب : (( رياض الصالحين )) :
    للإمام النووي (يحيى بن شرف النووي الدمشقي 631 : 676هـ) ..



    ويتكون الكتاب من :

    المقدمة | كتاب المقدمات | كتاب الأدب | كتاب أدب الطعام | كتاب اللباس | كتاب آداب النوم والاضطجاع | كتاب السلام | كتاب عيادة المريض | كتاب آداب السفر | كتاب الفضائل | كتاب الاعتكاف | كتاب الحج | كتاب الجهاد | كتاب العلم | كتاب حمد الله تعالى وشكره | كتاب الصلاة على رسول الله | كتاب الأذكار | كتاب الدعوات | كتاب الأمور المنهي عنها | كتاب المنثورات والملح | كتاب الاستغفار ..

    وتحت كل كتاب منها : مجموعة من الأبواب تتفاوت في عددها كثرة ًوقلة ً...

    وعلى كثرة أحاديث رياض الصالحين التي تعدت الـ 1900 حديث تقريبا ً:
    فإنه يوجد منها فقط 57 حديث ضعيف : هذا أولهم .. وهذا لا يقدح فيه أبدا ًبل هو مما يُعد له لا عليه ..
    ولمَن أراد الاطلاع عليهم مجموعين : من الرابط التالي :
    http://www.saaid.net/Doat/ehsan/145.htm

    وأبدأ معكم على بركة الله تعالى من كتاب المقدمات ..
    وفيه أبواب كثيرة :

    باب الإخلاص وإحضار النية | باب باب التوبة | باب الصبر | باب الصدق | باب المراقبة | باب التقوى | باب اليقين والتوكل | باب الاستقامة | باب التفكر في عظيم مخلوقات الله تعالى | باب المجاهدة | باب الحث على الازدياد من الخير في أواخر العمر | باب بيان كثرة طرق الخير | باب الاقتصاد في العبادة | باب المحافظة على الأعمال | باب الأمر بالمحافظة على السنة وآدابها | باب وجوب الانقياد لحكم اللَّه تعالى | باب النهي عن البدع ومحدثات الأمور | باب من سن سنة حسنة أو سيئة | باب الدلالة على خير والدعاء إلى هدى أو ضلالة | باب التعاون على البر والتقوى | باب النصيحة | باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر | باب تغليظ عقوبة من أمر بمعروف أو نهى عن منكر وخالف قوله فعله | باب الأمر بأداء الأمانة | باب تحريم الظلم والأمر برد المظالم | باب تعظيم حرمات المسلمين وبيان حقوقهم والشفقة عليهم ورحمتهم | باب ستر عورات المسلمين والنهي عن إشاعتها لغير ضرورة | باب قضاء حوائج المسلمين | باب الشفاعة | باب الإصلاح بين الناس | باب فضل ضعفة المسلمين والفقراء الخاملين | باب ملاطفة اليتيم والبنات وسائر الضعفة والمساكين | باب الوصية بالنساء | باب حق الزوج على المرأة | باب النفقة على العيال | باب الإنفاق مما يحب ومن الجيد | باب وجوب أمر أهله وأولاده بطاعة الله تعالى | باب حق الجار والوصية به | باب بر الوالدين وصلة الأرحام | باب تحريم العقوق وقطيعة الرحم | باب بر أصدقاء الأب والأم | باب إكرام أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيان فضلهم | باب توقير العلماء والكبار وأهل الفضل | باب زيارة أهل الخير ومجالستهم وصحبتهم ومحبتهم | باب فضل الحب في الله والحث عليه | باب علامات حب الله تعالى للعبد | باب التحذير من إيذاء الصالحين | باب إجراء أحكام الناس على الظاهر | باب الخوف | باب الرجاء | باب فضل الرجاء | باب الجمع بين الخوف والرجاء | باب فضل البكاء | باب فضل الزهد في الدنيا | باب فضل الجوع وخشونة العيش | باب القناعة والقفاف والاقتصاد | باب جواز الأخذ من غير مسألة | باب الحث على الأكل من عمل يده | باب الكرم والجود والإنفاق | باب النهى عن البخل والشح | باب الإيثار والمواساة‏ | باب التنافس في أمور الآخرة | باب فضل الغني الشاكر | باب ذكر الموت وقصر الأمل | باب استحباب زيارة القبور للرجال | باب كراهة تمنى الموت | باب الورع وترك الشبهات | باب استحباب العزلة عند فساد الناس | باب فضل الاختلاط بالناس حضور جمعهم وجماعاتهم | باب التواضع وخفض الجناح للمؤمنين | باب تحريم الكبر والإعجاب | باب حسن الخلق | باب الحلم والأناة والرفق | باب العفو والإعراض عن الجاهلين | باب احتمال الأذى | باب الغضب إذا انتهكت حرمات الشرع | باب أمر ولاة الأمور بالرفق برعاياهم | باب الوالى العادل | باب وجوب طاعة ولاة الأمر | باب النهى عن سؤال الإمارة | باب حث السلطان والقاضي | باب النهى عن تولية الإمارة والقضاء ..

    يـُتبع إن شاء الله ..
    التعديل الأخير تم 01-13-2012 الساعة 09:29 PM

  2. #2

    افتراضي


    كتاب المقدمات ..
    باب الإخلاص وإحضار النية فى جميع الأعمال والأقوال البارزة والخفية ..


    قال الله تعالى :
    {‏وما أ ُمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة‏}‏ ‏(‏‏(‏البينة‏:‏5‏)‏‏)‏
    قال الله تعالى :
    {‏لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم‏}‏ ‏(‏‏(‏الحج‏:‏ 37‏)‏‏)‏
    قال الله تعالى :
    {‏قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله‏}‏ ‏(‏‏(‏آل عمران‏:‏29‏)‏‏) ‏‏.‏

    1 - وعن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن قرط بن رزاح بن عدى بن لؤى ابن غالب القرشى العدوى رضي الله عنه قال ‏:‏ سمعت رسول الله يقول‏ :‏ ‏"‏ إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرىء ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها ، أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق على صحته ‏ , رواه إماما المحدثين‏ :‏ أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيرى النيسابورى رضي الله عنهما في صحيحهما اللذين هما أصح الكتب المصنفة‏)‏‏)‏‏.‏

    2 - وعن أم المؤمنين أم عبد الله عائشة رضي الله عنها (وأم عبد الله هي كنيتها فهي لم تلد) قالت ‏:‏ قال رسول الله ‏:‏ ‏"‏يغزو جيشٌ الكعبة (وذلك عند ظهور المهدي ومبايعته عند الكعبة) فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم وآخرهم‏"‏‏ .‏
    قالت‏ :‏ قلت‏ :‏ يارسول الله ، كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم‏ ! ‏‏؟‏
    قال‏ :‏ ‏"‏يخسف بأولهم وآخرهم ، ثم يبعثون على نياتهم‏
    "‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه ‏,‏ هذا لفظ البخاري‏)‏‏) ‏‏.‏

    3 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال النبي :‏ ‏"‏ لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية ، وإذا استنفرتم (أي إلى الجهاد) فانفروا‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏) ‏‏.‏
    ‏‏ومعناه ‏:‏ لا هجرة من مكه لأنها صارت دار إسلام .

    4 - وعن أبي عبد الله جابر بن عبد الله الأنصارى رضي الله عنهما قال‏ :‏ كنا مع النبي في غزاةٍ فقال‏ :‏‏"‏إن بالمدينة لرجالاً ماسرتم مسيراً ، ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم حبسهم المرض‏"‏ .
    وفى رواية ‏:‏ ‏"‏إلا شاركوكم في الأجر‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه مسلم‏)‏‏) ‏‏.‏
    ‏(‏‏(‏ورواه البخاري‏)‏‏)‏ عن أنس رضي الله عنه قال ‏:‏ رجعنا من غزوة تبوك مع النبي فقال‏ :‏ ‏"‏ إن أقواماً خلفنا بالمدينة ما سلكنا شعباً ولا وادياً إلا وهم معنا ، حبسهم العذر‏" ‏‏.‏

    5 - وعن أبي يزيد معن بن يزيد بن الأخنس رضي الله عنهم ، وهو وأبوه وجده صحابيون ، قال‏ :‏ كان أبي يزيد أخرج دنانير يتصدق بها فوضعها عند رجل في المسجد فجئت فأخذتها (وكان محتاجا ًللمال) فأتيته بها ، فقال‏ :‏ والله ما إياك أردت (أي قصدت بنيتي التصدق على الرجل الآخر في المسجد) ، فخاصمته إلى رسول الله فقال‏ :‏ ‏"‏ لك ما نويت يا يزيد (أي لك أجر نيتك) ، ولك ما أخذت يا معن‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه البخاري‏)‏‏) ‏‏.‏

    6 - وعن أبي إسحاق سعد بن أبي وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤى القرش الزهرى رضي الله عنه ، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة ، رضي الله عنهم ، قال‏ :‏ ‏"‏ جاءنى رسول الله يعودنى عام حجة الوداع من وجع اشتد بى فقلت‏ :‏ يا رسول الله إني قد بلغ بى من الوجع ما ترى ، وأنا ذو مال ولا يرثنى إلا ابنة لي ، أفأتصدق بثلثي ما لي (وكان يتوقع الموت في مرضه هذا) ؟‏ قال‏ :‏ لا ، قلت ‏:‏ فالشطر يارسول الله‏ ؟‏ فقال ‏:‏ لا ، قلت‏ :‏ فالثلث يا رسول الله‏ ؟‏ قال الثلث والثلث كثير - أو كبير - إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس ، وإنك لن تنفق نفقة تبتغى بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في فيّ (أي فم) امرأتك قال‏ :‏ فقلت ‏:‏ يا رسول الله أخلف بعد أصحابي ‏؟‏ قال ‏:‏ إنك لن تخلف فتعمل عملا تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعةً ، ولعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويُضَر بك آخرون (وهو ما وقع بالفعل حيث عاش سعد حتى قام بالفتوحات العظيمات في بلاد فارس) ‏.‏ اللهم امض لآصحابى هجرتهم ، ولا تردهم على أعقابهم ، لكن البائس سعد بن خولة‏"‏ يرثى له رسول الله أن مات بمكة ‏. ‏‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏) ‏‏.‏

    7 - وعن أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه قال قال رسول الله :‏ ‏"‏ إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ، ولا إلى صوركم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ‏"‏ . ‏(‏‏(‏رواه مسلم‏)‏‏)‏‏ .‏

    8 - وعن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعرى رضي الله عنه قال ‏:‏ سُئل رسول الله عن الرجل يقاتل شجاعة (أي ليُثبت شجاعته وجرأته وقوته) ، ويقاتل حَمَيةً (أي تعصبا ًلجهة ما) ، ويقاتل رياء (أي ليتحدث الناس عنه بالمدح) ، أى ذلك في سبيل الله‏ ؟‏ فقال رسول الله :‏ ‏"‏ مَن قاتل لتكون كلمة الله هى العليا فهو في سبيل الله‏"‏ . ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏‏.‏

    9 - وعن أبي بكرة نفيع بن الحارث الثقفى رضي الله عنه أن النبي قال‏ :‏ ‏"‏إذ التقى المسلمان بسيفيهما (أي بغير حق) فالقاتل والمقتول في النار‏"‏ قلت يارسول الله ، هذا القاتل (أي يستحق ذلك) فما بال المقتول ‏؟‏!! قال‏ :‏ ‏"‏إنه كان حريصاً على قتل صاحبه‏"‏ ‏. (‏متفق عليه‏)‏

    10 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله ‏:‏ ‏"‏صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في سوقه وبيته بضعاً وعشرين درجه وذلك أن أحدهم إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد لا يريد إلا الصلاة ، لا ينهزه إلا الصلاة ، لم يخط خطوة إلا رفع له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد ، فإذا دخل المسجد كان في الصلاة ما كانت الصلاة هى تحبسه ، والملائكة يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذى صلى فيه ، ما لم يحدث فيه‏"‏ ‏. (‏‏(‏متفق عليه، وهذا لفظ مسلم‏)‏‏)‏‏ .‏
    وقوله :‏ ‏ينهزه‏ ‏ هو بفتح الياء والهاء وبالزاى ‏:‏ أى يُخرجه ويُنهضه‏ .

    11 - وعن أبي العباس عبد الله بن عباس بن عبد المطلب رضي الله عنهما ، عن رسول الله ، فيما يروى عن ربه تبارك وتعالى قال‏ :‏ ‏"‏ إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك‏ :‏ فمن همّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله تبارك وتعالى عنده حسنة كاملة ، وإن هم بها فعملها كتبها الله عشر حسنات إلى سبعمائه ضعف إلى أضعاف كثيرة ، وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة ، وإن همّ بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة ‏"‏ ‏. (‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏) ‏‏.‏

    12 - وعن أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنهما قال ‏:‏ سمعت رسول الله يقول‏ :‏ ‏"‏ انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوه ، فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار ، فقالوا‏ :‏ إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم‏ .‏

    قال رجل منهم ‏:‏ اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران ، وكنت لا أغبق
    (أي أعطي اللبن) قبلهما أهلاً (أي زوجته وأولاده) ولا مالا ً(أي ولا أبيعه قبل أن يشربا منه).‏ فنأى بى طلب الشجر يوماً (أي أخرني) فلم أرح عليهما (أي أرجع لهما) حتى ناما فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين فكرهت أن أوقظهما وأن أغبق قبلهما أهلاً أو مالاً ، فلبثت - والقدح على يدى - أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر والصبية يتضاغون عند قدمى (يريدون شرب اللبن) - فاستيقظا فشربا غبوقهما‏ .‏ اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة ، فانفرجت شيئاً لا يستطيعون الخروج منه ‏.‏

    قال الآخر‏ :‏ اللهم إنه كانت لي ابنة عم كانت أحب الناس إلىّ ‏"‏
    .
    (وفى رواية‏ :‏ ‏"‏كنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء) ، فأردتها على نفسها (أي للجماع) فامتنعت منى حتى ألمّت بها سنة من السنين (أي سنة فقر وعوزة شديدين) فجاءتنى فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلى بينى وبين نفسها ففعلت (أي وافقته لشدة حاجتها للمال) ، حتى إذا قدرت عليها‏"‏ .
    وفى رواية‏ :‏ ‏"‏فلما قعدت بين رجليها ، قالت‏ :‏ اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه ، فانصرفت عنها وهى أحب الناس إلى وتركت الذهب الذى أعطيتها ، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه ، فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها‏ .‏

    وقال الثالث‏ :‏ اللهم استأجرت أجراء
    (أي عمال بالأجرة) وأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذى له وذهب ، فثمّرت أجره (أي استثمرته) حتى كثرت منه الأموال ، فجاءنى بعد حين فقال‏ :‏ يا عبد الله أدّ إلى أجرى ، فقلت‏ :‏ كل ما ترى من أجرك‏ :‏ من الإبل والبقر والغنم والرقيق ‏.‏ فقال‏ :‏ يا عبد الله لا تستهزئ بى‏ !‏ فقلت‏ :‏ لا أستهزئ بك ، فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئاً ، اللهم إن كنتُ فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه ، فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون‏"‏ ‏ . (‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏) ‏‏.‏

    يُـتبع إن شاء الله بباب التوبة ..
    التعديل الأخير تم 01-13-2012 الساعة 10:38 PM

  3. افتراضي

    بارك الله فيك ، أنت تتكلم عن كتاب مبارك وضع الله له القبول في الأرض ، ولهذا قال شيخنا ابن العثيمين رحمه الله أن سبب إنتشار الكتاب هو بسبب إخلاص المؤلف رحمه الله ...
    شرحه شيخنا ابن العثيمين رحمه الله في 6 مجلدات ، وشرحه المؤلف نفسه رحمه الله ، ويوجد شروحات أخرى ...
    واللهِ لَوْ عَلِمُوا قَبِيحَ سَرِيرَتِي....لأَبَى السَّلاَمَ عَلَيَّ مَنْ يَلْقَانِي
    وَلأَعْرضُوا عَنِّي وَمَلُّوا صُحْبَتِي....وَلَبُؤْتُ بَعْدَ كَرَامَةٍ بِهَوَانِ
    لَكِنْ سَتَرْتَ مَعَايِبِي وَمَثَالِبِي....وَحَلِمْتَ عَنْ سَقَطِي وَعَنْ طُغْيَاني
    فَلَكَ الَمحَامِدُ وَالمَدَائِحُ كُلُّهَا....بِخَوَاطِرِي وَجَوَارِحِي وَلِسَانِي
    وَلَقَدْ مَنَنْتَ عَلَيَّ رَبِّ بِأَنْعُمٍ....مَا لِي بِشُكرِ أَقَلِّهِنَّ يَدَانِ

  4. #4

    افتراضي


    كتاب المقدمات ..
    باب التوبة ..


    قال العلماء‏ :‏ التوبة واجبة من كل ذنب ، فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلق بحق آدمى ، فلها ثلاثة شروط‏ :‏
    أحدها ‏:‏ أن يقلع عن المعصية‏ .‏
    والثانى‏ :‏ أن يندم على فعلها ‏.‏
    والثالث‏ :‏ أن يعزم أن لا يعود إليها أبداً‏ .‏
    فإن فُقد أحد الثلاثة لم تصح توبته ‏.‏

    وإن كانت المعصية تتعلق بآدمى فشروطها أربعة‏:‏ هذه الثلاثة ، وأن يبرأ من حق صاحبها ، فإن كانت مالاً أو نحوه رده إليه ، وإن كانت حد قذف ونحوه مكنه منه أو طلب عفوه ، وإن كانت غيبة استحله منها‏ .‏
    ويجب أن يتوب من جميع الذنوب ، فإن تاب من بعضها صحت توبته عند أهل الحق من ذلك الذنب ، وبقى عليه الباقى‏ .‏
    وقد تظاهرت دلائل الكتاب، والسنة ، وإجماع الأمة على وجوب التوبة‏ :‏
    قال الله تعالى :
    {‏وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون‏}‏ ‏(‏‏(‏النور‏:‏ 31‏)‏‏)‏
    قال الله تعالى :
    {‏استغفروا ربكم ثم توبوا إليه‏}‏ ‏(‏‏(‏هود‏:‏ 3‏)‏‏)‏
    قال الله تعالى :
    {‏يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً‏}‏ ‏(‏‏(‏التحريم‏:‏ 8‏)‏‏)‏‏.‏

    13 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏ :‏ سمعت رسول الله يقول ‏:‏ ‏"‏والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة ‏"‏ ‏. (‏‏(‏رواه البخاري‏)‏‏) ‏‏.‏
    وهذا الحديث والحديث الذي سيأتي : يدلان أولا ًعلى إعلام النبي المسلمين بأهمية التوبة .. والتي إن فعلها هو وهو أطوعهم وأخشاهم لله : فهم بها أولى .. والثاني أنه صلى الله عليه وسلم وكما قال في حديث ٍآخر عن سبب استغفاره وتوبته أنه : يُغان على قلبه .. أي ينشغل قلبه فترات عن ذكر الله والتفكر فيه بغيره : فعدّ ذلك رسولنا الكريم ذنبا ًيستحق التوبة والاستغفار منه !!..

    14 - وعن الأغر بن يسار المزنى رضي الله عنه قال‏ :‏ قال رسول الله :‏ ‏"‏ يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه فإنى أتوب في اليوم مائه مرة‏"‏ ‏. (‏‏(‏رواه مسلم‏)‏‏)‏‏ .‏

    15 - وعن أبي حمزة أنس بن مالك الأنصارى خادم رسول الله ، رضي الله عنه قال ‏:‏ قال رسول الله ‏:‏ ‏"‏ لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة ‏"‏ ‏. (‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏‏ .‏
    وفى رواية لمسلم‏ :‏ "‏ لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة ، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها ، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها ، وقد أيس من راحلته ، فبينما هو كذلك إذا هو بها ، قائمة عنده ، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح‏ :‏ اللهم أنت عبدي وأنا ربك ، أخطأ من شدة الفرح‏" ‏‏.‏

    16 - وعن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعرى رضي الله عنه عن النبي قال ‏:‏ ‏"‏ إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها‏"‏ ‏. (‏‏(‏رواه مسلم‏)‏‏)‏‏.‏

    17 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏ :‏ قال رسول الله ‏:‏ ‏"‏ من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه‏"‏ ‏. (‏‏(‏رواه مسلم‏)‏‏)‏‏ .‏
    وذلك لأن طلوع الشمس من مغربها هي من علامات الساعة : فلا تصح التوبة عندها .. مثلها مثل الذي يتوب عند غرغرة الموت ..

    18 - وعن أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما عن النبي قال ‏:‏ ‏"‏ إن الله عز وجل يقبل توبة العبد ما لم يغرغر‏"‏ ‏. (‏‏(‏رواه الترمذي وقال‏:‏ حديث حسن‏)‏‏)‏‏ .‏

    19 - وعن زر بن حبيش قال‏ :‏ أتيت صفوان بن عسال رضي الله عنه أسأله عن المسح على الخفين فقال ‏:‏ ما جاء بك يا زر ‏؟‏ فقلت ‏:‏ ابتغاء العلم ، فقال‏ :‏ إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضي بما يطلب ، فقلت‏ :‏ من أصحاب النبي ، فجئت أسألك‏ :‏ هل سمعته يذكر في ذلك شيئاً‏ ؟‏ قال‏ :‏ نعم ، كان يأمرنا إذا كنا سفراً - أو مسافرين - أن لا ننزع خفافناً ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة ، ولكن من غائط وبول ونوم ‏.‏ فقلت‏ :‏ سفر ، فبينا نحن عنده إذ ناداه أعرابى بصوت له جهورى‏ :‏ يا محمد ، فأجابه رسول الله نحواً من صوته‏ :‏ ‏"‏هاؤم‏"‏ فقلت له ‏:‏ ويحك اغضض من صوتك فإنك عند النبي ، وقد نهيت عن هذا‏ !‏ فقال‏ :‏ والله لا أغضض‏ .‏ قال الأعرابى‏ :‏ المرء يحب القوم ولما يلحق بهم ‏؟‏ قال النبي ‏:‏ "‏ المرء مع من أحب يوم القيامة‏"‏ فما زال يحدثنا حتى ذكر باباً من المغرب مسيرة عرضه أو يسير الراكب في عرضه أربعين أو سبعين عاماً‏ .‏ قال سفيان أحد الرواة : قبل الشام خلقه الله تعالى يوم خلق السماوات والأرض مفتوحاً للتوبة لا يغلق حتى تطلع الشمس منه‏"‏ ‏.(‏‏(‏رواه الترمذي وغيره وقال‏:‏ حديث حسن صحيح‏)‏‏) ‏‏.‏

    20 - وعن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنه أن نبي الله قال ‏:‏ ‏"‏ كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفساً ، فسأل عن أعلم أهل الأرض ، فدُل على راهب ، فأتاه فقال‏ :‏ إنه قتل تسعه وتسعين نفساً ، فهل له من توبة‏ ؟‏ فقال‏ :‏ لا ، فقتله فكمل به مائةً ، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض ، فدُل على رجل عالم (ولاحظوا أن الأول راهب لا يعرف إلا العبادة ولا فقه لديه .. أما هذا فعالم) فقال ‏:‏ إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة‏ ؟‏ فقال ‏:‏ نعم ، ومن يحول بينه وبين التوبة‏ ؟‏ انطلق إلى أرض كذا وكذا ، فإن بها أناساً يعبدون الله تعالى فاعبد الله معهم ، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوءٍ (وهذا من الفقه أي : ابتعاد التائب عن أماكن المعاصي وأصحابها الذين قد يجرونه إليها من جديد بعد توبته) ، فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت ، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ‏.‏ فقالت ملائكة الرحمة‏ :‏ جاء تائبا مقبلا بقلبه إلى الله تعالى ، وقالت ملائكة العذاب‏ :‏ إنه لم يعمل خيرا قط ، فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم - أي حكماً - فقال‏ :‏ قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له ، فقاسوا فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد ، فقبضته ملائكة الرحمة‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏) ‏‏.‏

    21 - وعن عبد الله بن كعب بن مالك، وكان قائد كعب رضي الله عنه من بنيه حين عمي قال ‏:‏ سمعت كعب بن مالك رضي الله عنه يحدث بحديثه حين تخلف عن رسول الله في غزوة تبوك‏ .‏
    قال كعب ‏:‏ لم أتخلف عن رسول الله ، في غزوة غزاها قط إلا في غزوة تبوك ، غير أني قد تخلفت في غزوة بدر ، ولم يعاتب أحد تخلف عنه ، إنما خرج رسول الله والمسلمون يريدون عير قريش حتى جمع الله تعالى بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد‏ .‏
    ولقد شهدت مع رسول الله ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام ، وما أ ُحب أن لي بها مشهد بدرٍ ، وإن كانت بدر أذكر في الناس منها‏ .‏
    وكان من خبري حين تخلف عن رسول الله ، في غزوة تبوك أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنه في تلك الغزوة ، والله ما جمعت قبلها راحلتين قط حتى جمعتهما في تلك الغزوة ، ولم يكن رسول الله يريد غزوة إلا ورى بغيرها حتى كانت تلك الغزوة ، فغزاها رسول الله في حر شديد ، واستقبل سفراً بعيداً ومفازاً ، واستقبل عدداً كثيراً ، فجلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم فأخبرهم بوجههم الذي يريد ، والمسلمون مع رسول الله كثير ولا يجمعهم كتاب حافظ ‏"‏يريد بذلك الديوان‏"‏
    قال كعب‏ :‏ فقل رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن ذلك سيخفى به مالم ينزل فيه وحي من الله ، وغزا رسول الله تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال فأنا إليها أصعر فتجهز رسول الله والمسلمون معه ، وطفقت أغدو لكي أتجهز معه ، فأرجع ولم أقض شيئاً ، وأقول في نفسي‏ :‏ أنا قادر على ذلك إذا أردت ، فلم يزل يتمادى بي حتى استمر بالناس الجد ، فأصبح رسول الله غادياً والمسلمون معه ، ولم أقض من جهازي شيئاً ، ثم غدوت فرجعت ولم أقض شيئاً ، فلم يزل يتمادى بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو ، فهممت أن أرتحل فأدركهم ، فياليتني فعلت ، ثم لم يقدر ذلك لي ، فطفقت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله يحزنني أني أرى لي أسوة ، إلا رجلاً مغموصاً عليه في النفاق ، أو رجلاً ممن عذر الله تعالى من الضعفاء ، ولم يذكرني رسول الله حتى بلغ تبوك ، فقال وهو جالس في القوم بتبوك‏ :‏ ما فعل كعب بن مالك‏ ؟‏

    فقال له معاذ بن جبل رضي الله عنه بئس ما قلت‏ !‏ والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيراً ، فسكت رسول الله فبينا هو على ذلك رأى رجلا مبيضا يزول به السراب .
    فقال رسول الله :‏ {كن أبا خيثمة} ، فإذا أبو خيثمة الأنصاري وهو الذي تصدق بصاع التمر حين لمزه المنافقون ، قال كعب‏ :‏ فلما بلغني أن رسول الله قد توجه قافلاً من تبوك حضرني بثي ، فطفقت أتذكر الكذب وأقول‏ :‏ بم أخرج من سخطه غداً وأستعين على ذلك بكل ذي رأى من أهلي ، فلما قيل ‏:‏ إن رسول الله قد أظل قادماً زاح عني الباطل حتى عرفت أني لم أنج منه بشيء أبداً ، فأجمعت صدقه ، وأصبح رسول الله قادماً ، وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين ثم جلس للناس، فلما فعل فعل ذلك جاءه المُخلفون يعتذرون إليه ويحلفون له ، وكانوا بضعا وثمانين رجلاً فقبل منهم علانيتهم وبايعهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله تعالى حتى جئت‏ .‏
    فلما سلمت تبسم تبسم المغضب ثم قال ‏:‏ تعال ، فجئت أمشي حتى جلست بين يديه ، فقال لي‏ :‏ ما خلفك ‏؟‏ ألم تكن قد ابتعت ظهرك‏ !‏

    قال قلت‏ :‏ يارسول الله إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر ، لقد أ ُعطيت جدلاً ، ولكنني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضي به ليوشكن الله يسخطك علي ، وإن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه إني لأرجو فيه عقبى الله عز وجل ، والله ما كان لي من عذر ، والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك‏ .‏
    قال ‏:‏ فقال رسول الله ‏"‏ أما هذا فقد صدق، فقم حتى يقضي الله فيك‏"‏

    وسار رجال من بني سلمة فاتبعوني ، فقالوا لي‏ :‏ والله ما علمناك أذنبت ذنبا قبل هذا ، لقد عجزت في أن لا يكون اعتذرت إلى رسول الله بما اعتذر إليه المُخلفون فقد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله لك‏ .‏
    قال ‏:‏ فوالله ما زالوا يؤنبونني حتى أردت أن أرجع إلى رسول الله فأكذب نفسي ، ثم قلت لهم‏ :‏ هل لقي هذا معي من أحد ‏؟‏
    قالوا ‏:‏ نعم لقيه معك رجلان قالا مثل ما قلت ، وقيل لهما مثل ما قيل لك ، قال قلت‏ :‏ من هما‏ ؟‏
    قالوا‏ :‏ مرارة بن الربيع العمري ، وهلال بن أمية الواقفي‏ ؟‏
    قال‏ :‏ فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدراً فيهما أسوة‏ .‏
    قال‏ :‏ فمضيت حين ذكروهما لي‏ .‏
    ونهى رسول عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه ، قال‏ :‏ فاجتنبنا الناس - أو قال‏ :‏ تغيروا لنا - حتى تنكرت لي في نفس الأرض ، فما هي بالأرض التي أعرف ، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة ‏.‏

    فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان ، وأما أنا فكنت أَشبّ القوم وأجلدهم ، فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين ، وأطوف في الأسواق ولا يكلمني أحد ، وآتي رسول الله فأسلم عليه ، وهو في مجلسه بعد الصلاة ، فأقول في نفسي ‏:‏ هل حرك شفتيه برد السلام أم ‏؟‏

    ثم أصلي قريباً منه وأسارقه النظر ، فإذا أقبلت على صلاتي نظر إلي ، وإذا التفت نحوه أعرض عني ، حتى إذا طال ذلك علي من جفوة المسلمين مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة وهو ابن عمي وأحب الناس إلي ، فسلمت عليه فوالله ما ردّ علي السلام ، فقلت له‏ :‏ يا أبا قتادة أنشدك بالله هل تعلمني أُحب الله ورسوله ‏؟‏ فسكت ، فعدت فناشدته فسكت ، فعدت فناشدته فقال ‏:‏ الله ورسوله أعلم ‏.‏

    ففاضت عيناي ، وتوليت حتى تسورت الجدار ، فبينما أنا أمشى في سوق المدينة إذا نبطى من نبط أهل الشام ممن قدم بالطعام ببيعه بالمدينة يقول‏ :‏ من يدل على كعب بن مالك ‏؟‏
    فطفق الناس يشيرون له إلي حتى جاءنى فدفع إلي كتاب من ملك غسان ، وكنت كاتباً‏ .‏
    فقرأته فإذا فيه‏ :‏ أما بعد فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك ، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة ، فالحق بنا نواسك ، فقلت حين قرأتها ، وهذه أيضاً من البلاء فتيممت بها التنور فسجرتها ، حتى إذا مضت أربعون من الخمسين واستلبث الوحى إذا رسول رسول الله يأتينى ، فقال‏ :‏ إن رسول الله يأمرك أن تعتزل امرأتك ، فقلت ‏:‏ أطلقها ، أم ماذا أفعل ‏؟‏
    قال‏ :‏ لا ، بل اعتزلها فلا تقربنها ، وأرسل إلى صاحبي بمثل ذلك‏ .‏

    فقلت لامرأتي‏ :‏ ألحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر ، فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله فقالت له ‏:‏ يا رسول الله إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم ، فهل تكره أن أخدمه‏ ؟‏
    قال ‏:‏ لا ، ولكن لا يقربنك‏ .‏
    فقالت ‏:‏ إنه والله ما به من حركة إلى شيء ، ووالله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا ‏.‏
    فقال لي بعض أهلي‏ :‏ لو استأذنت رسول الله في امرأتك ، فقد أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه ‏؟‏
    فقلت ‏:‏ لا أستأذن فيها رسول الله ، وما يدريني ماذا يقول رسول الله ، إذا استأذنته فيها وأنا رجل شاب‏ !‏ فلبثت بذلك عشر ليالٍ ، فكمل لنا خمسون ليلة من حين نهى عن كلامنا‏ .‏

    ثم صليت صلاة الفجر صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتنا ، فبينما أنا جالس على الحال التى ذكر الله تعالى منا ، قد ضافت علي نفسي وضاقت علي الأرض بما رحبت ، سمعت صوت صارخ أوفى على سلع يقول بأعلى صوته‏ :‏ يا كعب بن مالك أبشر فخررت ساجداً ، وعرفت أنه قد جاء فرج‏ .‏

    فآذن رسول الله الناس بتوبة الله عز وجل علينا حين صلى صلاة الفجر فذهب الناس يبشروننا ، فذهب قبل صاحبي مبشرون ، وركض رجل إلي فرساً وسعى ساع من أسلم قبلي وأوفى على الجبل ، فكان الصوت أسرع من الفرس ، فلما جاءني الذى سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبي فكسوتهما إياه ببشراه ، والله ما أملك غيرهما يومئذ ، واستعرت ثوبين فلبستهما وانطلقت أتأمم رسول الله يتلقانى الناس فوجاً فوجاً يهنئوني بالتوبة ويقولون لي ‏:‏ لتهنك توبة الله عليك ، حتى دخلت المسجد فإذا رسول الله جالس حوله الناس ، فقام طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه يهرول حتى صافحني وهنأني ، والله ما قام رجل من المهاجرين غيره ، فكان كعب لا ينساها لطلحة‏ .‏

    قال كعب‏ :‏ فلما سلمت على رسول الله قال‏ :‏ وهو يبرق وجهه من السرور ‏:‏ أبشر بخير يوم مرّ عليك مذ ولدتك أمك ، فقلت‏ :‏ أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله‏ ؟‏ قال ‏:‏ لا ، بل من عند الله عز وجل ، وكان رسول الله إذا سر استنار وجهه حتى كأن وجهه قطعة قمر ، وكنا نعرف ذلك منه ، فلما جلست بين يديه قلت‏ :‏ يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة‎ إلى الله وإلى رسوله ‏.‏
    فقال رسول الله ‏:‏ أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك ، فقلت‏ :‏ إني أمسك سهمي الذى بخيبر‏ .‏

    وقلت‏ :‏ يا رسول الله إن الله تعالى إنما أنجاني بالصدق ، وإن من توبتي أن لا أحدثَ إلا صدقاً ما بقيت ، فو الله ما علمت أحداً من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله أحسن مما أبلاني الله تعالى ، والله ما تعمدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله إلى يومي هذا ، وإني لأرجو أن يحفظني الله تعالى فيما بقي ، قال‏ :‏ فأنزل الله تعالى {‏لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة‏)‏ حتى بلغ‏ :‏ ‏{‏إنه بهم رؤوف رحيم} ‏.‏
    {وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت‏}‏ حتى بلغ ‏:‏ ‏{‏اتقوا الله وكونوا مع الصادقين‏}‏ ‏(‏‏(‏التوبة 117، 119‏)‏‏)‏

    قال كعب ‏:‏ والله ما أنعم الله علي من نعمة قط بعد إذ هداني الله للإسلام أعظم في نفسي من صدقي رسول الله أن لا أكون كذبته ، فأهلك كما هلك الذين كذبوا ، إن الله تعالى قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد ، فقال الله تعالى ‏:‏ ‏{‏سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين‏}‏ ‏(‏‏(‏التوبة‏:‏ 95،96‏)‏‏)‏ ‏.‏

    قال كعب ‏:‏ كنا خلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله حين حلفوا له ، فبايعهم واستغفر لهم ، وأرجأ رسول الله أمرنا حتى قضى الله تعالى فيه بذلك ، قال الله تعالى ‏:‏ ‏{‏وعلى الثلاثة الذين خلفوا‏}‏ وليس الذي ذكر مما خلفنا تخلفنا عن الغزو ، وإنما هو تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا عمن حلف له واعتذر إليه فقبل منه
    .‏ متفق عليه‏ .‏

    وفى رواية ‏"‏أن النبي خرج في غزوة تبوك يوم الخميس ، وكان يحب أن يخرج يوم الخميس‏"‏
    وفى رواية ‏:‏ ‏"‏وكان لا يقدم من سفر إلا نهاراً في الضحى، فإذا قدم بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين ثم جلس فيه‏"‏ ‏
    .‏

    22 - وعن أبي نجيد- ضم النون وفتح الجيم - عمران بن الحصين الخزاعى رضي الله عنهما أن امرأة من جهينة أتت رسول الله وهى حبلى من الزنى ، فقالت‏ :‏ يا رسول الله أصبت حداً فأقمه علي ، فدعا نبي الله وليها فقال ‏:‏ أحسن إليها ، فإذا وضعت فأتني ، ففعل فأمر بها نبي الله ، فشدت عليها ثيابها ، ثم أمر بها فرجمت ، ثم صلى عليها ‏.‏ فقال له عمر‏ :‏ تصلى عليها يا رسول الله وقد زنت ، قال‏ :‏ لقد تابت توبة لو قمست بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم ، وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها لله عز وجل ‏؟ ‏‏!‏ ‏"‏ رواه مسلم‏.‏
    وقد ذهب العلماء من مجموع أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : إلى أن مَن ابتلاه الله تعالى بذنب ٍفستره : فإنه له ألا يفضح نفسه للناس ولولي الأمر .. ويتدارك توبته بما يستطيع .. عسى الله تعالى أن يغفرها له .. إلا إذا أراد قضاء حقها من الحد والعقاب حتى يتأكد من لقيا الله طاهرا ًمنها ..

    23 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله قال‏ :‏ ‏"‏ لو أن لابن آدم وادياً من ذهب أحب أن يكون له واديان ، ولن يملأ فاه إلا التراب، ويتوب الله على مَن تاب‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏ ‏.‏

    24 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال ‏:‏ ‏"‏يضحك الله سبحانه وتعالى إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة، يُقاتل هذا في سبيل الله فيُقتل ، ثم يتوب الله على القاتل فيُسلم فيُستشهد‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏ ‏.‏

    يُـتبع إن شاء الله بباب الصبر ..

  5. #5

    افتراضي


    لي ملاحظتين فقط قبل الاستكمال وهما :
    1...
    أن الإمام النووي رحمه الله ورغم صغر سنه وموته شابا ً: كان قمة في العلم والورع والزهد ..
    ومن أشهر ما كتب : رياض الصالحين - شرح صحيح مسلم - الأربعين حديث النووية ..
    2...
    هناك طبعات مُحققة من كتاب رياض الصالحين ومع الشرح والتعليق ..
    منها نسخة من تحقيق الشيخ الألباني وتعليق الشيخ ابن العثيمين رحمهما الله ..
    ولغيابها عني وضيق الوقت : فأنا أتعمد وضع بعض الشروحات البسيطة بين متن الأحاديث إذا لاحظتم ..
    أو كتعليق ٍعام ٍعلى الحديث في نهايته ..
    وقد تكفل الإمام النووي رحمه الله ببيان معظم معاني الكلمات في الأحاديث ..
    والله الموفق ..
    ---------

    كتاب المقدمات ...
    باب الصبر ...


    قال الله تعالى ‏:‏ ‏
    {‏يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا‏}‏ ‏(‏‏(‏آل عمران ‏:‏ 200‏)‏
    وقال تعالى ‏:
    {‏ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين‏}‏ ‏(‏‏(‏ البقرة ‏:‏ 155‏)‏‏)‏
    وقال تعالى ‏:‏ ‏
    {‏إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب‏}‏ ‏(‏‏(‏الزمر‏:‏10‏)‏‏)‏
    وقال تعالى‏ :‏ ‏
    {‏ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور‏}‏ ‏(‏‏(‏الشورى ‏:‏ 43‏)‏‏)‏
    وقال تعالى‏ :‏ ‏
    {‏استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين‏}‏ ‏(‏‏(‏محمد ‏:‏ 31‏)‏‏)‏

    والآيات في الأمر بالصبر وبيان فضله كثيرة معروفة‏ .‏

    25 - وعن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري رضي الله عنه قال ‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏"‏الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن -أو تملأ- ما بين السماوات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان (أي على الإيمان لأنه لا يفعلها إلا مؤمن يحتسب أجرها لوجه الله) ، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك‏.‏ كل الناس يغدو، فبائع نفسه فمعتقها، أو موبقها‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه مسلم‏)‏‏)‏‏.‏

    26 - وعن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنهما‏:‏ ‏"‏أن ناساً من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم ، حتى نفد ما عنده، فقال لهم حين أنفق كل شيء بيده ‏:‏ ‏"‏ما يكن عندي من خير فلن أدخره عنكم ، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله‏.‏ وما أ ُعطي أحد ٌعطاءً خيراً وأوسع من الصبر‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏ ‏.‏

    27 - وعن أبي يحيى صهيب بن سنان رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن ‏:‏ إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه مسلم‏)‏‏)‏‏.‏

    28 - وعن أنس رضي الله عنه قال‏:‏ لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم جعل يتغشاه الكرب فقالت فاطمة رضي الله عنها‏:‏ واكرب أبتاه‏.‏
    فقال ‏:‏ ‏"‏ليس على أبيك كربٌ بعد اليوم‏"‏ فلما مات قالت ‏:‏ يا أبتاه أجاب رباً دعاه، يا أبتاه جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه إلى جبريل ننعاه، فلما دفن قالت‏ فاطمة رضي الله عنها‏:‏ أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب ‏؟‏ ‏(‏‏(‏رواه البخاري‏)‏‏)‏‏.‏

    29 - وعن أبي زيد أسامة بن زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحبه وابن حبه، رضي الله عنهما، قال‏:‏ أرسلت بنت النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ إن ابني قد احتضر فاشهدنا، فأرسل يقرئ السلام ويقول‏:‏ ‏"‏إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب‏"‏ فأرسلت إليه تقسم عليه ليأتينها‏.‏
    فقام ومعه سعد بن عبادة، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، ورجال رضي الله عنهم، فرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبي فأقعده في حجره ونفسه تقعقع، ففاضت عيناه (أي رسول الله بالبكاء شفقة ًبالطفل الذي في أنفاسه الأخيرة) ، فقال سعد‏:‏ يا رسول الله ما هذا‏؟‏ (حيث حسبوا أن هذا البكاء ينافي الأمر بالصبر والاحتساب والرضا بقضاء الله) فقال‏:‏ ‏"‏هذه رحمة جعلها الله تعالى في قلوب عباده‏"‏
    وفى رواية ‏:‏ ‏"‏في قلوب من شاء من عباده وإنما يرحم الله من عباده الرحماء‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏ ‏.‏
    ‏ومعنى ‏ ‏تقعقع‏ ‏ ‏:‏ تتحرك وتضطرب ‏.

    30 - وعن صهيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏ :‏ ‏"‏ كان مَلِك ٌفيمن كان قبلكم، وكان له ساحرٌ، فلما كبر قال للملك ‏:‏ إني قد كبرت فابعث إليّ غلاماً أ ُعلمه السحر؛ فبعث إليه غلاماً يعلمه، وكان في طريقه (أي في طريق الغلام للساحر) إذا سلك راهبٌ، فقعد إليه وسمع كلامه فأعجبه، وكان إذا أتى الساحر مرّ بالراهب وقعد إليه، فإذا أتى الساحر ضربه، فشكا ذلك إلى الراهب فقال‏:‏ إذا خشيت الساحر فقال‏:‏ حبسني (أي أخرني) أهلي، وإذا خشيت أهلك فقل‏:‏ حبسني الساحر ‏.‏

    فبينما هو على ذلك إذ أتى على دابةٍ عظيمةٍ (أي مر بها في طريقه) قد حبست الناس (أي سدت عليهم الطريق وخافوا منها) فقال‏:‏ اليوم أعلم آلساحر أفضل أم الراهب أفضل‏؟‏ فآخذ حجراً فقال‏:‏ اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس، فرماها فقتلها ومضى الناس، فأتى الراهب فأخبره‏.‏

    فقال له الراهب‏:‏ أي بني أنت اليوم أفضل مني، قد بلغ أمرك ما أرى، وإنك ستبتلى (أي سيمتحنك الله في إيمانك) ، فإن ابتليت فلا تدل عليّ؛ وكان الغلام يُبرئ الأكمه والأبرص، ويداوي الناس من سائر الأدواء‏.‏

    فسمع جليس للملك كان قد عمي، فأتاه بهدايا كثيرةٍ فقال‏:‏ ما هاهُنا لك أجمع إن أنت شفيتنى، فقال‏:‏ إني لا أشفي أحداً إنما يشفى الله تعالى، فإن آمنت بالله دعوت الله فشفاك، فآمن بالله تعالى فشفاه الله تعالى، فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس فقال له الملك‏:‏ من ردّ عليك بصرك‏؟‏ فقال‏:‏ ربي قال‏:‏ ولك رب غيري ‏؟‏‏!.. قال‏:‏ ربي وربك الله، فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام، فجئ بالغلام .

    فقال له الملك‏:‏ أى بني قد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل فقال‏:‏ إني لا أشفي أحداً، إنما يشفي الله تعالى، فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب؛ فجيء بالراهب فقيل له‏:‏ ارجع عن دينك، فأبى ، فدعا بالمنشار فوضع المنشار في مفرق رأسه، فشقه حتى وقع شقاه، ثم جيء بجليس الملك فقيل له‏:‏ ارجع عن دينك فأبى، فوضع المنشار في مفرق رأسه، فشقه به حتى وقع شقاه، ثم جيء بالغلام فقيل له ارجع عن دينك فأبى، فدفعه إلى نفر من أصحابه .

    فقال‏:‏ اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا فاصعدوا به الجبل فقال‏:‏ اللهم اكفنيهم بما شئت، فرجف بهم الجبل فسقطوا، وجاء يمشي إلى الملك، فقال له الملك‏:‏ ما فعل أصحابك‏؟‏!! فقال‏:‏ كفانيهم الله تعالى، فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال ‏:‏ اذهبوا به فاحملوه في قرقور وتوسطوا به البحر، فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه (أي ليغرق في البحر ويموت) ، فذهبوا به فقال‏:‏ اللهم اكفنيهم بما شئت، فانكفأت بهم السفينة فغرقوا، وجاء يمشي إلى الملك‏.‏

    فقال له الملك ‏:‏ ما فعل أصحابك‏؟‏ فقال‏:‏ كفانيهم الله تعالى‏.‏ فقال للملك : إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به‏.‏ قال ‏:‏ ما هو‏؟‏ قال ‏:‏ تجمع الناس في صعيد واحد، وتصلبني على جذع ، ثم خذ سهماً من كنانتي، ثم ضع السهم في كبد القوس ثم قل‏:‏ بسم الله رب الغلام ثم ارمني، فإنك إن فعلت ذلك قتلتني ‏.‏

    فجمع الناس في صعيد واحد، وصلبه على جذع، ثم أخذ سهما من كنانته، ثم وضع السهم في كبد القوس، ثم قال‏:‏ بسم الله رب الغلام، ثم رماه فوقع السهم في صدغه، فوضع يده في صدغه فمات‏.‏ فقال الناس آمنا برب الغلام، فأتي الملك فقيل له‏:‏ أرأيت ما كنت تحذر قد والله نزل بك حذرك‏.‏ قد آمن الناس‏.‏ فأمر بالأخدود بأفواه السكك فخدت وأضرم فيها النيران وقال‏:‏ من لم يرجع عن دينه فأقحموه فيها أو قيل له ‏:‏ اقتحم ، ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبى لها، فتقاعست ان تقع فيها، فقال لها الغلام‏:‏ يا أماه اصبري فإنك على الحق‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه مسلم‏)‏‏)‏‏.‏

    ‏‏‏ذروة الجبل‏ ‏:‏ أعلاه، وهى بكسر الذال المعجمة وضمها
    و‏القرقور‏ ‏ بضم القافين ‏:‏ نوع من السفن ‏
    والصعيد‏ هنا ‏:‏ الأرض البارزة
    و‏‏الأخدود‏‏:‏ الشقوق في الأرض كالنهر الصغير
    و‏أضرم‏ :‏ أوقد ‏
    وانكفأت‏ ‏أي ‏:‏ انقلبت ‏
    وتقاعست‏ ‏:‏ توقفت وجبنت

    31 - وعن أنس رضي الله عنه قال‏:‏ مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر فقال ‏:‏ ‏"‏اتقي الله واصبري‏"‏ فقالت ‏:‏ إليك عني ، فإنك لم تصب بمصيبتي ‍‍‍‏ولم تعرفه، فقيل لها ‏:‏ إنه النبي صلى الله عليه وسلم ، فأتت باب النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم تجد عنده بوابين، فقالت‏:‏ لم أعرفك ، فقال ‏:‏ ‏"‏إنما الصبر عند الصدمة الأولى‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏ ‏.‏

    ‏‏(‏‏(‏وفى رواية لمسلم‏)‏‏)‏‏:‏ ‏ ‏تبكي على صبي لها‏ ‏‏. ‏

    32 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ ‏"‏ يقول الله تعالى ‏:‏ ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه البخاري‏)‏‏)‏‏.‏

    33 - وعن عائشة رضي الله عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون، فأخبرها أنه كان عذاباً يبعثه الله تعالى على من يشاء، فجعله الله تعالى رحمة للمؤمنين، فليس من عبد يقع في الطاعون فيمكث في بلده صابراً محتسباً يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر الشهيد‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه البخاري‏)‏‏)‏‏.‏

    34 - وعن أنس رضي الله عنه قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏:‏ ‏"‏إن لله عزوجل قال‏:‏ إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة‏"‏ . ‏(‏‏(‏رواه البخاري‏)‏‏)‏‏.‏

    حبيبتيه : ‏يريد عينيه ‏أي يقصد عينيه

    35 - وعن عطاء بن أبي رباح قال‏:‏ قال لي ابن عباس رضي الله عنهما‏:‏ ألا أريك امرأة من أهل الجنة ‏"‏ فقلت‏:‏ بلى، قال‏:‏ هذه المرأة السوداء أتتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت ‏:‏ إني أ ُصرع، و إني أتكشف (أي إذا سقطت متخشبة ًفي صرعها انكشف منها بعض جسدها - وانظروا لحيائها وهي سوداء !! سبحان الله) ، فادع الله تعالى لي قال‏:‏ ‏"‏إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله تعالى أن يعافيك‏"‏ فقالت‏:‏ أصبر، فقالت‏:‏ إني أتكشف ، فادع الله أن لا أتشكف ، فدعا لها‏.‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏ ‏.‏

    وليس في الحديث حث على عدم دعاء المريض لنفسه بالشفاء .. ولا في الحديث ما يعارض الأخذ بأسباب الدواء .. وإنما هذه المرأة مثالٌ لحالة : بلغ من مرضها أن صبرها مع إيمانها فيه : جزاؤه الجنة .. فأعلمها رسول الله بهذا رضي الله عنها ..

    36 - وعن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال‏:‏ كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبياً من الأنبياء، صلوات الله وسلامه عليهم، ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه، يقول ‏:‏ ‏"‏اللهم اغفر لقومى فإنهم لا يعلمون‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏ ‏.‏

    37 - وعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ما يصيب المسلم من نَصَب (أي التعب) ولا وَصَب ولا هم ٍولا حزن ٍولا أذىً ولا غم ٍ، حتى الشوكة يُشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏ ‏.‏

    ‏و‏ ‏الوَصَب‏ ‏ ‏:‏ المرض ‏‏

    38 - وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال‏:‏ دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوعك فقلت‏:‏ يارسول الله إنك توعك وعكاً شديداً قال‏:‏ ‏"‏أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم‏"‏ قلت‏:‏ ذلك أن لك أجرين ‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏أجل ذلك كذلك ما من مسلم يصيبه أذى؛ شوكة فما فوقها إلا كفر الله بها سيئاته ، وحطت عنه ذنوبه كما تحط الشجرة ورقها‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏ ‏.‏

    ‏‏والوعك ‏:‏ مغث الحمى ، وقيل‏ :‏ الحمى ‏

    39 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ مَن يُرد الله به خيراً يصب منه‏"‏ ‏. ‏(‏‏(‏رواه البخاري‏)‏‏)‏‏.‏

    أي بالمرض وسائر الابتلاءات لرفع درجته وتطهيره من ذنوبه ..
    ‏‏وضبطوا يصب‏ ‏ ‏:‏بفتح الصاد وكسرها ‏

    40 - وعن أنس رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏"‏ لا يَتمنين أحدكم الموت لضُر ٍأصابه، فإن كان لابد فاعلاً فليقل‏:‏ اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏ ‏.‏

    41 - وعن أبي عبد الله خباب بن الأرت رضي الله عنه قال‏:‏ شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة (أي شكوا له تعذيب وإيذاء مشركي قريش لهم وكان ذلك قبل الهجرة) ، فقلنا ‏:‏ ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا‏؟‏ فقال‏:‏ قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط من الحديد ما دون لحمه وعظمه، ما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه البخاري‏)‏‏)‏‏.‏

    ‏وفي رواية ‏:‏ وهو متوسد بردة وقد لقينا من المشركين شدة‏ ‏‏

    42 - وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال ‏:‏ لما كان يوم حنين آثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ناساً في القسمة (أي من الغنائم) ، فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وأعطى عيينة بن حصن مثل ذلك، وأعطى ناساً من أشراف العرب وآثرهم يومئذ في القسمة‏.‏ فقال رجل‏:‏ والله إن هذه قسمة ما عُدل فيها، وما أ ُريد فيها وجه الله، فقلت ‏:‏ والله لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتيته فأخبرته بما قال‏:‏ فتغير وجههه حتى كان كالصرف ‏.‏ ثم قال ‏"‏ فمَن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله‏؟‏ ثم قال‏:‏ يرحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر‏"‏‏ .‏ فقلت‏:‏ لا جرم لا أرفع إليه بعدها حديثاً‏.‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏ ‏.‏

    ‏وقوله كالصرف‏ ‏ هو بكسر الصاد المهملة ‏:‏ وهو صبغ أحمر ‏

    43 - وعن أنس رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏: ‏‏"‏إذا أراد الله بعبده خيراً عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة‏"‏‏ .‏

    وقال النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏"‏إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه الترمذي وقال ‏:‏ حديث حسن‏)‏‏)‏‏.‏

    44 - وعن أنس رضي الله عنه قال‏:‏ كان ابن لأبي طلحة رضي الله عنه يشتكي (أي مريض) ، فخرج أبو طلحة، فقبض الصبي (أي مات من مرضه) ، فلما رجع أبو طلحة قال‏:‏ ما فعل ابني‏؟‏ قالت أم سليم وهى أم الصبي ‏:‏ هو أسكن ما كان، فقربت إليه العشاء فتعشى، ثم أصاب منها (أي جامعها : ولم تشاء أن تخبره في حينها رأفة ًبه) ، فلما فرغ قالت‏:‏ واروا الصبي (كناية عن موته) ، فلما أصبح أبو طلحة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال‏:‏ ‏"‏أعرستم الليلة ‏؟‏‏ (أي جامعت زوجتك) "‏ قال‏:‏ نعم ، قال‏:‏ ‏"‏اللهم بارك لهما (وأراد النبي بذلك نقل أبي طلحة وزوجته من غم موت الولد : إلى بشارة البركة فيما سيأتي لهما من الولد - وهذا من رحمة النبي وفطنته) ، فولدت غلاماً، فقال لي أبو طلحة (أي لأنس) ‏:‏ احمله حتى تأتى به النبي صلى الله عليه وسلم، وبعث معه بتمرات، فقال‏ (أي النبي لأنس) :‏ ‏"‏أمعه شيء ‏؟‏‏"‏ قال‏:‏ نعم، تمرات فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم فمضغها ، ثم أخذها من فيه (أي فمه) فجعلها في فيّ الصبي ، ثم حنكه وسماه عبد الله‏ .‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏ ‏.‏

    ‏وفى رواية للبخاري ‏:‏ قال ابن عيينة ‏:‏ فقال رجل من الأنصار ‏:‏ فرأيت تسعة أولاد كلهم قد قرؤوا القرآن ، يعنى من أولاد عبد الله المولود‏ ‏ ‏ وفى رواية لمسلم‏:‏ مات ابن لأبي طلحة بن أم سليم ، فقالت لأهلها لا تحدثوا أبا طلحة بابنه حتى أكون أنا أحدثه، فجاء فقربت إليه عشاءً فأكل وشرب، ثم تصنعت له أحسن ما كانت تصنع قبل ذلك، فوقع بها (أي جامعها) ، فلما أن رأت أنه قد شبع وأصاب منها قالت‏:‏ يا أبا طلحة، أرأيت لو أن قوماً أعاروا عاريتهم أهل بيت (أي استعار أهل بيت منهم شيئا ً) فطلبوا عاريتهم (أي فطلبوا ما استعاروه بعد ذلك) ، ألهم أن يمنعوهم‏؟‏ قال‏:‏ لا، فقالت ‏:‏ فاحتسب ابنك‏.‏ قال‏:‏ فغضب، ثم قال‏:‏ تركتني حتى إذا تلطخت أخبرتني بابني‏؟‏‏!‏ فانطلق حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما كان ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ‏"‏بارك الله في ليلتكما‏"‏ قال‏:‏ فحملت، قال وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر وهي معه (أي مع زوجها في ذلك السفر مع رسول الله) ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى المدينة من سفر لا يطرقها طروقاً (أي لا يدخلها ليلا ًفجأة) فدنوا من المدينة، فضربها المخاض (أي جاءها مخاض الولادة) ، فاحتبس عليها أبو طلحة (أي لازمها ولم يعد يتركها) ، وانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم (أي مضى ولم يستطع أبو طلحة أن يرافقه لما هو فيه) قال‏:‏ يقول أبو طلحة‏:‏ إنك لتعلم يارب أنه يُعجبني أن أخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج، وأدخل معه إذا دخل، وقد احتبست بما ترى، تقول أم سليم‏:‏ يا أبا طلحة ما أجد الذى كنت أجد (أي من ألم الولادة - وهذا من بركة دعاء النبي لهذا الحمل) ، انطلق، فانطلقنا، وضربها المخاض حين قدما فولدت غلاماً‏.‏ فقالت لي أمي ‏:‏ يا أنس لا يرضعه أحد حتى تغدو به على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح احتملته فانطلقت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .‏ وذكر تمام الحديث‏.‏

    وفي الحديث مثال رائع لصبر أم ٍعلى فقد ولدها .. وهي تعلم أن مُبالغة الحزن لن تعيد لها شيئا ً!!..
    فآثرت التلطف في إخبار زوجها بالخبر : بدلا ًمن أن تستقبله من سفره بالخبر الحزين ..!
    وهو من كياستها رضي الله عنها ..

    45 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ليس الشديد بالصرعة (أي القوي الذي يتصارع مع الرجال فيصرعهم) ، إنما الشديد الذى يملك نفسه عند الغضب‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏ ‏.‏

    ‏والصرعة‏ ‏ بضم الصاد وفتح الراء‏.‏ وأصله عند العرب من يصرع الناس كثيراً‏

    46 - وعن سليمان بن صرد رضي الله عنه قال‏:‏ كنت جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ورجلان يستبان (أي يشتم كلاهما الآخر) ، وأحدهما قد احمر وجهه، وانتفخت أوداجه‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :‏ ‏"‏ إني لأعلم كلمة لو قالها (أي هذا الغاضب بشدة) لذهب عنه ما يجد، لو قال‏:‏ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ذهب منه ما يجد‏"‏‏ .‏ فقال له‏:‏ إن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ تعوذ بالله من الشيطان الرجيم‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏ ‏.‏

    47 - وعن معاذ بن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ من كظم غيظاً ، وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله سبحانه وتعالى على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يُخيره من الحور العين ما شاء‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه أبو داود، والترمذي وقال‏:‏ حديث حسن‏)‏‏)‏‏.‏

    48 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم :‏ أوصني، قال‏:‏ ‏"‏لا تغضب‏"‏ فردد مراراً (أي كرر الرجل طلبه من النبي بالتوصية) ، قال‏:‏ ‏"‏ لا تغضب‏"‏ رواه البخاري‏.‏

    49 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏"‏ ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح‏)‏‏)‏ ‏.‏

    50 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال‏:‏ قدم عيينة بن حصن فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس، وكان من النفر الذين يدنيهم عمر رضي الله عنه (أي في وقت خلافة عمر) ، وكان القراء (أي قراء القرآن) أصحاب مجلس عمر رضي الله عنه ومشاورته كهولاً كانوا أو شباناً، فقال عيينة لابن أخيه ‏:‏ يا ابن أخي لك وجه (أي لك منزلة) عند هذا الأمير فاستأذن لي عليه، فاستأذن فأذن عمر‏.‏

    فلما دخل قال‏:‏ هِىَ يا ابن الخطاب، فوالله ما تعطينا الجزل ولا تحكم فينا بالعدل، فغضب عمر رضي الله عنه حتى همّ أن يوقع به.

    فقال له الحر‏ (أي الحر بن قيس) :‏ يا أمير المؤمنين إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم :‏ ‏{‏خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين‏}‏ ‏(‏‏(‏الأعراف ‏:‏198‏)‏‏)‏‏.‏
    وإن هذا من الجاهلين، والله ما جاوزها عمر حين تلاها، وكان وقافاً عند كتاب الله تعالى‏.‏ ‏(‏‏(‏رواه البخاري‏)‏‏)‏ ‏.‏

    51 - وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ إنها ستكون بعدي أثرة (أي الاستمساك بحظوظ الدنيا بغير حق) وأمور تنكرونها ‏!‏ قالوا‏:‏ يا رسول الله فما تأمرنا‏؟‏ قال‏:‏ تؤدون الحق الذى عليكم ، وتسألون الله الذى لكم‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏ ‏.‏

    ‏والأثرة‏ ‏:‏ الانفراد بالشئ عمّن له فيه حق

    52 - وعن أبي يحيى أسيد بن حضير رضي الله عنه أن رجلاً من الأنصار قال‏:‏ يا رسول الله ألا تستعملني (أي في الولاية) كما استعملت فلاناً فقال صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏"‏إنكم ستلقون بعدي أثرة، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏ ‏.‏

    ‏وأ ُسيد ‏بضم الهمزة‏ .‏ ‏ ‏
    وحضير‏ ‏:‏ بحاءٍ مهملة مضمومةٍ وضادٍ معجمةٍ مفتوحةٍ ، والله أعلم‏ ‏

    53 - وعن أبي إبراهيم عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أيامه التي لقي فيها العدو، انتظر حتى إذا مالت الشمس قام فيهم فقال‏:‏ ‏"‏ يا أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف‏"‏ ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏"‏ اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب ، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)

    يُـتبع إن شاء الله بباب الصدق ..

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Mar 2006
    المشاركات
    1,636
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    شكرا جزيلا لك يا أبا الحب كتاب جليل من إمام جليل رحمه الله ..
    {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ}

    وكيف يعرف فرق ما بين حق الذمام وثواب الكفاية من لا يعرف طبقات الحق في مراتبه، ولا يفصل بين طبقات الباطل في منازله‏. [ الجاحظ ]

  7. #7

    افتراضي


    والله سعادتي بعودتك أخي الحبيب تملأ عليّ الليلة بما يكفي ..
    يبدو أنك وأبو القاسم قد أعددتموها معا ًعلى اتفاق ..
    فقد استهل موضوعا ًرائقا ًاليوم هو الآخر بعد غياب ..

    بارك الله فيكما .. وننتظر مزيد حضورك ومشاركاتك أخي الفاضل بعد هذا الغياب الطويل ..
    وتقبل الله ..
    ونِعم الخَلف الذي أتحفتنا به .. بارك الله في أسرتكما الكريمة ..

  8. #8

    افتراضي


    كتاب المقدمات ...
    باب الصدق ...


    قال الله تعالى :
    {‏يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين‏}‏ ‏ (‏‏(‏التوبة ‏:‏119‏)‏‏)‏
    وقال تعالى :
    {‏والصادقين والصادقات‏}‏ ‏(‏‏(‏الأحزاب‏:‏ 35‏)‏‏) ‏‏.‏
    وقال تعالى :
    {‏فلو صدقوا الله لكان خيراً لهم‏}‏ ‏(‏‏(‏محمد ‏:‏ 21‏)‏‏) ‏‏.‏

    وأما الأحاديث‏ :‏

    54 - فالأول : عن ابن مسعود رضي الله عن النبي قال ‏:‏ ‏"‏إن الصدق يهدي إلى البر (أي إلى الخير) وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يُكتب عند الله كذاباً‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏ ‏.‏

    55 - الثانى‏ :‏ عن أبي محمد الحسن بن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنهما ، قال ‏:‏ حفظت من رسول الله ‏:‏ ‏"‏دع ما يريبك إلى ما لا يريبك؛ فإن الصدق طمأنينة، والكذب ريبة ‏(‏‏(‏رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح‏)‏‏)‏ ‏.‏

    قوله‏ :‏‏ ‏يريبك‏ ‏ هو بفتح الياء وضمها . ومعناه ‏:‏
    اترك ما تشك في حله (أي تشك في كونه حلالاً) ، واعدل (أي عنه) إلى ما لا تشك فيه‏ .‏

    56 - الثالث ‏:‏ عن أبي سفيان صخر بن حرب ، رضي الله عنه ، في حديثه الطويل في قصة هرقل ، قال هرقل (وقد استدعاه هرقل عظيم الروم لسؤاله عن ذلك النبي الذي ظهر ببلاده وكان أبو سفيان رضي الله عنه ساعتها في تجارة له في الشام .. وذلك قبل إسلامه .. ولم يمنعه من الكذب على رسول الله وتشويه صورته أمام هرقل إلا أن يؤثر أصحابه عليه كذبا ً: وكان كذب كبار القوم منقصة في الجاهلية) ‏ :‏ فماذا يأمركم - يعنى النبي - قال أبو سفيان‏ :‏ قلت ‏:‏ يقول ‏:‏ ‏"‏ اعبدوا الله وحده لا تشركوا به شيئاً، واتركوا ما يقول آباؤكم ، ويأمرنا بالصلاة، والصدق، والعفاف، والصلة‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏ ‏.‏

    57 - الرابع‏ :‏ عن أبي ثابت ، وقيل أبي سعيد ، وقيل أبي الوليد ، سهل بن حنيف ، وهو بدري (أي شارك في غزوة بدر الكبرى غفر الله له) ، رضي الله عنه ، أن النبي ، قال‏ :‏ ‏"‏مَن سأل الله تعالى الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء : وإن مات على فراشه‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه مسلم‏)‏‏)‏ ‏.‏

    58 - الخامس‏ :‏ عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال‏ :‏ قال رسول الله ‏:‏ ‏"‏غزا نبي ٌمن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم فقال لقومه‏:‏ لا يتبعني رجل مَلك بضع امرأة (أي عقد عليها) وهو يريد أن يبني بها (أي يدخل بها) ولمّا يبن بها (أي ولم يدخل بها بعد .. والهدف : أنه لم يشأ أن يتبعه للغزو في سبيل الله : مَن تعلق قلبه بثمرة من ثمار الدنيا من زوجة أو غيره) ، ولا أحد بنى بيوتا ًلم يرفع سقوفها، ولا أحد اشترى غنما ًأو خلفات (أي النوق الحوامل) وهو ينتظر أولادها (والهدف أنه مقبل على غزوة عظيمة وهي فتح بيت المقدس - والنبي هو يوشع بن نون فتى موسى عليه السلام كما جاء في حديث الإمام أحمد) ‏.‏ فغزا فدنا من القرية صلاة العصر أو قريباً من ذلك (أي اقترب وقت غروب الشمس ودخول يوم السبت الذي أ ُمر اليهود فيه بالسبوت وعدم العمل أو الغزو) ، فقال للشمس‏:‏ إنك مأمورة وأنا مأمور، اللهم احبسها علينا، فحبست حتى فتح الله عليه، فجمع الغنائم (وكانت سنة الأمم من قبل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم : أنهم كانوا يجمعون الغنائم : فيُرسل الله تعالى عليها نارا ًمن السماء لتأكلها) ، فجائت -يعني النار- لتأكلها فلم تطعمها، فقال ‏:‏ إن فيكم غلولاً (أي رجلا ًقد احتفظ لنفسه سرا ًبشيء من الغنيمة) ، فليبايعني من كل قبيلةٍ رجل، فلزقت يد رجل بيده فقال‏:‏ فيكم الغلول، فلتبايعني قبيلتك، فلزقت يد رجلين أو ثلاثة بيده فقال‏:‏ فيكم الغلول‏:‏ فجاؤوا برأس مثل رأس بقرة من الذهب، فوضعها فجاءت النار فأكلتها، فلم تحل الغنائم لأحد قبلنا (والحديث الآن من النبي لأمته) ، ثم أحل الله لنا الغنائم لما رأى ضعفنا وعجزنا فأحلها لنا‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏ ‏.‏

    الخلفات‏ ‏ بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام‏:‏ جمع خلفة، وهى الناقة الحامل‏ ‏.

    59 - السادس‏ :‏ عن أبي خالد حكيم بن حزام‏‏ رضي الله عنه ، قال ‏:‏ قال رسول الله ‏:‏ ‏"‏ البيعان (أي البائع والمشتري وسُميا بالبيعان لأنهما كانا يتبادلان البيع أو المقايضة ولو بغير المال) بالخيار مالم يتفرقا (أي لكل منهما أن يرجع في بيعه ما لم يتفرقا .. فإذا تفرقا لا يحل لأحدهما التراجع عن بيعه) ، فإن صدقا وبينا (أي صدق كل منهما الآخر في وصف سلعته وثمنها وعيوبها لو كان فيها عيوب) بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏ .

    أقول أنا أبو حب الله : وبمثل هذه الأخلاق انتشر الإسلام في كل زمان ومكان !
    ------
    -----------

    كتاب المقدمات ...
    باب المراقبة ...


    قال الله تعالى :
    {‏الذى يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين‏}‏ ‏(‏‏(‏الشعراء‏:‏ 219،220‏)‏‏)‏
    وقال تعالى :
    {‏وهو معكم أينما كنتم‏}‏ ‏(‏‏(‏الحديد ‏:‏4‏)‏
    وقال تعالى :
    {‏إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء‏}‏ ‏(‏‏(‏آل عمران ‏:‏ 6‏)‏‏)‏
    وقال تعالى :
    {‏إن ربك لبالمرصاد‏}‏ ‏(‏‏(‏الفجر ‏:‏ 14‏)‏‏)‏
    وقال تعالى :
    {‏يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور‏}‏ ‏(‏‏(‏ غافر ‏:‏ 19‏)‏‏)‏

    والآيات في الباب كثيرة معلومة‏.‏

    60- وأما الأحاديث ؛ فالأول‏:‏ عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه ، قال ‏"‏ بينما نحن جلوس عند رسول الله، ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب ، شديد سواد الشعر، لا يُرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي ، ، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه وقال‏:‏ يا محمد أخبرني عن الإسلام، فقال‏:‏ رسول الله ‏:‏ الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً‏.‏ قال صدقت‏.‏ فعجبنا له يسأله ويصدقه (أي تعجبنا منه : كيف يسأل النبي .. ثم يقول له صدقت !) قال ‏:‏ فأخبرني عن الإيمان‏.‏ قال أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره‏.‏ قال صدقت‏.‏ قال فأخبرني عن الإحسان ‏.‏ قال أن تعبد الله كأنك تراه؛ فإن لم تكن تراه فإنه يراك‏.‏ قال‏:‏ فأخبرني عن الساعة‏.‏ قال‏:‏ ما المسؤول عنها بأعلم من السائل‏.‏ قال ‏:‏ فأخبرني عن أماراتها قال‏:‏ أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطالون في البنيان‏.‏ ثم انطلق (أي تركنا ذلك الرجل الغريب وذهب) ، فلبثت ملياً (أي مضى وقت وعمر في جلوسه لم يسأل عنه النبي)، ثم قال (أي النبي) ‏: يا عمر أتدري مَن السائل‏؟‏ قلت‏:‏ الله ورسوله أعلم‏.‏ قال‏:‏ فإنه جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه مسلم‏)‏‏)‏ ‏.‏

    ومعنى ‏:‏‏ ‏ تلد الأمة ربتها‏ ‏ أي‏:‏ سيدتها؛ ومعناه أن تكثر السراري حتى تلد الأمة السرية بنتا لسيدها، وبنت السيد في معنى السيد، وقيل غير ذلك‏.‏ و‏ ‏العالة‏ ‏ الفقراء‏.‏ وقوله ‏ ‏ ملياً‏ ‏ أي زمناً طويلاً، وكان ذلك ثلاثاً‏

    61- الثانى‏:‏ عن أبي ذر جندب بن جنادة، وأبي عبد الرحمن معاذ بن جبل، رضي الله عنهما، عن رسول الله ، قال‏:‏ ‏"‏ اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه الترمذي وقال حديث حسن ‏)‏‏)‏‏.‏

    62- الثالث‏:‏ عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال‏:‏ ‏"‏ كنت خلف النبي، ، يوماً (أي راكبا ًخلفه على الدابة) فقال‏:‏ ‏"‏ يا غلام إني أعلمك كلمات‏:‏ ‏"‏احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم‏:‏ أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك بشيء إلا بشيء قد كتبه الله عليك؛ رفعت الأقلام، وجفت الصحف‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح‏)‏‏)‏ ‏.‏

    وفى رواية غير الترمذي‏:‏ ‏ ‏احفظ الله تجده أمامك ، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً‏ ‏‏ ‏

    63- الرابع‏:‏ عن أنس رضي الله عنه قال‏:‏ ‏"‏إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر، كنا نعدها على عهد رسول الله من الموبقات‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه البخاري ‏)‏‏)‏ ‏وقال ‏:‏ ‏ ‏الموبقات‏ ‏ المهلكات ‏‏.‏

    64- الخامس ‏:‏ عن أبي هريرة، رضي الله عنه ، عن النبي ، قال‏:‏ ‏"‏ إن الله تعال يغار، وغيرة الله ، تعالى، أن يأتي المرء ما حرم الله عليه‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏ ‏.‏
    ‏و‏ ‏الغيرة‏ ‏‏:‏ بفتح الغين، وأصلها الأنفة

    65- السادس ‏:‏ عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي يقول‏:‏ ‏"‏ إن ثلاثة من بنى إسرائيل ‏:‏ أبرص ، وأقرع، وأعمى، (الأبرص : هو الذي أ ُصيب جلده ببياض .. والأقرع : هو مَن ليس في رأسه شعر .. والأعمى : هو مَن لا يستطيع البصر) أراد الله أن يبتليهم (أي يمتحنهم) فبعث إليهم ملكاً، فأتى الأبرص فقال‏:‏ أي شيء أحب إليك‏؟‏ قال ‏:‏ لون حسن، وجلد حسن ، ويذهب عني الذى قد قذرني الناس؛ فمسحه فذهب عنه قذره وأعطي لونا حسناً‏.‏ قال‏:‏ فأي المال أحب إليك‏؟‏ قال‏:‏ الإبل-أو قال البقر : شك الرواي- فأعطي ناقة عشراء، فقال‏:‏ بارك الله لك فيها‏.‏

    فأتى الأقرع فقال‏:‏ أي شيء أحب إليك‏؟‏ قال‏:‏ شعر حسن، ويذهب عني هذا الذى قذرني الناس ، فمسحه فذهب عنه وأعطي شعراً حسناً‏.‏ قال‏:‏ فأي المال أحب إليك‏؟‏ قال‏:‏ البقر، فأعطي بقرة حاملاً،وقال بارك الله لك فيها‏
    .‏

    فأتي الأعمى فقال‏:‏ أي شيء أحب إليك‏؟‏ قال‏:‏ أن يرد الله إلي بصري فأبصر الناس، فمسحه فرد الله إليه بصره‏.‏ قال‏:‏ فأي المال أحب إليك‏؟‏ قال‏:‏ الغنم، فأعطي شاة والداً‏.‏ فأنتج هذان وولد هذا، فكان لهذا واد من الإبل، ولهذا واد من البقر، ولهذا واد من الغنم‏.‏

    ثم إنه أتى الأبرص في صورته وهيئته
    (أي أتاه الملاك في صورة رجل أبرص) ، فقال له‏:‏ رجل مسكين وابن سبيل قد انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم (أي لن أستطيع بلوغ مرادي في سفري) إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن، والجلد الحسن، والمال : بعيراً أتبلغ به في سفري، فقال‏:‏ الحقوق كثيرة (أي تحجج كاذبا ًبأنها كلها ليست ملكا ًله وإنما لأناس ٍحقوق فيها) ‏.‏ فقال (أي الملاك له ليقيم عليه الحُجة) :‏ كأني أعرفك، ألم تكن أبرص يقذرك الناس فقيراً، فأعطاك الله ‏؟‏‏!‏ فقال (أي الرجل كاذبا ً) ‏:‏ إنما ورثت هذا المال كابراً عن كابر، فقال (أي الملاك له) ‏:‏ إن كنت كاذباً فصيرك الله إلى ما كنت (أي صيرك أبرصا ًكما كنت ولم تشكره) ‏.‏

    وأتى الأقرع، فقال له مثل ما قال لهذا، ورد عليه مثل ما ردّ هذا، فقال إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت ‏.‏

    وأتى الأعمى في صورته وهيئته، فقال‏:‏ رجل مسكين وابن سبيل انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي رد عليك بصرك شاة أتبلغ بها في سفري‏؟‏ فقال‏:‏ قد كنت أعمى فرد الله بصري، فخذ ما شئت ودع ما شئت، فوالله ما أجهدك اليوم بشيء أخذته لله عز وجل فقال
    (أي قال الملاك له) ‏:‏ أمسك عليك مالك (أي لا حاجة لي به) فإنما ابتليتم (أي امتحن الله ثلاثتكم) ، فقد رضي الله عنك، وسخط على صاحبيك‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏ ‏.‏

    والناقة العشراء‏ ‏ بضم العين وفتح الشين وبالمد‏:‏ هى الحامل‏.‏
    قوله ‏ ‏أنتج‏ ‏وفى رواية ‏:‏ ‏ ‏ فنتج‏ ‏ معناه ‏:‏ تولى نتاجها ، والناتج للناقة كالقابلة للمرأة ‏.‏
    وقوله ‏ ‏ولد هذا ‏ ‏ هو بتشديد اللام ‏:‏ أى تولى ولادتها، وهو بمعنى نتج في الناقة‏.‏ فالمولد، والناتج، والقابلة بمعنى، لكن هذا للحيوان وذاك لغيره‏.‏
    وقوله‏:‏ ‏ ‏ انقطعت بي الحبال‏ ‏ هو بالحاء المهملة والباء الموحدة‏:‏ أي الأسباب‏:‏
    وقوله‏:‏ ‏ ‏ لا أجهدك‏ ‏ معناه ‏:‏ لا أشق عليك في رد شيء تأخذه أو تطلبه من مالي‏.‏ ‏(‏‏(‏وفى رواية البخاري‏)‏‏)‏ ‏:‏ ‏ ‏ لا أحمدك‏ ‏ بالحاء المهملة والميم، ومعناه‏:‏ لا أحمدك بترك شيء تحتاج إليه ، كما قالوا ‏:‏ ‏:‏ ليس على طول الحياة ندم، أي على فوات طولها‏.‏ ‏

    66- السابع‏:‏ عن أبي يعلى شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي قال‏:‏ ‏"‏ الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه الترمذي وقال حديث حسن‏)‏‏)‏‏.‏
    ‏قال الترمذي وغيره من العلماء ‏:‏ معنى ‏ ‏دان نفسه‏ ‏ ‏:‏ حاسبها‏

    أقول أنا أبو حب الله : والحديث وإن كان معناه صحيحا ً:
    إلا أنه ضعيف النسبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم سندا ً..
    ففيه : أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني : وهو ضعيف مُختلط ..

    وعلى كثرة أحاديث رياض الصالحين التي تعدت الـ 1900 حديث تقريبا ً:
    فإنه يوجد منها فقط 57 حديث ضعيف : هذا أولهم .. وسأ ُشير إليهم تباعا ً..
    ولمَن أراد الاطلاع عليهم مجموعين : من الرابط التالي :
    http://www.saaid.net/Doat/ehsan/145.htm

    67- الثامن‏:‏ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله ‏:‏ ‏"‏ من حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه‏"‏ ‏(‏‏(‏حديث حسن رواه الترمذي وغيره‏)‏‏)‏

    68- التاسع‏:‏ عن عمر رضي الله عنه عن النبي قال‏:‏ ‏"‏لا يُسأل الرجل فيم ضرب امرأته‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه أبو دواد وغيره‏)‏‏)‏ ‏.‏

    أقول أنا أبو حب الله : والحديث ضعيف ..
    فيه : داود بن يزيد الأودي وهو ضعيف ، وعبد الرحمن المسلي وهو مجهول
    وبفرض صحته :
    فإن معناه يُصرف إلى النهي عن تقصي أحوال الزوج وزوجته ما لم يشتكيا لمُصلح ٍبينهما ..
    فقد يكون سبب الضرب مُحرج للزوجة أو الزوج اطلاع الآخرين عليه والله أعلم ..
    وهذا الرابط للمزيد عن هذا الحديث وتأويله :
    http://islamqa.info/ar/ref/146600

    يُـتبع إن شاء الله بباب التقوى ...

  9. #9

    افتراضي


    كتاب المقدمات ...
    باب التقوى ...


    قال الله تعالى :
    {‏يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حقه تقاته‏}‏ ‏(‏‏(‏آل عمران ‏:‏ 102‏)‏‏)‏
    وقال تعالى :
    {‏فاتقوا الله ما استطعتم‏}‏ ‏(‏‏(‏التغابن ‏:‏ 16‏)‏‏)‏ وهذه الآية مبينة للمراد من الأولى ‏.‏
    وقال تعالى :
    {‏يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً‏}‏ ‏(‏‏(‏الأحزاب ‏:‏ 70‏)‏‏)‏
    وقال تعالى :
    {‏ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب‏}‏ ‏(‏‏(‏الطلاق ‏:‏ 2،3‏)‏‏)‏
    وقال تعالى :
    {‏إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم‏}‏ ‏(‏‏(‏الأنفال‏:‏29‏)‏‏)‏
    والآيات في الباب كثيرة معلومة‏.‏

    69 - وأما الأحاديث فالأول‏:‏ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قيل ‏:‏ يا رسول الله من أكرم الناس‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏أتقاهم‏"‏‏.‏ فقالوا ‏:‏ ليس عن هذا نسألك، قال‏:‏ ‏"‏ فيوسف نبي الله بن نبي الله بن نبي الله بن خليل الله‏"‏ قالوا‏:‏ ليس عن هذا نسألك، قال‏:‏ ‏"‏فعن معادن العرب تسألوني‏؟‏ خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا ‏:‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏ ‏.‏

    و‏فقهوا‏ بضم القاف على المشهور، وحكى كسرها ، أي ‏:‏ علموا أحكام الشرع

    70 - الثاني‏:‏ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي قال‏:‏ ‏"‏ إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه مسلم‏)‏‏)‏‏.‏

    71 - الثالث‏:‏ عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي كان يقول‏:‏ ‏"‏اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه مسلم‏)‏‏)‏‏.‏

    72 - الرابع‏:‏ عن أبي ظريف عدي بن حاتم الطائي رضي الله عنه قال‏:‏ سمعت رسول الله يقول‏:‏ ‏"‏من حلف على يمين ثم رأى أتقى لله منها فليأت التقوى‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه مسلم‏)‏‏)‏‏.‏

    مثال : إذا حلف مسلم ألا يزور أخته أو أخاه أو أباه أو خاله إلخ .. فالأتقى أن يزورهم ويبرهم لإسلامهم وقرابتهم وصلة رحمهم : فليأت الذي هو أتقى : ويُكفر عن يمينه ..

    73 - الخامس‏:‏ عن أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي رضي الله عنه قال‏:‏ سمعت رسول الله يخطب في حجة الوداع فقال ‏:‏ اتقوا الله ، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدوا زكاة أموالكم، وأطيعوا أمراءكم، تدخلوا جنة ربكم‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه الترمذي، في آخر كتاب الصلاة وقال ‏:‏ حديث حسن صحيح‏)‏‏)‏‏.‏
    -------
    -----------

    كتاب المقدمات ...
    باب اليقين والتوكل ...


    قال الله تعالى :
    {‏ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا‏:‏ هذا ما وعدنا الله ورسوله، وصدق الله ورسوله، وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً‏}‏ ‏(‏‏(‏الأحزاب ‏:‏ 22‏)‏‏)‏
    وقال تعالى :
    {‏الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل‏ * فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوءٌ واتبعوا رضوان الله، والله ذو فضل عظيم‏}‏ ‏(‏‏(‏آل عمران ‏:‏ 173‏:‏ 174‏)‏‏)‏،
    وقال تعالى :
    {‏وتوكل على الحي الذي لا يموت‏}‏ ‏(‏‏(‏الفرقان ‏:‏ 58‏)‏‏)‏
    وقال تعالى :
    {‏وعلى الله فليتوكل المؤمنون‏}‏ ‏(‏‏(‏إبراهيم ‏:‏11‏)‏‏)‏‏.‏
    وقال تعالى :
    {‏فإذا عزمت فتوكل على الله‏}‏ ‏(‏‏(‏آل عمران ‏:‏159‏)‏‏)‏‏.‏ والآيات في الأمر بالتوكل كثيرة معلومة‏.‏
    وقال تعالى :
    {‏ومن يتوكل على الله فهو حسبه‏}‏ ‏(‏‏(‏ الطلاق ‏:‏3‏)‏‏)‏ أي‏:‏ كافيه‏:‏
    وقال تعالى :
    {‏إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون‏}‏ ‏(‏‏(‏الأنفال ‏:‏ 2‏)‏‏)‏
    والآيات في فضل التوكل كثيرة معروفة‏.
    ‏وأما الأحاديث‏.‏

    74- فالأول عن ابن عباس رضي الله عنهما قال‏:‏ قال رسول الله ‏:‏ عُرضت عليّ الأمم، فرأيت النبي ومعه الرهيط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد إذ رفع لي سواد عظيم فظننت أنهم أمتي، فقيل لى ‏:‏ هذا موسى وقومه، ولكن انظر إلى الأفق، فنظرت فإذا سواد عظيم، فقيل لى، انظر إلى الأفق الآخر، فإذا سواد عظيم، فقيل لي‏:‏ هذه أمتك، ومعهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب‏"‏ ثم نهض فدخل منزله، فخاض الناس في أولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، فقال بعضهم‏:‏ فلعلهم الذين صحبوا رسول الله ، وقال بعضهم‏:‏ فلعلهم الذين وُلدوا في الإسلام، فلم يشركوا بالله شيئاً- وذكروا أشياء- فخرج عليهم رسول الله فقال‏:‏ ‏"‏ما الذي تخوضون فيه‏؟‏‏"‏ فأخبروه فقال‏:‏ ‏"‏هم الذين لا يرقون ، ولا يسترقون ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون‏"‏ فقام عكاشة بن محصن فقال‏:‏ ادع الله أن يجعلني منهم، فقال‏:‏ ‏"‏أنت منهم‏"‏ ثم قام رجل آخر فقال‏:‏ ادع الله أن يجعلني منهم فقال‏:‏ ‏"‏سبقك بها عكاشة‏"‏ ‏.‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏ ‏.‏
    ‏‏‏‏
    الرهيط‏ بضم الراء‏:‏ تصغير رهط، وهم دون عشرة أنفس‏.‏ ‏
    والأفق‏ ‏‏:‏ الناحية والجانب‏.‏ ‏ ‏
    وعكاشة‏ ‏ بضم العين وتشديد الكاف وبتخفيفها ، والتشديد أفصح ‏‏‏. ‏

    75- الثاني‏:‏ عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضاً أن رسول الله كان يقول‏:‏ ‏"‏اللهم لك أسلمت وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت ، وبك خاصمت‏.‏ اللهم أعوذ بعزتك، لا إله إلا أنت أن تضلني، أنت الحي الذي لا تموت، والجن والإنس يموتون‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏ ‏.‏ ‏(‏‏(‏وهذا لفظ مسلم، واختصره البخاري‏)‏‏)‏‏.‏

    76- الثالث‏:‏ عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضاً قال‏:‏ ‏"‏حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم حين ألقي في النار، وقالها محمد حين قالوا‏:‏ إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا‏:‏ حسبنا الله ونعم الوكيل‏:‏ ‏(‏‏(‏رواه البخاري‏)‏‏)‏‏.‏
    ‏وفي رواية للبخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال‏:‏ ‏ ‏كان آخر قول إبراهيم حين ألقي في النار‏:‏ حسبي الله ونعم الوكيل‏

    77- الرابع‏:‏ عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال‏:‏ ‏"‏يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه مسلم‏)‏‏)‏‏.‏

    قيل ‏:‏ معناه متوكلون، وقيل‏:‏ قلوبهم رقيقة ‏ ‏

    78- الخامس‏:‏ عن جابر رضي الله عنه أنه غزا مع النبي قبل نجد، فلما قفل رسول الله قفل معهم، فأدركتهم القائلة في واد كثير العضاه، فنزل رسول الله ، وتفرق الناس يستظلون بالشجر، ونزل رسول الله تحت سمرة، فعلق بها سيفه، ونمنا نومة، فإذا رسول الله يدعونا، وإذا عنده أعرابي فقال‏:‏ ‏"‏إن هذا اختراط علي سيفي وأنا نائم، فاسيقظت وهو في يده صلتا، قال‏:‏ من يمنعك منى‏؟‏ قلت‏:‏ الله-ثلاثا‏"‏ ولم يعاقبه وجلس‏.‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏ ‏.‏
    وفي رواية ‏:‏ قال جابر‏:‏ كنا مع رسول الله بذات الرقاع‏:‏ فإذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها لرسول الله ، فجاء رجل من المشركين، وسيف رسول الله معلق بالشجرة، فاخترطه فقال ‏:‏ تخافني‏؟‏ قال‏:‏ ‏ ‏لا‏ ‏ قال ‏:‏ فمن يمنعك مني ‏؟‏ قال‏:‏ ‏ ‏الله‏ ‏‏.‏
    وفي رواية أبي بكر الإسماعيلى في صحيحه‏:‏ قال‏:‏ من يمنعك مني‏؟‏ قال ‏:‏ ‏ ‏الله‏ ‏ قال‏:‏ فسقط السيف من يده، فأخذ رسول الله السيف فقال‏:‏ ‏ ‏من يمنعك مني‏؟‏‏ ‏ فقال كن خير آخذ، فقال ‏ ‏تشهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله‏؟‏ ‏ ‏ قال‏:‏ لا، ولكني أعاهدك أن لا أقاتلك ولا أكون مع قوم يقاتلونك، فخلى سبيله، فأتى أصحابه فقال‏:‏ جئتكم من عند خير الناس‏.‏

    ‏وقوله‏:‏ ‏ ‏قفل‏ ‏ أي ‏:‏ رجع ‏.‏ و‏ ‏ العضاه‏ ‏ ‏:‏ الشجر الذي له شوك‏.‏‏ ‏والسمرة‏ ‏ بفتح السين وضم الميم‏:‏ الشجرة من الطلح، وهي العظام من شجرة العضاه‏.‏ و‏ ‏اخترط السيف‏ ‏ أي ‏:‏ سله وهو في يده‏.‏ ‏ ‏صلتا‏ ‏ أي‏:‏ مسلولاً ، وهو بفتح الصاد وضمها. ‏

    79- السادس‏:‏ عن عمر رضي الله عنه قال‏:‏ سمعت رسول الله يقول ‏:‏ ‏"‏لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير ، تغدو خماصاً وتروح بطاناً‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه الترمذي ، وقال حديث حسن ‏)‏‏)‏‏.‏
    ‏‏
    معناه تذهب أول النهار خماصاً ‏:‏ أي ضامرة البطون من الجوع، وترجع آخر النهار بطاناً‏:‏ أي ‏:‏ ممتلئة البطون ‏ ‏

    وفيه أن التوكل هو السعي .. وليس هو التواكل والجلوس بلا عمل ولا سعي ..

    80- السابع‏:‏ عن أبي عمارة البراء بن عازب رضي الله عنهما قال ‏:‏ قال رسول الله ‏:‏ ‏"‏ يا فلان إذا أويت إلى فراشك فقل‏:‏ اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك‏:‏ وفوضت أمري إليك ، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك ، آمنت بكتابك الذي أنزلت، ونبيك الذي أرسلت؛ فإنك إن مت من ليلتك مت على الفطرة، وإن أصبحت أصبت خيراً‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏ ‏.‏
    ‏وفي رواية في الصحيحين عن البراء قال‏:‏ ‏ ‏ قال لي رسول الله ‏:‏ ‏ ‏إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن وقل‏:‏ وذكر نحوه، ثم قال‏:‏ واجعلهن آخر ما تقول‏ ‏‏

    81- الثامن‏:‏ عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه وهو عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي التيمي رضي الله عنه - وهو وأبوه وأمه صحابة، رضي الله عنهم- قال‏:‏ نظرت إلى أقدام المشركين ونحن في الغار وهم على رؤوسنا فقلت يارسول الله لو أن أحدهم نظر تحت قدمية لأبصرنا‏.‏ فقال‏:‏ ‏"‏ ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏ ‏.‏

    82- التاسع‏:‏ عن أم المؤمنين أم سلمة، واسمها هند بنت أبي أمية حذيفة المخزومية، رضي الله عنها أن النبي كان إذا خرج من بيته قال‏:‏ ‏"‏بسم الله، توكلت على الله ، اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أ ُضل، أو أذل أو أ ُذل، أو أظلم أو أ ُظلم ، أو أجهل أو يُجهل علي‏"‏ ‏(‏‏(‏حديث صحيح رواه أبو داود، والترمذي وغيرهما بأسانيد صحيحة‏)‏‏)‏ ‏.‏ ‏(‏‏(‏قال الترمذي‏:‏ حديث حسن صحيح، وهذا لفظ أبي داود‏)‏‏)‏‏.‏

    83- العاشر‏:‏ عن أنس رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله ‏:‏ ‏"‏من قال-يعني إذا خرج من بيته-‏:‏ بسم الله توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، يقال له‏:‏ هديت وكفيت ووقيت، وتنحى عنه الشيطان‏"‏‏.‏ رواه أبو داود والترمذي، والنسائي وغيرهم‏.‏ وقال الترمذي‏:‏ حديث حسن، زاد أبو داود‏:‏ ‏"‏فيقول ‏:‏-يعني الشيطان-لشيطان آخر‏:‏ كيف لك برجل قد هدي وكفي ووُقيّ ‏؟‏

    84- وعن أنس رضي الله عنه قال‏:‏ كان أخوان على عهد النبي ، وكان أحدهما يأتي النبي (أي لسماع العلم منه) ، والآخر يحترف (أي يعمل ليُنفق عليه وعلى أخيه) ، فشكا المحترف آخاه للنبي فقال ‏:‏ ‏"‏لعلك ترزق به‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه الترمذي بإسناد صحيح على شرط مسلم‏)‏‏)‏‏.‏ ‏ ‏

    يحترف‏ ‏:‏ يكتسب ويتسبب

    يُـتبع إن شاء الله بباب الاستقامة ..

  10. #10

    افتراضي


    كتاب المقدمات ...
    باب الاستقامة ...


    قال الله تعالى‏ :‏‏
    {‏فاستقم كما أ ُمرت‏}‏ ‏(‏‏(‏هود ‏:‏ 112‏)‏‏)‏
    وقال تعالى‏ :‏ ‏
    {‏إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون، نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نـُزلا ًمن غفور رحيم‏}‏ ‏(‏‏(‏فصلت ‏:‏ 30، 32‏)‏‏)‏
    وقال تعالى‏ :‏ ‏
    {‏إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاءً بما كانوا يعملون‏}‏ ‏(‏‏(‏ الأحقاف ‏:‏ 13،14‏)‏‏)‏‏.‏

    85- وعن أبي عمرو، وقيل‏:‏ أبي عمرة سفيان بن عبد الله رضي الله عنه قال‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏قل آمنت بالله‏:‏ ثم استقم‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه مسلم‏)‏‏)‏‏.‏

    86- وعن أبي هريرة رضي الله عنه ‏:‏ قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قاربوا وسددوا، واعلموا أنه لن ينجو أحد منكم بعمله‏"‏ قالوا‏:‏ ولا أنت يا رسول الله ‏؟‏! قال‏:‏ ‏"‏ولا أنا إلا أن يتغمدنى الله برحمة منه وفضل‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه مسلم‏)‏‏)‏‏.‏

    ‏و‏المقاربة‏ ‏‏:‏ القصد الذي لا غلو فيه ولا تقصير‏.‏
    و‏‏السداد‏ ‏ ‏:‏ الاستقامة والإصابة
    و‏ يتغمدني‏ ‏ يلبسني ويسترني ‏

    ‏قال العلماء‏:‏ معنى الاستقامة‏:‏ لزوم طاعة الله تعالى؛ قالوا‏:‏
    وهي من جوامع الكلم ، وهي نظام الأمور ..
    -------
    -----------

    كتاب المقدمات ...
    باب التفكر في عظيم مخلوقات الله تعالى ...


    وفناء الدنيا وأهوال الآخرة وسائر أمورهما وتقصير النفس وتهذيبها وحملها على الاستقامة ...

    قال الله تعالى ‏:‏ ‏
    {‏إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا‏}‏ ‏(‏‏(‏سبأ‏:‏46‏)‏‏)‏
    وقال تعالى ‏:‏ ‏
    {‏إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب‏.‏ الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك‏}‏ الآيات ‏(‏‏(‏آل عمران ‏:‏ 190‏:‏ 191‏)‏‏)‏
    وقال تعالى ‏:‏ ‏
    {‏أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الأرض كيف سطحت فذكر إنما أنت مذكر‏}‏ ‏(‏‏(‏الغاشية‏:‏17،21‏)‏‏)‏
    وقال تعالى ‏:‏ ‏
    {‏أفلم يسيروا في الأرض فينظروا‏}‏ الآية ‏(‏‏(‏القتال ‏:‏10‏)‏‏)‏
    وقال تعالى ‏:‏ ‏
    {‏فاستبقوا الخيرات‏}‏ ‏(‏‏(‏البقرة ‏:‏148‏)‏‏)‏ ‏.‏
    وقال تعالى ‏:‏ ‏
    {‏وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين‏}‏ ‏(‏‏(‏آل عمران ‏:‏133‏)‏‏)‏‏.‏

    وأما الأحاديث‏:‏

    87- فالأول‏:‏ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافراً ويمسي مؤمنا ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه مسلم‏)‏‏)‏‏.‏

    88- الثاني عن أبي سروعة -بكسر السين المهملة وفتحها- عقبة بن الحارث رضي الله عنه قال‏:‏ صليت وراء النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة العصر، فسلم ثم قام مسرعاً فتخطى رقاب الناس إلى بعض حجر نسائه، ففزع الناس من سرعته، فخرج عليهم، فرأى أنهم قد عجبوا من سرعته، قال ‏"‏ذكرت شيئاً من تبر (بكسر التاء : قطع من الذهب أو الفضة من الصدقة) عندنا فكرهت أن يحبسنى، فأمرت بقسمته‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه البخاري‏)‏‏)‏‏.‏

    ‏وفي رواية للبخاري ‏:‏ ‏ ‏كنت خلفت في البيت تبراً من الصدقة، فكرهت أن أ ُبيته‏ ‏‏.‏ ‏
    و(‏‏(‏التبر‏)‏‏)‏ قطع ذهب أو فضة ‏‏

    89- الثالث‏:‏ عن جابر رضي الله عنه قال‏:‏ قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم يوم أ ُحد‏:‏ ‏"‏ أي الصدقة أعظم أجراً‏؟‏ قال‏:‏ أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر، وتأمل الغنى، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم‏.‏ قلت‏:‏ لفلان كذا ولفلان كذا، وقد كان لفلان‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏‏.‏

    ‏الحلقوم‏ مجرى النَفَس‏.‏ و‏ ‏المريء‏ ‏‏:‏ مجرى الطعام والشراب ‏

    91- الخامس‏:‏ عن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ سيفاً يوم أ ُحد فقال‏:‏ ‏"‏ مَن يأخذ مني هذا‏؟‏ فبسطوا أيديهم، كل إنسان منهم يقول‏:‏ أنا أنا‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏فمَن يأخذه بحقه‏؟‏‏"‏ فأحجم القوم، فقال أبو دجانة رضي الله عنه‏:‏ أنا آخذه بحقه، فأخذه ففلق به هام المشركين‏.‏ ‏(‏‏(‏رواه مسلم‏)‏‏)‏‏.‏

    ‏اسم أبى دجانة‏:‏ سماك بن خرشة‏.‏
    قوله‏:‏ ‏ أحجم القوم‏ ‏‏:‏ أي توقفوا‏.‏ و‏ ‏فلق به‏ ‏‏:‏ أي شق‏ ‏هام المشركين‏ ‏‏:‏ أي رؤوسهم ‏

    92- السادس‏:‏ عن الزبير بن عدي قال‏:‏ أتينا أنس بن مالك رضي الله عنه فشكونا إليه ما نلقى من الحَجاج‏ (أي الحَجاج الثقفي المُبير الكثير القتل) .‏ فقال‏:‏ ‏"‏اصبروا فإنه لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم‏"‏ سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم‏.‏‏(‏‏(‏رواه البخاري‏)‏‏)‏‏.‏

    93- السابع‏:‏ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ بادروا بالأعمال سبعاً‏.‏ هل تنتظرون إلا فقراً مُنسياً، أو غنىً مُطغياً، أو مرضاً مُفسداً، أو هرماً مُفنداً، أو موتاً مُجهزاً أو الدجال فشر غائب يُنتظر، أو الساعة فالساعة أدهى وأمر‏!‏‏ "‏ ‏(‏‏(‏رواه الترمذي وقال‏:‏ حديث حسن‏)‏‏)‏‏.‏

    أقول : ورغم صحة المعنى ..
    إلا أن الحديث ضعيف في نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
    فيه : محرر بن هاورن ، وهو متروك الحديث ...

    94- الثامن‏:‏ عنه (أي أبي هريرة راوي الحديث السابق) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر‏:‏ ‏"‏لأ ُعطين هذه الراية رجلا يحب الله ورسوله، يفتح الله على يديه‏"‏ قال عمر رضي الله عنه‏:‏ ما أحببت الإمارة إلا يؤمئذ، فتساورت لها رجاء أن أ ُدعى لها، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه فأعطاه إياها وقال‏:‏ ‏"‏ أمش ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك‏"‏ فسار عليٌ شيئاً، ثم وقف ولم يلتفت، فصرخ (أي نادى بصوت ٍمرتفع كونه لم يلتفت امتثالا ًلأمر النبي له) ‏:‏ يا رسول الله، على ماذا أقاتل الناس‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏ قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه مسلم‏)‏‏)‏‏

    فتساورت‏ ‏ هو بالسين المهملة‏:‏ أي وثبت متطلعاً‏.

    يُـتبع إن شاء الله بباب المجاهدة ...

  11. #11

    افتراضي


    كتاب المقدمات ...
    باب المجاهدة ...


    قال الله تعالى‏ :‏ ‏
    {‏والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين‏}‏ ‏(‏‏(‏العنكبوت‏:‏29‏)‏‏)‏‏.‏
    وقال تعالى ‏:‏ ‏
    {‏واعبد ربك حتى يأتيك اليقين‏}‏ ‏(‏‏(‏الحجر‏:‏99‏)‏‏)‏‏.‏
    وقال تعالى‏ :‏ ‏
    {‏فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره‏}‏ ‏(‏‏(‏الزلزلة‏:‏7‏)‏‏)‏‏.‏
    وقال تعالى ‏:‏ ‏
    {‏وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيراً وأعظم أجراً‏}‏ ‏(‏‏(‏المزمل‏:‏ 20‏)‏‏)‏‏.‏
    وقال تعالى‏ :‏ ‏
    {‏وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم‏}‏ ‏(‏‏(‏البقرة‏:‏ 273‏)‏‏)‏

    والآيات في الباب كثيرة معلومة‏.‏
    وأما الأحاديث‏:‏

    95- فالأول‏:‏ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إن الله تعالى قال‏:‏ مَن عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب‏.‏ وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني أعطيته؛ ولئن اسعاذني لأعيذنه‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه البخاري‏)‏‏)‏‏.‏

    ‏آذنته‏ ‏‏:‏ أعلمته بأني محارب له‏ ‏ استعاذني‏ ‏ روي بالنون وبالباء أي استعاذ بي ‏

    96- الثاني‏:‏ عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل قال‏:‏ ‏"‏ إذا تقرب العبد إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإذا تقرب إلي ذراعاً تقربت منه باعاً، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه البخاري‏)‏‏)‏‏.‏

    97- الثالث‏:‏ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس‏:‏ الصحة، والفراغ‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه البخاري‏)‏‏)‏‏.‏

    98- الرابع‏:‏ عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تنفطر قدماه، فقلت له‏:‏ لم تصنع هذا يا رسول الله، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر‏؟‏‏!‏ قال‏:‏ ‏"‏ أفلا أ ُحب أن أكون عبداً شكوراً‏؟‏‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏.‏ هذا لفظ البخاري، ونحوه في الصحيحين من رواية المغيرة بن شعبة‏)‏‏)‏‏.‏

    أقول :
    ويختلف الشكر عن الحمد : أن الشكر هو القيام بمردود النعمة على النفس بقول أو فعل ..

    99- الخامس‏:‏ عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت‏:‏ ‏"‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر (أي الأواخر من ليال رمضان) أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجد وشد المئزر‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏‏.‏

    ‏والمراد‏:‏ العشر الأواخر من شهر رمضان‏.‏ ‏ ‏
    والمئزر‏ ‏‏:‏ الإزار، وهو كناية عن اعتزال النساء، وقيل ‏:‏ المراد تشميرة للعبادة‏.‏ يقال‏:‏ شددت لهذا الأمر مئزرى، أي‏:‏ تشمرت، وتفرغت له‏ ‏

    100- السادس‏:‏ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ المؤمن القوي (أي في إيمانه وعزيمته - ويلحق بها قوة البدن في الخير إن وُجدت أو استطاع اكتسابها) خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير‏.‏ احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز‏.‏ وإن أصابك شيء فلا تقل‏:‏ لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل‏:‏ قدر الله، وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان‏"‏ ‏(‏‏(‏ رواه مسلم‏)‏‏)‏‏.‏

    أقول : وهذا الحديث من أروع الاحاديث الجامعة لخيري الدين والدنيا معا ًلمَن يفقه ..

    101- السابع‏:‏ عنه (أي راوي الحديث السابق أبي هريرة) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ حُجبت النار بالشهوات، وحُجبت الجنة بالمكاره‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏‏.‏

    ‏وفي رواية لمسلم‏:‏ ‏ ‏ حُفت‏ ‏ بدل ‏ ‏ حجبت‏ ‏ وهو بمعناه؛ أي‏:‏ بينه وبينها هذا الحجاب؛ فإذا فعله دخلها ‏

    أقول : وهذا أصل كبير لمَن أراد أن يفهم الدنيا على حقيقتها ..
    فحجب الجنة بالمكاره :
    أي بالأعمال التي فيها مجاهدة لنفس الإنسان التي تنزع للكسل والراحة والتمتع وعدم المشقة والبذل ..
    وحجب النار بالشهوات :
    أي بالأعمال التي فيها إغراء من إبليس والنفس للوقوع فيها وإتيانها ..
    وعلى هذا وهذا يأتي الثواب للذي جاهد واجتهد في الطاعات .. والعقاب لمَن لم يبالي وتكاسل ووقع في المعاصي ..

    102- الثامن‏:‏ عن أبي عبد الله حذيفة بن اليمان، رضي الله عنهما، قال‏:‏ صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فافتتح البقرة، فقلت يركع عند المائة، ثم مضى؛ فقلت يصلي بها في ركعة، فمضى؛ فقلت يركع بها، ثم افتتح النساء؛ فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مترسلاً إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ، ثم ركع فجعل يقول‏:‏ ‏"‏ سبحان ربي العظيم‏"‏ فكان ركوعه نحواً من قيامه (أي من قريبا ًمن طول وقت قيامه) !!.. ثم قال‏:‏ ‏"‏ سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد‏"‏ ثم قام قياماً طويلاً قريباً مما ركع، ثم سجد فقال‏:‏ ‏"‏ سبحان ربي الأعلى‏"‏ فكان سجوده قريباً من قيامه‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه مسلم‏)‏‏.‏

    103- التاسع‏:‏ عن ابن مسعود رضي الله عنه قال‏:‏ صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة، فأطال القيام حتى هممت بأمر سوء‏!‏ قيل‏:‏ وما هممت به‏؟‏
    قال‏:‏ هممت أن أجلس وأدعه‏!!.. ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏‏.‏

    وكان ابن مسعود رضي الله عنه نحيف الجسد والقدمين .. فشق عليه القيام خلف رسول الله في صلاته !!..
    وكان رسول الله إذا صلى في الليل وحده : أطال بما يفتح الله تعالى عليه من قوة وتدبر وخشوع ..
    فإذا صلى بالناس : خفف مراعاة ًللضعيف والصغير وذي الحاجة الذي على عجل ..

    104- العاشر عن أنس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ يتبع الميت ثلاثة‏:‏ أهله وماله وعمله؛ فيرجع اثنان ويبقى واحد‏:‏ يرجع أهله وماله، ويبقى عمله‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏‏.‏

    105- الحادي عشر‏:‏ عن ابن مسعود رضي الله عنه قال‏:‏ قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه البخاري‏)‏‏)‏‏.‏

    أقول :
    والشاهد من الحديث أنه ربما قال الإنسان قولا ًأو فعل فعلا ً: لو مات عليه :
    فلربما دخل به الجنة !!.. أو ربما دخل به النار !!.. فاللهم أحسن خاتمتنا ..

    106- الثاني عشر‏:‏ عن أبي فراس ربيعة بن كعب الأسلمى خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أهل الصُفة رضي الله عنه (وأهل الصُفة هم فقراء المهاجرين الذين آثروا المبيت في الصفة في المسجد النبوي) قال‏:‏ ‏"‏ كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فآتيه بوضوئه، وحاجته فقال‏:‏ ‏"‏سلني‏"‏ فقلت‏:‏ أسألك مرافقتك في الجنة‏.‏ فقال‏:‏ ‏"‏ أوغير ذلك‏؟‏‏"‏ قلت‏:‏ هو ذاك قال‏:‏ ‏"‏ فأعني على نفسك بكثرة السجود‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه مسلم‏)‏‏)‏‏.‏

    107- الثالث عشر‏:‏ عن أبي عبد الله- ويقال‏:‏ أبو عبد الرحمن- ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏ عليك بكثرة السجود، فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحط عنك بها خطيئة‏"‏‏.‏ ‏(‏‏(‏رواه مسلم‏)‏‏)‏‏.‏

    108- الرابع عشر‏:‏ عن أبي صفوان عبد الله بن بسر الأسلمي، رضي الله عنه، قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ خير الناس مَن طال عمره وحسن عمله‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه الترمذي، وقال‏:‏ حديث حسن‏.‏ ‏"‏بُسر‏"‏‏:‏ بضم الياء وبالسين المهملة‏)‏‏)‏‏.‏

    109- الخامس عشر‏:‏ عن أنس رضي الله عنه، قال‏:‏ غاب عمي أنس بن النضر رضي الله عنه، عن قتال بدر، فقال‏:‏ يارسول الله غبت عن أول قتال قاتلت المشركين، لئن الله أشهدني قتال المشركين ليرين الله ما أصنع‏.‏ فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون، فقال اللهم أعتذر إليك مما صنع هؤلاء - يعني أصحابه- وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء- يعني المشركين- ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ، فقال‏:‏ ياسعد بن معاذ الجنة ورب الكعبة، إني أجد ريحها من دون أ ُحد‏.‏ قال سعد‏:‏ فما استطعت يا رسول الله ما صنع‏!‏ (أي أن أنس بن النضر أبلى بلاءً وقد شم رائحة الجنة وأيقن أنه يستشهد بإذن الله : لم يستطع أحد أن يصنع مثله يومها) قال أنس‏:‏ فوجدنا به بضعاً وثمانين ضربة بالسيف، أو طعنة برمح ، أو رمية بسهم، ووجدناه قد قتل ومثل به المشركون فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه‏(أي بعلامة تعرفها في أصبعه لكثرة ما أصابه من جروح ولتمثيل المشركين بجثته رحمه الله) .‏

    قال أنس‏:‏ كنا نرى أو نظن أن هذه الآيه نزلت فيه وفي أشباهه‏:‏ ‏{‏من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه‏}‏ ‏(‏‏(‏ الأحزاب‏:‏ 23‏)‏‏)‏ إلى آخرها‏.‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏‏.‏

    ‏قوله‏:‏ ‏ ‏ ليرين الله‏ ‏ روي بضم الياء وكسر الراء؛ أي‏:‏ ليُظهرن الله ذلك للناس، وروي بفتحهما، ومعناه ظاهر، والله أعلم ‏

    110- السادس عشر‏:‏ عن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري رضي الله عنه قال‏:‏ لما نزلت آية الصدقة كنا نحامل على ظهورنا‏.‏ فجاء رجل فتصدق بشيء كثير فقالوا‏:‏ مراءٍ (أي رياء ليمدحه الناس وليس لوجه الله) ، وجاء رجل آخر فتصدق بصاع فقالوا‏:‏ إن الله لغني عن صاع هذا‏!‏ فنزلت ‏{‏الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم‏}‏ الآية ‏(‏‏(‏التوبة‏:‏79‏)‏‏)‏‏.‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه ‏)‏‏)‏‏.‏

    ونحامل‏ ‏ بضم النون، وبالحاء المهملة‏:‏ أي يحمل أحدنا على ظهره بالأجرة، ويتصدق بها ‏

    111- السابع عشر‏:‏ عن سعيد بن عبد العزيز، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي جندب بن جنادة، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروى عن الله تبارك وتعالى أنه قال‏:‏ ‏"‏ ياعبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته؛ فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته؛ فاستطعموني أطعمكم،يا عبادي كلكم عارٍ إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا، فاستغفروني أغفرلكم، ياعبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد، فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه‏"‏‏.‏ قال سعيد‏:‏ كان أبو إدريس إذا حدث بهذا الحديث جثا على ركبتيه‏.‏ رواه مسلم‏.‏

    ‏وروينا عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله قال‏:‏
    ليس لأهل الشام حديث أشرف من هذا الحديث ‏‏..!
    -------
    -----------

    كتاب المقدمات ...
    باب الحث على الازدياد من الخير في أواخر العمر ...


    قال الله تعالى‏ :‏ ‏
    {‏أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير‏}‏ ‏(‏‏(‏فاطر‏:‏ 37‏)‏‏)‏

    قال ابن عباس، والمحققون معناه‏:‏ أو لم نعمركم ستين سنة‏؟‏
    ويؤيده الحديث الذي سنذكره إن شاء الله تعالى،
    وقيل‏:‏ معناه ثماني عشرة سنة‏.‏ - أي ما بعد سن التكليف -
    وقيل‏:‏ أربعين سنة قاله الحسن والكلبي ومسروق، ونقل عن ابن عباس أيضاً‏.‏
    ونقلوا‏:‏ إن أهل المدينة كانوا إذا بلغ أحدهم أربعين سنة تقرغ للعبادة‏.‏
    (‏‏(‏وقيل‏:‏ هو البلوغ‏)‏‏)‏‏.‏

    وقوله تعالى‏ :‏ ‏
    {‏وجاءكم النذير‏}‏ قال ابن عباس والجمهور‏:‏ هو النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
    وقيل‏:‏ الشيب‏.‏ قاله عكرمة، وابن عيينة، وغيرهما‏.‏ والله أعلم‏.‏

    112- وأما الأحاديث فالأول‏:‏ عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ أعذر الله إلى امرئ ٍ: أخر أجله حتى بلغ ستين سنة‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه البخاري‏)‏‏)‏‏.‏

    ‏قال العلماء‏:‏ معناه لم يترك له عذراً إذ أمهله هذه المدة‏.‏ يقال‏:‏ أعذر الرجل‏:‏ إذا بلغ الغاية في العذر ‏

    113- الثاني‏:‏ عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال‏:‏ كان عمر رضي الله عنه يدخلني مع أشياخ بدر، فكأن بعضهم وجد في نفسه فقال‏:‏ لمَ يدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله‏!‏‏؟‏ فقال عمر‏:‏ إنه من حيث علمتم‏ (أي ابن عم رسول الله والذي دعا له بالفقه في الدين والقرآن) !‏ فدعاني ذات يوم فأدخلني معهم، فما رأيت أنه دعانى يومئذ إلا ليريهم قال‏:‏ ما تقولون في قول الله تعالى‏:‏ ‏(‏إذا جاء نصر الله والفتح‏؟‏‏)‏ ‏(‏‏(‏النصر‏:‏1‏)‏‏)‏ فقال بعضهم‏:‏ أمرنا نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا‏.‏ وسكت بعضهم فلم يقل شيئاً‏.‏ فقال لي‏:‏ أكذلك تقول يا ابن عباس‏؟‏ فقلت‏:‏ لا‏.‏ قال فما تقول‏؟‏ قلت‏:‏ هو أجل (أي موت) رسول الله صلى الله عليه وسلم، أعلمه له قال‏:‏ ‏{‏إذا جاء نصر الله والفتح‏}‏ وذلك علامة أجلك ‏{‏فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً‏}‏ ‏(‏‏(‏الفتح‏:‏ 3‏)‏‏)‏ فقال عمر رضي الله عنه‏:‏ ما أعلم منها إلا ما تقول‏.‏ ‏(‏‏(‏رواه البخاري‏)‏‏)‏‏.‏

    114- الثالث‏:‏ عن عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة بعد أن نزلت عليه ‏{‏إذا جاء نصر الله والفتح‏}‏ إلا يقول فيها‏:‏ ‏"‏ سبحانك ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏‏.‏

    وفي رواية في الصحيحين‏ عنها‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده‏:‏ ‏
    "‏سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي‏"‏ يتأول القرآن‏.‏

    ‏‏معنى‏:‏ ‏ ‏يتأول القرآن‏ ‏ أي‏:‏ يعمل ما أمر به في القرآن في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فسبح بحمد ربك واستغفره‏}

    وفي رواية لمسلم‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكثر أن يقول قبل أن يموت‏:‏ ‏"‏سبحانك اللهم وبحمدك، أستغفرك وأتوب إليك‏"‏‏.‏ قالت عائشة‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول الله ما هذه الكلمات التي أراك أحدثتها تقولها‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏جُعلت لي علامة في أمتي إذا رأيتها قلتها ‏{‏إذا جاء نصر الله والفتح‏}‏ إلى آخر السورة‏"‏‏.‏

    وفي رواية له‏ (أي الإمام مسلم في صحيحه) :‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من قول‏:‏ ‏"‏سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه‏"‏‏.‏ قالت‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول الله‏!‏ أراك تكثر من قول‏:‏ سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه‏؟‏ فقال‏:‏ ‏"‏أخبرني ربي أني سأرى علامة في أمتي فإذا رأيتها أكثرت من قول‏:‏ سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه، فقد رأيتها‏:‏ ‏{‏إذا جاء نصر الله والفتح‏}‏ فتح مكة، ‏{‏ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً، فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً‏}‏‏.‏

    115- الرابع :‏ عن أنس رضي الله عنه قال‏:‏ إن الله عز وجل تابع الوحي (أي تكاثف نزول الوحي بكثرة) على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته، حتى توفي أكثر ما كان الوحي‏"‏‏.‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏‏.‏

    116- الخامس ‏:‏ عن جابر رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏يُبعث كل عبد على ما مات عليه‏"‏‏.‏ ‏(‏‏(‏رواه مسلم‏)‏‏)‏‏.‏

    أقول : اللهم أحسن خاتمتنا بخير .. اللهم آميـن ..

    يُـتبع إن شاء الله بباب بيان كثرة طرق الخير ...

  12. #12

    افتراضي


    كتاب المقدمات ...
    باب بيان كثرة طرق الخير ...


    قال اللَّه تعالى :
    {وما تفعلوا من خير فإن اللَّه به عليم} (البقرة 215).
    وقال تعالى :
    {وما تفعلوا من خير يعلمه اللَّه} (البقرة 197).
    وقال تعالى :
    {فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره} (الزلزلة 7).
    وقال تعالى :
    {من عمل صالحاً فلنفسه} (الجاثية 15).

    والآيات في الباب كثيرة.

    117-وأما الأحاديث فكثيرة جداً وهي غير منحصرة فنذكر طرفاً منها:
    الأول عن أبي ذر جندب بن جنادة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال قلت: يا رَسُول اللَّهِ أي الأعمال أفضل قال : (الإيمان بالله والجهاد في سبيله) قلت: أي الرقاب أفضل (بمعنى أي العبيد أفضل في إعتاق رقبته وإعطائه حريته) قال : (أنفسها عند أهلها وأكثرها ثمنا) قلت: فإن لم أفعل قال : (تعين صانعاً أو تصنع لأخرق (والأخرق هو مَن لا يستطيع تدبير أمره بنفسه)) قلت: يا رَسُول اللَّهِ أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل قال : (تكف شرك عن الناس فإنها صدقة منك على نفسك) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

    (الصانع) بالصاد المهملة هذا هو المشهور.
    وروي (ضائعا) بالمعجمة: أي ذا ضياع من فقر أو عيال ونحو ذلك.
    و (الأخرق) : الذي لا يتقن ما يحاول فعله.

    118- الثاني عن أبي ذر أيضاً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن رَسُول اللَّهِ قال : (يصبح على كل سلامى (أي مفصل من مفاصل الجسم) من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة؛ ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

    (السلامى) بضم السين المهملة وتخفيف اللام وفتح الميم: المفصل.

    119- الثالث عنه (أي أبي ذر) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال، قال النبي : (عُرضت عليّ أعمال أمتي حسنها وسيئها، فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يُماط عن الطريق، ووجدت في مساوئ أعمالها النخاعة تكون في المسجد لا تـُدفن) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

    120- الرابع عنه (أي أبي ذر) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن ناساً قالوا: يا رَسُول اللَّهِ ذهب أهل الدثور (أي الأغنياء أصحاب المال) بالأجور:
    يُصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم . قال : (أوليس قد جعل اللَّه لكم ما تصدقون به: إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، وفي بضع أحدكم (أي جماعه لزوجته) صدقة) قالوا: يا رَسُول اللَّهِ أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر قال : (أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

    (الدثور) بالثاء المثلثة: الأموال واحدها دثر.

    121- الخامس عنه (أي أبي ذر) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال، قال لي النبي : (لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه ٍطليق) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

    122- السادس عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ : (كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس: يعدل بين الاثنين صدقة، ويعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو يرفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

    ورَوَاهُ مُسْلِمٌ أيضاً من رواية عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قالت قال رَسُول اللَّهِ : (إنه خلق كل إنسان من بني آدم على ستين وثلاثمائة مفصل. فمن كبر اللَّه، وحمد اللَّه، وهلل اللَّه، وسبح اللَّه، واستغفر اللَّه، وعزل حجراً عن طريق الناس، أو شوكة أو عظماً عن طريق الناس، أو أمر بمعروف، أو نهي عن منكر عدد الستين والثلاثمائة فإنه يمشي يومئذ وقد زحزح نفسه عن النار).

    123- السابع عنه (أي أبي هريرة) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن النبي قال : (من غدا إلى المسجد أو راح أعد اللَّه له في الجنة نزلاً كلما غدا أو راح) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

    (النزل): القوت والرزق وما يهيأ للضيف.

    124- الثامن عنه (أي أبي هريرة) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ : (يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

    قال الجوهري: الفرسن من البعير كالحافر من الدابة. قال: وربما استعير في الشاة.

    أقول :
    والمراد عدم الاستقلال بأعمال الخير ولو بإعارة الأشياء الصغيرة للجار ..

    125- التاسع عنه (أي أبي هريرة) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن النبي قال: (الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة: فأفضلها قول لا إله إلا اللَّه، وأدناها إماطة الأذى الطريق. والحياء شعبة من الإيمان) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

    (البضع): من ثلاثة إلى تسعة بكسر الباء وقد تفتح. و (الشعبة): القطعة.

    126- العاشر عنه (أي أبي هريرة) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن رَسُول اللَّهِ قال: (بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئراً فنزل فيها فشرب ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش. فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان قد بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه ماء ثم أمسكه بفيه حتى رقي فسقى الكلب فشكر اللَّه له (أي أن الكلب شكر هذا الرجل لله) فغفر له (أي فغفر الله للرجل بسبب ذلك) قالوا: يا رَسُول اللَّهِ إن لنا في البهائم أجرا فقال : (في كل كبد رطبة أجر) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
    وفي رواية للبخاري: (فشكر اللَّه له فغفر له فأدخله الجنة)
    وفي رواية لهما (أي للبخاري ومسلم) (بينما كلب يطيف بركية قد كاد يقتله العطش إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها فاستقت له به فسقته فغـُفر لها به).

    (الموق): الخف.
    و (يطيف): يدور حول
    (ركية) وهي: البئر.

    127- الحادي عشر عنه (أي أبي هريرة) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن النبي قال: (لقد رأيت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي المسلمين) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
    وفي رواية له: (مر رجل بغصن شجرة على ظهر طريق فقال والله لأنحين هذا عن المسلمين لا يؤذيهم فأدخل الجنة)
    وفي رواية لهما (بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق فأخره فشكر اللَّه له فغفر له).

    128- الثاني عشر عنه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أي أبي هريرة) قال، قال رَسُول اللَّهِ : (من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام، ومن مس الحصا فقد لغا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

    129- الثالث عشر عنه (أي أبي هريرة) أن رَسُول اللَّهِ قال: (إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقياً من الذنوب) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

    130- الرابع عشر عنه (أي أبي هريرة) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن رَسُول اللَّهِ قال: (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

    131- الخامس عشر عنه (أي أبي هريرة) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ : (ألا أدلكم على ما يمحو اللَّه به الخطايا ويرفع به الدرجات) قالوا: بلى يا رَسُول اللَّهِ. قال : (إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة؛ فذلكم الرباط) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

    132- السادس عشر عن أبي موسى الأشعري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ : (من صلى البردين دخل الجنة) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

    (البردان): الصبح والعصر.

    133- السابع عشر عنه (أي أبي موسى الأشعري) قال، قال رَسُول اللَّهِ : (إذا مرض العبد أو سافر كـُتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

    أقول :
    وهذا من كمال رحمة وكرم الله عز وجل بعباده الصالحين ..

    134- الثامن عشر عن جابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ : (كل معروف صدقة) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. ورَوَاهُ مُسْلِمٌ من رواية حذيفة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

    أقول :
    وهذا من أعم الأحاديث على عمل الخير .. إذ كل معروف ولو لم يُذكر في القرآن والسنة تفصيله : فهو من عمل الخير الذي يُثيب الله تعالى عليه فاعله بإذن الله في كل مكان وزمان ..

    135- التاسع عشر عنه (أي جابر) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ : (ما من مسلم يغرس غرساً إلا كان ما أ ُكل منه له صدقة، وما سُرق منه له صدقة، ولا يرزؤه أحد إلا كان له صدقة) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
    وفي رواية له: (فلا يغرس المسلم غرساً فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا طير إلا كان له صدقة إلى يوم القيامة)
    وفي رواية له: (لا يغرس مسلم غرساً ولا يزرع زرعاً فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا شيء إلا كانت له صدقة) وروياه جميعاً من رواية أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

    قوله (يرزؤه): أي ينقصه.

    136- العشرون عنه (أي جابر) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال أراد بنو سلمة أن ينتقلوا قرب المسجد فبلغ ذلك رَسُول اللَّهِ فقال لهم: (إنه بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا قرب المسجد) فقالوا: نعم يا رَسُول اللَّهِ قد أردنا ذلك. فقال : (بني سلمة: دياركم تكتب آثاركم، دياركم تكتب آثاركم) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
    وفي رواية: (إن بكل خطوة درجة) ورَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أيضاً بمعناه من رواية أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

    و (بنو سلمة): قبيلة معروفة من الأنصار رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم.
    و (آثارهم): خطاهم.

    137- الحادي والعشرون عن أبي المنذر أبي بن كعب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: كان رجل لا أعلم رجلاً أبعد من المسجد منه وكان لا تخطئه صلاة، فقيل له أو فقلت له: لو اشتريت حماراً تركبه
    في الظلماء
    (أي يمشي بك في الظلام كصلاتي الفجر والعشاء فلا تتعثر) وفي الرمضاء (أي وتركبه فيقيك الأرض الشديدة الحرارة) فقال: ما يسرني أن منزلي إلى جنب المسجد، إني أريد أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي.
    فقال رَسُول اللَّهِ : (قد جمع اللَّه لك ذلك كله) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
    وفي رواية: (إن لك ما احتسبت) .

    (الرمضاء): الأرض التي أصابها الحر الشديد.

    138- الثاني والعشرون عن أبي محمد عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ : (أربعون خصلة أعلاها منيحة العنز !!.. ما من عامل يعمل بخصلة منها رجاء ثوابها وتصديق موعودها إلا أدخله اللَّه بها الجنة) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

    (المنيحة): أن يعطيه إياها ليأكل لبنها ثم يردها إليه.

    139- الثالث والعشرون عن عدي بن حاتم رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال سمعت النبي يقول: (اتقوا النار ولو بشق تمرة) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
    وفي رواية لهما عنه قال، قال رَسُول اللَّهِ : (ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة) .

    أقول :
    أي أن التصدق لوجه الله ولو بنصف تمرة : قد يكون فيه نجاة العبد من النار !!..

    140- الرابع والعشرون عن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ : (إن اللَّه ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

    (الأكلة) بفتح الهمزة: هي الغدوة أو العشوة.

    141- الخامس والعشرون عن أبي موسى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن النبي قال: (على كل مسلم صدقة) قال: أرأيت إن لم يجد قال: (يعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق) قال: أرأيت إن لم يستطع قال: (يعين ذا الحاجة الملهوف) قال: أرأيت إن لم يستطع قال: (يأمر بالمعروف أو الخير) قال: أرأيت إن لم يفعل قال: (يُمسك عن الشر فإنها صدقة) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

    أقول :
    وما أحوجنا لمَن يُمسك نفسه عن شر القول والفعل والله : فإنها صدقة له !!..
    وإنها لغيره سلامة
    !!..

    يُـتبع إن شاء الله بباب الاقتصاد في العبادة ..

  13. #13

    افتراضي


    كتاب المقدمات ...
    باب الاقتصاد في العبادة ...


    قال اللَّه تعالى :
    {طه، ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى} (طه 1، 2).
    وقال تعالى :
    {يريد اللَّه بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} (البقرة 185).

    142- وعن عائشة رَضِيِ اللَّهُ عَنْها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها امرأة. قال: (من هذه) قالت: هذه فلانة تذكر من صلاتها (أي تمدح كثرة صلاتها وعبادتها). قال: (مه (كلمة زجر) عليكم بما تطيقون، فوالله لا يمل اللَّه حتى تملوا) وكان أحب الدين إليه ما داوم صاحبه عليه. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

    و (مه): كلمة نهي وزجر.

    ومعنى (لا يمل الله): أي لا يقطع ثوابه عنكم وجزاء أعمالكم ويعاملكم معاملة المالّ
    (حتى تملوا) فتتركوا. فينبغي لكم أن تأخذوا ما تطيقون الدوام عليه ليدوم ثوابه لكم وفضله عليكم.

    أقول :
    يعني لو أخذ أحدنا على نفسه أن يقرأ في اليوم ثلاثة أجزاء من القرآن في خضم الانشغال بالعمل والحركة والأهل إلخ
    وآخر أخذ على نفسه أن يقرأ في دبر كل صلاة ٍمثلا ًربع حزب أو صفحتين من القرآن :
    فالثاني هو الأقدر على الاستمرار لخفة ما حدده لنفسه .. والآخر عُرضة للتوقف في أي يوم لمشقة ما حدده لنفسه ..
    والأمر في تحديد هذا المقدار المُحدد : يتفاوت لكل مسلم وظروفه وقدراته ..

    143- وعن أنس رَضِيِ اللَّهُ عَنْهُ قال: (جاء ثلاثة رهط (أي ثلاثة نفر) إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم (أي ليقلدوه فيها أو يزيدون لانهم أحوج للمغفرة منه وهو الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر) فلما أ ُخبروا كأنهم تقالوها وقالوا: أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. قال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبداً. وقال الآخر: وأنا أصوم الدهر ولا أفطر. وقال الآخر: وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً. فجاء رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إليهم فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا ؟؟.. أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء؛ فمن رغب عن سنتي فليس مني!) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

    144- وعن ابن مسعود رَضِيِ اللَّهُ عَنْهُ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (هلك المتنطعون!) قالها ثلاثاً. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

    (المتنطعون): المتعمقون المشددون في غير موضع التشديد.

    145- وعن أبي هريرة رَضِيِ اللَّهُ عَنْهُ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الدين يُسر، ولن يُشاد الدين إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
    وفي رواية له: (سددوا، وقاربوا، واغدوا وروحوا، وشيء من الدلجة؛ القصد القصد تبلغوا)

    قوله (الدين) هو مرفوع على ما لم يسم فاعله. وروي منصوباً. وروي (لن يُشاد الدين أحد).
    وقوله صلى الله عليه وسلم : (إلا غلبه) : أي غلبه الدين وعجز ذلك المشاد عن مقاومة الدين لكثرة طرقه.
    و (الغدوة): سير أول النهار.
    و (الروحة) آخر النهار.
    و (الدلجة) آخر الليل. وهذا استعارة وتمثيل. ومعناه: استعينوا على طاعة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بالأعمال في وقت نشاطكم وفراغ قلوبكم بحيث تستلذون العبادة ولا تسأمون وتبلغون مقصودكم، كما أن المسافر الحاذق يسير في هذه الأوقات ويستريح هو ودابته في غيرها فيصل المقصود بغير تعب، والله أعلم.

    146- وعن أنس رَضِيِ اللَّهُ عَنْهُ قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد فإذا حبل ممدود بين الساريتين، فقال: (ما هذا الحبل ) قالوا: هذا حبل لزينب (إحدى زوجات النبي رضي الله عنها) فإذا فترت (أي تعبت من طول القيام في الصلاة) تعلقت به. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (حلوه (أي فكوه) ، ليُصلّ أحدكم نشاطه فإذا فتر فليرقد) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

    147- وعن عائشة رَضِيِ اللَّهُ عَنْها أن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: (إذا نعس أحدكم وهو يصلي فليرقد حتى يذهب عنه النوم؛ فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لا يدري لعله يذهب يستغفر فيسب نفسه) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

    148- وعن أبي عبد اللَّه جابر بن سمرة رَضِيِ اللَّهُ عَنْهُ قال: كنت أصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم الصلوات فكانت صلاته قصداً، وخطبته قصداً رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

    قوله (قصدا): أي وسط بين الطول والقصر.

    149- وعن أبي جحيفة وهب بن عبد اللَّه رَضِيِ اللَّهُ عَنْهُ قال: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء متبذلة (أي على ثياب مهنة بيتها دوما ًوكأنها لا تهتم بزوجها) فقال لها: ما شأنك قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا. (تشير إلى زهد أبي الدرداء رضي الله عنه وكان من أزهد وأعبد الصحابة حتى بعد موت النبي) فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاماً (أي سلمان - وكان حكيما ًبطباع البشر) فقال له (أي أبي الدرداء) : كل فإني صائم. قال: ما أنا بآكل حتى نأكل. فأكل، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم (أي لصلاة الليل) فقال (أي سلمان له) : نم. فنام، ثم ذهب يقوم فقال له: نم. فلما كان آخر الليل قال سلمان: قم الآن. فصليا جميعا، فقال له سلمان: إن لربك عليك حقاً، وإن لنفسك عليك حقاً، وإن لأهلك عليك حقاً، فأعط كل ذي حق حقه. فأتى (أي أبو الدرداء) النبيَ صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (صدق سلمان) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

    150- وعن أبي محمد عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رَضِيِ اللَّهُ عَنْهُ قال: أ ُخبر النبي صلى الله عليه وسلم أني أقول: والله لأصومن النهار ولأقومن الليل ما عشت. فقال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (أنت الذي تقول ذلك) فقلت له: قد قلته بأبي أنت وأمي يا رَسُول اللَّهِ. قال: (فإنك لا تستطيع ذلك؛ فصم وأفطر ونم وقم، وصم من الشهر ثلاثة أيام فإن الحسنة بعشر أمثالها وذلك مثل صيام الدهر) قلت: فإني أطيق أفضل من ذلك. قال: (فصم يوماً وأفطر يومين) قلت: فإني أطيق أفضل من ذلك. قال: (فصم يوماً وأفطر يوماً فذلك صيام داود عليه السلام وهو أعدل الصيام) وفي رواية: (هو أفضل الصيام) فقلت: فإني أطيق أفضل من ذلك. فقال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (لا أفضل من ذلك) ..
    (ثم يُعلق عبد الله بن عمرو على عدم أخذه بهذه النصيحة النبوية عندما كبر به العمر قائلا ً) ولأن أكون قبلت الثلاثة الأيام التي قال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أحب إلي من أهلي ومالي.

    وفي رواية (ألم أ ُخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل ) قلت: بلى يا رَسُول اللَّهِ. قال صلى الله عليه وسلم : (فلا تفعل؛ صم وأفطر ونم وقم؛ فإن لجسدك عليك حقاً، وإن لعينيك عليك حقاً، وإن لزوجك عليك حقاً، وإن لزورك (أي ضيفك) عليك حقاً (حيث قد يظن الزائر سوءا ًبصاحب البيت إذا رآه صائما ًوهو يأكل .. قائما ًوهو ينام فيظهر وكأنه يستثقل زيارته) ، وإن بحسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام فإن لك بكل حسنة عشر أمثالها فإن ذلك صيام الدهر) فشدّدْت (والكلام لعبد الله بين عمرو - أي تشددت في ذلك ولم آخذ بنصيحة رسول الله) فشُدِّدَ علي (لأنه سيلتزم بهذا في كبره) . قلت: يا رَسُول اللَّهِ إني أجد قوة. قال: (صم صيام نبي اللَّه داود ولا تزد عليه) قلت: وما كان صيام داود قال: (نصف الدهر) فكان عبد اللَّه يقول بعد ما كبر: يا ليتني قبلت رخصة رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم !

    وفي رواية: (ألم أ ُخبر أنك تصوم الدهر، وتقرأ القرآن كل ليلة) فقلت: بلى يا رَسُول اللَّهِ ولم أرد بذلك إلا الخير. قال: (فصم صوم نبي اللَّه داود فإنه كان أعبد الناس، واقرأ القرآن في كل شهر) قلت: يا نبي اللَّه إني أطيق أفضل من ذلك قال: (فاقرأه في كل عشرين) قلت: يا نبي اللَّه إني أطيق أفضل من ذلك قال: (فاقرأه في كل عشر) قلت: يا نبي اللَّه إني أطيق أفضل من ذلك قال: (فاقرأه في كل سبع ولا تزد على ذلك) فشَدَّدْتُ فشُدِّدَ عليّ، وقال لي النبي صلى الله عليه وسلم : (إنك لا تدري لعلك يطول بك عُمُر) قال: فصرت إلى الذي قال لي النبي صلى الله عليه وسلم فلما كبرت وددت أني كنت قبلت رخصة نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم .

    وفي رواية: (وإن لولدك عليك حقا)
    وفي رواية: (لا صام من صام الأبد) ثلاثاً.
    وفي رواية: (أحب الصيام إلى اللَّه صيام داود، وأحب الصلاة إلى اللَّه صلاة داود: كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه، وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً، ولا يفر (أي من العدو) إذا لاقى (أي إذا التقى معه في سبيل الله))

    وفي رواية قال: أنكحني (أي زوجني) أبي (وهو عمرو بن العاص رضي الله عنه) امرأة ذات حسب، وكان يتعاهد كنته: أي امرأة ولده، فيسألها عن بعلها (أي زوجها) فتقول له: نعم الرجل من رجل لم يطأ لنا فراشاً، ولم يفتش لنا كنفاً منذ أتيناه (كناية عن زهده في معاشرتها وجماعها وملاطفتها كما الأزواج وانشغاله عن ذلك بكثرة العبادة والزهد) ! فلما طال ذلك عليه (أي شق ذلك على عمرو أن يكون هذا حال ولده مع زوجته) ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: (القني به) فلقيته بعد فقال: (كيف تصوم ) قلت: كل يوم. قال: (وكيف تختم) قلت: كل ليلة. وذكر نحو ما سبق.
    وكان (أي عندما كبر) يقرأ على بعض أهله السُبع الذي يقرؤه (أي سُبع القرآن الذي استقر عليه أمره) يعرضه من النهار (أي يقرأ جزءا ًمنه بالنهار) ليكون أخف عليه بالليل (أي فلا يتبقى إلا البعض الآخر يقرؤه في الليل) ، وإذا أراد أن يتقوى أفطر أياماً وأحصى (أي حدد عددها) وصام مثلهن : كل ذلك كراهية أن يترك شيئاً فارق عليه النبي صلى الله عليه وسلم . كل هذه الروايات صحيحة معظمها في الصحيحين وقليل منها في أحدهما.

    151- وعن أبي ربعي حنظلة بن الربيع الأسيدي الكاتب أحد كـُتاب رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: لقيني أبو بكر رَضِيِ اللَّهُ عَنْهُ فقال: كيف أنت يا حنظلة قلت: نافق حنظلة! قال: سبحان اللَّه! ما تقول ؟!!.. قلت: نكون عند رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُذكرنا بالجنة والنار كأنا رأيّ عين (أي يتفاعلون مع كلامه كأنهم يرون الجنة والنار أمامهما) فإذا خرجنا من عند رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عافسنا (أي اهتممنا ولاعبنا) الأزواج والأولاد والضيعات !!.. نسينا كثيراً..!! قال أبو بكر رَضِيِ اللَّهُ عَنْهُ: فوالله إنا لنلقى مثل هذا (أي شك أبو بكر هو الآخر في نفسه أن يكون منافقا ًبمثل هذه الأفعال !!!) . فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقلت: نافق حنظلة يا رَسُول اللَّهِ! فقال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (وما ذاك) ؟!!.. قلت: يا رَسُول اللَّهِ نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة كأنا رأي عين فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيراً. فقال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (والذي نفسي بيده لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة في فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة) ثلاث مرات. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

    قوله: (ربعي) بكسر الراء.
    (والأسيدي) بضم الهمزة وفتح السين وبعدها ياء مكسورة مشددة
    وقوله (عافسنا) هو بالعين والسين المهملتين،: أي عالجنا ولاعبنا.
    و (الضيعات): المعايش.

    152- وعن ابن عباس رَضِيِ اللَّهُ عَنْهُ قال: بينما النبيُ صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم (أي واقف والناس جلوس !!) فسأل عنه، فقالوا: أبو إسرائيل .. نذر أن يقوم في الشمس ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (مُروه : فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
    ------
    ----------

    كتاب المقدمات ...
    باب المحافظة على الأعمال ...


    قال اللَّه تعالى :
    {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر اللَّه وما نزل من الحق، ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم} (الحديد 16).
    وقال تعالى :
    {ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم وآتيناه الإنجيل، وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة، ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان اللَّه، فما رعوها حق رعايتها} (الحديد 27).
    وقال تعالى :
    {ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً} (النحل 92).
    وقال تعالى :
    {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين} (الحجر 99). واليقين : أي الموت ..

    وأما الأحاديث :
    فمنها حديث عائشة في الباب السابق رقم 142 :
    وكان أحب الدين إليه ما داوم صاحبه عليه ..

    153- وعن عمر بن الخطاب رَضِيِ اللَّهُ عَنْهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (مَن نام عن حزبه من الليل أو عن شيء منه فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

    154- وعن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رَضِيِ اللَّهُ عَنْهُ قال، قال لي رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (يا عبد اللَّه لا تكن مثل فلان كان يقوم من الليل فترك قيام الليل) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

    155- وعن عائشة رَضِيِ اللَّهُ عَنْها قالت: كان رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا فاتته الصلاة من الليل من وجع أو غيره صلى من النهار ثنتي [اثنتي] عشرة ركعة. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

    يُـبع إن شاء الله بباب الأمر بالمحافظة على السُنة وآدابها ...

  14. #14

    افتراضي


    كتاب المقدمات ...
    باب الأمر بالمحافظة على السنة وآدابها ...


    قال اللَّه تعالى :
    {وما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا} (الحشر 7).
    وقال تعالى :
    {وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى} (النجم 3، 4).
    وقال تعالى :
    {قل إن كنتم تحبون اللَّه فاتبعوني يحببكم اللَّه، ويغفر لكم ذنوبكم} (آل عمران 31) .
    وقال تعالى :
    {لقد كان لكم في رَسُول اللَّهِ أسوة حسنة لمن كان يرجو اللَّه واليوم الآخر} (الأحزاب 21) .
    وقال تعالى :
    {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت، ويسلموا تسليماً} (النساء 65).
    وقال تعالى :
    {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى اللَّه والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر} (النساء 59).
    قال العلماء: معناه: إلى الكتاب والسنة.
    وقال تعالى :
    {من يطع الرسول فقد أطاع اللَّه} (النساء 80).
    وقال تعالى :
    {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} (الشورى 52، 53).
    وقال تعالى :
    {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} (النور 63).
    وقال تعالى :
    {واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات اللَّه والحكمة} (الأحزاب 34).

    والآيات في الباب كثيرة.
    وأما الأحاديث:

    156- فالأول عن أبي هريرة رَضِيِ اللَّهُ عَنْهُ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (دعوني ما تركتكم؛ إنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

    157- الثاني عن أبي نجيح العرباض بن سارية رَضِيِ اللَّهُ عَنْهُ قال: وعظنا رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة، وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون. فقلنا: يا رَسُول اللَّهِ كأنها موعظة مودع فأوصنا. قال صلى الله عليه وسلم : (أوصيكم بتقوى اللَّه والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد[حبشيوإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً! فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة) رواه أبو داود والترمذي وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيح.

    (النواجذ) بالذال المعجمة: الأنياب وقيل الأضراس.

    158- الثالث عن أبي هريرة رَضِيِ اللَّهُ عَنْهُ أن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا مَن أبى) (أي إلا مَن رفض !) قيل: ومَن يأبى يا رَسُول اللَّه ؟!!.. قال: (مَن أطاعني دخل الجنة، ومَن عصاني فقد أبى) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

    159- الرابع عن أبي مسلم، وقيل: أبي إياس سلمة بن عمر بن الأكوع رَضِيِ اللَّهُ عَنْهُ أن رجلاً أكل عند رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بشمالـه فقال: (كل بيمينك) قال: لا أستطيع. قال: (لا استطعت!) ما منعه إلا الكبر، فما رفعها إلى فيه. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

    160- الخامس عن أبي عبد اللَّه النعمان بن بشير رَضِيِ اللَّهُ عَنْهُ قال سمعت رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: (لَتُسَوُّنَّ صفوفكم أو ليخالفن اللَّه بين وجوهكم) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

    وفي رواية لمسلم: كان رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يسوي صفوفنا (أي في الصلاة) حتى كأنما يسوي بها القداح حتى رأى أنا قد عقلنا عنه. ثم خرج يوماً فقام حتى كاد أن يُكبر (أي تكبيرة بدء الصلاة) فرأى رجلاً بادياً صدره فقال: (عباد اللَّه لتسون صفوفكم أو ليخالفن اللَّه بين وجوهكم).

    161- السادس عن أبي موسى رَضِيِ اللَّهُ عَنْهُ قال: احترق بيت بالمدينة على أهلـه من الليل، فلما حُدث رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بشأنهم قال: (إن هذه النار عدو لكم فإذا نمتم فأطفئوها عنكم) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

    أقول :
    وللنبي أحاديث أخرى عن إطفاء السراج بالليل ..

    162- السابع عنه (أي أبي موسى الأشعري) رَضِيِ اللَّهُ عَنْهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (إن مثل ما بعثني اللَّه به من الـهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً، فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع اللَّه بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ. فذلك مثل من فقه في دين اللَّه ونفعه بما بعثني اللَّه به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى اللَّه الذي أ ُرسلت به) , مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

    (فقه) بضم القاف على المشهور وقيل بكسرها: أي صار فقيهاً.

    163- الثامن عن جابر رَضِيِ اللَّهُ عَنْهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد ناراً فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها وهو يذبهن عنها، وأنا آخذ بحُجزكم عن النار وأنتم تفلتون من يدي). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.


    (الجنادب) نحو الجراد. والفراش، هذا المعروف الذي يقع في النار.
    و (الحجز) جمع حجزة وهي: معقد الإزار والسراويل.

    164- التاسع عنه رَضِيِ اللَّهُ عَنْهُ أن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أمر بلعق الأصابع والصحفة وقال: (إنكم لا تدرون في أيه البركة) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

    وفي رواية له: (إذا وقعت لقمة أحدكم فليأخذها فليمط ما كان بها من أذى وليأكلها ولا يدعها للشيطان، ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه فإنه لا يدري في أي طعامه البركة)

    وفي رواية له: (إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه حتى يحضره عند طعامه، فإذا سقطت من أحدكم اللقمة فليمط ما كان بها من أذى فليأكلها ولا يدعها للشيطان).

    165- العاشر عن ابن عباس رَضِيِ اللَّهُ عَنْهُ قال: قام فينا رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بموعظة فقال: (يا أيها الناس إنكم محشورون إلى اللَّه تعالى حفاة عراة غرلاً {كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين} (الأنبياء 103) ألا وإن أول الخلائق يُكسى يوم القيامة إبراهيم عليه السلام، ألا وإنه سيُجاء برجال ٍمن أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول: يا رب أصحابي. فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فأقول كما قال العبد الصالح: {وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم} إلى قوله: {العزيز الحكيم} (المائدة 117، 118) فيُقال لي: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

    (غرلا): أي غير مختونين.

    166- الحادي عشر عن أبي سعيد عبد اللَّه بن مغفل رَضِيِ اللَّهُ عَنْهُ قال: نهى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن الخذف (وهو رمي الحجارة بالأصابع واليد) وقال: (إنه لا يقتل الصيد، ولا ينكأ العدو، وإنه يفقأ العين، ويكسر السن) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

    وفي رواية: أن قريباً لابن مغفل خذف فنهاه وقال إن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف وقال: (إنها لا تصيد صيدا) ثم عاد (أي عاد قريبه هذا للخذف مرة ًأخرى) فقال: أ ُحدثك أن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نهى عنه ثم عدت تخذف!! لا أكلمك أبداً.

    167- وعن عابس بن ربيعة قال: رأيت عمر بن الخطاب رَضِيِ اللَّهُ عَنْهُ يُقبل الحجر (يعني الحجر الأسود) ويقول: إني أعلم أنك حجر ما تنفع ولا تضر، ولولا إني رأيت رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
    -------
    ------------

    كتاب المقدمات ...
    باب وجوب الانقياد لحكم اللَّه تعالى وما يقوله من دعي إلى ذلك وأمر بمعروف أو نهي عن منكر ...


    قال اللَّه تعالى :
    {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت، ويسلموا تسليماً} (النساء 65).
    وقال تعالى :
    {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى اللَّه ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا: سمعنا وأطعنا، وأولئك هم المفلحون} (النور 51).

    وفيه من الأحاديث حديث أبي هريرة المذكور في أول الباب قبله (انظر الحديث رقم 156) وغيره من الأحاديث فيه.

    168 - وعن أبي هريرة رَضِيِ اللَّهُ عَنْهُ قال لما نزلت على رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم {لله ما في السماوات وما في الأرض، وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحسبكم به اللَّه} الآية (البقرة 283) اشتد ذلك على أصحاب رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فأتوا رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثم بركوا على الركب فقالوا: أي رَسُول اللَّهِ : كـُلفنا من الأعمال ما نطيق: الصلاة والجهاد والصيام والصدقة وقد أ ُنزل عليك هذه الآية ولا نطيقها!!..
    قال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا ! بل قولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير. فلما اقترأها القوم وذلت بها ألسنتهم أنزل اللَّه تعالى في إثرها {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون؛ كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله، وقالوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير} (البقرة 285) فلما فعلوا ذلك نسخها اللَّه تعالى فأنزل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ {لا يكلف اللَّه نفساً إلا وسعها، لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت، ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} قال نعم {ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا} قال نعم {ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به} قال نعم {واعف عنا واغفر لنا وارحمنا، أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين} (البقرة 286) قال نعم ) . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
    -------
    -----------

    كتاب المقدمات ...
    باب النهي عن البدع ومحدثات الأمور ...


    قال اللَّه تعالى :
    {فماذا بعد الحق إلا الضلال} (يونس 32).
    وقال تعالى :
    {ما فرطنا في الكتاب من شيء} (الأنعام 8).
    وقال تعالى :
    {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى اللَّه والرسول} (النساء 59) :
    أي الكتاب والسنة.
    وقال تعالى :
    {وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه، ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله} (الأنعام 153).
    وقال تعالى :
    {قل إن كنتم تحبون اللَّه فاتبعوني يحببكم اللَّه، ويغفر لكم ذنوبكم} (آل عمران 31).

    والآيات في الباب كثيرة معلومة.
    وأما الأحاديث فكثيرة جداً وهي مشهورة فنقتصر على طرف منها:

    169 - عن عائشة رَضِيِ اللَّهُ عَنْها قالت قال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

    وفي رواية لمسلم (مَن عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) .

    170 - وعن جابر رَضِيِ اللَّهُ عَنْهُ قال: كان رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه حتى كأنه مُنذر جيش يقول (صبحكم ومساكم) ويقول: (بُعثت أنا والساعة كهاتين) ويقرن بين أصبعيه السبابة والوسطى ويقول: (أما بعد فإن خير الحديث كتاب اللَّه، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة) ثم يقول: (أنا أولى بكل مؤمن من نفسه: من ترك مالاً فلأهله، ومن ترك ديناً أو ضياعاً فإلي وعلي) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

    أقول :
    وقد فهم أقوامٌ أن النهي عن كل مُحدثة وبدعة : يشمل أمور الدين والدنيا معا ً!!..
    وعلى هذا نسبوا زورا ًإلى الدين نهيه عن السيارة والطائرة والكمبيوتر والتلفاز إلخ !!..
    وهذا من الفهم السقيم .. وإنما النهي مقصور عن الابتداع في أمور الدين من الثوابت المعلومة ..

    وعن العرباض بن سارية رَضِيِ اللَّهُ عَنْهُ حديثه السابق (انظر الحديث رقم 157) في باب المحافظة على السنة.
    -------
    -----------

    كتاب المقدمات ...
    باب مَن سن سنة حسنة أو سيئة ...


    قال اللَّه تعالى :
    {والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين، واجعلنا للمتقين إماماً} (الفرقان 24).
    وقال تعالى :
    {وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا} (الأنبياء 73).

    171 - وعن أبي عمرو، جرير بن عبد اللَّه رَضِيِ اللَّهُ عَنْهُ قال: كنا في صدر النهار عند رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فجاءه قوم ٌعراة (أي من شدة فقرهم لا تكفيهم ملابسهم!) مجتابي النمار أو العباء متقلدي السيوف، عامتهم من مُضر (اسم قبيلة) بل كلـهم من مُضر، فتمعر وجه رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة (أي ظهر الانفعال على وجه رسول الله من منظرهم لشدة فقرهم) ، فدخل ثم خرج فأمر بلالاً فأذن وأقام فصلى ثم خطب فقال: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة} إلى آخر الآية {إن اللَّه كان عليكم رقيباً} (النساء 1) والآية التي في آخر الحشر {يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللَّه، ولتنظر نفس ما قدمت لغد} :
    تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره حتى قال: (ولو بشق تمرة) (أي ولو بنصف تمرة : وكأن المتصدق احتفظ بنصف وتصدق بالآخر : مبالغة ًفي الحث على التصدق بكل ما تقدر : بأبي أنت وأمي يا رسول الله) فجاء رجل ٌمن الأنصار بصرة ٍ: كادت كفه تعجز عنها (أي من شدة ثقل ما فيها من صدقة) بل قد عجزت، ثم تتابع الناس (أي في تقليده) حتى رأيت كومين من طعام وثياب : حتى رأيت وجه رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يتهلل كأنه مذهبة (أي وكأنه يشع نورا ًمن الفرح) . فقال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (مَن سن في الإسلام سنة حسنة (مثل ذلك الرجل الذي أتى بالصرة المملوءة بكل ما يستطيع حتى عجزت يده عن حملها فقلده الناس فكأنها صارت سنة حسنة لهم ولكل مَن يأتي بعده) فلـه أجرها وأجر مَن عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومَن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر مَن عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

    قولـه (مجتابي النمار) هو بالجيم وبعد الألف باء موحدة.
    (النمار) جمع نمرة وهي كساء من صوف مخطط.
    ومعنى (مجتابيها): لابسيها قد خرقوها في رؤوسهم.
    والجوب: القطع، ومنه قول اللَّه تعالى (الفجر 9): {وثمود الذين جابوا الصخر بالواد} : أي نحتوه وقطعوه.
    وقولـه (تمعر) هو بالعين المهملة: أي تغير.
    وقولـه (رأيت كومين) بفتح الكاف وضمها، أي: صبرتين.
    وقولـه (كأنه مذهبة) هو بالذال المعجمة وفتح الـهاء والباء الموحدة.
    قالـه القاضي عياض وغيره.
    وصحفه بعضهم فقال: (مدهنة) بدال مهملة وضم الـهاء وبالنون، وكذا ضبطه الحميدي، والصحيح المشهور هو الأول.
    والمراد به على الوجهين: الصفاء والاستنارة.

    172 - وعن ابن مسعود رَضِيِ اللَّهُ عَنْهُ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس من نفس ٍتقتل ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه كان أول مَن سن القتل) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

    يُـتبع إن شاء الله بباب الدلالة على خير والدعاء إلى هدى أو ضلالة ...

  15. #15

    افتراضي

    جزاك الله خيرا شيخنا على هذه الشرح الوافي ونفع لك

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. من روائع ( ابن عثيمين ) في ( شرح رياض الصالحين )
    بواسطة ندى الحياة في المنتدى قسم العقيدة والتوحيد
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 05-10-2013, 04:22 PM
  2. السبت - حديث - رياض الصالحين
    بواسطة أبو حب الله في المنتدى قسم الحوار عن الإسلام
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 03-24-2012, 11:38 AM
  3. تعليقات دروس رياض الصالحين
    بواسطة أبو حب الله في المنتدى قسم الحوار عن الإسلام
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 03-03-2012, 03:13 PM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء