هذا السؤال أخي الفاضل السيف القاطع مكانه موضوع دفع التعارض الموهوم ، لا هذا الموضوع ..لكن لا بأس ..والجواب حفظك الله ..
أن قول الله تعالى "مثل نوره " يحتمل عود الضمير إلى أحد أمرين :-
1-إلى الله تعالى ، فيكون المعنى نوره : أي هدايته للعبد ..فمثل هذه الهداية كمشكاة فيها مصباح ..الآية ولا إشكال في تشبيه هدايته سبحانه بهذا..لأن الله تعالى يقذف الهدى في قلب العبد ..فينيره كما ينير المصباح الزجاجة ..
2-إلى العبد ، أي مثل نور قلب العبد المؤمن كمصباح ..إلخ ..وهذه لا إشكال فيها كما ترى كسابقها ..
وحتى لو قيل إن المقصود الصفة الإلهية التي هي القرآن مثلا أو كلام الله تعالى ، فلا إشكال في ضرب المثل بها من وجه مقيد بجامع الصفاء وقوة الإنارة ، والتقدير : كما أنتم ترون صفاء نور المصباح على النحو المذكور فهذا يقرّب لكم معنى الصفاء الحاصل بالقران الذي هو أعظم وأجل ، ألاترى أن الله يخبر عنه بأنه موجود ، والمخلوق كذلك موجود وليس وجود الله كوجود غيره..، ولكن ثم قدر مشترك وهو المعنى الكلي الإجمالي الذهني للوجود ، وكذلك قل عن صفة البصر والسمع ..وسائر الصفات التي وصِف بها الله تعالى في الشرع، ووصف بها المخلوق ، وهذا معنى حديث "خلق الله آدم على صورته " ، فيكون هذا مثالا ضربه الله لتقريب المعنى ..وقد روى مسلم في صحيحه عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه سبحانه : لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا غمس في البحر ..
ومعلوم أنه لا ينقص من ملك الله شيء ولكن أراد تقريب المعنى* ..والخلاصة أن نور الله إما أن يراد به ما كان مخلوقًا ، وإما ان يراد به الصفة ..فعلى الأول لا إشكال ، وعلى الثاني :أراد المعنى الكلي المشترك الإجمالي في الذهن بين الصفتين: من الصفاء والقوة ونحوها ، لأن المصباح إذا كان في مشكاة كان مركزًا قويًا وهاجًا، فهنا محل ضرب المثل ..ولما كان وصف الخالق والمخلوق بالسمع والبصر واليد والوجه..إلخ ، ليس مقتضيًا للماثلة ، فكذلك هذا لا يقتضيها ..ولك أن تقول : كما ان المصباح في المشكاة من أثره قوة الإنارة ، فكذلك القرآن في قلب المؤمن يؤثر فيه قوة بصيرة ، فشبه الأثر بالأثر بجامع مطلق القوة والإنارة والصفاء.. والله أعلم
--------
* قد يقول قائل : مادام قال ينقص مما عند الله كما ينقص من البحر لو أدخل فيه مخيط فما المانع أن يقال ينقص من ملك الله شيء قليل جدا؟ فالجواب : أنه لا ينقص أصلا من البحر لو أدخل فيه مخيط ، هذا هو المراد تقريره بلاغيا كأنه قيل : هل ينقص من البحر شيء لو أدخل فيه مخيط ؟ فالجواب المتبادر حسب السياق : لا ..فكذلك لا ينقص من ملك الله شيء ، فلو تعنت القائل الجاهل وقال بلى :ثم قدر ضئيل جدا يعلق في المخيط ! فيقال له : هذا القدر يتبخر ويعود للبحر !
Bookmarks