الحمد لله رب العالمين و سلام على المرسلين لا نفرق بين احد منهم و نحن له مسلمون..
اختلفت الأمة و تشرذمت حتى أصبح بعضها يكفر بعضا بل و يقتل بعضها بعضا.. الكل يدعي الحق المطلق و انه و طائفته هم الناجون يوم الدين.. أما غيرهم من الطوائف و الملل فقد حقت عليهم كلمة العذاب فهم من أصحاب السعير.. و لقد حق علينا قوله تعالى "وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ" (آل عمران 105), هذا كله رغم أن الرب واحد و الكتاب واحد فأين الخلل..
بعد موسى عليه السلام أحدثت طائفة من قومه في دين الله تعالى فبدلوا و غيروا في التوراة كتاب الله تعالى المنزل من السماء.. و لان مجال التبديل في الكتاب محدود.. لم يكتفوا بهذا.. بل و كتبوا كتبا موازية لكتاب الله تعالى التوراة أسموها التلموذ.. فرفعوا فيها من قدرهم حتى ادعوا أنهم أبناء الله تعالى و أحبائه.. وجعلوا الجنة حكرا عليهم.. و ادعوا أن النار لن تمسهم إلا أياما معدودات ثم مصيرهم الجنة لا محال.. و ذموا و أحطوا من قدر غيرهم من الأمم و جهلوهم و كفروهم و حكموا عليهم بالسعير.. والتوراة من هذا كله براء..
ولإن طباع البشر و أهواءهم لا تتغير.. أعيدت القصة نفسها تقريبا من بعد محمد عليه السلام مع طوائف من أمته.. رغم أنهم لم يبدلوا حرفا من القران العظيم المحفوظ من الله تعالى إلا أنهم أحدثوا في دين الله تعالى ما احدث أهل الكتاب من قبلهم.. فكتبوا كتبا موازية لكتاب الله تعالى ادعوا أنها وحيا ثاني أسموها السنة.. فرفعوا فيها من قدرهم حتى ادعوا أنهم خير امة و أحبها إلى الله تعالى.. وجعلوا فيها الجنة حكرا عليهم.. و ادعوا أن النار لن تمسهم إلا أياما معدودات ثم يُشفع حتى لأهل الكبائر منهم.. و ذموا و أحطوا من قدر غيرهم من الأمم حتى أهل الكتاب منهم و جهلوهم و كفروهم و حكموا عليهم بالسعير.. والقران العظيم من هذا كله براء.. و العجيب أن كتاب الله تعالى قد رد على كل هذا الافتراء و هذا الهراء دعوة بدعوة و مع هذا مازلنا ندعي ما نفاه الله تعالى و أنكره على غيرنا من الأمم..
فما هي السنة..!!؟, و هل هي حجة كلها أم بعضها أم ماذا..!!؟, للإجابة على هذين السؤالين لابد علينا حتما أن نفرق بين ما هو بشري بطبيعته و لا علاقة له بالرسالة أبدا و بين ما هو منزل من السماء من وحي للعالم كله
- محمد عليه السلام البشر: مثلنا تماما يأكل و يشرب و يمرض و يتزوج و يغضب و يحزن و يفرح و له شؤونه الخاصة فيتعامل مع محيطه من أزواج و أصحاب و أعداء و عامة الناس.. يلبس لباس قومه و يأكل مأكلهم و يركب مركبهم و يسكن مساكنهم و يعيش عيشتهم.. و يحتكم لعرفهم.. فهو ابن بيئته و ابن زمانه.. و هذا كله يمثل الجانب الإنساني منه عليه السلام.. فيخطئ و يصيب بآرائه و اجتهاداته الخاصةكغيره من الناس.. هو في هذا ليس بمعصوم.. لا قبل البعثة و لا بعدها.. و هذا كله لا علاقة له أبدا بدين الله تعالى لا من قريب و لا من بعيد.. فلا الملبس سنة بوحي من السماء.. و لا المأكل سنة.. و لا المركب سنة.. و لا المسكن سنة.. و لا البيئة سنة.. و لا الكلام الخاص به و بعلاقاته الانسانية مع المحيطين به سنة.. فلن نُحاسبَ يوم الدين أبدا عن شيء من هذا فهو وحده من سيحاسب عليه السلام على أقواله و افعاله مصداقا لقوله تعالى في سورة الأنعام "مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ".. هذا الجانب ارتبط بصفة النبوة بعد البعثة.. و يدخل فيه أيضا كونه إماما للناس و واعضا و مذكرا..
- محمد عليه السلام الرسول: على كونه بشر مثلنا فهو مكلف بتبليغ الرسالة من ربه للناس جميعا.. و هو عليه السلام في هذا معصوم من ربه فلا يخطيء و لا ينسى حرفا كُلف بتبليغه و لا ينطق عن الهوى.. إن كلامه في هذا إلا وحيا يوحي.. فكلامه القرآن العظيم.. و فعله عليه السلام هو تطبيق مناسك الكتاب و عباداته و تبيان طرائقها.. فالقرآن بيّنٌ و ميسر بذاته لمن أراد أن يتذكر و يتدبر.. و طرائق تطبيق مناسكه كالصلاة و غيرها بينها الرسول عليه السلام.. فالقران منهج نظري كامل متكامل تام و السنة تطبيقه العملي.. و هذا كله متواتر أبا عن جد ابتداءا من الصحابة الكرام بعشرات الألوف كانوا كلهم شهودا يستحيل تبديل أو تغير شيئا من هذا أو ذاك.. هذا ما يفسر إجماع الأمة كلها بكل مذاهبها و نحلها على قرآن واحد و طريقة صلاة و حج واحدة..
وعليه.. فلا يمكن أبدا تبرير أخطاء النبي عليه السلام و التي عاتبه عليها ربه عز و جل في أكثر من موضع في الكتاب إلا بالفصل بين كونه بشرا و كونه رسولا.. فان كان معصوما بالمطلق فكيف يخطيء..!!؟, وان اخطأ هنا فمن الذي يجزم انه لم يخطيء هناك في الوحي إن لم نفصل بين هذا و ذاك..!!؟, و هذا ما يؤكده تماما كتاب رب العالمين :
- يقول تعالى "قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ" (إبراهيم 11), فالرسل كلهم بشر تحكمهم الطبيعة البشرية بكل جوانبها من مشاعر و رغبات و حاجيات و حتى الخطأ و النسيان فيما لا علاقة له بالرسالة.. و على كونهم بشرا فهم رسل قد منّ الله تعالى عليهم بتبليغ رسالاته كاملة تامة بعصمته لهم في هذا الجانب..
- و يقول تعالى لنبيه الكريم "قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا" (الكهف 110), و لكي لا نستثني رسولنا الكريم و نغالي في كما نفعل دائما جاء هذا البيان الواضح الجلي.. فالرسول بشر مثلنا و مثل غبره من الرسل.. يخضع للطبيعة البشرية بكل ما فيها.. و الفارق انه يوحى إليه من ربه و هو في هذا معصوم فلا يضل و لا ينسى..
و للتأكيد أيضا على وجوب الفصل بين كونه بشرا يعيش كغيره من الناس في زمانه و بيئته و كون هذا لا علاقة له أبدا بوحي السماء الخالد المنزل لكل الناس في كل مكان و كل زمان و بين كونه رسولا يبلغ عن ربه فلا يخطيء في هذا أبدا جاءت كل آيات العتاب له عليه السلام بصفته نبي "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ..", "مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ..","مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ.."," مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ..","يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ..", وأيضا الآيات التي تخاطب نساءه جاءت كلها منسوبة لصفة النبي "يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ..","يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ..","يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا..","وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا..", و في علاقاته العامة مع محيطه من الناس "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ..","يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ..","النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْوَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْوَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ..", أما فيما يخص الطاعة المطلقة في كل زمان و مكان فجاءت كل الآيات مرتبطة بصفة الرسول : "قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ.."," وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ","وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ","يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ..","وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ","يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ","قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ","وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ","يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ", و غيرها الكثير من الآيات.. فالرسول جاء بالقرآن العظيم.. و لان الطاعة واجبة إلى يوم الدين و الرسول محمد عليه السلام قد قُبض إلى ربه عز و جل فالرسول بعد محمد عليه السلام هو القرآن العظيم.. فهو أزلي باق و وجوب طاعته تستمر إلى يوم الدين..
و خلاصة هذا كله أن السنة المطهرة الحق هي ما طبقه و بيّنه عليه السلام من مناسك الكتاب و هي متواترة معه و محفوظة فيه فهي حجة ملزمة و مقدسة مع الكتاب لأنها وحي من السماء.. أما ما كتبت أيدي الناس من روايات جُمعت هنا و هناك على أفواه هذا و ذاك بعد قرابة الثلاثة قرون من الهجرة النبوية هي كلها أحاد إلا ما لا يكاد يُذكر.. و السؤال هنا.. إن كانت من الرسالة فلماذا لم تدون..!!؟, بل و لماذا لم تتواتر..!!؟, لماذا لم يبلغها الرسول الكريم لكل الناس كما بلغ كتاب الله تعالى..!!؟, بل الأدهى من هذا.. كيف يجهل غالبية الصحابة و من جاء من بعدهم أمورا تتعلق بدينهم و عقيدتهم فلم يسمع بها إلا فلان و فلان..!!؟, و صدق الله تعالى في كتابه العظيم "فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ" (المرسلات 50)
سنرد على من يدلوا بدلوه على ما سبق حين تسمح الظروف و مشاغل الحياة.. ربما أياما أو أسابيع.. ولهذا أردنا أن نحيط بالموضوع بأكبر قدر ممكن اختصارا للوقت..
ربي اغفر و ارحم وانت خير الراحمين
Bookmarks