النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: شرح النظم الفائق في أحكام هاء الكناية (1)

  1. افتراضي شرح النظم الفائق في أحكام هاء الكناية (1)

    شرح النظم الفائق في أحكام هاء الكناية (1)

    الحمد لله وحده، عليه معتَمَدي، وإليه ألتجي.

    والصَّلاة والسَّلام على أشرف الخَلْق، المُنَزَّلِ عليْه الكتابُ بالحقّ.

    وبعدُ:
    فهذا نظمٌ أجهدتُ فيه قريحتي الكليلة، وأسْهرتُها اللياليَ الطويلة؛ رجاءَ أن أشرُفَ بالانتِساب إلى النَّظم في عِلم القِراءات، ويُقرَنَ هذا النَّظمُ - باحتيالي فيه - بنظْم الإمام الشاطبي - عليه سحائبُ الرحمات.

    وهذا بابُ "هاء الكناية"، قد أغْراني لمَّا وجدتُ الإمام الشَّاطبيَّ - رحِمه اللهُ - قد أغْرب في بعضِ عباراتِه فيه، فأشكلَ على بعض الناس مرادُه، كما سأنوِّه عليه في هذا الشرح، فقلتُ: أوضِّحه لنفسي ولغيري غاية الإيضاح، وأكشِّفُ مخدَّراتِه حتَّى تبْدو كشمْس الصَّباح، ومن الله أستمدُّ التوفيق.

    أوَّلاً: النَّظم:
    وقد سمَّيتُه:
    "النظم الفائق في أحكام هاء الكناية":
    سَأَذْكُرُ أَحْكَامًا لِ (أَرْجِهْ) وَهَائِهَا
    مِنَ "الحِرْزِ" أَسْتَغْنِي عَنِ الرَّمْزِ فَاعْقِلا
    فَلِلهَاءِ أَحْكَامٌ تَدُومُ ثَلاثَةٌ
    فَقَصْرٌ وَتَسْكِينٌ وَوَصْلٌ أَخَا المَلا
    إِذَا جَاءَتِ الهَا بَيْنَ حَرْفَيْنِ حُرِّكَا
    فَصِلْهَا وَإِلاَّ قَبْلَ مَا سَاكِنٍ فَلا
    وَإِنْ وَقَعَتْ قَبْلَ المُحَرَّكِ بَعْدَ مَا
    تَسَكَّنَ فَالمَكِّيُّ وَصَّلَ مُفْضِلا
    وَتُكْسَرُ تِلْكَ الهَاءُ بَعْدَ مُحَرَّكٍ
    بِكَسْرٍ وَبعْدَ اليَاءِ سُكِّنَ فَانْقُلا
    وَفِي كَلِمَاتٍ خَالَفَ البَعْضُ أَصْلَهُ
    وَأَسْكَنَ بَعْضُ القَوْمِ بِالنَّقْلِ عَلَّلا
    وَ"أَرْجِئْهِ" فَاهْمِزْ وَاكْسِرِ الهَاءَ وَاقْصُرَنْ
    وَذَا لابْنِ ذَكْوَانٍ وَضَمَّ فَتَى العَلا
    عَلَى أَصْلِهِ وَاضْمُمْ وَصِلْهَا لِمَكِّهِمْ
    عَلَى أَصْلِهِ مَعْهُ هِشَامٌ أَخُو وِلا
    وَ "تُرْجِئُ" فِي الأَحْزَابِ مَعْ مُرْجَؤُونَ فِي
    بَرَاءَةَ فَاهْمِزْ هُمْ وَشُعْبةُ مُكْمِلا
    وَ "أَرْجِهْ" بِلا هَمْزٍ وَسَكِّنْ لِعَاصِمٍ
    وَحَمْزَةَ وَاكْسِرْ صِلْ لِوَرْشٍ تَأَصَّلا
    وَمَعْهُ الكِسَائِي وَالخِتَامُ فَقَصْرُهَا
    لِقَالُونَ وَاكْسِرْ ثُمَّ خُذْهُ مُفَصَّلا
    فَذَا أَصْلُهُ فِي "نُؤْتِهِ" وَ "نُوَلِّهِ"
    وَ "نُصْلِهْ يُؤَدِّهْ يَتَّقِهْ أَلْقِهِ" انْجَلَى
    وَ "يَأْتِهِ" فِي "طه" بِخُلفٍ وَسَبْعُهَا
    هِشَامٌ بِخُلفٍ صِلْ أوِ اقْصُرْ تَجَمَّلا
    ولَكِنْ هِشَامٌ لَيْسَ يَقْصُرُ يَأْتِهِ
    وَظَاهِرُ مَا فِي "الحِرْزِ" مِنْ ذَاكَ جُهِّلا
    وَأَسْكَنَ "يَرْضَهْ" صَالِحٌ مَعَ سَبْعِهَا
    وَأَسْكِنْ لِدُورِي البَصْرِ "يَرْضَهُ" أَوْ صِلا
    هِشَامٌ لَهُ الإِسْكَانُ فِيهَا بِضَعْفِهِ
    وَقَصْرٌ وَقُلْ فِي القَصْرِ نَافِعٌ اعْتَلَى [1]
    وَعَاصِمٌ الكُوفِي وَحَمْزةُ مِثْلُهُ
    وَشُعْبةُ سَكِّنْ عَنْهُ سِتَّةً اوَّلا
    كَبَصْرِيِّهِمْ فِيهَا وَوَصْلُكَ يَأْتِهِ
    لِكُلٍّ سِوَى السُّوسِي وَقَالُونُ قَدْ خَلا
    وَحَمْزةُ ضَمَّ الهاءَ في أهلِهِ امْكُثُوا
    وَسكَّنَ خمْسًا ثُمَّ في النُّورِ فَصَّلا
    فَصِلْ عَنْهُ مَعْ إِسْكَانِ خَلاَّدِهِ كَذَا
    وَسَيِّئُهُ لِلكُوفِ وَالشَّامِ وُصِّلا
    وَسيِّئةً عَنْ غَيْرِهِمْ، ثُمَّ نِعْمَةً
    بِلُقْمَانَ قُلْ بِالهَاءِ وَالوَصْلِ مَنْ تَلا
    أَبُو عَمْرٍو البَصْرِي وَحَفْصٌ وَنَافِعٌ
    وَمَعْ صِلَةٍ أَدْغِمْ كَبِيرًا لَدَى المَلا
    كَإِنَّه هُّوَ التَّوَّابُ مَعْ لِعِبَادَتِهْ
    هَلَ ادْغَمَ سُوسِيٌّ وَقَدْ كَانَ مُشْكِلا
    وَحَمْزةُ مِنْهُمْ وَالكِسَائِي وَشُعْبَةٌ
    وَمَا عَمِلَتْ أَيْدِيهِمُ الحَذْفُ أُعْمِلا
    وَفِي تَشْتَهِيهِ تَشْتَهِي عَنْهُمُ وَعَنْ
    أَبِي عَمْرٍو البَصْرِي وَمَكٍّ تَكَمَّلا
    وَيتَّقْهِ سَكِّنْ وَاكْسِرِ الهَا لِحَفْصِهِمْ
    وَ "فِيهِ مُهَانًا" صِلْ كَمَكٍّ كَذَا تَلا
    وَكَسْرَةُ "أَنْسَانِيهِ" فِي الكَهْفِ ضَمُّهَا
    لَهُ وَ "عَليْهِ اللَّهَ" فِي الفَتْحِ ذُو وِلا
    وَأَسْكَنَ أَلْقِهْ دُونَ مَا أَخَوَاتِهَا
    هِشَامٌ يَرَهْ سَكِّنْ بِزَلْزلَةٍ تَلا
    وَلِلبَاقِ مَعْ قَالُونَ صِلْ لَسْتَ قَاصِرًا
    وَأُنْهِي فَإِنِّي لَمْ أُرِدْ أَنْ أُطَوِّلا

    ثانيًا - التعليق:
    سَأَذْكُرُ أَحْكَامًا لِ (أَرْجِهْ) وَهَائِهَا
    مِنَ "الحِرْزِ" أَسْتَغْنِي عَنِ الرَّمْزِ فَاعْقِلا

    شرَع النَّاظمُ في بيان ما هو مُقْدم عليه، وهو أحْكام هاءِ الكناية، والاعتِناء بتفْصيل قِراءاتِ القرَّاء السَّبعة لكلمة: "أرجه" منصوصةً بلا لبس، ولا تمويه.

    ولم يَخرُج النَّاظمُ بذلك عمَّا في قصيدة الإمام الشاطبي: "حِرْز الأماني ووجه التهاني"، ولم يتعرَّض لقراءة أحدٍ من غير السَّبعة.

    ففي الجملة؛ هذا النَّظم إنَّما هو في بابٍ واحدٍ من أبواب الأُصول، لا يتجاوَزُه، وما كانَ فيه من خروجاتٍ طفيفةٍ فإنَّما ذُكرتِ استطرادًا وللفائدة، كقراءتِهم لـ "تُرجئ"، و"مرجؤون".

    ولمَّا كان هذا النَّظم بهذه الضَّآلة بالنسبة للشَّاطبيَّة وغيرها من المنْظومات التي تتناول عِلمًا أو فنًّا بتمامه، لم يكن هناك داعٍ أمام الناظم ليطوِّل نظمَه بمُقدّمات؛ كذِكْر اسمه ونسبِه، ولا حتَّى بالحمدلة والبسملة ونحوها، وإن كان النَّاظم قد حمِد الله، واستفْتحَ باسمه، وصلَّى على نبيِّه - صلَّى الله عليْه وسلَّم - في غير نصِّ المنظومة يقينًا.

    وهذه - فيما يرى النَّاظِم - طريقةُ العلماء وكثيرٍ من سلَفنا الصالح، أن يتناسبَ الكلامُ مُفتتَحُه وموضوعه؛ فما كان مبناه على الإيجاز الشديد وعدم التطويل، لم يَحسُن التقدمة له بمقدّمات طويلة.

    أمَّا كاتب هذا النظم، فهُو أحمد بن محمد بن أحمد سليمان، ممَّن تعلَّم علوم العربية في "دار العلوم"، ومولدُه في جمادى الآخرة من عام 1395 هـ، حفِظ القرآن الكريم على أوقات طويلة، وأمَّ به وقد بلغ الثَّلاثين، وشرع في تعلُّم القراءات مع شيخِه "الدكتور محمود إبراهيم" من أساتذة جامعة الأزهر، ولم يزل طالبًا لهذا العِلم مشْتغِلا بكتُبه سنواتٍ حتَّى أكرمه الله بالإجازة في القِراءات العشْر الصغرى من شيخه "مصباح الدسوقي".

    وقوله: "سأذكر أحكامًا" نظر فيه إلى قول الشاطبي - رحمه الله -:
    "سَأَذْكُرُ أَلْفَاظًا تَلِيهَا حُرُوفُهَا"

    في باب الإظهار والإدغام.

    و "أرجِه" وردَتْ في موضِعَين؛ في سورة الأعراف (111)، وفي سورة الشعراء (36)، وإنَّما أفرد النَّاظمُ الكلامَ عليْها؛ لأنَّ الاختلاف فيها على ستَّة أوجه كما سيتبيَّن بعد، وهذا قلَّما يجتمع في كلمة؛ فإنَّ أكثر الخلاف إنما يكون على وجهين أو ثلاثة فقط.

    وقوله: "أستغني عن الرمز" نظر فيه إلى صنيع الإمام السيوطيِّ - رحمه الله - فإنَّه نظَم أبياتًا في شرحه للشاطبيَّة، استغنى فيها عن الرمز، وهي قليلة.

    وهاء الكِناية هِي هاءُ الضَّمير التي يُكنَّى بها عن المُفرَد المذكَّر الغائب، كالهاء في: "إنَّهُ"، "صاحبُهُ"، "لِقومِهِ".
    فَلِلهَاءِ أَحْكَامٌ تَدُومُ ثَلاثَةٌ
    فَقَصْرٌ وَتَسْكِينٌ وَوَصْلٌ أَخَا المَلا

    ذَكَر للهاء ثلاثَ صور:
    القَصْر، وهي أن تكون متحرِّكة - بالضَّمِّ أو بالكسْر - من غير أن تُوصل بحرْف العلَّة.
    والتَّسكين، وهو ضدُّ التحريك.
    والوصل، أن توصل الهاءُ المضمومة بواو، وتُوصَل الهاءُ المَكسورة بياء، فيُعادل ضميرُ المفرد الغائب ضميرَ الغائبة الذي هو بالألف "ها".

    وقوله: "أحكامٌ تدومُ ثلاثةٌ" نظر فيه إلى قول الجمْزوري في "تحفة الأطفال": "للمَدِّ أَحْكَامٌ ثَلاثَةٌ تَدُوم".
    قوله: "أخا الملا" نُصب على النداء.

    إِذَا جَاءَتِ الهَا بَيْنَ حَرْفَيْنِ حُرِّكَا
    فَصِلْهَا وَإِلاَّ قَبْلَ مَا سَاكِنٍ فَلا
    وَإِنْ وَقَعَتْ قَبْلَ المُحَرَّكِ بَعْدَ مَا
    تَسَكَّنَ فَالمَكِّيُّ وَصَّلَ مُفْضِلا

    ثم بيَّن الناظم متى توصل الهاءُ ومتى تُقْصر، فذَكَرَ أنَّها إذا وقعتْ بين حرْفَين مُحرَّكين؛ أي: الحرف الذي قبلها والحرْف الذي في أوَّل الكلمة بعدها، نحو: ﴿ نَبَذَهُ فَرِيقٌ ﴾ [البقرة: 100]، ﴿ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ ﴾ [البقرة: 187]، فإنَّها تُوصَل لِجميع القُرَّاء الذين تضمَّنَهم النَّظم، وهم السَّبعة.

    وذكر أنَّها إذا وقعتْ قبل ساكن - دون النَّظر إلى ما قبلها - فإنَّها لا تُوصل، نحو: ﴿ أَنَّهُ الْحَقُّ ﴾ [البقرة: 26]، ﴿ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ﴾ [النساء: 11].

    وذكَرَ أنَّها إذا وقعتْ قبْل حرفٍ مُحرَّك، وهي بعْد حرْفٍ ساكنٍ، فإنَّ ابنَ كثيرٍ المكيَّ يَصلُها وحدَه، زائدًا بذلك عن بقيَّة القُرَّاء.

    وَتُكْسَرُ تِلْكَ الهَاءُ بَعْدَ مُحَرَّكٍ
    بِكَسْرٍ وَبعْدَ اليَاءِ سُكِّنَ فَانْقُلا

    وأمَّا حركة هذه الهاء، فإنَّها مكسورة بعْد الحرف المحرَّك بكسْرٍ نحو: (بِهِ) (ولرسولِهِ)، وبعد الياء السَّاكنة نحو، (فيهِ)، (إليْهِ)، (يديْهِ)، وتكون مضمومةً فيما عدا ذلك، نحو: إنَّه، يمدُّهُ، منْهُ.

    وَفِي كَلِمَاتٍ خَالَفَ البَعْضُ أَصْلَهُ
    وَأَسْكَنَ بَعْضُ القَوْمِ بِالنَّقْلِ عَلَّلا
    قوله: "البعض" منع بعضُ اللُّغويين إدخالَ "أل" على "بعض" وصوَّبه الكثيرون، ووردَت أيضًا في الشاطبيَّة، وقد ترجَّح للناظم صوابُها، فاستعملها.

    ذكر أنَّ بعضَ هؤلاء القُرَّاء السبعة خالف في كلماتٍ مخصوصةٍ تِلك الأُصولَ المتقدِّمة، من الوَصْل والقصْر، وأيضًا في حركة الهاء، وأنَّ بعضهم سكَّن معتلاًّ بالنقْل؛ إذ هو المعْتمَد عند القُرَّاء.

    وَ "أَرْجِئْهِ" فَاهْمِزْ وَاكْسِرِ الهَاءَ وَاقْصُرَنْ
    وَذَا لابْنِ ذَكْوَانٍ وَضَمَّ فَتَى العَلا
    عَلَى أَصْلِهِ وَاضْمُمْ وَصِلْهَا لِمَكِّهِمْ
    عَلَى أَصْلِهِ مَعْهُ هِشَامٌ أَخُو وِلا

    فأمَّا ﴿ أَرْجِهْ ﴾ [الأعراف: 111]، [الشعراء: 36]، ففيها ستُّ قراءات:
    ﴿ أَرْجِئْهِ ﴾: بهمزة ساكنة وهاء مكسورة مع القصر، وهذه لابن ذكوانَ عن ابن عامرٍ الشَّامي، وفيها مخالَفةٌ للأصل من حيثُ كَسَرَ الهاءَ، وليس قبلها مكسورٌ ولا ياءٌ ساكنة.

    ﴿ أَرْجِئْهُ ﴾: بهمزة ساكنةٍ وهاء مضمومة مع القصر، وهذه لأبي عمرِو بن العلاء، وهي موافِقة للأصْل.

    ﴿ أَرْجِئْهُ ﴾: بهمزة ساكنةٍ وهاءٍ مضمومة مع وصْلها بواو، وهذه لابن كثيرٍ المكِّي، وهي على أصْلِه في صلة ما قبل الهاء ساكنٌ وبعدها متحرِّك، وقد وافقه فيها هشامٌ مُخالِفًا أصلَه.

    وَتُرْجِئُ فِي الأَحْزَابِ مَعْ مُرْجَؤُونَ فِي
    بَرَاءَةَ فَاهْمِزْ هُمْ وَشُعْبةُ مُكْمِلا

    ولما ذكر أنَّ هؤلاء القُرَّاء يهمزون "أرجه"، فيأتون بهمزة قبل الهاء، استطرد بأنَّهم - أيضًا - يهْمزون مثلَها ﴿ تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ ﴾ [الأحزاب: 51]، ﴿ وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ ﴾ [التوبة: 106]، فيَقرؤون: "تُرجئُ"، "مُرجَؤُون"، ومعهم شعبة كذلِك.

    وَأَرْجِهْ بِلا هَمْزٍ وَسَكِّنْ لِعَاصِمٍ
    وَحَمْزَةَ وَاكْسِرْ صِلْ لِوَرْشٍ تَأَصَّلا
    وَمَعْهُ الكِسَائِي وَالخِتَامُ فَقَصْرُهَا
    لِقَالُونَ وَاكْسِرْ ثُمَّ خُذْهُ مُفَصَّلا


    وأمَّا القِراءات الثلاث الباقية في "أرجه"، فهي:
    أرْجِهْ: بغير همز، وبتسكين الهاء، وهذه لعاصمٍ وحمزة الكوفيَّيْن.
    أرْجِهِ: بكسر الهاء مع وصْلها بياء، وهذه لورْش عن نافع، وللكسائي الكوفي، على الأصْل في صِلة الهاء الواقعة بين متحرِّكين؛ ولذا قال: "تأصَّلا".
    أرْجِهِ: بكسر الهاء مع القصْر، وهذه لقالونَ عن نافع.

    ثم قال: خُذ مذهبَ "قالون" مفصَّلاً في الكلمات المخصوصة.

    فَذَا أَصْلُهُ فِي "نُؤْتِهِ" وَ "نُوَلِّهِ"
    وَ "نُصْلِهْ يُؤَدِّهْ يَتَّقِهْ أَلْقِهِ" انْجَلَى
    وَ "يَأْتِهِ" فِي "طه" بِخُلْفٍ وَسَبْعُهَا
    هِشَامٌ بِخُلفٍ صِلْ أوِ اقْصُرْ تَجَمَّلا

    فذكر أنَّ القصر هو مذهب قالون في هذه الكلمات الستِّ في البيت الأوَّل، وكذلك "يأتِهِ" في طه، ولكن هذه بِخُلفٍ؛ فله فيها أيضًا الوصْل بياء.

    وهذهِ الكلمات السَّبعُ لهِشامٍ فيها وجْهان: "الوصل والقصر"، هذا ظاهرُ ما في "الحرز"؛ لقوله بعد ذكر السَّبع:
    "وَفِي الكُلِّ قَصْرُ الهَاءِ بَانَ لِسَانُهُ بِخُلْفٍ"
    * ولَكِنْ هِشَامٌ لَيْسَ يَقْصُرُ يَأْتِهِ
    وَظَاهِرُ مَا فِي "الحِرْزِ" مِنْ ذَاكَ جُهِّلا

    ثمَّ استدرك بأنَّ هشامًا ليس يقصر "يأته"، بل له الصِّلة فقط، وأنَّ ما يدلُّ عليه ظاهر "الحرز" هنا مرْدودٌ، وإن كان بعض الشُّرَّاح لم ينبِّه عليه، كالإمامين شُعْلة والسُّيوطي.

    * وَأَسْكَنَ "يَرْضَهْ" صَالِحٌ مَعَ سَبْعِهَا
    وَأَسْكِنْ لِدُورِي البَصْرِ "يَرْضَهُ" أَوْ صِلا
    هِشَامٌ لَهُ الإِسْكَانُ فِيهَا بِضَعْفِهِ
    وَقَصْرٌ وَقُلْ فِي القَصْرِ نَافِعٌ اعْتَلَى
    وَعَاصِمٌ الكُوفِي وَحَمْزةُ مِثْلُهُ
    ...

    وأمَّا صالحٌ السوسي الرَّاوي عن أبي عمرو، فإنَّه يسكِّن الهاء في الكلماتِ السبعِ المذكورة، ويسكِّن أيضًا ﴿ يَرْضَه لَكُمْ ﴾ [الزمر: 7].

    وللدوري عن أبي عمرو في ﴿ يرضه ﴾ وجهان: الإسكان كالسوسي، والصلة بواو.

    ولهشامٍ فيها أيضًا وجْهان: الإسْكانُ - وهو ضعيفٌ لِخروجِ الإمامَين الدَّاني والشَّاطبي فيه عن طريقِهما - والقصْرُ مضمومةً.

    ويقصرها كذلك: نافعٌ المدني، وعاصم وحمزة الكوفيَّان.

    ...
    وَشُعْبةُ سَكِّنْ عَنْهُ سِتَّةً اوَّلا
    كَبَصْرِيِّهِمْ فِيهَا وَوَصْلُكَ يَأْتِهِ
    لِكُلٍّ سِوَى السُّوسِي وَقَالُونُ قَدْ خَلا

    وبعد أن فرغ من الخلاف في "يَرْضَه" عاد إلى الألفاظ السبعة المذكورة، فذكر أنَّ لشعبةَ الراوي عن عاصمٍ وللبصري - وهو أبو عمرو - الإسكانَ في الستَّة الأولى منها، وهي: "نُؤتِه"، و"نُولِّه"، و"ونُصْلِه"، و"يُؤدِّه"، و"ويتَّقِه"، و"فأَلْقِه".

    وأنَّ "يأتِه" وهي الكلمة السابعة يصلُها الجميع، إلاَّ ما سبق من إسكانِها للسوسي، وقالونُ له فيها وجْهَا القصرِ والصِّلة، وقد ذُكِرا.

    وَحَمْزةُ ضَمَّ الهاءَ في أهلِهِ امْكُثُوا
    وَسكَّنَ خمْسًا ثُمَّ في النُّورِ فَصَّلا
    فَصِلْ عَنْهُ مَعْ إِسْكَانِ خَلاَّدِهِ كَذَا
    ...

    حمزة يقرأ ﴿ لِأَهْلِه امْكُثُوا ﴾ [طه: 10]، [القصص: 29] بضمِّ الهاء، مع أنَّ اللام قبلها مكسورة.

    وسكَّن من الكلمات السبع خمسًا، وهي ما دونَ "يأته"؛ فإنه يصِلُها كما ذُكِر، ودونَ "ويتقه" في النور (52)؛ فإنَّ له فيها تفصيلاً:
    فخلَفٌ يقرأ "ويَتَّقِهِ" بالصِّلة، وخلاَّدٌ له وجهان: الصلة والإسكان.

    وَسَيِّئُهُ لِلكُوفِ وَالشَّامِ وُصِّلا
    وَسيِّئةً عَنْ غَيْرِهِمْ، ثُمَّ نِعْمَةً
    بِلُقْمَانَ قُلْ بِالهَاءِ وَالوَصْلِ مَنْ تَلا
    أَبُو عَمْرٍو البَصْرِي وَحَفْصٌ وَنَافِعٌ
    ...

    يقرأ عاصمٌ وحمزة والكسائيُّ الكوفيُّون وابن عامرٍ الشاميُّ: ﴿ كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ ﴾ [الإسراء: 38] بهاء الصِّلة مضمومةً، ويقرؤها غيرهم: ﴿ سَيِّئَةً ﴾ بتاء التأنيث منصوبةً.

    ويقرأ أبو عمرٍو البصريُّ ونافعٌ المدني وحفصٌ: ﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ﴾ [لقمان: 20] بهاء الصلة، ويقرؤها غيرهم: ﴿ نِعْمَةً ﴾ بتاء التأنيث منصوبةً.

    وَمَعْ صِلَةٍ أَدْغِمْ كَبِيرًا لَدَى المَلا
    كَإِنَّه هُّوَ التَّوَّابُ مَعْ لِعِبَادَتِهْ
    هَلَ ادْغَمَ سُوسِيٌّ وَقَدْ كَانَ مُشْكِلا
    ونبَّه النَّاظم على أنَّ الصِّلة لا تَمنع الإدغام الكبير للسوسيِّ في نحو: ﴿ إِنَّه هوَ التَّوَّابُ ﴾ [البقرة: 37، 54] و﴿ لِعِبَادَتِه هلْ ﴾ [مريم: 65]، ولم ينبِّه على ذلك الشاطبيُّ في "الحرز".

    وَحَمْزةُ مِنْهُمْ وَالكِسَائِي وَشُعْبَةٌ
    وَمَا عَمِلَتْ أَيْدِيهِمُ الحَذْفُ أُعْمِلا
    وَفِي تَشْتَهِيهِ تَشْتَهِي عَنْهُمُ وَعَنْ
    أَبِي عَمْرٍو البَصْرِي وَمَكٍّ تَكَمَّلا
    قرأ حمزة والكسائي وشعبة: ﴿ وَمَا عَمِلَتْ أَيْدِيهِمْ ﴾ [يس: 35] محذوفة الهاء، وقرأ غيرهم: ﴿ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ ﴾[يس: 35] بهاء الكناية، وهُم على أصولهم، فيَصِلُها ابن كثير، ويقصرُها غيرُه.

    وكذلك قرأ حمزة والكسائيُّ وشعبة، ومعهم أبو عمرٍو، وابن كثير: ﴿ مَا تَشْتَهِي الأَنْفُسُ ﴾ [الزخرف: 71] بحذف هاء الكناية، وقرأ الباقون ﴿ تشتهيهِ ﴾.

    وَيتَّقْهِ سَكِّنْ وَاكْسِرِ الهَا لِحَفْصِهِمْ
    وَ "فِيهِ مُهَانًا" صِلْ كَمَكٍّ كَذَا تَلا
    وَكَسْرَةُ "أَنْسَانِيهِ" فِي الكَهْفِ ضَمُّهَا
    لَهُ وَ "عَليْهِ اللَّهَ" فِي الفَتْحِ ذُو وِلا
    وَأَسْكَنَ أَلْقِهْ دُونَ مَا أَخَوَاتِهَا
    ...

    وأمَّا حفصٌ، فيقرأ ﴿ وَيَتَّقْهِ ﴾ [النور: 52]، بسكون القاف، وكسْر الهاء مع قصْرها.
    ويقرأ ﴿ فِيهِ مُهَانًا ﴾ [الفرقان: 69] بالصِّلة كابنِ كثير.
    ويقرأ ﴿ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا ﴾ [الكهف: 63]، ﴿ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ ﴾[الفتح: 10] بضم هاء الكناية.
    ومن الكلمات السبْع أسكن ﴿ فألقه ﴾ [النمل: 28].

    ...
    هِشَامٌ يَرَهْ سَكِّنْ بِزَلْزلَةٍ تَلا
    وَلِلبَاقِ مَعْ قَالُونَ صِلْ لَسْتَ قَاصِرًا
    وَأُنْهِي فَإِنِّي لَمْ أُرِدْ أَنْ أُطَوِّلا

    وأسكنَ هشام هاء الكناية في: ﴿ خَيْرًا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7]، و﴿ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 8] في سورة الزلزلة فقط، دون التي في سورة البلد، ويَصِلُها الباقون بمَن فيهم قالون.

    وأنهى الناظمُ عند هذا الحدِّ، مقتصرًا على باب هاء الكناية من طريق الشاطبيَّة، والحمد لله أوَّلاً وآخِرًا.


    ------------------------
    [1] كان هذا البيت هكذا:
    هِشَامٌ لَهُ الإِسْكَانُ فِيهَا وَقَصْرُهَا
    بِضَمٍّ وَقُلْ فِي القَصْرِ .....
    فأشار إليَّ أحدُ الإخوان أن أنبِّه على ضعْف الإسكان في (يرضه) لهشام؛ لخروج الداني والشاطبي عن طريقهما.


    رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Sharia/1061/36621/#ixzz1ju9JNKT8


    سبحان من جعل مثلي يُظَنُّ به الصلاح!

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من طلب العلم ليجاري به العلماء أو ليماري به السفهاء أو يصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله النار " رواه الترمذي

    قال ابن قدامة المقدسي: فإن مُهلِكَ نفسه فى طلب صلاح غيره سفيه، ومثله مثل من دخلت العقارب تحت ثيابه وهو يذب الذباب عن غيره‏.‏

  2. افتراضي

    بارك الله فيك..

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. لفظ الجلالة - اللـه-
    بواسطة ماكـولا في المنتدى قسم العقيدة والتوحيد
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 03-11-2011, 11:21 PM
  2. خسرت حمر النعم
    بواسطة زينب من المغرب في المنتدى قسم الحوار العام
    مشاركات: 21
    آخر مشاركة: 05-13-2010, 12:15 AM
  3. حمّل الفائق في غريب الحديث للزمخشري المعتزلي
    بواسطة المكتبة الإسلامية في المنتدى المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01-31-2005, 03:58 PM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء