أخي المبارك:

أوقد بلغت ذنوبك عنان السماء؟؟ أم أنك أتيت بقراب الأرض خطايا؟؟ أم تظنّ في نفسك قد أجرمت وأخطأت ما لم يفعله أحد من العالمين؟؟؟

هو ربّك...وخالقك...أرأف بك منك...وأرحم بك من نفسك... يحبّ توبة العبد وإنابته...

ولو شاء الله لجعلنا ملائكة لا نذنب...ولكنه سبحانه يخلق ما يشاء ويختار...ببل لو لم نكن نذنب لأتى بأقوام آخرين يخطئون ويذنبوب...

فلا تجعل للشيطان مدخلال على نفس...فينقلك من معضيتك إلى أشدّ منها...بأن تقنط من رحمة الله...وتيأس من غفرانه...ولا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون....

وليس المؤمن هو الذي لا يعصي الله، ولكن المؤمن هو الذي إذا عصاه رجع إليه...


أخي المبارك : إن سر النجاح في الحياة أن تواجه مصاعبها بثبات الطير في ثورة العاصفة...


فتجاوز المحنة...وانس الماضي...واقلب صفحته وانتقل إلى أخرى جديدة ناصعة البياض...فالوقت لا زال بالإمكان...وطر إلى الله من جناحين من حب له، وثقة به...ومن تعرّض لنفحات الله في الأسحار، وأعطياته لأحبابه من الأبرار، وتعجبه من الطاعة، وسروره عند التوبة، كان هو التاجر بما لا يبور، والمتعامل مع من لا يبخس، والمدَّخر لما لا يفنى.

فعليك بالأسحار...عليك بمحرابك في جنح الظلام..وألق الدنيا كلّها خلفك...وارفع يديك وانسكر بين يديه...وقل :

إلهي..

وعزتك ما عصيناك اجتراءً على مقامك، ولا استحلالاً لحرامك، ولكن غلبتنا أنفسنا وطمعنا في واسع غفرانك، فلئن طاردنا شبح المعصية لنلوذنَّ بعظيم جنابك، ولئن استحكمت حولنا حلقات الإثم لنفكنها بصادق وعدك في كتابك، ولئن أغرى الشيطان نفوسنا باللذة حين عصيناك، فليغرين الإيمان قلوبنا للتائبين من فسيح جنانك، ولئن انتصر الشيطان في إغوائه، ليصدقن الله في رجائه.

إلهي..

يا عظيم الجود.. إن الجواد من أبناء الدنيا إذا اشتهر جوده، تطلعت إليه أنظار الطامعين، ورحلت إليه ركاب الطالبين، وتعلقت به آمال المحتاجين فلا يرد سائلاً، ولا يخيب آملاً، ونحن كما تعلم فقراً وحاجة وشدة ومحنة، وفقرنا لا يدفعه إلا جودك، وحاجتنا لا يكفيها إلا كرمك، وشدتنا لا يزيلها إلا لطفك، ومحنتنا لا يكشفها إلا عطفك، وقد أكدت لنا في كتابك أن نسمات رحمتك تحيي ما كاد يجف من آمالنا، وبشائر مغرفتك تستر ما عظم من سيئ أعمالنا، وسريع يسرك يغلب ما تفاقم من عسرنا، وعظيم لطفك يمحو ما اشتد من آلامنا، فتداركنا بما يضمد جراحنا، ويقوي عزائمنا، ويوفقنا للسير في الطريق الذي اخترته لنا ولا تحرمنا من عمل ننوي القيام به لخالص وجهك، ومحض مرضاتك، ولا تحجب عنا من لطائف رحمتك ما تنعش به آمال المنتمين إليك، المستجيرين بك، الداعين لك، إنك بنا رؤوف رحيم.