أخي الكريم:

انتقيت لك من معين السلف واقتبست لك من مشكاتهم... أنواراً ربانية.. وفيوضاً إلهيّة.. تجلو عن حالك الطريق ظلمه.. فخذها بقوّة.. تكن لك بإذن الله شفاءً من سقم.. ووقاية من مرض.. والله حسبنا ونعم الوكيل..

ولربما كان من المناسب أن تقتبس من جملة تلك النصائح كل أسبوع شيئا...ثم تقوم بطباعته وتعليقه في بيتك....مع التأمل فيها ليل نهار....ثم تجعلها منطلقاً لك في حلّك وترحالك ...فإليكها :


أخي الحبيب : استعن بإلهك في طلب حاجتك .. وتقرب إليه بطاعته وارغب إليه بقدرته .. وارهب منه بروئيته .. فإنه حكيم لم يأمرك إلا بحسن .. ولم ينهك إلا عن قبيح ..

واجعل نفسك ميزانا بينك وبين غيرك... وأحبب لغيرك ما تحب لنفسك ...واكره له ما تكره لها ولا تظلم كما لا تحب أن تُظلم .. وأحسن كما تحب أن يحسن إليك ..

واعلم يا أخي أن أمامك طريقا ذا مشقة بعيدة . وأهوال شديدة وأنك لا غنى بك عن حسن الارتياد... وقدر بلاغك من الزاد مع خفة الظهر .. فلا تحملن على ظهرك فوق طاقتك فيكون ثقله وبالا عليك ..


أخي المبارك : اعلم أن أمامك عقبة كؤود مهبطها على جنة أو على نار.. فارتدِ لنفسك قبل نزولك.. فليس بعد الموت مستعتب ولا إلى الدنيا منصرف ..

واعلم أن الذي بيده خزائن السماوات والأرض قد أذن لك في الدعاء وضمن الإجابة .. وأمرك أن تسأله فيعطيك وتطلب إليه فيرضيك .. وهو رحيم لم يجعل بينك وبينه حجابا .. ولم يُلجأك إلى من تشفع به إليه.. ولم يمنعك إن أسأت التوبة .. ولم يعاجلك بالنقمة.. ولم يؤيسك من رحمته.. ولم يسد عليك باب التوبة ..

وجعل توبتك النزوع عن الذنب .. وجعل سيئتك واحدة و حسنتك عشرا .. إذا ناديته أجابك .. وإذا ناجيته علم نجواك فأفضيت إليه بحاجتك وشكوت إليه همومك .. واستعنته على أمورك .. وسألته من خزائن رحمته التي لا يقدر على إعطائها غيره.. من زيادة الأعمار.. وصحة الأبدان.. وسعة الرزق.. وتمام النعمة ..



فألحح في المسألة فبالدعاء تفتح أبواب الرحمة .. ولا يقنطك إبطاء إجابته.. فإن العطية على قدر النية.. فربما أخرت الإجابة لتطول مسألة السائل فيعظم أجره ويعطي سؤله ..


وربما ذخر ذلك له في الآخرة فيعطى أجر تعبده ولا يفعل بعبده إلا ماهو خير له في العاجلة والآجلة .. ولكن لا يجد لطفه أحد.. ولا يعرف دقائق تدبيره إلا المصطفون .. ولتكن مسألتك لما يبقى ويدوم في صلاح دنياك وتسهيل أمرك وشمول عافيتك فإنه قريب مجيب...


واعلم أي أخي أنك خلقت للآخرة.. لا للدنيا وللفناء ... واعلم أنك في منزل قلعة .. ودار بُلغة .. وطريق الآخرة .. وأنك طريدة الموت الذي لا ينجو منه هاربه.. ولا يفوته طالبه..


فاحذر أن يدركك وأنت على حال سيئة وأعمال مردية.. فتقع في ندامة الأبد.. وحسرة لا تنفد.. فتفقد دينك لنفسك.. فدينك لحمك ودمك ولا ينقذك غيره ...


أي أخيّ : أكثر ذكر الموت وذكر ما تهجم عليه وتقضى بعد الموت إليه.. واجعله نصب عينيك حتى يأتيك وقد أخذت له حذرك .. ولا يأتيك بغتة فيبهرك ..


وأكثر ذكر الآخرة وكثرة نعيمها وحبورها.. وسرورها ودوامها.. وكثرة صنوف لذاتها وقلة آفاتها إذا سلمت .. وفكر في ألوان عذابها وشدة غمومها وأصناف نكالها إن أنت تيقنت .. فإن ذلك يزهدك في الدنيا ويرغبك في الآخرة .. ويصغر عندك زينة الدنيا وغرورها وزهرتها.. فقد نبأك الله عنها وبين أمرها وكشف عن مساويها ..


وإياك أن تغتر بما ترى من إخلاد أهلها إليها وتكالبهم عليها ككلاب عاوية .. وسباع ضارية .. يهرّ بعضهم إلى بعض.. ويقهر عزيزها ذليلها .. وكثيرها قليلها .. قد أضلت أهلها عن قصد السبيل وسلكت بهم طريق العمى.. وأخذت بأبصارهم عن منهج الصواب .. فتاهوا في حيرتها.. وغرقوا في فتنتها واتخذوها ريّا .. فلعبت بهم ولعبوا بها.. ونسوا ما وراءها.. فإياك يا أخي أن تكون مثل من قد شابته بكثرة عيوبها ..


يا أخي : كم قد رأيت من قيل له: تحب أن تعطي الدنيا بما فيها مائة سنة بلا آفة ولا أدنى لا ترى فيها سوءا.. ثم يكون آخر أمرك عذاب الأبد فلا يتسع بها ولا يريدها .. فقبل ذلك..ورأيته قد أهلك دينه ونفسه باليسير من زينة الدنيا .. وهذا من كيد الشيطان وحبائله,, فاحذر مكيدته وغروره...

غفر الله لك ما قد كان منك...وثبّتك على ما أنت عليه... والسلام عليكم ورحمة الله