البلاء لابد منه...وقد يُبتلى الواحد بأحد أقربائه..وهذه نصيحة لأم فارقت ابنتها طريق الهدى...وفيها ما يدل على أسلوب التعامل مع القريب الذي انتكس...لكن ينبغي ملاحظة أمرٍ مهم..وهو أن هذه الحالة التي بين أيدينا حدثت لعائلةٍ عربية في دول الغرب:

الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور....ثم الذين كفروا بربّهم يعدلون...


سبحانه على حلمه بعد علمه....واسع الحلم...واسع الفضل...يُعطي الجميع...يمهل عباده حجّة عليهم....



وبعد :

فأعتذر إن كنت قد تأخّرت عن الرّد لظروف خاصّة...وما أن سنحت الفرصة كي أقرأ ما كتبتيه وما كتبه الأخوة الكرام والأخوات الفاضلة..حتى فعلت ذلك...

السيدة الفاضلة...سأتناول ها هنا قضيّة ابنتك من زوايا عدّة...من زاويتك أنت....ومن زاوية ابنتك...ومن زاوية الطرف الخفيّ القائم على التوجيه...وقبل هذا وذاك: من خلال المنظور العام للمشكلة...


أما المشكلة بإجمالها...فهي نتيجة تراكميّة لعدّة أخطاء..حدثت في الماضي...وإن اتساع الفوّهة نتيجة أخطاء حاليّة...سيأتي التنبيه عليها في حينها...

لا نريد أن نتحسّر على اللبن المسكوب...لكننا لا نريد كذلك أن نعيد التاريخ ذاته...والأخطاء نفسها...


الأخت المباركة : أولا وقبل كلّ شئ :

لكل منّا اختباره المحدّد له من قبل الباري سبحانه وتعالى...لينظر كيف يعمل؟؟؟ وكيف يتصرّف...تصديقا لقول الباري سبحانه وتعالى : (( ونبلوكم بالشرّ والخير فتنة))وقول الحقّ تبارك وتعالى يومئ إلى ناموس آخر...وهو أن ذلك الاختبار يختلف من شخص لآخر...

من الناس من يُبتلى بالخير...مال وفير...شهرة كاسحة...قوّة عضليّة...جمال صوت...لُيرى أيشكر أم يكفر...

كذلك الحال بالنسبة للابتلاء بالشرّ...فقد عينين...مرض ممض...دين قاهر...ضياع أسرة..وغير ذلك من الأمثلة...

ولعلّك تلاحظين معالم اختبارك الخاصّ...الذي أرسله الله إليك...ليرى كيف ستتصرّفين في محنتك...وكيف تعملين في ابتلاءك...

فلئن صبرت وصابرت..واتّقيت وجاهدت...وتصرّفت على النحو الصحيح الذي ينبغي عليك...لعلّ ذلك يكون بابك إلى الجنّة إن شاء الله...

وما عليك ألا تتزكّى...ولكن عليك أن تبذلي جهدك بأداء المفترض منك كما هو...وهذا هو المطلوب منك تحديداً...


الأخت المباركة : قديما قالوا : إذا لم تستطع أن تحلّ مشكلتك فعليك بالتكيّف معها...

ما يجب أن تدركيه هنا أنك أمام مرحلة جديدة من حياتك ...لها متطلّباتها ولها مستقبلها سواء تحقّق ما تطمحين إليه أم لا...وهذا يوجب عليك إعادة ترتيب أوراق حياتك مرّة أخرى...

إن ما يجب عليك معرفته هنا أن هداية ابنتك هنا مطلب عزيز...لكن قد لا توفّقين فيه إذا لم يشأ الله ذلك...

فماذا ستفعلين عندها؟؟؟

هل ستذهب نفسك عليها حسرات ؟؟؟

كلا...فذلك الابتلاء بعينه قد حصل لخيرة خلق الله...أنبياؤه عليهم السلام..نوحٌ في ولده..ولوط في زوجته..وإبراهيم في عمّه...والنبي صلى الله عليه وسلم في كلا والديه وعمّه وجدّه...

إنه عمل غير صالح..

فلا تذهب نفسك على ذلك حسرات...لو حصل المكروه ولم تكن الإجابة...


أعلم أن ثعابين القلق والخوف تنهش صدرك..لكنّه ألم الابتلاء...

نعم..نحن نسأل الله لها الهداية..وسنبذل كلّ ما في وسعنا في هدايتها...لكن ليكن تصرّفك إيجابي إن لم يكتب الله ذلك...سواء معها أم مع نفسك...


لسنا نقلّل الأمل..فالأمل كبير...وكم من ضالّ كانت هدايته أبعد ما بين الخافقين...فتداركه الله برحمته...


بعضهم كان كابنتك بل أشدّ حالا منها...ثم كُتبت الهداية له بعد عشرات السنين...وما ذلك على الله بعزيز...


الأخت المباركة : وآخر الحديث عن هذا المنظور...هو أننا في مرحلة حرجة من الوقت..وأن البنت على وشك الضياع التامّ من بين يديك ومن تأثيرك...خصوصا وأن المجتمع من حولك يهيّء لها أسباب ذلك...


دعيني أنتقل في الحديث إلى زاوية ابنتك...لعلّك تلاحظين آنّها مراهقة...وأنها تتصرّف على هذا الأساس...والتعامل مع المراهق يختلف كلّية عن التعامل مع من هو دونه...فطبيعي جدا المظاهر السلبية التي تشكين منها من سوء خلقها معك ومن عجرفتها وندّيتها ومن تكبّرها وروح التحدّي داخلها...

عليك بقراءة في سمات شخصيّة المراهق..وهناك الكثير من الدوريّات والكتب والأشرطة التي تُعنى بتوصيف أصحاب هذه الفئة العمريّة...


أمرٌ آخر : لا شكّ في تأثير الماضي عليها بما أسلف الأخوة الكرام..ولا شك أن البذرة الخبيثة التي أنتجت كلّ هذا السوء هو الماضي الاجتماعيّ الحاصل...لذلك فردّتها نابعة من الخلفيّة الاجتماعيّة الحاصلة لها (تصرّفات الوالد وأخطاؤه) ومن نفسيّتها المراهقة...وذلك كلّه أكثر من قضيّة القناعة بنظريّة دارون والأطروحات الفكريّة...


والآن لننظر من زاويتك الشخصيّة :

كما أسلفت فابنتك مراهقة...وجذور الشرّ قد امتدّت في نفسها..فانسي تماما تعاملك معها كأمّ...وانسي تماما أسلوب التلقين والأمر والنهي...


وانسي تماما ضغطك معها...والنرفزة منها...


ما عليك هنا...أن تتحوّلي تحوّلا جذريّا...أنت شخصٌ آخر...وهي كذلك...لا سلطة من أحدكما على الآخر!!

هي (صديقة) جديدة لك...وليست ابنة...

هذه الصديقة...سبق لك وأن تعاملت معها كما لا ينبغي (في نظرها بالطبع) حتى تكوّن بينكما جبل ضخم من الجليد..جليد البرود في العلاقة...

وما نسعى له الآن هو إذابة هذا الجبل الضخم...

لكل إنسان مفتاح لقلبه...وما هو مطلوب منك الآن هو البحث عن هذا المفتاح...

لكل منكما اهتمامات تختلف عن الآخر...اهتماماتها لا شك أنها تختلف عن اهتماماتك...والمدخل الجيّد هنا هو الالتقاء من خلال اهتماماتها هي....


هذا سيتطلّب منك التوقّف شبه التام عن النقاشات العقديّة والتوجيهات السلوكيّة التي تراها الآن وصاية فكريّة وأخلاقيّة منك عليها...

ابتعدي عن التصادمات تماما...تعاملي معها كصديق هو حرّ في تصرّفاته وأفكاره...المطلوب فقط هنا هو الاحترام
المتبادل...

وبعبارة أخرى : المطلوب إيجاد جسر من الاهتمامات المشتركة بعيدا عن الدين

الضحك والحنان والإحسان...ثلاثة ذات حرارة عالية...كفيلة بتسريع عمليّة ذوبان الجليد الحاصل..

سيتطلّب الأمر تواصلا وخرجات ونزهات وتوثيق علاقات ونقاشات إنسانيّة عامّة...باختصار : صداقة...

هذا التحوّل في العلاقة سيكون له أعظم الأثر...وهو بداية الطريق...


ثانيا : قلنا من قبل لا تصادمات أو أوامر..ولكن صحبة...وخلال هذه الصحبة...ينبغي تعزيز الجانب الأخلاقيّ لديها ...ستكون بمثابة أطواق النجاة لها إذا ما انفصلت عنك لدراسة جامعيّة أو استقلال شخصي أو نحوهما...

ومن الجوانب المطلوب تعزيزها : خلق الوفاء..فالأم قد تعبت في التربية...ومن حقّها الوفاء بما قامت به...حتى لا تعاملك مستقبلا كما يعامل الغربيون أهلهم

...

ومن ذلك أيضا : تعزيز خلق التواضع...وأن من سمات الإنسان السويّ أن يكون متواضعا...محترما لم هو أمامه..هذا هو الإنسان الناجح....


وكيف يكون هذا التعزيز؟؟؟ أهو بأسلوب التلقين كما كان سابقا؟؟؟

كلا..ولكن بالحوار غير المباشر...ومن خلال ما تلقيه الحياة من أمثلة ووقائع...واستغلال الأخبار الاجتماعيه ونحو ذلك


وهناك أسلوب آخر غير مباشر أضربه مثالا لقضيّة الكبر...لوحة تضعينها في البيت فيها صورة سنبلة مليئة...مكتوب عليها : علمتني الحياة أن السنبلة المليئة تخفض رأسها...وأن الفارغ يشمخ برأسه عاليا...أو نحو ذلك

ولكي يتحقّق ذلك التعزيز الأخلاقيّ المطلوب...لابد أن يكون من خلال استشهاد بأقوال لغير مسلمين قدر المستطاع...وستجدين من عبارات الغربيين الكثير مما يخدمك في هذا الباب...


هناك كتاب ماتع اسمه : متعة الحديث...تجدينه في شبكة الانترنت


ثالثا : من بقي من أبنائك...يحتاجون إلى رعاية دينيّة أكبر...وتأسيس أعظم..وترسيخ للمفاهيم والقيم الإسلاميّة...حتى لا تتكرّر المأساة...أقنعيهم بأخطار الاختلاط وأخطاء الأفكار الغربيّة عموما...ليس من خلال التلقين فحسب...بل بالقصّة والشاهد الخبري والمثال الحيّ وغير ذلك


رابعا : بعد ذوبان الجليد فترة...يمكن الإتيان بالأساليب غير المباشرة في النقاش العقدي...مثلا...


نظريّة دارون....

لنفترض أن هناك مقالة أجنبيّة تتحدّث عن أخطاء هذه النظريّة...هناك العديد من المقالات الناقدة لهذه النظريّة..مثلا مقالة 25 سؤال يتحدى النظريّة الدارونية...لا تطلبي منها قراءتها...ولكن ضعيها في مكان بارز كأنك مثقّفة تقومين بقراءتها...تضعينها فوق الطاولة...


لربما دفعها الفضول بعيدا عنك أن تقرأ...من غير وصاية منك...هذا سيكون بمثابة البذرة التي تشكّك فيما وصلت إليه...

كتاب عن إثبات وجود الله..أو قصّة ملحد تائب....سيساعدك الأخوة في الحصول على ذلك...

قطرة فقط...تلو قطرة أخرى...ومع مرور الزمن يؤثر القطر على الحجر...فما بالك بالقلب؟؟؟ والفكر؟؟؟

ويحضرني هنا كتاب سمعت عنه من البروفسيور جعفر إدريس...استفاد منه بشدّة فيما يختصّ الدارونية...

كتبه رجل علامة كاثوليكي

: “Darwin's Black Box”

يجب أن يكون فتيلك طويلا حتى لا يحترق سريعا


رابعا : الدعاء في جوف الليالي سلاح لا يستهان به...قد دعا يعقوب عليه السلام أربعين سنة ولم ييأس من روح الله...ولا ييأس من روحه إلا القوم الكافرون.

أما الزاوية الأخيرة..فهي الطرف الخفيّ..وتكون من إحدى الأخوات في المنتدى...ستكسب
ودّ ابنتك وتقيم معها الجسور...وستأتي لحظة المواجهة ولا بدّ..


...ولنرفع يدينا جميعا دعاء بأن يعيد إليك غاليتك سالمة تائبة...إنه أجود من سئل وأوسع من أعطى...والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين...والحمد لله رب العالمين