المرأة والدين والأخلاق بين نوال السعداوى وهبة رءوف
د. إبراهيم عوض



منذ فترة وقع فى يدى كتاب صادر عن " دار الفكر " بدمشق عام 2000 م اشتركت فى تأليفه د. نوال السعداوى ود. هبة عزت رءوف ، إذ كتبت كل منهما ، بطلب من الدار المذكورة ، دراسة تحت ذلك العنوان ، ثم عادت فسجلت ملاحظاتها على ما كتبته شريكتها ، ليكون بين أيدينا أربعة فصول ، فضلا عن ملحق فى نهاية الكتاب قام بإعداده أ. محمد الصهيب الشريف للتعريف بالمصطلحات التى وردت فى الفصول الأربعة المشار إليها .



والمعروف أن د. نوال السعداوى طبيبة ، ولها اتجاه فكرى خاص يرفض الأديان ويعدها نتاجا اجتماعيا محضا لا علاقة له بالسماء، وينظر إلى عقائد الإسلام وتشريعاته وأخلاقه على أنها من صنع الرجل أراد بها تثبيت مركزه فى مواجهة المرأة وقهرها وتحطيم إنسانيتها ، إذ هى ترى أن العلاقة بين الجنسين كانت وستظل علاقة صراع لا يعرف هوادة ولا رحمة. أما د. هبة رءوف فتنطلق من الإيمان بالإسلام والعقائد والتشريعات والأخلاق التى جاء بها . وهى ، لمن لم يسمع بها من قبل ، خريجة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة ، وتعمل بها منذ أن عينت فيها معيدة عام 1987 م ، وهى الكلية التى لم أستطع أن أصبر على مقرراتها أكثر من ثلاثة أيام فى سبتمبر 1966 م فتركتها إلى كلية الآداب غير آسف ، حيث وجدت نفسى بعد أن كدت أضيع .



ويمثل الكتاب حلقة فى سلسلة عنوانها " حوارات لقرن جديد " ، وهو اتجاه يحمد للدار وللقائمين بها ، إذ يعطى القراء الفرصة لمعرفة الرأى والرأى المضاد ، وللموازنة من ثم بين الرأيين ، وهذا من شأنه تيسير الوصول إلى الحق لمن يريد . كما أنه يعلمنا كيف نستمع إلى الأصوات المخالفة ونفتح لها آذاننا وعقولنا ، ونتعايش مع أصحابها مؤمنين بأن لهم الحق فى اعتناق ما يشاؤون من أفكار وعقائد والدفاع عنها ، وبأنه لا يحق لنا إكراههم على نبذ ما يؤمنون به مهما تكن درجة مصادمته لما نراه هو الصواب ، بالضبط مثلما نرفض أن يحاول غيرنا إجبارنا على متابعته فيما يقول به . وهذا مبدأ أخلاقى يعبر عنه القول المأثور : " أحب لأخيك ما تحب لنفسك " ، ويؤصله الإسلام فى قوله تعالى : " لا إكراه فى الدين . قد تبين الرشد من الغى " ، وقوله جل شأنه : " وقل : الحق من ربكم ، فمن شاء فليؤمن ، ومن شاء فليكفر " ، وقوله عز من قائل : " فذكر ، إنما أنت مذكر * لست عليهم بمسيطر " ، وأمره سبحانه لرسوله الكريم أن يقول لخصومه من كفار قريش وغيرهم : " وإنا أو إياكم لعلى هدى أو فى ضلال مبين " . ذلك أنه ما من أحد يتحمل مسؤولية غيره ، بل كل إنسان مؤاخذ بعمله ليس إلا : " وكل إنسان ألزمناه طائره فى عنقه " ، " ولا تزر وازرة وزر أخرى " ، " قل : لا تسألون عما أجرمنا ، ولا نسأل عما تعملون " .



على أن ليس معنى ذلك أن ندير ظهورنا لما يقوله الآخرون فلا نهتم به أو ندرسه أو نحلله أو نناقشه ونكتب عنه موافقين أو مخالفين أو مستدركين أو ملاحظين ...إلخ. ذلك أن كل إنسان يعتقد أن ما يؤمن به هو الصواب ، ومن هنا نراه يحاول إذاعته بين الناس ويدعوهم إلى الدخول فيه ، وإذا وجد من يعارضه انبرى له ورد عليه . وهى ظاهرة صحية ، بل هى ظاهرة طبيعية قبل أن تكون ظاهرة صحية . ولولا تلاقح الأفكار وتدافع الآراء لركدت حركة الفكر الإنسانى وأسنت وران عليها الخمود . وحسبنا ما وقع بنا من مصائب وكوارث جراء الاستبداد السياسى والفكرى الذى ساد حياتنا أزمانا طوالا . ثم إن الاختلاف بين البشر ، بل بين الكائنات جميعا ، هو أجد وجهى الحياة ليس منه بد ، مثلما لا مناص من التشابه بين البشر ، بل بين الكائنات جميعا ، وهذا هو وجه الحياة الثانى.



وفى ضوء هذا نطالع قوله عز وجل : " إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين "، " ولا يزالون مختلفين * إلا من رحم ربك ، ولذلك خلقهم " ، " أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ؟ " . ومن رحمة الإسلام وعظمته ما يقرره من أن مناط التكليف هو قدرة الشخص على فعل ما يطلب منه : " لا يكلف الله نفسا إلا وسعها " . بل إن الإنسان متى اجتهد وسعى مخلصا لبلوغ الحقيقة فإنه يؤجر حتى لو أخطأها ، إذ يكفيه الإخلاص والسعى الجاد الدءوب ، وهو ما لا نجد له مثيلا فى أى دين أو مذهب أو فلسفة . وطبيعى أن يكون أمر الخطإ هنا مختلفا عنه فى حالة المعاند الذى تحركه بواعث أخرى غير إرادة الحق : كالعصبية الغبية التى لا تطيق أن تسمع أو تبصر شيئا غير ما عندها ، أو المصالح الأنانية الضيقة ، أو الحقد القتال على أصحاب الدعوات المخالفة ...إلى آخر ما هنالك من عوامل تدفع بالأفراد والجماعات والأمم إلى الرفض من أجل الرفض ، والتمرد لوجه التمرد . وبوجه عام فإن كلا منا بمقدوره أن يعرف أى البواعث تحركه , وإلى أى مدى هو مخلص لضميره وللحقيقة فيما يعلن إيمانه به واعتناقه إياه .



فإذا عدنا إلى الكتاب الذى نحن بصدده فإننا نلاحظ أن النسبة بين طول الدراستين اللتين يتضمنهما تفتقر إلى التوازن افتقارا واضحا لاأدرى له سببا ، إذ بينما يبلغ ما كتبته نوال السعداوى نحو مائة وخمس وعشرين صفحة ، إذا بنا نفاجأ بأن بحث هبة رءوف لا يتجاوز نصف عدد هذه الصفحات . وقد كان حريا بالمشرفين على السلسلة أن يحددوا لطرفى الحوار ، ولو على سبيل التقريب ، عدد الصفحات التى ينبغى على كل منهما أن يكتبها ، على الأقل حتى تكون الفرصة متساوية بالنسبة لهما .







والآن إذا أردنا أن نقارن بين الكاتبتين فماذا يمكن أن نقول ؟ إن أول ما يواجه القارئ منذ أن يتوكل على مولاه ويشرع فى قراءة ما خطه قلم د. السعداوى هو هذا السيل من اليقينيات والقطعيات التى تبنى عليها أحكامها ولا ترى لها نقضا ولا إبراما ، مع أنها لا تستند فيها إلى شىء ثابت بالمرة ، إذ كل عمادها مجرد أقوال مرسلة من عندها تذكر فيها أن العلماء يقولون ذلك . ولكن أى علماء يا ترى ؟ وفى أى دراسة نجد هذا ؟ لا جواب البتة . بل إنها لتهاجم البحوث العلمية التى تتناول مثل هذه الموضوعات تحت شبهة أنها مملة وجافة ولا تقنع أحدا ، ومن ثم لا تأتى بأى نتيجة . وعلى هذا فمن العبث الذى لا طائل من ورائه أن يبحث القارئ عن مراجع لبحثها ، وكل ما يجده فى آخر البحث قائمة بعدد هزيل من الكتب ليس فيها ما يخبرنا إلى أى مدى اعتمدت على هذا المرجع أو ذاك ، ولا كيف ، و لا إلى أى حد يمكن الوثوق فيه أو فى صاحبه . ليس ذلك فحسب ، بل إن هذه الكتب كلها تقريبا لها هى نفسها ، وهو ما يصدق عليه قولهم : " إن فلانا يغنى ويرد على نفسه " ، إشارة إلى ضرب من المغنين لا يستسيغ أحد الاستماع إلى أصواتهم الناشزة ولا يجدون من ثم من يصفق لهم ويقول : " أحسنت! أعد مرة أخرى " ، فهو المغنى والجوق والجمهور فى آن ، وسبحان من جمع العالم فى واحد ( أو بالأحرى : " فى واحدة " رغم معرفتنا أن الدكتورة تضيق صدرا بمثل هذه التفرقة بين المذكر والمؤنث ! ). أما د. هبة رءوف فنراها ، على العكس من نظيرتها ، تهتم بتوثيق كلامها وذكر مراجعها مع تحديد الطبعة والصفحة وما إلى ذلك مما هو معروف فى كتابة البحوث العلمية .



وهذا غريب من عدة وجوه : فالدكتورة هبة أصغر من د. نوال كثيرا جدا حتى إنها لتعد من ناحية السن من تلميذاتها أو من بناتها ، بل ربما من حفيداتها . ومن ناحية أخرى فإنها لا تقعقع قعقعة د. السعداوى عن العلم والادعاءات العلمية . أضف إلى ذلك أنها تعلن تمسكها بالإسلام ، الذى تدعى نوال السعداوى وأشباهها أنه لا علاقة له بالعلم ولا بالمنهج العلمى . فانظر بالله عليك أيها القارئ إلى هذه المفارقة المضحكة ! ورابعا فإن تمسك د. هبة بالإسلام لا يمنعها أن تستشهد بالباحثين الغربيين وتنظر فى أقوالهم وتحللها فتقبل ما يقنعها وترد ما لا تقتنع به , بخلاف د. السعداوى ، التى لا تعرف إلا فكرة واحدة ترددها من أول البحث إلى آخره رغم أن كثيرا من حقائق الحياة تعارضها وتكذبها ، ولكنها لا تعبأ بشىء من ذلك أو تبالى به ، جريا على المثل القائل : " نقول له : ثور . يقول : احلبوه ! " . إنها من أول البحث إلى آخره تظل تردد أن المجتمعات قديما كانت أموية ، أى أن رئاسة الأسرة أو القبيلة مثلا كانت للأم دون الأب . هكذا هو الأمر ، والسلام . أما متى كان ذلك بالضبط ؟ وما الوثائق التى تقول به ؟ ولم ياترى تغيرت الحال وأزيحت الأمهات من فوق عروش سلطانهن ؟ وكيف ؟ لا جواب بالمرة ، اللهم إلا أن بعض علماء الأنثروبولوجيا قالوا بذلك ؟ وفاتها أن الأمر فى أحسن أوضاعه هو مجرد اجتهاد ظنى لا يستند إلا إلى قول هؤلاء الأنثروبولوجيين أنفسهم إن بعض المجتمعات الإفريقية التى تسكن الغابات كانت تسير على هذا النظام ، مع أنه حتى لو صح ذلك لما خرجت المسألة عن أن تكون شذوذا على القاعدة التى لم يذكر التاريخ غيرها. ومن هنا نراها أيضا على طول البحث ترجع كل شىء تقريبا إلى رغبة الرجل فى قهر المرأة ، ناسية أن المرأة ليست كلها شيئا واحدا ، إذ قد تكون أما ، وقد تكون بنتا أو أختا أو زوجة أو حبيبة ...إلخ ، ولا يقول عاقل أبدا إن الرجل يعامل هؤلاء جميعا نفس المعاملة مع افتراضنا صحة ذلك الكلام . ومن هذا المنطق الهستيرى أيضا نسبتها ختان النساء إلى نفس الرغبة الذكورية فى قهر الإناث والتسلط عليهن ، ناسية أن الرجال أيضا يختتنون . فهل ياترى نقول إن النساء هن اللائى فرضن عليهم ذلك لكى يستبددن هن أيضا بهم ؟ الغريب أنها تعزو ذلك إلى رغبة الحاكمين فى التسلط على الشعوب ، ناسية هنا أيضا ( ويا لها من نساءة كبيرة ! ) أن الحاكم يختتن هو أيضا! ثم ما وجه الصلة بين الختان والعبودية ؟ إن الرغبة فى قمع الآخرين وظلمهم واضطهادهم موجودة فى كل طوائف المجتمع وطبقاته ، يستوى فى ذلك المجتمعات التى تمارس الختان وتلك التى لا تمارسه ، فهى ليست مقصورة إذن على المجتمعات الختانية ولا على الحكومات وحدها . هذه حقيقة لا يمكن أن ينتطح فيها عنزان ( أم نقول : " عنزتان " كيلا تغضب د. نوال وتصوب إلينا الاتهامات ؟ ) ، ورغم ذلك تظل الكاتبة تمطرنا بهذه الأراجيف بثقة مطلقة تحسد ( أو بالأحرى لا تحسد) عليها . فما العمل إذن ؟ لا عمل إلا أن نقول نحن ما نعتقد أنه هو الصواب ، تاركين الباقى للقراء وللتاريخ يفصل فيه. فهذا كل ما نستطيعه ، أما أن نتدخل بين المرء وعقله فليس من اختصاصنا ولا فى طوقنا ولا مما يحمده الدين لنا كما أشرنا قبلا .



ومع هذا كله نجد د.نوال تهاجم د.هبة متهمة إياها بأنها لا تتبع المنهج العلمى رغم ما قلناه وما يلمسه القارئ بيده لمسا من أن الدكتورة الصغيرة أعرف من الكبيرة بذلك المنهج وأقدر على الالتصاق به واحترام قواعده ، فوق أن د. نوال قد هاجمت البحوث العلمية كما أومأنا سلفا . ومما أخذته الكبيرة على الصغيرة أيضا أنها لم تبدأ بالارتياب فيما عندها ، وكأنها هى قد راعت ذلك ! إنها على الضد تماما قد انطلقت كالإعصار الهائج منذ أول سطر فى فصلها لا تعرف توقفا ولا تثبتا ولا ترى إلا شيئا واحدا تفسر به كل شىء ، ألا وهو رغبة الرجال فى قهر النساء ، ورغبة الحكومات فى قهر الشعوب . فكأن القهر قد استحال لديها إلى إله : فهو يفسر كل ظاهرة ، ويقف خلف كل حادثة ... وهلم جرا .



وقد نبهت د. هبة إلى عدد من الأخطاء الشنيعة التى سقطت فيها د. السعداوى سقوطا مدويا لا يليق بمن تتصدى لمثل هذه المسائل ، كنسبة حديث لنبوى إلى القرآن الكريم ، واقتطاع بعض الآيات القرآنية من سياقها بما يحرف معناها ، وقولها إن الإله فى الأديان جميعا ينظر إليه على أنه ذكر ، حيفا من المجتمع على الأنثى. ومما ردت به د. هبة أن الإله ليس ذكرا ولا أنثى ، بل ليس كمثله شىء ، وهذا يعرفه كل إنسان فى رأسه عقل يفكر . كما ردت على زعمها تحيز الإسلام للرجل فى قوله إن الله قد تاب على آدم وغفر له معصيته ، فى حين لم يذكر توبته على حواء ، إذ يقول القرآن : " فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه "، فنبهتها إلى أن قراءتها القرآن بهذا الأسلوب خاطئة ، وأن القرآن الذى قال ذلك هو نفسه الذى ذكر فى موضع آخر أن الاثنين قد اشتركا فى المعصية وفى الابتهال أيضا إلى الله أن يغفر لهما . وأضيف أنا أن القرآن لم ينسب المعصية فى هذا السياق صريحة إلا لآدم : " وعصى آدم ربه فغوى " ، فمن الطبيعى أن يذكر أيضا أن الله قد تاب على آدم . وليس فى هذا أدنى افتئات على المرأة ، إذ المقصود بآدم هنا هو مطلق الإنسان ، رجلا كان أو امرأة . وبعض الآيات القرآنية لا يمكن أن يستقيم فهمها إلا على هذا الأساس . لنأخذ مثلا قوله جل شأنه : " وإذ قال ربك للملائكة : إنى جاعل فى الأرض خليفة . قالوا : أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ، ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ؟ قال : إنى أعلم ما لا تعلمون * وعلم آدم الأسماء كلها ... إلخ." ، إذ الخلافة فى الأرض ليست مقصورة على آدم الذكر بل تشركه فيها المرأة . كما أن الله سبحانه لم يهب الرجل وحده اللغة والعلم ، بل الرجل والمرأة جميعا . وها هما تان الدكتورتان تتناقشان كأى رجلين لا تقلان عنهما فى شىء ، بل من المؤكد أنهما تتفوقان على كثير جدا من الرجال ، لا من الجهلاء وحدهم أو أنصاف المتعلمين ، بل من أكابر المثقفين ، وإن اللغة التى تكتبان بها لتتمتع بالسلاسة والصحة إلى حد بعيد. أما أننى أرى فى كلام د. نوال كثيرا من السفسطة والانحراف عن العقل والمنطق فهذا شىء يوجد عند كثير من الرجال أيضا.



ومما تخطئ فيه د. نوال كذلك وبينت لها د. هبة وجه الحق مهاجمتها للأديان وتمردها على أحكام الشريعة الإسلامية ودعوتها إلى أن يكون الإنسان هو مقياس الصواب والخطإ . ويتلخص رد باحثة العلوم السياسية فى أنه لا بد أن تكون هناك مرجعية مطلقة تكون فوق اختلافات الأفراد والطوائف والطبقات والشعوب بحيث لا تحابى أحدا على أحد ، وهذه المرجعية هى الله جل وعلا . وهذا كلام حق ، فما من أمر إلا ولا بد أن يشرف عليه من يستطيع أن ينتشل نفسه من غمار التفاصيل بعد أن يكون قد ألم بها. ومن بالله يمكن أن يتوفر له العلم المحيط بالأوضاع البشرية ماضيها وحاضرها ومستقبلها ولا يحابى فى ذات الوقت أحدا على أحد إلا الله سبحانه ؟ أليس هو الذى خلق البشر ويعرف طبائعهم وقدراتهم ؟ أليس هو صاحب العدل المطلق والرحمة الشاملة ؟



هل معنى ذلك أن د. السعداوى لم تقل ما يمكننا أن نوافقها عليه ؟ الواقع أن أيا من المنصفين لا يستطيع أن ينكر أن هناك إجحافا فى كثير من الأحوال بالمرأة وحقوقها ، وأنه ليس من المروءة ولا العدالة بل ولا الإنسانية السكوت على مثل هذا الظلم . بيد أن معظم المظالم التى تذكرها الكاتبة فى هذا السبيل هى مما يحرمه الإسلام ولا يرضاه على أى وجه من الوجوه ، لكنها للأسف تنسبه للشريعة . من ذلك أنها تظن ، أو ربما تريد لغاية فى نفسها أن توهم القراء ، أن الدين يفرق بين المرأة والرجل عند ارتكابهما فاحشة الزنا ، فهو لذلك يعاقب المرأة ولا يرى على الرجل أى تثريب . وهذا محض اختلاق وزور قبيح ! إن ذلك من فعل التقاليد المنافقة المنحرفة ، أما الدين فهو يأخذ الطرفين بنفس الجزاء ، بل هو يؤثر الستر فى هذه الحالة والتوبة فيما بين العبد وربه كما هو معروف من مواقف الرسول الكريم وأحاديثه التى أثرت عنه فى هذا السبيل . فلماذا نزيف الحقائق ونحمل على الدين أوزار التقاليد الجاهلية ؟ ومن السهل فهم البواعث التى حدت بهذه التقاليد إلى إفراد الأنثى بالعقاب فى هذه الحالة ، فالأنثى لا الرجل هى التى يظهر عليها آثار الجريمة ، ولو كان الرجل هو الذى يظهر عليه هذه الآثار لعوقب هو وتركت هى دون أن يمسها سوء. ومع ذلك فلا بد أن نضيف أن القانون الوضعى نفسه فى بلاد المسلمين لا يفرق فى هذه النقطة بين رجل وامرأة ! أى أن غلط د. نوال هنا غلط لا عذر لها فيه بأى وجه . ولذلك قلت مستدركا إن هذا ليس ظنا منها بل قد يكون رغبة متعمدة فى التزييف والإيهام .



وبعد فقد كان مقررا منذ سنوات أن ألتقى مع د. نوال السعداوى فى برنامج حوارى فى القناة الثقافية فى التلفاز المصرى ، إذ عرض علىّ معد البرنامج هذا الاقتراح فوافقت ، إلا أنه عاد بعد فترة فقال إن الدكتورة لا تريد أن يحاورها أحد، وتفضل أن يقتصر البرنامج عليها هى ومقدمته ، وإن كان قد بلغنى أنها ظهرت بعد ذلك فى برنامج مشابه مع د. محمد عمارة . الشاهد فى هذا الكلام أن الزمان قد دار دورته ، وهأنذا أجد نفسى مرة أخرى إزاء الدكتورة ، إذ وقع فى يدى الكتاب الحالى منذ أيام فخطر لى أن أفكر مع السادة القراء بصوت عال كما يقولون !