الشبهة الثالثة :
خلاصة هذه الشبهة قولهم: إن السنة لم تكن شرعاً عند النبي - صلى الله عليه وسلم-، ولم يقصد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تكون سنته مصدراً تشريعياً للدين، وما قال شيئاً أو فعله بقصد التشريع، ولم يرد النبي - صلى الله عليه وسلم - في حياته أن يكون ثمة مصدر تشريعي سوى القرآن المجيد. بل كان مصدر التشريع عند الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو القرآن وحده، وكذلك فهم الصحابة - رضوان الله عليهم -، وجاء عهد التابعين الذين بدأت فيه فتنة القول بالسنة، وأنها مصدر من مصادر التشريع، وكانت تلك قاصمة الظهر بالنسبة للدين، حيث دخل فيه ما ليس منه، واختلط بالوحي الصحيح الخالص الذي هو القرآن، ما ليس من الوحي بل هو كلام البشر، نعني بذلك سنة النبي.
وهم يزعمون أن لهم أدلة على ذلك. منها :
1- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أمر أصحابه بكتابة القرآن الكريم، وحضهم على ذلك، ونهى أصحابه عن كتابة شيء من السنة قولاً كانت أو فعلا، وذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه ) ( ).
2- أن الصحابة - رضوان عليهم - عرفوا من النبيe أن السنة ليست شرعاً فأهملوا كتابتها وحفظها، رغم اهتمامهم الشديد بكتابة القرآن المجيد على كل ما يصلح أن يُكْتب عليه.
3- أن كبار الصحابة - رضوان الله عليهم - ومنهم الخلفاء الراشدون - كانوا يكرهون رواية الأحاديث، ويحذرون منها، وكان عمر - رضي الله عنه - يهدد رواة الحديث ويتوعدهم، وقد حبس عمر بن الخطاب عدداً من الصحابة بسبب روايتهم للحديث تنفيذاً لوعيده وتهديده إياهم بعدم رواية الحديث.
الرد على الشبهة وتفنيدها :
هذه شبهتهم، وتلك أدلتهم عليها، والشبهة ساقطة، وأدلتها أشد منها سقوطا وافتراء. فالأمة المسلمة مجمعة سلفاً وخلفاً وحتى قيام الساعة - بحول الله تعالى - على أن سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - هي المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي. وقد أقمنا الأدلة وافية - بفضل الله - على أن السنة وحي من الله - سبحانه - على رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وكون السنة وحيا من عند الله - تعالى - قاطع وكاف بذاته على أنها شرع الله - تعالى - إلى الناس، فهي المصدر الثاني للتشريع بلا ريب .. ولكنا نزيد الأمر وضوحاً، ونرد على ما زعموه أدلة على شبهتهم تلك .
1- أما قولهم بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - نهى عن كتابة الحديث، بينما حضَّ على كتابة القرآن وحفظه، وكان له - صلى الله عليه وسلم - كتبة القرآن ؛ فقول مبالغ فيه، ويقوم على التدليس وذكر بعض الحق وإخفاء البعض .. وليس من شك في أن القرآن المجيد قد لقي من العناية بكتابته وحفظه ما لم يكن للسنة النبوية. فهو مصدر الدين الأول، وهو أعلى من السنة منزلة وقداسة، وهو أحق بالعناية والاهتمام بكتابته وحفظه، لذلك حظي القرآن من العناية بما لم تحظ به السنة وبخاصة تدوينها وكتابتها .. والأسباب التي جعلت الصحابة يهتمون بكتابة القرآن فوق اهتمامهم بكتابة السنة كثيرة. منها : أن القرآن الكريم محدود بحدود ما ينزل به جبريل على قلب النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكتابته والإحاطة به أيسر، وهم على ذلك أقدر، أما السنة النبوية من أقوال الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله فكثيرة ومتشعبة تتضمن أقواله - عليه السلام - وأفعاله اليومية، وعلى مدى ثلاث وعشرين سنة عاشها - صلى الله عليه وسلم - بينهم، وهذا أمر يشق كتابته وتدوينه، وبخاصة إذا أخذنا في الاعتبار ندرة أو قلة الكاتبين بين الصحابة - رضوان الله عليهم -. ومنها : أن كتابة القرآن ضرورة يفرضها ويحتمها كون القرآن العظيم وحي الله - تعالى - إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بلفظه ومعناه، ولا تجوز روايته بالمعنى، أما السنة فتجوز روايتها بالمعنى، ويجوز في السنة أن يقول القائل : " أو كما قال " وما هو من قبيلها، وليس ذلك جائزاً في القرآن. ومنها : أن الكاتبين بين الصحابة -رضوان الله عليهم - كانوا قلة، وليس في مقدورهم أن يكتبوا السنة والقرآن معاً، وإذا كان ثمة اختيار بين أيهما يكتب الصحابة العارفون الكتابة، فليكن المكتوب هو القرآن، وذلك حتى يسلموه لمن بعدهم محرراً مضبوطاً تاماً لم يزد فيه ولم ينقص منه حرف.
وأما احتجاجهم بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - نهى عن كتابة غير القرآن، وغير القرآن هو السنة. فهو احتجاج باطل من وجوه. أولها: أن هذا الحديث الذي رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري، وهو قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ( لا تكتبوا عني، ومـن كتب عني غير القرآن فليمحه ). هذا الحديث معلول “ أعله أمير المؤمنين في الحديث أبو عبد الله البخاري وغيره بالوقف على أبي سعيد ". ولو صرفنا نظراً عن هذا، فإن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كما نهى عن الكتابة، فقد ورد عنه – صلى الله عليه وسلم – الإذن بها، بل الأمر بها في أحاديث أخر، ولذلك قلنا إن استدلالهم فيه تدليس، حيث ذكروا حديث النهي، ولم يشيروا إلى أحاديث الإذن وهي كثيرة. منها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوم الفتح فقال “ إن الله حبس عن مكة القتل – أو الفيل الشك من البخاري – وسلط عليهم رسول الله والمؤمنون .. " ولما انتهى من خطبته جاء رجل من أهل اليمن فقال : اكتب لي يا رسول الله فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: ( اكتبوا لأبي شاة ) ( ).. ومنها : ما روي عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أنه قال : " ما كان أحد أعلم بحديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مني إلا عبد الله بن عمرو فقد كان يكتب ولا أكتب "( ). ومن ذلك ما روي عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - أن بعض الصحابة حدثه فقال : إنك تكتب عن رسول الله كل ما يقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم - بشر يغضب فيقول ما لا يكون شرعاً، فرجع عبد الله إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بما قيل له، فقال له الرسول - صلى الله عليه وسلم: (اكتب، فوالذي نفسي بيده ما يخرج من فمي إلا الحق)( ). وهذه الروايات في الصحيح، وهناك غيرها ضعيف وهي كثيرة. فإذا ما وازنا بين روايات المنع وروايات الإذن، “ وجدنا أبا بكر الخطيب - رحمه الله - (ت463هـ ) قد جمع روايات المنع فلم يصح منها إلا حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - السابق ذكره، وقد بينا أن الإمام أبا عبد الله البخاري قد أعله بالوقف على أبي سعيد، وكذلك فعل غيره “( ). بينما أحاديث الإذن كثيرة. والصحيح منها كثير، روينا بعضه، ومنها : إضافة إلى ما سبق أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في مرض موته : ( ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده ) ( ).
وقد اجتهد العلماء في الجمع بين أحاديث الإذن وأحاديث المنع، فنتج عن ذلك آراء أهمها :
أ - أن ذلك من منسوخ السنة بالسنة. أي أن المنع جاء أولاً، ثم نسخ بالإذن في الكتابة بعد ذلك. وإلى ذلك ذهب جمهرة العلماء، ومنهم ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث، وقد قالوا إن النهي جاء أولاً خشية التباس القرآن بالسنة، فلما أمن الالتباس جاء الإذن.
ب- أن النهي لم يكن مطلقاً، بل كان عن كتابة الحديث والقرآن في صحيفة واحدة. أما في صحيفتين فمأذون به.
ج- أن الإذن جاء لبعض الصحابة الذين كانوا يكتبون لأنفسهم، ويؤمن عليهم الخلط بين القرآن والسنة.
وهناك آراء غير ذلك، لكن الذي يتضح من روايات المنع وروايات الإذن أن الإذن جاء آخراً، فإن كان نسخ فهو الناسخ للمنع. وهذا الذي رواه الجمهور( ).
وبهذا يسقط استدلالهم بحديث المنع الذي رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه - هذا الحديث الذي يعدونه حجر الزاوية في احتجاجهم بعدم تشريعية أو حجية السنة، ويكثرون اللجاج به كتابة ومناظرة( ).
2- أما قولهم إن الصحابة - رضوان الله عليهم - قد فهموا من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن السنة ليست شرعاً فانصرفوا عنها، ولم يهتموا بكتابتها أو الالتزام بها ؛ فهذا من الكذب والمكابرة، والمطلع على المدونات في كتب السنة، وتاريخ العلوم، وما كتب العلماء في مواقف الأمة المسلمة من سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وبخاصة موقف الصحابة – رضوان الله عليهم – من سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقطع بكذب هؤلاء ويعجب من مدى تبجحهم وافترائهم على الحق، إلى حد قلب الأوضاع وعكس الأمور. فقد كان أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أحرص الخلق على ملاحظة أقوال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأفعاله وحفظها، والعمل بها، بل بلغ من حرصهم على تتبع كل صغيرة وكبيرة وحفظها ووعيها والعمل بها أن كانوا يتناوبون ملازمة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فهذا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يحدث عنه البخاري بسنده المتصل إليه. يقول : " كنت وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد - من عوالي المدينة - وكنا نتناوب النزول على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ينزل يوماً، وأنزل يوماً، فإذا نـزلت جئته بخبر ذلك اليوم، وإذا نزل فعل مثل ذلك"( ) وما كان ذلك إلا لحرصهم الشديد على معرفة سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واتباعها والالتزام بها ...
وقد كان الصحابة يقطعون المسافات الطويلة ليسألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن حكم الله في بعض ما يعرض لهم. يروي البخاري عن عقبة بن الحارث - رضي الله عنه - “ أن امرأة أخبرته أنها أرضعته هو وزوجه فركب من فوره من مكة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة. فلما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سأله عن حكم الله فيمن تزوج امرأة لا يعلم أنها أخته من الرضاع، ثم أخبرته بذلك من أرضعتهما ؟ فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - (كيف وقد قيل ؟ ) ففارق زوجه لوقته وتزوجت بغيره ..
وكان الصحابة – رضي الله عنهم – حريصين على أن يسألوا أزواج النبي – رضوان الله عليهن – عن سيرته وسنته في بيته، وكانت النساء يذهبن إلى بيوت أزواج النبي يسألنهن عما يعرض لهن، وهذا معروف مشتهر غني عن ذكر شاهد أو مثال.
بل لقد بلغ من حرص الصحابة - رضوان الله عليهم - على الالتزام بسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - أنهم كانوا يلتزمون ما يفعل ويتركون ما يترك دون أن يعرفوا لذلك حكمة، ودون أن يسألوا عن ذلك، ثقة منهم بأن فعله - صلى الله عليه وسلم - وحي. فقد أخرج البخاري في صحيحه عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : " اتخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاتماً من ذهب فاتخذ الناس خواتيم من ذهب، ثم نبذه النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: ( إني لن ألبسه أبداً ) فنبذ الناس خواتيمهم "( ).
وروى القاضي عياض في كتابه " الشفا " عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: " بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعها عن يساره، فلما رأى القوم ذلك ألقوا نعالهم، فلما قضى صلاته قال : ( ما حملكم على إلقاء نعالكم) ؟ قالوا : يا رسول الله رأيناك ألقيت نعليك، فقال : ( إن جبريل أخبرني أن فيهمــا قذرا) ( ).
وأورد ابن عبد البر في “ جامع بيان العلم وفضله " عن ابن مسعود - رضي الله عنه " أنه جاء يوم الجمعة والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب، فسمعه يقول : ( اجلسوا ) فجلس بباب المسجد - أي حيث سمع النبي يقول ذلك - فرآه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : (تعال يا عبد الله بن مسعود) ( ).
إلى هذا الحد بلغ حرص الصحابة - رضوان الله عليهم - على معرفة سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - في جميع أحواله، والالتزام بها، والاستجابة لأمره ونهيه من فورهم - كما فعل عبد الله بن مسعود -، ومن غير أن يدركوا حكمة الفعل - كما في إلقائهم نعالهم في الصلاة، ونبذهم خواتيم الذهب -، ولم يكن ذلك إلا استجابة لله - تعالى - في أمره بطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - والاقتداء به كما في قوله - عز وجل - : ] لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا [ (الأحزاب:21 ). ثم استجابة لرسوله - صلى الله عليه وسلم - في أمره الأمة باتباع سنته والالتزام بها، كما في قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( خذوا عني مناسككم ) ( ). وقوله - عليه الصلاة والسلام - : (صلوا كما رأيتموني أصلي) ( ). وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى) قالوا : يا رسول الله ومن يأبى ؟ قال : ( من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى) ( ). وقوله - صلى الله عليه وسلم - ( أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبداً حبشياً فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة ) ( ).
هذا قليل من كثير مما يبين موقف الصحابة - رضوان الله عليهم - من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو موقف يتسم بالحرص الشديد والاهتمام البالغ على معرفة سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحفظها والالتزام بها، بل وتبليغها إلى من يسمعها استجابة لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (نضر الله امرأ سمع مقالتي ووعاها فأداها كما سمعها، فرب مبلَّغ أوعى من سامع ) ( ).
ومن هذا يتبين مدى كذب أعداء السنة وأعداء الله ورسوله في ادعائهم الذي سلف ذكره.
3- وأما دعواهم بأن كبار الصحابة - رضوان الله عليهم - كانوا يكرهون رواية الحديث، وكان عمر - رضي الله عنه -( ) يتهدد رواة السنة، وأنه نفذ وعيده فحبس ثلاثة من الصحابة بسبب إكثارهم من رواية السنة ؛ فهذا كذب يضاف إلى ما سبق من دعاواهم الكاذبة، وفيه جانب من التدليس الذي لا يخلو عنه كلامهم.
أما أن الصحابة - رضوان الله عليهم - كانوا يكرهون رواية الحديث، فهذا باطل، والحق أنهم كانوا يخشون روايتها ويهابون من ذلك، لعظم المسؤولية، ووعيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على من يكذب عليه. في قوله - عليه السلام - ( من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ) ( ). ولقد كان الصحابة - رضوان الله عليهم - بين أمرين هم حريصون على كل منهما ؛ أولهما : تبليغ دين الله إلى من يليهم من الأمة، ثانيهما : التثبت والتحري الشديد لكل ما يبلغونه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. لذلك كان الواحد منهم يمتقع وجهه، وتأخذه الرهبة وهو يروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. فالصواب - إذن - أن الصحابة كانوا يهابون رواية الحديث بسبب شدة خوفهم من الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو الخطأ فيما يروون. وليس كما يزعم هؤلاء، أن ذلك لأنهم كانوا يرون السنة غير شرعية، أو أنها ليست مصدراً تشريعياً.
أما دعوى حبس عمر - رضي الله عنه - ثلاثة من أصحابه هم : عبد الله بن مسعود، وأبو ذر، وأبو الدرداء - رضي الله عنهم – ؛ فهذه رواية ملفقة كاذبة، جرت على الألسنة، وقد ذكرها البعض كما تجري على الألسنة وتدون في كتب الموضوعات من الأحاديث والوقائع، فليس كل ما تجري به الألسنة أو تتضمنه بعض الكتب صحيحاً، وقد تولى تمحيص هذه الدعوى الكاذبة الإمام " ابن حزم " – رحمه الله – في كتابه : “ الإحكام “ فقال : ((وروي عن عمر أنه حبس ابن مسعود، وأبا الدرداء، وأبا ذر من أجل الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبعد أن طعن ابن حزم في الرواية بالانقطاع محصها شرعاً فقال : “ إن الخبر في نفسه ظاهر الكذب والتوليد، لأنه لا يخلو : إما أن يكون عمر اتهم الصحابة، وفي هذا ما فيه. أو يكون نهى عن نفس الحديث وتبليغ السنة وألزمهم كتمانها وعدم تبليغها، وهذا خروج عن الإسلام، وقد أعاذ الله أمير المؤمنين من كل ذلك، وهذا قول لا يقول به مسلم، ولئن كان حبسهم وهم غير متهمين فلقد ظلمهم، فليختر المحتج لمذهبه الفاسد بمثل هذه الروايات أي الطريقين الخبيثين شاء "( ).
هكذا يتضح كذب ادعائهم وفساد ما بنوه على هذا الادعاء.
الشبهة الرابعة :
خلاصة شبهتهم هذه ؛ أن الإسلام جاء يدعو إلى أمة واحدة تحت راية كتاب الله القرآن – يقـــول الله - تعالى - ] إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون [ ( الأنبياء:92). وقد جاهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طوال حياته الشريفة لتحقيق هذه الغاية، حتى نجح في ذلك بفضل اعتماده القرآن وحده، وترك الأمة على ذلك .. وقد ظلت الأمة واحدة طالما كانت تحت راية القرآن وحده. حتى جاءت المؤامرة التي قام بها مدونو كتب السنة. حيث تسببوا بتدوين السنة، والدعوة إليها، وشغل الناس بها إلى تفريق الأمة، وقد جاء الفقهاء فبنوا على السنة، فازدادت الأمة افتراقاً، ولو أن الأمة تركت السنة وعادت إلى القرآن وحده لخرجت من فرقتها، وعادت إليها وحدتها وعزتها وأخذت مكانتها بين الأمم المتقدمة.
ولأن السنة هي سبب تفرق الأمة وتصدع وحدتها ؛ فلم يقم بها، ولم يشتهر بالتدوين فيها عربي واحد، بل كان جميع المشتغلين بالسنة من أهل فارس، وبخاصة الكتب الستة، فإن الذين دونوها وشغلوا الناس بها من الفرس الحاقدين على الإسلام، وقد وضعوا كتبهم للكيد للإسلام وتصديع وحدة الأمة المسلمة، فتدوين كتب السنة - إذن - كان مؤامرة فارسية سقطت في أتونها الأمة المسلمة، يقول " عبد الله جكرالوي " " لا ترتفع الفرقة والتشتت عن المسلمين، ولن يجمعهم لواء ولا يضمهم فكر واحد، ما داموا مستمسكين بروايات زيد وعمرو"( ). ويقول " حشمت علي " : " لن تتحقق وحدة المسلمين ما لم يتركوا كتبهم الموضوعة في طاعة رسول الله "( )، ويقول " برويز " : " قد فاق تقديس هذه الكتب - كتب السنة - كل التصورات البشرية، مع أنها جزء من مؤامرة أعجمية، استهدفت النيل من الإسلام وأهله، ثم يفسر تلك المؤامرة ويبين القائمين بها فيقول " فما أصحاب الصحاح الستة إلا جزء من تلك المؤامرة، لذا نجدهم جميعاً إيرانيين، لا وجود لساكن الجزيرة بينهم "( ).
الرد على الشبهة وتفنيدها :
إن هذه الشبهة تذكرنا بالمثل : " رمتني بدائها وانسلت ". أو ما يقول علماء النفس عن داء " الإسقاط " وهو داء نفسي يبتلى به بعض الناس المصابين بنقائص معينة، فحتى يبرئ نفسه منها يسارع فيسقطها على الآخرين ويتهمهم بها .. فهؤلاء أعداء السنة، وأعداء الدين، وأعداء أمة المسلمين، هم الذين خرجوا على إجماع الأمة، ومن قبل ذلك خرجوا على القرآن المجيد كتاب الله الذين ينسبون أنفسهم إليه ظلماً وزورا، وخرجوا على سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فهم أعداء الله ورسوله والمؤمنين، وأعداء القرآن والسنة، فهؤلاء هم الذين صدعوا وحدة الإسلام والأمة، وفرقوا كلمتها، وخرجوا على جماعتها. هؤلاء يأتون فيرمون أهل السنة، أهل الإسلام، جماعة المسلمين بأنهم هم الذين فرقوا الأمة. وهؤلاء الذين خرجوا على جماعة المسلمين برفضهم السنة النبوية، يرمون الأمة المسلمة بأنها خرجت عليهم وفرقت المسلمين بتمسكهم بالسنة النبوية المطهرة .. فهل يوجد ثمة تبجح وادعاء، ومكابرة، وقلب للأوضاع، ورمي للأبرياء بما فيهم من أدواء، كمثل هذا الذي فعله منكرو السنة في شبهتهم هذه ؟ ] سبحانك هذا بهتان عظيم [ ( النور:16).
ثم إن هؤلاء الذين يتهمون المسلمين المتمسكين بالسنة النبوية بأنهم تفرقوا بسبب استمساكهم بالسنة، وعدم اقتصارهم على القرآن وحده، وقد زعموا أنهم مقتصرون على القرآن وحده طلباً لوحدة الأمة ؛ نقول : هل أفلح هؤلاء في أن يكونوا فريقا واحدا ؟ إنهم بعد أن تركوا السنة طلبا للوحدة - كما يزعمون زوراً - تحولوا فيما بينهم إلى طوائف وفرق، وكل فرقة تحاول أن تنتشر على حساب الأخرى، وتستقطب أتباع الأخرى، لِمَ لم يتوحدوا هم في فرقة واحدة إذا كان مطلبهم الوحدة ؟
إننا حين سمعنا بهم ونحن بإسلام أباد بباكستان، كنا نظنهم فرقة واحدة، وظل ذلك ظنا لدينا حتى اجتمعنا ببعضهم " بكراتشي " وبعد أن انفض الاجتماع وكنا نستعد للسفر إلى مدينة " هاري بور " للقاء " بير عبد الدايم " زعيم " البريلويين " هناك للنظر في عقائد هؤلاء الناس، فوجئنا بمضيفنا يقول : هناك طائفة أخرى يمكن أن تجتمعوا ببعض رؤسائها إذا انتظرتم إلى الغد .. فعرفنا أنهم طوائف. ثم إنهم ينعون على الأمة المسلمة المذاهب الفقهية، ويسمون ذلك تفرقاً وتشتتاً، فهل أفلحوا هم في أن يكونوا مذهباً واحداً في الفقه ؟ " لنأخذ الصلاة مثالاً للواقع الملموس بينهم، فمن قائل بأدائها خمساً، وآخر أربعاً وثالث ثلاثا والرابع مرتين في اليوم والليلة، وكل صاحب رأي من هذه الآراء يزعم أنها صلاة القرآن، وأما اختلافهم في جزئياتها من حيث عدد الركعات والهيئة فحدث عنه ولا حرج "( ).
أما الزعم بأن كل الذين دونوا السنة وجمعوها وميزوها من الأعاجم المتآمرين على أمة الإسلام فذلك كذب صراح وافتراء بواح في شقيه ؛ في الزعم بأن مدوني السنة جميعهم عجم، وفي الزعم بأن التدوين كان مؤامرة.
أما الشق الأول فيكذبه الواقع، فإن أول من دون السنة وجمعها كانوا عربا صرحاء، فقد بدأ الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة - رحمه الله - وذلك في موطَّئه. وجاء بعده الحميدي القرشي في مسنده، وجاء بقية السلف الصالح في عصره الإمام أحمد بن حنبل في مسنده، وهكذا تتابع التدوين، وهؤلاء الأوائل جميعهم عرب صرحاء. أما عن الكتب الستة ؛ فدعواهم أن واضعيها من العجم كذب وافتراء. فالإمام مسلم والإمام الترمذي والإمام أبو داود جميعهم من العرب، فكيف يقال إنهم من العجم ؟ وإنهم صنعوا بذلك مؤامرة على المسلمين ؟
إن هؤلاء يقلبون الأوضاع، ويعكسون الأمور، ويرمون الأبرياء بما هم فيه من بلاء، فمن هم الذين يتآمرون على الإسلام والمسلمين ؟ ومن هم الذين فارقوا الجماعة، وفرقوا الأمة ؟ هل هؤلاء هم البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجه ؟ هؤلاء الأئمة الأعلام الذين حفظ الله بهم دينه، وذلك بحفظهم وحفاظهم سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، إن هؤلاء هم الذين - حفظ الله - بهم دينه، وعصم الله - تعالى - بهم الأمة عن التفرق والشتات، إن المرء ليعجب كيف يصل التبجج والافتراء إلى مستوى يتهم فيه عاقل - حتى ولو لم يكن مسلماً - إماماً كالبخاري أو مسلم بأنه فرق الأمة وتآمر على الإسلام( ).
إن الواقع الملموس يبين أن هؤلاء الكافرين بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخارجين عن طاعة الله - تعالى - وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - هم المتآمرون على الإسلام، المفرقون أمة المسلمين، المارقون من الدين، الشاذُّون عن الجماعة.
الشبهة الخامسة :
وهذه الشبهة ليست من إنشائهم، بل قال بها بعض منكري السنة السابقين، وبخاصة هؤلاء الذين اتخذوا من الاعتزال ستاراً يخفون وراءه زندقتهم، ثم يهاجمون الإسلام، من أمثال النظام وبشر المريسي وغيرهم.
وهذه الشبهة تقوم عندهم على الزعم بأن الاحتكام إلى السنة والالتزام بها مؤدّ إلى الشرك والكفر. فإن الاسلام يقوم على أن الحاكم هو الله وحده، وأن الحكم له وحده - سبحانه - يقول - تعالى - : ] إن الحكم إلا لله [ (الأنعام:57 و يوسف:40،67 ). ويقول - عز وجل - : ] ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين [ ( الأنعام:62). وإذا كان الإسلام يقوم على أن الحكم لا يكون إلا لله - سبحانه - ؛ فإن الاحتكام إلى سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه إشراك الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الحكم مع الله - سبحانه -، وذلك كفر وشرك. ولا خروج من ذلك الشرك والكفر إلا بالاحتكام إلى كتاب الله القرآن وحده، ونبذ السنة وعدم اعتبارها.
الرد على الشبهة وتفنيدها :
هذه الشبهة تقوم على أمرين فرغنا من الحديث عنهما :
الأمر الأول : أن السنة ليست وحياً من عند الله - تعالى - وبالتالي فليست شرعاً يحتكم الناس إليه.
الأمر الثاني : أن طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليست من طاعة الله - سبحانه - بل بين طاعة الرسول وطاعة الله تعارض وتضارب، بحيث تكون طاعة الرسول نقضاً لطاعة الله - تعالى -، وبذلك يتحقق كونها عندهم شركا بالله.
وهذان الأمران قد سبق أن أوفينا الكلام فيهما. حيث أثبتنا أن السنة النبوية وحي من عند الله - سبحانه - إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا ينطق إلا بوحي الله - تعالى -، ويكفي هنا أن نذكر بقول الله - عز وجل - في حق رسوله - صلى الله عليه وسلم - : ] وما ينطق عن الهوى% إن هو إلا وحي يوحى [ (النجم:3-4 ). وكذلك قد بينا أن السنة شرع الله - سبحانه - كما أن القرآن شرع الله - عز وجل -، وقد بينا - آنفاً - أن السنة بمنزلة القرآن من حيث حجية التشريع ومصدريته، ويكفي - كذلك - أن نذكر هنا بقول الله - عز وجل - مخاطباً رسوله - صلى الله عليه وسلم - : ] فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا ممـا قضيت ويسلموا تسليما [ ( النساء:65) ، ويقول الله – سبحانه - : ] إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكـم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون [ ( النور:51).
فهذه الآيات نصوص قرآنية قاطعة في أن السنة النبوية وحي من عند الله - تعالى -، وأن كل ما يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو يفعل - فيما يتصل بأمور الدين - إنما هو الحق من عنـد الله، وكذلك تدل الآيات على وجوب الاحتكام إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والرضا بما يحكم به، والتسليم والإذعان لذلك. وأن من لم يحتكم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يرض بحكمه هو خارج عن الإيمان، وليس له حظ من الإسلام.
أما كون طاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واجبة على المسلم، وأنهـا من طاعة الله – تعالى -، فقد أوفينا الكلام عنها كذلك. ويكفي أن نذكر بقول الله – عز وجل : ] من يطع الرسول فقد أطاع الله، ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا [ (النساء:80 ).
فهذه آيات قاطعات في أن الاحتكام إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - وطاعته إنما هو احتكام إلى الله تعالى - وطاعة له - سبحانه - وقد قال الله - تعالى - : ]من يطع الرسول فقد أطاع الله [. وهؤلاء يقلبون الآية القرآنية فيزعمون أنه " من يطع الرسول فقد أشرك بالله “ - عياذاً بالله، وليس بعد هذا الضلال ضلال.
الشبهة السادسة :
وتتمثل هذه الشبهة في زعمهم ؛ أن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أقوال وأفعال ليس لها صفة العموم الزماني والمكاني، إذ هي أحكام أصدرها الرسول - صلى الله عليه وسلم - في زمانه وفقاً لظروف أصحابه الذين كانوا معه، وظروف أصحابه كانت مرتبطة بهم وبزمانهم ومكانهم وأحوالهم الخاصة بهم. وقد انقضى ذلك الزمان بأشخاصه وظروفهم وأحوالهم، وقد تغير الزمان، وتغيرت الظروف، ومن ثم لم تعد تلك الأقوال والأفعال الخاصة بذلكم الزمان، صالحة لزماننا ولا لظروفنا، ويترتب على ذلك أن طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - التي كانت واجبة على أصحابه في زمانه، لم تعد واجبة علينا، ولا سنته التي كانت ملزمة لهم ملزمة لنا.
الرد على الشبهة وتفنيدها :
إن القول بهذه الشبهة مبني على الزعم بأن السنة ليست وحياً، وليست شرعاً، وقد سبق أن رددنا على ذلك. لكن هذه الشبهة تثير قضية أخرى زيادة على ما تقدم. وهي قضية الأحكام الشرعية التي وردت في أسباب خاصة، وهذه في القرآن المجيد يُعَنْون لها بـ " أسباب النزول ". وقد ورد جانب كبير من الأحكام الواردة في القرآن الكريم على هذا النحو، أي نزل في أسباب خاصة كما في أحكام الظهار في أول سورة المجادلة. لكن العلماء لم يذهبوا إلى القول بأن هذه أحكام خاصة بأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وبزمانهم ولم تعد صالحة لزماننا، بل وضعوا القاعدة الأصولية المشهورة والتي يعرفها عامة المسلمين، والتي تقول " العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ". ومقتضى هذا أن الحكم ينزل في واقعة معينة، ثم يطبق على كل ما يماثلها وحتى آخر الزمان.
ومثل هذا الذي قيل في أحكام القرآن المجيد، قاله العلماء في سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلم يفرقوا بين القرآن والسنة في ذلك لكونهما وحي الله - تعالى - إلى رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فالقرآن وحي الله، والسنة وحي الله. وقد سبق أن بينا ذلك بإفاضة.
والقول باقتصار السنة على زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضوان الله عليهم - مؤدٍّ - بالضرورة - إلى القول بمثل هذا في القرآن المجيد، لأن ثمة تلازما بين القرآن والسنة من حيث التشريع والحجية، ومن حيث إنهما خطاب للخلق من الجن والإنس في كل زمان ومكان. وإلا فماذا نقول في الآيات القرآنية التي وردت تأمر الأمة المسلمة بطاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كقوله - تعالى - : ] وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون [ (النور:56 ). هذا الأمر إما أن يكون صالحاً لكل زمان ومكان، وصلاحيته هذه قائمة إلى قيام الناس لرب العالمين، فتكون السنة المأمور بطاعة الرسول فيها قائمة ومستمرة، ويكون كلامهم باطلاً، أما إذا كانت السنة - كما يزعمون غير صالحة بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فيكون الأمر باتباعها وطاعة صاحبها كذلك غير صالح بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ويؤول الأمر إلى أن يقولوا في القرآن بمثل ما قالوا في السنة، فتكون جميع الآيات الآمرة بطاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على كثرتها، وتنوع صيغها، وكذلك الآيات التي تحض على الاحتكام إليه، وجعل ذلك علامة الإيمان، وكذلك الآيات التي تجعله - صلى الله عليه وسلم - قدوة وأسوة، كل ذلك يكون مفرغ المعنى، وقد مضى عهد صلاحيته بانتهاء عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه. وهذا ما لا يقول به عاقل. ولا يقولون هم به، ليس لأنهم عقلاء فاهمون، بل لأنهم ينسبون أنفسهم إلى القرآن، ويصفون القرآن بأنه - وحده - صالح لكل زمان ومكان. ولا يدرون أن مِعْوَلَهم الذي شهروه لهدم السنة هو في ذاته مُشْهر لهدم القرآن الذي ينتسبون إليه ظلماً وزورا ،. لكن الله - تعالى - حافظ دينه بحفظ كتابه وسنة رسوله، ولو كره الكافرون.
الشبهة السابعة :
تقوم شبهتهم هذه على أن الله - تعالى - قد تكفل بحفظ كتابه القرآن. وذلك في قوله - عز وجل - : ] إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون [ ( الحجر:9). لذلك ظل القرآن هو الحق الوحيد في دين الله الإسلام، فلم يحرف ولم يبدل، ولم تدخله كلمة ولا خرجت منه كلمة، ولم يرو بغير لفظه ومعناه، أما السنة فلم يتكفل الله - سبحانه - بحفظها، ولذلك داخلتها الموضوعات المحضة من جانب - أي التي لم يقلها الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا بلفظها ولا بمعناها -، ومن جانب آخر ضاعت ألفاظها ورويت بالمعنى، وذلك فيما لو صح أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قالها. فكان ضياع ألفاظها سببا في عدم معرفة المعنى الذي أراده الرسول - صلى الله عليه وسلم -، حتى ليصح أن يقال إن السنة كلها أضحت موضوعة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ما كان منها موضوعاً بلفظه ومعناه، وما كان منها موضوع المعنى بسبب ضياع ألفاظه وروايتهم إياه بالمعنى، يقول "برويز": " اعلم أن الله - تعالى - لم يتكفل بحفظ شيء سوى القرآن، ولذا لم يجمع الله الأحاديث، ولا أمر بجمعها، ولم يتكفل بحفظها "( ). ويقول " عبد الله جكرالوي " " بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بمئات السنين نحت بعض الناس هذه الهزليات من عند أنفسهم ونسبوها إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - وهو منها بريء "( ).. ويقول " مقبول أحمد " : " تنقيح الأحاديث من البحر الهائج المكذوب كتطهير الطعام المسموم، غير أن الحذر والحيطة يقتضيان عدم الأكل من ذلك الطعام "( ).
ويقولون أيضاً : إن كفالة الله - تعالى - بحفظ كتابه القرآن، مع عدم كفالته بحفظ السنة دليل واضح على أن الدين ليس بحاجة إلى السنة. وأنها ليست من الدين، ولا هي ضرورية له. إذ لو كانت من الدين وضرورية له لحفظها الله كما حفظ القرآن. ( )
الرد على الشبهة وتفنيدها :
إن الله - عز وجل - أنزل القرآن الكريم بلفظه ومعناه، فالقرآن كلام الله – سبحانه-، لذا كان جديراً بأن يحفظه الله - سبحانه - ويصونه أن يحرف أو يبدل، ولأن القرآن كذلك لم تجز روايته بالمعنى.
أما السنة فهي وحي الله - تعالى - إلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - أوحى الله - تعالى - بما فيها من أحكام وتشريعات إلى نبيه - صلى الله عليه وسلم - ثم صاغها النبي بكلامه. ولأن السنة ليست كلام الله - تعالى - فقد أجاز العلماء روايتها بالمعنى، ولم يطلق العلماء هذا الحكم بلا ضوابط أو حدود، بل وضعوا لراوي الحديث بالمعنى ضوابط وشروطاً بحيث لا تجوز روايته الحديث بالمعنى إلا إذا توفرت فيه هذه الضوابط والشروط.
ورأس هذه الشروط أن يكون عارفاً بالعربية، عالماً بألفاظها، ومدلولات تلك الألفاظ، بصيراً بعلاقات الألفاظ بعضها ببعض من ترادف واشتراك وتباين وغير ذلك. فإن كان الراوي على هذا العلم جاز له رواية الحديث بالمعنى، لأن في معرفته بالأمور التي ذكرناها أماناً من الخطأ في معاني الأحاديث التي يرويها. وإن لم تتوفر له هذه الشرائط فلا تجوز له الرواية بالمعنى.
أما الزعم بأن الله - تعالى - لم يحفظ سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ؛ فإن كان المراد أنه - تعالى - لم يحفظها بألفاظها. فهذا مسلم، وقد بينا أن السنة ليست بحاجة إلى نفس الألفاظ، بل الحاجة إلى معانيها المنضبطة ولو رويت بألفاظ أخرى لا تخل بالمعنى. وقد روى الخطيب البغدادي أن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - قالت لعروة بن الزبير " بلغني أنك تكتب الحديث عني، ثم تعود فتكتبه، فقال لها : أسمعه منك على شيء، ثم أعود فأسمعه على غيره. فقالت : هل تسمع في المعنى خلافاً ؟ قال : لا، قالت : لا بأس بذلك "( ). فالمعنى إذا كان بنفس اللفظ أو انضبط بألفاظ مشابهة فلا بأس به.
أما إن كان المراد أن الله - تعالى - لم يحفظ السنة مطلقاً لا بألفاظها ولا بمعانيها، وأنها ضيعت ؛ فذلك كذب وافتراء على الله - تعالى - وعلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - وعلى الأمة المسلمة، وجحد ونكران لجهود عظيمة مميزة قام بها علماء السنة عبر تاريخ الإسلام.
والحق أن الله - سبحانه - تكفل بحفظ كتابه، ومن خلال حفظ كتابه تكفل الله - تعالى - ضمنياً بحفظ سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ذلكم أن الكتاب بحاجة إلى السنة التي تبينه، كما قــال – عز وجل - : ] وأنزلنا إليك الذكر لتبيــَّن للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون [ (النحل:44). فالسنة ضرورية للكتاب، وهي إلى جانب الكتاب ضروريان للدين. فمن حفظ الله - تعالى - كتابه أن يحفظ السنة التي تبينه وتفصله، فإن القرآن بحاجة إليهــا ومن حفظ الله - تعالى - دينه كي يعرفه الخلق الذين كلفهم الله به، ويحاسبهم عليه، أن يحفظ كتابه وسنة نبيه، فإن الدين بحاجة إليهما. لذلك كان من قدر الله - سبحانه - أن هيأ لسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - هؤلاء الأعلام الذين بذلوا في حفظ السنة ما لم يعرف له تاريخ العلوم والثقافات مثيلا من قبل ولا من بعد. وما كان ليتم لهم ذلك إلا بتوفيق من الله - تعالى - وهداية وتأييد. فقد ابتدعوا نظاماً لحفظ السنة، ومعرفة صحيحها بدرجاته، من الضعيف بدرجاته، من الموضوع. واخترعوا من الوسائل المعرفية والمناهج العلمية ما هو معجز في بابه، كل ذلك على غير مثال سابق لا عند العرب، ولا عند غير العرب ممن كانت لهم ثقافات وفلسفات، وكانت لهم أديان، وكانوا الأكثر حاجة إلى تمحيص مكتوباتهم وأسفارهم الدينية، ولكنهم لم يصلوا إلى ما وصل إليه علماء الإسلام ولا إلى قريب منه. وقد شهدت الأمم جميعها بأن علماء السنة قد أتوا في باب جمعها وتصنيفها، وتمييزها، ومعرفة الصحيح من الضعيف من الموضوع. ما لم تعرفه الأمم من قبل. والسؤال : هل كان هذا يمكن أن يتم دون توفيق من الله - سبحانه - وهداية ومعونة وإرشاد ؟ ..إنه توفيق الله - تعالى- لحفظ سنته الذي هو من حفظ كتابه، لحاجة الكتاب إلى السنة في بيانه وتفصيله، وحاجة دين الله الإسلام إلى الكتاب والسنة جميعاً.
أما زعمهم بأن السنة أضحت خليطاً لا يعرف منها الصحيح من الموضوع ؛ فذلك كذب وافتراء بل تبجح ومكابرة، فإن أقل الناس ذكاء ومعرفة بالسنة تكفيه زيارة واحدة لإحدى المكتبات الحديثية التي تضم كتب السنة أو بعضها ليدرك - بعد تصفح لعناوين هذه المدونات وبعض ما فيها - أن الله - تعالى - حفظ سنة نبيه، وأن كتب الصحاح والسنن موجودة ينهل منها المسلمون الزاد النافع لهم في الدنيا والدين. رغم أنوف هؤلاء الكافرين - منكري السنة - أعداء الله وأعداء رسوله وأعداء المسلمين.
الخاتمة :
هذه مجمل الشبهات التي تقول بها طائفة منكري السنة " القرآنيون ". تلك الطائفة التي بدأت حركتها بالهند في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين الميلادي، ثم انتقلت بمعظم أنشطتها ومؤسساتها إلى باكستان بعد استقلالها عن الهند وما تزال تزاول حركتها الهدامة تحت اسم "البرويزيين" وقد اقتصرنا في بحثنا على الشبهات التي قال بها هؤلاء ابتداء، أو أخذوها عن غيرهم من السابقين ثم حوروا فيها وأضافوا إليها.
وقد ذكرنا كل شبهة وأردفناها بالرد عليها وتفنيدها .. وقد توخينا أن تكون ردودنا عليهم معتمدة أساساً على القرآن المجيد الذي ينسبون أنفسهم إليه ظلماً وزورا. وذلك إلزاماً لهم مـن خلال ما يزعمون الانتساب إليه والاقتصار عليه، وحتى لا يحتجوا بأننا نلزمهم ما لا يلتزمون به.
وقد بان لنا من خلال البحث جملة من الحقائق عن هذه الطائفة نوجزها فيما يلي :
أولاً : هذه الطائفة نشأت ابتداء على أيدي الإنجليز الذين كانوا يستعمرون الهند، فهي صنيعة من صنائع الكفار أعداء الله ورسوله والمؤمنين. وهي حركة من الحركات الكثيرة التي قام بها الإنجليز في هذه المنطقة لهدم الإسلام وتفريق المسلمين، من مثل " القاديانية " و "البريلوية" وغيرهما.
ثانياً : أثبتنا عند حديثنا عن رؤوس هذه الحركة أنهم كانوا على اتصال دائم وقوى بالإنجليز، وكان الإنجليز وراء حركاتهم تلك، وكانوا يمدونهم بالعون المادي والمعنوي، بل كان بعض هؤلاء على اتصال بحركة المنصرين بالهند.
ثالثاً : هذه الحركة بجميع طوائفها خارجة عن الإسلام، فاسقة عن الملّة، وإن زعمت لنفسها الإسلام، وانتسبت إلى القرآن. وإن انتسابها إلى القرآن باطل، لأنها كفرت بالقرآن في نفس اللحظة التي كفرت فيها بالسنة، فإنه لا تفرقة بين القرآن والسنة، فهما يخرجان من مشكاة واحدة، هي مشكاة الوحي الإلهي المعصوم.
رابعاً : يتضح من كل ما تقدم أن هدف هؤلاء، والغاية التي يسعون إلى تحقيقها هو القضاء على الإسلام وتفريق الأمة المسلمة. وأن انتسابهم إلى القرآن إنما هو ستار يتخفون وراءه ليزاولوا تحت شعاره أنشطتهم الهدامة، وحركاتهم التخريبية.
ونأمل أن نكون من خلال بحثنا هذا قد استطعنا أن نوضح هذه الحقائق فضل توضيح .
والله من وراء القصد، وهو حسبنا ونعم الوكيل
فهرس الموضوعات
المقدمة 1
المبحث الأول التعريف بالسنة النبوية 4
المبحث الثاني: مكانة السنة النبوية من التشريع وأدلة حجيتها 8
أولاً : مكانة السنة النبوية الشريفة من التشريع 8
المبحث الثالث: الجذور التاريخية لمنكري السنة وأشهر طوائفهم 21
المبحث الرابع: التعريف بطائفة القرآنيين، وعوامل نشأتهم 28
أولاً : السيد أحمد خان : 29
ثانياً : عبد الله جكرالوي 33
ثالثاً : أحمد الدِّين الأَمْرِتْسِرِي 38
رابعاً : غلام أحمد برويز 40
طوائف القرآنيين في الوقت الحاضر : 45
أولاً : أمت مسلم أهل الذكر والقرآن ، الأمة المسلمة أهل الذكر والقرآن ، 45
ثانياً : طلوع إسلام ، ظهور الإسلام " 46
ثالثاً : تحريك تعمير إنسانيَّت ،حركة تثقيف الإنسانية. 47
المبحث الخامس: شبهـــات القرآنييــن والرد عليها 49
الشبهة الأولى : 49
الشبهة الثانية : 55
الشبهة الثالثة : 62
الشبهة الرابعة : 74
الشبهة الخامسة : 78
الشبهة السادسة : 81
الشبهة السابعة : 83
الخاتمة : 88
فهرس الموضوعات 90
=========
( )رواه أبو داود في كتاب السنة،باب رقم 6،في لزوم السنة(5/11) والترمذي في كتاب العلم ، باب رقم 10، ما نُهي عنه أن يقال (5/37)
( ) أخرجه مسلم، كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة وأنواعها 7/102.
( ) المعجم الوسيط 456 وغيره من المعاجم.
( ) رواه البخاري، كيف كان بدء الوحي، 1/32، مكتبة الكليات الأزهرية ط1398 .
( ) رواه البخاري، كتاب المغازي، باب مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب، 15/294 برقم 4119.
( ) السنة ومكانتها من التشريع، د. مصطفى السباعي : 47، السنة قبل التدوين. د.عجاج الخطيب : 16.
( ) أبو داود: كتاب السنة، باب في لزوم السنة 2/359 برقم 4583، وأحمد 4/126، والترمذي كتاب العلم باب رقم 16، وابن ماجة في المقدمة باب رقم 6، والدارمي في المقدمة باب 16.
( ) إرشاد الفحول : 31، والموافقات : 4 / 3، تدوين السنة. د. محمد مطر الزهراني : 17 والسنة ومكانتها من التشريع : 49.
( ) الرسالة : 78. وراجع في ذلك السنة ومكانتها من التشريع. د. مصطفى السباعي: 50.
( ) يرجع في تفسير هذه الآيات إلى التفاسير المعروفة وبخاصة : الزمخشري، والرازي، والقرطبي.
( ) الكفاية للخطيب البغدادي : 29، وبحوث في السنة المشرفة. د. عبدالغني عبدالخالق. نقلاً عن : تدوين السنة النبوية. د. محمد مطر الزهراني : 18.
( ) رواه البخاري، كتاب التفسير، باب قوله تعالى(فلا وربك لا يؤمنون) 17/120، برقم 4585.
( ) تأويل مختلف الحديث : ابن قتيبة : 15.
( ) راجع في ذلك : أصول الدين : 19، الفرق بين الفرق، مقالات الإسلاميين، الملل والنحل.
( ) هو السيد أحمد خان بن أحمد مير المتقى بن عماد الحسيني، ولد في مدينة دهلي في أكتوبر 1817م. بدأ دراسته بالقرآن الكريم، ثم تعلم العربية والفارسية، ثم درس العلوم الدينية، وعندما توفي والده، وكان في الحادية والعشرين من عمره التحق للعمل بشركة الهند الشرقية، وكان ذلك بداية اتصاله بالإنجليز الذين أعجبوا بذكائه وطموحه، ورأوا فيه ضالتهم التي يبحثون عنها. ومنذ اللحظة الأولى أعلن ولاءه لسادته الإنجليز، ومن ثم رفعوه إلى درجة مساعد قاض في المحاكم الإنجليزية، وأغدقوا عليه المال والحماية، وقد عرف هو فضلهم عليه فتفانى في خدمتهم ومعاونتهم، والدفاع عن سياستهم الاستعمارية، ووقف معهم صفاً واحداً ضد أمته ودينه، إلى حد أنه وضع كتاباً عن ثورة الأمة ضد الإنجليز في مايو 1857م، ألقى فيه كل التبعة على الأمة الهندية، وانتصر للإنجليز، ووضع لهم مقترحات انتفعوا بها في سياستهم ضد الأمة .. وكان نشطاً في التأليف والكتابة وإصدار المجلات العلمية، مسخراً ذلك كله لخدمة أهدافه وأهداف ساداته، وفي سبيل ذلك أنشأ الكثير من المعاهد والمدارس، ثم ختم كل ذلك بتأسيس جامعة " عليكره " هذا على المستوى العام، وعلى المستوى الشخصي، قد شهد القريبون منه أنه ما كان يصلي ولا يصوم، ولا يهتم بشعائر الدين .. وقد توفي "أحمد خان" في مارس 1897م، ودفن بجوار المسجد الذي بناه وسط جامعة عليكره. (30).
( ) راجع في حياة السيد أحمد خان، وأفكاره وآثاره، الفكر الإسلامي الحديث، وصلته بالاستعمار العربي. د. محمد البهي، القرآنيون. د. خادم حسين إلهي بخش.
( ) نقلاً عن : القرآنيون : 31، 32.
( ) نقلاً عن : القرآنيون : 31، 32 .
( ) نقلاً عن : القرآنيون : 50، 54.
( ) محمد علي جناح ولد بكراتشي عام ستة وسبعين وثمانمائة وألف للميلاد، وتوفي عام ثمانية وأربعين وتسعمائة وألف. بعد استقلال باكستان بعام واحد. نال المحاماة من إنجلترا، ثم عاد والتحق بالمؤتمر الهندي، ثم تركه ونشط في حركة " العصبة الإسلامية " وحين استقلت باكستان تولى رئاستها، لكن السياسة شغلته عن= قضايا الإسلام في بلده فكان من ذلك مخاطر كثيرة ما تزال باكستان بل والإسلام يعاني منها. وقد كان على رأس تلك المخاطر قبوله القادياني المتعصب ضد الإسلام والمسلمين "ظفر الله خان" وزيراً لخارجية باكستان الوليدة. فكان أن مكن الرجل للقاديانية وثبت أقدامها بباكستان، وفتح لها البلاد الأخرى عالمياً، بعد أن كاد يقضى عليها. كذلك من تلك المخاطر تلك الحركات المعادية للسنة والإسلام. وتحديداً حركة "برويز" التي لم يمكن لها سوى تهاون المسؤولين في ذلك البلد الطيب .. كذلك من تلك المخاطر قضية اللغة العربية، حيث كانت حية حين الاستقلال، لكن قضى عليها في باكستان تخطيط أعداء الله.
( ) نقلاً عن : القرآنيون :50، 54.
( ) اتفق لي أن ذهبت إلى باكستان أستاذا بالجامعة الإسلامية العالمية بإسلام أباد، وذلك لأربع سنوات بين عامي 1981،1985م. وكانت إعارتي إلى هناك على ملاك جامعة أم القرى بمكة المكرمة .. ووجدت عملي هناك فرصة مواتية للتعرف على الطوائف الموجودة على الساحة هناك. وحدث أن قامت معركة دامية بين البريلويين والديوبنديين بأحد المساجد التابعة لإحدى الطائفتين، مما شد من عزمي - وبعض إخواني - إلى تحقيق ما عزمنا عليه. فبدأنا عن طريق بعض الأساتذة الباكستانيين الذين يعملون معنا بالجامعة بإعداد برنامج تمكنا به - بفضل الله تعالى - من الاتصال بأهم هذه الطوائف. ومنهم " البريلويون " الذين ناظرنا كبيرهم بمدينة " هاري بور " المدعو : بير عبد الدايم" أو المرشد عبدالدايم، وكذلك التقينا بزعمائهم بإسلام أبادوروالبندي. والتقينا كذلك " بالديوبنديين " الذين يصمون البريلويين بالردة عن الإسلام والكفر، وفي كلامهم حق .. ثم جاء دور منكري السنة الذين يكفي عنوانا لهم هناك : "البرويزيون". وكان الفضل في لقائنا بالعديد منهم، وعقد الجلسات معهم يعود إلى الأخ الفاضل د. عبدالجواد خلف الذي أنشأ جامعة الدراسات الإسلامية " بكراتشي" حيث استضافنا ببيته بمنطقة " جلشن إقبال" ونظم هو - بذكاء وحرص - تلك اللقاءات التي ما كنا ندري أن الله - سبحانه - قد قدر لنا أن نفرغ بعض حصيلتها في ذلك البحث عن منكري السنة.
( ) هذه الأمور التي زعموها أدلة على شبهتهم ورد ذكرها على ألسنة بعض أتباع " برويز" حين التقينا بهم " بكراتشي " في صيف عام 1983م.
( ) أخرجه مسلم في كتاب الزهد، باب التثبت في الحديث 18/129.
( ) أخرجه البخاري، كتاب العلم، باب كتابة العلم 1/309.
( ) رواه البخاري، كتاب العلم، باب كتابة العلم 1/313 برقم 113 ولفظ البخاري: ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد أكثر حديثاً عنه مني إلا كان من عبدالله بن عمر .
( ) رواه أبو داود، كتاب العلم، باب كتابة العلم، 10/79، برقم 3629، وأحمد 2/162، والدارمي في المقدمة باب 43 .
( ) تدوين السنة. د. محمد مطر الزهراني : 76.
( ) رواه البخاري، كتاب العلم، باب كتابة العلم 1/315، برقم 114.
( ) تأويل مختلف الحديث ابن قتيبة، السنة ومكانتها من التشريع : 61، تدوين السنة :76 .
( ) حضرت العديد من جلسات المناظرة التي عقدت بيننا وبين أتباع " برويز " وذلك بمدينة " كراتشي" بباكستان. فكان احتجاجهم يقوم على هذا الحديث. وكثيراً ما كانوا يرددون : " صاحب السنة نهاكم عن كتابتها، وأقر هو بأنها لا تستحق أن تكتب، فهل أنتم حريصون على السنة أكثر من صاحبها ؟ " ومن طبعهم أنك مهما جئتهم بحجة، فإنهم لا يستمعون، أو كأنهم لا يسمعون، ويظلون يرددون ما لديهم مهما ظهر تهافته وفساده حتى ييئس المناظر وهنا يرفعون أصواتهم بالصياح والشماتة، وكأنهم انتصروا فيخيل للحاضرين -وجمهرتهم ممن لا يعرف العربية- أن " البرويزيين " انتصروا على المسلمين. فيشاركون بأصواتهم هم الآخرين.. والمناظرون منهم يحرصون على أن يأتوا معهم بكثير من الأتباع على قدر ما يسمح المكان. لأن اعتمادهم على الضجيج والغوغائية أمر أساس عندهم.
( ) أخرجه البخاري. كتاب العلم، باب التناوب في العلم 1/286، برقم 89.
( ) أخرجه البخاري، كتاب الاعتصام، باب الاقتداء بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم 28/36 برقم 7298.
( ) رواه أبو داود، كتاب الصلاة، باب الصلاة في النعل 2/353 برقم 636، وأحمد 1/461، والدارمي في الصلاة 103.
( ) رواه أبو داود. وابن عبدالبر في جامع بيان العلم.
( ) رواه النسائي 5/270 كتاب مناسك الحج، الركوب إلى الجمار واستظلال المحرم، وأحمد 3/318.
( ) رواه البخاري، كتاب الأذان، باب الأذان للمسافرين، 3/315، برقم 361.
( ) رواه البخاري، كتاب الاعتصام 28/12، برقم 7280، وأحمد 3/261.
( ) أخرجه أبو داود، كتاب العلم، باب كتابة العلم 10/79 برقم 3629، وأحمد 2/162، والدارمي باب رقم 43.
( ) رواه أبو داود، كتاب العلم، باب فضل نشر العلم 10/95، برقم 3643، وأحمد 1/37، والترمذي في العلم باب 7، وابن ماجة في المقدمة باب 18، والدارمي في المقدمة 24 .
( ) ذكر بعض " البرويزين " أثناء حديث له معنا: " أن الخليفة عمر - رضي الله عنه - هو زعيم "القرآنيين"، وأن جميع الصحابة كانوا كذلك إلا من كانوا يتكسبون برواية الأحاديث، ويسعون لتكوين مركز لهم متميز بين الأمة عن طريق الإكثار من رواية الأحاديث " قال - فض الله فاه - : " وهؤلاء هم سبب فساد الدين وضلال الأمة ".
( ) رواه البخاري، كتاب العلم، باب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم حديث رقم 106.
( ) ابن حزم. الإحكام 2 : 193. وراجع في ذلك : السنة ومكانتها من التشريع : 66 .
( ) القرآنيون : 238.
( ) القرآنيون : 238.
( ) القرآنيون : 238.
( ) القرآنيون : 239.
( ) كان كثير ممن نتحدث معهم من " البرويزيين " منكري السنة يقع في الإمام البخاري تحديداً، وكانوا كلما رأوا ضيقنا وألمنا من هذا ازدادوا وقوعاً فيهم، وكان يقول قائلهم - فض الله فاه - : " ما أفسد الدين إلا هذا الرجل ". وهذه العبارة بعينها ومثلها كثير قرأته بعد ذلك في كتاب بعنوان " لماذا القرآن وحده "
( ) القرآنيون. آية : 250.
( ) القرآنيون. آية : 250.
( ) القرآنيون. آية : 250.
( ) يركز منكرو السنة على هذا الجانب جداً، ويعدونه دليلاً قاطعاً موجهاً من الله - تعالى - إلى الأمة على أن تتمسك بالقرآن وحده، وتدع ما سواه حتى ليقول قائلهم : لماذا حفظ الله القرآن ولم يحفظ السنة ؟ أجيبونا عن هذه وسوف نسلم لكم.
( ) الكفاية : 273.
لمن أراد تحميل الكتاب
.........
Bookmarks