السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
(القرآن توحيد خالص ومعجزة باقية)
إن الحمد للّه، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ باللّه من شرور أنفسنا، من يهد اللّه فلا مضلّله، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له،وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثه بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. وبعد:


فإن من سعادة العبد أن يوفقه الله تعالى لمعرفته ولا تكون هذه المعرفة إلا بالوقوف على كيفية توحيده سبحانه وتعالى ...

وكيف لا؟ وقد قال سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات : 56 .
فهل علمتم الآن لماذا خلقنا الله؟
هل علمتم ما هدفكم في الحياة؟
نعم ... طاعة الله بتوحيده معرفة وعبادة
حقا...
فمن أجل التوحيد خلق الله عباده ومن أجله قامت سوق العمل ومن أجله خلقت الجنة والنار...

نقول وبالله التوفيق:
إن من نعم الله على عباده، وتمام حجته على خلقه أن تكون آيات النبوة وبراهين الرسالة الخاتمة والمهيمنة على ما سبقها من رسائل، خالدة معلومة لكل الخلق، فكان إنزال الله - تعالى - كتابه العظيم: { تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ } [النحل: 89] { بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ } [الشعراء : 195] على قلب خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، معجزة ظاهرة، وحجة قاطعة، في استمراره وحفظه وإعجازه وهدايته، وتعاهد الإيمان به: اعتقادا وقولا وعملا.
ذلك لأنه الدستور الإلهي الذي سنوحد به الله سبحانه ، إنه دليلنا إلى الله تعالى...
فالقرآن الكريم، آية الله الباقية على أبد الدهر، ومعجزته الخالدة حتى يرث الله الأرض ومن عليها،

قد تولى الله -سبحانه- حفظه، فقال: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [الحجر: 9] فلم يزل محفوظا في الصدور مكتوبا في السطور.{ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } [فصلت: 42]
فما حُرِّف ولا بُدلكما وعدنا ربنا سبحانه{ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلا لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } [الأنعام : 115]

ولعل من أعظم الحكم التي نستخلصها من ذلك كسبب للحفظ أن القرآن كتابٌ يدلك على كيفية توحيد الله وهذه وقفتي الأولى معكم.
القرآن كله توحيد
فلما كان توحيد الله تعالى هو الغاية التي خُلق من أجلها جميع العباد كانت حكمة الله البالغة وعدالته السامية قال الله تعالى : {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء : 15] .

فكان التوحيد غاية جميع الرسل التي قامت بهم الحجة الرسالية على العباد وما جاءوا جميعا إلا بشعار واحد { ... يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ...}

وتأمل معي ما رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ ،وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا»

فلما كانت معجزة الله الباقية الخالدة هي القرآن كان علما وراية لتوحيد الله تعالى وعليه قسم العلماء القرآن الكريم عدة أقسام أجملها في أربعة أقسام تندرج كلها تحت شعار التوحيد:

أولا:
قسم يخبر عن الله وأسمائه و صفاته وهذا ما يسمى بـ (توحيد الربوبية) ويسمى (توحيد الإثبات والمعرفة) أو (توحيد الله بأفعاله) وهذا النوع من التوحيد متضمن في سورة الإخلاص
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4

ثانيا:
قسم فيه الدعوة إلى عبادة الله وحده وهو ما يسمى بـ (توحيد الألوهية) ويسمى بـ (التوحيد الإرادي الطلبي) أو (توحيد الله بأفعال العباد) أو (توحيد القصد والإرادة) أو (توحيد العبادة) وهذا النوع من التوحيد متضمن في سورة الكافرون
قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَدِينِ (6

ثالثا:
قسم فيه الأوامر والنواهي والإلزام بالطاعة وهذا ما نستطيع تسميته بـ (حقوق التوحيد) وكيف لا يكون عليك حقوق وأنت عبد وأعمالك عليك مستحقة.

رابعا:
قسم فيه بيان مصير الموحدين وبيان جزاء المخالفين لهم فهم كما وصفهم من هو أعلم بهم { فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ

فما قولكم الآن أليس القرآن كله توحيد ؟!

نعم والله إنه كذلك وحكمة الله وراء كل حكمة...

قال ابن حجر في الفتح 9/40:
في معرض الكلام عن الحكمة الإلهية في ترتيب القرآن ونزوله منجما على حسب الأحداث وأنه كتاب توحيد :
" ... أشارت إلى الحكمة الإلهية في ترتيب التنزيل، وأن أول ما نزل من القرآن الدعاء إلى التوحيد، والتبشير للمؤمن والمطيع بالجنة، وللكافر والعاصي بالنار، فلما اطمأنت النفوس على ذلك أنزلت الأحكام، ولهذا قالت (عائشة): ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندعها؛ وذلك لما طبعت عليه النفوس من النفرة عن ترك المألوف".
الوقفة الثانية:
التوحيد أهم فروض الأعيان على العباد:-

فعبادة الله سبحانه وتعالى لا تكون إلا بالعلم والمعرفة، ولن يعبد الله وحده إلا بالعلم قال الله تعالى: { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ }

يقول أل حكمي في تقرير هذا التوحيد:
أول واجب علـــى العـبـيـــــد
معرفـة الرحـمــن بــالتوحيـــد

وهنا أنبه على قضية هامة :
وهي أن المقصود بالمعرفة عند أهل السنة والجماعة (سلفيي العقيدة والمنهج) هو معرفة أسماء الله وصفاته وحقه على العباد وحق العباد عليه سبحانه وتعالى فهذه لا خلاف فيها، ولذلك جاء في رواية للبخاري في كتاب الزكاة ** فإذا عرفوا الله فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات

وهنا أنبه على قضية أخرى هامة
وهي قضية الإيمان المجمل والإيمان المفصل:

فالإيمان المجمل:
أن يعرف أن الله تعالى رب كل شيء ومليكه، وأنه الواحد الأحد، الفرد الصمد، وخالق كل شيء، لا ند ولا شريك ولا مساو له ليس له صاحبة ولا ولد ولا بد أن يقر و يعترف بأنه المستحق للعبادة ويتبرأ من كل دين يخالف دين الإسلام

وهو إيمان العامة من الناس فلو فرضنا عليهم شرعا معرفة كل التفاصيل والأدلة على توحيد الله؛لحكمنا بذلك على كثير من العوام والخواص أيضا بالكفر !! ومن منا حصل كل تفاصيل العلم بالله.

وقد ذكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في حديث جبريل؛ فإن حديث جبريل تضمن الإيمان المجمل الذي يجب على كل أحد.


وهذا الحد الأدنى من التوحيد ومبلغ علم العامة من الناس ولا سيما من يجهل القراءة والكتابة ولا سبيل إلى تعليمه العلم الشرعي.

وهذا القدر من التوحيد المجمل قد يكون لبعضهم خير من التفاصيل التي قد لا تدركها عقولهم والله أعلم،

وقد عقد الإمام البخاري في كتاب العلم من صحيحه بابا قال فيه:
"باب: من ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر فهم بعض الناس عنه، فيقعوا في أشد منه"
ثم ساق سنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا عائشة! لولا قومك حديثٌ عهدهم – قال ابن الزبير: بكفر – لنقضت الكعبة، فجعلت لها بابين: باب يدخل الناس، وباب يخرجون). 1/59

ثم عقد بابا آخر قال فيه:
"باب: من خص بالعلم قوما دون قوم، كراهية أن لا يفهموا
وقال علي: حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم". 1/59


و أما الإيمان المفصل :
فهو ما يحصله أهل العلم وطلابه بل ويتعين عليهم ذلك إذا أرادوا أن يعلموا الناس كيف يوحدوا ربهم ففاقد الشيء لا يعطيه.
قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)}

وهذا التوحيد هو أهم فرائض الأعيان إطلاقا...
يعني: هذا التوحيد أعظم من الأوامر، أعظم من معرفة الصلاة والزكاة ونحوها؛ لأنها عبادات بدنية أو مالية،

قال آل حكمي رحمه الله:
إذ هو من كـل الأوامـر أعـظــم
وهو نوعـان أيــا مــن يفهــم

نصيحة محب:
تعلموا دينكم قبل أن يقبض العلم فلا تجدوا ما تتعلموه
وقد ذكر الإمام ابن القيم أن قبض العلم أنواع : في مفتاح دار السعادة تكلم عن العلم بكلام طويل مفيد جداً وذكر أن قبض العلم أنواع :

* النوع الأول :
قبض العلم من القلوب ،بمعنى إنها تذهب خشية الله عز وجل من قلوب العلماء ، ويبقى العلم على الألسنة فقط ،لأن العلم علمان : علم على اللسان ، وعلم في القلب ، وهو معرفة الله وخشية : (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ )(فاطر: من الآية28) .
ـ أول ما ينزع من العلم العلم الذي في القلوب وهو علم الخشية لله سبحانه وتعالى ، وإن كان اللسان عالماً ، فعلم اللسان إنما يكون حجة على الإنسان ، إما العلم الذي ينفع فهو علم القلوب ، ينزع الخشوع في آخر الزمان أو يقل وهذا نزع للعلم .

* النوع الثاني :
من نزع العلم / نزع العلم بموت العلماء :وهو ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - لقوله : " ولكن يقبض العلم بموت العلماء حتى إذا لم يبقى عالماً أتخذ الناس رؤوسا جهالا فأفتوا بغيرعلم فضلوا وأضلوا " .

ـ القبض الثالث :
يقبض العلم برفع القرآن الكريم، في آخر الزمان حينما ينقرض العلماء ويفقد العلم يرفع القرآن ، يسرى بهمن المصاحف ومن صدور الرجال ، يرفع في آخر الزمان ، وعند ذلك يخرب العالم لأنه لا يبقى العالم إلا بوجود العلم النبوي العلم الشرعي وبوجود العلماء

... قال ابن الوردي في "لاميته" المشهورة :
اطلب العلم وحصله فما أبعد الخير على أهل الكسل
واحتفل للفقه في الدين ولا تشتغل عنه بمال وخول
واهجر النوم وحصله فمن يعرف المقصود يحقر ما بذل
لا تقل قد ذهبت أربابه كل من سار على الدرب وصل

والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل

وكتبه مقيده أبو أنس أمين بن عباس
عفا الله عنه وعنكم

منقول
لا تنسونا من صالح دعائكم