الخبر تأكد مبارك لم يمت أيها الإخوة ...
"الإشاعة".. وحُكم العسكر!
بقلم: شعبان عبدالرحمن*
مساء الثلاثاء 19/6/2012 م فوجئ العالم بـ"وكالة أنباء الشرق الأوسط" (أ. ش . أ)، وهي وكالة الأنباء الرسمية المصرية، تبث خبر وفاة الرئيس المصري المخلوع سريريًّا.. ساعتها كان "ميدان التحرير" يغصُّ بعشرات الآلاف من المتظاهرين الغاضبين ضد حل مجلس الشعب (البرلمان)، وإصدار إعلان دستوري مكمِّل؛ خطف كل سلطات الدولة التشريعية والتنفيذية للمجلس العسكري.. ومع تزايد غليان الميدان، وتركيز كاميرات الفضائيات المحلية والدولية على ثورته، جاء ذلك الخبر ليقطع الأضواء عن ميدان التحرير لتتحول إلى مستشفى "المعادي"، ومعها ماكينة التحليل والخبر من الحديث عن انعكاسات إصدار الإعلان الدستوري المكمِّل إلى انعكاسات وفاة "مبارك" على الساحة المصرية، وانتهت الليلة ولم تفلح المحاولة بتفريغ الميدان، وثبت في الصباح أن وفاة "مبارك" كانت إشاعة ساهمت في فبركتها وكالة الأنباء المصرية الرسمية (أ. ش. أ)، فهي لم تخبر الرأي العام من أين استقت خبرها لتلقي عليه عبء تلك الأكذوبة، ولم تعتذر للرأي العام عن ذلك الخبر غير الصحيح، وعلى غير العادة، لم يخرج أي من المسئولين- على أي مستوى- ليوجِّه كلمة لوم واحدة لـ"وكالة أنباء الشرق الأوسط" على عدم تحريها الدقة في بث أخبارها، وربما جاءت تلك الشائعة على هواهم! ومع ذلك لم تفلح في فض الميدان، فقد انتبه أحد المتحدثين في الميدان للأمر، فأعلن للثوار الخبر محذرًا ألا يكون فخًّا لتفريقهم منه.
في اليوم التالي، انكشف الأمر قليلاً؛ بإعلان اللواء ممدوح شاهين، عضو المجلس العسكري، لـ"سي إن إن" أن "مبارك لم يمت سريريًّا، نافيًا ما تردد ونشرته "وكالة أنباء الشرق الأوسط" عن وفاته، ثم ثبت أن قصة الموت مختلقة، وتم بها محاولة ضرب عصفورين بحجر واحد: فض الميدان الغاضب انشغالاً بموته، ونقل "مبارك" للمستشفى دون ردود فعل جماهيرية غاضبة.. فقد نقلت صحيفة "اليوم السابع"، القريبة من نظام "مبارك" البائد، خلال زيارتها للمستشفى، "تأكيد عدد من الأطباء أن مبارك كان يجري الأشعة بعد ساعة تقريبًا من نقله إلى المستشفى مساء الثلاثاء (19/6/2012م)، وهو يقف على قدميه، ونفوا تمامًا ما تردد من أنباء عن موته إكلينيكيًّا".
وقد التقطت صحيفة «التليجراف» البريطانية اللعبة وقالت: "إن عددًا كبيرًا من المصريين الذين يعتقدون بـ"نظرية المؤامرة"، يعتبرون أن ما يتردد من أنباء عن تدهور صحة الرئيس المخلوع "حسني مبارك" في أحسن الأحوال محاولة من قِبل ما تبقَّى من أنصاره لكسب التعاطف الشعبي معه؛ من أجل إعادته إلى مستشفى عسكري، وإخراجه من السجن، في حين أن هناك مَنْ يعتبر أن تلك الأخبار في أسوأ الأحوال جزء من لعبة معقدة بواسطة المجلس العسكري كمحاولةٍ لصرف الأنظار عن مناوراته السياسية". القصة- إذًا- ليست قصة "إشاعة" عن موت مبارك فقط، لكنها "سياسة حُكم" تعتمد "الإشاعة" كركيزة من ركائز الحكم، وقد كشف ذلك اللواء حسن الرويني، عضو المجلس العسكري البارز، في مداخلة (الأربعاء 20 يونيو الجاري) مع برنامج "صباحك دريم" بالإعلان صراحة أنه استخدم "سلاح الإشاعة" في التعامل مع "ميدان التحرير" خلال ثورة 25 يناير وقال: "أنا أعرف كيف أهدئ الميدان، وكيف أشعله.. لما كنت أحب أهدي أعلن أنه تم القبض على أحمد عز، وعلى حبيب العادلي.. وطلعت على منصة حمدي الوزيري واستطعت تهدئة الناس لما قلت لهم: كل مطالبكم اتحققت، قالوا: بجد، قلت: بجد!!".
قلت: ربما تكون تلك اجتهادات من سيادة اللواء في التعامل مع الوقائع، لكني استذكرت ما كشف عنه الأستاذ عبدالحليم قنديل قبل أيام في مقاله الشهير تحت عنوان "شهادة حق"، والذي أفاد فيه عن لقاء جمعه قدرًا بقيادة كبرى في جهاز المخابرات، وعلم منه أن جهاز المخابرات يمتلك قسمًا يدعى "قسم الشائعات"، ويقف وراء حرب الشائعات ضد جماعة الإخوان المسلمين. وقال في المقال الذي نشره على صفحته الشخصية على موقع "فيس بوك": "في أحد اللقاءات التي جمعتني بالصدفـة بأحد قيادات جهاز سيادي؛ وهو المخابرات العامة، وكان برتبـة وكيـل- وهي رتبة تساوي وكيل وزارة داخل جهاز المخابرات العامة- فاجأنـي بقوله: أبشـر يا عبدالحليم، هنخلصكـم من الإخوان قريبًا، وها هو الرئيس "شفيق" يستعـد خلال أيام قليلة كي يتسلم منصبه ويبـدأ حمـلة التطهير". وأضاف: أردت أن أستغل فرصة هذا الاعتراف، وفترة الصراحة تلك، وسألت عن حجم الهجوم العنيف على الإخوان ومرشحـهم للرئاســة "محمد مرسي"، فأجابني الرجل ضاحكًا وكله فخـر: "ده شغلنا إحنا بقى، عشـان تعرفوا إن المخابرات ما بتلعبش في البلد دي يا عم المعارض". هكذا يدير المجلس العسكري مصر وهي إدارة على خطى عهد مبارك خطوة خطوة.. لم يتغير شيء سوى استقرار مبارك في مستشفى المعادي بجناح كامل، واستقرار المجلس العسكري على أنفاس مصر حتى إشعار آخر.
أتابع كل تلك الأخبار وقد قفز إلى ذاكرتي قول للفارس العسكري الرئيس الراحل محمد نجيب الذي تحمل مسئولية ثورة 1952م في بدايتها، فلما نجحت وطالب العسكر بالعودة للثكنات؛ انقلبوا عليه وسجنوه وجردوه من كل شيء عقابًا له.. أقول: قفز إلى ذاكرتي قوله في كتابه "كنت رئيسًا لمصر": «السلطة العسكرية أو الدكتاتورية العسكرية لا تطيق تنظيمًا آخر، ولا كلمة واحدة، ولا نفَسًا ولا حركة، ولا تتسع الأرض إلا لها ولا أحد غيرها".
--------------
(*) كاتب مصري- مدير تحرير مجلة المجتمع الكويتية- Shaban1212@gmail.com
Bookmarks