صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 15 من 19

الموضوع: نتف من برهان السيرة ..المشتمل على أدلة كثيرة

  1. #1

    افتراضي نتف من برهان السيرة ..المشتمل على أدلة كثيرة


    اعلم –أرشدك الله إلى مواقع الحق – أنه لو قدّر لأحد أن يستعرض حياة الرسول صلى الله عليه وسلم فينظر إليها كأنها زويت له من أنحائها , أو كأنما هي لوحة استطاعت ريشة الراسم أن تصوغ من حياة الرسول معالم , ينتظمها إطار عام فسيرى من الدلائل ما لو تفكر في آحادها العاقل كانت آخذة بناصيته إلى معاينة الحق رأي العين ..وهو ما سأحاول متحريا في الإبحار سبيل الاختصار.. وشرطي في راكب البحر معي أن يضبط بوصلته لا إلى الغرب ولا إلى الشرق ولكن حيث يكون التجرد والصدق وليكن على ذكر أني سأطوّف به في خضم الشاطيء فحسب وسيرفيء بعد الرحلة ولمّا يلج اللجة بعد ..وما لي رجاء إليه سوى أن يروز ما يرى بعقله , وإذا استوقفه نبض قلبه في مواطن ,فليفزع إليه.. لا منه..إنه نحيب الفطرة..شيء من بقاياها انبعثت فيه الحياة عند سماع صوت الحق..

    -ليس يسع أحدا أن ينكر خصيصة الفطرة المركوزة في بني آدم ,إنها تنادي في جنبات النفوس أن دينوا بعبادةِ إله.. ويتعاظم النداء بلحاظ معترك الحياة وما فيها من ألوان الظلم والشقاء ,حتى لا يستقيم لأحد أن يهنأ بعيش إلا أن يجزم بحياة أخرى بعد الموت ليحق الحق ويعود كل شيء إلى نصابه حسب موازين القسط التي لا خطأ فيها (ليبين لهم الذي يختلفون فيه وليعلم الذين كفروا انهم كانوا كاذبين ) فتكتمل عندئذ عناصر المشهد وتلتئم أجزاء الصورة الناطقة بحقيقة الإله سبحانه حيثما وجهت بصرك في هذا الكون المهيب.وقد تصفو النفوس فيعلو صوت النداء حتى يكون له رجع صدى, وتارة يخبو الصوت بحسب العوارض والآفات.ولمّا كان العقل في الأصل مركبًا لينظر , اقتضى ضجيج النداء الخفي أن يتطلب المرء صفات هذا المعبود وعرفان ما عساه أن يكون المصير حتى يسوغ تلبية النداء على معنى معقول ..أما الرجاء بمعرفة صفاته التفصيلية وما يريد منا سبحانه بطريق العقل فقد انقطع , فلم يبق إلا خبرٌ من قِبل من رَكَز في النفس ذلك الأنس إلى معرفته ثم عبادته , ومن هنا حقّت الغاية في الرسل , وانحصرت وظيفة العقل حينئذ في استعراض سِير مدعي النبوة وما نقل عنهم من أقوال وأفعال على مبحث النظر العلمي المتجرد من الأهواء والحظوظ بعد الإلقاء بركام العلائق وأوهام العوائق عن جناب الفكر..على أن الصراع المشهود في البشرية لو تأملته بإنصاف في مجموعه ألفيته يربو من نواحٍ كثيرة على نظيره عند الوحوش في البرية , فكيف يستقيم هذا مع إقرار الناس كافة بأن الإنسان أرقى في الرتبة من بقية الأجناس الحية التي تشركنا هذا الكوكب إلا أن يكون مقتضى هذا العقل أن واضعه أراد منه أن يهتدي بتشريعه ليحق معنى هذا الرقيّ الذي تأهل له بأصل الخلقة

    -وأنت إذا نظرت فيمن اتخذهم الناس أنجما يهتدون بها أو جعلوهم أسماء في سماء العظمة لم يخرجوا عن أن يكونوا أنبياء مرسلين أو ملوكا وقادة أو فلاسفة مفكرين أو شعراء وأدباء ,أو مخترعين وفيزيائيين وأطباء ونحوهم (1) , فأما أهل الأدب فنتاجهم الفني قاصر عن أن يكون ملمّا بحاجات الإنسانية , بل قصاراه لا يعدو أن يكون تعبيرًا عاطفيًا يتعلق بتجاربهم الخاصة ورؤاهم النفسية وقلما تخلو من الكذب حتى قيل أعذب الشعر أكذبه! ,وأما الفلاسفة الكبار المشهورون فلا يعرف التاريخ لأحدهم حياة في ضوء منهج شمولي موزون يصلح أن يُتَرسّم الخطى فيكون منهج حياة وإنما هي تنظيرات فكرية ألصق ما تكون بالخيال المنفلت والنزعات النفسية وفي احسن أحوالها تظل منسوبة للنقص البشري موسومة بالافتقار الذاتي , فتارة تكون مغرقة في المثالية أو مفرطة في المادية ,أو تكون مقصورة على زاوية حادة جدًا لا تكاد تمثل من دائرة الحياة الإنسانية شيئا مذكورا على فرض صحته,ومع تعدد المناهج الفلسفية ترى كل نتاج فلسفي معارضًا بنتاج الآخر على ما يحمله من تناقضات في المنهج الواحد نفسه ..وليست في حقيقتها سوى رؤى فكرية تخص أربابها بحسب نظراتهم للحياة وأذواقهم وبحسب الزاوية التي يهتمون بالنظر خلالها..سواء كان متعلق هذه الفلسفة السياسة أو الجمال أو الاقتصاد أو الأخلاق أو العلوم..إلخ , وخلف هذه المتعلقات منطلقات عقدية ولابد..

    وكلامهم في عالم الغيب الذي يسمى ماورائيات يقطع العقلاء أنه محض أوهام خيالية من بنات تخرصاتهم الموؤودة منذ ولادتها,ولم يدعوا هم لأنفسهم أنهم رسل من عند الله تعالى ,وكذلك قل عن المخترعين والرياضيين والفيزيائيين فإنهم وإن نفعوا البشرية في جانب , فليس ذا سوى معادلة أو قانون مكتشف يتعلق بقضية اختصاصية بحتة لا تمتد معها الأكفّ بالغوث لتنتشل الإنسان من درك الشقاء إلى بحبوحة عمارة الأرض بإقامة الفرض الذي وضعه الله قانونا يبتلي به الإنسان بعد أن حمّله الأمانة بما هيأه من آلة العقل التي هي مناط الاختبار , ولا تجيب عن الأسئلة الكبرى الوجودية التي يستنقذ جوابها الحيارى من ضنك العيش إلى رحابة الحياة ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ,وأما الملوك ونحوهم فتعلم أن همهم في إشباع نهمهم في الاستيلاء بعد الاستيلاء , وكلما ملك أكثر تعاظم في عين نفسه أكثر فترى من آثار بأسه وبطشه ما ينبيك عنه التاريخ (2)

    ولا يعرف هذا التاريخ ملوكا صالحين إلا أن يكونوا من أتباع الأنبياء(3) ,ثم هؤلاء الأصناف ليس لواحد منهم قط سيرة تامة تصلح أن تحتذى ,وإنما المعروف عنهم بعض الجوانب الإنسانية والفكرية , فيبقى كلامهم المنسوب إليهم حتى في شقه النافع منه ,كلاما نظريًا خاويا من دبيب الحياة وإن وجد فيه شيء الحركة لم تكن مصحوبة بالبركة, ولا تجد فيه ذخيرة تغذّي عمران الحياة في شتى مفاصلها بالقيم العليا والشرائع السامية في عامة جوانبها المادية والفكرية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها ..لا تحفل كثيرا بكلمة تقف عليها في مراكب الأيام لمفكر هنا وهناك..فكل أحد يستطيعها .. يستنبطها من تجربة مرت به أو كائنة شهد عليها, وتبقى هذه الكلمات إن صحّت حبيسة الفكرة الجميلة المجردة ,وهي على قلتها ليست غير ومضات تتلاشى قدام قرص الشمس ، وإنما تتحول المعاني العظيمة إلى كيان حيوي ذي بنيان راسخ في عالم الوجود الحقيقي الفاعل حين ينفخ فيها واضعها روحا بتوقيعها على الأرض ..وذلك حين يكون لها من يتمثلها على أكمل وصف ممكن..وحين تكون رسالة سابغة في شمولها لبنيان الإنسان بكل ما فيه من ألوان

    وأما الأنبياء الذي اصطفاهم الله فلم ينقل لنا من سيرهم في كتب الأمم السابقة إلا جزيئات لا تصلح أن يرتق بها فتق الإنسانية , وهذا القليل ما ثم سبيل يمكن معه إثبات أنهم قالوه ..بل الأدلة المتكاثرة قائمة على أنهم لم يقولوا ولم يفعلوا كثيرا مما نسب إليهم باعتراف كبار النقاد من أهل الكتاب (اليهود والنصارى) وغيرهم(7 ) , إن الوحيد اليوم في التاريخ الإنساني كله الذي نستطيع وبكل قوة أن نقيم البراهين على أن تراثه محفوظ هو محمد صلى الله عليه وسلم ,وهذا التراث يشمل الشمائل التي كان عليها حتى لينقل لك صورة دقيقة من شؤونه الخاصة في بيته ,وشؤونه العامة مع الخاصة والعامة , وما كان عليه من آداب وأخلاق ومعاملات وعبادات واعتقادات بلوغًا إلى أدق الصفات الخلْقية المتعلقة بهيأته ووجهه وطوله وشعره ولونه وكيف كان ياكل وينام حتى لم يفت شريعته الإلهية الخالدة تعليم أمته آداب قضاء الحاجة (4)..إنه كتاب مفتوح شفاف يُرى باطنه من ظاهره على غير عادة العظماء تراهم يخفون شؤونهم الخاصة لأن اطلاع الناس عليها تخدش صورتهم التي يرجونها قدسّية في أعينهم..صفحاته صلى الله عليه وسلم تطوي الزمان والمكان لتكون ينبوعا للأمم تفجَّرُ منه كل المثل:المغازي والشمائل والحلال والحرام والهدي والأقوال والأفعال ومواضع الرضا والغضب والضحك والسلم والحرب والألم والأمل والبلاء والعافية والعلاقة مع الأقارب والأباعد ومع المؤمنين على درجاتهم والكافرين في دركاتهم..إلخ (5),كل ذلك مدون بالأسانيد الصحاح ,حتى حُفِظ لنا بحفظه حيواتُ آلاف من الناس الذين كانوا تلاميذ في مدرسته الكبرى , هم وأتباعهم وأتباعهم وأتباعهم إلخ..أتدري يا صاحبي؟ : ليس يصح لأحد أن ينصّبه الناس أسوة إلا أن يكون ترجم عن نفسه ببرهان نظري وآخر عملي , فنبئوني بعلم أي شخص جاء معه بهذين الترجمانين شاهدي عدل على صحة نبوته ؟ الكتاب إذن دستور القوانين العادلة والفاضلة والسنة هي الحكمة البالغة إذ هي التطبيق العملي الذي أخرجها من حيز المسطور إلى حيز المنظور واقعا ,لتكون شهادة حسية على صحة هذا المنهج ولذلك قال "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين "(6).. وما تظفر به من نتف تنسب إلى عظماء الدنيا لا يملك عاقل يحترم بديهيات البحث العلمي أن يزعم أنهم قالوه حقا فلا إسناد يصلنا بهم والهوة بيننا وبينهم ما أعظمها من هوة , إذن لابد لك حتى يصح اتباع إنسان من تحقق صحة النقل عنه ..الذي لابد منه في ثبوت الحقائق , وبعد ذلك لابد من حياة حافلة بأطوار كاملة تصلح أن تحتذى لتكون أسوة على أن تأخذ بأطراف الكمال البشري الملائم لفطرة الناس وطبائعهم من كل جهة , فهنا إذن خصائص :

    -أن تكون موثقة بحيث يصح أن تنسب لصاحبها
    -وأن تكون قابلة للإعمال.. أي محققة لما يلائم الطبيعة البشرية ليصلح الائتساء بها
    -وأن تكون شاملة لجوانب الحياة لا قاصرة على بعضها فكل فرد في الجماعة مهما كان موقعه ورتبته يجد له فيها محالّ الاقتداء التي تليق بحاله
    -وأن تكون كاملة مبرأة من المعايب والثغرات والنقائص ..متناغمة مع حاجات النفس والعقل والبدن
    -وأن تكون خالدة منزهة عن القصور عن استيعاب حوادث الزمان

    ولك أن تختصر فتقول :كاملة موثقة , فكمال القوانين والتشريعات لا يتأتى إلا أن يكون مصدره من قبل من كملت صفاته وهو الله سبحانه وتعالى , وقد قال "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً " والوثوق في المنقول لم يتأت واقعًا إلا في دين الإسلام كتابا وسنة "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ"..وقد سئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله فقالت :أتقرأ القرآن ؟ قال :نعم,قالت فإن خلق رسول الله كان القرآن (8) وجاء في السنة مصداق هذا التوصيف الشريف حتى لا تجد إضاءة في صفحة من الكتاب فيها دعوة لخير إلا ألفيت لها ظلالًا نورانية في صفحة من سفر الهدي النبوي..

    -------
    (1) انظر مثلا كتاب "الخالدون المئة" لمايكل هارت , تجده بعد أن افتتح بذكر رسول الله محمد , أتبعه بذكر أسماء تنتمي إلى الأصناف المذكورة !! فذكر مثلا عالم الفيزياء نيوتن ,والفيلسوف أرسطو ,والشاعر المسرحي وليم شكسبير ,والقائد المغولي جنكيز خان إلخ, ويخطيء جدا من يفرح بذكر رسول الله مع هؤلاء -وإن كان افتتح الكتاب به- ومن الجهل أن يظن أن هذا منه عدل.هؤلاء الذين اختارهم عظماء مؤثرين وضمنهم كتابه ومن في حكمهم ممن لم يذكرهم:ينطبق على جميعهم ما سيأتي من الكلام ..
    (2) كالإسكندر المقدوني ونيرون وهرقل وجنكيز خان ..إلخ
    (3) كمعاوية رضي الله عنه الصحابي الجليل , ونور الدين محمود زنكي رحمه الله تعالى.
    (4)قال اليهودي لسلمان الفارسي رضي الله عنه : قد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة (صحيح مسلم )
    (5) تأمل في فهرس كتاب العلامة ابن القيم "زاد المعاد" لتعي حقيقة الامر
    (6) أخرجه الإمام أحمد والترمذي بسند صحيح من حديث العرباض بن سارية, والسنة مع الكتاب إما كاشفة عن معانيه , وإما مبينة لمجمله ,وإما مقررة لشرائع لم ترد فيه كتحريم زواج المتعة مثلا .
    (7) قرر عشرات من علماء اللاهوت في امريكا بعد دراسة مستفيضة استمرت لسنوات في معهد وستر أن 82% من أقوال المسيح المنسوبة إليه في الأناجيل المعتمدة لم يقلها و 84% من أعماله المنسوبة إليه لم يقم بها , والباقي محتمل انه قاله ! ,وأصدروا نتائجهم عام 1413من الهجرة النبوية المباركة (عام 93 ميلادية ) في كتاب الأناجيل الخمسة (The five Gospels) , وقد قال الله تعالى "إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ " وقال تعالى "يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ من الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ" وهذا كما ترى من الأدلة الباهرة على صدق الرسالة المحمدية لأن نبي الله لم يكن عالما باللاهوت بل كان أميًّا.
    (8) أخرجه الإمام مسلم وغيره
    "
    يتبع إن شاء الله تعالى
    [/RIGHT]
    التعديل الأخير تم 07-29-2012 الساعة 04:44 AM
    مقالاتي
    http://www.eltwhed.com/vb/forumdispl...E3%DE%CF%D3%ED
    أقسام الوساوس
    http://www.eltwhed.com/vb/showthread...5-%E3%E4%E5%C7
    مدونة الأستاذ المهندس الأخ (أبو حب الله )
    http://abohobelah.blogspot.com/

  2. #2

    افتراضي

    وقبل الشروع في الجزء الثاني , أدعوك أن تنظر في تحقق هذه الشرائط الخمسة المذكورة فيما سلف, على كل معظّم في قومه ممن يأتسي به الناس..طلبا للاختصار أقول حسبك من ذلك أن تتخير مثالا وليكن عيسى عليه الصلاة والسلام فهو :

    1-من الأنبياء أي من أهل الاستحقاق لوصف العظمة والنبل دون نزاع بين العقلاء
    2-أقرب الأنبياء عهدا بنا بعد النبي محمد
    2-المنتسبون إليه بدعوى الاتّباع كثيرون جدا ..

    فلو أردت أن تُعمِل ما سبق من قواعد على الدين النصراني لترى إن كان يجوز القنطرة التي يحق بمقتضاها معقولية الاتباع في هذا الزمان لما أعياك أن تبصر كون تراثه المنسوب إليه مبتوتًا عنا دركُه لأجل انقطاع السند وتضارب النسخ وتعاور الترجمات باعتراف كبار النقاد اللاهوتيين وغيرهم(1) ,وأنه لا شرائع في هذا التراث المتناثر بحيث يصح أن تكون رسالة جديرة بالاتباع بل عامة ما في الأناجيل متعلق ببعض الأحداث منسوبة للمسيح فهي قصص هنا وهناك على ما فيها من تناقضات صارخة وركاكة في المعاني واضطراب في الأسلوب,وأما خلود شريعته فهو ليس منفيا فحسب بواقع حال الأناجيل اليوم أعني خلوها من الشرائع إلا على ندرة, بل كذلك بما دل عليه الإنجيل نفسه وفيه قصة المرأة الكنعانية والتصريح أنه عليه السلام لم يرسل إلا لبني إسرائيل (1) .هذا الشأن مع أحد أعظم رسل الله حقا فمن دونه ممن ينسبه الناس للعظمة من باب أولى ..

    والذي يدلك على تمام المنة بصحة بلوغ السنة -فضلا عن القرآن -وصحتها, أمور كثيرة جدا , أذكر منها :
    *أن المنهج الحديثي في تمييز السليم عن السقيم , لم يكن محابيا على حساب قواعد النقد(2) , فما كان ضعيفا رُدّ ولو كان من مصلحة أهل الإسلام أن يستقووا به في تأييد ما معهم من رسالة وإن يكن في مدح رسول الله (3), وما صحّ من الأخبار قبل ولو كان ظاهره قد يوحي بأنه يشتمل على مثلبة ليست في صالح دعوتهم
    *أن جملة وافرة من الأحاديث المكذوبة والضعيفة ,يكفي في رد تشنيع من يستدل بها ليطعن في الإسلام أن يقال هي ضعيفة وفق ذات المنهج النقدي العقلي الأصيل في تمييز الأخبار ,فتنقلب شبهته حجة عليه لحظة بيانك ضعفها ,ووجه الدلالة في دحض الدعوى وانقلابها دليلا ضده : أن ما ينافي العقل حقا لا تجد له مكانا في الأحاديث الثابتة الصحيحة ,ولو كان الأمر مشاعا بقبول كل ما ورد بعجره وبجره لواجه المنتسبون لهذا الدين إشكالات كبرى في محاولة التأليف بين الصحيح والمكذوب ولو بتكلف بالغ , يفضي إلى جعل رسالتهم تبدو مهزوزة كما هو الشأن مع أهل الملل الأخرى, ولكن لم يكن شيء من ذلك ..فأنت ترى أن الموضوعات والمناكير هي نفسها آلت دليلا على صحة النبوة , لأن الشناعات الحقيقية التي فيها ,قد دل الدليل أنها ليست من ميراث صاحب النبوة عليه الصلاة والسلام , ومثاله :أن يتهم عبد صالح في قومه بقبائح , فيهيج عليه الناس , حتى إذا ما انعقدت محاكمة تبين بالادلة المعتبرة كذب الدعاوى , فكيف تراه يكون الموقف؟ لاشك أن كثيرا ممن سار في ركب تصديق مقتضى الوقيعة سيعود على نفسه بالملامة ويفصح عن توبته بحب هذا الذي طعن فيه , ولهذا ترى الإسلام ينتشر رغم كل ما يكال ضده .. ويزداد تمسك المحبين والأنصار

    *على أنك تجد من ثقة علماء الإسلام في دينهم ما يحملهم على رواية الضعيف دون أدنى حرج, سواء في كتب مخصوصة مجموعة أو في ثنايا مصنفات , ولو كانوا في موقف الشاك الضعيف لحرصوا ان يكتموها , ولكنهم رووها محمولة بـ"الشفرة" التي يمكن من خلالها الكشف عن صحة الخبر من عدمه :أعني طرق الإسناد

    *والأظهر من كل سبق في بيان الصدق أن الصناعة الحديثية عند جهابذة علماء الحديث في القرون الفاضلة لا يملك الواقف عليها إلا أن يجزم بصحة بلوغ الإسلام إلينا غضا كما كان في العهد الاول . فهو علم متحصل قطعا لكل من خبر الأسانيد وعرف مسالك أهل العلم ومراحل حفظ الإسلام -كتابا وسنة- المبينة عن عناية الله تعالى بهذا الدين الخاتم وحملته حتى خضع لذلك بعض المستشرقين الحاقدين مشدوها بعظمة علم الحديث نفسه (2)
    ومن أبلغ معاني قوة الإسلام الدالة على صدق الرسالة المحمدية أنك تجد الشبه التي يثيرها الخصوم كثيرا ما تكون في حقيقتها حجة على صدقه ,أضرب مثلين اثنين ولا ياتينا المعاند بشبهة إلا جئناه بالحق الذي يدحض وجه المين ..

    -حادثة الإفك مثلا , اتخذ منها المنافقون الأوائل مادة للطعن في شرف هذا الرسول المبارك ليكون منفذا للحط عليه والتشكيك في عرضه المصون, فإذا تأملت الأحداث بإنصاف لمع من بينها بوارق ساطعة تشهد بحقيقة النبي وصحة رسالته ,فهذه وقعت والنبي في عزة وتمكين يسعه أن يحسم القضية يشطر كلمة وسيكون مصدّقا فيقول زوجي طاهرة بملء الفم , ولكن: إن هو إلا وحي يوحى فما كان له أن يقف هذا الموقف حتى مع يقينه بطهارة ذيل زوجه الصدّيقة وهو القائل : (فوالله ما علمت عليها إلا خيرا) ,إلا لكونه يصدر في كلامه عن حقيقة طبعه السالم من التكلف أو التلون كما هو الحال مع النفوس التي تتزيا بغير زيها .. و لو كان من المتقولين على الله تعالى ما كان له عليه الصلاة والسلام أن يقول مخاطبا إياها: (إن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه) وهو يرى محبوبته مكلومة بالخبر تمر الأيام عليها مظلمة كالليالي مدة شهر وهي لم تكتحل بنوم من شدة فظاعة الخطب وقد أصابه من البلاء الشديد ما أصابه لأن النفوس الشريفة الزكية يكون وقع مثل هذا عليها أشد من وقع القنا.. حتى نزلت براءتها بعد شهر ! , ولو كان مجرد دعيّ , لكان جامل أبا بكر الصدّيق الذي نصره , أو لسارع في إخماد ما يقال تنزيها لنفسه وحماية لدعوته وهو المعظّم في نفوس الناس فوق كل عظيم فكيف يصير إلى زلزلة رسالته بالإحجام عن الحسم ,دون الإقدام على قطع ألسنة المجترئين بإشارة من أصبعه الشريف ..بعدما بقي سنوات طوالا يؤسس بنيان التوحيد , يستنسخ كلمات ربه من رسالة الخلود.. ينقشها في جذور عقول الرجال لترسخ فيها , ثم هو يغامر بها لأجل تهمة سخيفة من أحد المرجفين؟..إنه رسول مصطفى من قبل ربه ..لا جواب غير هذا يسفر عنه وجه الصواب..كذلك قضى الله ..حتى تنزّل الفرج وعم الأرجاء غيث قول العليّ : (إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم ..) وفي طوايا القصة من المعاني والعبر والأدلة كما في القران والسنة لو رجعت إليه تحققت من وحي اللطيف سبحانه ومن ذلك ذكر طرف عما كان من حوارات في بيوتات المسلمين مما لم يطلع عليه إلا الله عز وجل.. ولا ينبئك مثل خبير

    -حادثة الإسراء إلى بيت المقدس في ساعات قليلة ,وهي مظنة الريب حتى عند بعض المؤمنين ومثار الجحود بالاستكبار عند الكافرين بطريق أحرى ,فأي شيء يدعو رسول الله وهو في حال من الاستضعاف إبان حقبة دعوته المكية أن يغامر بما قد أسسه من بنيان فيقوّض كل قائم فيه من أجل شيء كهذا يكون مستمسكا للخصوم ويعرض محله السامق من الصدق لشيء من الاهتزاز المحتمل- على أقل تقدير -إذا حدثهم بذلك؟ إنه نور النبوة الذي لا تحجزه حجب الرِيَب ولا يطمسه ظلمات الظنون , هذا وفي الواقعة نفسها مصداق نبوته لأن النبي صلى الله عليه وسلم لمّا وضع على محك الامتحان واستوصفوه بيت المقدس وفيهم من قد زاره ,فلما وصفه لهم قال القوم :والله لقد أصاب (4) ولم يصح حديث واحد في انه ارتد أحد عن دينه بعد الواقعة ,, ولو قد صح- جدلا- لكان توكيدا لما قلته آنفا ,والأمر كما قال هرقل ملك الروم لأبي سفيان :وسألتك هل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه فذكرت أن لا ,وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب (5) ..وإذا ترقيت في البحث والتأمل إلى دراسة البواعث النفسية ترى مصداق ما أقول فهذا رسول الله في ذات الواقعة حاكيا عن نفسه ..يقول : (لما كان ليلة أسري بي وأصبحت بمكة فظعت بأمري(أي اشتد علي وهبته) وعرفت أن الناس مكذبيّ ) فهل ترى هذا خطاب نفس مخادعة ؟! ولعلك أن تقول :هلا سكتّ إذن يا رسول الله مادمت خفت أن يكذبك المشركون وقد فعلوا ؟ هيهات وقد أمره الله بالبلاغ ..يقول ابن عباس واصفا حاله ساعتئذ : (فقعد معتزلا حزينا قال فمر عدو الله أبو جهل فجاء حتى جلس إليه فقال له كالمستهزئ هل كان من شيء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم قال ما هو قال إنه أسري بي الليلة قال إلى أين قال إلى بيت المقدس..) الحديث
    وقس على هذين المثلين مئات الأمثلة , والامر كما قال الإمام المبجل شيخ الإسلام ابن تيمية فما يستدل الخصم بشيء يرى فيه حجة له إلا كانت حجته عينها دليلا عليه ..ولكن يحملني نشدة الاختصار على ألا أطيل , ومن يستزد من حجاج الحق يجد الله واسعًا كريمًا..
    ---
    (1) وازن هذا بكلام لورا فيشيا فاغليري المفكرة والباحثة الإيطالية : (لا يزال لدينا برهان آخر على مصدر القرآن الإلهي في هذه الحقيقة: وهي أن نصّه ظل صافيًا غير محرف طوال القرون التي تراخت ما بين تنزيله ويوم الناس هذا، وأن نصه سوف يظل على حاله تلك
    من الصفاء وعدم التحريف، بإذن الله، مادام الكون) , و مارسيل بوازار مثلا المسشترق الفرنسي : (إن القرآن لم يقدّر قط لإصلاح أخلاق عرب الجاهلية، إنه على العكس يحمل الشريعة الخالدة والكاملة والمطابقة للحقائق البشرية، والحاجات الاجتماعية في كل الأزمنة)..ولست أستدل بكلام القوم اعتضادًا بهم , غير أن من الناس صنفا قد ضبط طبلة أذنه على الأنغام الغربية فما يأتي من هناك فهو يصل إليه وما يأتيه من الشرق يشرق به ولا يستطيع بلعه..
    (2) في متى 15 : ثم خرج يسوع من هناك و انصرف إلى نواحي صور و صيداء . و إذا امرأة كنعانية خارجة من تلك التخوم صرخت إليه قائلة : " ارحمني يا سيد ، يا ابن داود ، ابنتي مجنونة جداً فلم يجبها بكلمة . فتقدم تلاميذه و طلبوا إليه قائلين : " اصرفها ، لأنها تصيح
    وراءنا " . فأجاب و قال : " لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة "
    (3)مثال ذلك أن الإمام علي بن المديني سئل عن أبيه ومنزلته في الحديث والرواية : فأطرق ، ثم رفع رأسه وقال : " هذا الدين ، أبي ضعيف " وقال الإمام أبو حاتم الرازي رحمه الله : " لم يكن في أمة من الأمم منذ خلق الله آدم أمناء يحفظون آثار الرسل إلا في هذه الأمة" فقال : له رجل : يا أبا حاتم ربما رووا حديثا لا أصل له ولا يصح ؟ فقال : ( علماؤهم يعرفون الصحيح من السقيم) ,
    (4) مثاله حديث مخاطبة الله لآدم الذي أخرجه الحاكم وقال له : (ولولا محمد ما خلقتك), تجد عامة علماء الحديث مطبقين على كذبه مع بيان سبب حكمهم وفق قواعد علم الإسناد, وقس عليه كثيرا من الخصائص والمناقب وأضداد ذلك , تجد المنهج مطردا جدا والحمد لله ..
    (5) يقول سبرنجر المستشرق الألماني في مقدمته لتحقيق كتاب الإصابة كما نقل العالم الهندي سليمان الندوي ما نصه : (لا يوجد الآن أمة من الأمم المعاصرة أتت في علم أسماء الرجال بمثل ما جاء به المسلمون العظيم الخطر الذي يتناول احوال خمسمئة ألف رجل وشؤونهم ), وقد استدل روبسون على صحة الحديث النبوي بأن معظم المرويات منسوبة لصغار الصحابة , ولو كانت مصطنعة لكان من الوجيه نسبتها لأمثال أبي بكر وعمر ونحوهما ..
    (6) مخرج في الصحيحين , عدم الردة دلالته من وجهين :
    أ-أنه أمر نادر جدا في التاريخ , وعامة من يرتد لا يصدر في ذلك عن أسباب وجيهة عقلية وغاية الأمر أنه مر ببعض المواقف النفسية وصادف جهلا منه ,أو استحب الكفر على الإيمان لعرض من الدنيا ,وهذا مشاهد ملموس
    ب-أن كل من تبحر في علم الشريعة الحق اشتد تمسكه بهذا الدين , فكان العلم به عاصما من الكفر على عكس الأديان الأخرى :العلم بها سبب للكفر بها ,ولهذا يقول مسمر وهو عالم غربي : في الغرب لا يكون المرء عالما إلا إذا ترك الدين بخلاف المسلم لا يترك دينه إلا إذا صار جاهلا !.
    (7) مسند الإمام أحمد ووفي سنن النسائي في الكبرى ومصنف ابن أبي شيبة وغيرهما


    يتبع إن شاء الله تعالى
    التعديل الأخير تم 06-29-2012 الساعة 10:24 PM
    مقالاتي
    http://www.eltwhed.com/vb/forumdispl...E3%DE%CF%D3%ED
    أقسام الوساوس
    http://www.eltwhed.com/vb/showthread...5-%E3%E4%E5%C7
    مدونة الأستاذ المهندس الأخ (أبو حب الله )
    http://abohobelah.blogspot.com/

  3. #3

    افتراضي

    من يدعي النبوة فقد ادعى العصمة , وهذه العصمة ليس يعسر على مجتمع من الناس بأسره أن يكذبها بشيء معقول لو كانت مجرد دعوى عارية عن الحقيقة , ولكن حتى حين حاولوا القدح فيه أتت تهمهم دالة على خواء جعابهم من الحجج فانقلبت لصالح الحقيقة , فقالوا إنه شاعر ومجنون وساحر , وكل الناس تعلم أنه كامل العقل وليس من أهل السحر بل هو حرب عليهم ولا له في طبقات الشعراء ذكر, وهذه حيلة العاجز..

    النفس نزاعة إلى البراءة من العيب ولهذا يحرص العظماء على ستر مواطن النقص بخلاف رسول الله فهو كتاب مفتوح للعالمين فترى أزواجه الطاهرات يحدثن بشؤونه الخاصة في بيته حتى تروى, وإذا علمت أن نبلاء الناس لديهم ما يخفونه من أحوالهم فكيف إذا كانوا أدعياء ؟ وترى من طبع الكاذب مع ما جبل عليه الإنسان من النسيان أنه لابد يقع في الأخطاء التي تنكشف بها حقيقته وكان هذا النبي العظيم يعامل آلاف الناس وكلمتهم في وصف خلاله الحميدة واحدة ,وترى المشركين إذا نعتوه بشيء كان من قبيل وصف الشمس بالظلمة أو البحر باليبوسة ,ظاهرٌ عوار ما قالوه دون حاجة لتفنيد لشدة مناقضته لواقع الحال كما سلف.

    -كان يسعه وهو المعظم في قومه فوق كل الملوك في اقوامهم أن يبقي الحراسة على نفسه فلما أمرهم بالانصراف عند نزول قول الله تعالى "والله يعصمك من الناس" كان هذا موطنًا من محالّ إسفار الحقيقة , إن هو إلا نبي يتبع ما يوحى إليه , والعظيم يحب أن تحوطه المواكب ليستشعر عظمة نفسه بحواسه فيرى بعينه ويسمع بأذنه ويلمس بجسمه ما ينتشي به في غمرة السكرة عن افتقاره الجبلّي حين يدرك أنه ذو حظوة فريدة ومكانة سامية استحق بموجبها أن يكون موضع حراسة إذ الحماية موضوعها : ما كان غاليًا , غير أنه على نقيض ذلك كان ينهى أصحابه عن أن يتمثلوا له قيامًا مع كونه أحق الناس بالتبجيل والتكريم والاحترام والحب , وفي الآية ملمح آخر وهو أن فيها إغراء للكافرين بتكذيب دعوته بإبطال العصمة بإزهاق حياته المشرقة, وكم حاولوا قتله فخيب الله سعيهم , فما مات عليه الصلاة والسلام حتى بلغ الرسالة قرير العين مؤثرا جوار الرفيق الأعلى ..صلى الله عليه وسلم ..( 1)

    -قصة ما جربنا عليك كذبا في مفتتح بعثته شهادة من الخصوم الألداء (2), والنفوس الصادقة نفوس شفيفة لا يمكن أن تتزيا بثوب النفاق في يوم ولية , وإن فعلت فإن التناقض قي نفسية الكذاب لا يمكن معه أن يمشّي كذباته على أمة من الناس في خلال 23 سنة ,,واستدل هرقل عظيم الروم على نبوته بأن من بريء من الكذب على الناس والفقر فيهم ذاتي , محال أن يكذب على خالق السماوات والأرض وخالق الناس :الغني القوي ( ) , على أنه لو قدر على سبيل الأطروحة الجدلية أنه فعل فإن الله وهو المنزه عن كل نقيصة يمتنع أن يكافئه على هذا الإلحاد باسمه بأن ينسب إليه غير الحق وأنه رسول إلى الناس منه سبحانه بالعزة والتمكين والنصر والتأييد والسؤدد,ولهذا شهدت حوادث الزمان بأن كل من ادعى النبوة كذبا خذله الله وخيب سعيه وفضحه وكشف للمحق حقيقته وللمبطل محْقَه..ولهذا تعرض الله لذكر دليل شهادته على صدق الرسول في مواطن كثيرة "سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ " وكما في قوله "هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونََ" فاشتمل هذا على وجوه من إقامة الدلائل :
    1- (سنريهم )
    أ-وقد رأى الناس ويرون في كل حقبة من الزمان دلائل من النبوة تتعلق يانكشاف جانب من الغيب الذي أخبر عنه الله تعالى أو أنبأ به رسوله صلى الله عليه وسلم وهذا باب واسع عريض يمكن أن يفرد في مصنف كامل كبير ,
    ب-ومن آياته ما يقع عليه الدارس على كمال هذه الشريعة ..في جميع المباحث
    جـ-وكذلك رأى الناس ما أشار الرحمن إليه من آيات تتعلق بوصف كونه وخلقه مما لا يتأتى أن يحيط به إلا العليم الخبير ..في علم الفلك والأحياء وغيرذلك ..
    2-(حتى يتبين لهم أنه الحق ) : وقد تبين , فأسلم من كل طبقات الناس :أناس ..من العلماء والقانونيين والاقتصاديين وغيرهم حين وقعوا على ذات الآيات التي قال الله فيها إنها تذكرة وتبصرة وعبرة ..لأولي الألباب , ولمن كان في قلبه ذرة من تحري الحق , أو ألقى السمع وهو شهيد ..
    3-(أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد ) ..بلى يا رب ..وبيان هذا المعنى ووجه دلالته بينه العلامة ابن القيم فقال رحمه الله : (وقد جرت لي مناظرة بمصر مع أكبر من يشير إليه اليهود بالعلم والرياسة ، فقلت له في أثناء الكلام : أنتم بتكذيبكم محمدا صلى الله عليه وسلم قد شتمتم الله أعظم شتيمة ، فعجب من ذلك وقال : مثلك يقول هذا الكلام ؟ فقلت له : اسمع الآن تقريره ؛ إذا قلتم : إن محمدا ملك ظالم ، وليس برسول من عند الله ، وقد أقام ثلاثا وعشرين سنة يدعي أنه رسول الله أرسله إلى الخلق كافة ، ويقول أمرني الله بكذا ونهاني عن كذا ، وأُوحي إلي كذا ؛ ولم يكن من ذلك شيء، وهو يدأب في تغيير دين الأنبياء، ومعاداة أممهم ، ونسخ شرائعهم ؛ فلا يخلو إما أن تقولوا : إن الله سبحانه كان يطلع على ذلك ويشاهده ويعلمه . أو تقولوا : إنه خفي عنه ولم يعلم به . فإن قلتم : لم يعلم به . نسبتموه إلى أقبح الجهل ، وكان من علم ذلك أعلم منه ، وإن قلتم : بل كان ذلك كله بعلمه ومشاهدته واطلاعه عليه . فلا يخلو إما أن يكون قادرا على تغييره والأخذ على يديه ومنعه من ذلك أو لا ، فإن لم يكن قادرا فقد نسبتموه إلى أقبح العجز المنافي للربوبية ، وإن كان قادرا وهو مع ذلك يعزه وينصره ، ويؤيده ويعليه ويعلى كلمته ، ويجيب دعاءه ، ويمكنه من أعدائه ، ويظهر على يديه من أنواع المعجزات والكرامات ما يزيد على الألف، ولا يقصده أحد بسوء إلا أظفره به ، ولا يدعوه بدعوة إلا استجابها له ، فهذا من أعظم الظلم والسفه الذي لا يليق نسبته إلى آحاد العقلاء ، فضلا عن رب الأرض والسماء ، فكيف وهو يشهد له بإقراره على دعوته وبتأييده وبكلامه ، وهذه عندكم شهادة زور وكذب ،فلما سمع ذلك قال : معاذ الله أن يفعل الله هذا بكاذب مفتر بل هو نبي صادق)
    4-(ليظهره على الدين كله ) وآية ذلك من ثلاثة وجوه ..
    -أن وقائع التاريخ كلها شاهدة بأن المسلمين كانوا هم الأقل عتادا وعدة وفي احيان كثيرة يكون البون في غاية الشسوع.. لو أردت أن تنظر إليه بميزان القوى العسكرية ..وكانوا هم الغالبين على الدوام حين يمتثلون كتاب ربهم وسنة نبيهم , وهذا مغاير لقانون المادة !, فآل ما يكون للمسلمين من هزائم حربية على ندرتها هو نفسه حجة لأهل الحق لأن الله وضع للنصر شروطا وقال "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ" ..
    -وأن ميدان الحجاج البرهانية , لا يمكن أن تعثر فيه على انهزام حجة العالم المسلم إذا كان الخصم كافرا ..فلله الحجة البالغة , وكما قال عز شأنه (وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرً)
    -وأن الله وعد بالنصر والتمكين لنبيه وجنده وكذلك كان ..(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)

    - تقول أم المؤمنين عائشة : لو كان محمد صلى الله عليه وسلم كاتما شيئا مما أنزل عليه لكتم هذه الآية " وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ" وقال نحوه أنس رضي الله عنه ,وهذا حق لا مرية فيه فأيما فقيه في خبابا النفوس يعلم أن الإنسان بطبعه لا يعمد إلى نفسه فيقرّعها بشيء ثقيل من وزن "وتخفي في نفسك ما الله مبديه "! ومن عيار "وتخشى الناس"! ومن حجم "والله أحق أن تخشاه " ! فما الظن إذا كان هذا الإنسان معظما في قومه متخذا أسوة فيهم ومثالا يأمر الناس باتباعه ..؟ لهذا الوجه الشاخص ظلال من المعاني وارفة لا تفيها الكلمات فأتركها لفطنة القاريء..وقس عليها قبيلة من آي الذكر الحكيم كقوله تعالى "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" وقوله تعالى "عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءهُ الأعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى * أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلاَ يَزَّكَّى * وَأَمَّا مَنْ جَاءكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى" , وقوله تبارك وتعالى "مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" ونظائرها.. وكله عتابٌ شديد لا يوقعه المرء على نفسه ليكون قرآنا يتلى إلى قيامة الساعة! إلا أن يكون وحيًا إلهيًا صادقا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد..وإن أردتها كلمة مختصرة فخذها من إمام المنقول والمعقول ..ابن تيمية : " الذي يعظّم نفسه بالباطل يريد أن ينصر كل ما قاله ، ولو كان خطأ "..

    -نهيه عن اتخاذ قبره عيدا لا يتأتى إلا أن يكون من التواضع الذي لا تكلف فيه ..الدال على أنه وحي المتعال لأن العظيم في قومه إذا أشرف على الموت وكان له رسالة فإنه لو كان دعيّا لودّ لو يعظمه الناس باتخاذ قبره وثنا أو عيدا ، وإذا كان صادقا في رسالته فإنه قد لايجد ما يمنع من اتخاذ قبره بحجة أن يكون اتخاذهم قبره عيدًا شعيرة تذكرهم باقتفاء أثره والعمل برسالته !, فلما وجدنا رسول الله نهى عن ذلك علمنا أن الأمر أبعد من كونه صاحب مباديء فحسب بل هو رسول يتبع ما يوحى إليه , وهذا التواضع إنما سقته ليكون مثالا على معنى خلقه العظيم الذي لا يؤتاه إلا نبي وذلك أني ألزمت نفسي بالاختصار , والمقصود هنا ثبوت انتفاء التكلف الذي يرتديه من يمثل شيئا ليس هو إياه
    لتعرف صدقه , لأجل هذا :لما دخل مكة فاتحًا , كان التواضع إزاره والخشوع رداءه , في وقت أحرى ما يكون فيه المنتصر خليقا بالانتصار لنفسه ولن يكون ملومًا إذا طلب النصفة والقصاص ..

    ودعني أختم لك هذا الجزء بشيء , لطيف ..من قوة الحق في الإسلام : أن البرهان كثيرا ما يكون مشتملا على برهان آخر يستولده منه المطلع , ففتح مكة مثلا كان الله أنزل نبوءته قبل ذلك بسنين (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ) وكذلك كان فعاد إلى مكة زادها الله تشريفًا , ومن هذا البرهان , برهان ثالث يأتي الإشارة إليه عند الحديث عن شهادة كتب اليهود والنصارى ..لعلك أبصرت الآن : إذا جاء الخصم بشبهة آلت حجة , وإذا استشكل أحد شيئا كان الجواب عليه دالا على جهل المستشكل , وما أتيت ببرهان تقيمه على صحة الحق إلا انفتحت لك أبواب لبراهين أخرى ..
    ----
    ( 1) قال الحافظ ابن كثير في التفسير عندتفسير قول الله تعالى "يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك" في سورة المائدة ,آية رقم 67 : (ومن عصمة الله [ عز وجل ] لرسوله حفظه له من أهل مكة وصناديدها وحسادها ومعانديها ومترفيها ، مع شدة العداوة والبغضة ونصب المحاربة له ليلا ونهارا ، بما يخلقه الله تعالى من الأسباب العظيمة بقدره وحكمته العظيمة . فصانه في ابتداء الرسالة بعمه أبي طالب إذ كان رئيسا مطاعا كبيرا في قريش وخلق الله في قلبه محبة طبيعية لرسول الله صلى الله عليه وسلم لا شرعية ، ولو كان أسلم لاجترأ عليه كفارها وكبارها ، ولكن لما كان بينه وبينهم قدر مشترك في الكفر هابوه واحترموه ، فلما مات أبو طالب نال منه المشركون أذى يسيرا ، ثم قيض الله [ عز وجل ] له الأنصار فبايعوه على الإسلام ، وعلى أن يتحول إلى دارهم - وهي المدينة فلما صار إليها حموه من الأحمر والأسود ، فكلما هم أحد من المشركين وأهل الكتاب بسوء كاده الله ورد كيده عليه ، لما كاده اليهود بالسحر حماه الله منهم ، وأنزل عليه سورتي المعوذتين دواء لذلك الداء ، ولما سم اليهود في ذراع تلك الشاة بخيبر أعلمه الله به وحماه [ الله ] منه ; ولهذا أشباه كثيرة جدا يطول ذكرها)

    (2) أخرجها الشيخان في الصحيحين ..من حديث ابن عباس رضي الله عنهما .

    يتبع إن شاء الله تعالى
    التعديل الأخير تم 11-02-2012 الساعة 09:48 AM
    مقالاتي
    http://www.eltwhed.com/vb/forumdispl...E3%DE%CF%D3%ED
    أقسام الوساوس
    http://www.eltwhed.com/vb/showthread...5-%E3%E4%E5%C7
    مدونة الأستاذ المهندس الأخ (أبو حب الله )
    http://abohobelah.blogspot.com/

  4. #4

    افتراضي

    اعرض لك الآن رؤوس أقلام في جمل معتصرة تحت كل رأس منها أعلام لمن أراد أن يقف عليها ويستظهر ما تحتها من مكنونات بالبحث والنظر, وبعد كل دلالة أو أمارة أضع نجمة للتنبيه على استقلالها عما بعدها لإعمال الفكر فيما يندرج تحتها.. فأقول بعون الله : محمد :رسول الله , دل الله العقول الصحيحة (التي تدرك بالبديهة تنزه الله عن العبث) على أنّ ترك الناس هملا بلا رسالة مناف لحكمته المشهودة *,فإن قلت : لا أشهد وأنت تقول مشهودة! قلت :لئن لم تهتد إلى أن حكمته تقتضي بعث الرسل لقد دلك بسيرة محمد-صلى الله عليه وسلم- على صدق نبوة رسوله بأنواع الدلائل ..

    , فتحداهم أن ياتوا بمثل القرآن أو بسورة من مثله* وقال لهم الله (ولن تفعلوا ) ولم يفعلوا إلى يومك هذا* ,وأوقف نبيه على ما يكون في قابل الزمان فأنبأنا منه كثيرا فكان كما قال* كما في قوله تعالى عن الروم والفرس(وهم من بعد غلبهم سيغلبون في يضع سنين ) فلم تمر البضع حتى وقع ،ومنه ما كان حين صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على حراء، هو وأبو بكرٍ وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير رضي الله عنهم ، فتحركت الصخرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اهدأ ، فما عليك إلا نبيٌ أو صديقٌ أو شهيد ) فشهد بالصديقية لأبي بكر ولبقية المذكورين بالشهادة وكذلك كان فقتلوا جميعا شهداء * ، وقس على هذا الضرب أشياء كثيرة جدا * ,ولما جاءه وفد نصارى نجران تحداهم بالمباهلة وكانت سانحة ثمينة لإبطال نبوته لو كانت غير حقة فجبنوا عنها وأذعنوا للجزية *..,نطق بجوامع الكلم فأتى بأحاديث صدّقها العلم الحديث* ,وكانت أخلاقه مدرسة ,وآدابه جامعة بحيث امتنع في نفوس العقلاء أن يكون دعيّا ولهذا استدلت بذلك زوجه العاقلة السيدة الجليلة خديجة رضي الله عنها فقالت : (كلا والله ما يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم ، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم ، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق)*,قالت ذلك تهديء من روعته التي أصابته حين جاءه المَلَك السماوي لأول مرة وألقى عليه بالوحي الذي كان إيذانا بميلاد تاريح جديد فكيف يكون ما أتى به من رسالة نتاج غوص في النفس أو ثمرة تجارب من حوله وقد خرج خائفا من هذه النازلة الثقيلة حتى صار يطلب الدثار *، وهل من شأن ثمرات العقول أن تكون انقلابا مفاجئا في صيرورة الأحداث ؟* ثم يكون أول ما يفتتح به خبر السماء آيات تدل على علم يتلقاه في قابل الأيام (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)* وحين ذهبت به زوجه إلى عالِم اللاهوت والكتب العبرانية واستفتته في شانه قال : (هذا الناموس الذي نزل الله على موسى ..ليتني أكون حيا إذا يخرجك قومك قال اوَ مخرجيّ هم ؟ قال نعم :لم يات رجلٌ قط بمثل ما جئت به إلا عودي) ***. كانت سيرته عليه الصلاة والسلام طافحة بالعبر الدالة على عناية الله به وتأييده ونصره *مع كون كفة القوى لم تكن في صالحه يوما في عامة الغزوات حتى انخرم به نظام الموازين المادية*, ومنذ أول بعثته إلى وفاته لا تقف على شيء قط إلا وجدت فيه معلما للنبوة *,قالوا ما جربنا عليك كذبا *وكان في الأربعين والعدل من كلام هرقل :ما كان ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله ,أمرهم بالهجرة الى الحبشة وقال :إن بها ملكا لا يظلم عنده أحد , فمن أدراه ؟* ذهب للطائف فآذوه جدا وأدموه وأغروا به سفهاءهم فأي شيء يحمله على التضحية بحياته لا لشيء سوى أن يدعوهم لكلمة التوحيد* ؟ , فقال أرجو الله أن يخرج من أصلابهم وكذلك كان* ,عرضوا عليه كنوز الدنيا فأباها *..قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (إنا كنا لننظر الهلال ثم الهلال ثم الهلال وما أوقد في أبيات رسول الله نار قيل فما كان يعيشكم :قالت :الأسودان التمر والماء )*

    وقال عمر (لقد رأيت رسول الله يظل بلتوي اليوم ما يجد دقلا يملأ بطنه )* , وأخبار بياته طاويا على الجوع مشهورة ولو شاء لقد كان بيده أن يقبض على زمام الدنيا كلها يجرها إليه حين جاء القوم يساومونه على ترك الدعوة على أن يسودوه عليهم ملكا متوجًا محاطا بكل حاشية أراد فانبثق الحق برفض العرض..*

    , وكان تلاميذه من كل أنواع الناس.. آلاف مؤلفة.. وكل له ممجد مبجل لا يختلف كلام العالم عن العامي ولا الغني عن الفقير ولا الأمير عن المأمور ولا القائد عن الجندي *,والمشركون مقرون بنبوته ولكن جحدوا به ظلما وعلوا , وأمارة ذلك من وجهي الثبوت والسلب فالأول أن منهم من أقر بصدقه وهو على كفره* والثاني أنهم حين أرادوا أن يقدموا دليلا يسوغون به كفرهم لم يستطيعوا سبيلا إلا أن يكون دليلا على استكبارهم , *

    فتح جنده البلاد بعد أن فتح الله به قلوب العباد وكفة القوى على الدوام في صالح العدو فأطاحوا بإمبراطوريات العصر* ولم يكونوا قبل إسلامهم إلا هباءة في حاشية هامش التاريخ! *..وكان مصير كل من كذبه عليه الصلاة والسلام أو ادعى النبوة بعده إلى الخذلان *,لم يكن داعية لدين يخص فيه أقاربه بالمزايا على حساب الشريعة وهو القائل (والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سر قت لقطع محمد يدها ) *وحين سألته سيدة نساء العالمين رضوان الله عليها الخادمَ , كان بوسعه عليه الصلاة والسلام أن يجهز لها من الخدم حشدا يأتمرون بطرفة عين منها وكانت يدها الشريفة قد تشققت من الطحن بالرحى..استمع إلى بنت سيد الأولين والآخرين وهي تقول : (والله لقد طحنت حتى مجلت يداي) , فلم تظفر منه إلا بهذه الهدية (ألا أخبرك ما هو خير لك منه؟ تسبحين الله عند منامك ثلاثا وثلاثين وتحمدين الله ثلاثا وثلاثين وتكبرين الله أربعا وثلاثين)* ولم يأمر عليًا رضي الله عنه أن يسعى لجلب الخادم من كد جبينه كيما يسعد بنته ويريحها وهو المحب لها حبا بالغًا بالطبع والشرع , جاء في كتاب ربه (ألئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ) يأمره ربه أن يقتدي بالأنبياء فكان دليلا على حقيقة الوحي لأنه لو كان ينشد عظمة نفسه ما ما أورد في الكتاب مثل ذلك وقد زعموا أنه اكتتبه من تلقاء نفسه *, أنزل عليه ربه قوله(الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ) وقوله (ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب ) ونيوءات كتب اليهود والنصارى تنطق إلى يومنا بالحق الشاهد على نبوته رغم هول التحريف ,ولم يكن بأبي هو وأمي ونفسي يكتب ولا له دراية بما في الكتب ,
    , على أن زعمهم بالتلقي عن أهل الكتاب دون أن يقدموا دليلا : لاينقض من نبوته شيئا , لأن النبوءات حديث عن نبي في آخر الزمان , والوصف هو الوصف فكان هو المصداق وحده فيما جاء من نبأ المرسلين ولم يتحقق في غيره* ,حين رأته اليهود علمت أنه هو النبي الموعود (وكانوا من قبل يستفتحون به على الذي كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به )*,أسلم حبر اليهود الأعظم عبد الله بن سلام حين رأى وجهه الشريف الوضاء وكذلك غيره *, وكان مما أنزله الله عليه في شأن اليهود (قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ) وهذا تحدٍ بليغ يستفزهم أن ينقضوا دعوته به* ,ولكن هيهات وقد قال الله فيهم (ولتجدنهم أحرص الناس على حياة )* وفي العهد المكي أحداث كثيرة كلها ناطق بنبوته , ولست أعني المعجزات المتواترة , فقد تلا على قومه ما اوحى الله إليه"تبت يدا أبي لهب وتبّ" وذكر أن مصير أبي لهب عمّه وامرأة عمه إلى تباب , فبقي بعد هذه السورة سنوات ومات على الكفر بعد الهجرة ولقد كان يعلم صدق نبوة النبي إذ كان بيده أن يبطلها لو شاء بأن يدعى الإسلام هو أو زوجه او كلاهما, فدل نزول السورة نفسها على صدق النبوة* ولما انتقل غلى الرفيق الأعلى ومات عليه الصلاة والسلام لم يترك لأهله بعد موته مالا ولا ملكا ولا تركة بل قال (إنا معاشر الأنبياء لا نورث ) ، ومات ودرعه مرهونة عند يهودي * وعلى نهجه سائر الخلفاء الراشدون ..لم يكن واحد منهم من طلاب الدنيا ولو شاؤوا لنهشوا منها حتى يكونوا أغنى أهل الأرض ،ولكن هيهات:كذلك رباهم سيدهم من قبل *
    بعد هذه الجولة قد يقول قائل :إنما انت محام عن دينك الذي تنتسب إليه , إلى من لاح في خاطره هذا المعنى سأختم في الرد الأخير بشهادات كتبت بأقلام لا تحمل في عروقها مِداد الإسلام ..


    يتبع إن شاء الله تعالى
    التعديل الأخير تم 07-24-2012 الساعة 01:43 AM
    مقالاتي
    http://www.eltwhed.com/vb/forumdispl...E3%DE%CF%D3%ED
    أقسام الوساوس
    http://www.eltwhed.com/vb/showthread...5-%E3%E4%E5%C7
    مدونة الأستاذ المهندس الأخ (أبو حب الله )
    http://abohobelah.blogspot.com/

  5. #5

    افتراضي

    وفي الجملة الأدلة على نبوته صلى الله عليه وسلم كثيرة لا يمكن الإحاطة بها ..حتى ليمر الحديث بك قد لا يفطن الناس إلى ما فيه من دلالة سوى ما يحمله من أمر تشريعي فإذا تأملت فيه كان مشتملا على دلالة صدق النبي ومن ذلك لتقريب التصور سأضرب مثلا لا يذكره أحد في دلائل النبوة:قالت عائشة رضي الله عنها: (استأذن علي أفلح أخو أبي القعيس بعدما أنزل الحجاب فقلت لا آذن له حتى أستأذن فيه النبي صلى الله عليه وسلم ...فقال ائذني له فإنه عمك تربت يمينك) ، أخرجه الشيخان: البخاري ومسلم ..هذا الحديث مثلا , قد يمر عليه الناس ولا يلمحون ما فيه من دلالة نبوية , وذلك أن أشراف العرب من شأنهم الغيرة الشديدة على نسائهم ,حتى وهم في جاهليتهم ..فيبلغ الأمر بينهم إلى القتال والثارات كل مبلغ..

    وهذا رسول الله إمام الطهر والعفة والأخلاقة الزاكية يأذن لرجل هو في الأصل غريب , ولولا إرضاع زوجة أبي القعيس إياها, لم يكن له بها سبب قط ..فترى رسول الله يأذن له ويعلم زوجه أم المؤمنين أن هذا في التسمية الشرعية عمها من الرضاع فهو عليه الصلاة والسلام إن يتبع إلا ما يوحى إليه..وقس على هذا النوع مئات الأحاديث بل ألوفًا *, وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الله بأشياء على مسمع من الناس ..كدعائه أن ينقل حمى المدينة* , وكدعائه على أقوام وأناس وينتقم الله منهم* ..إلخ فهذا الإقدام منه على ذا من جهة*, غير هيّاب أن يكذبه الناس, وإجابة الله له في كل مرة *من جهة أخرى يدل على ما سلف من عناية الله تعالى به وحياطة دعوته بالنصر والتأييد والظهور والتمكين والحجة البالغة والسلطان المبين ..وبعد هذه الرحلة القصيرة :يبقى حديث المعجزات التي تتابع على نقلها صحابة كثر ,نهرًا جرّارًا يصب في بحر النبوة كتسبيح الطعام الذي يأكله على مسمع من الحضور , وحنين الجذع , ونبع الماء من بين أصابعه..إلخ كل ذلك مما لم نعرج إليه ..مما تواتر نقله واشتهر خبره بين جموع الصحابة والمشركين , هو ديوان آخر في مسيرة الرسالة الحقة تدمغ رؤوس مناوئيها..

    كما وعدت ..إليك بعض ثمرات العقول الغربية التي درست حياة رسول الله متحريا أن يكون المنتقى من النقول يحمل في نفسه دلالة على صدق الرسول وصحة نبوته ..لتكون الفائدة أبلغ ..
    التعديل الأخير تم 07-23-2012 الساعة 08:28 PM
    مقالاتي
    http://www.eltwhed.com/vb/forumdispl...E3%DE%CF%D3%ED
    أقسام الوساوس
    http://www.eltwhed.com/vb/showthread...5-%E3%E4%E5%C7
    مدونة الأستاذ المهندس الأخ (أبو حب الله )
    http://abohobelah.blogspot.com/

  6. #6

    افتراضي


    -"إن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] كان الرجل الوحيد في التاريخ الذي نجح بشكل أسمى وأبرز في كلا المستويين الديني والدنيوي.. إن هذا الاتحاد الفريد الذي لا نظير له للتأثير الديني والدنيوي معًا يخوّله أن يعتبر أعظم شخصية ذات تأثير في تاريخ البشرية". . مايكل هارث

    -"لم ينسب محمد[صلى الله عليه وسلم ] نفسه في يوم من الايام الى نفسه صفة الالوهية او قوى اعجوبية بل على العكس كان حريصا على النص على انه مجرد رسول اصطنعه الله لإبلاغ الوحي للناس" ..روم لاندو

    -" ولد لمحمد [صلى الله عليه وسلم]، من مارية القبطيةابنه إبراهيم فمات طفلاً، فحزن عليه كثيرًا ولحده بيده وبكاه، ووافق موته كسوف الشمس فقال المسلمون: إنها انكسفت لموته، ولكن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] كان من سموّ النفس ما رأى به ردّ ذلك فقال: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد..) فقول مثل هذا مما لا يصدر عن كاذب دجال",, اميل درمنغم

    -"ثبت إذن أن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] لم يقرأ كتابًا مقدسًا ولم يسترشد في دينه بمذهب متقدم عليه) .. هنري دي فاستري

    -"كانت تصرفات الرسول [صلى الله عليه وسلم] في أعقاب فتح مكة تدل على أنه نبي مرسل لا على أنه قائد مظفر.. واشنطون إيرفنج

    -"القرآن يكمله الحديث الذي يعد سلسلة من الأقوال تتعلق بأعمال النبي [صلى الله عليه وسلم] وإرشاداته. وفي الحديث يجد المرء ما كان يدور بخلد النبي [صلى الله عليه وسلم]، العنصر الأساسي من سلوكه أمام الحقائق المتغيرة في الحياة، هذه الأقوال ، أو هذه الأحاديث التي يشكل مجموعها السنة دونت مما روي عن الصحابة [رضي الله عنهم] أو نقل عنهم مع التمحيص الشديد في اختيارها وهكذا جمع عدد كبير من الأحاديث.. والسنة هي المبينة للقرآن التي لا غنى عنها للقرآن..جاك رسلر

    -"صدع الرسول [صلى الله عليه وسلم] بالدعوة نحو عام 610م وعمره يوم ذاك أربعون سنة، وكان مثل إخوانه الأنبياء السابقين [عليهم السلام] ولكن كان أفضل منهم بما لا نسبة فيه.. وكان زاهدًا وفقيهًا ومشرعًا ورجلاً عمليًا..جورج سارتون

    -"تراثك يا ابن عبد الله ينبغي أن يُحيا، لا في النفوس والقلوب فحسب، بل في واقع الحياة، في ما يعاني البشر من أزمات وما يعترضهم من عقبات. تراثك مدرسة يلقى على منابرها كل يوم عظة ودرس. كل سؤال له عندك جواب. كل مشكلة مهما استعصت وتعقدت، نجد لها في آثارك حلاً"...".. لم يكن النبي [صلى الله عليه وسلم] رسولاً وحسب، يهدي الناس إلى الإيمان، إنما كان زعيمًا وقائد شعب، فعزم على أن يجعل من ذلك الشعب خير أمة أخرجت للناس. وكان له ما أراد"..نصري سلهب

    -"لقد حلّ الوقت الذي توجه فيه الأنظار إلى تاريخ تلك الأمة التي كانت مجهولة الأمر في زاوية من آسية فارتقت إلى أعلى مقام فطبق اسمها آفاق الدنيا مدة سبعة قرون . ومصدر هذه المعجزة هو رجل واحد، هو محمد [صلى الله عليه وسلم].."..بويس سيديو

    -".. إن [محمدًا صلى الله عليه وسلم] طوال سنين الشباب التي تكون فيها الغريزة الجنسية أقوى ما تكون، وعلى الرغم من أنه عاش في مجتمع كمجتمع العرب، حيث كان الزواج، كمؤسسة اجتماعية، مفقودًا أو يكاد، وحيث كان تعدد الزوجات هو القاعدة، وحيث كان الطلاق سهلاً إلى أبعد الحدود، لم يتزوج إلا من امرأة واحدة ليس غير، هي خديجة [رضي الله عنها] التي كانت سنّها أعلى من سنّه بكثير، وأنه ظل طوال خمس وعشرين سنة زوجها المخلص المحب، ولم يتزوج كرة ثانية، وأكثر من مرة، إلا بعد أن توفيت خديجة، وإلا بعد أن بلغ الخمسين من عمره. لقد كان لكل زواج من زواجاته هذه سبب اجتماعي أو سياسي...ولكنه التزم دائمًا سبيل المساواة الكاملة نحوهن جميعًا، ولم يلجأ قط إلى اصطناع حق التفاوت مع أي منهن. لقد تصرف متأسّيًا بسنة الأنبياء القدامى [عليهم السلام]، مثل موسى وغيره، الذين لا يبدو أن أحدًا من الناس يعترض على زواجهم المتعدد. فهل يكون مرد ذلك إلى أننا نجهل تفاصيل حياتهم اليومية، على حين نعرف كل شيء عن حياة محمد [صلى الله عليه وسلم] العائلية؟" ..لورا فيشيا فاغليري

    -".. إنه على الرغم من جميع الجهود التي بذلت في سبيل تحدي الحديث على أنه نظام ما، فإن أولئك النقاد العصريين من الشرقيين والغربيين لم يستطيعوا أن يدعموا انتقادهم العاطفي الخالص بنتائج من البحث العلمي..إن رفض الأحاديث الصحيحة، جملة واحدة أو أقسامًا، ليس حتى اليوم.. إلا قضية ذوق، قضية قصرت عن أن تجعل من نفسها بحثًا علميًا خالصًا من الأهواء...ليوبولد فايس

    -".. ومما يبطل دعوى القائلين أن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] لم يكن صادقًا في رسالته.. أنه قضى عنفوان شبابه وحرارة صباه في تلك العيشة الهادئة المطمئنة [مع خديجة رضي الله عنها] لم يحاول أثناءها إحداث ضجة ولا دوي، مما يكون وراءه ذكر وشهرة وجاه وسلطة..توماس كارلايل

    -".. لولا الحديث لأصبح [لمحمد صلى الله عليه وسلم] في أقل تقدير صورة معممة – إن لم نقل بعيدة – في أصولها التاريخية والدينية. أما الحديث فقد صور وجوده الإنساني في مجموعة وفيرة من التفصيلات الحية المحسوسة، وبذلك قدم للمسلمين حين ربط بين المسلمين وبين نبيهم بنفسه الروابط الذاتية الوثيقة التي كانت تصله بأصحابه الأولين، وهي روابط نمت على مر القرون وكانت أقوى من أن تصاب بالضعف. ولم يصبح شخص محمد [صلى الله عليه وسلم] أبدًا ذا صبغة مرسومة مقررة، ويكاد لا يكون من الغلو أن نقول إن حرارة ذلك الشعور الشخصي نحو الرسول الحبيب [صلى الله عليه وسلم] كانت أبدًا أقوى عنصر حيوي في دين الجماهير الإسلامية ..هاملتون كب



    يتبع إن شاء الله تعالى
    التعديل الأخير تم 07-16-2012 الساعة 09:59 PM
    مقالاتي
    http://www.eltwhed.com/vb/forumdispl...E3%DE%CF%D3%ED
    أقسام الوساوس
    http://www.eltwhed.com/vb/showthread...5-%E3%E4%E5%C7
    مدونة الأستاذ المهندس الأخ (أبو حب الله )
    http://abohobelah.blogspot.com/

  7. #7

    افتراضي

    كنت قد ذكرت على سبيل الإشارة الخاطفة عن البشارات بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم في كتب اهل الكتاب التي شاء الله أن تبقى ملامحها لم يعفُ رسمها رغم فداحة التحريف وهول الكتمان , استغناء بما قد كتب كثيرا في هذا الباب ومن رام التفصيل فيطالع هذا الكتاب اللطيف للدكتور منقذ السقار حفظه الله وبارك في جهاده العلمي
    http://www.islamhouse.com/p/172315
    , لكن أحب في عجالة أن أشير لقضية مهمة تعد من كبريات مسائل دلائل النبوة الجديرة بالتوسع والعناية وهي ما يدل عليه قول الله تعالى (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) وقوله سبحانه (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ) , فالحجة البالغة لا تقف عند نفي اقتباس سيدنا محمد من أهل الكتاب , بل هي ذات غور أعمق بكثير .. لقد جاء عليه الصلاة والسلام برسالة فيها بيان حقائق دينهم وما يكتمونه مما يقطع الناظر الحصيف أنه لا يتأتى إلا بخبر علوي من عند الله تبارك وتعالى ..ولا بأس ببعض الأمثلة ..
    - في كتابه "العقائد الوثنية في الديانة النصرانية" ذكر محمد بن طاهر 46 قضية توافق بين عقائد الهندوس في "كرشنا" إلههم وبين عقائد النصارى في المسيح عليه السلام و 48 أخرى مع عقائد البوذيين في "بوذا" تتعلق بالتثليث، وبنوة الإله ، وصلبه، وقيامته من الأموات، والفداء..إلخ , وقد أخبر الله عن هذه الحقيقة في قوله سبحانه (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) وكذلك قل عن عقائد اليهود , ولم يعد هذا شيئا مستورا ..لقد بات كبار النقاد الغربيين يقرون بهذه الحقيقة , يقول الباحث الأمريكي دانيال بسك في كتابه "Incarnation in Hinduism and Christianity: The myth of the God Man." : ( هذا و قد تركزت أساطير هبوط الآلهة وتأله بعض البشر، في اليونان القديم، حول شخصيتين من الفلاسفة اليونانيين السابقين لسقراط هما " فيثاغورث " Pythagoras و " إمفيدوكليس " Empedocles.
    أما الفيلسوف " فيثاغورس " فقد اعتُبِر تجسداً لابن الإله هرمس الذي كان يملك سهولة إعادة سلسلة من التجسدات الجديدة !
    فقد ادعى تلاميذ فيثاغورث أن أستاذهم كان الإله " أبوللو " وهذا ما نقله عنهم كل من الفيلسوف اليوناني " ديوجينوس " Diogenes والفيلسوف المعروف أرسطو أما بالنسبة للفيلسوف " أمفيدوكلس " فهو معروف بقوله الشهير: " أيها الناس ! إني أتجول الآن بينكم كإله خالد، ولست بعد الآن إنساناً بشراً ! " هذا وقد استجاب له الناس وصاروا " يعبدونـه ويصلُّون له كإله )..

    -وتجد أن علماء معهد ويستر وغيرهم من علماء اللاهوت كان من مقرراتهم في منتداهم البحثي الذي استغرق سنوات في البايبل وسبقت الإشارة إليه ينصون صراحة على أن المسيح لم يدع الألوهية لنفسه قط , وغيرهم أيضا ,خذ مثلا جرين برنتن حيث يقول (يستطيع المرء إذا أخذ بالتفسير الطبيعي لمصادر العهد الجديد أن يزعم أن يسوع لم يدع لنفسه الألوهية قط ) والآن استمع إلى قول الله عز وجل : (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ ) ولهذا لم يجد باول شفارتزيناو أستاذ علوم الأديان بجامعة "دورتموند" بألمانيا بدا من أن يعترف (أن القرآن هو الصورة الأصلية الأولى لتعاليم الكتاب المقدس)
    التعديل الأخير تم 07-07-2012 الساعة 09:01 PM
    مقالاتي
    http://www.eltwhed.com/vb/forumdispl...E3%DE%CF%D3%ED
    أقسام الوساوس
    http://www.eltwhed.com/vb/showthread...5-%E3%E4%E5%C7
    مدونة الأستاذ المهندس الأخ (أبو حب الله )
    http://abohobelah.blogspot.com/

  8. #8

    افتراضي

    -في قصة يوسف عليه السلام في القرآن , يسميه الله عز وجل "الملك " كما في قول الله تعالى "وقال الملك ائتوني به " في حين نجد أن التوراة تسميه فرعون , وهذا موطن إعجازي دقيق لأن نبي الله يوسف عليه السلام كان زمن سيطرة ملوك الهكسوس لا في زمن الفراعنة , وليس بضائر القرآن كثيرا أن يسمى الملك فرعون , على سبيل التجوز , ولكن ليعلم خبراء التاريخ والباحثون في الأديان أنه إنما صدر من مشكاة إلهية ..تضع الشيء في موضعه الدقيق... اللائق به

    -تذكر التوراة قصة هلاك فرعون ولا تتعرض لنجاته , على غرار ما في القرآن العظيم "فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية " والصحيح من أقوال الخبراء أن فرعون المعاصر لموسى عليه السلام هو "رمسيس الثاني" , فأي شيء يدعو محمدا لو كان القرآن من تأليفه كما يفترون, أن ينص على هذا المعلومة التي لم تكتشف إلى في زماننا هذا ..؟
    وثم تفاصيل كثيرة تتعلق بهذا الجانب البحثي المهم خصص لها الدكتور عالم الآثار , موريس بوكاي رحمه الله كتابا عنوانه :موسى وفرعون في الإنجيل والقرآن والتاريخ Moses and Pharaoh in the Bible, Qur'an and History (Maurice Bucaille) ,
    -الأرض عند أهل الكتاب مسطحة لا كروية من وحي فهمهم لكتابهم (المقدس ؟ ! ) فيه نصوص إلى يومك هذا أمن الأرض ذات أربع زوايا أو أربعة أركان ,حتى ذكر النصراني "لاكتانتيوس" في كتابه (المؤسسات الإلهية ) : الاعتقادات الباطلة للوثنيين والفلاسفة وذكر منها : القول بكروية الأرض , في حين نجد أن علماء الإسلام أجمعوا على كروية الأرض من وحي فهمهم لكتاب ربهم القرآن (المقدس حقا ) , فهذا الإمام ابن تيمية رحمه الله يقول في "الجواب الصحيح ": (اعلم أن الأَرض قد اتفقوا على أنها كروية الشكل .) وفي الفتاوى يدلل على ذلك من القرآن وبالأدلة العقلية ، وقال الإمام ابن حزم رحمه الله مجيبا عن هذه المسألة : (وجوابنا وبالله تعالى التوفيق : أن أحداً من أئمة المسلمين المستحقين لاسم الإمامة بالعلم رضي الله عنهم لم ينكروا تكوير الأرض ، ولا يحفظ لأحد منهم في دفعه كلمة ، بل البراهين من القرآن والسنة قد جاءت بتكويرها ..) ومن أراد التوسع في هذه المسائل العظيمة الكاشفة عن صدق الوحي الإلهي الذي بعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم فليطالع كتاب الباحث الفذ الشيخ سامي عامري حفظه الله تعالى :هل اقتبس القرآن الكريم من كتب اليهود والنصارى؟


    التعديل الأخير تم 07-23-2012 الساعة 07:38 PM
    مقالاتي
    http://www.eltwhed.com/vb/forumdispl...E3%DE%CF%D3%ED
    أقسام الوساوس
    http://www.eltwhed.com/vb/showthread...5-%E3%E4%E5%C7
    مدونة الأستاذ المهندس الأخ (أبو حب الله )
    http://abohobelah.blogspot.com/

  9. #9

    افتراضي

    وفي خاتمة التطواف الخطّاف ، يطيب لي نقل كلمة جامعة لبحر العلوم النقلية والعقلية : ابن تيمية رحمه الله تعالى في كتابه النفيس "الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح" حيث يقول : (دلائل صدق النبي الصادق ، وكذب المتنبي الكذاب كثيرة جدا ، فإن من ادعى النبوة وكان صادقا ، فهو من أفضل خلق الله وأكملهم في العلم والدين ; فإنه لا أحد أفضل من رسل الله وأنبيائه صلوات الله عليهم وسلامه ، وإن كان بعضهم أفضل من بعض كما قال تعالى : "تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض" وقال تعالى : "ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض"

    وإن كان المدعي للنبوة كاذبا فهو من أكفر خلق الله ، وشرهم ، كما قال تعالى : "ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله ". وقال تعالى : "فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين" ، وقال تعالى :" ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين "

    فالكذب أصل للشر ، وأعظمه الكذب على الله عز وجل ، والصدق أصل للخير ، وأعظمه الصدق على الله تبارك وتعالى .
    وفي الصحيحين : عن عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه ، عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : عليكم بالصدق ; فإن الصدق يهدي إلى البر ، وإن البر يهدي إلى الجنة ، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق ، حتى يكتب عند الله صديقا ، وإياكم والكذب ; فإن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار ، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا .

    ولما كان هذا من أعلى الدرجات ، وهذا من أسفل الدركات ، كان بينهما من الفروق ، والدلائل ، والبراهين التي تدل على صدق أحدها وكذب الآخر ما يظهر لكل من عرف حالهما . ولهذا كانت دلائل الأنبياء وأعلامهم الدالة على صدقهم كثيرة متنوعة ، كما أن دلائل كذب المتنبئين كثيرة متنوعة ..)
    التعديل الأخير تم 07-16-2012 الساعة 09:26 PM
    مقالاتي
    http://www.eltwhed.com/vb/forumdispl...E3%DE%CF%D3%ED
    أقسام الوساوس
    http://www.eltwhed.com/vb/showthread...5-%E3%E4%E5%C7
    مدونة الأستاذ المهندس الأخ (أبو حب الله )
    http://abohobelah.blogspot.com/

  10. #10

    افتراضي

    نرفعه ليُقرء من جديد

    موضوع رائع ليس بغريب عليك يا ابالقاسم

    حفظك الله و ادامك للمسلمين
    الكُفْرُ يُعْمي و يُصِم

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Apr 2011
    المشاركات
    2,598
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    3

    افتراضي

    يرفع للزوار الجدد.
    أستغفر الله العظيم و أتوب إليه

  12. #12

    افتراضي

    كم هوَ رائِع هذا الموضوع جزى الله كاتبه خير الجزاء
    حُقّ له دوام الرفع
    أعظَم مَن عُرِف عنه إنكار الصانع هو " فِرعون " ، ومع ذلك فإن ذلك الإنكار ليس حقيقيا ، فإن الله عزّ وَجَلّ قال عن آل فرعون :(وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا)
    وبُرهان ذلك أن فِرعون لَمّا أحسّ بالغَرَق أظْهَر مكنون نفسه ومخبوء فؤاده على لسانه ، فقال الله عزّ وَجَلّ عن فرعون : (حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ)

  13. افتراضي

    ما شاء الله
    لا إله إلا الله , محمداً رسول الله .

    نفعنا الله و إياكم بما علمنا , و زادنا علماً , و جزاكم خير الجزاء .
    قال الرسول محمد صلى الله عليه و سلم : " من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه , و جمع له شمله , أتته الدنيا و هي راغمة "

  14. #14

    افتراضي

    بسم الله الرحمن الرحيم.
    بارك الله فيك أستاذي الكريم على الموضوع الذي أحسبه من أقيم ما قرأت والله أعلم، فالحمد لله وحده. وبارك الله في الإخوة على رفعهم للموضوع.
    ولعل هذا من أصعب المواضيع للكتابة، لكثرة الأدلة والبراهين والأمثلة؛ فتكاد تشعر أنك تريد أن تكتب كل السيرة النبوية ليطلع عليها القارئ!
    والعجيب أن كنت نظرت نظرة سريعة عن مدعى النبوة ميرزا الكذاب، فوجدت حاله يضحك منها، وخاصة أن شيخا مسلما باهله على أن يموت الكاذب منهما في حياة الصادق، فما لبث أن مات هذا الكذاب بعدها "بأيام قلائل"! - نقلا عن ويكيبيديا. فالحمد لله رب العالمين.

  15. افتراضي

    رفع
    قال الرسول محمد صلى الله عليه و سلم : " من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه , و جمع له شمله , أتته الدنيا و هي راغمة "

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. الإلحاد له أسباب كثيرة
    بواسطة زيد الجزائري الجزائر في المنتدى قسم الحوار العام
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 12-28-2013, 09:30 AM
  2. أمريكا، .نقة زنقة وبحروف كبيرة
    بواسطة Digital في المنتدى قسم الحوار العام
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 05-05-2011, 10:16 AM
  3. هدية كبيرة ( موسوعات )
    بواسطة سيف الكلمة في المنتدى المكتبة
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 02-28-2008, 09:20 PM
  4. انواع كثيرة من الصدقات الجارية ...
    بواسطة فقير الى ربه في المنتدى قسم الحوار العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 12-25-2007, 02:06 PM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء