يزعم دعاة التطور: أنّ نظرية التطور المادي قد لاقت التأييد المطلق من كافة العلماء والمفكرين، وأنّ إجماع العلماء والمفكرين قد انعقد على التأييد الكامل للنظرية، وبالتالي نفياً قاطعاً لحقيقة الخلق من العدم، فَرَدّاً على زعمهم هذا، رأينا أن نستعرض في هذا الفصل بعضاً من آراء عدد من كبار ومشاهير العلماء في كافة ميادين العِلم، وكلها تشير إلى توجه صحيح، وإلى عمق واستنارة في التفكير لدى كمٍ هائل من مشاهير العلماء، خلافاً لما يدعيه أدعياء العٍلم من دعاة التطور المادي.
ونحن إذ نقوم بذلك، فلا يعني ذلك بالضرورة ايماناً منا بكل أقوالهم، ولا يعني عجزاً منا عن نقض تلك النظرية إلا بأقوالهم، إنما كان ذلك للتدليل على كذب من يتقول باجماع العلماء على نظريتهم، وللهمس بأذن كل من يستهويه ألأخذ بفارغ القول من الغرب الكافر تقليداً ومحاكاة وانبهاراً، أنّ ما يأخذونه من الغرب الصليبي الكافر ـ والشرق الوثني الملحد ـ من نظريات مادية، قد نبذها من استعمل عقله منهم، وتوخى الحقيقة بتجرد، ونقضها وكفر بها حتى بعض من آمن بها سابقاً وكان من غلاة دعاتها، واستذكر بالمناسبة قول الشاعر :
ومـا هـي إلا كفــارغ بنـدقٍ = خَليّ من المعنى ولكن يفرقع
يقول الفيلسوف والفيزيائي والرياضي الفرنسي، مكتشف الهندسة التحليلية "ديكارت Rene Descartes" (1596 – 1650):
(إنّي مع شعوري بنقص في ذاتي، أحسّ في الوقت نفسه بوجود ذات كاملة، وأراني مضطراً إلى الإعتقاد بأنّ هذا الشعور قد غَرَسَته في ذاتي الذّات الكاملة المتحلية بجميع الصفات الكاملة، وهو: الله)[ 1]
أمّا المؤرخ والفيلسوف الفرنسي "أرنست رينان" (1823–1892) فقد عانى أزمة ايمان أدّت إلى الإرتداد عن الكاثوليكية. وتميزت بحوثه بالنزعة العقلانية وبالايمان بالعِلم، فيقول في كتابه "تاريخ الأديان":
(إنَّهُ من الممكن أن يضمحلّ كلّ شيء نحبه، وأن تبطل حرية إستعمال العقل والعِلم والصناعة، ولكن يستحيل أن ينمحي التّدين، بل سيبقى حُجَةً ناطقةً على بطلان المذهب المادي، الذي يُريد أن يحصر الفكر الإنساني في المضائق الدنيئة في الحياة الأرضية)[2 ]
أما عالِم الطبيعة المشهور، الفيزيائي ألأمريكي، الألماني المولد، "اسحق آينشتاين Albert Einstein" (1879–1955) الذي يعتبر أعظم عباقرة العِلم المعاصرين، منح جائزة نوبل في الفيزياء عام (1921)، وواضع نظرية النسبية، فيقول:
(إنً ديني يشتمل على الإعجاب المتواضع بتلك الروح العليا غير المحددة، والتي تكشف في سرها عن بعض التفصيلات القليلة التي تستطيع عقولنا المتواضعة إدراكها، وهذا الايمان القلبي العميق، والاعتقاد بوجود قوّة عليا تستطيع إدراكها خلال ذلك الكون العامض يلهمني فكرتي عن الإله)[ 3] كما يُنْسَب لنفس هـذا العالِم قوله: (لا تشكوا في الخالق فإنه مما لا يُعْقَل أن تكون المصادفات وحدها هي قاعدة الوجود)[4 ]
إنه من الملاحظ أنه كلما إزداد عِلم الإنسان واطلاعه على عجائب الكون، ومعرفته بما فيها من جمال وإحكام، ولم يقف عند القشور، بل تعمق في دراسة أسرار وقوانين وسنن الخلق، إزداد إيماناً بوجود الخالق وحكمته وعظمته وكمال صفاته، وفي هذا ينقل لنا "سبنسر" عن "هيرشل" قوله: (كلما اتسع نطاق العِلم ازدادت البراهين الدامغة القوية على وجود خالق أزلي لا حَدّ لقوته ولا نهاية: فالجيولوجيون والفلكيون والطبيعيون قد تعاونوا على تشييد صرح العِلم، وهو صرح عظمة الله وحده)[5 ] وقد مرّ معنا آنفاً[6 ] استنتاجات "سبنسر" نفسه للوصول إلى الإيمان بالله الخالق عن طريق ملاحظة قطرة الماء وقطعة البرد.
ويؤكد ما ذهبنا إليه بأنّه كلما تعمق الإنسان في التفكير وإزدياد العِلم، إزداد قرباً من الإهتداء إلى حقيقة الخلق وحتمية حقيقة وجود خالق خلق الموجودات من عدم، وذلك ما يؤكده الفيلسوف "فرنسيس بيكون": (إنّ القليل من الفلسفة يميل بعقل الإنسان إلى الإلحاد، ولكن التّعمق فيها ينتهي بالعقول إلى الايمان، ذلك لأنّ عقل الإنسان قد يقف عندما يصادفه من أسباب ثانوية مبعثرة، فلا يتابع السّير إلى مـا ورائها، ولكنه إذا أمعن النّظر، فشهد سلسلة الأسباب كيف تتصل حلقاتها لا يجد بدّاً من التسليم بالله)[ 7]
أمّا الدكتور "ميريت ستانلي كونجدن Stanley" عضو الجمعية الأمريكية الطبيعية، وإخصائي في الفيزياء وعلم النفس وفلسفة العلوم، فيقول:
(إنّ جميع ما في الكون يشهد على وجود الله سبحانه وتعالى، ويدلّ على قدرته وعظمته، وعندما نقوم نحن العلماء بتحليل ظواهر هذا الكون ودراستها، حتى باستخدام الطريقة الإستدلالية، فإننا لا نفعل أكثر من ملاحظة آثار أيادي الله وعظمته، ذلك هو الله الذي لا نستطيع أن نصل إليه بالوسائل العلمية المادية وحدها، ولكننا نرى آياته في أنفسنا وفي كلّ ذرة من ذرات هذا الوجود، وليست العلوم إلا دراسة خلق الله وآثار قدرته)[8 ]
إنّ التفكر في الموجودات الكونيّة، لأهم الشواهد التي توصل ولا بدّ إلى الايمان بالله تعالى خالقاً وحيداً لهذا الكون، ولتثبيت ايمان المؤمن، وهذا النهج هو الذي أوصل الدكتور ستانلي إلى ايمان الواثق المطمئن، الذي فَكَرَ وفكر فوصل للقناعة الثابتة التي لا تتزعزع، كما ورد فيما نقلناه عنه في الفقرة السابقة، وعلى نفس النّهج سار "أ. كريسي موريسون A.Cressy Morrison" الرئيس السابق لأكاديمية العلوم بنيويورك، حيث يقول:
(إنّ استعراض عجائب الطبيعة ليدل دلالة قاطعة على أنّ هناك تصميماً وقصداً في كل شيء، وأنّ ثمّة برنامجاً ينفذ بحذافيره طبقاً لمشيئة الخالق عزّ وجل... إنّ حجم الكرة ألأرضية وبعدها عن الشّمس، ودرجَة حرارة الشّمس وأشعتها الباعثة للحياة، وسُمْك قشرة الأرض وكميّة الماء، ومقدار ثانـي أوكسيد الكربون وحجم النيتروجين، وظهور الإنسان وبقاؤه على قيد الحياة، كلّ أولاء تدلّ على خروج النظام من الفوضى، وعلى التّصميم والقصد)[9 ]
Bookmarks