1- نفي المساءلة يوم القيامة وإثباتها، في قوله " فإذا نفخ في الصور، فلا أنساب بينهم يومئذٍ ولا يتساءَلون" (المؤمنون 101)؛ وفي قوله: "وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون" (الصافات 27) – (أما الصافات 50 ففي الجنة؛ والطور 25 ففي الجنة).
قيل فيها عن ابن عباس: نفي المساءلة قبل النفخة الثانية، وإثباتها بعد ذلك – ولا أثر في النصين ب مثل هذا التخريج.
وقيل فيها عن السدي: نفي المساءلة عند تشاغلهم بالصعق والمحاسبة والجواز على الصراط وإثباتها فما عدا ذلك – ولا أثر أيضًا في النصين لمثل هذا التخريج.
أما التساؤل في الصافات 50، والطور 25، فهو فيما بين أهل الجنة، بعد الحساب
------------------------------------------
2 – كتمان المشركين حالهم ثم إفشاؤه باقي قوله: "ولا يكتمون الله حديثًا" (النساء 42)، وفي قوله: "ثم لم تكن فتنتهم إلاّ أن قالوا: والله ربنا ما كنا مشركين" (الأنعام 23).
ققيل فيها عن ابن عباس: انهم يكتمون بألسنتهم فتنطق ألسنتهم وجوارحهم – ولا أثر في النصين لهذا التفسير، انما هو استخدم آية اخرى لا ذكر فيها للسؤال، بل هي شهادة بلسان الحال: "يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون" (النور 24)، وهي شهادة أهل جهنم: "هذه جهنم... اليوم نختم على أفواههم، وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون" (يس 63 – 65).
وقيل فيها عن ابن الازرق عن ابن عباس: إن الله لا يقبل الاّ ممّن وحّده، فيسألهم فيقولون: "والله ربنا ما كنا مشركين"، فيختم على أفواههم وتُستنطق جوارحهم هذا تقريب بعيد للمتعارضين بآية أخرى بعيدة عنهما، فهو تنسيق لا يرفع التعارض.
----------------------------------
3 – خلق السماء أو الأرض، أيهما تقدًّم؟ في قوله: "أم السماء بناها، رفع سمكها فسوّاها، وأغطش ليلها وأخرج ضحاها، والأرض بعد ذلك دحاها، أخرج منها ماءًها ومرعاها، والجبال أرساها" ( ا لنازعات 27 – 32)، مع قوله: "قلْ: أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين، وتجعلون له أنداداً، ذلك رب العالمين، وجعل فيها رواسي من فوقها، وبارك فيها وقدَّر فيها أوقاتها في أربعة أيام سواء للسائلين. ثم ا ستوى الى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض: ائتيا طوعاً أو كرهاً، قالتا أتينا طائعين، فقضاهن سبع سموات في يومين، وأوحى في كل سماء أمرها، وزيّنا السماء الدنيا بمصابيح" (فصلت 9 – 12).
قيل عن أبن عباس: "بدأ خلق الأرض في يومين غير مدحوة، ثم خلق السماوات فسوّاهن في يومين، ثم دحا الأرض بعد ذلك وجعل فيها الرواسي وغيرها في يومين، فتلك أربعة أيام للأرض". وهناك أجتهادات أخرى للخروج من التعارض المكشوف.
والواقع القرآني المتواتر ان الله خلق السماء قبل الأرض، فتأتي قصة (النازعات) بصورة تخالف القرآن كله. وبسبب صراحة تفصيلها يردّون إليها سائر القرآن. قال الجلالان: "والأرض بعد ذلك دحاها بسطها، وكانت مخلوقة قبل السماء من غير دحو" (النازعات 30)، "لتكفرون بالذي خلق الأرض... وجعل فيها: مستأنف ولا يجوز عطفه على صلة الذي للفاصل الأجنبي" (المؤمن 10) مع انه اسلوب مطرد في القرآن الفصل بالأجنبي مع دوام الوصل. ولذلك قال قوم آخرون: "ثمَّ استوى" بمعنى ألواد، وقيل المراد ترتيب الخبر لا المُخبر به. وقيل هي لتفاوت ما بين الخلقين لا للتراخي في الزمان، وقيل: خلق بمعنى قدَّر...
وكل هذه التخريجات بعيدة عن صراحة النص: فآيات (المؤمن) تجعل أيام الخلق ثمانية ، وهو خلاف القرآن كله الذي يصرح أيضاً أنه في الخلق: يدبر الأمر من السماء الى الأرض (السجدة 5)، وتجعل تدبير الأرض في ستة أو أربعة أيام، والسماوات السبعة في
يومين: فهل يرضى علم بذلك؟ ويقولون: "وزينا السماء الدنيا الدنيا بمصابيح" أي نجومها، وهذه المصابيح أكبر من الأرض فكيف تكون لها، مصابيح، معلّق ة في سقف السماء؟ فهناك تعارض قرآني، وتعارض ما بين القرآن والعلم. وما أحرانا ان نأخذ كتب الله على اسلوبها البياني، بدون معارضة للعلم فيها!
=======================
4- وكذلك قوله "فألقى (موسى) عصاه، فإذا هي ثعبان مبين" (107:7؛32:26)، وهو الكبير من الحيات؛ مع قوله: "فلمّا رآها تهتز كأنها جان" (10:27؛31:28)، وهو الصغير من الحيات. إنه اختلاف تعبير، لا اختلاف أحوال.
=======================
5– هل من سؤال في يوم الدين؟ يقول: "وقفوهم انهم مسؤولون" (24:37) ويقول: فلنسألن الذين أرسل اليهم، ولنسألن المرسلين" (6:7)؛ ثم يقول: لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان" (39:55).
حملها بعضهم على اختلاف الموضوع، في الأولى عن التوحيد، وفي الثانية عن شرائع الدين. وحملها بعضهم على اختلا ف الأماكن لأن في القيامة مواقف كثيرة، في موضع يسألون، وفي آخر لا يسألون. وقيل أن السؤال المثبت سؤال تبكيت وتوبيخ، والمنفي سؤال المعذرة وبيان الحجة. لكن ليس في النصوص من قرينة لفظية أو معنوية لهذا التخريج. والكلام الذي يحتاج الى مثل هذا التخريج ليستوي ويستبين ليس من الاعجاز في البلاغة والبيان والتبيين.
====================
6– الأمر بالفحشاء. يقول: "إن الله لا يأمر بالفحشاء" (28:7 كذلك 90:16؛ 45:29) – ولا يأمر بالفحشاء الاّ ابليس (169:2؛ 268:2؛ 21:24) – ولكنه يقول أيضًا: "أمرنا مترفيها ففسقوا فيها" (16:17).
قيل: "الأولى في الأمر الشرعي، والثانية في الأمر الكوني بمعنى القضاء والتقدير" – وهل يخالف الله بين أمره الشرعي وأمره الكوني، وهو الظلم بعينه؟ واذا كان فسق المترفين آمرًا كونيًا فسد الكون منذ تكوينه، وهو القائل: "لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم... ثم رددناه أسفل سافلين" (4:95 – 5).
=========================
7– بصر الكافرين في يوم الدين. يقول: "فبصرك اليوم حديد" (22:50). ثم يقول: "خاشعين من الذل ينظر و ن من طرف خفي" (45:42).
قالوا: "الاختلاف من وجهين واعتبارين" – فهو اذن خلاف لفظي لا موضوعي؛ والحقيقة انه خلاف موضوعي حقيقي: فالبصر الحديد لا ينسجم مع البصر الخاشع من الذل.
==============================
8- الحصر في التعبير. يقول: "وما منع الناس أن يؤمنوا، اذ جاءهم الهدى، ويستغفروا ربهم، إلا أن تأتيهم سُنة الأولين (المعجزة) أو يأتيهم العذاب قبلاً" (55:18). ثم يقول: "وما منع الناس أن يؤمنوا، إذ جاءهم الهدى، إلاّ أن قالوا: أبعث الله بشرًا رسولاً" (94:17). "فهذا حصر آخر في غيرهما".
قيل: حصر المانع من ا لإ يمان يختلف باختلاف السبب الحقيقي – هذه حذلقة لا أصل لها في النص. فليس من تعارض في الحقيقة لأن الموانع قد تكون عديدة؛ انما التعارض في صيغة التعبير والبيان، لذلك فهو شبهة على الأعجاز في البلاغة والبيان.
ومن الحصر في التعبير أيضًا قوله: "فمن أظلم ممن افترى على الله كذبًا" (21:6 و 93 و 144) وقوله: "فمن أظلم ممن كذب بآيات الله" (157:6)؛ مع قوله: "ومن أظلم ممن ذكّر بآيات ربه فأعرض عنها، ونسي ما قدمت يداه" (57:18)؛ وقوله: "ومَن أظلم ممن منع مساجد الله" (114:2)، الى غير ذلك من الآيات على اسلوب واحد (22:32؛ 37:7؛ 17:10؛ 18:11؛ 15:18؛ 68:29؛ 7:61).
أجيب عليها بأوجه" "ان نفي الأظلمية لا يلزم منه نفي المساواة. وقيل هذا استفهام مقصود به التهويل والتفظ يع من غير قصد اثبات الأظلمية للمذكور حقيقة، ولا نفيها عن غيره".
وحقيقة البيان فيها انها استفهام انكاري، فيكون المعنى لا أحد أظلم، فيكون خبرًا، وتعددت انواع الأظلمية مع الحصر في كل واحدة. نقول: انه اسلوب بياني لا يقصد منه حقيقة الحصر، بل التركيز على المقصود؛ لكنه جاء بأسلوب متشابه متعارض. وهذا الاسلوب القرآني في البيان شبهة على الأعجاز في البلاغة والبيان.
========================================
9– ومن أساليب التعبير التي تجعل البيان متشابها قوله: "لا أقسم بهذا البلد، وأنت حِلٌ بهذا البلد" (1:90 – 2)، مع قوله وهذا البلد الأمين" (3:95).
فقد تكون (لا) للنفي أو للاستفتاح كقولهم "كلاّ". واستعمال أداة بدون قرينة تفيد معناها هو عين المتشابه في البيان الذي يوهم الاختلاف والتناقض.
----------
نقلا عن " معجزة القران " للاب يوسف الحداد
Bookmarks