في هذه المقالة سأناقش موضوعين:
الأول: تطور فكر العرب عن علاقة الأرض بالنسبة للشمس و السماء و عجزهم في كل هذه المراحل عن الوصول للقفزة الأخيرة وهي أن الأرض هي التي تدورأو بمعنى أصح أنها هي التي لها فلك .
و سأظلل باللون الأحمر
1- التفاسير التي تتكلم عن وجود فلك للإجرام السماوية المختلفة و لن تجد أبدا أي ذكر لفلك الأرض.
2- التفاسير التى تتكلم عن علاقة الأرض بالنسبة للشمس
و يمكن تلخيص تطور فكرهم :
صورة بسيطة لأرض مسطحة و شمس تغطس بها
إلى أرض مسطحة و شمس أكبر منها تلف حولها
، ثم تطور الفكر إلى أرض كروية و سماء كروية حولها .
ولكن لم يستطيعوا أن يقولوا أبدا بأن الأرض هي التي لها فلك و تلف ،كما أن مفهومهم للسماء كان لكيان مادي ، وأن كنت للأمانة رأيت رأيا لإبن تيمية يكفر فيه من يقول بدوران الأرض حول الشمس ،و يبدو من تكفيره هذا معناه أن العلم العربي كان على وشك الوصول إلى تلك الحقيقة و بالفعل كانت هنالك أصوات تقول بذلك (...).
و الثاني هو كيف أن الجو الثقافي الذي يعيش فيه المرء يؤثر عليه تأثيرا رهيبا وهو ما يفسر كيف يدمر الفكر الإسلامي و السلفي منه بصفة خاصة فعاليات التفكير .
و المثال الجو الثقافي في الدولة العربية العباسية عام 1050 الذي كان منفتحا و خلاقا حتى أن تصور الكون عند أحد علماء هذا العصر كان أفضل من تصوره عند الشيخ العلامة بن باز عام 1982و ذلك بمقارنة بين مقالة أبو الحسين بن المنادي و بين مقالة بن باز ،
و أود أن أشير أن رغم أن بن المنادي متوفي عام( 1050 م ) و أن بن باز متوفي عام (1982)
ورغم أن بن باز هو إنسان متميز و نابه بلا جدال ، فإن ما توصل له بن المنادي كان يتفوق على بن باز وذلك دلالة على الجو الثقافي الرائع الذي كان موجودا في الدولة العباسية في ذلك الوقت (...)
1 أولا:كل التفسيرات الممكنة ل" كل في فلك يسبحون" و كل الشروح الممكنة لكلمة فلك و منها سنتبين بوضوح أنه لم يذكر الأرض مطلقا بل و ذكر أن الشمس و السماء هي التى تدور حولها
تفسير القرطبي
الم ركل قتادة والحسن هي النجوم تسبح في أفلاكها وكذا الشمس والقمر قال الله تعالى كل في فلك يسبحون عطاء هي السفن تسبح في الماء قال النقاش العام مصدر كالعوم سمي به هذا القدر من الزمان لأنها عومة من الشمس في الفلك والعوم كالسبح
وقال الله تعالى كل في فلك يسبحون
إبن كثير
وكأين من آية في السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون أي لا يتفكرون فيما خلق الله فيها من الإتساع العظيم والارتفاع الباهر وما زينت به من الكواكب الثوابت والسيارات في ليلها ونهارها من هذه الشمس التي تقطع الفلك بكماله في يوم وليلة فتسير غاية لا يعلم قدرها إلا الله الذي قدرها وسخرها وسيرها وقد ذكر ابن أبي الدنيا رحمه الله في كتابه التفكر والأعتبار أن بعض عباد بني إسرائيل تعبد ثلاثين سنة وكان الرجل منهم إذا تعبد ثلاثين سنة أظلته غمامة فلم ير ذلك الرجل شيئا مما كان يحصل لغيره فشكى ذلك إلى أمه فقالت له يابني فلعلك أذنبت في مدة عبادتك هذه فقال لا والله ما أعلمه قالت فلعلك هممت قال لا ولا هممت قالت فلعلك رفعت بصرك إلى السماء ثم رددته بغير فكر فقال نعم كثيرا قالت فمن ههنا أتيت ثم قال منبها عن بعض آياته وهو الذي خلق الليل والنهار أي هذا في ظلامه وسكونه وهذا بضيائه وأنسه يطول هذا تارة ثم يقصر أخرى وعكسه الآخر والشمس والقمر هذه لها نور يخصها وفلك بذاته وزمان على حدة وحركة وسير خاص وهذا بنور آخر وفلك آخر وسير آخر وتقدير آخر وكل في فلك يسبحون أي يدورون
قال ابن عباس يدورون كما يدور المغزل في الفلكة
قال مجاهد فلا يدور المغزل إلا بالفلكة ولا الفلكة إلا بالمغزل كذلك النجوم والشمس والقمر لا يدورون إلا به ولا يدور إلا بهن
تفسير الطبري
حدثنا القاسم قال ثنا الحسين قال ثني حجاج عن بن جريج عن مجاهد والشمس والقمر حسبانا قال هو مثل قوله كل في فلك يسبحون ومثل قوله والشمس والقمر حسبانا وقال آخرون معنى ذلك وجعل الشمس والقمر ضياء ذكر من قال ذلك حدثنا بشر بن معاذ قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة والشمس والقمر حسبانا أي ضياء
تفسير الطبري
قوله وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون يقول تعالى ذكره والله الذي خلق لكم أيها الناس الليل والنهار نعمة منه عليكم وحجة ودلالة على عظيم سلطانه وأن الألوهة له دون كل ما سواه فهما يختلفان عليكم لصلاح معايشكم وأمور دنياكم وآخرتكم وخلق الشمس والقمر أيضا كل في فلك يسبحون يقول كل ذلك في فلك يسبحون واختلف أهل التأويل في معنى الفلك الذي ذكره الله في هذه الآية فقال بعضهم هو كهيئة حديدة الرحى ذكر من قال ذلك حدثني محمد بن عمرو قال ثنا أبو عاصم قال ثنا عيسى وحدثني الحرث قال ثنا الحسن قال ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله كل في فلك يسبحون قال فلك كهيئة حديدة الرحى حدثنا القاسم قال ثنا الحسين قال ثني حجاج قال قال ابن جريج كل في فلك قال فلك كهيئة حديدة الرحى حدثنا ابن حميد قال ثني جرير عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس كل في فلك يسبحون قال فلك السماء وقال آخرون بل الفلك الذي ذكره الله في هذا الموضع سرعة جري الشمس والقمر والنجوم وغيرها
وقوله وكل في فلك يسبحون يقول وكل ما ذكرنا من الشمس والقمر والليل والنهار في فلك يجرون :97:
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ذكر من قال ذلك حدثنا محمد بن المثنى قال ثنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله العجلي قال ثنا شعبة عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وكل في فلك يسبحون قال في فلك كفلك المغزل
حدثنا ابن المثنى قال ثنا عبد الصمد قال ثنا شعبة قال ثنا الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مثله حدثني محمد بن عمرو قال ثنا أبو عاصم قال ثنا عيسى وحدثني الحارث قال ثنا الحسن قال ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال مجرى كل واحد منهما يعني الليل والنهار في فلك يسبحون يجرون :97:
حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة وكل في فلك يسبحون أي في فلك السماء يسبحون
حدثني علي قال ثنا أبو صالح قال ثني معاوية عن علي عن ابن عباس قوله وكل في فلك يسبحون دورانا يقول دورانا يسبحون يقول يجرون حدثني محمد بن سعد قال ثني أبي قال ثني عمي قال ثني أبي عن أبيه عن ابن عباس قوله وكل في فلك يسبحون يعني كل في فلك في السموات
تفسير الطبري
يقول تعالى ذكره ومن حجج الله تعالى على خلقه ودلالته على وحدانيته وعظيم سلطانه اختلاف الليل والنهار ومعاقبة كل واحد منهما صاحبه والشمس والقمر لا الشمس تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون لا تسجدوا أيها الناس للشمس ولا للقمر فإنهما وإن جريا في الفلك بمنافعكم فإنما يجريان به لكم بإجراء الله إياهما لكم طائعين له في جريهما ومسيرهما لا بأنهما يقدران بأنفسهما على سير وجري دون إجراء الله إياهما وتسييرهما أو يستطيعان لكم نفعا أو ضر
الدر المنثور
وأخرج أبو الشيخ في العظمة بسند واه عن ابن عباس قال خلق الله بحرا دون السماء بمقدار ثلاث فراسخ فهو موج مكفوف قائم في الهواء بأمر الله لا يقطر منه قطرة جار في سرعة السهم تجري فيه الشمس والقمر والنجوم فذلك قوله كل في فلك يسبحون الأنبياء الآية 33 والفلك دوران العجلة في لجة غمر ذلك البحر فإذا أحب الله أن يحدث الكسوف خرت الشمس عن العجلة فتقع في غمر ذلك البحر فإذا أراد أن يعظم الآية وقعت كلها فلا يبقى على العجلة منها شيء وإذا أراد دون ذلك وقع النصف منها أو الثلث أو الثلثان في الماء ويبقى سائر ذلك على العجلة وصارت الملائكة الموكلين بها فرقتين فرقة يقبلون على الشمس فيجرونها نحو العجلة وفرقة يقبلون إلى العجلة فيجرونها إلى الشمس فإذا غربت رفع بها إلى السماء السابعة في سرعة طيران الملائكة وتحبس تحت العرش فتستأذن من أين تؤمر بالطلوع ثم ينطلق بها ما بين السماء السابعة وبين أسفل درجات الجنان في سرعة طيران الملائكة فتنحدر حيال المشرق من سماء إلى سماء
الدر المنثور
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله كل في فلك قال دوران يسبحون قال يجرون
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله كل في فلك قال فلكة كفلكة المغزل يسبحون قال يدورون في أبواب السماء ما تدور الفلكة في المغزل
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله كل في فلك قال هو فلك السماء
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن حسان بن عطية قال الشمس والقمر والنجوم مسخرة في فلك بين السماء والأرض
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله كل في فلك قال الفلك الذي بين السماء والأرض من مجاري النجوم والشمس والقمر وفي قوله يسبحون قال يجرون
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن الكلبي رضي الله عنه قال كل شيء يدور فهو فلك
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله كل في فلك يسبحون
النجوم والشمس والقمر قال كفلكة المغزل قال هو مثل حسبان قال فلا يدور الغزل إلا بالفلكة ولا تدور الفلكة إلا بالمغزل ولا يدور الرحى إلا بالحسبان ولا يدور الحسبان إلا بالرحى كذلك النجوم والشمس والقمر لا يدرن إلا به ولا يدور إلا بهن
تفسير الواحدي
كل في فلك يسبحون يجرون ويسيرون والفلك مدار النجوم 34
تفسير البغوي
وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون يجرون ويسيرون بسرعة كالسابح في الماء وإنما قال يسبحون ولم يقل تسبح على ما يقال لما لا يعقل لأنه ذكر عنها فعل العقلاء من الجري والسبح فذكر على ما يعقل والفلك مدار النجوم الذي يضمها والفلك في كلام العرب كل شيء مستدير وجمعه أفلاك ومنه فلكة المغزل وقال الحسن الفلك طاحونة كهيئة فلكة المغزل يريد أن الذي يجري فيه النجوم مستدير كاستدارة الطاحونة قال الضحاك فلكها مجراها
تفسير البغوي
وسرعة سيرها قال مجاهد كهيئة حديد الرحى
وقال بعضهم الفلك السماء الذي فيه ذلك الكوكب فكل كوكب يجري في السماء الذي قدر فيه وهو معنى قول قتادة
وقال الكلبي الفلك استدارة السماء
وقال آخرون الفلك موج مكفوف دون السماء تجري فيه الشمس والقمر والنجوم
فتح القدير
4 وقال قتادة والحسن هي النجوم تسبح في أفلاكها كما في قوله وكل في فلك يسبحون
وقال عطاء هي السفن تسبح في الماء
زاد المسير
والثاني أنه لما خلق الأرض أرسل عليها نارا فارتفع منها دخان فسما قوله تعالى فقال لها وللأرض قال ابن عباس قال للسماء أظهري شمسك وقمرك ونجومك وقال للأرض شققي أنهارك وأخرجي ثمارك طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين قال الزجاج هو منصوب على الحال وإنما لم يقل طائعات لأنهن جرين مجرى ما يعقل ويميز كما قال في النجوم وكل في فلك يسبحون يس 40
زاد المسير
قوله تعالى والسابحات سبحا فيه ستة أقوال أحدها أنها الملائكة تسبح بأرواح المؤمنين قاله علي رضي الله عنه قال ابن السائب يقبضون أرواح المؤمنين كالذي يسبح في الماء فأحيانا ينغمس وأحيانا يرتفع يسلونها سلا رفيقا ثم يدعونها حتى تستريح والثاني أنهم الملائكة ينزلون من السماء مسرعين كما يقال للفرس الجواد سابح إذا أسرع في جريه قاله مجاهد وأبو صالح والفراء
والثالث أنه الموت يسبح في نفوس بني آدم روي عن مجاهد أيضا
والرابع أنها السفن تسبح في الماء قاله عطاء
والخامس أنها النجوم والشمس والقمر كل في فلك يسبحون قاله قتادة وأبو عبيدة والسادس أنها الخيل حكاه الماوردي
ثانيا: التفاسير التي توضح تطور فكر الحضارة الإسلامية لعلاقة الأرض و الشمس و السماء و الأفلاك
وقال القفال : قال بعض العلماء : ليس المراد أنه انتهى إلى الشمس مغربا ومشرقا حتى وصل إلى جرمها ومسَّها ، لأنها تدور مع السماء حول الأرض
تعليق: واضح من كلام القفال أن الرأي الغالب هو الرأي الأول : بأن الشمس تغطس في الأرض ولكن ظهر العلماء الجدد في عصره ممن إطلعوا على علوم اليونانيين و أدركوا أن الشمس أكبر من الأرض ولكنه لم يتكلم عن كروية الأرض كما أن تخيله لدوران الشمس و السماء ( التي كانوا يعتبرون أن لها كيان مادي ) حول الأرض واضح.
فتح القدير:
حتى إذا بلغ مغرب الشمس أي نهاية الأرض من جهة المغرب لأن من وراء هذه النهاية البحر المحيط وهو لا يمكن المضي فيه وجدها تغرب فى عين حمئة قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي حامية أى حارة وقرأ الباقون حمئة أى كثيرة الحمأة وهى الطينة السوداء تقول حمئت البئر حمأ بالتسكين إذا نزعت حمأتها وحمأت البئر حمأتها بالتحريك كثرت حمأتها ويجوز أن تكون حامية من الحمأة فخففت الهمزة وقلبت ياء وقد يجمع بين القراءتين فيقال كانت حارة وذات حمأة قيل ولعل ذا القرنين لما بلغ ساحل البحر المحيط رآها كذلك فى نظره ولا يبعد أن يقال لا مانع من أن يمكنه الله من عبور البحر المحيط حتى يصل إلى تلك العين التى تغرب فيها الشمس وما المانع من هذا بعد أن حكى الله عنه أنه بلغ مغرب الشمس ومكن له فى الأرض والبحر من جملتها
ومجرد الاستبعاد لا يوجب حمل القرآن على خلاف ظاهره
تعليق: لا تزال هنالك مقاومة لفكرة أن الشمس تغطس في الأرض لمعارضتها نص القرآن و لكن المعارضة تضعف مع إزدياد إتصالهم بتراث الحضارة اليونانية.
تفسير القرطبي
دخل رجل من أصحاب ابن مسعود إلى كعب الأحبار يتعلم منه العلم فلما رجع قاله له ابن مسعود مالذي أصبت من كعب قال سمعت كعبا يقول إن السماء تدور على قطب مثل قطب الرحى في عمود على منكب ملك فقال له عبدالله وددت أنك انقلبت براحلتك ورحلها كذب كعب ما ترك يهوديته إن الله تعالى يقول إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا إن السماوات لا تدور ولو كانت تدور لكانت قد زالت وعن ابن عباس نحوه وأنه قال لرجل مقبل من الشام من لقيت به قال كعبا قال وما سمعته يقول قال سمعته يقول إن السماوات على منكب ملك قال كذب كعب أما ترك يهوديته بعد إن الله تعالى يقول إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا والسماوات سبع والأرضون سبع ولكن لما ذكرهما أجراهما مجرى شيئين فعادت الكناية إليهما وهو كقوله تعالى أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما ثم ختم الآية بقوله إنه كان حليما غفورا لأن المعنى فيما ذكره بعض أهل التأويل أن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا من كفر الكافرين وقولهم اتخذ الله ولدا
قال الكلبي لما قالت اليهود عزيز ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله كادت السماوات والأرض أن تزولا عن أمكنتهما فمنعهما الله
تعليق:من الواضح هنا أنه كان هنالك ميلا للتخلص من التفسيرات الغيبية و محاولة وضع قانون عام أو نظرة عامة غير معتمدة على التفسيرات الغيبية ولكن نري هنا مهاجمة هذا الإتجاه.
روح المعاني
في تفسير قوله تعالى إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا نعم الأظهر هو الإعراب الأول والمراد بإمساكها عن الوقوع على الأرض حفظ تماسكها بقدرته تعالى بعد أن خلقها متماسكة آنا فآنا وعدم تعلق إرادته سبحانه بوقوعها قطعا قطعا وقيل إمساكه تعالى إياها عن ذلك بجعلها محيطة لا ثقيلة ولا خفيفة وهذا مبني على اتحاد السماء والفلك وعلى قول الفلاسفة المشهورأن الفلك لا ثقيل ولا خفيف وبنوا ذلك على زعمهم استحالة قبوله الحركة المستقيمة وفرعوا عليه أنه لا حار ولا بارد ولا رطب ولا يابس واستدلوا على استحالة قبوله الحركة المستقيمة بما أبطله المتكلمون في كتبهم والمعروف من مذهب سلف المسلمين أن السماء غير الفلك وأن لها أطيطا
لقوله عليه الصلاة والسلام أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع قدم إلا وفيه ملك قائم أو ساجد وأنها ثقيلة محفوظة عن الوقوع بمحض إرادته سبحانه وقدرته التي لا يتعاصاها شيء لا لاستمساكها بذاتها
نعليق: من جديد نرى الصراع بين المنطق و بين تراث السلف و كيف كان يعتقد العرب القدماء أن للفلك كيان مادي مختلف عن الكيان المادي للسماء.
وقال الامام ابو الحسين أحمد بن جعفر بن المنادي ( المتوفي في 334هـ)
لا خلاف بين العلماء ان السماء على مثال الكرة وانها تدور بجميع ما فيها من الكواكب كدورة الكرة على قطبين ثابتين غير متحركين احدهما فى ناحية الشمال والآخر فى ناحية الجنوب قال ويدل على ذلك ان الكواكب جميعها تدور من المشرق تقع قليلا على ترتيب واحد فى حركاتها ومقادير أجزائها الى ان تتوسط السماء ثم تنحدرعلى ذلك الترتيب كأنها ثابتة فى كرة تديرها جميعها دورا واحدا قال وكذلك أجمعوا على ان الارض بجميع حركاتها من البر والبحر مثل الكرة قال ويدل عليه ان الشمس والقمر والكواكب لا يوجد طلوعها وغروبها على جميع من في نواحي الارض فى وقت واحد بل على المشرق قبل المغرب قال
فكرة الارض مثبتة فى وسط كرة السماء كالنقطة فى الدائرة يدل على ذلك ان جرم كل كوكب يرى فى جميع نواحى السماء على قدر واحد فيدل ذلك على بعد ما بين السماء والارض من جميع الجهات بقدر واحد فاضطرار ان تكون الارض وسط السماء وقد يظن بعض الناس أن ما جاءت به الآثار النبوية من ان العرش سقف الجنة وان الله على عرشه مع ما دلت عليه من ان الافلاك مستديرة متناقض او مقتض ان يكون الله تحت بعض خلقه كما احتج بعض الجهمية على انكار ان يكون الله فوق العرش باستدارة الافلاك وان ذلك مستلزم كون الرب اسفل وهذا من غلطهم فى تصور الامر ومن علم ان الافلاك مستديرة وان المحيط الذى هو السقف هو اعلى عليين وان المركز الذي هو باطن ذلك وجوفه وهو قعر الارض هو سجين واسفل سافلين علم من مقابلة الله بين اعلى عليين وبين سجين مع ان المقابلة انما تكون فى الظاهر بين العلو والسفل او بين السعة والضيق وذلك لان العلو مستلزم للسعة والضيق مستلزم للسفول وعلم ان السماء فوق الارض مطلقا لا يتصور ان تكون تحتها قط وان كانت مستديرة محيطة وكذلك كلما علا كان ارفع واشمل وعلم ان الجهة قسمان قسم ذاتى وهو العلو والسفول فقط وقسم اضافى وهو ما ينسب الى الحيوان بحسب حركته فما امامه يقال له امام وما خلفه يقال له خلف وما عن يمينه يقال له اليمين وما عن يسرته يقال له اليسار وما فوق رأسه يقال له فوق وما تحت قدميه يقال له تحت وذلك امر اضافي ارأيت لو ان رجلا علق رجليه الى السماء ورأسه
الى الارض اليست السماء فوقه وان قابلها برجليه وكذلك النملة او
غيرها لو مشى تحت السقف مقابلا له برجليه وظهره الى الارض لكان العلو محاذيا لرجليه وان كان فوقه واسفل سفالين ينتهى الى جوف الارض والكواكب التى فى السماء وان كان بعضها محاذيا لرؤوسنا وبعضها فى النصف الآخر من الفلك فليس شىء منها تحت شىء بل كلها فوقنا في السماء ولما كان الانسان اذا تصور هذا يسبق الى وهمه السفل الاضافى كما احتج به الجهمى الذى انكر علو الله على عرشه وخيل على من لا يدرى أن من قال ان الله فوق العرش فقد جعله تحت نصف المخلوقات او جعله فلكا آخر تعالى الله عما يقول الجاهل فمن ظن أنه لازم لاهل الاسلام من الامور التى لا تليق بالله ولا هي لازمة بل هذا يصدقه الحديث الذي رواه أحمد فى مسنده من حديث الحسن عن ابي هريرة ورواه الترمذى فى حديث الادلاءفان الحديث يدل على ان الله فوق العرش ويدل على احاطة العرش وكونه سقف المخلوقات ومن تأوله على قوله هبط على علم الله كما فعل الترمذى لم يدر كيف الامر ولكن لما كان من اهل السنة وعلم ان الله فوق العرش ولم يعرف صورة المخلوقات وخشى ان يتأوله الجهمي انه مختلط بالخلق قال هكذا والا فقول رسول الله صلى الله عليه وسلم كله حق يصدق بعضه بعضا وما علم بالمعقول من العلوم الصحيحة يصدق ما جاء به الرسول ويشهد له فنقول اذا تبين انا نعرف ما قد عرف من استدارة
الافلاك علم ان المنكر له مخالف لجميع الأدلة لكن المتوقف فى لك
قبل البيان فعل الواجب وكذلك من لم يزل يستفيد ذلك من جهة لا يثق بها فان النبى صلى الله عليه وسلم قال اذا حدثكم اهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم وان كون بعض الحركات العالية سبب لبعض الحوادث مما لا ينكر بل اما يقبل او لا يرد فالقول بالاحكام النجومية باطل عقلا محرم شرعا
تعليق: السيد بن المنادي يتوصل إلى
1- أن الأرض كروية
2- أن السماء تحيط بها من كل جانب.
نلاحظ بوضوح كيف أنه مضطر أن يوافق بين الحديث النبوي و العلم وكيف أن الحديث النبوي كان حجر عثرة في سبيله .
وهو كما ترون تطور ممتاز في تخيل الكون ، وواضح فيه تماما الإختلاط و التأثر بالفكر اليوناني في عصر الترجمة و ما بعده.
و قبل أن أُنهي هذه المقالة أدعوكم للمقارنة بين مقالة أبو الحسين بن المنادي و بين مقالة بن باز ،
و أود أن أشير ثانية أن رغم أن بن المنادي متوفي عام( 1050 م ) و أن بن باز متوفي عام (1982)
ورغم أن بن باز هو إنسان متميز و نابه بلا جدال ،
فإن ما توصل له بن المنادي كان يتفوق على بن باز وذلك دلالة على الجو الثقافي الرائع الذي كان موجودا في الدولة العباسية في ذلك الوقت (...).
وإليكم مقالة بن باز
نشرت الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالرياض في عام 1402 هـ/1982م كتاباً من تأليف الشيخ بن باز يقول فيه : (أجمعت آراء السلف من أمثال شيخ الإسلام ابن تيمية وابن كثير وابن القيم الذين أجمعوا على ثبوت الأرض ).من هنا: إنَّ القول بأن الشمس ثابتة وأن الأرض دائرة هو قولٌ شنيعٌ ومنكر ،
ومن قال بدوران الأرض وعدم جريان الشمس فقد كفر وضل ، ويجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل كافراً مرتداً ، ويكون ماله فيئاً لبيت مال المسلمين"
وأضاف ابن باز بأنه كان من جملة الناس الذين شاهدوا بعيونهم وأبصارهم سير الشمس وجريانها في مطالعها ومغاربها قبل أن يذهب نور عينيه وهو دون العشرين ، وأكد أن الشمس سقفها ليس كروياً كما يزعم كثير من علماء الهيئة الضالين ، وإنما هي قبة ذات قوائم تحملها الملائكة وهي فوق العالم مما يلي رؤوس الناس، و أنه لو كانت الشمس ثابتة لما كان هناك فصول أربعة ولكان الزمان في كل بلد واحد لا يختلف.
وقد نصَّ في كتابه على (أن كثيراً من مدرسي علوم الفلك ذهبوا إلى القول بثبوت الشمس ودوران الأرض وهذا كفرٌ وضلال وتكذيبٌ للكتاب والسنة وأقوال السلف ،وقد اجتمع في هذا الأمر العظيم النقل والفطرة وشاهد العيان فكيف لا يكون مثل هذا كافراً)، وقد حجَّهم ! بقوله (لو أن الأرض تتحرك لكان يجب أن يبقى الإنسان على مكانه لا يمكنه الوصول إلى حيث يريد ، لذلك فالقول بهذه المعلومات الطبيعية وتدريسها للتلاميذ على أنها حقائق ثابتة يؤدي إلى أن يتذرع بها أولئك التلاميذ على الإلحاد حتى أصبح كثير من المسلمين يعتقدون أن مثل هذا الأمر من المسلمات العلمية).وكذلك استدل بأنَّه (لو كانت الأرض تدور كما يزعمون لكانت البلدان والأشجار والأنهار لا قرار لها ، ولشاهد الناس البلدان المغربية في المشرق والبلدان المشرقية في المغرب ، ولتغيرت القبلة على الناس لأن دوران الأرض يقتضي تغيير الجهات بالنسبة للبلدان والقارات هذا إلى أنه لو كانت الأرض تدور فعلاً لأحسَّ الن اس بحركة كما يحسون بحركة الباخرة والطائرة وغيرها من المركوبات الضخمة ).ووصف المسلمين الذين يؤمنون بكروية الأرض بأنهم يتبعون كلَّ ناعق يريد أن يفسد عقيدة المسلمين بأنهم بعيدون عن استعمال عقولهم وأنهم أعطوا قيادهم لغيرهم فأصبحوا كبيهمة الأنعام العجماء بعد أن فقدوا ميزة العقل.
وقد خلص ابن باز إلى أن (القائل بدوران الأرض ضال قد كفر وأضل كذَّب القرآن والسنة ، وأنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل كافراً مرتداً ويكون ماله فيئاً لبيت مال المسلمين) .
اليكم مقاطع مما ذكره ابن باز في كتابه المسمى ي ( الأدلة النقلية و الحسية على جريان الشمس و سكون الأرض و إمكان الصعود إلى الكواكب ) من مطبوعات الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة سنة 1395 هجرية :
قال ابن باز في كتابه المذكور في الصفحات التالية : (ص23) و كما أن هذا القول الباطل - يقصد ثبوت الشمس ودوران الأرض- مخالف للنصوص فهو مخالف للمشاهد المحسوس و مكابرة للمعقول والواقع لم يزل الناس بسلميهم وكافرهم يشاهدون الشمس جارية طالعة و غاربة ويشاهدون الأرض قارة ثابتة و يشاهدون كل بلد و كل جبل في جهته لم يتغير من ذلك شيء ، ولو كانت الشمس تدور كما يزعمون لكانت البلدان والجبال و الأشجار و الأنهار والبحار لا قرار لها و لشاهد الناس البلدان المغربية في المشرق والمشرقية في المغرب ولتغيرت القبلة على الناس حتى لا يقرّ لها قرار و بالجملة فهذا القول فاسد من وجوه كثيرة يطول تعدادها .
أبيقور
متابعة إشرافية
مراقب 1
Bookmarks