كتاب - عبقرية الحضارة الإسلامية -

ماجعلني أكتب هذاالبحث أن الكاتب البريطاني (فيدهارد نيبول) الذي مؤخرا جائزة نوبل في الآداب علي رواياته التي هاجم فيها الإسلام وأدعي أنه يجلب التخلف وأنه فصل كل الشعوب الغير عربية عن جذورها الحضارية والثقافية وقال: إن الإسلام وضع حضارة الهند القديمة في منطقة مظلمة .

و بعد الكارثة الأمريكية الكبري في سبتمبر نجد أن الإرهاصات الإعلامية قد تدافعت وتلاحقت للنيل من الإسلام ووصمه بالتخلف. لكن هذه الكارثة كانت إحياء للإسلام وتكالبت شعوب أهل الإرض للتعرف عليه . فقرأت عن تعاليمه وتعرفت علي حضارات شعوبه وطالعت عن قيمه الحضارية والإنسانية مما جعل الآلاف يؤمنون به. وهذه الصحوة الإسلامية جعلت المستضعفين والمغلوبين علي أمرهم والضالين والتائهين يجدون في الإسلام ضالتهم المنشودة بين ركام عالم قوضته أحداث سبتمبر وسقوط الشيوعية العقد الماضي .فآمن الآلاف منهم علانية وأعلنوا إسلامهم طواعية وعن يقين بعظمة هذا الدين . فاكتشفوا فيما إكتشفوه أن الإسلام يدعو إلي الحق والعدل والمساواة والإخوة الإسلامية بنظرة إيمانية ثابتة . ولايقر الظلم أو القهر ويدعو لنصرة الضعفاء ونجدة المحتاجين وغوث الملهوفين . لأن كلمة الإسلام أن يسلم المرء أمره لله سبحانه وأنه يضفي السلام علي البشر جميعا , فلا إكراه في دينه . فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. ففيه أن كل نفس بما كسبت رهين .

والإسلام نجده ينتشر تلقائيا بدون صخب إعلامي وكلما إستضعف أهله كلما إنتشر . فلقد غزا التتاراللادينيون بغداد وحطموا صروح الحضارة بها وأسقطوا الخلافة العباسية وأقاموا المذابح للمسلمين في كل المشرقين الإسلامي والعربي . ورغم الهوان الذي كان فيه المسلمون وقتها . عاد التتار لبلادهم مسلمين وأقاموا أكبر حضارة في تاريخ الهند وهي الحضارة المغولية الإسلامية في ظلال إمبراطورياتهم التي إمتدت في فارس وأفغانستان وبنجالاديش وباكستان وكانت دلهي العاصمة . وظلت هذه الإمبراطورية قائمة لعدة قرون وآثارها ثبت لم يمح هناك حتي الآن. وقامت حضارات الغزنويين وحضارات ما وراء النهرين. وهذه حضارات أقامت مدن بخاري وسمرقند وغيرها من مدن الهند وكشمير وباكستان وأفغانستان و بلدان آسيا الوسطي حيث ظهرت إمبراطورية تيمور لنك وعاصمتها سمرقند وكانت هذه الإمبراطورية قد حكمت موسكو التي كانت تدفع لها الجزية . وكانت الخلافة الإسلامية العثمانية وعاصمتها الآستانة (إستانبول ) في أوجها ولاسيما في القرنين الخامس والسادس عشر وكانت تضم مصر والشام وإيران والعراق والحجاز وتونس وليبيا والجزائر. وفي شرق أوربا كانت تضم رومانيا واليونان والصرب ومقدونيا وألبانيا والبوسنة والهرسك والمجر وبلغاريا حتي بلغت فيينا بالنمسا .وكانت القوة الأعظم بلا منازع في العالم وقتها .

وقامت الخلافة الأموية الثانية بالأندلس لتضم جنوب غربي أوربا وفيها بلغت وسط فرنسا وكانت تضم جنوب إيطاليا وجزر صقلية وسردينيا وكورسيكا حتي بلغت القوات البرية والبحرية روما عام 809 م . وكان البحر الأبيض بحيرة إسلامية بما فيها كريت ومالطة ورودس وكورسيكا وجزر البليارد وصقاية وسردينيا وجزر بحر إيجه ولم يبق سوي طرفا الهلال عند القسطنطينية والطرف الآخر عند روما ومابينهما كان يخضع للحكم الإسلامي العادل.

والإسلام في كل البلدان التي دالت له وفي كل الشعوب التي دانت به قد أقام حضاراته التي ظلت توابعها تتري علي العالمين بأصالتها وقيمها . ومازالت بصماتها تتري لنا بما لايدعو للتشكيك في عظمتها . لأنها أوابد راسخة في وجدان وثبت التاريخ الإنساني كحضارة متفردة فاقت كل الحضارات . لأنها قامت علي أسس إسلامية لاجدال فيها أو حولها . لأنها أم الحضارات وباعثة نهضة وحاملة مشاعل الفكر والتنوير لهذه الشعوب التي عانت من الفقر والجهل والظلم والعبودية . فكان الإسلام هاديا ومبشرا ومنقذا للعالمين من وهدات التخلف الذي ران فوق العالم قبل ظهور الإسلام.

في الجاهلية

==أمة كبيرة ==

وعد الله نبيه إبراهيم الخليل بأن إبنه إسماعيل الإبن البكر لأمه هاجر سيكون من أعقابه أمة كبيرة في أرض مكة التي هاجرإليها معه ومع أمه هاجر.ولقد إستجاب الله لإبراهيم عندما دعا ربه قائلا ( لقد أسكنت من ذريتي بأرض غير ذي زرع عند بيتك المحرم ……) . وما نعرفه نصا قرآنيا أن الذبيح كان إسماعيل إبنه الأكبر وقد فداه الله بذبح عظيم . لكن اليهود والنصاري حرفوا هذا الحدث واعتبروا أن الذبيح كان إسحق وليس إسماعيل . . لكن الهدي ( الفدي) كان شائعا بمكة وبقية العرب في الجاهلية منذ إسماعيل عندما توارثوه كسنة عنه بعدما فداه ربه بهدي عظيم . فكيف اليهود والنصاري في الهدي والفداء لإسماعيل ينكرون . فإسماعيل الإبن البكر وكان وقتها صبيا يعي ما قاله إبوه في رؤياه بأنه يذبحه . وكان رده : يا أبت إفعل ماتؤمر .). وهذه التضحية لاتأتي من طفل رضيع لايعي من أمره شيئا . لكنه كان علي بينة من أمره ومن أمر الله سبحانه لأبيه . فكان يعي أن هذا الأمر متبع فعليه ألا يكابر فيه أو ينكص عنه مرضاة لله أولا ولأبيه ثانية . وما يؤكد وقوع هذا الحدث العظيم أن العرب إعتادوا في جاهليتم المجيء للكعبة لإحياء هذه السنة خشية وتقربا لله . ولما وثنوا ظلوا علي عادتهم في ذبح القرابين للأصنام تحت أرجلها ويأكلون منها ويطعمون .
وأصل العرب هم بنو إسماعيل بن الخليل الذي عاشوا حول مكة وبأجزاء من شمال الجزيرة العربية وفلسطين ومكة والحجاز .
والقحطانيون كانو قد عاشوا باليمن حيث أقاموا مملكة سبأ ودولة حمير.
وكان الإسماعيليون رعاة وأهل تجارة وكانوا يسعون وراء الماء والكلأ. وظهر من بينهم الهكسوس الرعاة الذين نزحوا من شمال الجزيرة العربية وإستولوا علي الدلتا بشمال مصر عام2000ق.م. وقد تفرع منهم بنو كنعان (العمالقة ) والعمونيون وأهل مدين بسيناء أصهار سيدنا موسي والأدميون . وكان وقتها يطلق علي الحجاز وفلسطين أرض كنعان . وكان الكنعانيون قد منعوا العبرانيين أتباع موسي من دخول أرضهم إبان خروج موسي معهم عندما كان فرعون يطاردهم . فظل معهم في أرض الشتات بسيناء ولم يدخل موسي فلسطين أرض الكنعانيين .
وكانت اللغة السائدة في هذه البقعة اللغة الكنعانية وهي لغة العرب والعبرية والفينيقية والسريانية والكلدانية وكلها تنبع من أصل واحد وهو اللغة السامية. وهذه اللغات كانت سائدة بين هذه القبائل .
وفي اليمن نزح عرب اليمن القحطانيين عام 195 م إلي ضفاف نهلر الفرات وأقاموا دولتهم وعاصمتها مدينة الحيرة قرب الكوفة حاليا. وكان ملوكها يقلدون إمبراطوريتي الفرس والروم في عظمتيهما وأبهة الملك . وظلت هذه المملكة قائمة لأكثر من أربعة قرون حتي غزاها الفرس الساسانيين وضموها لهم وظلت تحت حكمهم منذ عام 605م حتي فتحها العرب بعد ظهور الإسلام .
وكانت طبوغرافية الجزيرة العربية قد شكلت منعة من أي غزو خارجي .لهذا لم يستطع الفرس غزوها إى بعض المناوشات الإغاراتية التي لاتشكل خطرا علي كلا الطرفين .
وكانت قبائل الحيرة تفصل الجزيرة عن بلاد فارس ولم تشكل خطرا عليها ولاسيما وأن القيائل الغربية علي تخوم العراق كان ولاؤها للفرس .
وكانت التجارة تسلك من العراق للشام .
وكان في شمال الجزيرة توجد مملكة الغساسنة بجنوب الشام وفلسطين وكان ولاؤها للروم . وكانت تؤمن طرق القوافل التي تعبر ديارهم سواء القوافل اليمنية أو التي تعبر بيثرب.
لكن بلاد العراق وفارس والشام ومصر وليبيا وبقية شمال أفريقيا كانت القوافل تغدو يها وتروح خلال رحلات موسمية وهذه الرحلات كان يكتنفها المخاطرولاسيما وأنها تمر بأراض مضر أو حضر . وكنت القبائل الرعوية بالجزيرة ترحل بقطعانها وراء الماء والكلأ ليستقروا. ولم يكونوا يسكنون المدن أو القري التي يصلون . فكانوأ يضربون خيامهم حولها.
وهذه الرحلات كانت أشبه بالهجرات الموسمية. لهذا نجد أن القبائل البدوية في صحراء المغرب البري جبلت بنفس ما جبلت عليه القبائل المشرقية من أعراف قبلية
وكانت الجزيرة العربية مقسمة إلي ثلاثة أقاليم رئيسية وهي :
- بلاد الحجر العربية وتقع بشمال شرق الجزيرة وتقع بين فلسطين و شرق البحر الأحمر وكان يطلق عليها البتراء وهي تقع حاليا في الأردن.
- وكانت بلاد العرب السعيدة . ومن قلبها وشرقها تمتد الصحراء العربية الكبري وان يعيش في مفازاتها القبائل العربية . لهذا نجد هذه البلاد السعيدة تضم البادية الكبري بالشام علي حدود سوريا الجنوبية وحتي أعالي الفرات بالعراق شمالا وجنوبا حتي الخليج العربي .
- الأقليم الثالث يضم بقية شبه الجزبرة العربية حبث الحجاز وبلاد اليمن التي تقع علي البر الأحمر وباب المندب والمحيط الهندي . ويضم حضرموت وعمان وكلاهما يقع علي المحيط الهندي . في هذا الإقليم نجد أن بلاد الحجاز تضم المناطق الجبليةوالرملية الوعرة وساحل شرق البحر الأحمر إبتداء من جنوب العقبة حتي جدة كما تضم مكة والمدينة . وفي جنوب الحجاز تقع بلاد اليمن وهي أغني مناطق شبه الجزيرة العربية . ويمتد هذا الإقليم إلي سواحل حضرموت والأحساء وعمان علي المحيط الهندي من خليج عدن حتي مدخل الخليج العربي.
وفي وسط الجزيرة العربية تقع هضبة نجد الخصبة . وكان العرب سكان شبه الجزيرة العربية قبائل إنتشرت في العصر الجاهلي. وكانت كل قبيلة تتمتع بالحكم الذاتي والإستقلال التام . وكانت غيرموحدة في كيان سياسي أو وجودي جامع . لهذا جمع الإسلام هذه القبائل معا لتكوين أمة الإسلام .
وكانت مكة أرض المبعث المحمدي وكان دعوة الإسلام أن جعلت القبلية قد تهاوت واندمجت هذه القبائل في الإخوة الإسلامية حيث ذابت هذه القبائل في إطار ديني وهو الجماعة وكانت مكة أرضا بغير ذي زرع عند البيت المحرم .
ولم يكن للعرب في الجاهلية تاريخا سياسيا أو ثقافيا أو دينيا سوي عبادتهم للأصنام , وكانت قريش إبانها أهل تجارة قد أوسر سادتها من ورائها . فكانت عيرهم تنطلق صيفا للشام وفلسطين ومصر . وشتاء كانت هذه القوافل تتجه جنوبا لليمن . وكانت القوافل التجارية الكبري تتجه غادية رائحة . فكانت تمر بأطراف شبه الجزيرة العربية علي ثلاثة محاور رئيسية . فكان هناك طريق القوافل الجنوبي الشمالي حيث كانت تقطعها من جدة بالحجاز إلي الشام وسيناء ومصر . والطريق الثاني يقع في أطراف شرق الجزيرة العربية متجها من الخليج العربي جنوب العراق ليصل لبلاد الرافدين شمالا ليعرج منها للشام الي دمشق لتصل هذه القوافل لبلاد الشام وفلسطين . والطريق الثالث كان يقع بغرب الجزيرة العربية ويمر بحذاء ساحل البحر الأحمر . ويبدأ من اليمن عبر جدةفالمدبنة ليتجه شمالا للشام والبتراء بالأردن .
وهذه الرحلات الموسمية صيفا وشتاء ظل عليها العرب مبقيين لأن فيها رزق لهم ولاسيما وان أرضهم لم تكن خصبة فكانت هذه الرحلات الموسمية صيفا وشتاء تغنيهم عن الجوع وتسد أرماقهم . وكانوا يعتمدون علي المطر ليصيبوا منه نبت الكلأ فيرعون عليه إبلهم وقطعان أغنامهم . وكان بالجزيرة وديان متفرقة لاتشكل عائدا إقتصاديا يمكن أن يثريهم أو يكفيهم مئونتهم عند الحاجة . وكانت ثرواتهم لاتتعدي أعداد أغنامهم أوحجم إبلهم .لهذا كان لهم في تجاراتهم ثروات يحققونها . وكانت السيادة والمكانة تقيم بعدد عيرالشخص بالقافلة المتجهة شرقا أو غربا أو شمالا أو جنوبا . وكانت توجد أحلاف لحماية هذه القوافل أثناء مرورها بمضارب القبائل التي تمر عليها . وقد تغير عليها وتسبي نساءها وتنهب ماتحمله . لهذا ظهرت بين القباءل التي كانت تمر بها القوافل الحروب والمشاحنات وكانت الغلبة للأقوي.فقامت الحروب والثارات بين قبائل الجزيرة العربية الكبيرة . وكانت هذه الحروب مدعاة لفخرها أو معايرتها.فاحتدمت هذه الصراعات القبلية وجعلت القبائل في فرقة فيما بينها . وأوغلت فيها الثارات التي أودت بوحدتهم . وكانت هذه القبائل تعيش في وهم مفاخرها وأيامها . وكان الشعراء في كل قبيلة ينشدون مفاخر قبائلهم . وهذا ماجعلهم يحظون بالمكانة والرفعة ويخلقون الإنتصارات . وكانت أشعارهم يحفطها العرب ويرونها في منتدياتهم .
والعرب قبل الإسلام لم يكونوا يعرفون أصول الحكم أو الدستور شأنهم كشأن الروم والفرس وهما القوي الأعظم عند ظهور الإسلام . لأن العرب كانوا لايعرفون سوي أعرافهم وتقاليدهم التي ألفوا عليها . فلكل قبيلة لها شيخها المطاع والمهاب وكان يتبع أعرافا تسيره وتدبر أمر القبيلة . وكانت الأحلاف بين العرب إما لرد عدوان أو للمسالمة أو للحفاظ علي الجيرة .
فالعرب في جاهليتهم كانوا يعيشون في مضاربهم وأحيائهم. فلايشعرون بالأمن أو بل كانوا يعيشون في وهم وقائعهم وأيامهم . فزين شعراؤهم لهم البطولات التي خلطوها بأوهامهم . وهذه القبائل العربية في الجاهلية كانت تمارس السطو والسبي مما شغلها عن السلم المفتقد . مما جعلها قبائل شتى ولم تكن تتطلع إلي الوحدة السياسية. وكان يصعب تجميعها في نظام الدولة .
وكان لوجود البيت الحرام بمكة له قدسية أضفي علي هذه المدينة المقدسة هالات وحرمة . لهذا السبب كان القرشيون محافظين علي هذه المسحة القدسية والمكانة المرموقة لمدينتهم . فكانت تهوي إليهم القبائل في حجهم الجاهلي . فكانوا يطوفون حول إصنامهم . وكانت مكة تشهد موسم حجيجهم . وكان القرشيون وسادتهم يكرمون وفادتهم. وكان هذا فيهم شرفا لايدانيه شرف وقد أصيحت الكعبة فيهم .وكان في موسم الحج يعقدون أسواقهم ومنتدياتهم ويلقي فيها الشعراء يأشعاره التي علقوها فوق ستر الكعبة . وهذه المعلقات كتبوها بماء الذهب. وهي تعتبر وعاء للشعر الجاهلي ينشدها القبائل وتحفظها.وهذه الأشعار تعتبر ثبتا ورثوه وورثوه وهذا كل ماخلفوه من بعدهم من فكر جاهلي . لهذا لما هدمت مكة السيول كان أهلها حريصين علي إعادة بناء البيت وكان شرفا متميزا لا يدانيه شرف . وهو أي القبائل تضع الحجر الأسود في مكانه بجدار الكعبة التي كانت مشرفة بينهم ومعظمة عندهم . فأختلفوا فيما اختلفوا فيه حول من ينال هذا الشرف . وقد كادت أن تقوم فتنة لايعرف لها أوار . وظلوا علي جدلهم حتي دخل عليهم الرسول :salla2: وهم متنازعون . فاحتكم سراتهم إليه . ففرد ثوبه ووضع فوقه الحجر الأسود وطلب منهم مجتمعين لحمله . ولما دنا إلي مكانه حمله ووضعه فيه . وارتضوا هذا الحكم ولم يعارضوه لما كان له :salla2: فيهم من مكانة . فأقروه وقبلوه .لأن الرسول :salla2: كان فيهم أرجح عقلا وأكثرهم منطقا وصدقا . فلم ينشقوا عن حكمه ولم يعارضه فيه معارض . فمحمد :salla2: لم يكن فيهم أيسرهم مالا أو أكثرهم نفوذا ولكنه كان أكثرهم محتدا وأشرفهم نسبا . من هنا نجد أن محمدا :salla2: قد ظهرت عليه مظاهر القيادة وقوة الإقناع وهذه سمات النبوة والزعامة . فقد ولد بينهم يتيما فآواه ربه . ووجدوه عائلا فأغناه ربه . وكان عليه السعي وراء رزقه شأنه كأهل مكة الذين كانوا تجارا . فاشتهر بينهم بالأمانة والصدق ورجاحة العقل وقوة الشخصية . مما أهله لأن يكون فيهم شخصا متميزا بينهم . وهذا ماجعل السيدة خديجة وهي من أغنياء قريش تلقي إليه بأموالها ليتاجر لها فيها . وكانت علي يقين أنها أودعتها لدي الصادق الأمين . فأصاب من تجارتها الربح الوفير وكان خير التاجر الأمين .


عصر نزول القرآن

القرآن هو كتاب العربية الأول والأكبر لأنه دستور واساس وجود الأمة الإسلامية سياسيا وإجتماعيا ولغويا في كل زمان ومكان .
دعا الناس لطاعة الله والخضوع لسلطانه والتفكير في آلائه. وقرر حقوقهم المقدرة فأخذوا بأوامره وحدد واجباتهم المقررة فاجتنبوا نواهيه . ولقد جعل البشر سواسية مهما إختلفت أروماتهم ومشاربهم بلا تفرقة عنصرية أو لغوية أو إجتماعية. وسمي الله القرآن بالذكرالحكيم متوعدا المعرضين عنه او النافرين منه . لأن أفضل عبادة هي قراءة القرآن وتلاوته . وكان القرآن قد نزل علي الرسول بسبعة أحرف (لهجات قريش) ليسهل للقبائل فهمه واستيعابه . وفي سنة 25 هجرية أيام خلافة عثمان وجد أن بعد الفتوحات الإسلامية قد تنازع أهل الشام وأهل العراق بالمدائن بالعراق حول قراءة آيات القرآن لأنه بعدة لهجات وحدث هذا في بعض الأمصار . فشكل لجنة من كتبة الوحي أيام الرسول لتجمع القرآن , وأمرها بنسخ نسخ منه موحدة ومدققة وحسب القراءات الثابتة والمتواترة عن الرسول بعد تثبيت رسم حروف وكلمات المصحف . وكتبت ست نسخ . وأرسل الخليفة عثمان نسخة لأهل البصرة والكوفة والشام والمدية ومكة وأمسك عنده نسخة تخصه . وأطلق علي هذه المنسوخ مصحف عثمان أو المصحف الإمام. وهو المصحف الموحد والمعتمد . بعدها أمرعثمان بحرق كل النسخ السابقة عليه. ولم يبق سوي المصحف الإمام منذ عهده . وهي النسخة التي تطبع حاليا بالرسم العثماني في كل أنحاء العالم الإسلامي حاليا .
وحفظ ولو أجزاء من القرآن واجب علي كل مسلم . لأن تلاوة آيات من القرآن واجبة تلاوتها لأداء الصلاة . وكتابة المصحف حتي الآن تخضع للتدقيق كما تخضع لأصول علم رسم المصحف الذي يعني بهجاء الكلمات القرآنية حسب الرسم العثماني وتخضع لعلم ضبط القرآن لتشكيله أو مايعرف بمصطلحات الضبط كالفتح والضم والكسر والسكون والشد والمد لضبط نطق الكلمات مما جعل قراءة القرآن ليس بالسماع والمشافهة كما كانت من قبل . وكانت كتابة المصحف الإمام تخلو من التنقيط الفاء أو القاف أو النون أو الباء أو الياء ..إلخ . ويوجد علم الفواصل للتقيد بعدد آيات القرآن وعدد سوره وأوائل أجزائه الثلاثين وأحزابه الستين وأرباعه وأثمانه .كما أن قراءة القرآن تخضع لعلم التجويد لضمان سلامة النطق للكلمات والتعرف علي مخارج الحروف وأحكام النطق , وعلم القراءات والتفسير لبيان الوقف والعلامات والسجدات ومواضعها والسكتات الواجبة . وضبط القرآن له مصطلحاته كالصفر المستدير فوق حرف العلة وغيره . وأول هذه السور سورة الفاتحة و تتلي في كل صلاة . والسورة تنقسم لعدة آيات . وكل سورة تفتتح بآية (بسم الله الرحمن الرحيم ) ماعدا سورة( براءة ).
والقرآن الخط الأول للتصدي لأي فكر ديني محرف أو الفلسفات التي لاتنزه الله عن الشرك به أو الالحاد في وجوده أو لايتوافق مع الشريعة الإسلامية .
ففي العصر العباسي ترجمت فلسفات الإغريق والهنود والفرس والسريان للعربية ودار جدل حولها لكن الفلاسفة العرب وأهل الكلام أخضعوا هذا الفكر للمفهوم القرآني لها وطوعوها لنصوصه ولاسيما في الميتافيزيقيا(ماوراء الطبيعة ) والإلهيات فظهر علم الكلام الإسلامي كفلسفة إسلامية خالصة لايشوبها شائبة زيغ أو ضلال . لأن القرآن هو الكتاب المنزل من عند الله . جعل لهذه المسيرة الخالدة مصداقية لايماري فيها . كما أن تناول القرآن علوم الكونيات في آياته حيث ذكرها من خلال التعرض للثوابت الفلكية والعلمية و الكونية ومن خلال ذكره لنواميس الكون الثابتة والمؤكدة للتدليل علي الإعجاز العلمي للقرآن وعلي عظمة الخلق والخالق مما يؤكد علي أن القرآن إلهي و من عند الله . فالقرآن هو الكتاب المنزل الذي مازالت نصوصه لم تتبدل ولم تتغير. ولايمكن لبشر الإتيان بمثله في آياته ولغته المتفردة وسياق كلماته والمعاني السامية التي أوردها نصا . وعلوم القرآن هي دراسات لمعاني وكلمات القرآن بما فيها التفسير لها ودراستها لغويا وفقهيا .لأنه المرجع الثابت لدراسة علوم الإلهيات حتي لانزيغ في إيماننا ولا نحيد عن الصراط المستقيم ,ولاسيما بعد إنقطاع الوحي من السماء . فهو آخر رسالاتها للبشر أجمعين .فعظمة القرآن أن لغته العربية حية وسياق آياته لها وقع وجرس فريد ,ويتميز بدقة كلماته التي لها وقعها الذي يبعث في النفس الخضوع لله والخشوع له . مما يجعله يتوافق مع فكر كل زمان ومكان .

== إنتشار الإسلام ==

يقول المؤرخ العالمي (جيبون) في حديثه عن قصة البشارة المؤكدة لمجيء محمد صلي الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل من أن ثمة نبيا سيأتي كما تقول البشارة المقدسة التي عرفت بوعد الروح القدس.. ففرح بها موسي وعيسي . وهذه البشارة كما يقول : قد تحققت في شخص محمد نبي الإسلام وأعظم الرسل وخاتمهم . أتي بالإسلام كدعوة عالمية لكل البشر. لهذا كان المسلمون الأوائل منذ أيام الرسول ينشرونه ويحملون لواءه . ففي حياة الرسول (من سنة 570م –632م) كانت محاولات نشره في تخوم الإمبراطرية البيزنطية بإقليم الشام عن طريق الدعاة بين القبائل العربية المتاخمة لبلاد الشام .
وبعد عشر سنوات من وفاته صلي الله عليه وسلم فتح المسلمون بلاد الروم البيزنطيين والفرس الساسانيين . ففتحوا الشام ومصر والعراق وفارس .
بعدها إزدهرت الحضارة الإسلامية في الدول التي دانت بالإسلام ودالت له طواعية تحت ظلال الخلافة الراشدية والأموية والعباسية .
و لقد ظلت الخلافة الراشدية ثلاثين عاما (من سنة 632م – 661م). وكان الخليفة عمر أول من أقيمت المدن الإسلامية في عهده كالكوفة والبصرة بالعراق والفسطاط بمصر . وظلت المدينة المنورة عاصمة الخلافة حتي نقلها الخليفة الرابع علي بن أبي طالب للكوفة, بسبب القلاقل التي نشبت في عهد عثمان .وأدت لإستشهاده.
وبعد إستشهاد سيدنا علي تأسست الدولة الأموية( 661 م- 750 م )بدمشق .وحكمت حوالي قرنا. وكانت تمتد من غربي الصين لجنوب فرنسا حيث كانت الفتوحات الإسلامية وقتها تمتد من شمال أفريقيا لأسبانيا وجنوب فرنسا بغرب أوربا , وبالسند في وسط آسيا وفيما وراء نهري جيحون وسيحون. واقيمت المؤسسات الإسلامية والمساجد والمكتبات و كان الأمويون بدمشق قد حاولوا فتح القسطنطينية عام 717م . وإبان حكمهم فتحوا شمال أفريقيا . وكان أول نزول لقوات الفتح الإسلامي بأرض الأندلس بشبه جزيرة إيبريا (أسبانيا والبرتغال).. فكان أول إنتصار للمسلمين هناك ,عام 29هجرية(711ميلادية) في معركة وادي البرباط ,لتبدأ مسيرة الفتوحات الإسلامية بغرب أوربا بفرنسا وإيطاليا وسويسرا . وخضعت روما للحكم الإسلامي فعلا منذ عام 809 م .ولولا أن البابا ليو الثاني قد أقر بدفع الجزية وبإنتظام لمدة عشرين عاما لأصبح الآذان يرتفع من فوق أبراج الفاتيكان الآن . فلقد بلغ الفتح الإسلامي برنديزي والبندقية بإيطاليا علي بحرالأدرياتيك .مما جعله مع البحر الأبيض المتوسط بحيرتين إسلاميتين تموج فيهما الأساطيل الإسلامية . وخضعت كل جزر البحر الأبيض المتوسط من كريت شرقا حتي كورسيكا غربا للحكم الإسلامي .
وكانت الخلافة الأموية الثانية بالأندلس 756م – 1031م عاصمتها قرطبة التي شيدها الأمويون .وكانت أكبر مدينة في أوربا . وحكموا الأندلس زهاء قرنين . وكانت هذه الخلافة منارة للحضارة في الغرب حتي قسمها الطوائف والبربر والموحدون لدويلات أدت لسقوط الحكم الإسلامي تماما .ولاسيما بعد سقوط مملكة غرناطة آخر معاقل المسلمين عام 1492م علي يد الملك فريناندو والملكة إيزابيلا..و عندما كانت الحضارة الأندلسية في عنفوانها, كانت موقعة بواتييه قرب تولوز بوسط فرنسا قدأوقفت المد الإسلامي الكاسح لشمالها . حيث إنتصر الفرنجة علي عبد الرحمن الغافقي عام 114 هجرية (732م) عندما إستشهد بها في معركة بلاط الشهداء . ويعلق المؤرخ الشهير جيبون علي معركة (بواتييه) قائلا : لو كان العرب قد إنتصروا في بواتييه لأصبحت المساجد في باريس ولندن بدلا من الكاتدرائيات حاليا. ولكان القرآن يتلي في جامعة إكسفورد وبقية الجامعات هناك . ويعلق ديورانت عليها قائلا : لو إنتصر العرب في هذه المعركة الكبري لأصبحت أوربا الآن جزءا من العالم الإسلامي .لكنهم رغم هذه الهزيمة , واصلوا فتوحاتهم حتي أصبحت تولوز وليون ونهر اللوار تحت السيادة الإسلامية .وكان الفاتحون قد بلغوا نهر السين وبوردو وجنوب إيطاليا (أطلقوا عليه البر الطويل) حتي بلغوا في فتوحاتهم سويسرا،.وأقاموا هناك ممالك إسلامية .وحرروا الشعوب من العبودية والإقطاع . وظلوا قرنين يحكمون هذه المناطق . ولم يوقف الزحف الإسلامي بأوربا سوي جبال الألب .ولو إستطاع الفاتحون تخطيتها لعم الإسلام شمال أوربا.
وما بين سنتي 910م و1171م كان ظهور السلاجقة في المشرق والفاطميين بالقاهرة والأيوبيين والمماليك في مصروالشام.وكانت الحملات الصليبية علي الشام وفلسطين ومصر والإستيلاء علي القدس .وفي عام 1187 م استعاد صلاح الدين بيت المقدس من الصليبيين .وكان احراق المغول التتار لبغداد عام 1258م بعدما كانت عاصمة الخلافة العباسية خمسة قرون. بعدها رجعوا لديارهم وكانوا وثنيين. لكنهم أسلموا عند عودتهم.. فكانوا للإسلام داعين ومبشرين له بين قبائلهم . وأقاموا تحت ظلاله الإمبراطوريات والممالك الإسلامية بأفغانستان وباكستان وشبه القارة الهندية وبالملتان والبنغال وآسيا الوسطي وأذربيجان والقوقاز والشيشان وفارس وغيرها من بلدان المشرق الإسلامي. حيث أقاموا الحضارة الإسلامية المغولية والتركية التي مازال أوابدها ماثلة حتي اليوم . وكان تيمورلنك حفيد هولاكو قد أقام الإمبراطورية التيمورية عام( 1379م –1401م ) وكانت العاصمة سمرقند بوسط آسيا . وقد حكم ايران والعراق والشام وحتي الهند. وكانت وقتها طرق القوافل التجارية العالمية تحت سيطرة المسلمين .سواء طريق الحرير الشهير أو تجارة المحيط الهندي بين الشرق الأقصي وشرق أفريقيا .
و كان السقوط الأخير للقسطنطينية(عام 1453م), عاصمةالإمبراطورية البيزنطية(الروم).وكان هذا السقوط علي يد محمد الفاتح العثماني. وأطلق عليها إسلام بول (إستانبول) بعدما جعلها عاصمة للخلافة العثمانية(الإمبراطورية العثمانية)(حكمت من 1350م- 1924 م).
وكان لسقوط القسطنطينية صداه في العالم الإسلامي كله حيث أقيمت الزينات بالقاهرة والشام وشمال أفريقيا لأن هذا النصر كان نهاية للكنيسة الشرقية ولاسيما بعد تحويل مقرها إلي جامع أيا صوفيا . وهذا الإنتصار كان بداية الرد الإسلامي علي البابوية بالفاتيكان في أعقاب الحملات الصليبية التي شنتهاعلي فلسطين والشام . و داهمت فيها المشرق العربي . وذبحت أكثر من مليون مسلم و نصراني في فلسطين وبيت المقدس. وكان الفتح العثماني ردا علي الحرب الإستردادية بالأندلس . حيث كان التنصير القسري للمسلمين وإحراقهم هناك.فبينما كان الهلال ينحسر من الأندلس بغرب أوربا كان يزحف لأول مرة في التاريخ فوق شرق أوربا عندما إجتاحه العثمانيون بما فيه رومانيا والصرب والبوسنة والهرسك واليونان والمجر .حتي بلغوا أبواب فيينا بالنمسا .وحشد البابا في الفاتيكان قوات أوربا لوقف هذا الزحف الإسلامي الكاسح . ولولا توقف العثمانيين عند أبواب فيينا بمؤامرة من الدولة الصفوية بإيران ,لأصبح الآذان يؤذن من فوق أبراج كاتدرائية القديس بطرس كما يقول المعلقون . ومن بعدها كان خبز (الكرواسون ) ومعناه الصليب يصنع علي هيئة الهلال ليأكله الأوربيون في أعيادهم.
و الإسلام دخل شرقا وغربا وجنوبا وشمالا عن طريق التجار والقولفل التجارية العربية عبر آسيا الوسطي وشمال وشرق ووسط وجنوب وغرب أفريقياعن طريق الطرق الصوفية في أواسط آسيا وجنوب الصين وإندونيسيا وأفريقيا . وعن طريق الرحلات البحرية التجارية دخل الإسلام الصين وسيلان وبروناي وجزر الفلبين وإندونيسيا وماليزيا ومدغشقر وزنجبار.
وللتاريخ كان ضم العثمانيين للشام ومصر والعراق والحجاز وليبيا واليمن وتونس لحماية هذه الكيانات الإسلامية السنية من الأخطار التي كانت محدقة ومتربصة بها . فسواحل مصر والشام وشمال أفريقيا كانت مهددة بالأساطيل الفرنسية والأسبانية التي اتت تغير عليها . كما أرادت السلطنة العثمانية حماية الشام ومصر من خطر البرتغاليين المسيحيين بالبحر الأحمر والخليج العربي . وكانت إثيوبيا تعاون البرتغاليين لهذا السبب . و قد نزلوا عام 1496م جدة بالحجاز لينهبوا الأماكن المقدسة بمكة والمدينة . وينقلوا رفات الرسول للبرتغال لتكون زيارة قبره صلي الله عليه وسلم نظير إتاوات. مما دفع المصريين أن يهاجموا الأسطول البرتغالي في معركة (ديو ) الشهيرة قرب سواحل غرب شبه القارة الهندية .وكانت السلطنة المملوكية بمصر والشام تتآمر ضد السلطان سليم مع الدولة الصفوية الشيعية بفارس. مما جعل سليم الأول يتحرك وينسحب بجيوشه من النمسا . لإنقاذ هذه الكتلة السنيةبما فيها مصر والشام والحجاز من الخطر الشيعي الصفوي بايران والبرتغالي بالبحر الأحمر والمحيط الهندي . ولم يتعاون السلطان الغوري بمصر معه لإنقاذ المسلمين السنة من مذابح الصفويين في فارس والقوقاز وأذربيجان. فأسقط حكم الصفويين واستولي علي العاصمة تبريز . ولو كان الغوري قد أظهر مرونة لما إحتل سليم مصرولا الشام ولا أسقط سلطنته المملوكية عامك 1517م.
فالإسلام حكم الأندلس 7قرون . وحكم الهند 10 قرون حتي مجيء الإستعمار البريطاني . وفي ظلال الحكم الإسلامي ظهرت مدن تاريخية كالكوفة والبصرة وبغداد والقاهرة والفسطاط والعسكر والقطائع والقيروان وفاس ومراكش والمهدية والجزائر ودلهي وقرطلة وغيرها . كما خلفت الحضارة الإسلامية مدنا متحفية تعبر عن العمارة الإسلامية كإستانبول بمساجدها والقاهرة بعمائرها الإسلامية وبخاري وسمرقند ودلهي وحيدر أباد وقندهار وبلخ وترمذ وغزنة وبوزجان وطليطلة وقرطبة وإشبيلية ومرسية وسراييفووأصفهان وتبريز ونيقيا وغيرها من المدن الإسلامية . وفي القارة الأفريقية نجد أن 85%من سكانها مسلمون. وفي العالم نجد المسلمين يشكلون حاليا خمس سكان أهل الأرض .

عبقرية الحضارة الإسلامية

قال تعالي:كنتم خير أمة أخرجت للناس. وقوله سبحانه هو الحق. إلا أنه في الآونة الأخيرة أخذ الإعلام الغربي يكيل إفكا للإسلام والمسلمين ويصفهم بأنهم يعانون من عقدة الصراع بين الحضارات . وهذا القول المعلن لا يتصف بالمصداقية أو حسن النوايا. وبعيدا عن الأسباب والمسببات الإستعمارية التي آل إليها العالم الإسلامي المعاصر نجد أن هذا العالم المترامي فوق خريطة الدنيا قد حقق المعجزة الحضارية المتفردة في تاريخ العالم القديم . عندما بزغت هذه الحضارة وسط دياجير الظلام الفكري والعقائدي الذي كان يسود العالم القديم عندما أتي الرسول :salla2: برسالته السماوية التي حررت البشر من الظلم والقهر والعبودية وحققت العدل والمساواة والحرية . وجعل للإنسان حقوقه المكفولة تحت ظلال الإسلام لأول مرة في التاريخ الإنساني كله.لهذا حقق المسلمون حضارتهم التي أصبحت ثبتا مثبتا في سفر الحضارة الإنسانية .فقرون طويلة من عمر الزمن زهت فيها هذه الحضارة كان المسلمون خلالها القوة الأعظم في العالم القديم بلا منازع... بينما كانت شعوبه تتسم بالعبودية والقهر والظلم بل والجهل أيضا.
وكان قد عرض كاتبنا المرموق عبد اللطيف فايد كنابا لي بعنوان (صناع الحضارة العلمية في الإسلام) في صفحة كاملة بملحق (الجمهورية) الإسبوعي . وكان هذا العرض التحليلي ردا غير مباشر علي الزخم الإعلامي ضد الإسلام وحضارته وتنويرا لأجيالنا بعظمة هذا الدين وإنجازات علمائه الضخمة في شتي العلوم التجريبية والإنسانية .فأصٌل في عرضه الحضارة الإسلامية وجردها من الزيغ والتضليل الإعلامي المغرض. فكان عرضه أمينا ومنـزها بل ومنصفا لها. فالحضارة الإسلامية كان علماؤها يتمتعون بالحرية الفكرية التي أثرَت وأثٌرت في الفكر الإنساني كله بعد ثمانية قرون من أفول الحضارة الإغريقية آخر الحضارات التقليدية القديمة .
فلقد ظهر تحت ظلال حضارتنا الإسلامية عباقرة الفكر الإسلامي الثقاة كإبن خلدون والبيروني والأدريسي والقزويني وإبن ماجد والبتاني والطوسي والخوارزمي وإبن الخيام والرازي والدميري والمقدسي وإبن ماجه وإبن النفيس والفارابي والكندي وإبن سينا وإبن طفيل وإبن العوام وغيرهم من العلماء الذين أصبحوا نجوما زاهرة وزاخرة في سماء المعرفة الإنسانية إبان عصرهم والعصور التي لحقت بهم .
وهذه حقيقة لا ننكرها بل يقرها كل مؤرخي العلم ومن بينهم سارتون . فوضعوهم في مصاف كبار الفلاسفة والعلماء الذين حققوا الإنجازات الضخمة في تاريخ مسيرة العلم والحضارات . وإبان مطلع عصر النهضة كان علماء وفلاسفة الغرب ينظرون لهؤلاء نظرة الإجلال بل والتقديس. لأنهم أثروا علي الفكر الغربي وغيروا من نظرتهم للفكر الإغريقي الذي تواري خلف الفكر الإسلامي . لهذا ظلت كتبهم تترجم و تدرس بالعربية زهاء أربعة قرون . وكان كتاب (القانون )في الطب لإبن سينا إنجيلا يدرس في الغرب بالعربية و لاسيما بكليات فرنسا ولاسيما في جامعة (مونبلييه) العريقة . وكانت نظريات إبن رشد قد غيرت الفكر والفلسفة المسيحية واليهودية بأوربا مما جعل مارتن لوثر يعلن تمرده علي البابوية معلنا البروتستانتية بعدما أسقط مقولة صكوك الغفران . وقد إستقي أفكارها من فلسفة إبن رشد التي شاعت بين الأوساط والجمعيات الفلسفية الأوربية وقتها.
من هنا كان ظهور حركة الإستشراق الذي تبنته الكنيسة الغربية لتشويه صورة الإسلام وبث المطاعن فيه وكتابة المثالب الإفكية حول رسوله :salla2: . فالصليبيون لما جاءوا للمشرق العربي وشاهدوا حضارته أصيبوا بالدونية الحضارية . ونقلوا هذه الحضارة لبلدانهم . فأنبهر الغرب بها وحاكاها ونقل تراثها العلمي والفكري. وعكف علماؤه و مفكروه وفلاسفته علي تمحيصه وتحقيقه .فظهرت أعمالهم كصدي فكري لعلوم المسلمين بعدما حررهم الفكر الإسلامي من هيمنة الكنيسة والكهنوت الكنسي وإرهاصاته كما حررهم من أساطير الإغريق.

بناة الحضارة الإسلامية

بينما كان العالم الإسلامي يموج حضارة وتمدن خلال عصور الخلائف الراشدية والأموية والعباسية والعثمانية كانت أوربا تعيش في أتون الجهل والهمجية والبربرية والرق والعبودية . وهذه حقيقة لاننكرها بل نقرها ولا نتغافلها وسط إرهاصات الغرب المفتئت والمفتري عليها .
فعلماء المسلمين في كل مشاربهم إبان عصور حضارتنا الإسلامية التي غبرت وغربت عنا . لم يخلفوا لنا سوي أمجادهم وكتبهم وتراثهم الذي نهلت منه كل الروافد المعرفية العالمية . لأنه كان ثبتا لايماري فيه . لأنه اتسم بالمصداقية البحثية مما جعلهم مشاعل التنوير ودعاة الإستنارة ومجددين ومبدعين للعلم . فبنوا حضارة الحضارات وظلت تتري للإنسانية بتوابعها عبر القرون الوسطي حيث كانت الهمجية تسود أوربا .

ومن أعمال عباقرة هذه الحضارة الإسلامية نجد الجاحظ وقد ظهر كعالم للحيوان عندما حدثنا لأول مرة عن هحرات الطيور في رحلتي الصيف والشتاء . ولم يكتشف العلماء هذا إلا القرن 19 .ويعتبر الجاحظ مؤسسا لعلم الجغرافيا البشرية و علم الأجناس حيث قسم البشر وصنفهم لأمم وشعوب وأجناس وأعراق مختلفة وأوعز ألوانهم ولغاتهم وطبائعهم إلي تأثير العوامل الوراثية والبيئة الطبيعية والإجتماعية .

وفي الفلك نجد أن البيروني قاس محيط الأرض بواسطة معادلة رياضية وضعها وأكد علي كروية الأرض وبين أن الأجسام تنجذب نحو مركزها. وبين أن توالي الليل والنهار سببه دوران الأرض وليس الشمس أو النجوم والكواكب معها . وبين بدقة إختلافات المواقيت والغروب والشروق حسب مواقع البلدان فوق خريطة الدنيا وبهذا نجده قد سبق كوبرنيق ونيوتن وجالليو .

وفي الرياضيات نجد الخوارزمي التي مازالت شهرته حتي الآن ولاسيما كمؤسس لعلوم الجبر ولاسيما وهو واضع حساب اللوغريتمات التي يقوم عليها علي الرياضيات الحديثة . وكان أول من إكتشف الصفر ووضعه ضمن الأعداد وفي الحساب .كما جعل الحساب ميسرا بأن جعله طرحا وجمعا وقسمة وضربا . فبهذا علم الناس الطرق الحسابية المبسطة .وهذا ماكتب للخوارزمي الخلود .
ويعتبر عمر الخيام عالما في الفلك والرياضيات ويعتبر ثاني إثنين بعد الخوارزمي في علم الجبر فأسس علم الترجمة الرياضية المزدوجة .حيث ترجم مسائل الهندسة للغة الجير وترجم مسائل الجبر للغة الهندسة كما ترجم مسائل من الهندسة الفراغية للغة الجبر . وهي المسائل التي لايمكن رسمها بالمسطرة والفرجار كمسألة تثبيث الزوايا ومسألة الوسطين الجسابين ومسألة المسبع المنتظم .وقد إبتكر حل المعادلات من الدرجة الثانية عن طريق الأقواس المخروطية .
وفي الطب نجد أن إبن النفيس قد إكتشف الدورة الدموية قبل هارفي بعدة قرون وإبن زهر بالأندلس كان يمارس الجراحة والتخدير .
والدميري أول من وضع معجما للحيوانات وصنفها فيه من حيث الشكل والطباع ومرادفات أسمائها
والطوسي الفلكي الشهير وإبن سينا والرازي وإبن رشد . وغيرهم من أساطين العلوم الإسلامية . فخلدت أعمالهم وتصدرت أبحائهم سجل التاريخ المعرفي والعلمي والحضاري للإنسانية بلا منازع . مما أكسبهم تقدير العلماء الذين خلفوهم . فصانوا لهم تراثهم من بعدهم ووعوه في عقولهم وأشادوا به وبهم وظلوا قرونا له حافظين .

== إبن طفيل ومنظومة الكون ==


نظرتنا للكون قديما وحديثا نجدها في فكر عالم سلفي قد حدثنا عن نشوئه وإرتقائه وتحيزه وتقوسه وبدايته ووحدته . و هوالعالم الأندلسي أبوبكر بن طفيل الذي ولد عام 1106م/500هجرية قرب غرناطة بالأندلس.وكان من أ قطاب رموز الحكمة المغربية الأندلسية حيث كان معلما لإبن رشد.ويعتبر عالما من العلماء اللواحق في عصر الحضارة الإسلامية .
وكان إبن طفيل قد إشتهر بقصته الفلسفية (حي بن يقظان)التي سبق ظهورها عصر النهضة بأوربا وعصور كوبرنيق وجاليليو ونيوتن وإينشتين وديراك وهبل وغيرهم من أقطاب الفلك الحديث.
والقصة رغم دلا ئها الإيمانية التأملية في منظومة الخلق والكون من خلال فكر إنسان كان يعيش متفردا في جزيرة نائية منذ أن ألقي به في اليم وهو رضيع . فاهتدي بفطرته إلي مكنونات الخلق وعظمة الخالق من خلال عقله وبصره وسمعه . كما اهتدي ببصيرته إلي الإيمان.
لهذا نجد إبن طفيل يحدثنا في سياق قصته عن( البعد الثالث) بالكون وسماه الأقطار الثلاثة بالسماء وحددها بالطول والعرض والعمق. وكيف يعتقد أنها ممتدة إلي مالانهاية . إلا أنه أكد علي تحيز الكون قائلا: جسما لانهاية له باطل لأن الفلك (الكون) علي شكل كرة . وهذا ما أطلق عليه إينشتين فيما بعد التقوس الكوني وتحيزه حيث إعتبر الكون كتلة متقوسة( سماها إبن طفيل كرة)في فضاء متسع يتمدد فيه وكل مايقاس فيه يتم من داخل وجودنا به ورغم هذا لانري حافته أو حدوده . والعلماء حتي الآن لايعرفون مركز تمدده .
إلا أن إبن طفيل نراه يتساءل قائلا: هل السماء ممتدة إلي غير نهاية ؟.أو هي متناهية محدودة بحدود تتقطع عندها ولايمكن أن يكون وراءها شيء من الإمتداد ؟.وكانت نظرية التمدد الكوني ثورة فلكية عندما طالعنا إدوين هبل عام 1920 بها . لأنها قلبت مفهوم العلم عن الكون إلا أن إبن طفيل سبقه فيها منذ ثمانية قرون عندما أشار إليها .فلقد حدثنا عن (التمدد الكوني ) وإنتفاخ الكون قائلا: الأجسام السماوية تتحرك حول الوسط بالمكان( الفضاء)ولو تحركت في الوضع ( المركز) علي نفسها أصبحت كروية الشكل .وحدثنا إبن طفيل فيما حدثنا به عن منظومة (وحدة الكون) قائلا: إن الفلك (الكون) بجملته وما يحتوي عليه من ضروب الأفلاك شيء واحد متصل ببعضه بعض كشخص واحد . كما حدثنا عن( نشوء الكون) قائلا : أن العالم (الكون) لايمكن أن يخرج إلي الوجود بنفسه ولابد له من فاعل (محدث) يخرجه إليه. وكان العدم والوجود من الأمور المثارة في علم الكلام ولاسيما لدي المعتزلة بالعصر العباسي حيث كانوا يبحثون في مسألة الخلق والقدم والحداثة للكون .وفي حديثه عن التناسق الكوني نراه يقول: الكواكب والأفلاك كلها منتظمة الحركات جارية علي تسق. كما حدثنا عن المادة المضادة بمواد الكون قائلا: وأن أكثر هذه الأجسام مختلطة ومركبة من أشياء متضادة ولذلك تؤول إلي الفساد .كما جدثنا عن الجاذبية الكونية والإنتفاخ الكوني والجينات والإنكسار الضوئي والمادة المظلمة بالكون وتكوير الأرض والشمس والقمر بإستفاضة . وإذا كان إينشتين وغيره من العلماء قد ظلوا في (حيص بيص)حول تعريفهم للزمان ككل وقصروه علي زمن عمر الكون منذ الإنفجار الكبير . لكن إبن طفيل نجده يقول عنه : هل هو شيء حدث بعد إن لم يكن وخرج إلي الوجود بعد العدم ؟. أ و كان موجودا فيما سلف ولم يسبقه العدم. وأخيرا .. إذا كان الكون حادثا كما يقول إبن طفيل فلابد له من محدث . والكون في جملته شيء واحد يتصل بعضه ببعض من خلال منظومة قائمة وماثلة لنا . وهذه النظرة تجعلنا نعيد قراءة فكر علمائنا الأوائل من خلال منظور عصري لتأصيل ما كتبوه وأ قروه مما يؤصل تفوق الحضارة الإسلامية ويجعل لها السبق العلمي المتميز . فمقولة أن العالم الإسلامي يعاني حاليا من الصدام بين الحضارات إفتئات طاغ علي الفكر الإنساني كله .

سمات الحضارة الإسلامية

=مقدمة

[الإسلام]] كدين عالمي يحض علي العلم ويعتبره فريضة علي كل مسلم . لتنهض أممه وشعوبه . ولم يكن في أي وقت مدعاة للتخلف كما يأفك الغرب .فأي علم مقبول إلا لوكان علما يخالف قواعد الإسلام ونواهيه . فالرسول :salla2: دعا لطلب العلم ولو كان بالصين . والإسلام يكرم العلماء ويحعلهم ورثة الأنبياء ويحضهم علي طلبه من المهد إلي اللحد. وتتميز الحضارة الإسلامية بالتوحيد والتنوع العرقي في الفنون والعلوم والعمارة طالما لاتخرج عن نطاق القواعد الإسلامية . لأن الإسلام لايعرف الكهنوت كما كانت تعرفه أوروبا . لأن الحرية الفكرية مقبولة تحت ظلال الإسلام . وكانت الفلسفة يخضعها الفلاسفة المسلمون للقواعد الأصولية مما أظهر علم الكلام الذي يعتبر علما في الإ لهيات . فترجمت أعمالها في أوربا وكان له تأثيره في ظهور الفلسفة الحديثة وتحرير العلم من الكهنوت الكنسي فيما بعد . مما حقق لأوربا ظهور عصر النهضة بها .
فالنهضة الإسلامية جعلت من العرب والشعوب الإسلامية المتبدية يحملون المشاعل التنويرية للعالم في العصور الوسطي حتي أصبحوا فيها سادة العالم ومعلميه .
فلقد حقق الفرس والمصريون والهنود والأتراك المسلمين حضارات لهم في ظلال الإسلام لم يسبق لهم تحقيقها خلال حضاراتهم التي سبقت الإسلام . فأثروا بعلومهم التي إكتسبوها الحضارة الإسلامية التي إزدهرت وتنوعت وتنامت.
لهذا لما دخل الإسلام هذه الشعوب لم يضعها في بيات حضاري ولكنه أخذ بها ووضعها علي المضمار الحضاري لتركض فيه بلا جامح بها أو كابح لها .
وكانت مشاعل هذه الحضارة الفتية تبدد ظلمات الجهل وتنير للبشرية طريقها من خلال التمدن الإسلامي . فبينما كانت الحضارة الإسلامية تموج بديار الإسلام من الأندلس غربا لتخوم الصين شرقا ز كانت أوربا وبقية أنحاء المعمورة تعيش في إظلام حضاري وجهل مطبق .
وامتدت هذه الحضارة القائمة بعدما أصبح لها مصارفها وروافدها لتشع علي الغرب ونطرق أبوابه .فنهل منها معارفه وبهر بها لأصالتها المعرفية والعلمية . مما جعله يشعر بالدونية الحضارية . فثار علي الكهنوت الديني ووصاية الكنيسة وهيمنتها علي الفكر الإسلامي حتي لايشيع . لكن رغم هذا التعتيم زهت الحضارة الإسلامية وشاعت . وانبهر فلاسفة وعلماء أوربا من هذا الغيث الحضاري الذي فاض عليهم . فثاروا علي الكنيسة وتمردوا عليها وقبضوا علي العلوم الإسلاميية من يقبض علي الجمر خشية هيمنة الكنيسة التي عقدت لهم محاكم التفتيش والإحراق .
ولكن الفكر الإسلامي وقد انتقل الى الغرب , وأصبحت الكتب الإسلامية التراثية والتي خلفها عباقرة الحضارة الإسلامية فكرا شائعا ومبهرا . فتغيرت أفكار الغرب وغيرت الكنيسة من فكرها مبادئها المسيحية لتسايرالتأثير الإسلامي علي الفكر الأوربي وللتصدي للعلمانيين الذين تخلوا عن الفكر الكنسي وعارضوه وانتقدوه علا نية . وظهرت المدارس الفلسفية الحديثة في عصر النهضة أو التنوير بأوربا كصدي لأفكار الفلاسفة العرب .

ظهرت مدن تاريخية في ظلال الحكم الإسلامي كالكوفة والبصرة وبغداد و دمشق والقاهرة والفسطاط والعسكر والقطائع والقيروان وفاس ومراكش والمهدية والجزائر وغيرها . كما خلفت الحضارة الإسلامية مدنا متحفية تعبر عن العمارة الإسلامية كإستانبول بمساجدها والقاهرة بعمائرها الإسلامية وبخاري وسمرقند ودلهي وحيدر أباد وقندهار وبلخ وترمذ وغزنة وبوزجان وطليطلة وقرطبة وإشبيلية ومرسية وسراييفو وأصفهان وتبريز ونيقيا وغيرها من المدن الإسلامية.

العلم و الفنون في الحضارة الإسلامية

خلال قرنين من وفاة الرسول :salla2: كانت صناعة الكتب منتشرة في كل أنحاء العالم الإسلامي وكانت الحضارة الإسلامبة تدور حول الكتب .فقد كانت توجد المكتبات الملكية والعامة والخاصة في كل مكان حيث كانت تجارة الكتب ومهنة النساخة رائجة وكان يقتنيها كل طبقات المجتمع الإسلامي الذين كانوا يقبلون عليها إقبالا منقطع النظير .وكان سبب هذا الرواج صناعة الورق ببغداد وسمرقند .وكانت المكتبات تتيح فرص الإستعارة الخارجية .وكانت منتشرة في كل الولايات والمدن الإسلامية بالقاهرة وحلب وإيران ووسط آسيا وبلاد الرافدين والأندلس وشمال أفريقيا .وكانت شبكات المكتبات قد وصلت في كل مكان بالعالم الإسلامي . وكان الكتاب الذي يصدر في يغداد أو دمشق تحمله القوافل التجارية فوق الجمال ليصل لقرطبة بأسبانيا في غضون شهر . وهذا الرواج قد حقق الوحدة الثقافية وإنتشار اللغة العربية . وكانت هي اللغة العلمية والثقاقية في شتي الديار الإسلامية. كما كان يعني بالنسخ والورق والتجليد . مما ماجعل صناعة الكتب صناعة مزدهرة في العالم الإسلامي لإقبال القراء والدارسين عليها وإقتنائها .وكانت هذه الكتب تتناول شتي فروع المعرفة والخط وعلوم القرآن وتفاسيره واللغة العربية والشعروالرحلات والسير والتراث والمصاحف وغيرها من آلاف عناوين الكتب . وهذه النهضة الثقافية كانت كافية لإزدهار الفكر العربي وتميزه وتطوره .وفي غرب أفريقيا في مملكتي مالي وتمبكتو أثناء إزدهارهما في عصريهما الذهبي , كانت الكتب العربية لها قيمتها . وكان من بينها الكتب النادرة التي كانت تنسخ بالعربية , وكانت المملكتان قد أقامتا المكتبات العامة مع المكتبات الخاصة.

الترجمة

وبدأت في الخلافة العباسية أكبر حركة ترجمة في التاريخ الإنساني كله من شتي لغات أهل الأرض لأمهات الكتب العلمية والفلسفية المعاصرة . ولم يصادر الخلفاء العباسيون أي فكر. وهذه الحرية الفكرية قد أثرت العلوم العربية ونهضت بها . لهذا إعتبر مؤرخو العلم الثقاة أن مرحلة الترجمةالعربية إحدى مفاخر الحضارة الإسلامية لأن الشعوب الأخرى كانت لا تحترم الحضارات السابقة لها ولا تستفيد منها. حيث كان الغزاة والغالبون يدمرون حضارة المغلوب ويحرقون الكتب ويقتلون العلماء ,كما فعل التتار في بغداد وما فعله الأسبان المسيحيون في قرطبة عندما أحرقوا التراث الإسلامي ودمروا المكتبات . ويذكر المستشرق الاسباني كونده Conde , أن الاسبان عندما استولوا على قرطبة أحرقوا في يوم واحد نحو سبعين خزانة ( مكتبة عامة ) للكتب فيها اكثر من مليون وخمسين ألف مجلد. وعندما استولي التتار على بغداد ألقوا بالكتب في نهر دجلة , وتحولت مياه النهر الى السواد من الحبر ثلاثة أيام متتالية. ورغم كل هذه الظروف المؤسفة التي تعرضت لها المخطوطات الإسلامية فما يزال في أنحاء العالم اليوم فيض منها في متاحف أوربا ومتاحف العالم الإسلامي . والكثير منها لم يخرج الى النور ولم يتم تحقيقه أو تدارس ما فيه من كنوز المعرفة .
ويرجع بداية عصر الترجمة الإسلامية للخليفتين العباسيين المنصور العباسي(ت 775م.) الذي شيد مدينة بغداد ,ومن بعده هارون الرشيد (ت807.) , فقد شجعا المترجمين علي ترجمة علوم الإغريق والنبش عنها في بلاد الروم والشام وفارس والهند ومصر . فمعظمها كانت مندثرة ومعرضة للضياع والإنقراض . وكانت الكتب الإغريقية قد دفنت مع علمائها في مقابرهم . وكان قادة الفتوحات الإسلامية يبادلون الأسري بالكتب . وكانوا يضعون في بنود المعاهدات والصلح بندا ينص علي رفع الجزية في نظيرهدية من الكتب و السماح للمسلمين بالتنقيب عن الكتب الإغريقية. وكانوا يطلبون من البيزنطيين البحث عن كتاب معين جاء ذكره في المخطوطات, ويسألونهم البحث عنه في مقبرة صاحبه . وأنشأالخليفة العباسي المأمون داراً خاصة بالترجمة. وكان المترجمون يؤجرون بسخاء.. وقد يعطى المترجم مثقال وزن الكتاب المترجم ذهباً .

وبعد مرحلة الترجمة عكف المسلمون على تلك المخطوطات الثمينة يدرسونها وينقونها مما شابها من الهرطقة والكفر والخرافات . واخضعوها للمفاهيم القرآنية والعقيدة الإسلامية . ويعتبر القرن التاسع م له أهميته في ثبت الحضارة الإسلامية المتنامية . لأن أعمال العلماء المسلمين كانت رائعة وكانوا رجال علم متميزين وكان المأمون الخليفة العباسي العالم المستنير(ت 833) يحثهم علي طلب العلم . وقد أنشأ لهم بيت الحكمة لتكون أكاديمية البحث العلمي ببغداد تحت رعايته الشخصية .وأقام به مرصدا ومكتبة ضخمة . كما أقام مرصدا ثانيا في سهل تدمر بالشام . وجمع المخطوطات من كل الدنيا لتترجم علومها . وكان يشجع الدارسين مهما تنوعت دراستهم . وحقق يهذا التوجه قفزة حضارية غير مسبوقة رغم وجود النهضة العلمية وقتها. وهذا ما لم يحدث بعد إنشاء جامعة ومكتبة الإسكندرية في القرن الثالث ق.م.
وقام الفلكيون في تدمر في عهده بتحديد ميل خسوف القمر ووضعوا جداول لحركات الكواكب . وطلب منهم تحديد حجم الأرض , وقاسوا محيطها , فوجدوه 20400 ميل ,وقطرها 6500 ميل. وهذا يدل علي أن العرب كانوا علي علم وقتها ,بأن الأرض كروية قبل كويرنيق بخمسة قرون .
كما طلب المأمون منهم وضع خريطة للأرض . وفي علم الفلك أثبتوا دورانها. وقياساتهم تقريبا لها تطابق ما قاسه علماء الفلك بالأقمار الصناعية , واكتشفوا الكثير من النجوم والمجرات السماوية وسموها بأسمائها العربية التي مازالت تطلق عليها حتي الآن.
وكانت كل الأبحاث في الفلك والرياضيات في العصر العباسي قد إنفرد بها العلماء المسلمون وقد نقلوها عن الهنود الذين قد ترجموها عن الصينيين للعربية وقاموا بتطويرها بشكل ملحوظ .


الاسطرلاب
الفلك

كان إبراهيم الفزاري أول من إخترع الإسطرب في الفلك.كما ظهرت عبقرية الخوارزمي في الزيج ( جدول فلكي) الذي صنعه وأطلق عليه اسم "السند هند الصغير،،وقد جمع فيه بين مذهب الهند، ومذهب الفرس، ومذهب بطليموس الإغريقي في الفلك .وصار لهذا الزيج أثر كبير في الشرق والغرب.
و ابتكر المسلمون علوماً جديدة لم تكن معروفة قبلهم وسموها بأسمائها العربية كعلم الكيمياء وعلم الجبر وعلم المثلثات .
و من مطالعاتنا للتراث العلمي الإسلامي نجد أن علماء المسلمين قد إبتكروا المنهج العلمي في البحث والكتابة. وكان يعتمد علي التجربة والمشاهدة والاستنتاج.
و أدخل العلماء المسلمون الرسوم التوضيحية في الكتب العلمية و رسوم الآلات والعمليات الجراحية. و رسم الخرائط الجغرافية والفلكية المفصلة.
وقد ابتدع المسلمون الموسوعات و القواميس العلمية حسب الحروف الأبجدية . وكان لاكتشاف صناعة الورق وانتشار حرفة (الوراقة) في العالم الإسلامي فضل في انتشار تأليف المخطوطات ونسخها .
وقد تنوعت المخطوطات العربية بين مترجم ومؤلف. أما المترجم فكان منها الهندي والفارسي والإغريقي والمصري (من مكتبات الاسكندرية).
ولم تكن المكتبات الإسلامية كما هي في عصرنا مجرد أماكن لحفظ الكتب, بل كان في المكتبة الرئيسية جهاز خاص بالترجمة وآخر خاص بالنسخ والنقل وجهاز بالحفظ والتوزيع. وكان المترجمون من جميع الأجناس الذين كانوا يعرفون العربية مع لغة بلادهم.ثم كلن يراجع عليهم ترجماتهم, علماء العرب لإصلاح الأخطاء اللغوية. أما النقلة والنساخون فكانت مهمتهم إصدار نسخ جديدة من كل كتاب علمي عربي حديث أو قديم.
وكانت أضخم المكتبات هي الملحقة بالجامعات والمساجد الكبري . ففي بيت الحكمة ببغداد وفي دار الحكمة في القاهرة وفي جامعة القيروان وقرطبة كانت المخطوطات بهم بالآلاف في كل علم وفرع من فروع العلم . وكانت كلها ميسرة للاطلاع أو الاستعارة. فكان يحق للقارىء أن يستعيرأي كتاب مهما كانت ً قيمته وبدون رهن . لهذا كانت نسبة الأمية في هذا الوقت , تكاد تكون معدومة. وكان تعلم القرآن كتابة وقراءة إلزامياً. بينما كانت نسبة الأمية في أوربا فيما بين القرن التاسع وحتي القرن 12م أكثر من 95% .
و يقول المستشرق آدم متز في كتابه (الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري ),أن أوروبا وقتها لم يكن بها أكثرمن عدد محدود من المكتبات التابعة للأديرة . ولا يعرف التاريخ أمة اهتمت باقتناء الكتب والاعتزاز بها كما فعل المسلمون في عصور نهضتهم وازدهارهم. فقد كان في كل بيت مكتبة. وكانت الأسر الغنية تتباهي بما لديها من مخطوطات نادرة وثمينة. وكان بعض التجار يسافرون إلى أقصى بقاع الأرض لكي يحصلوا على نسخة من مخطوط نادر أو حديث. وكان الخلفاء والأثرياء يدفعون بسخاء من أجل أي مخطوط جديد.