الفصل الثالث
التعليم ميدان فسيح للتبشير (التعليم عموماً)
و لو أن أهل العلم صانوه صانهم * و لو عظموه في النفوس لعُظِّما
و لكن أهانوه فهان و دنسوا * مُحيَّاه بالأطماع حتى تجهّما
استخدم المبشرون العلم و التعليم في سبيل غايات صغيرة و شغلوا أنفسهم بتبديل عقائد الأفراد الدينية باذلين جهوداً كباراً في سبيل منافسة غير نبيلة : عداوة على تجاذب الأشخاص بين اليسوعيين و البروتستانت و مكائد بين فرق البروتستانت أنفسهم ثم رياء لا حد له في تزيين الآراء و تسويد صفحات التاريخ ..
و يدور هذا البحث حول نقطتين :
1- استغلال المبشرين العلم بطرق لا تنكشف إلا عن ضيق في الأفق .. و هذا قليل الأهمية لأن الإنسان لا يلبث أن يرى هذا الأفق الضيق فيجازي أصحابه .
2- حرص المبشرين على إفساد النبل الإنساني و جعل العلم وسيلة لاستعباد الأفراد و الأمم ثم سوقهم بسيف الاستعمار إلى الاستكانة أمام سلطان السياسة المادي .
ليس للتعليم عندهم غاية سوى التبشير
قال نفر من المبشرين :
((إن أهداف المدارس و الكليات التي تشرف عليها الإرساليات في جميع البلاد كانت دائماً متشابهة , إن المدارس و الكليات تعتبر في الدرجة الأولى واسطة لتمرين قسس للكنيسة .. حتى إن الموضوعات العلمانية التي تعلم , من كتب غربية و على يد مدرسين غربيين , تحمل معها الآراء النصرانية )) (1)
و يرى هنري جسب : (( أن التعليم في –مدارس- الإرساليات المسيحية إنما هو واسطة إلى غاية فقط , هذه الغاية هي قيادة الناس إلى المسيح و تعليمهم حتى يصبوا أفراداً مسيحيين وشعوباً مسيحية و لكن حينما يخطو التعليم وراء هذه الحدود ليصبح غاية في نفسه و ليخرج لنا خيرة علماء الفلك و طبقات الأرض و علماء النبات وخيرة الجراحين والأطباء في سبيل الزهو العلمي ... فإننا لا نتردد حينئذ في أن نقول إن رسالة مثل هذه قد خرجت عن المدى التبشيري المسيحي إلى مدى علماني محض , إلى مدى علمي ينوي مثل هذا العمل يمكن أن تقوم به جامعات هايدلبرغ و كمبردج و هارفرد و شيفيلد لا الجمعيات التبشيرية التي تسعى إلى أهداف روحية فحسب )) (2)
و تجدر الإشارة إلى أن هذه الآراء التي تدعي أن هدف التبشير و التعليم روحي محض لا تناقض كلام القس زويمر الذي أوردناه في أول الكتاب الذي يرى أنه لا ضرورة لتنصير المسلم و يكفي فصله عن دينه .. فكلا الأسلوبين هو جعل الشعوب الإسلامية تبع لحكومات المبشرين الاستعمارية و هو الغاية من التبشير ..
حيث ير البعض أن المدارس قوة لجعل الناشئين تحت تأثير التعليم المسيحي أكثر من كل قوة أخرى (3)
كيف تختار المدارس أساتذتها
يقول المؤلف دانبي – في كتاب ألفه عقب مؤتمر للمبشرين كملخص لما توصل إليه المؤتمر - :
((ثم يتسع الشك على كل حال حينما نأتي إلى استخدام معلم غير مسيحي ليعلم موضوعات لا نجد لتعليمها معلماً مسيحياً , أجل إن البراعة في التعليم لا صلة لها بدين المعلم و مما لا ريب فيه أن معلماً مسلماً ذا خبرة بمهنته وذا كفاية يمكن أن يكون له من الجانب الشخصي وقوة الخلق و الشعور بالواجب ما يجعل منه معلماً يبعث الحياة في طلابه أو مربياً صالحاً ثم هو يمكن أن يؤثر في طلابه أكثر من المعلم المسيحي المجرد من الصفات التي يتصف بها ذلك المعلم المسلم و لكن إذا كانت الغاية من التعليم في المدارس المسيحية (كما يجب أن تكون ) إنما هي تزويد الطلاب باستشراف مسيحي للحياة و تمرين لهم على ممارسة المبادئ المسيحية و تقريبهم من اختبار شخصي للإيمان المسيحي فكيف يمكن للمسلم الأمين أن يعاوننا على بلوغ هذه الغاية ؟ ثم إذا كان هو يعتقد بهذه الغاية – لأنه ضعيف الشخصية خنوع – و لكنه لا يخطو خطوة يصبح بها مسيحياً , أفلا يكون له حينئذ على تلاميذه تأثير سلبي فيستنتجون من سلوكه أن الدين ليس موضوعاً ذا أهمية حاسمة (ص 62.68-67)
و يعتمد المبشرون على التعليم كوسيلة غير مباشرة خاصة حينما رأوا أن التبشير رأساً لم يجعل أحداً من المسلمين يصبأ إلى النصرانية .
كما أنهم يستغلون جهل الشعوب ... يقول بنيامين ماراي : (( شمالي نيجيرية ميدان للتبشير )) و استعرض ما عليه الشعب النيجيري من تخلف و أمية ثم قال : (( و هذا يتيح فرصة عظيمة للتعليم التبشيري المسيحي))
وسائل التبشير في أثناء التعليم
(إن المبشر الأول هو المدرسة)
1-أن يكون ثمة مدارس لكي يستطيع المبشر الاتصال بالناس عن طريقها .
2-أن يكون المعلم في هذه المدارس أجنبي غير وطني , أو وطني و بكن مسيحي بالدرجة الأولى (4) و متمرن على التبشير (5)
3-التدرج في تدريس التوراة ثم تدريس التاريخ و الجغرافية و لكن من ناحية صلتهما بالتوراة فقط ثم أضافوا إلى ذلك كله موضوعات مشابهة (6)
الكتب المدرسية خاصة و الطعن على الإسلام
من الكتب التي شوهت الإسلام و مُلأت بالحقد عليه كتاب " البحث عن الدين الحقيقي" (7)
و هو محاضرات في التعليم الديني تأليف المنسنيور كولي و قد صدر عن اتحاد مؤسسات التعليم المسيحي في باريس و نال رضا البابا ليون الثالث عشر مما جاء فيه : (( الإسلام – في القرن السابع للميلاد برز في الشرق عدو جديد ذلك هو الإسلام الذي أسس على القوة و قام على أشد أنواع التعصب لقد وضع محمد السيف في أيدي الذين اتبعوه و تساهل في أقدس قوانين الأخلاق ثم سمح لأتباعه بالفجور و السلب ووعد الذين يهلكون في القتال بالاستمتاع الدائم بالملذات و بعد قليل أصبحت آسية الصغرى و إفريقية و اسبانية فريسة له , حتى إن إيطاليا هددها بالخطر و تناول الاجتياح نصف فرنسة . لقد أصيبت المدنية , و لكن اجتياح هؤلاء الأشياع – المسلمين – تناول في الأكثر كلاب النصارى ..... الخ )) ص220
هذا أحد نماذج الكتب الغربية التي تُدرّس في المدارس الشرقية و تزرع الأحقاد و تشوّه الحقائق .
واجب الحكومات الوطنية
واجبها إزالة أسباب التنافر و الشقاق بإزالة هذا النوع من الكتب فالكتاب السابق دُرّس في الصف الرابع من المدرسة البطريركية في بيروت و هناك كتب أخرى مثل كتاب "تاريخ فرنسة" تأليف هـ غيومان وف لوستير لصفوف الشهادة الابتدائية و فيه ما فيه من الإساءة و التشويه .
4-يٌلحق بهذه الكتب و التي تتضمن التهجم على الإسلام كتب أخرى تتضمن ردوداً على الإسلام و اعتراضات على عقائده و تاريخه .
5-إقامة الخطب و المناظرات و المجادلات ذات الصلة ...
6-بناء كنيسة إلى جانب كل مدرسة ..
7-دراسة مشاكل الشباب للنفوذ إلى نفوسهم و اجتذابهم و توجيههم للمسيحية . (8)
نشاط المبشرين من طريق التعليم
قم للمعلم وفه التبجيلا * كاد المعلم أن يكون رسولا !
أعلمت أشرف أجل من الذي * يبني و ينشئ أنفساً و عقولا ؟
هذا الذي ظنه شوقي و ظنه الناس كلهم أما المبشرون فقد استغلوا العلم النبيل ستاراً لغاياتهم المتمثلة في استعباد الشعوب و استغلاله سياسياً و اقتصادياً .
إن التبشير هو مشروع بابوي متميز ! فإن غريغوريوس السادس عشر الذي أصبح بابا عام 1831 م شجع اليسوعيين على المجيء إلى سورية و العمل فيها وكذلك أعطى البابا ليون الثالث عشر لليسوعيين في سوريا عام 1881 م حق منع الشهادات بأنواعها أما بيوس الحادي عشر الذي جاء إلى عرش رومية عام 1922 م فقد كان يسمى بابا التبشير ! (9)
و اعتمد المبشرون في الشرق على تعليم الأطفال في المدارس التبشيرية و ركزوا على المدارس الابتدائية و رأوا في ذلك وسيلة تأتي بأحسن الثمار في تنصير المسلمين و هي تعليم أولادهم الصغار (10)
التبشير و قادة البلاد في المستقبل
و التعليم العالي لا يقل أهمية عن سائر درجات التعليم و ذلك للوصول إلى الطبقة المثقفة المؤثرة في المجتمع (11) فأسسوا كليات في المراكز الإسلامية و أرادوا أن يكون لهم كلية في القاهرة إلى جانب الأزهر (12) فكانت الكلية الأمريكية في القاهرة و كان للمبشرين الفرنسيين كلية لاهور في الهند (13)
إجبار المسلمين على دخول الكنيسة في مدارس المبشرين
كما في مدراس الإرساليات الفرنسية و يجبرون أيضاً على حضور قداس الوعظ يوم الأحد و يصرون على تعليم التوراة و حضور دروس تفسيره .
التبشير بين الأميين
و اتفق المبشرون على أن يبدأ الكلام مع الأميين على مقام عيسى عليه السلام في القرآن الكريم و على المبشر أن يقول أمام الأميين "القرآن الكريم" و أن يذكر الشفاعة و الجنة و ما إلى ذلك من الألفاظ الإسلامية استمالةً للسامعين الأميين فإذا وثَقَ من آذانهم صبَّ فيها تبشيره (14)
التعليم السمي و التبشير
رأى المبشرون أن المدارس الرسمية في البلاد التي تكثر فيها المذاهب الدينية لا تتشدد في تعليم الدين بل تتساهل حتى لا تنفر أحداً من مواطنيها و حتى لا يحمل بعض المواطنين كرهاً لبعض و لقد رأى المبشرون في ذلك ثغرة أحبوا أن ينفذوا منها إلى عقائد الطلاب في مثل هذه المدارس .
و استغل الانتداب الغربي على الدول العربية كسورية و لبنان قدرته في فرض القوانين و سن الدساتير .. اسغلها في وضع مناهج تعليمية تساعد المبشرين في أعمالهم ..
التعليم النسائي خاصة
قال جسب : (( إن مدرسة البنات في بيروت في بؤبؤ عيني , لقد شعرت دائماً أن مستقبل سورية إنما هو بتعليم بناتها و نسائها , لقد بدأت مدرستنا للبنات ولكن ليس لها بعد بناء خاص بها و ها هي قد أثارت اهتماماً شديداً في أوساط الجمعيات التبشيرية (15)
و اعتمدوا أيضاً على جذب البنات في الأسر المعروفة لأن نفوذ هؤلاء يكون في بيتهن أعظم .
التبشير بين الدارسين في الخارج
مما لا ريب فيه أن ذهاب الطلاب الشرقيين إلى أوربة و أمريكة يكسبهم شيئاً من أساليب الحياة الغربية و الاتجاه الغربي في التفكير و التعلم و السلوك و ما إلى ذلك مما يكون نافعاً أو ضاراً و لكن المبشرون يريدون أن يستغلوا الطلاب الشرقيين في أمر خبيث .. يريدون أن يجعلوهم نصارى أو ممالئين للنصرانية (16)
و يدخل في هذا الباب زواج المسلمين بالغربيات ؛ الأوربيات و الأمريكيات ...
ملخص الفصل :
إن المبشرين و من ورائهم يستخدمون التعليم ظاهراً و باطناً للتبشير ..
ظاهره : دعوة لسلوك هم لا يسلكونه و تلك دعوة لم تتم ففاقد الشيء لا يعطيه ..
باطنه : تفكيك أواصر القربى الروحية في لأمة الإسلامية خاصة حتى يستطيع الغرب أن يحكم الشعوب و يستغل بلادها اقتصادياً و حربياً .
(1) Re – thinking Missions 118
(2) Jessup 592 . 567
(3) Anna A . Milligan , Milligan 108
(4) Jessup 304.518.519
(5) Jessup 593,Bilss –R- 334
(6) Jessup 593 , Bilss –r- 334 : Re-thinking Missons 204
(7) Recherche de la vraie religion
(8) Re-thinking Mission 163 f . 264
(9) Page de Mission cf Les Jesuites en Syrie 1:7
(10) Christian Workers 5
(11) Milligan 124-5
(12) Milligan 123f
(13) Gairdner 245
(14) Methods of Mission 36f
(15) Jessup 280
(16) Missionary Outlook 276
Bookmarks