سؤال برئ تتناقله الألسنة الأمريكية بعفوية وإستنكار
هل باتت أمريكا مخترقة من قبل الطبيعة الشريرة.. ؟!
وبالطبع كان من الأسهل لتلك العقول أن تصف قوى الماء الشريرة والرياح الآثمة .. بالإرهاب
إلا أنهم لسبب غير مفهوم لم يفعلوا ذلك.. ولم نسمع تصريحاً واحداً يؤكد هذا الإتهام
ليس لأن أحداً لن يصدقهم فى هذا الزعم ، فالمهابيل أكثر من المجانين فى نصف الكرة الشرقى ..
وإنما -أغلب الظن- أنهم يعكفون على إختيار الألفاظ المناسبة لهذا الحدث العظيم !

الشئ الذى يعصف بتلك الكائنات الأمريكية "المخترقة".. هو إحساسهم (المتواصل) بعدم الأمان وفقدان الإستقرار
فقد تلونت حياتهم باللون الأصفر.. والبرتقالى ، وفى إنتظار الأحمر عن قريب
حتى الماء والهواء تآمرا عليهم.. شوفوا الخيبة
مع أن ليلى مراد كانت تحبهما معاً ولم تجد غضاضة فى ذلك.. لكن الأمريكيين لهم رأى آخر !!

كنت أظن إلى عهد قريب أن الأمريكيين يفتعلون هذا الإحساس الغريب بالعظمة.. والإستغناء عن العالم
إلا أنى إقتنعت مؤخراً أنهم فعلاً يؤمنون بذلك..
ولم يفرضوا هذا الإحساس على الدنيا بأسرها من قبيل التغرير أو الخداع الإعلامى..
بل هم فى قناعة من الأمر.. أنهم معزولون عن الناس فى عليائهم.. محصنون فى قلاعهم من كل شئ..
خيرهم إلى الدول نازل.. وشرورهم إلي الأمريكيين عائد !

وانظر إلى أفلام السوبر مان (الأمريكى) الذى أنقذ العالم بملاءة زرقاء ثبتها على ظهره بدبوس مكتب..
وراح يطير ويحلق طوال مدة العرض.. وتسبح معه الخيالات الحالمة فوق أسطح البنايات
حتى فوجئوا ذات صباح ان سوبرمان أصيب بشلل رباعى .. ولم ينفعه تاريخه النضالى !
والمفترى "رامبو" الذى كان بإستطاعته أن يبيد قرية بأسرها فى فيتنام بمسدس واحد وامرأة عارية
مع أن القوم قد تم سحلهم واقعياً هناك.. فى فيتنام.. والصومال.. وغيرها من الكواكب
إلا أن قناعتهم الإعلامية ، والتى تشكل حقيقة الوجدان وما يختزنه العقل من مفاهيم ، مازالت محتقنة بأساطير الأولين
كأسطورة رجل المارينز الذى يرى النملة وهى تبدل البامبرز لأطفالها تحت الحجر الأسود فى الليلة الظلماء..
فلم يصدق الأمريكيون أن تلك الأسطورة القتالية المخيفة قد تم إختراقها بأنواع مختلفة من حبوب الهلوسة والمهدئات !
فلم يعد هناك شك فى أن "هوليوود" كانت وبالاً على الأمريكيين بكل المقاييس..
فقد نجحت فى تحويلهم جميعاً إلى بالونات مليئة بالأكاذيب.. تسبح فى فضاءٍ رحب فوق رؤوس المغفلين

يبدو أن شهر سبتمبر من الشهور المباركة..
فقد حمل الخير الكثير على ظهره.. للأخ الصديق جورج بوش.. أكثر من مرة
وبكل أسف .. فقد أفاق الشعب الأمريكى على حقيقة الإختراق المؤلمة متأخراً
ولم يعد شؤم الرئيس بوش وفأله النحس (وحده) هو السبب الرئيسى للكوارث التى عصفت ببلادهم فى زمن قياسى
بل هناك إختراق يهدد بقائهم على رؤوس الناس.. وخطة محكمة لشرشحتهم وتسويتهم ببقية سكان المجرة

الأمريكيون ينظرون دائماً للأحداث من حولهم على أنها لا تخص كوكبهم الأرضى المسمى أمريكا..
وما يحدث فى المجرات الأخرى الواقعة على حدود الكوكب الأمريكى مع باقى الكون لا تمثل أكثر من فيلم سينمائى محبك مدته ساعتين.. يدور حول إعانة إقتصادية.. تقرير مشبوه عن حقوق الإنسان.. شفط البترول من كروش العرب ، أما عدا ذلك فليس على أجندة أى من الإدارات المتعاقبة !.. والذى يدعى غير ذلك عليه ان يراجع مادة الجغرافيا للصف الثانى الإعدادى .. فالرئيس بوش كان واضحاً .. لا لبس فى كلامه ، وأعجب ممن يحاول أن يأول كلامه على غير ظاهره ويخرجه عن سياق النفخة الكذابة.. وإزدراء الآخرين ، فالرجل قال أنه يحارب العالم الذى يحيط بأمريكا.. كى لا تصل أوهامهم لأعتابها.. ويحيى شعب الله فى سلام.. داخل قلاعهم.. !

فكرة الإختراق لم تكن متوفرة فى عقل أى كائن أمريكى حى قبل سبتمبر المبارك.. وصدقت نبوءة السينمائيين الأمريكيين بكل قسوة.. فى أن الأجيال الأمريكية المتعاقبة ، والتى أدمنت عقار الإعلام السينمائى الأمريكى ، ستحيا منفصلة عن الواقع وحقائقه المفزعة .. فلقد وصل الأمريكيون إلى درجة من الإنتفاخ المرضى جعلتهم يشعرون أن سدودهم التى صنعوها بأيديهم ستردع الماء الإرهابى والرياح الشريرة.. ولأن السدود قد صنعت فى أمريكا.. بتكنولوجيا أمريكية فائقة.. فهى قادرة على ردع أى هجوم إرهابى يحاول أن يقضى على حرية العالم المتحضر.. فكيف أفلح هذا الإرهاب "الطبيعى" فى إجتياز السدود الأمريكية الصنع !!

لذلك.. لا تعجب كما تملكتنى الدهشة من ردود الأفعال الأمريكية حيال هذه الأحداث :
ففى الحالة السبتمبرية الأولى .. كان مدار السالفة الأمريكية حول : لماذ لم تكتشف أجهزة المخابرات (الجبارة) التى نملكها نية المهاجمين.. وكيف لم تصور الأقمار الصناعية الهائلة ما يدور فى نفوسهم.. وكيف لم تسمع وسائل إتصالاتنا الدقيقة همسهم وخفقان قلوبهم قبل أن يهاجمونا !؟ ..

ثم حين تكلم بعض العقلاء -على ندرتهم- فى هذا المجتمع العنكبوتى الهش عن سؤال آخر :
ما الذى دفع هؤلاء الإرهابيين لقتلنا وغزونا فى عقر دارنا من الأساس؟!.. ردت عليهم جموع المفكرين وعباقرة صناعة الزيف والبهتان الأمريكى بإزدراء.. عائدين بهم مرة أخرى لنفس المربع الإنتفاخى المزمن.. قائلين بنبرة الواثق المتكبر : بأن السبب فى ذلك أنهم يحسدوننا على حرية العالم المتحضر !
ثم حين قالوا لهم بصوت خافت : بل هم أناس يشعرون بالظلم.. ظلمناهم وقتلنا ذويهم.. فانتقموا منا
رد عليهم منفاخ الإعلام الجبار : بل هم إرهابيون بطبيعتهم.. خلقوا إرهابيين.. جيناتهم الوراثية تعج بقيم الفساد والإنحطاط.. وسواء علينا أقتلناهم أم لم نقتلهم فهم الظالمون !!

وفى الحالة السبتمبرية الثانية.. لم نجد إلا نفس السم ، فالسؤال الذى تدور حوله الرؤوس الآن : لماذ لم تبنِ إدارة الرئيس بوش سدوداً أقوى من هذه التى دُكت وأهلكتنا ؟
فمجرد وجود الفكرة القائلة بأن الأمريكيين كائنات يمكن أن تسحقها أعاصير ورياح بلا هوادة مرفوض وغير مطروح من الأساس على مائدة الإعلام. فلم يفكر أحد فى الإنكسار ولو لقوة "الطبيعة" لأنها -فى واقع الأمر- أقوى منهم.. أو أنهم أناس كغيرهم فى إندونيسيا التى سحقها تسونامى.. ولكن غاية ما فعلوا أن إنكب تفكيرهم على : تقصير بوش وإدارته فى منع حدوث الدمار من الأساس.. ونحمد الله أنهم لم يطلبوا -بعد- من رؤسائهم أن يمنعوا الإعصار نفسه.. ربما بقرار من كونجرس الأمم المتحدة !

نكتة أخيرة...
فى الوقت الذى يسبح فيه الأمريكيون فى حمام سباحة بارد.. بحجم ولاية لويزيانا
إختلطت فيه مياه الأمطار بالزيوت.. والنفط الخام بأبوال الآدميين
لم تنقطع ولو للحظة واحدة من رؤوسنا.. صورة المارد الأمريكى الضخم
الذى ترتعد منه فرائصنا بإتقان ومهارة..
فقد إعتدنا الخوف..
كما إعتادوا الكبر والغرور..


مفروس