حرية الكلمة.. حرية الفكر.. حرية التعبير.. حرية الرأى
لا أدرى ربما نسيت بعض الحريات الأخرى.. حريات كثيرة أثرت حياتنا الثقافية والإجتماعية بكثير من النجاسات الفكرية.. فكما يزخر البحر بكل ما هو طيب ، إلا أنه فى مكان ما تتجمع الطحالب.. وبينما ينظر بعض المتفائلين -ولست منهم- إلى هذا الإنفتاح الإعلامى الكاسح بمختلف قنواته ومجالاته على أنه كسب حضارى هام لابد لنا من الحفاظ عليه.. مازلت أشعر أننا فى حاجة إلى نوع من التقييد المعنوى لغلق أبواب الشر التى فتحت جحيمها على عقولنا.. لابد لنا ألا ننسى.. أن جيلنا جيل رضع الذل والإنكسار ، وفطم على نظرة التقديس لكل ما هو خارج حدودنا ، وشب وشاب على إحتقار الذات و الأهل والبلاد والعباد.. فكيف يكون مثل ذلك حكما على تراث هائل.. وحضارة ضاقت الأرض بزخمها.. ورجال ماعرف التاريخ مثلهم.. وبكل أسف صرنا نرى أن أول ما يحاكم هذا الجيل التائه الذى ماذاق حلاوة العزة والتمكين فإنه يحاكم أجداده.. ويلعن تراثه.. ويسفه أحلامه!
أيام زمان كان الذى يكتب أفكاره ويسود بها الصفحات ، كان يتقيد بشكل تلقائى بأعراف محمودة وثوابت لا تعرف التغيير ، دون أن يفرض عليه ذلك أحد.. بل كان أشبه ما يكون بالإلتزام الأدبى الغير مكتوب ، ينأى بنفسه الكاتب عن نسف المعتقدات و زلزلة كياننا الواهى أصلا.. وحتى وإن أراد النيل من بعض الثوابت فكان يلزم منهج التلميح دون التصريح.. والغمز واللمز دون المواجهة الذميمة.
أما الآن فنحن نعيش زمن الثورات.. الثورة على القديم.. الثورة على الأخلاق.. الثورة على الأديان (خصوصا الإسلام).. وحملت أيادى البعض معاول الهدم لكل الثوابت ، قاطعة بذلك كل الحدود و القيود المعنوية التى طالما إلتزم بها كل شريف عفيف.
فأصبحنا نرى من ينقل لنا خبث نفسه.. ووضاعة خلقه.. وحقارة أفكاره بشكل حى مباشر على الأوراق ، أو يملأ به فضاءنا الإلكترونى ، تحت مسميات عدة.. منها الإصلاح الدينى وما أرادوا إلا إفساده ، ونقد التراث وما أرادوا إلا نقضه ، ومراجعة الثوابت ومحاسبة الأنبياء و..و.. إلى كل ذلك من الهجوم الذى لا ينقطع ، وشارك -بجهل أوبسوء طوية- بعض أبنائنا وإخواننا فى جلد ظهورنا..
حتى أصبحنا جزائر منعزلة.. كلٌ يحمل فى رأسه فكرته العرجاء.. وفى يده سلاحه الذى يهاجم به من تسول له نفسه الإقتراب من شواطئه.. وجلس كل منا منعزلا فخورا برأيه مزهوا بخراءه الفكرى..
ليتنا ننظر حولنا بصدق.. من المستفيد من هذا البلدوزر الفكرى الذى يهدم كل ثوابتنا ويجادل حتى فى أبجديات حضارتنا وتراثنا.. أشعر بطاعون الحداثة ينهش أكبادنا و يفتت عقول أبنائنا لمصلحة من؟؟!.. أصبح كل من أمسك قلما وبدأ يكتب بعض الكلمات المتزنة بعد سنوات من الشخبطة فى كراريس المدرسة ، لا يجد بدا من التطاول على معتقداتنا والتى هى فى ذات الوقت إرثه وإرث أهله وأبنائه.. كثير من أبنائنا عزم على ولوج هذا الباب الكريه المنتن ، إما طمعا فى شهرة أو بحثا عن جدلية عقيمة كئيبة يشغلنا بها عما هو أجدى وأهم ، وإما لهوى وإفتتان بالفكر الليبرالى المتحلل والذى يخر بصاحبه من السماء فتخطفه الطير أو تهوى به الريح فى مكان سحيق.. فلا هو أبقى لنفسه مرجعية راسخة تشده إليها إن هو ضل الطريق وطرق أبواب الشر والفساد ، ولا وصل بتجرده المزعوم إلى شئ سوى نطح رأسه فى جبال العقائد الراسية.. فمهلا أيها المتهورون.. إنكم لن تقدروا على ضر هذه الأمة الباقية بذاك الضراط ، مهلا.. فنحن بحاجة لأقلامكم وحماسكم.. ولكن لنصرة أبائكم وابنائكم.. بدلا من أن تكونوا فأسا فى يد الأعداء.. فالخير فينا ومنا ولن تجد لسنة الله تبديلا.
ألا فليتق الله من كان كاتبا فكره.. ألا فليراجع نفسه من كان يحلم بهدم حضارتنا فوق رأس الجميع.. ألا فلينظر أحدنا ماذا يريد من نقل أفكاره إلينا.. كفوا أيها الأحباب عن غرس أقلامكم فى جسدنا الممزق.. وكونوا رحمة ودعاة خير لأمة تاه بها الطريق.