شواهد حول ارتباط التنصير باللادينية والعلمنة
كما سبق وذكرنا عند تعريف التنصير بأن الهدف الأول له هو إخراج المسلم من دينه أولاً حتى وإن لم يتنصر . وقد ذكرنا أقوال تاريخية لكنسيين كبار من أمثال بطرس المحترم عن أن الأهداف الإضافية لتشويه صورة الإسلام هو محاولة تنصير المسلمين . ولذلك فالهدف مشترك بين التنصير واللادينية وهو إخراج المسلم من دينه . إن أبرزوأوضح من يشهد على علاقة اللادينية والزندقة بالتنصير هو صاموئيل زويمر Samuel Zwemmer زعيم التنصير في العالم الإسلامي .
هذا الرجل الذي بشهادة المنصِّرين يحظى بأعلى تقدير في العالم النصراني لمجهوداته الكبيرة في تنصير المسلمين . ولكن الذي يميز أساليبه عن غيره من المنصِّرين أنه يستخدم الأساليب الملتوية ، وليس أدل على التحايل في أساليب تنصيره وزملاؤه للدخول من الأبواب الخلفية هو أنه عندما أسست البعثة التبشيرية في الخليج العربي بواسطة صموئيل زويمر وزملائه الدكتور لانسنج Dr. Lansing وجيمس كانتين Lames Contine وفيليب فيلبس Philip Phelps في أواخر القرن التاسع عشر ، كان اسم البعثة الاول هو (العجلة) ، إلا أنهم قاموا لاحقاً بتغييره إلى (الارسالية الاجنبية) للسماح بقيام عمل تبشيري في البلاد الناطقة باللغة العربية ، ثم قاموا بتغيير الإسم إلى (الإرسالية العربية) ويرجع ذلك أساساً إلى ان اختيار هذا الاسم يهدف إلى التغلب على الشكوك التي يحملها العرب نحو أنشطة الأجانب في وقت كانت تتصارع فيه المصالح الغربية في المنطقة (114) . لقد أتقن صموئيل زويمر اللغة العربية وكان محترفاً في الإسلاميات ، عمل 23 عاماً منصِّراً في الجزيرة العربية و 16 عاماً مديراً لمركز الدراسات الإسلامية والمطبوعات في القاهرة ، وأشرف على تحرير أهم مجلة نصرانية عن الإسلام لمدة 36 سنة وهي مجلة العالم الإسلامي (115) . وقد كتب صموئيل زويمر عدة كتب عن الإسلام منها : الإسلام تحد لعقيدة ، تفكك الإسلام ، دراسات في الإسلام الشعبي ، كتاب عن تأصير الخرافات الشعبية بين المسلمين بعنوان The Influence Of Animism On Islam : An Account Of Poplular Superstitions . وهذا الكتاب أوصى به مؤتمر كولورادو التنصيري عام 1978 كأحد المراجع الأساسية للمنصِّرين (116) . وحيث جئنا في ذكر مؤتمر كولورادو 1978 لتنصير المسلمين ، فقد تمخض عن ذلك المؤتمر إنشاء معهد لتنفيذ قرارات المؤتمر وتم تسمية هذا المعهد باسم معهد زويمر أو Samuel Zwemer Institute of Muslim Studies .
إن ما سيتم قراءته الآن من كلام صاموئيل زويمر في خطاباته في المؤتمرات التنصيرية التي عقدت في العالم الإسلامي أوائل القرن الماضي لخطيرة كل الخطورة . فمثلاً في عام 1910 أي بعد مؤتمر القاهرة التبشيري الذي رأسه زويمر بأربع سنوات يقول صموئيل زويمر : " لقد جربت الدعوة إلى النصرانية في أنحاء الكرة من الوطن الإسلامي ، وأن تجاربي تخولني أن أعلن بينكم على رؤوس الأشهاد أن الطريقة التي سرنا عليها إلى الآن لا توصلنا إلى الغاية التي ننشدها ، فقد صرفنا من الوقت شيئاً كثيراً وأنفقنا من الذهب قناطير مقنطرة ، وألفنا ما استطعنا أن نؤلف ، وخطبنا ما شاء الله أن نخطب ، ومع ذلك فإننا لم ننقل من الإسلام إلى النصرانية إلا عاشقاً بنى دينه الجديد على أساس من الهوى أو نصاباً سافلاً لم يكن داخلاً في دينه من قبل حتى نعده قد خرج عنه بعد ذلك ، ولا محل لديننا في قلبه حتى نقول : إنه دخل فيه . ومع ذلك فالذين تنصروا لو بيعوا بالمزاد لا يساوون ثمن أحذيتهم . فالذي نحاوله من نقل المسلمين إلى النصرانية هو اللعب أشبه منه بالجد ، فلتكن عندنا الشجاعة الكافية لإعلان أن هذه المحاولة قد فشلت وأفلست ، وعندئذ يجب علينا قبل أن نبني النصرانية في قلوب المسلمين أن نهدم الإسلام من نفوسهم حتى إذا أصبحوا غير مسلمين سهل علينا أو على من يأتي بعدنا أن يبنوا النصرانية في نفوسهم أو في نفوس من يتربون على أيديهم " . ويقول أيضاً : " إن عملية الهدم أسهل من عملية البناء في كل شيئ إلا في موضوعنا .. لأن هدم الإسلام في نفس المسلم معناه هدم الدين على العموم ، وهي خطة مخالفة لما ندعو إليه لأنها خطة إلحاد وإنكار للأديان جميعاً ، ولكن لا سبيل إلى تخليص المسلمين من الإسلام غير هذا السبيل " (117) .
كما يشير بعد أكثر من عشرين عاماً على هذا الخطاب إلى نجاح استراتيجيته في نزع المسلم من دينه وذلك في مؤتمر القدس عام 1935م حيث أعلن صموئيل زويمر عن الأهداف الخبيثة للتنصير بقوله للمنصِّرين في المؤتمر : " إنكم أعددتم نشئاً (في بلاد المسلمين) لا يعرف الصلة بالله ، ولا يريد أن يعرفها ، وأخرجتم المسلم من الإسلام ولم تدخلوه في المسيحية وبالتالي جاء النشء الإسلامي طبقاً لما أراده الاستعمار المسيحي لا يهتم بالعظائم، ويحب الراحة والكسل، ولا يصرف همه في دنياه إلا في الشهوات. فإذا تعلم فللشهوات، وإذا جمع المال فللشهوات، وإن تبوأ أسمى المراكز ففي سبيل الشهوات يجود بكل شيء". ثم يقول مهنئاً : "إن مهمتكم تمت على أكمل الوجوه وانتهيتم إلى خير النتائج وباركتكم المسيحية ، ورضي عنكم الاستعمار، فاستمروا في أداء رسالتكم فقد أصبحتم بفضل جهادكم المبارك موضوع بركات الرب " (118) .
إن التنصير في نظر زويمر هو باختصار : إخراج المسلم من دينه أولاً وقبل كل شيئ سواء أدى ذلك ليصبح نصرانياً أو يبقى زنديقاً ملحداً . ولنا أن نتصور خطورة مثل هذه الاستراتيجيات على الفرد قبل أن تكون خطراً على المجتمعات . إن أول ما ينبري إلى أذهاننا من جراء هذا الطرح التنصيري هو أن إفساد أخلاق المسلمين هي خير وسيلة لتنصيرهم . ولكي يتم هذا فلا بد من استخدام وسائل الزندقة والإلحاد ومبادئ الشك . وبصورة مبسطة : استخدام اللادينية لتنصير المسلمين . وما يجعل هذه الاستراتيجية التنصيرية حقيقة وواقعاً ما ينقله لنا العلامة الشيخ محمد الغزالي رحمه الله في كتابه (قذائف الحق) حيث ينقل لنا من خلال تقرير رهيب عن خطاب ألقاه البابا شنودة في الكنيسة المرقسية الكبرى بالاسكندرية في اجتماع سري . وقد تم رفع هذا التقرير للجهات المختصة واطلع عليه الشيخ عام 1973 . يقول التقرير المرفوع للجهات المختصة : " بسم الله الرحمن الرحيم ..... نقدم لسيادتكم هذا التقرير لأهم ما دار في الاجتماع ، بعد أداء الصلاة و التراتيل طلب البابا شنودة من عامة الحاضرين الانصراف ولم يمكث معه سوى رجال الدين وبعض أثريائهم الإسكندرية ، وبدأ كلمته قائلاً : إن كل شيء على ما يرام و يجري حسب الخطة الموضوعة لكل جانب من جوانب العمل على حدة في إطار الهدف الموحد" . ثم يتكلم التقرير عن عدد من الموضوعات تحدث بها البابا شنودة ومنها (التبشير) حيث يقول البابا شنودة : " كذلك فإنه يجب مضاعفة الجهود التبشيرية الحالية إذ أن الخطة التبشيرية التي وضعت بنيت على أساس هدف اتُّـفق عليه للمرحلة القادمة ، وهو زحزحة أكبر عدد من المسلمين عن دينهم و التمسك به ، على ألا يكون من الضروري اعتناقهم المسيحية ، فإن الهدف هو زعزعة الدين في نفوسهم ، و تشكيك الجموع الغفيرة منهم في كتابهم و صدق .. و من ثم يجب عمل كل الطرق و استغلال كل الإمكانيات الكنسية للتشكيك في القرآن و إثبات بطلانه و تكذيب محمد . وإذا أفلحنا في تنفيذ هذا المخطط التبشيري في المرحلة المقبلة فإننا نكون قد نجحنا في إزاحة هذه الفئات من طريقنا ، و إن لم تكن هذه الفئات مستقبلاً معنا فلن تكون علينا .
غير أنه ينبغي أن يُـراعَي في تنفيذ هذا المخطط التبشيري أن يتم بطريقة هادئة وذكية ، حتى لا يكون سببًـا في إثارة حفيظة المسلمين أو يقظتهم " (119) .
يتبع إن شاء الله .............
________________________
(114) التبشير في منطقة الخليج العربي دراسة في التاريخ الاجتماعي والسّياسي، د. عبد المالك خلف التّميمي، ص 40-42
(115) الغارة الجديدة على الإسلام بروتوكولات قساوسة التنصير ، د. محمد عمارة ص 72
(116) رؤية إسلامية للاستشراق ، أحمد غراب ، ص 63
(117) الإسلام والمسلمون بين أحقاد التبشير وضلال المستشرقين ، د. عبدالرحمن عميرة ، ص 35 – 36
(118) رؤية إسلامية للاستشراق ، أحمد غراب ، ص 63
(119) قذائف الحق، محمد الغزالي، ص 70-74
Bookmarks