بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
كنتُ اشاهد الفلم المُلهم “V for Venddetta” مع اختي حين ابدت اعجابها بالممثلة ناتالي بورتمان و بتمثيلها المتقن، و وسط الحديث عنها اضفتُ ملاحظة من نوعية “للعلم فقط” و هي ان ناتالي بورتمان اسرائيلية،انقلب وجه اختي و نبرة صوتها و سئلتني: “يعني يهودية؟” و عندما اجبت بنعم انقلب الحديث للكلام عن سوء تمثليها و لهجتها البريطانية غير المتقنة و شعرها السيء… و الواقع ان اختي ليست حالة فريدة او متميزة، و العداء الاوتوماتيكي لأي شيء ينتمي للعدو هو صفة و خصيصة يشترك بها البشر كلهم بعربهم و يهوديهم ،و بالامكان اعتبار تصرف اختي نموذجًا قابلاً للتعميم على كثير من العرب و المسلمين بهذا العصر.. و إني لأحيّ طبعًا هذا الحس بالولاء و الاخلاص لقضية الأمة التي ينتمون اليها، و الذي من لوازمه كره العدو و التفريق بين ال”نحن” و ال”هم” … ليست الحكمة ان تحب عدوك، بل هذا من الهوان، لكن ليس من الحكمة ان تقلل قدر عدوك لأنك تكرهه، بل هذا من الجهل، و انا لا اجد حرجًا في ان اصرح بأني احترم أعداءً كثيرين احترم جولدا مائير مثلاً، تلك المرأة التي صنعت دولة و التي كانت تعمل 18 ساعة باليوم لتحقق حلم شعبها مضحية بحياتها العائلية، و لا احترم ثلاثة ارباع نساء المسلمين اللاتي يقضين حياتهن في الجري وراء الزوج و الموضة و المسلسلات، احترم هرتزل الذي سخر قلمه و مؤلفاته و انتقل من بلد الى بلد ليبحث عن حلٍ لهموم شعبه – التي ليست بحقيقتها الا تعبيرًا عن النفسية اليهودية المُحتقَرة المتعالية الحقود الرافضة للاندماج – و لا احترم ثلاثة ارباع رجال امتنا الذين لا هم لهم الا ان يدرس لينجح ليدخل كلية فيصبح مهندسًا او طبيبًا ليتزوج و ينجب اطفالاً ثم يموت، دون ان يؤرقه هم من هموم امته الكثيره، و لا احترم كثيرًا من كتابنا و صحفيينا و “مفكرينا” – لا احب هذه التسمية، كلنا نفكر! – فإما ان يسخر قلمه لكي يأكل منه و هذا هو الغالب – و بئس القلم قلمٌ يعتاش منه صاحبه – فيتخصص في نشر اخبار النجوم و المسلسلات و الكتابات الجنسية، و إما ان يكون كاتب ساعة، يكتب احداث الساعة لأنها احداث الساعة، دون اجندة او ايدولوجية تفرض نفسها عليه و يسخر قلمه لها، و بين هذا و ذاك تجد اقلامًا تستحق ان تُقرأ لكنها مغمورة لا تكاد تُعرف، لان الجماهير نفسها ليست مستعدة لتنظر في المرآة و تواجه واقعها المخزي ثم تحل مشاكلها، و الاسهل ان تُغيب نفسها باحلام اليقظة و توفي دينها لأمتها بالاوبريهات الوطنية و المعبرة عن القضية الفلسسطينية او بدعوات مقاطعة الجبن و الزبدة و جوجل… اقول اني احترم وايزمان الذي سخر اختراعه لنوع جديد من القنابل ليساوم بريطانيا مقابل وعد بلفور، و لا احترم كثيرًا من القييمين على الكليات و المعاهد “العلمية” عندنا و امثالهم من رؤساء الجامعات، و لا اقول اني لا احترم المبدعين العرب حتى من هاجر منهم، لأن هؤلاء – القيمين على تلك المعاهد – يفضلون قضاء وقتهم بأن يُشخروا وراء مكاتبهم الفخمة و يحضروا حفلاً سنويًا او اثنين، على ان يضطلعوا بمهمتهم في دعم هؤلاء المبدعين و الاستفادة منهم، الذين هم اصل مهم من اصول اي امة عجلة دفع للأمام، لانهم اساسًا ليسوا كفؤًا لهذه المهمة و ليسوا مدركين للدور و الواجب الذي هو فرض عليهم لا منه منهم، و المحصلة هجرة العقول العربية الى الخارج لتساهم في دفع عجلة التقدم لأعدائنا لا لنا، ثم لتسمى اختراعاتهم باسماء غربية و تندرج في انجارات تلك الامم – و في هذا نظر و وجهة نظر -، ليأتيك اشقر ازرق العينين و يقول لك ” ان سبب التخلف بأمتكم هو سبب جوهري” او الاسوء ان تسمع نفس الجملة من اسمر اسود الشعر.
هل يحق للعرب ان يحتقروا اسرائيل؟ الجواب برأيي لا، لأن الاحتقار يفترض تفوقًا من المُحتقِر على المُحتقَر و نحن لا نتفوق عليهم بشيء سوى عقيدتنا التي لا نطبقها، يحق لنا بل يجب علينا ان نكره ذاك الكيان الغاصب، لكن في احتقار تلك الامة اللقيطة غرور و تعالي لا نملك توفير ثمنه الآن، و الكره شيء جيد و دافع قوي الى الامام.. عندما تكره الكفر تحاربه، عندما تكره محتل بلدك تقاومه و عندما تكره الجهل تتعلم و تُعلم.. عندما تكره عدوك تسعى لكي تتفوق عليه، المشكلة فقط عندما يبرد ذاك الكره في الصدور، و يصبح مجرد طقس و واجب ترثه منذ ولادتك، ان تكون عربيًا يعني ان تكره اسرائيل، دون ان تغذيه بما تغذيه اسرائيل لأطفالها صباح كل يومُ في المدارس، عن العرب البدو القذرين الهمجيين، عندما يصبح كرهك مجرد تحصيل حاصل و شيء ورثته مع سَمارك، شيء يجعلك تضعط لايك على عجل في بوست يتحدث عن شهيدٍ فلسطيني باسرائيل فكرهك لا فائده منه و انت ذاتك لا فائدة منك، و عندما تزيد فوق هذا الكره البارد سلبية و لا مبالاة، تعرف لم هذه الأمة مبتلاة بهذا البلاء… اقول، ان الامة بهذه العصر ليست محتاجة لكرهٍ بارد او ولاء ينحصر بالتقليل من شأن اي شيء يهودي لأنه يهودي، اننا بحاجة لأن نتعلم من اعدائنا مثلما تعلموا منا، تحتاج جولدا مائير و وايزمان و هرتزل مسلمين باسماء و جلود عربية، ليست محتاجة لثلاثة ارباعنا الرازحين تحت السلبية و اللامبالاة، انها بحاجة لمخلصين ديناميكين، اذكياء منظمين يدركون جيدًا قوانين هذا العصر فينصاعون لها و يطبقوها كي يتغلبوا عليها، نحتاج سيولاً من الايجابية و العمل البناء و الاخلاص، الاخلاص الحقيقي الذي هو قولٌ و عمل لا قول و ضغط لايكات.. لألخص هذه المقالة اقول: الامة بحاجة لأبنائها، لا للنفط او مجلس الامن او خطط خمسينية للتنمية، عندما تحين ساعة الخلاص، عندما نبدأ في اجتياز عنق الزجاجة، ستكون النفوس قد تغيرت.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
Bookmarks