لهذا لم يتحتم علينا التقيد بما تفرد به بعض أهل العلم دون بعض و أمكن الأخذ بالغالب على أقوالهم أو بما اهتدى إليه المهتدي بقوة الحجة و المنطق و سعة العلم و الإجتهاد. ففوق كل ذي علم عليم.
و قد وجدت جواب سؤالك حول الخلاف أخي في كتاب ''فصول في أصول التفسير'' لمؤلفه سليمان الطيار، قال :
متى يكون الترجيح؟
التفسير المنقول إما أن يكون مجمعاً عليه، أولاً.
فإن كان مجمعاً عليه؛ فلا حاجة إلى الترجيح. والإجماعات في التفسير كثيرة، وقد ذُكر بعضها في مبحث (الإجماع في التفسير)، ومنها:
1 - تفسير اليوم الموعود بيوم القيامة في قوله تعالى: {وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ} [البروج: 2] (1).
2 - تفسير المغضوب عليهم باليهود، والضالين بالنصارى (2).
وإن كان مختلفاً فيه، فالاختلاف نوعان:
الأول: اختلاف تضاد: مثل تفسير قوله تعالى: {يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ} [الأنفال: 6].
قيل: المجادل هم المسلمون، وقيل: هم الكفار.
وفي مثل هذا النوع يعمل بقواعد الترجيح لبيان القول الصواب في الآية.
الثاني: اختلاف تنوع: وقد سبق بيان أمثلته.
وفي هذا النوع يعمل بقواعد الترجيح لبيان القول الأولى إن احتاج الأمر إلى ذلك وإن كانت الآية تحتمل المرجوح. [94]
طريقة المفسرين في عرض التفاسير المنقولة:
لما كان الترجيح لا يأتي إلا في الاختلاف بنوعيه، فإن المفسرين لهم ثلاث طرق في حكاية هذا الاختلاف :
الأولى: حكاية الاختلاف دون بيان الراجح من الأقوال؛ كتفسير الماوردي وابن الجوزي.
الثانية: حكاية الاختلاف مع بيان الراجح دون ذكر مستند الترجيح؛ كتفسير ابن عطية.
الثالثة: حكاية الاختلاف مع بيان الراجح والقاعدة الترجيحية التي هي سبب الترجيح، كتفسير الطبري والشنقيطي.
ومع أهمية هذا الموضوع، فإنك قلَّ أن تجد له مبحثاً خاصّاً في مقدمات المفسرين، وغيرها.
وقد أشار إليه العز بن عبد السلام (ت:660هـ) في كتابه الموسوم بـ (الإشارة إلى الإيجاز في بعض أنواع المجاز) حيث ذكر بعض القواعد الترجيحية دون ذكر أمثلة لها (1).
وذكر المفسر محمد بن أحمد بن جزي الكلبي (ت:741هـ) في مقدمة تفسيره اثني عشر وجهاً في الترجيح (2).
أما استعمال القواعد الترجيحية في ثنايا التفسير فقد حاز قصب السبق فيها شيخ المفسرين الإمام ابن جرير الطبري، وقد كان له في الترجيح بالقواعد طريقان:
الأول: أن يذكر القاعدة الترجيحية بنصها عند ترجيحه لقول في التفسير.
الثاني: أن لا ينص على القاعدة بعينها ولكن يرجح بها؛ كقاعدة: «العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب» (3)، فهو يرجح بناء على هذه القاعدة، ولا ينص عليها. [95]
ونظراً إلى كون الإمام ابن جرير هو أول من أعمل هذه القواعد فيتفسيره بكثرة واضحة جدّاً، فإني أرى أن أسرد لك عباراته في بعض القواعد:
1 - غير جائز ادعاء خصوص في آية عام ظاهرها إلا بحجة يجب التسليم لها (1)؛ أي: أن الخبر على عمومه حتى يأتي ما يخصصه (2).
2 - التأويل المجمع (3) عليه أولى بتأويل القرآن (4).
3 - الكلمة إذا احتملت وجوهاً لم يكن لأحد صرف معناها إلى بعض وجوهها دون بعض إلا بحجة (5).
4 - إنما يوجه كلام كل متكلم إلى المعروف في الناس من مخارجه دون المجهول من معانيه (6).
5 - أولى التأويلات بالآية ما كان عليه من ظاهر التنزيل دلالة مما يصح مخرجه في المفهوم (7).
6 - غير جائز ترك الظاهر المفهوم من الكلام إلى باطن لا دلالة على صحته (8).
7 - إلحاق بعض الكلام ببعض إذا كان له وجه صحيح أولى من القول بتفرقه واعتراض جملة بينه وبينه (9). [96]
8 - الذي هو أولى بكتاب الله عزّ وجل أن يوجه إليه من اللغات الأفصح الأعرف من كلام العرب دون الأنكر الأجهل من منطقها (1).
9 - غير جائز الاعتراض بالشاذ من القول على ما قد ثبت حجته بالنقل المستفيض (2).
ومن القواعد التي استعملها ولم ينص عليها:
1 - العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب (3).
2 - الترجيح بدلالة السياق (4).
Bookmarks