توطئة : في الحقيقة أنا من المتابعين الدائمين لمنتدي التوحيد منذ قرابة السنة , ولست من أنصار التطبيل لكن من باب إسناد الفضل إلي أهله أقول : أن منتدي التوحيد خلق بالنسبة لي نقلة حقيقة معرفية زاد في إدراكي وتوسعت فيها مداركي وإنتبهت إلي أشياء لم تكن تخطر علي البال وهي من الأهمية بمكان , وأهم من ذلك أنني تعرفت علي إخوة أحببتهم في الله علي غير أرحام بيننا وتمنيت من خالص قلبي أن أقابلهم فردا فردا وأشكره علي كل موضوع أو تعليق كتبه في المنتدي وأستفده منه , خصوصا محاوري المنتدي الأعزاء الذين كانت الصفة الجامعة بينهم البساطة في الأسلوب والعمق في الطرح وتحسس مواضع الخلل بصورة موفقة _نحسبهم والله حسيبهم ولا نزكي علي الله أحدا _ .
ومع أن هذا المقال هو مقالي الأول في المنتدي إلا انني أرد أن أقدمه لطلبة العلم ومن هم في مثل مستواي الفكري والمعرفي, أولئك الذين يرومون أن يتقدموا في المعارف وأن يقدموا أضافة حقيقة في علوم الرد علي الملاحدة والمذاهب الفكرية الأخري سواء قصدوا بذلك نفع مجتمعاتهم أو أن يقدموا دفعة للمنتدي قاصدين بذلك وجه الله العلي الكريم . وأرجو أن يتقبل الأخوة مني هذه اللفتة فهي نصيحة مشفق محب , ونقد مبني علي حب الخير وإستشراف المستقبل , وهي قبل كل ذلك واجب ألزمني إياه حبيبي رسول الله في وصيته المعروف : " والنصح لكل مسلم " وقوله في الصحيح :" الدين النصيحة , الدين النصيحة , الدين النصيحة , قلنا : لمن يا رسول الله , قال : لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم " .
فاتحة المقال : " إياك أن يصرفك عن طريقك الطويل برق خلب , أو رعد مصم , وبعض البرق والرعد هو من جهام وهو السحاب يبرق ويرعد ولا ماء فيه "
في الصفوف المدرسية الأولى كانت معلوماتنا عن الكرة أن يجري جميع فريقنا نحو اللاعب الذي معه الكرة من الفريق الآخر ، فإذا انتقلت الكرة لغيره من لاعبي الفريق الآخر جرينا نحوه هو الآخر متكتلين أيضاً. ثم كانت طريقة التسجيل عندنا أن تتحرك جموع الفريق كاملة نحو هدف الخصم لتسجيل الأهداف دون أن نجعل أحدهم يقف في الوسط أو حتي في الدفاع حتي يرد الهجمات المرتدة بل كان في كثير من الأحيان يشارك الحارس نفسه في تلك الهجمات !!!!!
لم تكن لدينا أي فكرة عن الانتشار في الملعب وطرق الضغط على الخصم أو عن وظيفة كل لاعب وموقعه داخل الملعب.
هذا هو باختصار واقع كثير جداً من الشباب المبتدئ، مشروعه لخدمة الدين يقوم على العشوائية والتخبط والبحث كل يوم عن من أخذ الكرة ليجري ورائه؛ ليرد شبهة أو ينتقد رأياً أو يٌشهر بتصرف
سيل من ردود الأفعال غير الممنهج والذي لا يرقى حتى ليكون تصرفات تكتيكية بلا استراتيجية , فهو حتى دون التصرفات التكتيكية ؛ لأن أغلبه ردود فعل أشبه بالجري وراء الموضة أو بنفثات الغيظ على ما قاله فلان أو فعله فلان لا تبلغ حتى أن تكون نقداً يُثري الحق ويُضعف الباطل. مشروع الأخ الكريم مشروع لحظي مزاجي بحسب ما يفتح به عليه الفيس بوك أو تفيضه عليه الصحف أو يثار بين جنبات منتدي التوحيد. فاليوم هو باحث مختص في المسائل الشرعية , وغدا هو سياسي مع أحداث الثورة والربيع العربي , وبعد غدا أديب يكتب الأشعار وينثر الروايات ,,,,,وهكذا دواليك !!!!!
ولو شئنا أن نمثل بالمنتدي التوحيد تحديدا فأخونا اليوم مع نقد الصدفة , وغدا ينتقد الدارونية , وبعد غدا القاديانية والعلمانية , ثم ينفث بعض الغضب في منكري السنة والأحاديث ,,,,,وهكذا....
نعم. ربما تنجح في إستخلاص الكرة أحياناً لكن قدرتك على إحراز الأهداف ستكون ضعيفة، وقدرتك على الفوز بالمباراة أضعف، وقدرتك على تنمية مهاراتك شبه العدم , أما الفوز بالدوري وحمل الكأس فهذا معدوم تحقيقا .
يا عزيزي هل تعلم معني أو متلازمة أن تكون في موقع معين أو تخصص معين ؟؟؟ المعني ببساطة هو أنك يجب أن تغض الطرف عن كثير من المعارك الفكرية والإهتمامات السلوكية حولك في الساحة حتي تركز فكرك وجهدك في مشروعك الخاص , نعم ربما تخسر بعض المعارك المادية والفكرية التي كنت _علي الأقل _ تؤدي فيها مجهودا حسنا لكن كما سبق قدرتك علي الفوز في المعركة الكبري سيضعف جدا , مالم يطبق الإنسان مفهوم التخصصية تطبيقا فكريا وعمليا بصورة جادة فإن :السنين يا صاحبي ستمر عليك وأنت كما أنت علماً وديناً هذا إن حفظت رأس مالك ولم يتسرب هو الآخر من بين يديك !!!
ولا أعني بذلك أن تركز جهدك في مسألة بعينها وتتجاهل بقية المسائل التي قد يضرك الجهل بها وإنما أقصد أن تلم بكل أسس العلوم من عقيدة متينة راسخة وعلوم القرآن الكريم متبوعة بإستدلالتها المنطقية – كما يقول شيخنا أبو الفداء في الحوار الذي دار معه علي المنتدي بأسم فلسفة العلم _ ثم بعد ذلك علوم السنة رواية ودراية ومصطلح الحديث ثم اللغة ومباحثها الأساسية وتمكن نفسك فيها بحيث تصل إلي مستوي المدرك المحيط القادر علي البحث ومعرفة حلول الشبهات وطريقة الرد عليها , ثم تلتفت إلي ملف الإلحاد ونقض حجج أهل الباطل والزيغ إبتداء من إثبات وجود الله وحدوث العالم مرورا بإثبات النبوءات وصدق القرآن وحجية السنة وإنتهاء بطرق التعامل مع القرآن والسنة والرد علي شبهات العلمانية والمرجفين . ويلاحظ القارئ الكريم أنني بدأت بالعلوم الشرعية الأساسية من قرآن وسنة ولغة ثم عرجت علي مناهج المخالفين وما ذلك إلا لأن البناء والتأسيس أهم من الرد والتعليق كما يقول شيخنا أبو فهر السلفي .
ثم بعد ذلك تأتي للأمر المهم هنا وهو محور المقال ألا وهو التخصصية فتختار مجالا معينا من المجالات التي يهتم بها المنتدي سواء وجود الله وإثبات ذلك , نظريات نشأة الكون , بحث في الصدفة وأسسها , فلسفة الأخلاق , المناهج العلمية ونظرية المعرفة , العلمانيون والليبراليون الأسس والمسار والقضايا الكلية , تحكيم الشريعة ومشكلاتها , القاديانية ,القضايا العصرية ,,,, إلخ , ثم تبدأ في التمعق والبحث المستوفي المستقصي , وتركز قراءتك في الكتب التي تتناول هذا الموضوع , مع عدم إهمال بقية المسائل كما ذكرنا سابقا ,وما ذلك إلا لتخرج الدرر المكنونة في ذلك المجال وتأتي بما لم يستطعه الأوئل وهل منتدي التوحيد إلا مجموعة طيبة مباركة من الباحثين كل منهم تخصص في مجال من المجالات إبتداء بالأخ ناصر التوحيد نسأل الله أن يتغمده برحمته ويسكنه فسيح جناته ويجعله من أصحاب اليمين اللهم آمين , والشيخ العلامة أبو مريم , والأخ الماتع في نقد الإلحاد السرداب , والأخ والأستاذ الجليل أبوفهر السلفي صاحب المشروع في نقد التيارات السياسية في العالم الإسلامي والتأسيس لفكر سياسي إسلامي راشد يقوم علي الكتاب والسنة كما في كتابه الماتع الدولة المدنية المفاهيم والأحكام وكتاب المسلمين بين فقه التمكين والإستضعاف , أو الأخ الحبيب صاحب الحس النقدي الساخر فارس مفروس , أو الأستاذ الأديب هشام بن الزبير صاحب المقامات الرفيعة الثرة , أو الدكتورالمفكر عبد الله الشهري المشهود له بنقد الفلسفات الغربية وموسوعيته في السنة وعلوم اللغة والثقافة , أو الدكتور هشام عزمي من أكثر من نقدوا الدارونية , ومعه في ذلك الأخ الجليل أبو حب الله صاحب الكتابات الماتعة في نقد الإلحاد وأهله , وأيضا الشيخ أبو الفداء الجليل حفظه الله صاحب الكتاب والمجهود في نقد كتاب رتشرد دوكنز ( الذي يذكرنني بالباحث المسلم حمزة إندريز المقيم في المملكة المتحدة الذي ناظر دوكنز في أحد المقاهي حتي قام دونكز بشتمه والمناظرة موجودة علي اليوتيوب وأخرج كتاب في نقد كتاب وهم الأله ) , ومعه كذلك الأخ عبد الواحد بمقاله الرائع الصدفة التراكمية وجهالة دوكنز , والباحث الدكتور أحمد إدريس الطعان في كتابه الماتع " العلمانيون والقرآن ", والقائمة تتطول وهؤلاء هم من تذكرتهم الآن ولكن غيرهم كثير والأخوة في المراقبة كل ذلك المجهود التراكمي والمتكاتف هو من أوجد وصنع منتدي التوحيد بهذه الحلة الجميلة القوية التي ما دخلها مريد للحق إلا بين له الحق أو بعض من أنوار الحق . فلابد لنا أن إردنا إن يستمر هذا العطاء وأن يتجدد أن يتواصل هذا المد المبدع من الباحثين والعلماء والمفكرين ولن يكون ذلك واقعا إلا إذا إتبعنا منهج التخصصية الذي ذكرت .
ولم يعد الأمر كما كان في العصور السابقة حيث كان العلم ذو طبيعة موسوعية , فتجد العالم يعلم في الفقه والطب والحديث والفلك وغيرها فالإمام الطبري مثلا هو مفسر، ومؤرخ، وفقيه، وعالم لغة وشعر. وابن خلدون في الأساس مغامر سياسي، لكنَه عُرف بأنه مؤرخ، وقاضي قضاة المالكية بمصر، وكثيرون ينسبون له الإبداع في علوم الاجتماع والاقتصاد والتربية وغيرها. وابن سينا فيلسوف وطبيب، وابن رشد فقيه وأصولي وطبيب وفيلسوف، وابن تيمية كتب في الفقه والأصول والسنة والتصوف والمنطق وهكذا , أما الآن فإن الأمر قد أختلف أختلافا كليا فالعلوم قد تفرعت وتشتتت وتشعبت بصورة أصبح فيها من العسير جدا أن تلم بعلم معين ناهيك عن أن تكون رجلا موسوعيا ,هذا نتاج طبيعي للتفرع الكبير والتخصصية الضخمة التي برزت في كل علم حتي جعلت تحته حجم متضخم من التفريعات والأنواع , وصارت التخصصية هي السلعة الرائجة المرغوبة .
إن قوة التخصصية ليست فقط في أنها تسد حاجات الأمة وثغراتها بل أهم من ذلك أن التوظيف الأمثل للتخصصية بخلق مبدعين ومسئؤلين في كل مجال وإن كانوا قلة فإنه يخلق ما يسمي بجماعات الضغط الإجتماعية التي تسعى إلى فرض أفكار و قيم معينة وتخليق السلوكيات الراشدة وذلك بالتأثير في مناطق صنع القرار المجتمعي , وذلك لأنها تخترق عالم الأفكار والعلاقات في كل جوانب المجتمع ( في السياسة والإقتصاد والفكر والدين واللغة ,,,,إلخ) ومعلوم أن الطبيعة والحالة التي يكون عليها صناع القرار المجتمعي ( وهم قادة جوانب المجتمع المذكورة سابقا ) تنعكس تدريجيا علي المجتمع بسبب السياسات وسلسلة الأعمال التي ينفذونها ويكتبونها هم في المجتمع .
وختاما أقول : " فليمعن الناظر فيه النظر , وليوسع العذر إن اللبيب من عذر , ويأبي الله العصمة لكتاب إلا لكتابه والمنصف من أغتفر قليل خطا المرء في كثير صوابه "
محب وتلميذ منتدي التوحيد :خالد عثمان الفيل
Bookmarks